المساهمين
المؤلف
قسم الفقه المقارن، کلية الشريعة والقانون بأسيوط، جامعة الأزهر، أسيوط، مصر
المستخلص
الكلمات الرئيسية
الحمد لله العلى القهار, مقدر الأقدار ومکور اللیل على النهار, تبصرة لأولى الألباب والأبصار.
أحمده سبحانه أبلغ الحمد على جمیع آلائه ونعمه التی لا تعد ولا تحصى وأسأله المزید من فضله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, وصفیه من خلقه وخلیله, أفضل المخلوقین, وأکرم السابقین واللاحقین؛صلوات الله وسلامه علیه وعلى جمیع النبیین, وعلى آله وأصحابه الغر المیامین, وعلى التابعین, ومن سار على دربهم إلى یوم البعث العظیم.
أما بعد ،،،،
فإن أعظم الأمور خطرًا وقدرًا وأعمها نفعًا ورفدًا ما استقام به الدین والدنیا وانتظم به صلاح الآخرة والأولى؛ لأن باستقامة الدین تصح العبادة، وبصلاح الدنیا تتم السعادة.
والشرع الحکیم والعمل به مصدر سعادة العالمین أجمعین ؛لأن مبناه وأساسه الحکمة ،بل الشریعة حکمة کلها ،وکل سبیل یحقق الحکمة الراشدة یصبح جزءً من الشریعة ؛لأن الحاجة إلى الشیء افتقار إلیه، والمفتقر إلى الشیء عاجز به، ودفع العجز واجب شرعاً وعقلاً .
قال الماوردی:" ولما خلق الله الإنسان ماس الحاجة ظاهر العجز جعل لنیل حاجته أسبابًا، ولدفع عجزه حیلاً دله علیها بالعقل، وأرشده إلیها بالفطنة". ([1])
والعقل من أهم صفات الکائن الإنسانی قال الآمدی:" اتفق العقلاء على أن شرط المکلف أن یکون عاقلاً فاهماً للتکلیف ، لأنَّ التکلیف خطاب ، وخطاب من لا عقل له ، ولا فهم له محال ؛ کالجماد والبهیمة..." ([2]).
والعقل المصحوب بالذکاء والفطنة نعمة کبرى ،تعود بالنفع على الذات والمجتمع ،بل والإنسانیة جمعاء.
وتعظم هذه الصفة فی القیادة الإداریة،إذ إن أهم الصفات فی القائد الجید،القدرة على التطویر والابتکار ،بحکم التطور التقنی الهائل الذی بات یستوعب أکثر أعمال القیادة الإداریة.
والابتکارات وما یترتب علیها من منافع مادیة ومعنویة تجد أصولها فی کثیر من النصوص الشرعیة،وفی جانب منها تعد جزءً من عقیدة المسلم ،إلاَّ أن الشریعة الإسلامیة تضع علیها الکثیر من القیود الأخلاقیة،حمایة للثوابت الشرعیة من جانب ،وللبناء الإنسانی من جانب آخر ،خاصة أن هذه الابتکارات کانت فی جانب منها مصدر بؤس وشقاء لبنی الإنسانیة إذ استخدمت استخداماً سیئاً،یؤدی إلى التخریب والتدمیر ،ویصحب الأجیـال المتعاقبة فی جمیع مراحلها .
ومن هنا کانت الدعوة إلى الابتکارات النافعة منهج بناء وإسعاد ،ووجه من وجوه استخلاف الله ـ تعالى ـ للإنسان فی الأرض لإعمارها وإسعادها بکل سبیل ،یحقق لها ما تنشده الإنسانیة من رقی وتقدم .
قال الإمام الرازی فی تفسیر قوله ـ تعالى ـ:] هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَکُمْ فِیهَا[([3]):"جعلکم عمارها، قالوا: کان ملوک فارس قد أکثروا فی حفر الأنهار وغرس الأشجار، لا جرم حصلت لهم الأعمار الطویلة فسأل نبی من أنبیاء زمانهم ربه، ما سبب تلک الأعمار؟ فأوحى الله ـ تعالى ـ إلیه أنهم عمروا بلادی فعاش فیها عبادی.
وأخذ معاویة -t- فی إحیاء أرض فی آخر عمره فقیل له ما حملک علیه، فقال: ما حملنی علیه إلا قول القائل:
لیس الفتى بفتى لا یستضاء به. ولا یکون له فی الأرض آثار"([4]).
وتفریعاً على هذا البیان فإن الابتکارات ذات نفع إنسانی ،وأثر صالح ، تتوارثه الأجیال المتلاحقة ،وتعمد إلى تجویده وتطویره ،حتى تنهض الأمم وتقوى وتشتد ،ویصبح العالم فی موقع واحد من البناء والتنمیة ؛لذا آثرت أن یکون موضوع بحثی: " الابتکارات ودورها فی تنمیة المجتمع دراسة تأصیلیة تطبیقیة ".
أهمیة الموضوع:
تظهر أهمیة هذا الموضوع فی إثبات أن الإسلام لا یناقض قضایا العقول الراجحة ،بل یحض علیها ویأمر بها،وأن أصول الشریعة ومقاصدها تدعو إلى ابتکار کل آداة من شأنها أن تحقق السعادة المجتمعیة ،لاسیما وأن الشریعة الإسلامیة مبناها على الحکمة ،وأن المخترعات أو المبتکرات الحدیثة ذات النفع الإنسانی من باب مالا یتم الواجب إلا به .
کما أن وجود الابتکارات دلیل على کون الأرض قابلة للابتکارات النافعة للإنسان کما أنها دلیل على وجود الخالق ـ سبحانه وتعالـى ـ الذی قدر فهدى .
قال الرازی: "واعلم أن فی کون الأرض قابلة للعمارات النافعة للإنسان، وکون الإنسان قادرًا علیها دلالة عظیمة على وجود الصانع، ویرجع حاصله إلى ما ذکره الله ـ تعالى ـ فی آیة أخرى،هی قوله ـ تعالى ـ:]وَاَلَّذِی قَدَّرَ فَهَدَى[([5]).
دواعى الکتابة فی هذه القضیة:
توجد عدة أسباب ودوافع جعلتنى أکتب فی هذا الموضوع من أهمها:
1-هذه القضیة تمیزت بخصوصیة تجعلها جدیرة بالبحث والتأمل وأهمیتها جاءت من منطلق أنها تتعلق بتنمیة حیاة المجتمع وسلامته ،ولا شک أنها أموراً تأتى فی مقدمة القضایا التی لابد من بحثها.
2-یوجد على الساحة الإعلامیة کثیر من الابتکارات، وتتبنى وسائل الإعلام الترویج لها؛ فأی الأنواع منها لها أثر محمود وبالتالی تکون مشروعة وأیها لها أثر مذموم وبالتالی تکون محظورة.
3-هذه القضیة من القضایا التی تستدعى نظراً فقهیاً عمیقاً، وبحثاً جاداً للوصول إلى تأصیل فقهی وتطبیق یربط بین الفقه والواقع المعاش.
4-حاجة الشباب خاصة، والناس عامة للتعرف على مثل هذه الأمور من وجهة نظر الشرع ؛حتى لا یلجأوا إلى القواعد التی تسعى للتطویر سواء أکانت توافق أحکام الشریعة أم تخالفها.
5- إضافة هذا الجهد المتواضع للمکتبة الإسلامیة.
منهج الدراسة:
یتلخص منهج البحث فی الآتى:
أولاً: سلکت المنهج الاستقرائی, ثم التحلیلی فی فهم الجزئیات وإدراک الروابط بینها, ومحاولة ضبط الدور التنموی للابتکارات من خلال تلک الروابط واستخدمت المنهج العلمی فی طریقة الاستنباط, والتوثیق، والصیاغة, ورکزت على الدراسات التی عنیت بالمسألة والاهتمام بالجانب التأصیلی والتطبیقی منها.
ثانیاً: تتبعت الخطوات البحثیة التالیة:
1- قمت بالترکیز على جانبین:جانب التأصیل للابتکارات من النصوص الشرعیة ،وأفعال الصحابة،وجانب دور الابتکار فی تحقیق مجتمع الرفاهیة فی البناء والتنمیة فی نمط الحیاة التنمویة مطبقاً ذلک على عدة أنماط منها: الابتکار ودوره فی تحقیق القدرة التنافسیة فی عصر التخصص والازدهار،وأیضاًدوره فی زیادة القدرة على التسلیح، ودور الابتکار فی صناعة القیادات الإداریة الناجحة والابتکارات ودورها فی تنمیة ریع الوقف الخیری.
2- عزوت الآیات القرآنیة إلى سورها مع ذکر رقم الآیة وبیان وجه الاستدلال منها.
3-خرجت الأحادیث النبویة تخریجاً علمیاً سلیماً وفقاً للأصول والضوابط المعتمدة لعلم التخریج.
4- عند أول ذکر للمصدر أو المرجع اذکر اسم المؤلف أو شهرته, مع ذکر الجزء والصفحة, أما دار الطبع, وسنة الطبع وبقیة المعلومات أخرتها فی فهرس المصادر والمراجع.
5-تقصیت التعمق فی البحث مع الإیجاز غیر المخل، وسهولة الألفاظ ووضوح التراکیب متجنباً الاستطراد والحشو مراعیاً الدقة والأمانة فی النقل والعزو.
6-أنهیت بحثی بخاتمة اشتملت على أهم ما توصلت إلیه من نتائج، یعقبها توصیات کانت أشبه بالحلول المقترحة لمثل هذه القضایا.
7-قمت بعمل فهارس تفصیلیة للبحث.
أهداف البحث:
ـ الوقوف على النصوص الشرعیة التی تحث على الابتکارات من القرآن الکریم، والسنة النبویة، وأفعال الصحابة.
ـ التعرف على دور الابتکارات التنموی فی حیاة المجتمع ، والوقوف على الحق المالی للابتکارات فی الفقه الإسلامی, خاصة وأنه یوجد على الساحة الإعلامیة کثیر من الابتکارات، وتتبنى وسائل الإعلام الترویج لها, فأی الأنواع منها له حق مالی محترم، وأیها لیس له حق مالی .
ـ تحدید وتقدیم دراسة علمیة متخصصة تفید المجتمع عامة، والشباب خاصة فیما یتعلق بدور هذه الابتکارات.
ـ الوقوف على دراسة تفصیلیة تطبیقیة تجمع بین الفقه والواقع؛ إذ إن الوقائع التی تتعلق بالابتکارات غیر متناهیة، ویمیزها فی عصرنا هذا أنها تحمل طابع العصر الموصوف بالتعقید والتشابک, والمتمیز کذلک بالاختراعات العلمیة، والثورات التقنیة فلا یکفى فیها بعض الفتاوى العاجلة أو الفردیة.
ـ النظر فی هذه الابتکارات لإظهار دورها ؛إذ إن عدم النظر فیها أو التخبط فی آثارها یناقض صلاحیة الشریعة لکل زمان ومکان ومعالجة أحوال الناس؛ مما یفسح المجال بسن الأنظمة والقوانین الأرضیة فتتنحى بسبب ذلک الشریعة تدریجیاً عن التطبیق والعمل بها.
ـ حاجة أبناء المسلمین الذین یدرسون فی التخصصات الفقهیة لمعرفة التأصیل والتطبیق لهذه القضیة لئلا یقع التناقض والانفصام عندهم بین العلم التجریبی والعلم الشرعی.
الدراسات السابقة:
بعد البحث والاستقصاء لم أجد _ فیما أعلم_ دراسة مستقلة فی هذا الموضوع، ولکن وقفت على بعض الدراسات التی تناولت الابتکارات بصفة عامة منها:
الدراسة الأولى: حق الابتکار فی الفقه الإسلامی المقارن مؤلف للدکتور .فتحی الدرینی، ط مؤسسة الرسالة ،بیروت، ط 1401هـ/1981م.
ویلاحظ على هذه الدراسة أن الباحث لم یتعرض لموضوع بحثی أصلاً إذ إنه تحدث عن مفهوم الابتکار فی الإنتاج الذهنی والتکییف الفقهی له ،وموقع هذا الإنتاج من مفهوم المال شرعاً، ومنشأ حق الملک فیه ،ومدى قابلیة هذا الحق للانتقال.
الدراسة الثانیة: حق الابتکار فی الفقه الإسلامی إعداد: أدیب فایز الضمور، بحث قدم استکملاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستیر فی کلیة التربیة بالجامعة الأردنیة، قسم الدراسات الإسلامیة.
وبالوقوف على البحث اتضح أن الباحث لم یتحدث عن موضوعی حیث إنه تناول: نشأة حق الابتکار،وتعریفه ،وتعریف الحق، والمصطلحات ذات الصلة، والتکییف الفقهی لحق الابتکار،وتحدث عن الحق المعنوی، والحق الأدبی، والفنی، والتجاری للابتکار، والاعتداء على حق الابتکار ومنهج الإسلام فی حمایته، والعقوبات المتعلقة بالاعتداء علیه.
خطة البحث:
التمهید : فی الدلالة اللغویة والاصطلاحیة للابتکار،والألفاظ ذات الصلة.
المبحث الأول : مظاهر الدعوة إلى الابتکار والاختراع لإسعاد المجتمع فی القرآن الکریم، والسنة النبویة، وأفعال الصحابة.
وفیه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مظاهر الدعوة إلى الابتکار لإسعاد المجتمع فی القرآن الکریم.
المطلب الثانی: مظاهر الدعوة إلى الابتکار لإسعاد المجتمع من السنة النبویة.
المطلب الثالث: مظاهر الدعوة إلى الابتکار لإسعاد المجتمع من أفعال الصحابة.
المبحث الثانی: کائز الابتکارات،وضوابطها ،ووجوه الحکمة من دعوة الإسلام إلیها.
فیه مطالب أربعة:
المطلب الأول: رکائز الابتکارات فی الشریعة الإسلامیة.
المطلب الثانی: ضوابط الابتکارات فی الشریعة الإسلامیة.
المطلب الثالث: وجوه الحکمة من دعوة الإسلام إلى الابتکارات.
المطلب الرابع: حمایة الحق المالی المترتب على الابتکارات.
المبحث الثالث: دور الابتکار فی تحقیق مجتمع الرفاهیة فی البناء والتنمیة فی نمط الحیاة الإسلامیة.
وفیه أربعة مطالب:
المطلب الأول:دور الابتکار فی تحقیق القدرة التنافسیة فی عصر التخصص والازدهار.
المطلب الثانی: دور الابتکار فی زیادة القدرة على التسلیح.
المطلب الثالث: دور الابتکار فی صناعة القیادات الإداریة الناجحة.
المطلب الرابع : الابتکارات ودورها فی تنمیة ریع الوقف الخیری.
الخاتمة .
تمهید فی بیان
الدلالة اللغویة والاصطلاحیة للابتکار،والألفاظ ذات الصلة
أولاً: الدلالة اللغویة للابتکار:
یقال ابتکرَ یبتکر، ابْتِکارًا، فهو مُبتکِر، والمفعول مبتکَر وهو لغة: الإنْشَاء والاستحداث على غیر مثالٍ سابقٍ یقال "ابتکر الطبُّ أسلوبًا جدیدًا فی تشخیص الأمراض- یبتکر الرسَّامون طرائق جدیدة فی الرَّسم- ابتکر آلة نظام:أی اخترع وابتکر- وهو مبتدع ولیس مقلِّدًا- یقال ابتکر الجهازَ: اخترعه، ابتدعه واستنبطه على غیر مثال مسبوق إلیه وکذا "ابتکر طریقة جدیدة"
وعقلٌ مُبتکِر: خلاّف مبدع، مجدِّد ذو موهبة ونبوغ- ومعنًى مُبتکَر فنّ مُبتکَر: جدید، غیر مألوف. ([6])
ثانیاً: الدلالة الاصطلاحیة للابتکار:
الابتکار یستعمل ویراد به أکثر من معنى :
قال الإمام المناوی :"وأحق ما طلب العبد رزقه فی الوقت الذی بورک له فیه لکنه لا یذهب إلى طلبه إلاَّ بعد الشمس وقبله یمکث ذاکرًا مستغفرًا حتى تطلع
کما کان یفعل المصطفى -r-"([8]).
والاختراع فی الاصطلاح: هو إحداث الشیء على الوجه الموافق للمصلحة. ([10])
وفی الاصطلاح: هو إخراج ما فی الإمکان والعدم إلى الوجوب والوجود([12]).
ومنه قوله ـ تعالى ـ:]بَدِیعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[([13]) قال القرطبی:"أی: منشئها، وموجدها، ومبدعها، ومخترعها على غیر حد ولا مثال. وکل من أنشأ ما لم یسبق إلیه قیل له مبدع. ([14])قال الرازی: "الإبداع: الإنشاء .ونقیض الإبداع الاختراع على مثال".([15])
وقال بعضهم: الإبداع ،والاختراع، والصنع ،والخلق، والإیجاد ،والإحداث، والفعل، والتکوین، والجعل ألفاظ متقاربة المعانی. ([16])
ومن هذا المعنى ما جاء فی حدیث الهدی «فأزحفت علیه بالطریق فعی بشأنها إن هی أبدعت» ([17]).
قال ابن الأثیر:"یقال أبدعت الناقة إذا انقطعت عن السیر بکلال أو ظلع، کأنه جعل انقطاعها عما کانت مستمرة علیه من عادة السیر إبداعاً، أی إنشاء أمر خارج عما اعتید منها"([18])
وقد رتب العلماء على هذا المعنى الکثیر من الحقوق فی إطار ما یعرف بحق الابتکار ،وأن من سبق إلى ابتکار شیء جدید سواء کان مادیاً أو معنویاً، فلا شک أنه أحق من غیره بإنتاجه لانتفاعه بنفسه، وإخراجه إلى السوق من أجل اکتساب الأرباح ([21]) وسوف یأتی بیانه بشیء من التفصیل.
والابتکار بهذا المعنى یشمل" الحقوق الأدبیة کحق المؤلف فی استغلال کتابه، والصحفی فی امتیاز صحیفته، والفنان فی أثره الفنی من الفنون الجمیلة، کما یشمل الحقوق الصناعیة والتجاریة مما یسمونه الیوم بالملکیة الصناعیة، کحق مخترع الآلة ومبتدع العلامة الفارقة االتی نالت الثقة، ومبتدع العنوان التجاری الذی أحرز الشهرة".([23])
والنظر فی المعنى اللغوی والاصطلاحی للابتکار یجد أن معناهما واحد.
ثالثاً:الألفاظ ذات الصلة بالابتکار:
الألفاظ ذات الصلة بالابتکار کثیرة ،منها:
وقیل: النحریر: الرجل المتقن الفطن البصیر بکل شیء ([28]).
وبالجمع بین الدلالة الاصطلاحیة للابتکار والألفاظ ذات الصلة من منظور اقتصادی یظهر أن جمیعها تدور حول معنى اتقان المنتج وتجویده وتطویره ،بما یتفق وظروف المستهلک ،ومسایرة التطویر، فی مجال الاستهلاک ،بما یتفق وأصول الشریعة ومقاصدها.
ومفهومَ الإنتاج من المفاهیم الاقتصادیّة والإداریّة القدیمة، والذی یُؤدّی إلى ابتکارِ منافعَ مفیدة للنّاس، ویحتاج تطبیق الإنتاج فی مُنشأةٍ ما إلى وجودِ مجموعةٍ من العملیّات الإنتاجیّة، والتی تُساهمُ فی تحقیقِ النّتائج المطلوبة من الإنتاج بطریقةٍ مُناسبة، ویُساعدُ ذلک فی التّعزیزِ من أهمیّة الإنتاج فی بیئةِ العمل، ویعتمدُ البدءُ فی تنفیذِ الإنتاجِ على وجود نموذجٍ تمَّ إعداده مسبقاً، ممّا یُساهمُ فی الوصولِ إلى النّتائج المطلوبة بأفضلِ الطرق وأکثرها نجاحاً.([30])
المبحث الأول
مظاهر الدعوة إلى الابتکار لإسعاد المجتمع فی القرآن الکریم، والسنة النبویة، وأفعال الصحابة
یجد الابتکار- بمعناه العام - مرجعیته الشرعیة فی کثیر من النصوص التشریعیة قرآنا وسنة ،وما یقاس علیهما، بصفته عمل إنسانی نافع ،ووجه من وجوه الحکمة فی تدبیر مصالح العباد ،التی تعبدنا الله ـ تعالى ـ بها ،وجعلها منهج حیاة ،یمتد أثرها ،فی مختلف وجوه المعاش ،وهذا ما تؤیده الدلالات الشرعیة المستنبطة من القرآن الکریم ،والسنة والنبویة ، وأفعال السلف ـ رضوان الله علیهم ـ وبیان ذلک فی مطالب ثلاثة:
المطلب الأول: مظاهر الدعوة إلى الابتکار لإسعاد المجتمع فی القرآن الکریم.
المطلب الثانی: مظاهر الدعوة إلى الابتکار لإسعاد المجتمع من السنة النبویة.
المطلب الثالث: مظاهر الدعوة إلى الابتکار لإسعاد المجتمع من أفعال الصحابة.
المطلب الأول
مظاهر الدعوة إلى الابتکار والاختراع لإسعاد المجتمع
فی القرآن الکریم.
أولاً: عموم قوله ـ تعالى ـ :]وَیَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[([31]).
یقول الشیخ الطاهر بن عاشور:" الذی یظهر لی أن هذه الآیة من معجزات القرآن الغیبیة العلمیة، وأنها إیماء إلى أن الله سیلهم البشر اختراع مراکب هی أجدى علیهم من الخیل، والبغال، والحمیر، وتلک العجلات التی یرکبها الواحد ویحرکها برجلیه وتسمى (بسکلات) ، وأرتال السکک الحدیدیة، والسیارات المسیرة بمصفى النفط وتسمى (أطوموبیل) ، ثم الطائرات التی تسیر بالنفط المصفى فی الهواء.
فکل هذه مخلوقات نشأت فی عصور متتابعة لم یکن یعلمها من کانوا قبل عصر وجود کل منها.
فإلهام الله الناس لاختراعها هو ملحق بخلق الله، فالله هو الذی ألهم المخترعین إلى اختراعها من البشر بما فطرهم علیه من الذکاء والعلم وبما تدرجوا فی سلم الحضارة واقتباس بعضهم من بعض إلى اختراعها، فهی بذلک مخلوقة لله ـ تعالى ـ لأن الکل من نعمته"([32]).
ویدخل فی مضمون الآیة کل ما هو جدید ومفید من وجوه الابتکارات النافعة على الأخص:
ثانیاً:عموم الآیات القرآنیة التی تدعو إلى التزود من الطیبات، کقوله ـ تعالى ـ ] وَلَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِیلاً[([33]) .
قال ابن کثیر فی بیان وجوه هذا التکریم :".. وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا یفقه بذلک کله وینتفع به، ویفرق بین الأشیاء، ویعرف منافعها، وخواصها، ومضارها فی الأمور الدینیة والدنیویة.
"وحملناهم فی البر"، أی :على الدواب من الأنعام، والخیل، والبغال، وفی البحر أیضاً على السفن الکبار والصغار.
"ورزقناهم من الطیبات" أی: من زروع، ثمار، ولحوم، وألبان من سائر أنواع الطعوم، والألوان المشتهاة ، والمناظر الحسنة، والملابس الرفیعة، من سائر الأنواع على اختلاف أصنافها، وألوانها، وأشکالها، مما یصنعونه لأنفسهم ویجلبه إلیهم غیرهم من أقطار الأقالیم والنواحی".([34])
وهذه الوجوه من النعم لیست قاصرة على شکل معین ،أو زمن معین ،بل تشمل کل ما هو جدید ،سواء أکان من عمل أنفسهم ،أم مما یستجلب لهم من صناعة غیرهم ،على وجه یظهر به أثر نعمة الله ـ تعالى ـ على عباده ،سواء فی المأکل الحسن ،أم المشرب الحسن ،أم الملبس الحسن ،أم مما یستخدم من وسائل المواصلات ،وغیرها مما یعرف بالمصالح التحسینیة([35]) ،أو الکمالیة([36]) .
ثالثاً: طریقة نبی الله یوسف–u– التی ابتکرها فی إدارة الأزمات ،واستنادها فی تحقیق آثارها على ابتکار أدوات تمویل جدیدة لم تکن موجودة من ذی قبل،کما دل علیه قوله ـ تعالى ـ :]قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تَأْکُلُونَ[([37]) .
قال القرطبی فی بیان وجوه التشریع المستفادة من الآیة ،والآیات التی بعدها:" هذه الآیات أصل فی القول بالمصالح الشرعیة التی هی حفظ الأدیان، والنفوس، والعقول، والأنساب، والأموال، فکل ما تضمن تحصیل شیء من هذه الأمور فهو مصلحة ،وکل ما یفوت شیئًا منها فهو مفسدة ودفعه مصلحة ، ولا خلاف أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنیویة لیحصل لهم التمکن من معرفة الله ـ تعالى ـ وعبادته الموصلتین إلى السعادة الأخرویة، ومراعاة ذلک فضل من الله ـ عز وجل ـ ورحمة رحم بها عباده من غیر وجوب علیه ولا استحقاق " ([38]).
وحکى زید بن أسلم ([39])عن أبیه أن نبی الله یوسف -u- کان یضع الطعام فیقربه إلى رجل واحد فیأکل بعضه حتى إذا کان یوم قربه له فأکله کله فقال یوسف: هذا أول یوم من السبع الشداد،قال ـ تعالى ـ " إلا قلیلاً مما تحصنون " أی مما تحبسون لتزرعوا؛ لأن فی استبقاء البذر تحصین الأقوات.
وقال أبو عبیدة: تحرزون. وقال قتادة: تحصنون تدخرون، والمعنى واحد وهو یدل على جواز ادخار الطعام إلى وقت الحاجة. ([40])
إن هذه الطریقة المبتکرة من نبی الله یوسف -u- فی تمویل الأزمات تفتح الباب واسعاً أمام کل أدوات التمویل المستجدة التی تحقق سیاسة الاکتفاء الذاتی من السلع والخدمات الضروریة،وتغنی عن الاستیراد ،فی وقت تشتد فیه الحاجة إلى نفقة مشتریاته .
وفی کلام الإمام القرطبی ما یعطى السند لمسئول الإدارة فی استحداث وابتکار کل ما من شأنه تحقیق مصالح إدارته ،ومعالجة آثار الکوارث والأزمات وجعل ذلک أمانة فی عنقه ،ولعل ذلک التکلیف هو ما لاحظه الفاروق عمر بن الخطاب -t- من تبعة المسؤولیة العامة عن تأمین المصالح الضروریة لإسعاد الرعیة، بتعبید الجسور والطرق وإنارتها بکل ما هو مستجد ومبتکر، وتتتبع فنون الإدارة الرشیدة ،ولو کانت من صناعة الآخرین ،کما دل علیه قول القرطبی فی شرحه لقوله ـ تعالى ـ:] وَتَفَقَّدَ الطَّیْرَ فَقَالَ مَا لِیَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ کَانَ مِنَ الْغَائِبِینَ[([41]).
قال القرطبی:"فی هذه الآیة دلیل على تفقد الإمام الأحوال ،فانظر إلى الهدهد مع صغره کیف لم یخف على سلیمان حاله، فکیف بعظام الملک.
ویرحم الله عمر فإنه کان على سیرته، قال: لو أن سخلة على شاطئ الفرات أخذها الذئب لیسأل عنها عمر". ([42])
رابعاً:طریقة الخضر -u- فی ابتکار أدوات فنیة لمعالجة أزمات السدود ،وما شابهها ،کما دل علیه قوله ـ تعالى ـ:] حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَیْنَ السَّدَّیْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا یَکَادُونَ یَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا یَاذَا الْقَرْنَیْنِ إِنَّ یَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَکَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَیْنَنَا وَبَیْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَکَّنِّی فِیهِ رَبِّی خَیْرٌ فَأَعِینُونِی بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِی زُبَرَ الْحَدِیدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَیْنَ الصَّدَفَیْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِی أُفْرِغْ عَلَیْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ یَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [([43]).
والمراد بالسدین هنا الجبلان، وذکر المفسرون أن ذا القرنین هو إسکندر المقدونی، یقول الشیخ الطاهر بن عاشورـ رحمه الله ـ:"إن موضع السدین هو الشمال الغربی لصحراء (قوبی) الفاصلة بین الصین وبلاد المغول شمال الصین وجنوب (منغولیا) .
وقد وجد السد هنالک ولم تزل آثاره إلى الیوم شاهدها الجغرافیون والسائحون وصوروها صوراً شمسیة فی کتب الجغرافیا وکتب التاریخ العصریة". ([44])
ثم قال وقوله :"ما مکنی فیه ربی خیر "أی ما آتانی الله من المال والقوة خیر من الخراج الذی عرضتموه أو خیر من السد الذی سألتموه، أی ما مکننی فیه ربی یأتی بخیر مما سألتم، فإنه لاح له أنه إن سد علیهم المرور من بین الصدفین تحیلوا فتسلقوا الجبال ودخلوا بلاد الصین، فأراد أن یبنی سورًا ممتدًا على الجبال فی طول حدود البلاد حتى یتعذر علیهم تسلق تلک الجبال، ولذلک سماه ردماً.
ولما کان ذلک یستدعی عملة کثیرین قال لهم: فأعینونی بقوة أی بقوة الأبدان، أراد تسخیرهم للعمل لدفع الضر عنهم.. ([45]) ثم قال:" قوله "آتونی زبر الحدید" هو أمر لهم بمناولة زبر الحدید.
فالإیتاء مستعمل فی حقیقة معناه وهو المناولة ولیس تکلیفاً للقوم بأن یجلبوا له الحدید من معادنه؛ لأن ذلک ینافی قوله "ما مکنی فیه ربی خیر فأعینونی بقوة" أی أنه غنی عن تکلیفهم إنفاقاً على جعل السد.
وکان هذا لقصد إقامة أبواب من حدید فی مداخل الردم لمرور سیول الماء فی شعب الجبل حتى لا ینهدم البناء بأن جعل الأبواب الحدیدیة کالشبابیک تمنع مرور الناس ولا تمنع انسیاب الماء من بین قضبانها، وجعل قضبان الحدید معضودة بالنحاس المذاب المصبوب على الحدید حتى لا تصدأ من الماء." ([46])
لقد کان هذا الابتکار فریداً فی عصره ،بل ربما کان مدادًا لکل ما هو مستجد فی ساحة البنیان والعمران،وأصول وفنون معالجة الأزمات ،لکن کل حادث صائر إلى زوال،فذو القرنین وإن نجح فی الحیلولة بین یأجوج ومأجوج فی ظهور السد وعدم القدرة على نقبه،أی:کسر الردم لارتفاعه وصلابته،إلا أنه قال:]فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّی جَعَلَهُ دَکَّاءَ وَکَانَ وَعْدُ رَبِّی حَقًّا[ ([47])
ویستفاد من القصة أن نهضة الأمم وتقدمها فی حسن إدارة الأزمات والتعاون ،واتخاذ القرار المناسب فی الوقت المناسب ،واستخدام الطرق العلمیة وتحدید خطوات العمل والوقت المحدد لها والابتعاد عن التخمین.
المطلب الثانی
مظاهر الدعوة إلى الابتکار والاختراع لإسعاد المجتمع
من السنة النبویة
منبر رسول الله ــ rــ أول ابتکار خشبی فی الإسلام:
جاء فی الصحیح أن مسجد النبیِّ- r- کان مسقوفًا على جذوع من نخل، وکان النبیّ - r- إذا خطب یقوم إلى جذع منها، فلمّا صُنِع له المنبر فکان علیه سمعنا لذلک الجِذع صوتًا کصوت العشار"([48]).
وعن جابر بن عبد الله -رضی الله عنهما-: أن النبی-r- کان یقوم یوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار،أو رجل یا رسول الله ـ ألا نجعل لک منبراً ؟ قال ( إن شئتم ). فجعلوا له منبرًا"([49]).
وجاء فی مسند الدارمی أن النبِیّ-rـ- کان إذا خطب فطال القیام علیه استند فاتّکأ على الجِذع، فبصر به رجل ورد المدینة فقال: لو أعلم أن محمدًا یخمدنی فی شیء یرفق به لصنعت له مجلسًا یقوم علیه، فإن شاء جلس ما شاء، وإن شاء قام ، فبلغ النبیَّ، -r- ، فقال:” ائتونی به ” فأتوه فأمره أن یصنع له المَراقیَ الثلاث والأربع، وهی الآن فی مسجد المدینة، فوجد النبی ـ rـ فی ذلک راحة"([50]).
قال السمهودی فی کتابه" خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى ":" وأشهر الأقوال أن الذی صنع المنبر” باقوم” الذی بنى الکعبة لقریش، وقیل غیره([51]) .
وذکر بعض أهل السیر أنه کان یخطب على منبر من طین، وأن الصحابة صنعوا له مقعدًا من طین یجلس علیه لیعرفه الناس الوافدون إلیه، وکان یخطب علیه، وکان ذلک فی أول الهجرة"([52]).
وبهذا یکون منبر رسول الله -r- أول ابتکار خشبی فی عالم الإسلام ،ودلالته فی إراحة النبی-r- من تعب الاتکاء ،قاطعة بأن المبتکرات أداة من أدوات الراحة الجسدیة التی حض الإسلام علیها.
وإقرار النبی-r- لها مسوغ للمبتکرات بصفة عامة فی واقعنا المعاصر،سواء کانت صناعة محلیة ،أو أجنبیه ،خشبیة أو غیرها.
دعوة النبی ـ rـ إلى فتح باب الابتکارات الدنیویة النافعة:
دلت السنة النبویة على أهمیة الابتکار فی تحقیق متطلبات الحیاة الإنسانیة ،والعیش فی مستوى راق متقدم یعود على المجتمع بالسعادة ، ومن هذه الأحادیث:
موقفه-r- من قضیة تأبیر([53])النخل ففی الحدیث الذی رواه مسلم عن أنس-t- ، أن النبی -r- مر بقوم یلقحون النخل، فقال: «لو لم تفعلوا لصلح» قال: فخرج شیصًا([54])، فمر بهم فقال: «ما لنخلکم؟» قالوا: قلت کذا وکذا، قال: «أنتم أعلم بأمر دنیاکم»([55]).
قال النووی فی بیان معنى قوله -r- " أنتم أعلم بأمر دنیاکم":" قال العلماء: قوله -r- من رأیی أی فی أمر الدنیا ومعایشها لا على التشریع ،فأما ما قاله باجتهاده -r- ورآه شرعاً یجب العمل به ولیس إبار النخل من هذا النوع" ([56])،
قال الطحاوی فی تفسیر قول النبی -r-«أنتم أعلم بأمر دنیاکم»، :" أنه قد یحتمل أن یکون الذی کان عند رسول الله -r- من ذلک أن الإناث فی غیر بنی آدم لا تأخذ من الذکران شیئًا, وهو الذی یغلب على القلوب، ولم یکن ذلک منه -r-إخبارًا عن وحی , وإنما کان منه على قول غیر معقول ظاهر مما یتساوى فیه الناس فی القول , ثم یختلفون فیتبین ذوو العلم به عمن سواهم من غیر أهل العلم به , ولم یکن رسول الله -r-ممن کان یعانی ذلک ولا من بلد یعانیه أهله ; لأنه -r-إنما بلده مکة، ولم تکن دار نخل یومئذ , وإنما کان النخل فیما سواها من المدینة التی صار إلیها -r-, وکان مع أهلها من معاناة النخل والعمل ما یصلحها ما لیس مثله مع أهل مکة، وکان القول فی الأمر الذی قال: فیه ما قال: واسعاً له أن یقول فیه وأن یکون ذلک القول منه على ما نفى ما یستحیل عنده ویکون منه على الظن به"([57]).
وقال الصنعانی:" فیه: أنه لا ضیر على الرسل فی عدم علمهم ببعض أعمال الدنیا, ولا نقص فیه علیهم.
وفیه أن من ظن فی شیء من أمور الفلاحة ونحوها صلاحاً فله فعله، ولو ظن من هو أکمل منه أنه لا صلاح فیه"([58]).
ودلالة الحدیث قاضیة بأن جمیع المبتکرات النافعة فتحت لها السنة النبویة أبوابها ،حتى لا یقال إن استخدام المبتکرات ومواکبة التطور بدعة- کما یزعم بعض المتشدقین- بدعوى أنها لم تکن موجودة فی زمن النبی -r-، فهذه أمور دنیویة لا یتوقف علیها ثواب ولا عقاب، ومتروکة لأهل الخبرة والتخصص شریطة أن لا تخالف الشرع الحنیف فی شئ.
وفی ضوء هذا یجب فهم قول النبی -r-"شر الأمور محدثاتها"
والحدث هو:الأمر الحادث المنکر الذی لیس بمعتاد ولا معروف فی السنة،([59])، فشر الأمور بدون استثناء هی محدثاتها؛ ولکن ینبغی أن یعلم أن هذه الأمور المستحدثات التی هی شر کائنة فی مقابل الهدی، أی: الأمر الدینی الذی یترتب علیه ثوابٌ أو عقاب،فیقول هنا: "شر الأمور محدثاتها"، فلا یدخل تحت هذا الشر من المستحدثات ما کان من شئون الدنیا، وما کان لأهلها، فقد استحدثت صور عدیدة فی الحیاة فی المآکل ،والملابس، والمشارب، والمراکب { وَیَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ }([60])، وجاءت أدوات ومستحدثات وصور أحدثها الإنسان استجابة لتطور الحیاة، فلا یقال: تلک المستحدثات شرٌ لأنها داخلة فی عموم "شر الأمور محدثاتها"! إذ ینبغی أن یراعى أنه جاء اللام فی (الأمور) فی مقابل قوله: "وخیر الهدی هدی محمد"، أی: فی الدین،فقوله-r-: "وشر الأمور محدثاتها" منصبٌ على من أحدث فی الدین ما لیس فیه"([61]).
وقال ابن الأثیر:" «کل محدثة بدعة» إنما یرید ما خالف أصول الشریعة ولم یوافق السنة" ([62]).
وقریب من هذا الوجه :ابتکار أنواع جدیدة من لباس الرجال ؛لأن اللباس یخضع لعادة الناس وعرفهم، فیترک ذلک للناس على حسب مصالحهم، شریطة ألاَّ یکون مشابهاً لثیاب الیهود والنصارى ؛لنهی النبی-r- عن ذلک لما روى عَنْ أَبِی مُنِیبٍ الْجُرَشِیِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».([63])
ـ وما رواه البخاری ومسلم عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِیِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: " خَالِفُوا المُشْرِکِینَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِب"([64]).
وزیادة على ما تقدم أن دعوة النبی -r- إلى إعانة الصانع دعوة إلى تبنی ذوی الابتکارات وتشجیعهم ؛لعموم نفع صنیعهم .
وهذا ما یستفاد من الحدیث المتفق علیه ،فعن أبی ذر ــ رضی الله عنه ـ قال: سألت النبی -r-أی العمل أفضل؟ قال: «إیمان بالله، وجهاد فی سبیله»، قلت: فأی الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها»، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعین صانعاً، أو تصنع لأخرق»،: قال: فإن لم أفعل؟ قال: «تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسک»([65]).
قال ابن حجر" وفی الحدیث إشارة إلى أن إعانة الصانع أفضل من إعانة غیر الصانع ؛لأن غیر الصانع مظنة الإعانة ،فکل أحد یعینه غالباً، بخلاف الصانع فإنه لشهرته بصنعته یغفل عن إعانته "([66]).
وهذه دعوة نبویة إلى تنمیة المواهب والإبداعات لخلق مزید من تیارات إنتاجیة قادر على تحقیق الاکتفاء الذاتی ،وزیادة قدرة الدولیة على المنافسة فی مجال التجارة ،والصناعة ،وسائر فنون الإنتاج.
المطلب الثالث
مظاهر الدعوة إلى الابتکار لإسعاد المجتمع من أفعال الصحابة.
وهذه المظاهر کثیرة ،منها:
1- ابتکار ترتیبات الحکم والإدارة :ومن ذلک ما روی أن الفاروق عمر بن الخطاب -t - عندما قدم الشام ووجد معاویة بن أبی سفیان-t - قد اتخذ الحُجاب، وأرخى الحِجاب واتخذ المراکب النفیسة، والثیاب الهائلة العلیة، وسلک ما یسلکه الملوک، فسأله عن ذلک فقال: إنّا بأرض نحن فیها محتاجون لهذا فقال له: "لا آمرک ولا أنهاک" .
قال القرافی: معناه أنت أعلم بحالک هل أنت محتاج إلى هذا فیکون حسناً أو غیر محتاج فیکون قبیحاً .
فدلّ ذلک من عمر وغیره على أن الأحوال تختلف باختلاف الأعصار، والأمصار، والظروف ، فلذلک قد نحتاج إلى تجدید ابتکارات معینة وسیاسات لم تکن قدیماً ، وربما وجبت فی بعض الأحوال".([67])
وهذا معتبر فی کل حال ،وفی کل زمان فإن ترتیبات الحکم والإدارة تحکمها ظروف المعاصرة ،وما تتطلبه من البحث عن المستجدات التقنیة ،فی إطار ما یعرف بترتیبات الجودة والتطویر.
2- ابتکار الأجهزة التنظیمیة المعنیة بإدارة الأموال :ومن ذلک ترتیبات الدواوین([68]) التی أنشأها الفاروق عمر-t- وأهمها دیوان العطاء ، وهو ما یتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ،ومن یقوم بها من الجیوش والعمال، ولقد کان هذا الدیوان منظماً تنظیماً دقیقاً ، حیث ینقسم إلى دواوین کثیرة منها ما یختص بالجیش وأعطیاته، ومنها ما یختص بکل قبیلة على حدة ، ومنها ما یختص بکل بلد على حدة ، ویکون فی حاضرة ذلک البلد عند الوالی.([69])
وهذا العمل لم یکن معروفًا من قبل عهد عمر –t- وإنما هو من ابتکاراته ومن سیاسته ،وقد ورد أبا هریرة- t- قدم من البحرین بمال کثیر قدره خمسمائة ألف درهم ولما وصل وأخبر عمر بهذا المبلغ لم یصدقه ، وقال له: هل تدری ما تقول؟ قال: نعم مائة ألف وعد خمس مرات ، ومع ذلک لم یصدقه عمر لاحتمال أن الرجل متعب بعد السفر ومحتاج إلى الراحة والنوم ، فقال له: اذهب ونم وائتنی الصباح، فذهب ونام وأتاه صباح الیوم الثانی بنفس الخبر وسلمه المال ، فنادی فی الناس وجمعهم وأخبرهم بمقدم أبی هریرة وما أتى به من المال الکثیر ، وقال لهم : إن شئتم کلنا لکم کیلاً ، وإن شئتم عددنا لکم عداًّ وإن شئتم وزنا لکم وزناًّ ! فقام إلیه رجل فقال : یا أمیر المؤمنین قد رأیت الأعاجم یدونون دیواناً لهم فدون أنت لنا دیواناً".([70])
فهذه الأسباب وغیرها کلها تدور حول المال وکیفیة جمعه وإعطائه مستحقیه مع معرفة من أخذ ممن لم یأخذ ، وهذه الأسباب کلها موجودة فی کتب التاریخ ، وسواء اعتمد الفاروق أحد هذه الأسباب أو کلها؛ فإنه قد دون الدواوین.([71])
ولم یکن دیوان العطاء هو الذی أنشأه عمر –t- فحسب ، بل إنه قد أوجد دیوان الإنشاء وهو خاص بحفظ الوثائق الرسمیة ، ولم یوجد هذا فی عهد الرسول –r- ولا فی عهد خلیفته الأول الصدیق –t-،فالرسول –r- کان یکاتب عماله، ورؤساء الدول الأجنبیة وما کان لمکاتباته والردود علیها دیوان خاص بها ولا فی عهد الصدیق .
أما فی عهد الفاروق عمر –t- فقد کثرت الکتب والمعاهدات، وهذا الأمر الذی جعل عمر –t- یخصص لها دیواناً خاصاً بها فی المدینة وغیرها من ولایات الخلافة ، وکانت تکتب کل الدواوین فی العراق، والشام، ومصر باللغة السائدة فی البلد ، وکان العاملون علیها من غیر العرب.
هذه هی الدواوین التی کانت من مبتکرات الفاروق عمر، والتی کانت الأساس الذی تفرعت عنه جمیع الدواوین فیما بعد ، وهی سیاسة من سیاسات عمر المالیة ، إذ إن علاقتها بالمال واضحة وخاصة فی تنظیم المصروفات ، فإن القصد من وضع الدیوان حفظ الأموال لقسمتها بین مستحقیها بانتظام.([72])
هذه الابتکارات فی الإدارة المالیة تصلح أن تکون أساساً لکل مستجد فی ترتیبات الإدارة بما یکون محققاً للمصلحة العامة .
المبحث الثانی
رکائز الابتکارات،وضوابطها، وحکمتها ،وحمایة الحق المالی المترتب علیها
وفیه مطالب أربعة:
المطلب الأول: رکائز الابتکارات فی الشریعة الإسلامیة.
المطلب الثانی: ضوابط الابتکارات فی الشریعة الإسلامیة.
المطلب الثالث: وجوه الحکمة من دعوة الإسلام إلى الابتکارات.
المطلب الرابع: حمایة الحق المالی المترتب على الابتکارات.
المطلب الأول
رکائز الابتکارات فی الشریعة الإسلامیة
یرتکز الابتکار على نتاج التفکیر الراشد المبنی على إعمال العقل فی کل وجه من وجوه المنفعة، ،سواء منها ما کان متعلقاً بالإنسان، أو الحیوان ،أو النبات ،أو الجماد ،فکل هذه الکائنات یعتریها العطب والنقصان ،وإصلاحهما فریضة شرعیة ؛لذا تواترت النصوص الشرعیة التی تدعو إلى التعقل، والتفکر، والتدبر فی کثیر من الآیات القرآنیة،قال ـ تعالى ـ:]لَعَلَّکُمْ تَتَفَکَّرُونَ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ[([73]) .
قال الأصفهانی :" متناول للأحوال التی فی النشأة الأولى، وما یکون فی النشأة الآخرة".([74]) ثم قال:"والْفِکْرَةُ: قوّة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتَّفَکُّرُ: جولان تلک القوّة بحسب نظر العقل، وذلک للإنسان دون الحیوان، ولا یقال إلا فیما یمکن أن یحصل له صورة فی القلب، ولهذا روی: «تَفَکَّرُوا فی آلاء الله ولا تَفَکَّرُوا فی الله»([75]) ،إذ کان الله منزّها أن یوصف بصورة. قال تعالى ـ:]أَوَلَمْ یَتَفَکَّرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ[([76]) ،]إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ[([77])،]یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیاتِ لَعَلَّکُمْ تَتَفَکَّرُونَ فِی الدُّنْیا وَالْآخِرَةِ[([78])،ورجل فَکِیرٌ: کثیر الْفِکْرَةُ، قال بعض الأدباء: الْفِکْرُ مقلوب عن الفرک لکن یستعمل الفکر فی المعانی، وهو فرک الأمور وبحثها طلباً للوصول إلى حقیقتها" ([79]).
ومنها الآیات الدالة على إعمال العقل وتنمیته بالاستعمال وطول التجارب ،قال الله ـ تعالى ـ:] لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ[([80]) ،ویلاحظ أن هذه الآیة وردت- فی کثیر من الآیات- عقب ما أمر الله به من تکالیف وزجر عنه،بمعنى:أی لکی تعقلوا فوائد هذه التکالیف ومنافعها فی الدین والدنیا([81]).
وهذه المنافع لاسبیل إلیها إلا بالعقل – سواء الغریزی منه أو المکتسب ـ.
یقول الماوردی:"فأما إذا اجتمع هذان الوجهان فی العقل المکتسب وهو ما ینمیه فرط الذکاء بجودة الحدس وصحة القریحة بحسن البدیهة، مع ما ینمیه الاستعمال بطول التجارب ومرور الزمان بکثرة الاختبار، فهو العقل الکامل على الإطلاق فی الرجل الفاضل الاستحقاق.
ثم قال :"واختلف الناس فی العقل المکتسب إذا تناهى وزاد هل یکون فضیلة أم لا؟ فقال قوم: لا یکون فضیلة؛ لأن الفضائل هیئات متوسطة بین فضیلتین ناقصتین، کما أن الخیر توسط بین رذیلتین فما جاوز التوسط خرج عن حد الفضیلة. وقد قالت الحکماء للإسکندر: أیها الملک علیک بالاعتدال فی کل الأمور، فإن الزیادة عیب والنقصان عجز... وقال آخرون، وهو أصح القولین: زیادة العقل فضیلة" ([82]).
والراجح أن الزیادة فی العقل زیادة فی العلم بالأمور وحسن إصابة بالظنون ومعرفة ما لم یکن إلى ما یکون، وذلک فضیلة لا نقص.
ولعل هذا یفسر سر الاختراعات والابتکارات التی أذهلت العقول فی طریقة صناعتها ودقة تحقیق أهدافها،ویظهر ذلک بجلاء فی التقنیة الحدیثة الهائلة التی یتم تحدید أهدافها بدقة ،إلا ما کان ناجماً عن الخطأ من جانب العنصر البشری فی الاستخدام.
ومع ذلک تبقى حقیقة مهمة یجب التأکید علیها،وهی أن الإفراط فی الذکاء قد یخرج صاحبه عن مساره الراشد ،فیحمله الشطط فی التفکیر على ابتکار موجبات التخریب والتدمیر بغیر وزاع من شرع أو ضمیر،ولذا اختلف الناس فیمن صرف فضل عقله إلى الشر ،هل یسمى عاقلاً أم داهیة ؟ وقال فریق منهم: "لا أسمیه عاقلاً حتى یکون خیرًا دینّاً؛ لأن الخیر والدین من موجبات العقل. فأما الشریر فلا أسمیه عاقلاً وإنما أسمیه صاحب فکر"([83]).
المطلب الثانی
ضابط الابتکار المعتبر شرعاً
بحث العلماء الفرق بین العقل الغریزی الذی فطر علیه الإنسان ،وبین العقل المکتسب بالخبرة والتجربة، وذکروا أن العقل المکتسب لا ینفک عن العقل الغریزی؛ لأنه نتیجة منه. وقد ینفک العقل الغریزی عن العقل المکتسب فیکون صاحبه مسلوب الفضائل، موفور الرذائل.. وقال سابور بن أردشیر: العقل نوعان: أحدهما مطبوع، والآخر مسموع. ولا یصلح واحد منهما إلا بصاحبه، فأخذ ذلک بعض الشعراء فقال:
رأیت العقل نوعین |
... |
فمسموع ومطبوع |
ولا ینفع مسموع |
... |
إذا لم یک مطبوع |
کما لا تنفع الشمس. |
... |
وضوء العین ممنوع([84]) |
وقد وصف بعض الأدباء العاقل بما فیه من الفضائل، والأحمق بما فیه من الرذائل"([85]).
وتفریعاً على هذا الوصف فإن الابتکارات الإنسانیة لیست نافعة نفعاً محضاً،بل فیها الضار والنافع .
وقد أضاف بعض الفقهاء المعاصرین قیداً مهماً فی تعریف الابتکار، وهو أن یکون هذا الاختراع أو الابتکار یتوافق مع أحکام الشریعة الإسلامیة؛ فقال بعضهم:" کل ابتکار مباح، قابل للاستعمال، یتعلق بمنتجات صناعیة، أو طرق ووسائل مستخدمة، أو بهما معاً".([86])
والابتکار بهذا المعنى داخل فی عموم ما أحله الله ـ تعالى ـ من الطیبات ،فی المطعومات أو المشروبات أو الملبوسات ،أو المرکوبات،وکل ماله قیمة مالیة محترمة شرعاً.
وتفریعاً أیضاًعلى هذا الوصف فإن کل ابتکار أو اختراع لا یتفق وأصول الشریعة مردود شرعاً .
ویمکن أن یمثل له بابتکار واختراع قوم موسى ،الذی ذکره القرآن الکریم فی قوله ـ تعالى ـ:] وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِینَ لَیْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ[ ([87])
ـ وقوله ـ تعالى ـ:] وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ یَرَوْا أَنَّهُ لَا یُکَلِّمُهُمْ وَلَا یَهْدِیهِمْ سَبِیلًا اتَّخَذُوهُ وَکَانُوا ظَالِمِینَ[([88]).
قیل فی سبب نزول الآیات:"إن بنی إسرائیل کان لهم عید یتزینون فیه ویستعیرون من القبط الحلی، فاستعاروا حلی القبط لذلک الیوم فلما أغرق الله القبط بقیت تلک الحلی فی أیدی بنی إسرائیل، فجمع السامری تلک الحلی، وکان رجلاً مطاعًا فیهم ذا قدر ،وکانوا قد سألوا موسى -علیه السلام- أن یجعل لهم إلها یعبدونه فصاغ السامری عجلاً"([89]).
وقال أکثر المفسرین :إنه کان قد جعل ذلک العجل مجوفًا ووضع فی جوفه أنابیب على شکل مخصوص ،وکان قد وضع ذلک التمثال على مهب الریاح ،فکانت الریح تدخل فی جوف الأنابیب ویظهر منه صوت یشبه خوار العجل.
وقال آخرون: إنه جعل ذلک التمثال أجوف وجعل تحته فی الموضع الذی نصب فیه العجل من ینفخ فیه من حیث لا یشعر به الناس فسمعوا الصوت من جوفه کالخوار" ([90])،ووجه الظلم فی قوله ـ تعالى ـ:] وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ[، أی:" وأنتم واضعو العبادة فی غیر موضعها، لأن العبادة لا تنبغی إلا لله ـ عز وجل ـ، وعبدتم أنتم العجل ظلماً منکم، ووضعاً للعبادة فی غیر موضعها". ([91]).
وعلى هذا یمکن تقسیم الابتکارات باعتبار النفع والضرر، إلى نوعین:
الأول:ابتکارات نافعة:ووجه النفع فیها أن یستفید الناس من هذا الاختراع فی حیاتهم العامة، کاختراع وسائل المواصلات والاتصالات، وجمیع الابتکارات الحدیثة ولو انحرف بعض الناس فی استخدام هذا النوع من الاختراعات فاستخدمها بخلاف الشرع فإنها تأخذ حکم المنع فی حقه هو فقط.
الثانی:ابتکارات ضارة:وأعنی به الضرر فی المیزان الشرعی ،عملاً بقول النبی-r -" لا ضَررَ ولا ضِرار، مَن ضَارَّ، ضَرَّه اللهُ، وَمَن شَاقَّ، شقَّ اللهُ علیه" ([92])، إذ بمیزان الشرع یُحکم على نفع الأشیاء أو ضررها([93])، کأداوات السرقة أو ما یُسمى الیوم بأسلحة الدمار الشامل.
وقد صدر عن المجمع الفقهی الإسلامی قراراً حول الآلات التی یتم اختراعها، حیث جاء فیه:" إن کل أداة حدیثة وصل إلیها الإنسان بما علّمه الله، وسخّر له من وسائل؛ إذا کانت تخدم غرضاً شرعیاً ،أو واجباً من واجبات الإسلام، وتحقق فیما لا یتحقق من دونها، تصبح مطلوبة بقدر درجة الأمر الذی تخدمه وتحققه من المطالب الشرعیة، وفقاً للقاعدة الأصولیة: ما یتوقف علیه الواجب فهو واجب." ([94])
تحریم الابتکارات الضارة فی الفقه الإسلامی :
وکما أرشد الفقهاء إلى الابتکارات النافعة وحثوا علیها أشاروا إلى حرمة الابتکارات الضارة وتجریمها ،ومن نقولهم:
" قال الأوزاعی: بلغنی أن النبی-- rنهى أن یلقى السم فی آبار العدو ومیاههم؛ ولا یفعل ذلک المسلم فی طعام ولا سلاح , وهو قول مالک. قیل لسحنون: فإن أخذ المسلمون قلالاً مملوءة خمراً فجعلوا فیها سماً ونصبوها للعدو فشربوا منها فماتوا؟ فکره أن یعمل بهذا"[95]).
والنص الفقهی واضح الدلالة فی الابتکارات التی تکون فی صورة الغازات السامة التی أصابت العالم بالفجیعة فی البقع التی تراق فیها دماء الأبریاء ،ویستوی فی هذا الحکم أن تکون هذه الابتکارات السامة مستخدمة مع المسلم أو غیر المسلم ،فهما فی حرمة الدماء سواء.
أما الرمی بالمنجنیق :فهو یشبه الرمی بالمدافع، والطائرات، والدبابات، ونحو ذلک ،جاء فی الشرح الممتع :"المنجنیق بمنزلة المدفع ففی الوقت الحاضر لا یوجد منجنیق لکن یوجد ما یقوم مقامه، من الطائرات، والمدافع والصواریخ وغیرها"([96]).
قال فی الرحیق المختوم:" وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمین، أمر النبی-r- بنصب آلات المنجنیق، ویبدو أن المسلمین قذفوا به القذائف، فأوقعوا الخلل فی جدران الحصن، واقتحموه، ودار قتال مریر فی داخل الحصن انهزم أمامه العدو هزیمة منکرة؛ وذلک لأنهم لم یتمکنوا من التسلل من هذا الحصن کما تسللوا من الحصون الأخرى، بل فروا من هذا الحصن تارکین للمسلمین نساءهم وذراریهم"([97]).
وبهذا یکون الفقهاء متفقین على جواز استعمال المدافع، والطائرات والصواریخ وغیرها فی قتال غیر المسلمین، لأنها تقوم مقام المنجنیق، والله أعلم.
وزیادة على ما تقدم فإن الابتکار الجید یستلزم أن یکون النظر إلى جودة العمل مقدماً على النظر إلى سرعة الإنجاز ،فإن السرعة فی إتمام العمل بدون جودة تذهب بقیمة العمل .
جاء فی کتاب عیون الأنباء فی طبقات الأدباء:" لا تطلب سرعة العمل واطلب تجویده ،فإن الناس لا یسألون فی کم فرغ من هذا العمل وإنما یسألون عن جودة صنعه .([98])
المطلب الثالث
وجوه الحکمة فی دعوة الإسلام الى الابتکارات
تتجلى أهمیة الابتکار وما یتبعه من تجدید فی نمط الحیاة فیما یلی:
أولاً: إجهاض الدعاوى الزائفة بأن الإسلام انقطاع للعبادة وقضاء الحیاة فی الذکر، وقیام اللیل وصیام النهار ، فلا شیء فیه من عمل الدنیا ولا شیء فیه مما ینهض بالمسلمین فی دنیاهم من علم، أو صناعة، أو زراعة، أو تجارة ، وما إلى هذا مما یحفظ علیهم دنیاهم ، ولا یجعلهم فیها أقل نجاحاً من غیرهم ، حتى لا یطمع فیهم طامع ولا یستبیح حماهم عدو ، فیملک علیهم أمرهم ، ویضیع علیهم دینهم ودنیاهم.
وهذا فهم خاطئ إذ یلزم منه أنه لیس فی الإسلام شیء من التجدید والابتکار ؛ لأن أمور العبادة فی الإسلام لا تقبل التغییر فالصلاة هی الصلاة لا تغییر فیها وکذلک الزکاة، والصوم ،والحج، والنطق بالشهادتین .!!
ـ والصواب :أن الإسلام دین جامع لصلاح الدنیا والآخرة ، فلا یقتصر الأمر فیه على ما یصلح الآخرة وحدها ، بل یدخل فیه ما یصلح الدنیا أیضاً، والنصوص کثیرة فی هذا الصدد:
فهو دلیل قاطع على أن الإسلام یفتح الباب إلى الارتقاء ،والتجدید، والابتکار على مصراعیه ، ولا یجعل للغرور بالعلم سبیلاً إلى نفوسنا ؛ لأنه هو الذى یقف دون الارتقاء والتجدید فی العلم ، ویؤدى إلى الجمود المذموم فیه.
وفی تفسیر الرازی موازنة بدیعة بین عطاء الله ـ تعالى ـ من الدنیا وإمکانه من العلم حیث قال:" تأمل أیها المسکین فإنه ـ تعالى ـ ما أعطى إلا القلیل من العلم، قال ـ تعالى ـ:] وَمَا أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِیلا[ وسمى الدنیا بأسرها قلیلاً، فقال: ]قُلْ مَتاعُ الدُّنْیا قَلِیلٌ[([100]) ،وانظر کم مقدار هذا القلیل حتى تعرف عظمة ذلک الکثیر، والبرهان العقلی أیضاً یطابقه؛ لأن الدنیا متناهیة المقدار، متناهیة المدة، والعلوم لا نهایة لمراتبها وعددها ومدة بقائها، والسعادة الحاصلة منها، وذلک ینبئک على فضیلة العلم"([101]).
والعلم النافع وما یؤدی إلیه من ابتکارات نافعة سبیل راشد إلى موجبات السعادة الحقیقیة؛لذا قال الماوردی:"والجهل والحمق حرمان وإدبار وإن کثرت معهما الأموال، واتسعت فیهما الأحوال؛ لأن السعادة لیست بکثرة المال فکم من مکثر شقی، وکم من مقل سعید.
وکیف یکون الجاهل الغنی سعیداً والجهل یضعه؟. أم کیف یکون العالم الفقیر شقیاً والعلم یرفعه؟ .
وقد قیل فی منثور الحکم: کم من ذلیل أعزه علمه، ومن عزیز أذله جهله. وقال عبد الله بن المعتز([102]): الجاهل کروضة على مزبلة"([103]).
ثانیاً: مسایرة التطورات المعاصرة فی المجالات المختلفة،وخصوصاً مجالات التقنیة أو التکنولوجیا والحکم علیها شرعاً ، لا سیما وأن هذا المجال لا یتدخل الإسلام فیه بل یدعه للناس ینظمونه وفقاً لمواهبهم وعلومهم، وحسب إمکانات عصرهم وبیئتهم ؛ لأنه من الشئون الفنیة المتطورة المتغیرة، فالإسلام یدعو للجهاد مثلاً ، ولکنه لم یحدد الوسائل ، أهی بالسیف أم المدفع ، أم المنجنیق ، أم الصاروخ ، ویبیح التداوی ولکنه لم یحدد أدواته ، وکیفیته ، ویحث على الزراعة ولکنه لم یقحم نفسه بتحدید وسائل الزراعة وآلاتها ، فهذا من صنع العقل البشرى ومن دائرة اختصاصه ، کل ما یهم الإسلام هو تحقیق المصلحة للإنسان ودرء الضرر عنه ،وتیسیر الحیاة علیه ومواکبة التطور فی کل زمان ومکان وعدم الجمود لأنه قد کان للجمود أثره فی فساد الحالة العلمیة بین المسلمین ، بدا ذلک واضحاً خلال القرن الثانی عشر الهجری ، لما أراد محمد الحلبی أفندی– سفیر الدولة العثمانیة الترکیة فی فرنسا – إنشاء مطبعة استانبول ، لجأ إلى السلطان وحاشیته لیقنعوا علماء الدین بفائدتها ، فأمر السلطان شیخ الإسلام أن یفتى بأن المطبعة نعمة من الله ـ تعالى ـ کما أفتى بذلک علماء القرن السابق ، فأفتى بجواز إنشاء هذه المطبعة على أن تمنع من طبع القرآن الکریم ،وکتب التفسیر، والحدیث، والفقه ، لأنها کتب دینیة یخاف علیها من التصحیف والتحریف ، مع أن التصحیف والتحریف موجود فی الکتب الخطیة قبل المطبوعة ، ولکنها کانت فتوى لم تخلو من غمز فی فائدة المطبعة .
مع أنه کان قد مضى على اختراعها فی أوربا نحو ثلاثة قرون ، وکانت من أعظم الأسباب فی نهوضها وانتشار المعارف والعلوم فیها ، فأنشئت المطبعة بمقتضى هذه الفتوى فی استانبول سنة 1124هـ/1712م .([106])
ثالثاً:دعوة الفقهاء إلى التجدید والابتکار نبذ للجمود والقعود عن التفکیر الراشد والنهوض بمقدرات الأمة،وتجنیبها ویلات البلادة والتقلید ،دون وعی وبصیرة بفقه الواقع .
لذا جاءت الدعوة إلى مواجهة ما هو آت من مستجدات ،بما یناسبه من التشریعات واضحة فی قول الخلیفة الراشد عمر بن عبد العزیز-رحمه الله -:"تحدث للناس أقضیة بقدر ما أحدثوه فی الحیاة "([107]).
مما یلزم معه ابتکار أدوات جدیدة لتوسیع دائرة التقاضی فی إطار دوائر قضائیة متخصصة،یشهد الواقع بحتمیتها؛ لسرعة الفصل فی الخصومات والمنازعات ، ووصول الحقوق إلى أصحابها فیکون موجباً من موجبات السعادة المجتمعیة.
کما نبذ الفقهاء الجمود على المنقولات العرفیة فی الکتب– مع تغیر الواقع ووجوب تقریر ما یناسبه - وفی هذا یقول القرافی المالکی :"فمهما تجدد فی العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور فی الکتب طول عمرک... والجمود على المنقولات أبداً جهل بمقاصد علماء المسلمین والسلف الماضین" .([108])
مما تقدم یتضح أن الدعوة إلى الابتکار والتجدید تسمح بمسایرة التطورات المعاصرة، لا سیما وأن الحکمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها.
رابعاً : الابتکارات النافعة وجه من وجوه السنة المحمودة شرعاً وعقلاً.
یقول الإمام القرطبی:" وکل بدعة صدرت من مخلوق فلا یخلو أن یکون لها أصل فی الشرع أولاً ، فإن کان لها أصل کانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إلیه وحض رسوله علیه ، فهو فی حیز المدح.
وإن لم یکن مثاله موجوداً کنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف ، فهذا فعله من الأفعال المحمودة ، وإن لم یکن الفاعل قد سبق إلیه.
ویعضد هذا قول عمر- t-: نعمت البدعة هذه ، لما کانت من أفعال الخیر وداخله فی حیز المدح ، وهى وإن کان النبی -r- قد صلاها إلا أنه ترکها ولم یحافظ علیها ، ولا جمع الناس علیها ، فمحافظة عمر -t- علیها ، وجمع الناس لها ، وندبهم إلیها بدعة لکنها بدعة محمودة ممدوحة ، أما إن کانت فی خلاف ما أمر الله به رسوله فهی فی حیز الذم والإنکار".([109])
وقال ابن الأثیر:" وما کان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إلیه وحض علیه الله أو رسوله فهو فی حیز المدح، وما لم یکن له مثال موجود کنوع من الجود، والسخاء، وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا یجوز أن یکون ذلک فی خلاف ما ورد الشرع به؛ لأن النبی-r- قد جعل له فی ذلک ثواباً فقال «من سن سنة حسنة کان له أجرها وأجر من عمل بها» وقال فی ضده «ومن سن سنة سیئة کان علیه وزرها ووزر من عمل بها»([110]). وذلک إذا کان فی خلاف ما أمر الله به ورسوله -r- " ([111]).
قال النووی:"فیه الحث على الابتداء بالخیرات وسن السنن الحسنات، والتحذیر من اختراع الأباطیل والمستقبحات....
وفی هذا الحدیث تخصیص قوله -r- کل محدثة بدعة وکل بدعة ضلالة، وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة"([112]).
خامساً: إن الأمم التی تحسن العمل والإنتاج فی إطار منظومة من الابتکارات والاختراعات ،جدیرة بدرجة السبق والریادة ،وعلو المکانة ،إذ إن المکانة" تقتضی العلم والقدرة إذ بالعلم یتمکن من معرفة الخیر والقصد إلیه، وبالقدرة یستطیع فعل ما یبدو له من الخیر والأمانة تستدعی الحکمة والعدالة، إذ بالحکمة یؤثر الأفعال الصالحة ویترک الشهوات الباطلة، وبالعدالة تصل الحقوق إلى أهلها"([113]).
سادساً: من خصائص الابتکارات أنها وجه من وجوه عمارة الأرض بنتاج التفکیر الراشد لصالح الإنسانیة ؛لذا تجب المحافظة علیها وتنمیتها وتطویرها وتوفیر التمویل اللازم لذلک، قال الماوردی:"وما کان به صلاح الدنیا والآخرة فحقیق بالعقل أن یکون به متمسکاً وعلیه محافظاً.
قال بعض الحکماء: الأدب أدبان: أدب شریعة وأدب سیاسة. فأدب الشریعة ما أدى الفرض، وأدب السیاسة ما عمر الأرض".([114])
المطلب الرابع
حمایة الحق المالی المترتب على الابتکارات
من الثابت أن حقوق المخترعین من الحقوق المالیة ،التی کان لها نظام خاص أحکمته التشریعات الحدیثة، فالشارع الفرنسی یحمی حقوق صاحب الاختراع مدداً محدودة إذا سجل الاختراع لقاء رسوم یدفعها فیبقى احتکاره لاختراعه تلک المدة، وحذا القانون المصری حذو الفرنسیین فی ذلک.
وحمایة الحق المعنوی فی الاختراعات أقل منه فی المؤلفات، فحق التألیف إحدى حریات المؤلف.
أما حق المخترع فأقرب إلى أن یکون أحد ممتلکاته وإن شارکه عصره فی الوصول إلیه، فقد یحدث أن یفکر غیره فی بعضه أو فی مثله کله، والتاریخ یحفظ أن (جراهام بل) و (جرای) تقدما لتسجیل اختراعهما للهاتف (التلفون) فی یوم واحد، بینهما ساعتان من النهار!([115])
ومن الناحیة الشرعیة :فإن حقوق التألیف والاختراع أو الابتکار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فیها، ولا یجوز الاعتداء علیها.
وهذا ما أکد علیه العلماء فی مجمع الفقه الإسلامی ،فی دورة مؤتمره الخامس بالکویت من 1 - 6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10 - 15 کانون الأول (دیسمبر) 1988م ([116]).
ومن أقوال العلماء بشأنه :"حق الابتکار منشؤه العرف ،والمصلحة المرسلة المتعلقة بالحق الخاص أولاً، وبالحق العام ثانیاً؛لأن إقرار الشارع للحق، إنما یکون بحکم، والحکم مستمد من مصادر التشریع التی منها العرف والمصلحة"([117]).
کما تساءل العلماء: هل حق الابتکار أو حق الطباعة حق معترف به شرعا؟ ([118]).
فی بحثنا لقضیة حقوق الابتکار ومدى إمکانیة حضانتها وتبنیها فی الفقه الإسلامی، لا بدّ من الانتباه لأمرین، وأخذهما فی الاعتبار.
- عندما یبتکر شخص ابتکاراً تنشأ علاقة بینه وبین ابتکاره تجاه الکافة متمثلة فی الآتی:
أ - علاقة ملکیته لابتکاره، بما هو جسم مادی قابل للحیازة وإن کانت قیمته المعنویة والمالیة لیست فقط فی المادة التی سجلت علیها أفکار الابتکار ( الورق مثلاً ) وإنما فی الأفکار المعبر عنها بالکلمات المسجلة على المادة بل وإن کانت هذه الأفکار والتعبیر عنها هی العنصر الأهم فی القیمة المعنویة والمالیة للمبتکر.
ب - علاقة شخصیة بحتة تتمثل فی حق المبتکر فی نسبة ابتکاره إلیه والاعتراض على کل تشویه، أو تحریف، أو تعدیل فیه، أو مساس بذات الابتکار یکون ضاراً بشرفه، وسمعته ،وحقه فی إدخال ما یراه من تعدیل فی ابتکاره وسحبه من التداول ویسمى هذا " الحق المعنوی أو الأدبی "، وهذا الحق لیس قابلاً للتصرف ولا للتنازل عنه کالحق الأول حق الملکیة.
علاقة مالیة تتمثل فی مکنة المبتکر من أخذ العوض ممن ینتفع تجاریاً بابتکاره والتصرف فی هذه المکنة، وتسمى هذه العلاقة " الحق المالی للابتکار " .
بما أنّ الحکم على الشیء فرع عن تصوره، فلِتصوُّرِ الحق المالی للابتکار،لابدّ بادئ ذی بدء من معرفة أنّ هذا الحق مصدره القانون ، وهذا لا یعنی بالضرورة أنّ هذا الحق لا تقرّه قواعد الشرع وإنما المراد أنّ الذی أوجد هذا الحق ویوجده القانون وتقره قواعد الشرع.
لم یکن الحق المالی للابتکار معروفاً قبل أن یصبح استغلال الابتکارات تجارة واسعة رابحة لها دور ظاهر فی الاستثمار، وذلک بوجود المطابع ودور النشر التی نتج عنها الثورة الصناعیة والتجاریة فی نشر الابتکارات.
ویقال عادة: ( إنّ أول قانون صدر بحمایة هذا النوع من الحقوق، القانون الفرنسی الصادر فی عام 1791م وقد اقتصر على حمایة الحق المالی للمؤلفات المسرحیة ثم صدر القانون الفرنسی فی عام 1792م یمدّ تلک الحمایة إلى جمیع المصنفات الأدبیة والفنیة، ثم تتابعت القوانین الأخرى فی البلدان المختلفة )
ووجدت بعد ذلک الاتفاقیات الدولیة الثنائیة والجماعیة لحمایة الحق المالی للابتکار.
ویلاحظ أنّ القوانین کلها والاتفاقیات الدولیة لا تحمی الحق المالی للابتکار على الإطلاق، بل تصنف المؤلفات إلى نوع یحمیه القانون ونوع مباح للکافة.
والحمایة التی یقررها القانون للحق المالی للابتکار لیست مطلقة من حیث الزمان وإنما هی مؤقتة بأجل معین إذا انتهى انتهت الحمایة.
ولیست مطلقة من حیث المکان إذ إنّ القانون نفسه محدد فی سلطانه من حیث المکان فلا یتجاوز سلطانه حدود سیادة الدولة التی أصدرته، والوسیلة إلى تجاوزه هذه الحدود الاتفاقیات الدولیة.
وبما أن هذا الحق مصدره القانون فإنّ القانون سواء ظهر فی شکل قانون وطنی، أو فی شکل اتفاق دولی یمکن له دائماً أن یحدد هذا الحق ویعدل فیه بل ویلغیه.
یقول الدکتور السنهوری: ( إذا کان المقصود بعبارة "الملکیة الأدبیة والفنیة" هو تأکید أن حق المؤلف یستحق الحمایة کما یستحقها المالک، وهذا هو المعنى الذی قصد إلیه أولاً عندما استعملت العبارة للدعایة والکفاح فی سبیل حمایة حق المؤلف فهذا صحیح، وأما إذا کان المقصود أن حق المؤلف هو حق ملکیة حقیقی فهذا أمر یحتاج إلى إمعان النظر، ذلک أنّ الشیء غیر المادی هو شیء لا یدخل فی عالم الحس، ولا یدرک إلاّ بالفکر المجرد فهو حتماً یختلف فی طبیعته عن الشیء المادی الذی یدرک بالحس وله جسم یتمثل فیه، فإذا تصورنا أن الشیء غیر المادی وهو الفکرة من خلق الذهن وابتکاره أدرکنا المدى الواسع الذی یفصل بین عالم الفکر وعالم المادة، فالمادة تؤتی ثمارها بالاستحواذ علیها والاستئثار بها، وأما الفکر فیؤتی ثماره بالانتشار لا بالاستئثار...
وتتنافى طبیعة الملکیة مع طبیعة الفکر من جهتین:
الناحیة الأولى: أن الفکر لصیق بالشخصیة بل هو جزء منها ومن ثَمَّ فقد وجب تقیید الفکر بهذا الاعتبار الأساسی، فیوجد بجانب الحق المالی للمبتکر الحق الأدبی وهذا الحق من شأنه أن یمکن المبتکر حتى بعد أن یبیع حقه للناشر أن یعید النظر فی فکره وقد یبدو له أن یسترد من التداول ما سبق نشره، بل وله أن یتلفه، بعد أن یعوض الناشر، وبذلک یستطیع أن یرجع بإرادته المنفردة فیما سبق له إجراؤه من تصرف، وأما من یتصرف فی شیء مادی تصرفاً ثابتاً فلیس له بإرادته وحده أن یرجع فی هذا التصرف ولو فی مقابل عوض.
الناحیة الثانیة: أن الفکر حیاته فی انتشاره لا فی الاستئثار به، فالإنسانیة شریکة له من وجهین: - وجه تقضی به المصلحة العامة... - ووجه آخر یرجع إلى أن صاحب الابتکار مدین ( بفکره ) للإنسانیة... "([119])
فقد انخدع بعض العلماء المعاصرین باصطلاح ( الملکیة الأدبیة أو الفنیة ) وباصطلاح حق المؤلف فحاولوا أن یخرجوا هذا الحق القانونی على أحد الحقوق المقررة فی الشریعة الإسلامیة وبالغ بعضهم فی ذلک حتى حاول تخریج الأحکام التفصیلیة لهذا الحق القانونی على الأحکام الفقهیة، فإذا کانت القوانین مثلاً تجعل مدة محددة لاستغلال الورثة حق المؤلف فقد رأى هذا الفقیه أن ( أقصى مدة لاستغلال الورثة لحق الإنتاج العلمی المبتکر ستون عاماً من تاریخ وفاة المؤلف مورثهم اعتباراً بأقصى مدة للانتفاع عرفها الفقه الإسلامی فی حق الحکر ) ([120])
کما أن بعضهم لم یلاحظ طبیعة البیئة التی صدرت فیها القوانین الغربیة المنشئة لهذا الحق القانونی، ولا مدى تأثر هذه القوانین بالدوافع والاعتبارات والقیم السائدة فی تلک البیئة.
وفی البیئة الإسلامیة توجد معان أخرى بالإضافة إلى ما ذکر آنفاً، وقد أشیر إلیها فی موضع آخر من هذه المقالة تمنع أن یقدر حق المبتکر فوق قدره وفی خصوص المؤلفات الشرعیة توجد حقوق لله فوق حقوق الإنسانیة لا مندوحة عن أن تراعى، وأن یعتد بها عند بحث حق المؤلف.([121])
مما سبق یظهر أن ابتکار الشیء الجدید سواء کان مادیًّا أو معنویًّا، فهو أحق من غیره بإنتاجه لانتفاعه بنفسه، وإخراجه إلى السوق من أجل اکتساب الأرباح، وذلک لما روى أبو داود عن أسمر بن مضرس رضی الله عنه قال: أتیت النبی r فبایعته فقال: "من سبق إلى ما لم یسبقه مسلم فهو له" ([122]) هذا إذا تعلق الأمر بأصل الحق فی الابتکار.
أما إذا قرن هذا الحق بالتسجیل الحکومی الذی یبذل المبتکر من أجله جهده وماله ووقته والذی یعطی هذا الحق مکانة قانونیة تمثلها شهادة مکتوبة بید المبتکر وفی دفاتر الحکومة، وصارت تعتبر فی عرف التجار مالاً متقومًا فلا یبعد أن یصیر هذا الحق المسجل ملحقًا بالأعیان والأموال بحکم هذا العرف السائر. ([123])
المبحث الثالث
دور الابتکار فی تحقیق مجتمع القوة المتوازنة فی البناء والتنمیة
فی نمط الحیاة الإسلامیة
وفیه أربعة مطالب:
المطلب الأول: دور الابتکار فی تحقیق القدرة التنافسیة فی عصر التخصص والازدهار.
المطلب الثانی: دور الابتکار فی زیادة القدرة على التسلیح
المطلب الثالث: دور الابتکار فی صناعة القیادات الإداریة الناجحة.
المطلب الرابع : الابتکارات ودورها فی تنمیة ریع الوقف الخیری.
المطلب الأول
دور الابتکار فی تحقیق القدرة التنافسیة فی عصر التخصص والازدهار
للابتکارات أثرها فی تحقیق القدرة التنافسیة، وهذا ثابت من وجوه:
الأول:من شأن تطور مستوى التکنولوجیا المستخدم فی عملیة إنتاج السلعة أن یعمل على تخفیض تکلفة الإنتاج، ومن ثم ارتفاع العرض منها.
أما انخفاض مستوى التکنولوجیا المستخدم أو تراجعه یعمل على زیادة تکلفة الإنتاج، أی انخفاض عرض السلعة.
والدعوة إلى تفعیل دور التکنولوجیا فی ابتکار أدوات اقتصادیة جدیدة سواء فی مجال التمویل أو الاستثمار ،أو طریقة انتاج السلع والخدمات ،تجد هذه الدعوة مرجعتیها فی قول النبی - r-«أنتم أعلم بأمر دنیاکم»([124]) .
ودلالة هذاالحدیث قاطعة فی أن الشؤون الدنیویة قابلة للتغییر حسب متطلبات المصلحة وسیاسات الدولة،وقد سماها الفقهاء بالمعاملات وتوسعوا فیها،حیث إنهم وضعوا عدة قواعد فی هذا الشأن،منها: لاینکر تغیر الأحکام بتغیر الأزمان.([125]).
ومنها تصرف الإمام على الرعیة منوط بالمصلحة.([126])
والأصل فی العقود الإباحة مالم تخالف نصاً شرعیاًّ.
ومعنى ذلک أن العقود والاتفاقات لاتنحصر فیما کان سائداً فی عهد الرسول- r- أوفیما أورده الفقهاء فی کتبهم،إنما تمتد لتشمل کافة الصیغ والأسالیب الحدیثة التی تتفق مع مقاصد الشریعة فی تحقیق المصالح ودرء المفاسد.
الثانی: من شأن التفوق النسبی فی بعض فروع الإنتاج وزیادة التجارة الخارجیة لأی دولة من الدول ،مما یلزم منه ارتفاع الکفاءة الإنتاجیة لصناعات الدولة ،بالمقارنة مع الدول الأخرى ،ومن ثم زیادة الصادرات.
وهذا الوجه من منظور إسلامی متحقق من خلال ما لاحظه الفاروق عمر بن الخطاب -t -ففی الأثر أنه دخل السوق فی خلافته فلم یر فیه فی الغالب إلا النبط([127])، فاغتم لذلک فلما أن اجتمع الناس أخبرهم بذلک وعذلهم فی ترک السوق فقالوا: إن الله أغنانا عن السوق بما فتح به علینا.
فقال ـ رضی الله عنه ـ: والله لئن فعلتم لیحتاج رجالکم إلى رجالهم ونساؤکم إلى نسائهم"([128]).
وتعلیقاً على قول الفاروق عمرـ t ـ یقول الکتانی:" صدقت فراسة عمر فی هذه الأمة، فإنها لما ترکت التجارة بطرقها المشروعة المرغوبة، وأسالیبها الناجحة تلقفها الغیر فأصبحت الأمة عالة على غیرها، رجالنا على رجالهم، ونساؤنا على نسائهم فی کل شیء. من الإبرة والخیط إلى أرفع شیء وأثمنه"([129]).
ودلالة الأثر واضحة فی تطویر قدرات الأسواق المحلیة لتحقیق ما یسمى بسیاسة الاکتفاء الذاتی ،الذی یتحول فیما بعد إلى مرحلة الإنتاج من أجل التصدیر .
کما تجب ملاحظة أن النفع المتولد من الابتکار نفع متعدی ،أی لیس قاصرا على من ابتکره ،بل یتعداه إلى کل من طلبه من بنی الإنسانیة لحاجته إلیه،قال ابن حجر فی بیان النفع المترتب على الزراعة فی صورها الأولیة المتمثلة فی إشباع الحاجة من السلع والخدمات :" ولم ینحصر النفع المتعدی فی الزراعة بل کل ما یعمل بالید فنفعه متعد لما فیه من تهیئة أسباب ما یحتاج الناس إلیه والحق أن ذلک مختلف المراتب وقد یختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والعلم عند الله تعالى".([130]).
قال ابن المنذر:" إنما یفضل عمل الید سائر المکاسب إذا نصح العامل.". ثم قال:" ومن فضل العمل بالید الشغل بالأمر المباح عن البطالة، واللهو، وکسر النفس بذلک ،والتعفف عن ذلة السؤال والحاجة إلى الغیر"([131]).
وقوله:" والتعفف عن ذلة السؤال والحاجة إلى الغیر" إشارة إلى بیان أثر الابتکارات فی إشباع حاجة الأفراد، والشعوب، والدول من السلع والخدمات سواء منها ما کان للاستهلاک المحلی، أو الإنتاج من أجل التصدیر، بما یضمن تحقیق الاستقلال الاقتصادی ،والتحرر من قیود التبعیة الاقتصادیة .
المطلب الثانی
دور الابتکار فی زیادة القدرة على التسلیح من منظور شرعی
تأتی أهمیة الابتکار فی مجال سیاسة التصنیع العسکری والحربی فی أن دول ما یسمى بدول العالم الثالث _ کما یصفونه - تحاول السیر فی طریق تصنیع بعض عتادها الحربی ، فتشتری من الدول المتقدمة بعض المصانع المنتجة لآلات حربیة، أو تدخل شریکة فی ملکیتها ، وتنقلها إلى بلادها .. وتتعاقد مع الخبراء ، والموظفین ، والعمال الفنیین .. ثم تتحرک تلک المصانع بالإنتاج .. وکثیراً ما یکون هذا الإنتاج إنما هو لأجزاء معینة من آلة حربیة ، ولیست لجمیع أجزائها ..
وعلى کل حال ، تبقى الدول الأجنبیة البائعة لتلک المصانع ، أو التی بقیت شریکة فیها هی المهیمنة على ملکیة التصنیع ، وهی التی تشرف على صیانة تلک المصانع، وتمدها بقطع الغیار ، وما شاکل ذلک.([132])
ومن ثم فإنه لمن الواجب على المسلمین أن یکون جلّ اعتمادهم فی التسلیح على الصناعة المحلیة ، بما یؤدی إلى الاکتفاء الذاتی فی هذا المجال ، وعلى النحو الذی لا یترک للأجانب أی سبیل للهیمنة أو النفوذ على هذه الصناعة ، ویکون ذلک عن طریق السیر فی سیاسة صناعیة تکفل للمسلمین التحرر من سیطرة الدول الطامعة فیهم ، وفی هذا یقول المفکر عبدالرحمن المالکی فی کتابه "السیاسة الاقتصادیة المثلى":"وتقوم السیاسة الصناعیة على جعل البلاد من البلاد الصناعیة ، ویسلک إلى ذلک طریق واحد ، هو إیجاد صناعة الآلات أولاً ، ومنها توجد باقی الصناعات أی: بإیجاد المصانع التی تصنع الآلات من (موتورات) ، وخلافها ، ثم بعد توفر الآلات من صناعة البلاد تؤخذ هذه الآلات ، وتصنع منها بقیة المصانع ..
أما القول: بأن إیجاد صناعة الآلات یحتاج إلى جهد ووقت طویل فلابد أن نبدأ بصناعة الحاجات الأساسیة - فهو قول یراد به تعویق صناعة الآلات ، وصرف البلاد إلى الصناعات الاستهلاکیة حتى تظل سوقاً لمصانع الغرب.
على أن الواقع یکذب هذا القول ، فإن روسیا القیصریة حین خرجت من الحرب العالمیة الأولى کانت عالة على أوربا ، ولم تکن قد نشأت لدیها صناعة الآلات حتى إنه ینقل عن (لینین) بأنه قد طلب منه تحسین الإنتاج الزراعی بإحضار آلات حراثة (تراکتورات) للسیر فی الزراعة بالآلات الحدیثة ، فأجاب: لن نستعمل (التراکتورات) حتى ننتجها نحن ، وحینئذ نستعملها ، وفی مدة لیست بالطویلة وجدت صناعة الآلات فی روسیا ...
والقول: إن صناعة الآلات یحتاج إلى إیجاد وسط صناعی من مهندسین ، وعمال فنیین ، وما شاکل ذلک ، هو قول یقصد به التعطیل ، فإن دول أوربا الشرقیة والغربیة لدیها فاضل من المهندسین والعمال الفنیین فیمکن استحضار المئات منهم فی الحال للبدء بالعمل ، وفی نفس الوقت یمکن إرسال المئات بل الآلاف من شبابنا لتعلم صناعة الهندسة الثقیلة ، وصناعة الفولاذ ، وهذا سهل میسور ، وفی متناول الید ..([133]).
ثم یعدد الکاتب الأسباب التی تدعو للتعجیل بإیجاد صناعة الآلات فی البلاد الإسلامیة ، فیذکر منها: أن کثیراً من المصانع عندنا یصیبها عطب بکسر الآلة ، أو جزء منها فنضطر لاستیرادها من الخارج ، أو تتعطل الآلة کلیاً ، وهذا یکلفنا نفقات طائلة - فتوفیراً لهذه النفقات یجب أن نقوم بإنشاء صناعة الآلات ، ومثلاً: إن شراء المصانع والآلات من الخارج یکلفنا ثمناً غالیاً ، وهی تباع لنا بأسعار عالیة ، ولکن إذا أوجدنا نحن مصانع الآلات - والنفط متوفر فی بلادنا - فنحصل على المصانع والآلات بأرخص مما نشتریها من أوربا وأمریکا ..
ویتابع الکاتب فیقول: لا نرید أن نقول: إن أوربا حصلت فیها الثورة الصناعیة إنما حصلت حین وجدت صناعة الآلات ، ولا نرید أن نقول: إن أمریکا - وقد کانت مستعمرة لعدة دول - إنما تقدمت مادیاً حین حصلت فیها الثورة الصناعیة بصناعة الآلات .. لا نرید أن نقول هذا ، وهی أمثلة محسوسة وبراهین قاطعة. وإنما نرید أن نقول: إن الواقع الذی تعیشه البلاد یحتم علیها القیام بالثورة الصناعیة فی الحال ، فالانفصال عن الغرب لا یتم ، ولا یطمئن المرء إلیه إلا إذا حصل الاستغناء عن الغرب ، وما دمنا فی حاجة لاستیراد الآلات والمصانع منه - فإنه ستظل لدى الغرب الفرص لإعادة ربطنا به ، بل لإعادة نفوذه وسیطرته ، لذلک: کان القیام بالثورة الصناعة أمراً حتمیاً ، وهذا یعنی: المبادرة إلى إقامة صناعة الآلات رأساً وبدون تدریج ، بل بشکل عاجل ، حتى یکون العمل ثورة صناعیة صحیحة"([134]).
ویبیَّن الشیخ جمال الدین القاسمی الحکم الشرعی فی إنشاء المعامل لصنع الأسلحة والذخائر- وذلک فی معرض تفسیره لقوله تعالى ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ[([135]) فیقول: "..أما الیوم، فقد ترک المسلمون العمل بهذه الآیة الکریمة .. وأهملوا فرضاً من فروض الکفایة ، فأصبحت جمیع الأمة تعانی الیوم من غصته ما تعانی ، وکیف لا یطمع العدو بالممالک الإسلامیة التی لا ترى فیها معامل للأسلحة، وذخائر حرب بل کلها مما یستورد من بلاد الغرب؟ أما آن لها أن تتنبه من غفلتها ، وتنشئ معامل لصنع المدافع والبنادق ، والقذائف، والذخائر الحربیة؟ فقد ألقى علیها تنقص العدو بلادها من أطرافها درساً یجب أن نتدبره وتتلافى ما فرطت فیه".([136])
إلاَّ أنه تجب ملاحظة أن القوة العسکریة تحکمها مجموعة من القواعد والضوابط الأخلاقیة ،بحیث تکون وسیلة ناجعة فی تحقیق الدفاع عن الضرورات الخمس: الدین، والنفس، والمال، والعرض ،والعقل لا أن تکون سبباً فی التخریب والتدمیر على نحو ما یعرف بأسلحة الدمار الشامل ،فإن ما تم ابتکاره فی هذا المجال ترد علیه الکثیر من المحاذیر الشرعیة ؛ لأن أسلحة الدمار الشامل تأتى على الأشخاص والثروات والأملاک ، وفى الأشخاص کثیرون لا یباشرون القتال ولا یتمیزون عنهم ولا یقصدون بأعیانهم فلا یجوز قتلهم .
لقد حرم الإسلام التخریب والإفساد ،وقید جوازه بما إذا کان سلاحًا یضعف به العدو. ومما ورد فی ذلک ما رواه مسلم عن ابن عمر -رضى الله عنهما- أن النبی-r- نهى عن قتل النساء والصبیان ([137])، وذلک إذا تمیزوا عن المحاربین ، أما إذا لم یتمیزوا ،فیجب ألاَّ یتم قتلهم على وجه العمد، بل أن تکون هناک ضرورة لذلک. ([138])
ومن صور الابتکارات العسکریة النافعة تطویر التحصینات الدفاعیة على طریقة ما یسمونه بـ "الحسک". ([139])
ومن نصوص الفقهاء فی هذه المسألة:"ولا بأس أن یلقى المسلمون الحسک حول عسکرهم إذا نزلوا یتحصنون به. وکذلک إذا التقوا فألقى المسلمون أمامهم الحسک یردعونهم به , فلا بأس بذلک" ([140]).
وفکرة الأسلاک الشائکة التی تستخدم فی هذا العصر هی امتداد لفکرة الحسک الشائک، الذی استخدمه المسلمون فی قتال العدو، فقد استخدمه النبی - r- فی حصار الطائف فیما رواه ابن سعد "أن النبی - r- حاصر أهل الطائف ونصب علیهم المنجنیق ونثر الحسک حول الحصن" ([141]).وقد طور المسلمون هذا السلاح فجعلوه من أصابع حدیدیة مدببة تبث فی وجه العدو فتمنع تقدم الخیل والراجلة([142]).
والیوم تعتبر الأسلاک الشائکة مانع وقائی فی المراحل الأولى لاحتلال المواقع الدفاعیة، ولزیادة صعوبة اختراق هذا المانع یوضع أکثر من خط من الأسلاک الشائکة وتوضع بینها اللفات الحلزونیة الشائکة، ویمکن توصیله بتیار کهربائی. ([143]).
المطلب الثالث
الابتکار وأثره فی حسن اختیار القادة الإداریین
بمطالعة الکثیر من صور الواقع الإداری لکثیر من الهیئات والمؤسسات الإداریة یمکن الکشف عن الکثیر من وجوه التمیز فی حالة القائد الإداری الدیمقراطی([144]) الناجح ،حیث تتمیز المخرجات الإداریة بالدقة والعمل بروح الفریق والجماعة ،ومواکبة التطورات والتغیرات المجتمعیة ،بخلاف الإداری المستبد فغالباً ما تکون قراراته قرینة الفشل ،ومصدر تفکیک الروابط والأواصر المجتمعیة بین مجموعة الفریق الإداری مما ینعکس بالسلب على مخرجات العمل الإداری.
وبهذا یتضح أن القیادة الإداریة المنضبطة التی لدیها القدرة على التجدید والابتکار تتصل بالحوکمة([145]) اتصالاً وثیقاً بل هی مفتاح الحوکمة ،ومقیاس تطورها.
وصناعة القیادة الإداریة فن من الفنون الراقیة ،التی یراد منها بناء منظومة الإدارة على أسس راشدة، تستوجب ابتکار تقنیات جدیدة تکشف عن القدرة على التمیز فی الأداء ،ومن هذه الأدوات:
المقابلة الشخصیة:ومن الخلفاء الذین ابتکروا هذه الطریقة الفاروق عمر-t- فقد کان یتفرس فی أمر ولاته حین یلقاهم حتى یتبین له أمرهم من خلال تفرسه ونظره فی تصرفاتهم فیقر من رآه قائماً بما یدل على حسن سیرته ،ویستبدل من رأى منه غیر ذلک،قال الربیع بن زیاد الحارثی([146]):"کنت عاملاً لأبی موسى الأشعری على البحرین، فکتب إلیه عمر بن الخطاب-t- یأمره بالقدوم علیه هو وعماله، وأن یستخلفوا جمیعاً. فلما قدمت المدینة أتیت (یرفأ)([147])فقلت: یا یرفأ مسترشد وابن سبیل! أی الهیئات أحب إلى أمیر المؤمنین أن یرى فیها عماله؟ فأومأ إلى الخشونة، فعمدت إلى خفین مطارفین ولبست جبة صوف ولبست عمامتی على رأسی، فدخلنا على عمر بن الخطاب فصففنا بین یدیه فصعد فینا وصوب فلم تأخذ عینه غیری، فدعانی فقال: من أنت؟ قلت: الربیع بن زیاد الحارثی. قال: وما تتولى من أعمالنا؟ قلت: البحرین. قال: وما ترتزق؟ قلت: ألفاً. قال: کثیر فما تصنع بها؟ قلت: أتقوت منها بشیء وأعود على أقارب لی، فما فضل عنهم فعلى فقراء المسلمین. قال: فلا بأس علیک ارجع إلى موضعک. فرجعت إلى موضعی من الصف فصعد فینا وصوب فلم تقع عینه إلا علی فدعانی فقال لی: کم سنک؟ قلت: خمسة وأربعون سنة. قال: الآن استحکمت.ثم دعا بالطعام وأصحابی حدیثو عهد بلین العیش وقد تجوعنا له، فأتى بخبز وأعضاء بعیر فجعل أصحابی یعافون ذلک، فجعلت آکل وجعلت أنظر إلیه یلحظنی من بینهم، ثم سبقت منی کلمة تمنیت أنی سحت فی الأرض ولم أقلها فقلت: یا أمیر المؤمنین إن الناس محتاجون إلى سلامک، فلو عمدت إلى طعام ألین من هذا فزجرنی وقال: کیف قلت؟ فقلت: أقول یا أمیر المؤمنین لو تنظر إلى قوتک من الطحین أن یخبز لک قبل إرادتک إیاه بیوم ویطبخ لک اللحم کذا، فیؤتى بالخبز لیناً وباللحم غریضاً([148]). فسکن غیظه ثم قال: ههنا زغت. قلت: نعم. قال: یا ربیع إنا لو شئنا لملأنا هذه الرحاب من صلائق([149]) وسنابک([150])، یعنی الخبز الحواری ولکنی رأیت الله تعالى عاب على قوم شهواتهم فقال: ]أَذْهَبْتُمْ طَیِّبَاتِکُمْ فِی حَیَاتِکُمُ الدُّنْیَا[([151]) ثم أمر أبا موسى بإقراری على عملی وأن یستبدل بأصحابی.([152])
وهذا یقابل فی زماننا ما یسمى بالمقابلة الشخصیة التی تمد المسئول برؤیة واضحة عمن یرید تولیتهم ،کما تدل هذه القصة على أنه کانت توجد للولاة سلطة اختیار من یعاونهم ،بحیث یتمکنون من ذلک ،من غیر عود أو رجوع إلى المدیر الأعلى.
ثانیاً:طریقة إشاعة خبر التعیین لمعرفة ما یقال فی المعین قبل تعیینه:
هناک من ابتکر طریقة فی معرفة حقیقة من یرید تولیته ،فیبث شائعة أنه یرید تولیة فلان ،وعندها یبدأ الناس فی الحدیث عنه ،ومن خلال المعلومات المتاحة تتسع أمامه الرؤیا فی حقیقة من یرید تولیته ،قال ابن طباطبا:" ومما یکمل فضیلة الملک: أن تکون قوّة الاختیار عنده سلیمة لم تعترضها آفة فیکون اختیار الرجال اختیاراً فاضلاً.
کان الناصر([153]) آیة الدنیا فی اختیار الرجال فکان من توصّلاته إلى معرفة الرّجل إن أشکل علیه، أن یشیع بین الناس أنّه یرید أن یولیه المنصب الفلانیّ، ثم یتمادى فی إبرام ذلک أیّاما، فیمتلئ البلد بالأقاویل، لذلک الرجل فیفترق فیه الناس: فقوم یصوّبون ذلک الرأی ویصفون فضائل الرجل، وقوم یغلّطون الخلیفة ویذکرون عیوب الرجل، وللخلیفة عیون وأصحاب أخبار لا یؤبه لهم، یخالطون أصناف الناس، فیکتب أصحاب الأخبار إلیه بما فیه الناس من الغلیان فی ذلک، فیعرف بصحّة نظره وتمییزه أیّ القولین أرجح وأصوب، فإن رجح فی نظره تفضیل الرجل، ولّاه وخلع علیه، وإن ترجّح عنده قول الطاعنین علیه وتبیّن له نقصه، ترکه وأعرض عنه وفی الجملة فحسن الاختیار أصل عظیم، قال الشاعر:
من کان راعیه ذئباً فی حلوبته ([154]) |
... |
فهو الّذی نفسه فی أمره ظلما |
یرجو کفایته والغــدر عادته |
... |
ومن یرد خائنا یستشعر النّدما([155]) |
وهذا الأسلوب یتبعه من یرید معرفة الرأی العام تجاه تصرف ما فینشرون الخبر بمضمون ما یراد، ثم یقیسون رد الفعل على ذلک ،وقد تبین من هذا الخبر أن هذا المسلک قدیم ،ولیس کما یظن أنه من الأسالیب المعاصرة. ([156])
المطلب الرابع
الابتکارات ودورها فی تنمیة ریع الوقف الخیری
الوقف الخیری بمفهومه الواسع أوضح صورة للصدقة التطوعیة الدائمة، بل له من الخصائص والمواصفات ما یمیزه عن غیره، وذلک بعدم محدودیته ،واتساع آفاق مجالاته ، والقدرة على تطویر أسالیب التعامل معه، وکل هذا کفل للمجتمع المسلم التراحم والتواد بین أفراده على مر العصور بمختلف مستویاتها السیاسیة، والاقتصادیة، والاجتماعیة التی مرت بها الأمة([157]).
ومن یطالع الأوقاف الإسلامیة فی زمن السلف یجد أنها حملت الکثیر من وجوه الابتکار التی تعد نموذجاً رائعاً فی حینها.
ومن الأمثلة التی تُذکر لرعایة الفقراء اجتماعیاً من خلال الوقف ما ورد فی وقفیة الشیخ أبو عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسی ـ یرحمه الله ـ فی فلسطین فی القرن السادس الهجری حیث شملت أموراً کثیرةً منها: " وقف للخبز یفرق فیها کل یوم ألف رغیف... ووقف للأطعمة الیومیة وهی أطعمة رتیبة ومنها الجریش فی الشتاء... وأضحیة فی العید الکبیر وحلوى فی المواسم ـ رجب وشعبان ـ ووقف زبیب قضامة کل لیلة جمعة وحلویات أخرى فی اللیالی الفاضلة من رمضان... ووقف على قمصان توزع کل سنة..." ([158]).
ولعل أطرف ما یرد هنا ما أوقفه صلاح الدین الأیوبی ـ یرحمه اللَّه ـ حینما جعل ما یسمى وقف المیزاب، حیث جعل فی أحد أبواب قلعة دمشق میزاباً یسیل منه الحلیب، ومیزاباً یسیل منه الماء بالسکر، تأتی إلیه الأمهات الفقیرات یومین فی کل أسبوع لیأخذن لأطفالهن وأولادهن ما یحتاجونه من الحلیب والماء بالسکر. ([159])
وغیرها من الصور التقلیدیة التی غطت جمیع الجوانب المجتمعیة ،ثم تطورت حتى وصلت إلى ما وصلت إلیه الآن.
ومن هنا جاءت أهمیة الدعوة إلى الابتکار والإبداع فی الأوقاف ومتابعتها ومصارفها بما یواکب حاجة العصر وتقدمه واجب الشرعی ،ومرد ذلک أن من خصائص الوقف أنه یواکب العصر، ویُلبی حاجة الأمة.
ولا یقف الأمر فی التعامل مع التقنیات الحدیثة، والأفکار الإبداعیة فی الأوقاف ومصارفها، بل لا بد من أن التقدم إلى الأمام تفکیرًا وتنفیذًا.
أهم التجارب المبتکرة لتنمیة أموال الأوقاف وتثمیرها فی الدول العربیة.
1- دائرة الشؤون الإسلامیة والعمل الخیری بدبی([160]).
2- تجربة إنشاء الصنادیق الوقفیة فی بعض الدول مثل الکویت والسعودیة والإمارات.
3- تجربة الأسهم الوقفیة کأداة لتجمیع الأموال لإنشاء أوقاف جدیدة فی بعض الدول مثل سلطنة عمان والکویت والإمارات.
4- وجود عدة مؤسسات خیریة مانحة للأفراد والمؤسسات الأخرى تقوم على وقف من بعض رجال الخیر مثل مؤسسة الأمیر سلطان بن عبد العزیز بالسعودیة، ومؤسسة الشیخ زاید بن سلطان بالإمارات، ومؤسسة عبد الحمید شومان بالأردن.
5- مجموعة دلة البرکة.
6- إنشاء الهیئة العالمیة للأوقاف بالبنک الإسلامی للتنمیة بجدة.
7- إنشاء الأمانة العامة للأوقاف بالکویت. ([161])
ومن الثابت شرعًا أن الانتفاع بالوقف إما أن یکون بعین الوقف مثل وقف مسجد أو مبنى لسکن الفقراء، وإما أن یکون بغلة الوقف الناتجة عن استثماره بتوزیعها على المستحقین الموقوف علیهم وسوف نتناول ما یتعلق بالاستثمار فی نقطتین:
ومن المقرر فقهاً أن مال الوقف فی ید الناظر مال أمانة وأنه علیه واجب المحافظة علیه واستخدامه بطرق وأسالیب تؤدى إلى تحقیق الغرض وهو تحقیق أعلى عائد ممکن مع المحافظة على أصل الوقف، وکتب الفقه تذخر بالأحکام التی تتعلق بالناظر ،وکلها تصب فی مصلحة الحفاظ على أصل الوقف وتحقیق عائد مناسباً.
أهم الأدوات المبتکرة فی مجال استثمار أموال الأوقاف:
نظراً لأن معظم الأوقاف فی التاریخ الإسلامی کانت عقارات فإن الأسلوب المتاح لاستثمارها کان الإجارة ، وفی أحیان قلیلة الاستغلال الذاتی خاصة للأراضی الزراعیة بزراعتها، وتفرع عنها من أجل الحصول على مال لإعمار وتجدید الأوقاف صوراً أخرى مثل: عقد الإجارتین ([162])والاستحکار([163])والمرصد([164])، وفی العصر الحدیث وبعد ظهور المؤسسات المالیة الإسلامیة التی تستثمر أموالها بأسالیب مؤسسة على العقود الشرعیة مثل: المشارکات والمضاربات([165])والمرابحات([166]) والإجارة والسلم والاستصناع([167]) وظهور الصکوک الإسلامیة والسوق المالیة حیث بدأت بعض المؤسسات الوقفیة القلیلة تستخدم هذه الأسالیب فی الاستثمار([168]).
وبناءً على ذلک فإن الابتکار والإبداع ما دام أنه یوافق الشریعة الإسلامیة وضوابطها فإنه لازم وحتم وخصوصًا إن کان لتنمیة الوقف نفسه ورعایته وتطویره، أو زیادة مصارفه أو لحراسته وحمایته.
والله أعلم ،،،
الخاتمة وأهم التوصیات
الحمد لله الذی بنعمته تتم الصالحات ،والصلاة والسلام على من أضاء الله بنوره الأرض والسماوات،وبعد
فإن الابتکارات ثمرة تنمویة یانعة ،ومظهر صادق من مظاهر إعمال العقول الراشدة فی مجالات ووجوه نفع الإنسانیة،ومن ثم فهی من باب الواجب الشرعی ،بوصفها طریق مؤد إلى الارتقاء بنمط الحیاة فی المجتمع المسلم ،وتجنیب المجتمع الإنسانی ویلات الابتکارات الضارة ،فی إطار ما یعرف بأسلحة الدمار الشامل، التی جعلت الشریعة الإسلامیة حرمتها ساریة فی حق المسلم وغیره على السواء.
وللابتکارات النافعة دورها البارز فی إسعاد المجتمع ،وتحقیق سیاسة الاکتفاء الذاتی من السلع والخدمات ،وتقدیمها فی أفضل صورها وأجودها وتحقیق فائض من الانتاج قابل للتصدیر ،وهو ما یتطلب الترکیز على عناصر الجودة والابتکار ،وخاصة أننا نحیا عصر التخصص والازدهار.
ومن ثمار الابتکارات فی مجال الإنتاج أن الدولة المتقدمة اقتصادیاَّ،لابد أن تکون متقدمة عکسریاً،وهذا ما فهمه الأولون من قوله ـ تعالى ـ:]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ([169]) [ .
ویساعد على ذلک أن النضال الحالی لیس نضالاً فی میدان المعرکة وحسب ،بل وفی میدان الأسواق ،مع الأخذ بعین الاعتبار أن تجارب الآخرین وابتکاراتهم النافعة من جوهر الأوامر الشرعیة بطلب الأخذ بالحکمة ،أینما کانت ،دون نظر إلى عقیدة أو مذهبیة مبتکرها؛لأن هدایة الله فی المجالات الدنیویة تتسع نوافذها عند غیر المسلمین ،أکثر من نوافذ المسلمین أنفسهم ،ومن هنا تظهر أهمیة الدعوة إلى الابتکار على مستوى المجتمعات المسلمة؛ لتنتقل من الدول المستهلکة للابتکارات إلى الدول المنتجة والمصدرة لها.
کما أنه لیس بخاف دور الابتکارات فی تأهیل الجهاز الإداری(على مختلف مستویاته) لأداء دوره فی المجتمع والتغلب على المشکلات التی تواجهه فی هذا الدور،وذلک فی إطار مرجعیة إداریة عالیة القدرة على الابتکار والتجدید والتطویر ،وهذا ما حرصت الشریعة الإسلامیة على تفعیله ،فی مختلف المجالات؛لما له من أثر بارز فی تنمیة المقدرات الاقتصادیة والانتاجیة .
وفی الختام فإن البحث یوصی بما یلی:
1- ضرورة تفعیل دور الابتکارات فی المجالات الإداریة ،من خلال القیادات التی تسعى دوما إلى تطویر طرق الأداء وتحسینها، وهذه المؤسسات ترفع من مستوى فاعلیتها وأدائها وتشجع موظفیها على الابتکار والتجدید ،مع الاسترشاد بتجربة الدولة المتقدمة فی فنون الابتکارات التی أذهلت العالم بأثره ،هی الأنموذج الأمثل فی هذا المجال ،وخصوصا فی مجال الأدوات المالیة المبتکرة.
2- إظهار وجوه السبق الإسلامی فی مجال الابتکارات ،بکل وسیلة تجهض رؤیة الآخرین عن الإسلام وأهله ،وأنه لا یناصب العداء لکل جدید ،بل یحض علیه ویأمر به، شریطة ألاَّ یخالف قصدًا من مقاصد الشرع الکلیة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین ،،،
([2]) الإحکام فی أصول الأحکام :الآمدی (1/201) وقال ابن جماعة:" ونعنی بالعقل صحة التمییز وجودة الفطنة والذکاء".تحریر الأحکام فی تدبیر أهل الإسلام:ابن جماعة (ص:88).
[6])) معجم اللغة العربیة المعاصرة د أحمد مختار عبد الحمید ،مادة ابتکر، 1/171.
([7]) رواه أبو داود فی سننه ، کتاب الجهاد ،باب فی الابتکار فی السفر(3/35)، والإمام أحمد فی مسنده (3/416)، والترمذی فی سننه ،فی کتاب البیوع ، باب ما جاء فی التبکیر بالتجارة (2/343)،وقال :"حدیث حسن".
([8])فیض القدیر،للإمام المناوی(1/ 394). وروی عن عائشة -رضی الله عنها- قالت قال رسول الله-r -:" باکروا للغدو فی طلب الرزق فإن الغدو برکة ونجاح".رواه البزار والطبرانی فی الأوسط تحفة الأحوذی:المبارکفورى (4/ 339).
([9]) المحیط فی اللغة،:إسماعیل بن عباد(1/124) ،معجم مقاییس اللغة:ابن فارس (2/170)، لسان العرب:ابن منظور(4/67)، الکلیات:أبو البقاء (ص:19).
([24]) أخرجه البخاری فی صحیحه ،کتاب العتق،باب: أی الرقاب أفضل (3/ 144) رقم(2518)،ومسلم فی کتاب الإیمان، باب بیان کون الإیمان بالله تعالى أفضل الأعمال(1/89) ، رقم( 84) .
([25]) الأخرق هو: الذی لیس بصانع، ولا یحسن العمل.یقال: رجل أخرق وامرأة خرقاء لمن لا صنعة له فإن کان صانعاً حاذقاً قیل رجل صنع بفتح النون وامرأة صناع بفتح الصاد.انظر: فتح الباری:ابن حجر(5/ 149)،شرح النووی على مسلم:النووی (2/ 75).
([30]) ینظر:أصول الاقتصاد ،د/أحمد أبو إسماعیل ،(ص:539)وما بعدها،مقدمة فی الاقتصادیات الدولیة ،د/محمد زکی المسیر ، (15وما بعدها).
[35])) وهی الأمور التی تطلبها المروءة والآداب، ویحتاج إلیها الناس لتسییر شؤون الحیاة على أحسن وجه وأکمل أسلوب، وأقوم منهج، وإذا فقدت هذه الأمور فلا تختل شؤون الحیاة، ولا ینتاب الناس الحرج والمشقة، ولکن یحسون بالخجل، وتتقزز نفوسهم، وتستنکر عقولهم، وتأنف فطرتهم من فقده وهذه الأمور التحسینیة ترجع إلى ما تقتضیه الأخلاق والأذواق الرفیعة، وتکمل المصالح الضروریة والمصالح الحاجیة على أرفع مستوى وأحسن حال.انظر:الوجیز فی أصول الفقه الإسلا می د/ محمد مصطفى الزحیلی1/114.
[36])) فهی ما یقصد من فعله نوع ترفه وزیادة فی لین العیش دون الخروج عن حد الشرع. وما عدا ذلک فهو زینة وفضول. انظر: موسوعة القواعد الفقهیة محمد صدقی بن أحمد الغزی (3/ 68).
([39]) زید بن أسلم بن ثعلبة:بن عدی بن العجلان العجلانی، ثم البلوی ثم الأنصاری ،حلیف لبنی عمرو بن عوف شهد بدراً فیما ذکر موسى بن عقبة وشهد أحداً. الاستیعاب فی معرفة الأصحاب:ابن عبد البر ( 1/159)
([45]) قال ابن عاشور:" بنى ذو القرنین وهو (تسین شیهوانق تی) سلطان الصین هذا الردم بناءً عجیبًا فی القرن الثالث قبل المسیح ،وکان یعمل فیه ملایین من الخدمة، فجعل طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة کیلومتر. وبعضهم یقول: ألفا ومائتی میل، .. وجعل مبدأه عند البحر، أی البحر الأصفر شرقی مدینة (بیکنغ) عاصمة الصین فی خط تجاه مدینة (مکدن) الشهیرة. وذلک عند عرض 4، 40 شمالا، وطول 02، 12 شرقًا، وهو یلاقی النهر الأصفر حیث الطول 50، 111 شرقا، والعرض 50، 39 شمالاً، وأیضًا فی 37 عرض شمالی. ومن هنالک ینعطف إلى جهة الشمال الغربی وینتهی بقرب 99 طولاً شرقیًّا و40 عرضًا شمالیًّا.وهو مبنی بالحجارة والآجر وبعضه من الطین فقط.وسمکه عند أسفله نحو 25 =قدما وعند أعلاه نحو 15 قدما وارتفاعه یتراوح بین 15 إلى 20 قدمًا، وعلیه أبراج مبنیة من القرامید ارتفاع بعضها نحو 40 قدما" وهو الآن بحالة خراب فلم یبق له اعتبار من جهة الدفاع، ولکنه بقی علامة على الحد الفاصل بین المقاطعات الأرضیة فهو فاصل بین الصین ومنغولیا، وهو یخترق جبال (یابلونی) التی هی حدود طبیعیة بین الصین وبلاد منغولیا فمنتهى طرفه إلى الشمال الغربی لصحراء (قوبی)".التحریر والتنویر، (16/ 35).
[48])) أخرجه البخاری فی صحیحه،کتاب المناقب،باب علامات النبوة قبل الإسلام (3/ 1314) رقم(3392) والعشراء الناقة التی انتهت فی حملها إلى عشرة أشهر.
[49])) أخرجه البخاری فی صحیحه،کتاب المناقب،باب علامات النبوة قبل الإسلام (3/ 1314) رقم()3391).
[50])) سنن الدارمی (1/ 178) رقم (32). [تعلیق المحقق] إسناده فیه ضعیفان: محمد بن حمید، وصالح بن حیان".
[51])) اختلف العلماء فی اسم النجار،قیل اسمه(باقوم) ،وقیل (قبیصة)وقیل (میناء) ،وقیل (میمون)والأصح الأول، أی (باقوم) ،وهو رجل من تجار الروم وکان بناءً. وقیل کان نجاراً.انظر: فتح الباری:ابن حجر(1/ 258)
[52])) خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى (2/ 49).
[53])) التأبیر: التلقیح، وهو یشق طلع الإناث ویؤخذ من طلع الذکر فیذر فیه لیکون ذلک بإذن الله أجود مما لم یؤبر وهو خاص بالنخل.انظر: شرح النووی على مسلم (15/ 116).
[54])) والشیص هو: البسر الردیء الذی إذا یبس صار حشفًا. انظر: شرح الزرقانی على الموطأ: الزرقانی (3/ 392).
([55]) أخرجه مسلم فی صحیحه ،کتاب الفضائل ، باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً، دون ما ذکره -r-من معایش الدنیا، على سبیل الرأی (4/ 1836)رقم (2363).
([63]) رواه أبو داود فی سننه واللفظ له،کتاب اللباس،باب ما جاء فی لبس الشهرة 4/ 44ح رقم(4031) ،والإمام أحمد فی مسنده 2/ 50.
([64]) رواه الإمام البخارى فى صحیحه،کتاب اللباس،باب تقلیم الأظفار،7/160،ح رقم5892،ومسلم فی صحیحه، کتاب الطهارة، باب خصال الفطرة 1/222،ح رقم259.
([68]) الدیوان: هو الدفتر الذی یکتب فیه أسماء الجیش وأهل العطاء، وهو فارسی معرب. النهایة فی غریب الحدیث والأثر:ابن الأثیر، (2/ 150).
([70]) الأحکام السلطانیة:الماوردی ،(ص:ـ 277)، وقیل:إن الفاروق عمر- t- بعث مبعثاً وعنده الهرمزان-صاحب خوزستان إحدى مدن فارس- فقال لعمر : هذا بعث قد أعطیت أهله الأموال ،فإن تخلف منهم رجل وبقی فی مکانه فمن یعلم صاحبک به ؟ فأثبت لهم دیوانًا ،فسأله عن الدیوان حتى فسره لهم" . الأحکام السلطانیة:الماوردی، (ص: 297)،مصنف ابن أبی شیبة رقم(32864)،والسنن الکبرى:البیهقی،(6/ 349).
([75]) رواه الطبرانی فی الأوسط (6/250 ، رقم 6319) ، قال الهیثمی (1/81) :" فیه الوازع ابن نافع وهو متروک" ، والبیهقی فی شعب الإیمان (1/136 ، رقم 120) قال البیهقی : هذا إسناد فیه نظر .
([83]) أدب الدنیا والدین (ص: 24) ،ولهذه الأسباب احتاط بعض الفقهاء من الإفراط فی الذکاء،فذکر بعض فقهاء المالکیة أنه من المستحب أن لا یکون القاضی زائدا فی جودة الذهن والرأی عن عادة الناس، وقد علل لهذا الرأی بأنه یخشى أن یحمله جودة رأیه وفکره على الحکم بین الناس بالفراسة، وترک قانون الشریعة من طلب البینة "الشهود" وتجریحها وتعدیلها، وطلب الیمین ممن توجهت إلیه، وغیر ذلک.انظر: الشرح الکبیر للدردیر، وحاشیة الدسوقی علیه(4/132).
وفی هذا نظر؛إذ المطلوب أن یکون القاضی زائداً فی الفطنة والدهاء عن عامة الناس؛ لأن ذلک یؤدی إلى سرعة الوصول إلى الحق فی القضایا المطروحة أمامه.انظر:النظام القضائی فی الفقه الإسلامی:د/محمد رأفت عثمان(ص: 94).
[84])) دیوان المعانی :أبو الهلال العسکری 1/49 ،125.
([93])قیل:الضرر: أن یدخل على غیره ضررًا، بما ینتفع هو به، والضرار: أن یدخل على غیره ضررًا، بما لا ینتفع هو به ، کمن منع مالا یضره، ویتضرر به الممنوع". القاعدة الذهبیة لا ضرر ولا ضرار:القواعد لابن رجب الحنبلی، (ص: 38).
([96]) قال الواقدی: ثم تحول رسول الله- -rإلى أهل الاخبیة والوطیح والسلالم، حصنی أبی الحقیق، وتحصنوا أشد التحصن وجاء إلیهم کل من کان انهزم من النطاة إلى الشق، فتحصنوا معهم فی القموص وفی الکتیبة، وکان حصناً منیعاً وفی الوطیح والسلالم وجعلوا لا یطلعون من حصونهم، حتى هم رسول الله -r - أن ینصب المنجنیق علیهم".السیرة النبویة لابن کثیر (3/ 376) .انظر: کذلک العلاقات الدولیة فی الإسلام: د/ وهبة الزحیلی(ص: 47).
([102]) عبد الله بن المعتز بالله محمد بن المتوکل جعفر بن المعتصم بن محمد الرشید هارون العباسی،أدیب، شاعر.ولد فی شعبان، وکان یقصد فصحاء الاعراب ویأخذ عنهم، ولقی العلماء من النحویین والإخباریین کالمبرد وغیره.،مولده :(247هـ - ووفاته 296هـ).انظر: معجم المؤلفین:عمر کحالة(6/ 154)، سیر أعلام النبلاء: الذهبی (9/148).
[115])) - مجلة مجمع الفقه الإسلامی (5/ 2004 ).
[116])) - مجلة المجمع، العدد الخامس (3/ 2267).
[117])) بحوث مقارنة فی الفقه الإسلامی وأصوله،د/فتحی الدرینی(2/ 29) فقه النوازل، أبو زید، بکر، (2/123).
[118])) ینظر: "بحوث فی قضایا فقهیة معاصرة": القاضی محمد تقی العثمانی (ص:122) .
[120]) ) "حق الابتکار فی الفقه الإسلامی المقارن" للدکتور فتحی الدرینی: ص 121 ).
[121])) کتاب هل للتألیف الشرعی حق مالی : معالی الشیخ صالح بن عبد الرحمن الحصین
الرئیس العام لشؤون الحرمین ص 10 وما بعدها .
[122])) أخرجه أبو داود فی الخراج ،کتاب إحیاء الموات، باب فی إقطاع الأرضین (3/ 177) رقم(3071) ، وسکت علیه هو والمنذری(4/264)، رقم( 2947)،,ضعفه الألبانی.انظر:إرواء الغلیل فی تخریج أحادیث منار السبیل (1553)
([127]) النبط جیل من الناس کانوا ینزلون سواد العراق، ثم استعمل فی اخلاط الناس وعوامهم . المصباح المنیر فی غریب الشرح الکبیر أحمد بن محمد بن علی الفیومی الحموی ،کتاب النون مادة نبط 2/590.
([128]) نظام الحکومة الإسلامیة المسمى بالتراتیب الإداریة للشیخ عبدالحی الکتانی ، وقد ذکر الکتانی ذلک تحت باب : "تشدید عمر على الصحابة فی ترکهم الاتجار لغیرهم"، [2/20، 21]
([137]) أخرجه مسلم عن ابن عمر-رضی الله عنهما- قال: «وجدت امرأة مقتولة فی بعض تلک المغازی، فنهى رسول الله -r-عن قتل النساء والصبیان» کتاب الجهاد ، باب تحریم قتل النساء والصبیان فی الحرب، رقم (1744).
([139]) الحسک نبات له ثمر خشن یتعلق بأصواف الغنم وربما اتخذ مثله من حدید، وهو من آلات الحرب انظر: فتح الباری (13/ 429)، شرح النووی على مسلم (3/ 29)،عمدة القاری:العینی(25/ 130).
([141]) أخرجه أبو داود فی مراسیله، کتاب الجهاد باب فضل الجهاد ح رقم (31) والبیهقی فی السنن الکبرى، کتاب السیر، باب قطع الشجر وحرق المنازل، ح رقم (18120) وقال ابن حجر فی بلوغ المرام: أخرجه أبو داود فی المراسیل، ورجاله ثقات، ووصله العقیلی بإسناد ضعیف عن -r- انظر: بلوغ المرام کتاب الجهاد (ص"425) ح رقم (1307)،الطبقات الکبرى:ابن سعد (2/158).
([144]) ( مَنْسوبٌ إلى الدِّیمُقْراطِیَّةِ). وهی لها معانی متعددة منها ُ دِیمُقْراطِیٌّ بِطَبْعِهِ" أی: الْمُؤْمِنُ بِمَبادِئِ العَدْلِ والْمُساواةِ فی الحُقوقِ والْمُدافِعُ عَنِ الدِّیمُقْراطِیَّةِ، أَیْ حَقُّ الاخْتِلافِ فی الرَّأْیِ وَحُرِّیَّةُ التَّعْبیرِ.معجم الغنی :عبد الغنی أبو العزم ،باب الدال 8/110.
[145])) هی مجموع القواعد والنظم التی تستخدم لإدارة الشرکة من الداخل لقیام مجلس الإدارة بالإشراف علیها والرقابة لحمایة المصالح والحقوق المالیة للمساهمین وتحقیق الأهداف.انظر:محددات الحوکمة ومعاییرها :محمد حسن یوسف ص4.
([146]) الربیع بن زیاد بن أنس الحارثی، أمیر فاتح، أدرک عصر النبوة، وولی البحرین، وقدم المدینة فی أیام عمر، له مع عمر بن الخطاب أخبار. وکان شجاعا تقیا، قال عمر لأصحابه یوما: دلونی على رجل إذا کان فی القوم أمیرا فکأنه لیس بأمیر وإذا لم یکن بأمیر فکأنه أمیر. فقالوا: ما نعرفه إلا الربیع بن زیاد. فقال: صدقتم. توفی فی إمارته،عام(53ه).انظر:المحبر:أبو جعفر البغدادی،(ص:299)، الأعلام: الزرکلی (3/14).
([150])سنابک:أی ما سبک من الدقیق ونخل فأخذ خالصه ، وکانوا یسمون الرقاق السبائک.لسان العرب (10/ 438).
[153])) الناصر: أبو العباس أحمد بن المستضیء. تولى الخلافة العباسیة فی بغداد( 575- 622ه) طبقات الشافعیة الکبرى:السبکی (7/ 368) التحفة اللطیفة فی تاریخ المدینة الشریفة:شمس الدین السخاوی (1/ 106).
[154])) الحلوبة: الأغنام والأنعام التی تحلب، وقد استعارها الشاعر للرعایا من البشر.
[155])) الفخری فی الآداب السلطانیة والدول الإسلامیة :ابن طباطبا،(ص: 45).
[156]))إدارة الدولة الإسلامیة:د/محمد بن شاکر الشریف ،(ص:51).
([160]) تأسست الدائرة فی دبی بتاریخ (20 أکتوبر1969م) بمرسوم أصدره الشیخ راشد بن سعید آل مکتوم –رحمه الله – بإنشاء دائرة للأوقاف ،وقد أنیط بالدائرة المذکورة مهمة حصر وتسجیل جمیع الأملاک الخاصة بالأوقاف واستلام ریعها وتنظیم صرفها طبقاً لأحکام الشریعة الإسلامیة .الموقع الإلکترونی لدائرة الشؤون الإسلامیة والعمل الخیری ،بدبی.
([161]) دراسة مقارنة ، الاستثمار فی الوقف وفی غلاته، د. محمد عبد الحلیم عمر، بحث مقدم إلى المؤتمر الرابع عشر لمجمع الفقه الإسلامی الدولی المنعقد فی سلطنة عمان 2004م.
[162])) عقد إجارة مدیدة بإذن القاضی الشرعی على عقار الوقف المتوهن الذی یعجز الوقف عن إعادته إلى حالته من العمران السابق، بأجرة معجلة تقارب قیمته تؤخذ لتعمیره، وأجرة مؤجلة ضئیلة سنویة یتجدد العقد علیها ودفعها کل سنة، وذلک کمخرج عد م جواز بیع الوقف ولا إجارته مدة طویلة، ومن هنا سمیت بالإجارتین.انظر:الفقه الإسلامی وأدلته د/وهبة الزحیلی 10/360.
[163])) عَقْدُ إجَارَةٍ یُقْصَدُ بِهِ اسْتِبْقَاءُ الْأَرْضِ مُقَرَّرَةً لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا.انظر: رد المحتار17/349.
[164])) هو دین مستقر على جهة الوقف للمستأجر الذی عمر من ماله عمارة ضروریة فی مستغل من مستغلات الوقف للوقف بإذن ناظره عند عدم مال حاصل فی الوقف وعدم من یستأجره بأجرة معجلة یمکن تعمیره منها.انظر:مرشد الحیران إلى معرفة أحوال الإنسان 1/98،الدر المختار وحاشیة ابن عابدین4/402.
[165])) المضاربة عقد یتضمن دفع مال خاص - وما فی معناه - معلوم قدره ونوعه وصفته من جائز التصرف لعاقل ممیز رشید یتجر فیه بجزء مشاع معلوم من ربحه له " .انظر:أحکام شرکة المضاربة: فهد بن محمد الحمیزی 1/7.
[166])) المرابحة أن تشتری الشیء ویأتی من یرغب فیه ویقول لک: کم رأس ماله؟ تقول: رأس مالی مائة، یقول: أو أربحک العشر، أو الربع، أو النصف، أو المثل، فلو اشتریته بعشرة، وقال لک: أربحک المثل، فمعناه أنه سیشتریه بعشرین، ولذلک یسمونه بیع المرابحة.انظر شرح زاد المستقنع للشنقیطی156/11.
[167])) قد یشتری به فی الحال شیء مما یصنع صنعا یلتزم البائع بتقدیمه مصنوعا بمواد من عنده, بأوصاف مخصوصة, وبثمن محدد.انظر نحو سوق مالیة إسلامیة:مصطفى الزرقا 1/30.
([168]) الاستثمار فی الوقف وفی غلاته: د. محمد عبد الحلیم عمر، بحث مقدم إلى المؤتمر الرابع عشر لمجمع الفقه الإسلامی الدولی المنعقد فی سلطنة عمان 2004م. ، الوقف والنظم الشرعیة والحدیثیة ذات العلاقة، جمال الدین عطیة، بمجلة أوقاف - العدد (1) السنة الأولى - شعبان 1422هـ: من (ص 88 - 97)
[169])) سورة الأنفال من الآیة( 60).
أهم المصادر والمراجع