المساهمين
المؤلف
محامي ومستشار قانوني وباحث (سلطنة عمان) حاصل على الدکتوراه من کلية الحقوق – جامعة أسيوط
المستخلص
الكلمات الرئيسية
مقدمة
أولاً: إطلاق الهجرة بلا قیود:
تشکل ظاهرة الهجرة([1])، ظاهرة طبیعیة على هذه المعمورة، منذ قدم البشر، فمن خلالها تشکلت تلک المعمورة، وهی فی ذات الوقت ظاهرة دولیة، لا تخلو المجتمعات بأسرها منها . وقد أخذت هذه الظاهرة تتبلور بعد الحرب العالمیة الثانیة، فبعد الخراب والدمار فی البلاد الأوربیة، نتیجة لهذه الحرب، بدأت هذه الدول محاولات البناء والتعمیر والرخاء الاقتصادی، ولم یکن هناک بُدًا لتحقیق ذلک، إلا باستقبال العمالة من کافة الأرجاء والأنحاء، وفتح الحدود دون رابط، أو إجراءات تعقیدیة. هذا ما تمیزت به الهجرة فی بدایاتها، فلم یکن هناک عراقیل، أو صعوبات أمام تدفق هذه الهجرات، لذا یمکن أن نطلق على هذه المرحلة من الهجرة، الهجرة بلا قیود.
والعالم فی مجمله شهد العدید من الهجرات – التی یصعب حصرها فی مجال البحث – إلا أن الجدیر بالإشارة إلیه، والتأکید علیه، هو أن هذه الهجرات تبلورت بعد الحرب العالمیة الثانیة، وبدایات حرکات التحرر والاستقلال فی الدول المرسلة للعمالة، فبدأ الانفتاح نحو أوروبا، فنجد دولة مثل فرنسا قد انتقل إلیها فی سنوات (1969- 1970- 1971)، ما یقرب من مائتی ألف عامل، وقد ارتفع عدد العمال المهاجرین فی أوروبا – وقتذاک – من ملیونین فی بدایة الستینات إلى 6 ملایین فی بدایة السبعینات، ثم بدأ فی الانخفاض بعد ذلک، وقد وفد هؤلاء العمال من المستعمرات الأوربیة فی آسیا، أفریقیا، ودول أوروبا الجنوبیة المطلة على المتوسط، التی تتمیز بوفرة العمالة مثل ترکبا، الیونان، یوغسلافیا، إیطالیا، وإسبانیا([2]).
ولم یقتصر الأمر على أوروبا فقط، بل امتد لمناطق عدیدة فی العالم من قارات آسیا، أفریقیا، وأمریکا اللاتینیة([3])، وبالتالی لم یکن تدفق العمالة غیر الحدود من بلد غلى بلد فی تلک الأوقات – أمرًا – قاصرًا على إقلیم معین، بل أصبح عنصر آسیا، دائمًا، وجوهریًا، ومن عناصر النظام الاقتصادی، الاجتماعی والسیاسی العالمی([4]). وکان من نتاج ذلک، تحرک منظمة العمل الدولیة، نحو تقنین وضع هؤلاء العمالة، وتوفیر قدرًا من الحمایة لهم فی البلاد المهاجر إلیها.
ثانیاً: دواعی الهجرة المؤقتة للعمل بالخارج
وتتعدد الدواعی ما بین دواعی فردیة أو ذاتیة، اقتصادیة، ودواعی سیاسیة، ونتعرض لکل هذه الدواعی على النحو التالی:
1- الدواعی الفردیة أو الذاتیة للهجرة للعمل بالخارج :
تکمن الدواعی الذاتیة فی رغبة المهاجر فی الارتقاء بنفسه فی درجات السلم الاجتماعی([5])، والتطلع إلى الأفضل من خلال تأمین المستقبل وادخار المال، ویستدل على ذلک، بأن هذه الظاهرة بدأت على کتف الطبقة العاملة وهذا یؤکده النماذج التی سافرت فی ذلک الوقت وترکت عملها([6])، ومن هذه النماذج..
- المهن الفنیة العلیا: وتشمل هذه المهن المهندسین والأطباء وغیرهم ممن یمتهنون المهن الفنیة، وهذه الفئة کانت طموحاتهم، تترکز على ترک مصر، والعمل بالخارج لتحقیق طموحات أعلى – مثل – تأثیث عیادات خاصة بالأطباء أو العمل فی شرکات مقاولات أفضل بالنسبة للمهندسین.
- الحرفیین: مثل السباکین والنقاشین وغیرهم، ممن یحترفون مهنة یدویة، وهم مما یکتسبون من خلال أعمالهم، إلا أن طموحاتهم تدور أیضَا حول التطلع مع اختلاف نوع التطلع، فهذه الفئة لا تتطلع فی تحسین وضعها الحرفی باکتساب مهارات جدیدة، وإنما تهدف إلى إشباع حاجاتهم من المشتریات والسلع المعمرة – عمال الخدمات، وترتکز طموحات تلک الفئة على الادخار والتأمین للمستقبل، خوفًا من الغد، حیث إنه معرضون فی أی وقت لترک عملهم([7]).
- ویختلف التطلع والتأمین کلاً حسب مهنته وتعلیمه، فالحرفی ینظر إلى التطلع من خلال شراء مستلزمات من السلع المعمرة، والمهنی یرید تحسین وضعه المهنی بتأثیث – مثلاً – عیادة خاصة، والخدمی یرید أن یدخل مبلغًا من المال لتأمین المستقبل حسب وجهة نظره، غیر أنهم جمیعًا یتفقون فی هدف التطلع وهو التأمین لهم ولأولادهم، ونلاحظ أن هذا النمط هو الذی تمیزت به الهجرة المصریة فی بدایتها، مع ملاحظة أن هذا النمط، یوجد بکثرة أیضًا الآن.
2- الدواعی الاقتصادیة للهجرة للعمل بالخارج :
تتمثل الدواعی الاقتصادیة، فی تدنی الأوضاع الاقتصادیة، والتی ساعد بشکل مباشر إلى إجبار العامل على ترک دیاره، ووطنه، والهجرة للخارج، ودون الدخول فی تفاصیل أسباب، وتدهور الأوضاع الاقتصادیة، إلا بالقدر القلیل الذی یفید هذه الجزئیة، غیر أننا نشیر إلى بدایات هذه الأوضاع، وربطها مع حجم الهجرة فی تلک الفترات، لنبین مدى تأثیرها على أعداد الهجرة. ففی النصف الثانی من الستینات، حدثت أزمة اقتصادیة نتیجة التراکم الرأسمالی، وتردی النمو فی الناتج، والإنتاجیة فی القطاعات السلمیة، کما شهدت هذه الفترة ضربات خارجیة، وجهت للنظام المصری، مثل وقف الولایات المتحدة، للمعونة الغذائیة لمصر، مما أدى إلى تباطؤ معدلات نمو الإنتاج([8]).
وقد تزامن هذا الوضع الاقتصادی، مع أوضاع الهجرة، التی کانت سائدة وقتذاک، والتی تمیزت بوضع القیود، التی کانت تعرقل الهجرة للخارج، مما أثر بالطبع على حجم الهجرة فی ذلک الوقت. وتأتی فترة 1967 والتی تزامنت مع کارثة 1967، إلى حرب أکتوبر 1973، حیث ترکز اهتمام النظام المصری على إعادة القوات المسلحة – وکان معنى ذلک – أن تتحول موارده عن البناء الاقتصادی إلى الإنفاق العسکری، ولم یختلف وضع الهجرة عن ذی قبل، من إجراءات وتعقیدات. والجدیر بالملاحظة – على هاتین الفترتین- أنه على الرغم من تدهور الوضع الاقتصادی فی هذه الأوقات، إلا أن معدلات الهجرة کانت محدودة، نظرًا للإجراءات الحکومیة، المتخذة تجاه الهجرة. أما فترة السبعینیات، فقد شهدت ظهور البطالة کظاهرة جدیدة تمیز بها سوق العمل المصری، وکان ذلک راجعًا إلى زیادة السکان، وقلة ومحدودیة رؤوس الأموال، وعدم قدرة الدولة على التشغیل والاستخدام وسیاسة التعلیم، کل ذلک أجبر مئات الآلات إلى البحث عن فرص عمل فی الدول الخلیجیة([9]). وعلى ما تقدم – نجد الأوضاع الاقتصادیة التی سادت مصر، والتی دارت ما بین شمولیة النظام الاقتصادی الاشتراکی([10])، وبین الانفتاح فی السبعینات، وما بعده قد تزامنت معها معدلات الهجرة، ما بین التقیید والإطلاق، وکلا الفترتین شهد تدنی للأوضاع الاقتصادیة، إلا أن معدلات وأنماط الهجرة قد اختلف. فالفترة الأولى بالرغم من تدنی الأوضاع الاقتصادیة على نحو ما أشرنا، إلا أنها لم تشهد زیادة فی أعداد الهجرة بالخارج، لیس لإجراءات التعقید فحسب، ولکن لعدم الرغبة فیها، حیث کان هناک تقارب بین طالبی التشغیل، وفرص العمل المتاحة، فلم تظهر البطالة بعد، أما الفترة الثانیة التی شهدت ظهور البطالة، أبرمت معها تزاید أعداد الهجرة، لیس لإطلاق الهجرة فحسب، ولکن لعدم وجود فرص عمل بالداخل، وبالربط بین أعداد الهجرة وتزایدها فی فترة السبعینات وتدانیها فی فترة الستینات، وبین الأوضاع الاقتصادیة، التی کانت سائدة فی الفترتین، نجد أن الفترة الثانیة والتی شهدت تزاید أعداد المهاجرین، هی الفترة المعبرة عن ظاهرة الهجرة المصریة بالخارج، ونلاحظ أ نتزاید أعداد المهاجرین، کان ناتجًا عن تزاید معدل البطالة وعدم وجود فرص عمل بالداخل، مما أجبر المواطن المصری على السفر والعمل بالخارج، وهو ما یعبر عن اضطراره إلى ذلک.
3- الدواعی السیاسیة للهجرة للعمل بالخارج :
إن أیة ظاهرة تنشأ فی سیاق اقتصادی([11])، وقد رأینا أن الدواعی الاقتصادیة، وما نتج عنها من ظهور للبطالة، قد ساعدت بشکل کبیر على الهجرة بالخارج، إلا أن اکتمال ذلک، لا یکون غلا بوجود دواعی سیاسیة، تزامنت مع الدواعی الاقتصادیة، وساعدت علیها، وتمثلت هذه الدواعی فی تحویل مصر إلى الرأسمالیة العالمیة، ثم مرحلة الانفتاح، وما تابعه من فتح الأبواب للاستیراد، والاستثمار الأجنبی، واتباع سیاسة التشجیع على الهجرة إلى الخارج، ولم یکن ذلک التحویل، ناتجًا عن إرادة حکومیة، بل دواعی سیاسیة فرضها الوضع السیاسی العالمی، وهو انعکس بالطبع – على المواطن المصری بشکل غیر مباشر.
الأهمیة العلمیة للدراسة:
هذه الأهمیة تعکس التطور الذی حدث للوساطة فی إبرام عقد العمل عن ذی قبل بسبب محدودیة الدور الذی کانت تلعبه فیما مضى إلى اضطلاعها بأدوار عدة وهو ما قد یؤثر على المفهوم القانونی لعقود الوساطة ـ بوجه عام ـ وعقود العمل بوجه خاص.
تبرز أهمیتها العلمیة ـ أیضاً ـ فی أهمیة الحمایة القانونیة للعامل فی مواجهة وکالات التشغیل الخاصة بعد التطور الذی حدث فی عملها عن ذی قبل فی ظاهرة تمثل جزءً من نسیج المجتمع المصری فی الوقت الحالی ویحتاج العامل فیها إلى کل الضمانات وخاصة أن أغلب التشریعات والاتفاقیات ترکز على حمایة العامل المهاجر ـ داخل دول المهجر ـ دون أن تنظر إلى الوسیلة التی تنقل العامل إلى هذه الدول، وتوفیر حمایة له فی مواجهتها حتى یمکن فیما بعد أن یستفید من الحمایة فی دول المهجر.
والمسئولیة المدنیة (التعویض) – دائماً وأبداً – تدور حول جبر الضرر الواقع على المضرور، فهی وسیلة إصلاح أو جبر الضرر الناتج عن التقصیر، وعلاقة وکالة التشغیل بالعامل، وفقاً لهذه الروابط، تحتمل تقصیر الوکالة فی عملها، سواء کان تقصیراً ناتجاً عن الإخلال بحدود النیابة (التزام قانونی)، کأن تکون خرجت عن حدود النیابة، وتعاقدت مع العامل بشروط مخالفة، لما قرره صاحب العمل، او أن یکون التقصیر، ناتجاً عن عدم الالتزام بعقد التوظیف الخاص الذی یربطها بالعامل والخروج عن حدوده (التزام عقدی)، کأن تکون أهملت فی البحث، أو أن تکون قصرت فی إجراء الترشیح، وذلک بعدم الجدیة فی إجراء الاختبار، أو أن یکون التقصیر نتج عن عدم إخبار العامل قبل التعاقد على عقد العمل بأی معلومات کان من الممکن لو علمها العامل، ما أقبل على التعاقد (التزام قانونی) – علاوة على ذلک – حالة قیام الوکالة بالنصب على العامل.
کما تدور المسئولیة المدنیة لوکالات التشغیل الخاصة حول الروابط القانونیة التی تربطها بالعامل ویرتب الإخلال بأی منهم مسئولیتها المدنیة، فالإخلال بعقد التوظیف الخاص یمثل إخلالاً عقدیاً ومن ثم یرتب مسئولیتها العقدیة، والإخلال بحدود نیابتها مع صاحب العمل، یمثل إخلالاً قانونیاً ویرتب مسئولیتها التقصیریة أما الالتزام بالإخبار فالإخلال به یمثل إخلالاً قانونیاً ومن ثم یرتب مسئولیتها التقصیریة.
وعلى ضوء ذلک نقسم هذا الموضوع إلى المباحث الآتیة:
خطة البحث:
المبحث التمهیدی: النظام القانونی للعقد المبرم بین العامل وشرکات العمالة.
المبحث الأول: الدعوی المرفوعة لتحریک مسئولیة شرکات العمالة.
المبحث الثانی: الحکم الصادر بالتعویض وکیفیة تنفیذه ضد شرکات العمالة.
المبحث التمهیدی
النظام القانونی للعقد المبرم بین العامل وشرکات العمالة
إن اضطلاع وکالة التشغیل، بالعدید من المهام، والتی استجدت مع تطور دورها، أدى هذا إلى صعوبة تکییف العلاقة وفقًا لعقدی المقاولة أو السمسرة، على الرغم من توافر الخصائص الأساسیة للعقدین على العلاقة، ومن ثم فإن تعدد مهام وکالة التشغیل وتمیزها، له دور کبیر فی تحدید التکییف القانونی لعلاقاتها مع العامل، لذا فمن الضروری طرح کیف تمیزت وتعددت مهام وکالة التشغیل الخاصة فی علاقاتها مع العامل، ثم بیان التکییف القانونی، وفقًا لهذا التعدد والتمیز.
ویشتمل على مطلبین :
المطلب الأول : التکییف المختار لعلاقة وکالة التشغیل بالعامل
المطلب الثانی: الخطأ التقصیری، لوکالات التشغیل الخاصة قبل العامل (تجاوز الوکالة حدود نیابتها عن صاحب العمل)
المطلب الأول
التکییف المختار لعلاقة وکالة التشغیل بالعامل
أولاً: تمیز علاقة وکالة التشغیل بالعامل:
یرجع تمیز علاقة وکالة التشغیل بالعامل عن ذی قبل، إلى تعدد مهام والتزامات وکالة التشغیل قبل العامل، على النحو التالی:
- البحث عن وظیفة للعامل وهذا الالتزام یجد صداه فی الفقرة م من المادة 18 من اللائحة المنظمة لعملیات إلحاق العمالة بالخارج، وذلک بقولها: "تلقی طلبات احتیاجات أصحاب الأعمال فی الدول الخارجیة من العمالة المصریة، والبحث عن فرص خارج جمهوریة مصر العربیة للمسجلین لدى الشرکة للراغبین بالعمل فی الخارج" (یلاحظ أن هذا الالتزام من الالتزامات الأولى لوکالات التشغیل).
- ترشیح المقیدین لدیها للوظائف والأعمال والمهن التی تناسبهم، وفقًا لاحتیاجات أصحاب الأعمال فی الخارج (الفقرة ج من ذات المادة 18 من اللائحة)، فقد نصت على تلقی طلبات المصریین الراغبین فی العمل على النموذج المعد لذلک، وتسجیلها فی السجل الخاص، براغبی السفر للعمل فی الخارج.
وهذان الالتزامان یعدان من الالتزامات التی نص علیهما القانون، غیر أن من الأخیر، ینبثق عنه الالتزام الآتی:
فالترشیح الذی تقوم به وکالة التشغیل للعامل، یفرض علیها القیام بالتزام وعمل آخر، وهو إجراء الاختیارات التی تساعدها على القیام بالترشیح، فکیف تقوم وکالة التشغیل بالترشیح للعامل – دون – أن تتأکد وتعرف مدى مناسبته للوظیفة، ووفقًا لطلبات وشورط صاحب العمل، ولا تتأکد من ذلک، إلا من خلال إجراء اختبارات للعامل، وقد یشمل هذا الاختبار – اختبارًا – فی اللغة، أو المهارات، أو فی النواحی الفنیة، للعمل المطلوب کالهندسة أو الصیدلة أو المحاماة ... وحتى وإن لم تقم الوکالة بهذا الاختبار، لبعض المهن کالحرف وغیرها، فإن التزامها بالترشیح للوظائف، یجعلها تتحمل تبعات عدم دقة هذا الترشیح، أو عدم اختیار العالم للعمل الذی یناسبه، ومدى تناسب العمل معه. کما تلتزم الوکالة عند إجراء التعاقد مراعاة مناسبة الأجور، ومستوى الأجور السائدة فی بلد العمل بالخارج، بحیث لا تقل عن مستویات الأجور لدى الإدارة المختصة (المادة 19 من لائحة قانون العمل رقم 12 لسنة 2003).
- فی مقابل التزامات وکالة التشغیل على النحو السابق، یلتزم العامل بأداء مقابل لما تقوم به وکالة التشغیل، وهو نسبة 2% من أجره عن السنة الأولى کمصروفات إداریة ( المادة 22 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003).
- یضاف إلى ما تقدم، نیابتها عن صاحب العمل بالخارج عند إبرام عقد العمل([12]).
- وفی ظل هذا التعدد لالتزامات وکالة التشغیل – فلابد – أن ینظر لها من زاویة أخرى، وبعیدًا تماماً عن دورها التقلیدی فی قیامها بدور وسیط فقط، فههذه الزاویة هی تعدد الالتزامات والمهام التی تقوم بها، وهذه الالتزامات تختلف فی خصائصها، مما یجعل کل التزام له طبیعة خاصة به وذلک على النحو التالی:
- إن التزامها بالبحث عن الوظیفة، هو التزام یمکن تکییفه على أنه سمسرة أو مقاولة، نطرًا لتوافر عناصر السمسرة، أو المقاولة، والالتزام بالترشیح فیهو التزامًا یمکن أن یربط الوکالة بالعالم بشکل مستقبل، دون أن یسبقه بحث عن وظیفة، غیر أن هذا التشریح قد یحمل فی طیاته التزاماً آخر، وهو إجراء اختبار للعامل، حتى یمکن لوکالة التشغیل إجراء الترشیح، حتى وإن اقتصر الأمر على الشهادات المقدمة من العامل، کذلک الأمر لالتزامها بمتابعة مستوى الأجور عند التعاقد.
- بالنظر إلى هذه الالتزامات، نجد أنها تستقل فی طبیعتها، وتتمیز بجوهریتها، ومن ثم فلا یکون أمامنا، إلا النظر إلى کل التزام على حدة.
ثانیاً: تکییف العلاقة بین وحدة العقد وتجزئته:
أ – مفهوم فکرة تجزئة ووحدة العقد، وتطبیقها على علاقة وکالة التشغیل بالعامل.
ترددت بشدة فکرة وحدة العقد وتجزئته، فی مجال علاقة وکالات السفر والسیاحة([13])، فقد تأرجحت الآراء الفقهیة، والأحکام القضائیة، حول اعتبار العلاقة التی تربط وکالة السفر والسیاحة بالعمیل، ما بین اعتبارها قائمة على تجزئة العقد تارة، وتارة أخرى على وحدة العقد، وکان السبب فی ذلک، هو تعدد مهام هذه الوکالات.
وتقوم فکرة تجزئة العقد على وجود عدة التزامات تقع على عاتق الملتزم بها، تتمتع جمیعها بالاستقلالیة، بحیث یمکن رد هذه الالتزامات وتکییفها إلى عدد کبیر من العقود([14]). ویترتب على هذه الالتزامات تکییف الالتزامات التی یرتبها کل عقد على حدة ([15])([16]). أما فکرة وحدة العقد، فهی تقوم على أساس وجود عقد واحد یحکم العلاقة، ومن ثم یتعین البحث عن وصف، أو تکییف واحد لهذا العقد([17])، وتستند هذه الفکرة على قاعدة أن الفرع یتبع الأصل L'accessoire suit le pricipal([18])، بمعنى أن هناک عنصرًا جوهریًا، وعنصرًا تبعیًا فی رابطة واحدة، فأحد هذه العناصر یمثل المرکز الأول، بحیث یحدث نوع من الجذب والانجذاب بین العنصر الأصلی، والعناصر الفرعیة أو الثانویة، والعنصر الجوهری، هو الذی یؤدی وظیفته القانونیة والاقتصادیة، ویحتفظ بطبیعته وخصائصه، حتى لو فصل العنصر التبعی أو الفرعی، الذی انضم إلیه أو اتحد معه، أما العنصر الفرعی أو الثانوی، فهو الذی یکمل عنصرًا آخر أو یزید فی فائدته أو یعضد قدرته على أداء وظیفته القانونیة أو الاقتصادیة، ومن ثم یفقد خصائصه الذاتیة، ویکتسب خصائص العنصر الرئیسی([19])([20]).
ب- تکییـف علاقة وکالة التشغیل بالعامل وفقاً لفکرة وحدة أو تجزئة العقد.
وفقاً لتعدد التزامات وکالة التشغیل قبل العامل، على النحو المشار إلیه، ما بین البحث، الترشیح، إجراء اختبار، ومتابعة مستوى الأجور السائدة فی بلد صاحب العمل، وتمتع هذه الالتزامات باستقلالیة، کما أنه من هذه الالتزامات یمکن أن یربط وکالة التشغیل بالعامل بشکل مستقل، دون أن یسبقه بحث، وهو الالتزام بالترشیح، وهو التزام ذو طبیعة خاصة.
ومن ثم فإن اعتماد فکرة وحدة العقد وتأسیسه وفقًا لمبدأ – أن الفرع یتبع الأصل – تجد صعوبة فی تطبیقها، نظرًا لطبیعة هذه الالتزامات وجوهریتها، ومن ثم فلا یمکن أن نصف العقد بأنه مقاولة، وفقًا لنظریة الفرع یتبع الأصل، وبالتالی صعوبة القول، بأن العقد وحدة واحدة، لذا لا یکون أمامنا إلا وصف العقد بالعقد المرکب، وذلک لتعدد واستقلالیة التزامات وکالة التشغیل، وتمیز کل التزام على حدة.
لذلک فإن فکرة تجزئة العقد هی التی نمیل إلیها، وما یُدعم ذلک – أن العلاقة بین وکالة التشغیل والعامل، قد تقتصر على وحدة واحدة، من هذه الالتزامات، أو بمعنى أدق عندما تخلو العلاقة من البحث، وهذا أمر وارد، وذلک عندما تعلن وکالة التشغیل عن وظائف، دون أن یکون العامل، قد کلفها بالبحث عن عمل، ففی هذه الحالة تکون وکالة التشغیل، قد التزمت فقط بالترشیح وإجراء الاختبار، ثم متابعة الأجور عند التعاقد، دون أن تشمل العلاقة البحث عن الوظیفة.
ومع ذلک فإن انفصال هذا الالتزام، وإمکانیة عدم حدوثه إن کان ممکن فی الواقع، إلا أن إثباته صعب عندما تنظر هذه المسألة أمام القاضی- فالقاضی عندما یکیف العلاقة قد یجد صعوبة فی معرفة، إن کانت وکالة التشغیل، لم تقم بالبحث، نظرًا لأن القانون، قد نص صراحة على البحث، کما أن الوکالة ملزمة بقید العامل لدیها فی دفاتر، وهو ما یدل على أن الوکالة قامت بالبحث بالفعل.
- لذلک یمکن القول: نظریًا أن علاقة الوکالة بالعامل، تنقسم إلى علاقتین:
- علاقة تشمل البحث والاختبار والترشیح ومتابعة الأجور.
- وعلاقة تشمل کل ذلک ما عدا البحث.
خلاصة القول فی ذلک: أن علاقة وکالة التشغیل بالعامل علاقة مرکبة غیر مسماة([21]).
- علاقة وکالة التشغیل بالعامل علاقة مرکبة غیر مسماة:
وفقًا لما أشرنا إلیه من تتبع لالتزامات، وعناصر علاقة وکالة التشغیل قبل العامل – وأیضًا – التزام العامل بالأجر قبل الوکالة، نجد صعوبة فی تکییف العلاقة، وفقًا لأی عقد من العقود المسماة فی القانون المدنی، فاعتبارنا ذلک العقد عقد مرکب غیر مسمى، ویمکننا أن نطلق علیه، عقد التوظیف بالخارج.
ثالثاً: ماهیة عقد وکالة التشغیل والعامل (تعریفه، خصائصه، عناصره):
1- تعریف عقد التوظیف بالخارج:
هو ذلک العقد الذی تلتزم فیه وکالة التشغیل بالبحث عن وظیفة للعامل وترشیحه لها بعد إجراء اختبار له، والتحقق من مدى مناسبته لتلک الوظیفة، وذلک نظیر أجر یلتزم به العامل.
2- خصائص عقد التوظیف بالخارج:
أ – من العقود القائمة على الاعتبار الشخصی:
تنقسم العقود من حیث صفة المتعاقدین، إلى عقود قائمة على الاعتبار الشخصی، وهی التی تکون فیها شخصیة المتعاقد ملحوظة عند انعقاد العقد، وتنفیذه([22])، أی أن شخصیة المتعاقد، وما یتمیز به کانت سببًا للإقبال على التعاقد، ولولاها ما أقبل الطرف الآخر على التعاقد، ومع أهمیة ذلک الاعتبار، نجد أن غالبیة العقود لا تقوم على الاعتبار الشخصی، فالأصل فی التعاقد یتم لأهداف اقتصادیة، ولا تتأثر بشخصیة المتعاقد کالبیع والمقاولة([23]).
ومع ذلک نجد أن هناک من العقود، تقوم على قدر کبیر من الاعتبار الشخصی وبسبب الثقة – مثل – عقد النیابة، وأیضًا عقد التوظیف بین وکالة التشغیل والعامل القائم على الثقة، حیث یعتمد العامل، على وکالة التشغیل فی البحث عن وظیفة مناسبة له، وما یؤکد ذلک هو انعدام خبرة العامل فی البحث ولمعرفة وکالة التشغیل – أیضًا – بعقد العمل وصاحب العمل، کما سنوضح فی الارتباط الثالث بینهما، وهو الالتزام بالإخبار بالبیانات([24]).
ب – من العقود الملزمة للجانبین:
عقد الوظیفة من العقود الملزمة للجانبین، والذی یفرض التزامات متبادلة فی ذمة طرفیه منذ إبرامه([25])، والعامل من جانب ووکالة التشغیل من جانب آخر، لوفقًا لما أشرنا إلیه فی تعریف هذا العقد نجد أن العامل یلتزم بأجر یعطیه لوکالة التشغیل وهو نسبة 2% ، أما التزم وکالة التشغیل، فهو البحث عن وظیفة مناسبة للعمل وترشیحه لها، بعد إجراء الاختبارات له. أما العقد الملزم لجانب واحد، فهو ذلک العقد الذی یفرض التزامًا على جانب واحد من المتعاقدین، دون الآخر، وهو ما یفرق بین هذین النوعین من العقود، وهذه التفرقة تبرز أمور عدة بین هذین النوعین من العقود.
ج – من عقود المعاوضة:
وعقد المعاوضة، هو الذی یحصل فیه المتعاقد على مقابلً لما یعطی، کالبیع والإیجار، أما عقد التبرع، فهو العقد الذی یعطى المتعاقد شیئًا، أو یقدم خدمة دون أن یحصل على مقابل، مع ضرورة انصراف نیة المتعاقد إلى التبرع([26])، وعقد الوظیفة من العقود التی یمکن تصنیفها، ضمن النوع الأول، وهو عقود المعاوضة، حیث تقوم وکالة التشغیل، بهذا العمل مقابل أجر، تتحصل علیه من العامل.
د – من العقود الواقعة على العمل:
الالتزام بشکل عامل، إما أن یکون التزامًا بإعطاء شئ أو القیام بعمل شئ، أو الامتناع عن عمل، فالأول – یقصد به الالتزام بترتیب حق عینی، أو نقل حق عینی على شئ، وذلک مثل نقل الملکیة وترتیب حق ارتفاق، أو حق رهن أو نقل براءة اختراع، أما الالتزام الآخر – وهو القیام بعمل فهو الذی یلتزم فیه المدین بالقیام بعمل إیجابی، أو أداء خدمة – مثل الالتزام بالنقل، أو بناء، أو تسلیم المبیع، أو ترمیم عقار، أما الالتزام بالامتناع عن عمل: فهو التزام المدین بالامتناع عن القیام بأعمال معینة، مثل ما یحدث فی عقود العمل، والذی قد یشترط فیه صاحب العمل على العامل، عدم الاشتغال لدى صاحب عمل منافس.
وعقد الوظیفة ینتمی إلى النوع الثانی من الالتزامات، وهو القیام بعمل أو بمعنى أدق أداء خدمة، وهو ما یسوقنا إلى الخاصة التالیة:
هـ - من عقود الخدمات:
على الرغم من النقد الذی وجه للتفرقة بین العقود، على أساس عقود أموال، أو عقود خدمات من حیث موضوعها بعدم جدوى هذه التفرقة([27])، غیر أنه لا یمکن تصنیف عقد الوظیفة ضمن عقود الأموال، نظرًا لأن عقود الأموال، تقع دائمًا على أشیاء مادیة کالبیع والإیجار، أما عقود الخدمات، فهی تنصب على تقدیم خدمات، وتدخل ضمنها کل النشاطات المهنیة کالمحامی أو الطبیب أو المهندس. ویأتی عقد الوظیفة ضمن هذه العقود القائمة على الخدمات، على الرغم من تعدد التزاماتها، إلا أنها فی النهایة یمکن تصنیف عملها من ضمن عقود الخدمات.
و – من عقود القانون الخاص:
تنقسم العقود إلى عقود القانون العام، وعقود القانون الخاص، ومعیار التفرقة بینهما، هو أن یقع العقد على مرفق عام، وکان أحد أطرافها، أو کلاهما من السلطة العامة، ولیس من الأشخاص الخاصة([28])، وعلاقة وکالة التشغیل تدخل ضمن عقود القانون الخاص، على اعتبار أن العقد لا یقع على مرفق عام، وأن أشخاصه من الأشخاص الخاصة، وهذا الأمر له من الأهمیة فی التفرقة بین العقود التی تتوسط فیها الإدارة (وزارة القوى العاملة، والهجرة)، والتی یمکن أن نطلق علیها عقود التوظیف العامة، وهذاما جعلنا، أن نطلق على هذ العقد من عقود القانون الخاص، تفریقًا بینها، وبین العقود التی تتوسط فیها الإدارة، ممثلة فی وزارة القوى العاملة والهجرة.
ز – عقد مرکب:
تنقسم العقود إلى عقد مرکب أو عقد بسیط، والمرکب هو الذی یتضمن أکثر من عملیة قانونیة، فهو یضم أکثر من عقد، أما البسیط فهو یقتصر على عملیة قانونیة واحدة([29])، ووفقًا للطرح السابق، وتعدد التزاماتها، فلا مناص من اعتبار عقد وکالة التشغیل بالعامل من العقود المرکبة([30]).
هذا أهم ما یتمیز به عقد التوظیف بالخارج، والذی أردنا إبرازه بعد توضیح التکییف القانونی، کما أنه من العقود الرضائیة، وهی صفة تلازم العقود، ولا تنفک عنها.
3 – عناصر عقد التوظیف بالخارج:
أ- العنصر الأول: البحث.
وهو العنصر الأول الذی تلتزم به وکالة التشغیل، المتمثل فی البحث عن وظیفة للعامل بالخارج، وهو ما نص علیه قانون العمل فی لائحته المنظمة لمسألة الإلحاق، فی المادة 18 فقرة 1 ، ولم یحدد القانون وسائل معینة للبحث، فوکالة التشغیل لها أن تقوم بالبحث وفقًا لما یتراءى لها سواء بالبحث عن طریق الإعلام المقروءة، أو عن طریق الإعلام المسموع..، ویمکن لها عن طریق اتخاذ وسیلة خاصة بها، مثل أن یکون لها جریدة خاصة بها.
ب- العنصر الثانی: إجراء الاختبار.
ویمثل ذلک العنصر أسبقیة قبل العنصر التالی وهو الترشیح، حیث لا تستطع الوکالة القیام بالترشیح قبل إجراء الاختبارات، وهو العنصر الذی یسبغ تطورًا فی علاقة وکالة التشغیل بالعامل عن ذی قبل، والجدیر بالذکر أن هذا التطور ظهر أو ترجم من خلال نیابة الوکالة عن صاحب العمل، لذا فإن النیابة تدخل ضمن أسباب تطور عمل الوکالات، وللوکالة أن تقوم بالاختبارات، وفقً ما یتراءى لها للوصول إلى مدى مناسبة العامل للوظیفة، فلها أن تجری اختبارات شفویة، أو اختبارات تحریریة، أو مقابلة شخصیة، أو غیر ذلک، ولها أن تکتفی بالشهادات التی یحملها العامل، ولا یقلل هذا من طبیعة الالتزام بالاختبار، أما عن نوعیة الاختبار، فقد یکون اختبارًا فی اللغات، أو فی المهارات، أو فی النواحی الفنیة المتعلقة بالعمل، وهذا العنصر لم ینص علیه القانون، إلا أنه یستنتج من العنصر الثالث للعقد، وهو إجراء الترشیح، وأخیرًا لا یقلل من هذا الدور، فی أن یوظف العامل فی وظیفة حرفیة، فعبء الترشیح یفرض علیها أن تتأکد من مناسبة العامل للوظیفة.
ج – العنصر الثالث: مناسبة العامل للوظیفة.
بعد أن تقوم وکالة التشغیل باختبار العامل، وهو العنصر السابق على الترشیح لا تستطع أن تقوم بالترشح، دون أن یکون هناک سببًا لهذا الترشح، وهذا السبب یتمثل فی مدى مناسبة العامل للوظیفة، ولا یتأت ذلک إلاَّ من خلال إجراء اختبار تجربة للعامل، ومتى تأکدت الوکالة من ذلک، تقوم بترشیحه لها، وإبرام العقد معه نیابة عن صاحب العمل.
وهذا العنصر قد نص علیه القانون فی المادة (18) من اللائحة المنظمة للقانون فی فقرتها (ج) وذلک بقولها: "ترشیح المقیدین لدیها للوظائف والأعمال، التی تناسبهم وفقًا لاحتیاجات أصحاب الأعمال فی الخارج".
د – العنصر الرابع: مناسبة الأجور.
قبل أن تقوم وکالة التشغیل، بإبرام عقد العمل نیابة عن صاحب العمل، علیها أن تتأکد من مناسبة الأجر لمستوى الأجور السائدة، فی بلد صاحب العمل بالخارج، بحیث لا تقل عن مستویات الأجور، المعتمدة لدى الإدارة المختصة (المادة 19 من لائحة قانون العمل)، وهذا ما یدعو إلى اعتبار وکالة التشغیل تلعب دورًا مهمًا فی بعض بنود عقد العمل، ومدى مناسبته للعامل، وهذا ما اتضح فی تعریف عقد التوظیف، بالقول – بمدى مناسبة الوظیفة له"، وهذا التناسب الذی تقوم به وکالة التشغیل یکون فی الأجر من ناحیة، کما یشمل طبیعة العمل من ناحیة أخرى.
هـ - العنصر الخامس: الأجر.
مقابل ما تقوم به الوکالة من أعمال والتزامات، ألزم القانون العامل بدفع أجر للوکالة، حیث نص القانون على أن تتقاضى الوکالة من العامل أجر قیمته 2% من أجره على السنة الأولى، وذلک وفقًا لنص المادة (21) من القانون: "..واستثناءً من أحکام الفقرة السابقة، یجوز للشرکات المشار إلیها فی البند 5 من المادة 17 من هذا القانون یتقاضى مبلغ 2% من أجر العامل الذی یتم إلحاقه بالعمل وذلک عن السنة الأولى فقط، کمصروفات إداریة، ویحظر تقاضی أیة مبالغ أخرى من العامل تحت أی مسمى".
المطلب الثانی
الخطأ التقصیری، لوکالات التشغیل الخاصة قبل العامل
(تجاوز الوکالة حدود نیابتها عن صاحب العمل)
یتمثل الخطأ الذی یمکن أن ترتکبه وکالة التشغیل، وهی بصدد قیامها بأعمال النیابة الصادرة لها من صاحب العمل، فی تجاوز حدودها([31]). وهذا التجاوز لا یمکن حصره، لأنه ببساطة یتوقف على احتیاجات صاحب العمل، وما یتطلبه من شروط فی العامل، وهذه الاحتیاجات تتعدد وتختلف من وظیفة لأخرى، ومن صاحب عمل لآخر، لذا فإن صور الخطأ، ترتبط بما یتطلبه صاحب العمل من شروط فی العامل، فمتى خالفت وکالة التشغیل هذه الشروط، فإنها تکون قد ارتکبت خطأ، تُسأل علیه، متى سبب هذا الخطأ ضررًا للعامل. لذا فإن صور الخطأ الناتجة عن تجاوز وکالة التشغیل حدود نیابتها، ترتبط وجودًا وعدمًا، مع ما یتطلبه صاحب العمل من شروط واردة فی النیابة، وبناءً علیه نعرض بعض صور الخطأ، الذی یمکن أن تقع فیه وکالة التشغیل، أثناء تنفیذ الوکالة.
ففیما یتعلق بطلب صاحب العمل خبرة معینة للعامل، فقد یشترط أو یحدد صاحب العمل عدد سنوات من الخبرة للعامل، وفقًا لمتطلبات الوظیفة المطلوبة، فهذه المتطلبات تختلف باختلاف الوظیفة، فهناک من الوظائف الفنیة التی تتطلب خبرة معینة، وهناک من الوظائف التی لا تتطلب هذه الخبرة، کالأعمال الیدویة والحرفیة، فمعیار ذلک، یرجع إلى صاحب العمل، فیما یتطلبه من سنوات، أو ما لا یتطلبه. ومتى لم تلتزم وکالة التشغیل بما طلبه صاحب العمل، فإنها تکون قد ارتکبت خطأ، بخروجها عن حدود النیابة.
وقد یکون التجاوز فیما یتعلق بالمهارات، التی یتصف بها العامل، وهذه من الحالات، التی یمکن أن تخرج فیها وکالات التشغیل عن حدود النیابة، وتتعدد هذه المهارات ما بین مهارات فی اللغات، ومهارات فی الحاسب الآلی، أو أن تکون مهارات فنیة، وفقًا للتخصص المطلوب، کالمهندس، أو الطبیب، أو الصیدلی، وقد ذکرنا أن هذه من الحالات، التی یمکن لوکالة التشغیل الخروج فیها عن حدود ما طلبه صاحب العمل، ذلک، لأن هذه المهارات لیس لها ضابط یمکن التحکیم فیه، إلا من خلال إجراء اختبارات، ولأن الشهادات لا تکف لإثبات ذلک، وهذا ما یدعونا إلى أن إجراء الاختبار أمرًا – لابد منه حتى تسطیع وکالة التشغیل، القیام بمهام النیابة، وخاصة أن هذا الخروج، قد یکون متعمد منها، لتستطیع إبرام العدید من العقود، غیر مبالیة بالأضرار، التی قد تعود على کل من العامل، وأیضًا صاحب العمل.
وقد یکون التجاوز یتعلق بالصفات الشخصیة للعامل، فقد تتطلب الوظیفة سنًا معینًا، أو صفات شخصیة – معینة – لازمة للمهنة، فعلى سبیل المثال – فمهنة مثل مهنة الإدارة، أو المدیر تتطلب شخصیة قیادیة ذات مواصفات معینة، أو أن یکون مطلوبًا سنًا محددًا، یتراوح ما بین کذا وکذا، وبشکل عام تتعدد الصفات الشخصیة، التی یمکن أن تتطلبها الوظیفة، وفقًا لنوع العمل، فلاشک أن هذه من الأمور التی یمکن أن تتجاوزها وکالة التشغیل، أثناء تنفیذها للنیابة.
وقد یکون التجاوز یتعلق بتخصص الوظیفة، فمن المعروف أن فی ذات المهنة تعدد التخصصات، فمهنة مثل مهنة الهندسة، تتعدد فیها التخصصات ما بین مهندس مدنی، إلیکترونی، أو میکانیکی، أو غیرها من التخصصات فی ذات المهنة، ومن ذلک مهنة الطب تتعدد فیها التخصصات المختلفة، ومن ثم فمجال التجاوز، متسع لوکالة التشغیل، فیمکن أن تتخطى ذلک، وتتعاقد مع تخصص آخر.
ومن الأمور المهمة، التی تفرض على الوکالة الدقة، هی مسألة الأجر، وأهمیته تنبع من ناحیة الإدارة، ومن صاحب العمل، فالأخیر یضع رقمًا معینًا، أو أجرًا معینًا، أو مبلغًا من المال، یتراوح ما بین کذا وکذا، والإدارة وضعت معاییر ونسب معینة، لا یجوز للوکالة أن تحید عنها، والعامل أیضاً یهمه أن یکون الأجر، مناسبًا لمشقة السفر والغربة وفوق ذلک، قد تتجاوز وکالة التشغیل کل ذلک، وتتعاقد مع العامل، بقیمة تختلف عن التی حددها صاحب العمل.
المبحث الأول
الدعوی المرفوعة لتحریک مسئولیة شرکات العمالة
فإن تعریف العقد الذی یربط الوکالة بالعامل، هو ذلک العقد الذی تلتزم فیه وکالة التشغیل بالبحث عن وظیفة للعامل وترشیحه لها بعد إجراء اختبار له، والتحقق من مدی مناسبته لتلک الوظیفة وذلک نظیر أجر یلتزم به العامل، ولبیان الدعوی المرفوعة لتحریک مسئولیة شرکات العمالة من خلال المطالب الثلاثة التالیة:
المطلب الأول : الدعوى المرفوعة من جانب العامل .
المطلب الثانی : الدعوى المرفوعة من صاحب العمل.
المطلب الثالث : الجانب الموضوعی فی دعوى المسئولیة.
المطلب الأول
الدعوى المرفوعة من جانب العامل
یثیر الجانب الإجرائی لدعوى المسئولیة التی ترفع من العامل على شرکات العمالة، نقطتین رئیسیتین هما، مسألة المحکمة المختصة بالنزاع([32]) سواء کان اختصاصاً مکانیاً أو اختصاصاً نوعیاً([33])، کما یثیر من ناحیة أخرى إلى القانون الواجب التطبیق على النزاع وسوف نتعرض لهما على النحو التالی:
أولاً: المحکمة المختصة بالنزاع:
1- الاختصاص المکانی (المحلی) ([34]):
لا یثیر الاختصاص المکانی ـ أیة إشکالیة ـ نظراً لکون الطرفین وطنیین (الشرکات ـ العامل)، حیث تطبق القاعدة العامة فی ذلک، والقاعدة العامة فی الاختصاص المکانی، هی اختصاص محکمة موطن المدعی علیه، وقد حددها المشرع لتحقیق المساواة بین طرفی الخصومة، فالمدعی هو الذی یختار الوقت الذی یرفع فیه دعواه، ویستطیع أن یعد مستنداته، قبل رفعها، فیجب الموازنة بین مرکزی الخصمین، فترفع الدعوى أمام محکمة موطن المدعی علیه، وهذه القاعدة تطبق على جمیع الدعاوی، ما لم یوجد نص یقرر قاعدة خاصة، وهی تطبق سواء کانت الدعوى تقریریة أو منشئة أو دعوى إلزام، کما ترفع أمام القضاء العادی والقضاء الاستثنائی، ویؤکد هذا نص المادة 49 من قانون المرافعات([35])، یکون الاختصاص للمحکمة التی یقع فی دائرتها موطن المدعی علیه ما لم ینص القانون على غیر ذلک، فإن لم یکن للمدعی علیه موطن فی الجمهوریة، یکون الاختصاص للمحکمة، التی تقع فی دائرتها محل إقامته، وإذا تعدد المدعی علیهم کان الاختصاص للمحکمة التی یقع فی دائرتها موطن أحدهم.
وعلى هذا، فإن المحکمة المختصة، محلیاً بدعوى المسئولیة التی ترفع من العامل، یجب أن ترفع فی موطن الشرکة باعتبارها مدعی علیها، وإذا کان للشرکة فروع أخرى، فترفع الدعوى وفقا للمرکز الرئیسی، ویجوز رفع الدعوى إلى المحکمة التی یقع فی دائرتها فرع الشرکة أو الجمعیة أو المؤسسة، وذلک فی المسائل المتصلة بهذا الفرع([36])، ویلاحظ أن الاختصاص المحلی لا یتعلق بالنظام العام وهو ما قضت به محکمة النقض : أن المقرر فی قضاء هذه المحکمة أن قواعد الاختصاص المحلی أو المرکزی وضعت لمصالح المتقاضین خاصة ولا شأن بالنظام العام([37])، وعلى هذا فیجوز للأطراف الاتفاق على رفع النزاع أمام المحکمة المتفق علیها، غیر أن هذا الاتفاق یصعب تحققه فی قضایا التعویض عامة، وبالأخص فی دعوى التعویض المرفوعة من العامل.
2- المحکمة المختصة بالنزاع نوعیاً:
یقصد بالاختصاص النوعی الاختصاص الذی یرجع إلى نوع الدعوى بغض النظر عن قیمتها، والقاعدة أن الاختصاص النوعی، بنظر دعوى التعویض إنما ینعقد للمحاکم العادیة أی المدنیة، وذلک أیا کانت المسئولیة الموجبة للتعویض سواء عقدیة أو تقصیریة، والمقرر قانوناً أن الاختصاص النوعی هو من النظام العام وهو ما عبر عنه قضاء النقض "أن مؤدى نص المادة 109 من قانون المرافعات وعلى ما جرى به قضاء هذه المحکمة أن الاختصاص بسبب نوع الدعوى أو قیمتها من النظام العام([38])، لذا فإن مسألة الاختصاص النوعی تعتبر قائمة فی الخصومة، ومطروحة دائماً أمام محکمة الموضوع، ویعتبر الحکم الصادر فیها فی الموضوع مشتملاً على قضاء ضمنی([39]).
أما فیما یتعلق بتقسیم الدوائر داخل المحکمة نفسها من تجاریة، مدنیة، تعویض، عمال، ضرائب، أحوال شخصیة، فأی الدوائر یرفع العامل أمامها دعواه.
بادئ ذی بدء نوضح أن تقسیم المحکمة الواحدة، إلى دوائر هی مساءلة تنظیمیة، الغرض منها زیادة نشاط المحکمة، هذا التقسیم یکون حسب نوع القضایا، (مدنی، تجاری، أحوال، ضرائب ...) ولکن لا یکون تقسیم للاختصاص، وإنما هو توزیع وتقسیم تنظیمی فالاختصاص یکون للمحکمة ولیس للدائرة([40])، ومن ثم فإذا رفع العامل دعواه أمام المحکمة المدنیة، وفقاً للاختصاص المکانی المشار إلیه، فهی المحکمة المختصة بهذه الدعوى، حتى وإن وزعت أمام الدائرة التجاریة حیث قضى بأن الدفع بعدم الاختصاص النوعی للمحکمة فی دائرتها التجاریة لمدنیة النزاع غیر مقبول، بل أن الأمر ـ لا یقتصر على ذلک ـ فقط ـ بل یمتد حتى وإن وزعت أمام دائرة أخرى غیر المدنیة أو التجاریة، حیث إن جزاء عدم احترام التوزیع، لا یرتب الحکم بعدم الاختصاص.
وعلى هذا فما على العامل إلا أن یتحرى الدقة فی الاختصاص المکانی، حتى یتجنب عدم الاختصاص المحلی، أما الاختصاص النوعی فیکون للمحکمة المدنیة التی تتولى بعد ذلک، توزیع الدعوى، وفقاً للنظام المعمول به والتی غالباً ما توزع على الدوائر التعویضیة، وبناء على کل ما سبق فإنه لا تأثیر ناتج عن تجاریة شرکات إلحاق العمالة على دعوى المسئولیة من حیث المحکمة المختصة محلیاً، وکذلک الاختصاص النوعی على النحو المشار إلیه، والسؤال الآن هل یمتد عدم التأثیر على القانون الواجب التطبیق على النزاع، أم أن الأمر یختلف برمته، هذا ما نوضحه فیما یلی:
ثانیاً: القانون الواجب التطبیق على دعوى المسئولیة.
یقصد بالقانون الواجب التطبیق على دعوى المسئولیة، التی ترفع من العامل على شرکات إلحاق العمالة، هل تطبق أحکام القانون المدنی، أم تطبق أحکام القانون التجاری وفقاً لتجاریة الشرکة على النحو المشار إلیه.
فی البدایة نطرح تساؤلاً، وهو عن طبیعة دعوى المسئولیة التی تتعلق بخطأ مرتکب من جانب الشرکة، سواء کان خطأ قانونیاً أو خطأ عقدیاً، بمعنى هل دعوى المسئولیة مثلها مثل الخلاف الذی یدور حول الالتزامات بین الجانبین مثل الأجر، أو غیرها من الالتزامات الأخرى، وبالتالی ینطبق علیها النتائج المترتبة على اعتبار أن العمل یعتبر عملاً مختلطاً، أم أنها تختلف عن هذه الالتزامات، وبالتالی لا ینطبق علیها مفهوم الأعمال المختلطة على النحو المشار إلیه.
لابد أن نشیر أولاً إلى أن هذا الخلاف یختلف فی علاقة العامل بشرکات العمالة عن علاقتها بصاحب العمل، فالعلاقة الأخیرة تحکمها مبادئ وقواعد أخرى، وهی مسألة الإسناد، والتی سیجئ ذکرها عند الحدیث عن الدعوى المرفوعة من صاحب العمل.
وفی اعتقادی أن طبیعة دعوى المسئولیة، تختلف عن الالتزامات المتبادلة بین الطرفین من حیث القانون الواجب التطبیق على أی نزاع، فالأخیرة تحکمها قاعدة الأعمال المختلطة، والتی یقصد بها الأعمال التی تعتبر تجاریة بالنسبة لأحد أطراف التعاقد، ومدنیة بالنسبة للطرف الآخر، أما دعوى المسئولیة فهی تخضع لقواعد القانون المدنی فی کل ما یتعلق بها من أمور مثل التقادم ـ أو شرط الإعفاء من المسئولیة أو الإثبات ونفیه، فلا علاقة بین دعوى المسئولیة وغیرها من الالتزامات الأخرى، ومن ثم تطبق قواعد القانون المدنی فی دعوى المسئولیة بین العامل وشرکات العمالة، ولا تأثیر لتجاریة الشرکة على الدعوى حیث لا علاقة بین الدعوى، وبین الالتزامات التی ینطبق علیها مفهوم المادة الثالثة السابقة الذکر.
المطلب الثانی
الدعوى المرفوعة من صاحب العمل
تثیر دعوى المسئولیة المرفوعة من صاحب العمل، عدة إشکالیات، من حیث القانون الواجب التطبیق على النزاع، والمحکمة المختصة بالنزاع، ویرجع هذا إلى کون صاحب العمل أجنبیاً، وهذا ما نوضحه على النحو التالی:
أولاً: المحکمة المختصة بالنزاع:
1- الاختصاص المکانی:
تنص المادة 22 من القانون المدنی على أن: یسری على قواعد الاختصاص وجمیع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البلد الذی تقام فیه الدعوى أو تباشر فیه الإجراءات.
کما تنص المادة 28 من قانون المرافعات: تختص محاکم الجمهوریة بنظر الدعاوی التی ترفع على المصری، ولم یکن له موطن أو محل إقامة فی الجمهوریة، وذلک، ففیما عدا الدعاوی العقاریة المتعلقة بعقار واقع فی الخارج([41]).
ویتضح من هذا أن الاختصاص المکانی بدعوى المسئولیة التی ترفع على الشرکة، من قبل صاحب العمل الأجنبی، تختص بها محاکم الجمهوریة، وذلک وفقاً للمقر الرئیسی الذی تقطن فیه الشرکة، وبهذا یحق لصاحب العمل، أن یلجأ إلى المحاکم المصریة، لرفع دعواه، وفقاً لما محدد فی هذا الشأن، ولکن یثور تساؤل هام، عما إذا کان للشرکة فرع فی دولة صاحب العمل، فهل یجوز له أن یرفع دعواه، وفقا لاختصاص المحکمة التی یوجد فیها الفرع.
فی اعتقادی أن هذه المسألة تمثل اختصاصاً أصیلاً لمحاکم الجمهوریة طالما أن الدعوى ترفع على مصری، وذلک وفقاً لمفهوم المادة 28 من قانون المرافعات والتی تنص على أن تختص محاکم الجمهوریة بنظر الدعاوی التی ترفع على المصری، ولو لم یکن له موطن أو محل إقامة فی الجمهوریة، فإذا کان المشرع قد خص محاکم الجمهوریة بالدعاوی التی ترفع على مصری ـ حتى ولو یکن له موطن فی الداخل ـ فطالما أنه مصری فترفع الدعوى وفقا للاختصاص المصری، ولا یؤثر فی ذلک وجود فرع للشرکة فی الخارج.
2- الاختصاص النوعی:
وفقاً للمادة 22 مدنی، والتی وضعت الأساس فی قواعد الاختصاص، من حیث القواعد، وفقاً لإجراءات قانون البلد الذی تقام فیه الدعوى، وحیث أن دعوى المسئولیة التی ترفع من صاحب العمل، على الشرکة ترفع داخل النطاق المصری، ومن ثم تسری علیها القواعد المقررة فی هذا الشأن، وهی لا تختلف عما ذکرناه فی دعوى المسئولیة المرفوعة من العامل، حیث ترفع الدعوى أمام المحکمة المدنیة.
ثانیاً: القانون الواجب التطبیق على دعوى صاحب العمل:
إذا ما تم رفع دعوى المسئولیة، تبرز مسألة هامة، تتمثل فی تنازع القوانین على اعتبار أن صاحب العمل أجنبیاً، وبالتالی تظهر مشکلة تنازع القوانین، وأی قواعد الإسناد، تطبق فی هذا ولکن الأمر یحتاج إلى بیان جوهر مشکلة تنازع القوانین.
* ماهیة التنازع:
إن تحدید مجال تنازع القوانین یتحدد بالمسائل التی ذات العنصر الأجنبی، فإذا ما وجدت مسألة تنطوی على عنصر أجنبی، یثار التساؤل عن القانون الذی یحکم کل هذه المسائل إذا ما عرض نزاع أمام القضاء([42])، وذلک مثل مسألة الزواج بین أجنبی ووطنی، ومن أکثر المسائل التی یبرز فیها الطابع الدولی موضوع النیابة وهو شکل علاقة الشرکة مع صاحب العمل الأجنبی، حیث تنوب الشرکة عن صاحب العمل، فی إبرام عقد العمل، وعلى هذا فإن إمکانیة وجود تنازع قوانین ـ أمراً ـ لا مفر منه لوجود عنصر أجنبی فی العلاقة، وهو صاحب العمل ومن هنا تثار مسألة القانون الواجب التطبیق على النزاع([43]).
* قاعدة الإسناد:
بادئ ذی بدء نوضح أن أی ضرر یحدث لصاحب العمل أساسه وجود عقد النیابة، وبالتالی فإن أی إشکالیة تتعلق بتنازع القوانین تطبق هنا قاعدة الإسناد المتعلقة بالعقد، وهو ما نصت علیه المادة 19 من القانون المدنی بقولها: یسری على الالتزامات التعاقدیة قانون الدولة التی یوجد فیها الموطن المشترک للمتعاقدین إذا اتحدا موطناً فإن اختلفا موطنا سرى قانون الدولة التی تم فیها العقد هذا ما لم یتفق المتعاقدان أو یتبین من الظروف أن قانونا آخر هو الذی یراد تطبیقه.
وعلى هذا فإذا ما اتفق صاحب العمل والشرکة على القانون المطبق فی حدوث أی نزاع، یطبق قانون الاتفاق (الإرادة) وهذا هو الأساس فی هذه الحالة أو أن یتبین من الظروف أن قانونا آخر هو الذی یراد تطبیقه ثم أخیرا القانون الذی تم فیه العقد ومن ثم فیتم الإسناد إلى أی من هذه القواعد الثلاث، وعلى هذا فقد یتفق صاحب العمل مع الشرکة على تطبیق قانون معین على أی نزاع ینشأ بینهما، ویسری هذا الأمر أیا کان نوع الدعوى المرفوعة من صاحب العمل سواء دعوى مسئولیة أو دعوى بطلان، وإذا لم یتم الاتفاق فینظر إلى القانون الأقرب فی التطبیق على النزاع.
والصعوبة تکمن فی حالة عدم وجود اتفاق بین الشرکة وصاحب العمل فی تحدید القانون الذی یطبق على النزاع الناشئ بینهما، وذلک لأن قاعدة الإسناد التی تطبق فی حالة عدم وجود هذا الاتفاق هی قانون الدولة التی تم فیها التعاقد([44])، وتکمن الصعوبة فی معرفة المکان الذی تم فیه العقد، أهو دولة صاحب العمل أم دولة شرکات إلحاق العمالة.
والأصل فی التعاقد بین الشرکة وصاحب العمل هو التعاقد بین غائبین وقد تعددت الاتجاهات والنظریات حول معرفة زمان العقد ومکان العقد الذی یبرم بین غائبین، أهی نظریة استلام القبول، أم نظریة تصدیر القبول، أم نظریة استلام القبول، وأخیراً نظریة العلم بالقبول([45])، وعلى فرضیة أن التعاقد تم بالتلیفون بین الشرکة وصاحب العمل وهذا هو الأغلب، فیعتبرا ذلک تعاقدا بین حاضرین من حیث زمان انعقاد العقد، إذ لا توجد فترة زمنیة بین صدور القبول (الشرکة)، وعلم الموجب به (صاحب العمل)، أما فیما یتعلق بمکان انعقاد العقد فإن التعاقد بالتلیفون یعتبرا تعاقدا بین غائبین، أی أن العقد تم فی المکان الذی یوجد فیه الموجب (صاحب العمل)، باعتبار أنه المکان الذی علم فیه بالقبول، وذلک تطبیقاً لنظریة العلم بالقبول، حیث تعد هذه النظریة تطبیقا للقواعد العامة من أن الإرادة لا تنتج أثرها إلا من الوقت الذی تصل فیه إلى علم من وجهت إلیه، کما أنها النظریة التی أخذت بها معظم التقنینات المدنیة([46]).
المطلب الثالث
الجانب الموضوعی فی دعوى المسئولیة
یتعلق الجانب الموضوعی بدعوى المسئولیة التی ترفع من العامل على الشرکة بتأسیس الدعوى فهل تؤسس وفقاً لقواعد المسئولیة العقدیة أم وفقاً لقواعد المسئولیة التقصیریة، ویعد هذا الجانب من النقاط الهامة فی مسألة الدعوى، وعلة ذلک حتى یتجنب العامل رفض دعواه، إذا ما أسس دعواه وفقا لإحدى قواعد المسئولیتین، فقضى برفضها وبالتالی سترفض الدعوى إذا ما رفعت مرة أخرى، ولم یتغیر السبب تأسیساً على قوة الأمر المقضی به وهذا تقلیلاً من حمایة المضرور (العامل).
وحتى یتجنب العامل هذا الأمر ـ علیه أن یستند فی عواه ـ على کل من الخطأ التقصیری والخطأ العقدی، فتعدد علل التعویض أو أسبابه، بمثابة وسائل دفاع أو طرقه([47])، فتحدید طبیعة المسئولیة تعتبر من وسائل الدفاع فی دعوى التعویض، ولا یعتبر تغییراً لسبب الدعوى أو موضوعها لأن سبب الدعوى هو الإخلال بمصلحة مشروعة للمضرور فی شخصه أو فی ماله مهما تنوعت المسئولیة([48])، وهو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعویض([49])، وعلى محکمة الموضوع أن تأخذ منها ما یتفق وطبیعة النزاع المطروح علیها، وأن تنزل حکمه على واقعة الدعوى، ولا یعد ذلک منها تغییراً لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملکه من تلقاء نفسها([50]).
وفی جمیع الأحوال، فإن محکمة الموضوع لا تستطیع أن تحکم بما لم یطلبه المضرور، فلا یسوغ لها أن تقضی على أساس المسئولیة التعاقدیة، ما دامت قد رفعت على أساس التقصیریة، ومن هنا کان قولنا: على العامل أو حتى صاحب العمل أن یؤسس دعواه على الأثنین معا، وعلى المحکمة أن تقضی بما تراه وفی هذا فائدة للعامل فإنه یتجنب إذا ما أسس دعواه على أحدهما ثم خسرها، ثم رفع دعوى أخرى تأسیساً على المسئولیة الأخرى رفض الدعوى تأسیساً على قوة الأمر المقضی به، لأن ذلک دالا بالاقتضاء على انتفاء مسئولیة المدعی علیه قبل المدعی عما دعاه، أیا کانت المسئولیة التی أسس علیها دعواه.
المبحث الثانی
الحکم الصادر بالتعویض وکیفیة حصول العامل علیه
یُقدر التعویض بمقدار الضرر الذی أصاب المضرور([51]) وفی جمیع الأحوال ـ للمحکمة الهیمنة على تقدیر التعویض، ولو کان متفقاً علیه وقصره على ما یوازی الضرر الحقیقی، ومتى حکمت المحکمة بتعویض للمضرور (العامل ـ صاحب العمل) تظهر جزئیة هامة، تتمثل فی کیفیة حصول المضرور على قیمة هذا التعویض، إذا لم تلتزم الشرکة به، وتوجد عدة طرق یمکن للمضرور بها الحصول على التعویض وهی إما عن طریق الشرکاء، أو عن طریق موجودات الشرکة، أو عن طریق خطاب الضمان لدى جهة الإدارة، وأخیراً التأمین ضد المسئولیة، وسوف نتناول هذه الطرق على النحو التالی:
ویشتمل على خمسة مطالب :
المطلب الأول: مسئولیة الشرکاء عن التعویض.
المطلب الثانی: ذمة الشرکة.
المطلب الثالث: خطاب الضمان.
المطلب الرابع: التأمین ضد المسئولیة.
المطلب الخامس: صور أخری لحمایة العامل.
المطلب الأول
مسئولیة الشرکاء عن التعویض
یقصد بمسئولیة الشرکاء عن التعویض، مدى مسئولیة الشرکاء فی شرکة إلحاق العمالة عن قیمة التعویض الصادر من المحکمة لصالح المضرور (العامل ـ صاحب العمل) نشیر أولاً إلى أن الفعل الضار الصادر عن الشرکة لا یندرج تحت مفهوم المادة 169 حیث یعتبر هذا الفعل صادراً من فرد واحد ولیس هناک تعدد أو شرکاء فی الفعل، فالشرکة تمثل کیاناً واحداً ولا یعتبر الفعل المرتکب منها فعل مشترک، ومن هنا کان الفارق بین التضامن فی التعویض على أساس التعدد فی الاشتراک فی الفعل الضار، وبین وحدة الفعل الضار الذی ترتکبه الشرکة فلا تعدد هنا کما لو کان الفعل ارتکب من فرد واحد، کما أن المحکمة عندما تقرر التعویض ضد الشرکة، لا تعد المسئولیة عن التعویض، ولا تحدد نسب فیما بینهم (کما فی حالة الخطأ التقصیری)، على اعتبار أن الشرکة تمثل کیانًا واحدًا وهذا هو الفرق بین تضامن المسئولین عن التعویض، وبین مسئولیة الشرکاء عن التعویض، غیر أن هذا لا یعنی أن الشرکاء لا یسألون عن التعویض الصادر من المحکمة وإنما یسألون باعتباره دینا فی ذمة الشرکة فکیف یسألون إذن عن هذا الدین.
وبالرجوع إلى الشکل القانونی لشرکات إلحاق العمالة والتی تدور ما بین شرکات المساهمة شرکات التوصیة بالأسهم وشرکات ذات المسئولیة المحدودة، فإن مسئولیة الشرکاء عن التعویض الصادر تدور بین قدر ما ساهموا فیه من رأس مال الشرکة وهذا هو الأغلب، حیث یعد هذا النوع هو السائد فی کل شرکات المساهمة، وأیضاً فی شرکات ذات المسئولیة المحدودة، وبالتالی لا تمتد المسئولیة عن التعویض إلى أموالهم الخاصة، أما النوع الآخر من مسئولیة الشرکاء فهو یوجد بنسبة قلیلة جداً، حیث یتواجد هذا النوع فی شرکات التوصیة بالأسهم فقط، ونظراً لأن الغالب الأعم فی شرکات الإلحاق هو شرکات ذات المسئولیة المحدودة لسهولة تأسیسها، وقلیل من شرکات المساهمة ولأن هذه الشرکات تکون مسئولیة الشرکاء فیها محدودة، فیمثل هذا ضعف لضمانة المضرور، حیث لا یستطع المضرور أن یرجع على الشرکة بالحکم الصادر بالتعویض الذی أصدرته المحکمة، فی أمواله الخاصة، ولا یکون أمام العامل إلا ذمة الشرکة التی هی من ذمة الشرکاء، وهذا ما نوضحه فی المطلب القادم.
المطلب الثانی
ذمـة الشــرکة
تتمتع الشرکة بذمة مالیة مستقلة عن ذمة الشرکاء المالیة، هذه الذمة قد تکون عقاراً أو منقولاً ویعد ما ساهم فیه الشریک مالا للشرکة ینقل إلیها، وتدخل فی ذمتها فلا یکون للشریک حقاً فیه حیث تنقل ملکیة الحصص التی یقدمها الشرکاء لتکون رأس مال للشرکة، وتسکن فی ذمتها ولا یکون للشریک إلا الحق فی الحصول على نصیبه من الأرباح والموجودات عند تصفیة الشرکة وعلى هذا یکون للشرکة حریة التصرف کیفما شاءت فی الحصة مادام الشریک قد تجرد من ملکیتها وکانت قد قدمت للشرکة على سبیل التملیک([52])، ومن ثم فإن رأس مال الشرکة یعد کله ملکاً للشرکة، سواء أکان منقولاً أو حصة عینیة أو عقاراً([53]).
وعلى ما تقدم فإن المسئولیة عن دیون الشرکة تکون فی ذمتها المالیة الممثلة فی رأس المال، المکون من حصص المساهمین ولا دخل للشرکاء فی ذلک إلا بقدر مساهمتهم فی رأس المال وبالتالی یصبح ما فی ذمتها بما تحمله من حصص سواء منقولة أو عقاریة حق لدین الغیر یستطیع أن یستوفی منه حقه.
وبالتالی فإن للمضرور سواء العامل أو صاحب العمل یستطیع أن یستوفی قیمة التعویض بالرجوع على الشرکة وما فیها من حصص المساهمین.
إلا أنه یلاحظ أن دائنی الشریک طالما بقیت الشرکة لا یکون لهم حق فی اقتضاء حقهم عن طریق التنفیذ على تلک الحصص، وإنما یقتصر حقهم فی التنفیذ على نصیب المساهم فی الأرباح، طبقاً للقواعد العامة، فی حجز ما للمدین لدى الغیر([54]).
غیر أن هذه الضمانة ـ أیضاً ـ غیر کافیة لما فیها من صعوبة ولقلة رأس مال الشرکة ولعدم وجود موجودات لهذه الشرکات فی الغالب الأعم، ومن ثم فلابد أن یکون هناک طریق آخر یستطیع المضرور أن یستوفی منه حقه، وهذا ما نوضحه فی الجزئیة التالیة:
المطلب الثالث
خطــاب الضمـان
یمثل خطاب الضمان أهم الضمانات القانونیة التی یمکن من خلالها للمضرور أن یستوفی منه قیمة التعویض الصادر له من المحکمة، فقد نصت الفقرة 3 من المادة 22 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على أن: تقدم الشرکة خطاب ضمان غیر مشروط وغیر قابل للإلغاء صادرا من أحد البنوک العاملة فی جمهوریة مصر العربیة بمبلغ 100 ألف جنیه لصالح الوزارة المختصة وأن یکون هذا الخطاب ساریاً طوال مدة سریان الترخیص ویتعین استکمال قیمة الخطاب بمقدار ما خصم من غرامات أو تعویضات مستحقة طبقاً لأحکام القانون وذلک خلال عشرة أیام من تاریخ إخطار الشرکة المرخص لها بکتاب موصى علیه بعلم الوصول.
وعلى الرغم من أهمیة هذه الضمانة القانونیة غیر أن نص القانون یشوبه الغموض فإذا کان القانون أعطى للإدارة مکنة خصم أیة مبالغ من قیمة خطاب الضمان وهو بمثابة تأمین للإدارة، إلا أنه لم یحدد الحالات التی یتم فیها الخصم، واکتفى أن یضع قاعدة عامة مفادها أن یکون الخصم طبقا للقانون ولم یحدد الحالات التی یقررها القانون من غرامات کما أن خصم الغرامات أمر یتعلق بالإدارة، وهو غالباً یکون بخصوص أعمال التفتیش ومخالفة الشرکة للواجبات التی لابد أن تلتزم بها، کما أن مفهوم التعویضات مبهم، فهل یقصد به الإدارة أم المضرور (العامل، صاحب العمل) أم کلاهما وکیف یتم خصم التعویض مثلاً، وهو غالباً یتقرر بحکم قضائی فی الغالب الأعم والذی یکون قد صدر بعد حین من الدهر.
کما أن قیمة خطاب الضمان ضعیفة مقارنة بطبیعة عمل الشرکات وإمکانیة وقوعها فی الخطأ کثیراً ومع کثیر من الأفراد کما أنها تشمل الغرامات والتعویضات ومن هنا یبرز أهمیة وجود نظام تأمینی مستقل.
المطلب الرابع
التأمین ضد المسئولیة
فی الحقیقة، إن مسألة حصول المضرور على قیمة التعویض المحکوم به من المحکمة لصالحه سواء العامل أو صاحب العمل من خلال الطرق القانونیة السابقة أمر محفوف بالصعوبة فالرجوع على الشریک نفسه أمر یکاد یکون مستحیلاً، نظراً لصعوبة وجود الشریک الذی یحصل منه على التعویض عن طریق ماله الخاص، أما الرجوع على ذمة الشرکة الممثلة فی رأس مالها، والذی یکون من أسهم الشرکاء فلا یقل صعوبة عن سابقه وذلک لقلة رأس المال ذاته، کما أن الرجوع على موجودات الشرکة بالحجز علیها أمر یحتمل المخاطرة، نظراً لعدم وجود موجودات للشرکة فی الأصل، ولم یکن حال الطریق الثالث أکثر أمنا على الرغم من أهمیته نظراً لقلة قیمة خطاب الضمان القانونی ولغموض النص القانونی الذی ینص على خصم التعویضات منه.
کل ذلک جعلنا نسلک ـ طریقا آخر ـ متعارفًا علیه فی الوسط القانونی، وهو طریق التأمین وهذا الطریق قد یبدو غریباً فیما نتحدث عنه، ولکنه قد لا یکون غریباً عند النظر إلى أهمیته، والتأمین یتعدد من حیث أنواعه وأشکاله، إلا أن الذی نعنیه هو التأمین ضد المسئولیة أو التأمین من المسئولیة، فهو یستهدف ضمان المؤمن له ضد المخاطر الذی قد یتعرض له من جانب الغیر بسبب ما أصابه من ضرر فالشخص یؤمن نفسه ضد الأعباء أو الدیون التی قد تثقل ذمته المالیة فتهددها بعجز جسیم، أو لا تقدر على الوفاء بها، فهذا النوع من التأمین یستهدف تعویض الأضرار التی تصیب الذمة المالیة من جراء ما یلتزم به من تعویض الغیر، ولهذا یوصف بأنه التأمین من الدیون ویلاحظ أن المؤمن لا یقوم بتعویض الضرر الذی یصیب الغیر، وإنما یعوض الضرر الذی یصیب الذمة المالیة للمؤمن له([55]).
ویتمیز التأمین عن المسئولیة بأن مبلغ التأمین لا یکون محدداً لأنه لا یعرف مدى ما یلتزم به المؤمن به المؤمن له وما تتعرض له ذمته المالیة من أضرار، نتیجة الحالات التی تنعقد فیها مسئولیته، وصور التأمین من المسئولیة متعددة ولکن أهمها التأمین من المسئولیة المدنیة الناشئة من حوادث السیارات([56]).
وعلى هدی ما تقدم وفی ظل صعوبة حصول المضرور على قیمة التعویض من الشرکة، وبالتالی عدم جبر الضرر الواقع علیه فلماذا لا یکون هناک تأمین من المسئولیة الناشئة عن إلحاق العمالة بالخارج، وخاصة فی ظل زیادة المخاطر التی یتعرض لها العامل نتیجة لتطور عمل الشرکات ـ بوجه خاص ـ کما أنه من ناحیة أخرى، یفتح الطریق أمام القضاء فی التشدید من الحکم الصادر بالتعویض، وذلک لوجود مظلة تأمینیة، ممثلة فی التأمین الذی تلتزم به الشرکات.
وعلى غرار التأمین الاجتماعی للعاملین المصریین فی الخارج وفقا لقانون التأمین الاجتماعی الحالی رقم 79 لعام 1977([57])، والذی یوفر الأمان الاجتماعی فی حالات الشیخوخة والعجز والوفاة، وعلى هدی الجهود الدولیة ـ أیضاً ـ لتوفیر سیاج من الأمان الاجتماعی فی دول المهجر من المساواة فی التأمینات الاجتماعیة مع مواطنی هذه الدول، فلماذا لا یمتد هذا الأمان الاجتماعی ـ أیضاً ـ لیشمل التأمین من المسئولیة الناشئة عن إلحاق العمالة بالخارج عن طریق هذه الشرکات مع ضرورة أن یکون هذا التأمین إجباریاً([58]) للشرکات ولیس اختیاریاً.
المطلب الخامس
صور أخرى لحمایة العامل
لا تقتصر حمایة العامل على الرجوع بالتعویض على شرکات إلحاق العمالة وفقاً لقواعد المسئولیة التقصیریة أو العقدیة فحسب وإنما یمکن له أن یرجع علیها بدعوى الإثراء بلا سبب، وله ـ أیضاً ـ الرجوع بالتعویض على کل من صاحب العمل، والإدارة ممثلة فی وزارة القوى العاملة والهجرة وهذا ما نوضحه على النحو التالی:
أولاً: رجوع العامل بالتعویض على الشرکة بدعوى الإثراء:
تعد دعوى الإثراء بلا سبب إحدى وسائل الحمایة للمضرور متى توافرت شرائطها وهی تأتی فی مصاف دعاوی المسئولیة الأخرى (العقدیة ، العمل غیر المشروع) وهو ما جعلها تتمتع بالاستقلالیة فیجوز للمفتقر أن یرجع على المثری بهذه الدعوى متى انعدم السبب القانونی للإثراء ونشیر إلى هذا بإیجاز على النحو التالی:
* سبب تمیز دعوى الإثراء (دعوى أصلیة):
تتمیز دعوى الإثراء بلا سبب بأنها دعوى مستقلة بذاتها، وتنفصل عن دعوى المسئولیة العقدیة أو المسئولیة التقصیریة، فإذا قامت دعوى أخرى إلى جانبها (العقدیة ـ التقصیری)، کان للمدعی الخیار بین الدعویین([59])، فهی تقف جنباً بجنب معهما، ولم یکن هذا التمییز واعتبارها دعوى أصلیة بالأمر الیسیر، حیث تعددت الاتجاهات الفقهیة ([60])، سواء فی مصر أو فرنسا حول اعتبارها دعوى أصلیة أو احتیاطیة، والسبب فی ذلک یرجع إلى وجود دعوى أخرى، تقوم بجانبها، ومن ثم لا یجوز للمفتقر الرجوع بدعوى الإثراء، لأنها دعوى احتیاطیة یجوز مباشرتها إذا وجد سبیل قانونی آخر([61])، إلا أن المشرع المصری أکد على أصلیة هذه الدعوى، عندما نص علیها فی مواده معتبراً إیاها فی مرتبة دعوى العقد ودعوى المسئولیة التقصیریة وهذا ما نوضحه فی التالی:
* شروط دعوى الإثراء بلا سبب:
تنص المادة 179 من التقنین المدنی المصری على أن: کل شخص ولو غیر ممیز یثری دون سبب مشروع على حساب شخص آخر یلتزم فی حدود ما أثرى به بتعویض هذا الشخص عما لحقه من خسارة، ویبقى هذا الالتزام قائماً ولو زال الإثراء فیما بعد، کما تنص المادة 180، تسقط دعوى التعویض عن الإثراء بلا سبب بانقضاء ثلاث سنوات من الیوم الذی یعلم فیه من لحقته الخسارة بحقه فی التعویض، وتسقط الدعوى کذلک فی جمیع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من الیوم الذی ینشأ فیه هذا الحق.
ویتبین من هذا أن للدعوى شروط نوجزها على النحو التالی:
1- إثراء المدین: ویقصد به الفائدة التی یحققها المدین سواء کانت مادیة أو معنویة، أو کانت بشکل مباشر أو غیر مباشر.
2- افتقار الدائن: ویقصد به الخسارة التی یتکبدها الدائن مثل: مالا ینفقه، أو المنفعة التی تفوته.
3- وجود علاقة سببیة بین الافتقار والإثراء: بمعنى أن یکون إثراء المدین نتیجة افتقار الدائن.
4- انعدام السبب القانونی للإثراء: بمعنى أن یکون للمثری حق لإثرائه سواء القانون أو العقد، فمتى کان للمثری حق فیما کسبه، وکان سبب لإثرائه، فلیس للمدین أن یرجع علیه بالتعویض([62]).
* مدى إمکانیة استفادة العامل من مدى الإثراء:
متى توافرت الشروط المشار إلیها لدعوى الإثراء فإنها تنشأ للعامل حقا فی طلب التعویض فی مواجهة شرکات الحاق العمالة، ویحق للعامل (المفتقر) بصفته مدعی تعویض فی ذمة الشرکة، بصفتها مدعی علیها (المثری) ویکون ذلک بشکل مستقل على النحو المشار إلیه.
إلا أن الأمر لیس بهذا الیسر، حیث یقع على العامل عبء الإثبات فقضی بأن الإثراء بلا سبب عبء إثبات وقوعه دائماً على عاتق المفتقر، وعلیه أن یثبت الآتی:
- أن هناک إثراء فی جانب الشرکة (المثری) ومقدار هذا الإثراء.
- أن هناک افتقار فی جانبه، ترتب علیه إثراءً للشرکة (المثری).
- أن الإثراء بلا سبب قانونی، إذ أن الإثراء یفرض فیه أن له سبباً قانونیاً، ولا یکلف المثری إثبات هذا السبب، فإذا ادعى (المفتقر) الا سبب للإثراء فعلیه هو أن یثبت ذلک([63]) بالنظر إلى هذه الإثباتات نجد أن الأمر یزداد صعوبة أمامه فی إثبات ذلک خاصة فیما یتعلق بالإثبات الأخیر وهو ألا یکون للإثراء سبب قانونی فمن المقرر أن للشرکة حقا قانونیاً فی أن تحصل من العامل على نسبة 2% من أجره وهو ما نص علیه قانون العمل (م21) ومن ثم فإن هذا یفند أی محاولة لإثبات أن الإثراء بلا سبب قانونی، وهو ما نؤکد علیه ـ أیضاً ـ من حق الشرکة فی الحصول على هذه النسبة، إلا أن الإشکالیة لیست فی هذه النسبة، وإنما الإشکالیة فی الحصول على مبالغ أکثر مما هو مقرر، وهو ما یحدث بالفعل وبالتالی فما تحصل علیه الشرکة زیادة عن هذه النسبة، هو ما یجعل إثراءها بلا سبب قانونی، وما نعول علیه فی طلب التعویض.
وعلى العامل ـ هنا ـ أن یثبت حصول الشرکة على مبالغ تزید عما هو مقرر، بجمیع وسائل الإثبات، لأن الإثراء والافتقار من الوقائع المادیة التی یجوز إثباتها بکافة طرق الإثبات، ومتى ثبت العامل افتقاره وإثراء الشرکة فإنه یفرض هنا ألا سبب قانونی لإثراء الشرکة، وإذا ادعت أن هناک سبباً قانونیاً لإثرائها فعلیها أن تثبت ذلک([64]).
ثانیاً: رجوع العامل بالتعویض على صاحب العمل:
الأصل أن الموکل (صاحب العمل) لا یسأل عن الخطأ الذی یرتکبه وکیله (الشرکة) فالوکیل إذا کان ینوب عن الموکل فی التصرف القانونی أو العمل القانونی محل النیابة فینصرف إلیه آثاره إلا أنه لا ینوب عنه فی الخطأ الذی یرتکبه فی حق الغیر، بسبب تنفیذ الوکالة، ویلتزم الوکیل وحده بتعویض الغیر الذی أضیر بخطئه، طالما لم یقر الموکل وکیله عن هذا الخطأ، بقصد إضافة آثاره إلى نفسه([65]).
ومن ثم فإن إمکانیة رجوع العامل على صاحب العمل على أساس ارتکاب الشرکة خطأ، بخروجها عن حدود وکالتها أمر مستبعد، إلا فی حالات معینة.
1- یمکن للعامل الرجوع على صاحب العمل إذا کان القانون ینص على مسئولیته هو (صاحب العمل) بالإضافة إلى مسئولیة الوکیل، حیث یسأل الموکل عن خطأ وکیله.
2- یمکن للعامل الرجوع على صاحب العمل وفقاً لقواعد المسئولیة التقصیریة، حیث تتعدد صور مسئولیة الموکل عن خطأ وکیله، منها إذا ما ارتکب الموکل خطأ جر إلى خطأ الوکیل، کأن یکون أهمل فی رقابته حیث تجب علیه رقابته، أو کان الخطأ الذی ارتکبه الوکیل لیس إلا تنفیذًا لتعلیمات تلقاها منه، ویکون الموکل فی هذه الوضعیة مسئولاً عن خطأه الشخصی لا عن خطأ الوکیل، کما یسأل الموکل إذا کان الوکیل مرتبطاً به ارتباط التابع بالمتبوع([66]).
3- کما یمکن للعامل أن یرجع على صاحب العمل على أساس النیابة، وذلک إذا ما ارتکبت الشرکة تدلیساً، بمعنى أنه إذا ارتکبت الشرکة تدلیساً جر العامل إلى التعاقد معها، فإن العقد یکون أولاً قابلاً للإبطال، ویجوز له أن یرجع على صاحب العمل بالتعویض، کما یجوز للعامل أن یرجع على الشرکة، کما لو کان التدلیس صدر من صاحب العمل، فیکون الموکل مسئولاً عن خطأ الشرکة، ویرجع ذلک إلى أن التصرف الذی یمضیه باسم الموکل، یعقد بإرادة الوکیل فتحل هذه الإرادة محل إرادة الأصیل.
ومن ثم فإن المجال متسع لرجوع العامل على صاحب العمل، إذا ما توافرت حالة من هذه الحالات المشار إلیه عالیاً، ویلاحظ أن صاحب العمل یسأل هنا عن خطئه الشخصی ولیس بکونه الموکل وفقا للحالات المشار إلیها غیر أن مسألة أن یکون صاحب العمل متبوع، والشرکة تابع، فهو أمر مستبعد، لصعوبة أن تکون الشرکة خاضعة لتوجیه ورقابة صاحب العمل، وهی تباشر عملها، أما إذا کان صاحب العمل یباشر التوجیه والرقابة على الشرکة، فتصبح الشرکة هنا تابعاً وصاحب العمل متبوع، وبالتالی یسأل صاحب العمل مسئولیة تقصیریة قبل العامل.
وعلى ضوء ما تقدم فإن صاحب العمل یسأل مسئولیة تقصیریة فی مواجهة العامل، أولا عن خطئه الشخصی کأن یکون أهمل فی الرقابة على النائب أو أن یکون خطأ الشرکة إلا تنفیذاً لتعلیمات صدرت منه، کما یسأل مسئولیة تقصیریة ـ أیضاً ـ عن خطأ الغیر (النائب) کأن تکون الشرکة ارتکبت تدلیساً جر العامل إلى التعاقد، کل ذلک فی نطاق المسئولیة التقصیریة.
ولا مجال لمسئولیة صاحب العمل عن خطأ النائب فی نطاق علاقة النیابة، ویرجع ذلک إلى أن النیابة بحکم کونها إحلالاً لإرادة النائب محل إرادة الأصیل فی إبرام التصرف القانونی، ینحصر مجالها فی التصرفات القانونیة، سواء أکانت عقودا أو تصرفات بالإرادة المنفردة، أما المسئولیة التقصیریة سواء عن خطأ الغیر أو الخطأ الشخصی، فهی مؤسسة عن العمل غیر المشروع وهو واقعة قانونیة لا علاقة بالإرادة کمصدر للآثار القانونیة، لذا فهی بعیدة فی مجال التصرفات القانونیة القائمة على الإرادة.
ومن ثم یتبین الوضوح أن الربط بین المسئولیة التقصیریة عن خطأ النائب وبین موضوع آثار النیابة ینطوی على خلط بین متمیزین من مجالات النشأ القانونی، وأن مسألة مسئولیة الأصیل عن خطأ النائب لا یمکن الوصول إلیه فی نطاق علاقة النیابة([67]).
وعلى هذا فإن الأصیل (صاحب العمل) مسئول نحو الغیر (العامل) فی حدود قواعد المسئولیة التقصیریة، وکذلک فی حدود قواعد النیابة ذاتها([68])، ولیس کأثر من آثار النیابة.
ثالثاً: رجوع العامل بالتعویض على جهة الإدارة:
یمثل رجوع العامل بالتعویض على جهة الإدارة (وزارة القوى العاملة والهجرة)، من الجوانب الهامة، التی توفر حمایة للعامل إن لم یکن أهمهم على الإطلاق ولا یکون ذلک إلا بتطبیق أحکام مسئولیة المتبوع عن أعمال تابعة حیث أن مسئولیة المتبوع (الإدارة) عن أعمال تابعة غیر المشروعة مقررة بحکم القانون، لمصلحة المضرور وتقوم على فکرة الضمان القانونی فیعتبر المتبوع فی حکم الکفیل کفالة مصدرها القانونی ولیس العقد، وقد نصت المادة 174 من القانون المدنی على أن: یکون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذی یحدثه تابعه بعمله غیر المشروع، متى کان واقعاً منه فی حال تأدیة وظیفته أو بسببها، وتقوم رابطة التبعیة ولو لم یکن المتبوع حراً فی اختیار تابعه متى کانت له سلطة فعلیة فی رقابته وتوجیهه.
ویتبین من هذا النص حتى تتحقق مسئولیة الإدارة باعتبارها متبوع لابد أن تکون هناک تبعیة بین الإدارة والشرکة، هذا من ناحیة ومن ناحیة أخرى ـ أن ترتکب الشرکة خطأ أحدث ضرراً للعامل فی حال تأدیة وظیفتها أو بسببها:
الشرط الأول: أن تکون هناک تبعیة بین الإدارة والشرکة.
تشتمل التبعیة التی قصدها المشرع على أمرین: الأمر الأول، هو وجود عنصر السلطة الفعلیة، والثانی، هو وجود الرقابة والتوجیه، أما الأمر الأول، والمتعلق بالسلطة الفعلیة، فلا تعنی وجود عقد یربط بین الإدارة والشرکة، وهو ما عبر عنه المشرع، ولو لم یکن المتبوع حرا فی اختیار تابعه، وإنما یکفی أن یکون للمتبوع (الإدارة) سلطة فی إصدار الأوامر إلى التابع فی طریقه أداء عمله، وفی الرقابة علیه ومحاسبته([69]) وهذا ما تحقق بشکل کبیر فی علاقة الإدارة بالشرکة، حیث تحققت هذه السلطة من خلال مکنة الترخیص الصادرة من الإدارة إلى الشرکة، بمزاولة أعمال الحاق العمالة بالخارج فلیس هناک مجال لتحقق التبعیة الممثلة فی السلطة الفعلیة إلا من خلال هذا الترخیص الصادر من الإدارة فبدونه کیف تباشر الإدارة أعمال الرقابة والتوجیه والتی من خلالها تظهر هذه الرقابة والتوجیه([70]).
أما الأمر الثانی للتبعیة یتمثل فی رقابة الوزارة وتوجیهاتها للشرکة ویکون ذلک من خلال الرقابة الإداریة علیها، وما تقوم به من أعمال التفتیش علیها، وفی هذا ما یکفی فی تحقق الرقابة والتوجیه بدون الرقابة الفنیة وقد عبرت عن ذلک أحکام النقض بقولها: تقوم التبعیة کلما کان للمتبوع سلطة فعلیة على التابع فی الرقابة والتوجیه ولو کانت هذه الرقابة قاصرة على الرقابة الإداریة ویستقل قاضی الموضوع فی استخلاص علاقة التبعیة متى رکن فی استخلاصه إلى أسباب سائغة لها أصل ثابت فی الأوراق، بل أن القضاء ذهب إلى أبعد من ذلک فی امتداد التبعیة ـ لتشمل ـ التبعیة الأدبیة وذلک بقوله: بأن وجود علاقة تبعیة بین الطبیب وإدارة المستشفى الذی عولج فیه المریض ولو کانت علاقة تبعیة أدبیة کاف لتحمل المستشفى مسئولیة خطأ الطبیب، ومن ثم فإن التبعیة لا تقتصر على التبعیة الفنیة فقط، بل تمتد إلى التبعیة الإداریة وهو ما یتحقق بشکل کبیر فی علاقة الإدارة ممثلة فی وزارة القوى العاملة والهجرة وبین العامل من وجود تبعیة إداریة، ولیس تبعیة فنیة مثل طریقة البحث عن العمل، أو غیره من النواحی الفنیة التی تمارسها الشرکة وهی بصدد ممارسة ومباشرة عملها وهذا ما یکفی فی تحقق مفهوم التبعیة والذی من خلاله یستطیع العامل أن یرجع على الإدارة بالتعویض على أساس الخطأ المفترض، إذا ما وقع خطأ من الشرکة سبب ضررا له.
الشرط الثانی: ارتکاب عمل غیر مشروع.
یشترط لتحقیق مسئولیة الإدارة عن أعمال تابعها أن ترتکب الشرکة عمل غیر مشروع (خطأ) وهو ما یفهم متى یکون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذی یحدثه تابعه بعمله غیر المشروع، ومن ثم فلابد من خطأ تتوافر فیه عناصره حتى تسأل الإدارة باعتبارها متبوع، فقد قضى بأن مسئولیة المتبوع عن أعمال تابعه غیر المشروعة مصدرها العمل غیر المشروع وهی لا تتحقق إلا حیث تتحقق مسئولیة التابع بناء على خطأ واجب الإثبات أو بناء على خطأ مفترض([71]).
الشرط الثالث: أن یکون الخطأ حال تأدیة الوظیفة أو بسببها.
یضاف إلى ما تقدم لمسئولیة المتبوع (الإدارة) عن أعمال تابعة (الشرکة) أن یکون الخطأ المرتکب من الشرکة قد وقع أثناء تأدیة عملها أو بسببها وهو ما یستفاد من نص المادة 174 ویعد هذا الشرط أو الضابط هو الذی یربط مسئولیة المتبوع بعمل التابع ویبرر مسئولیة المتبوع([72])، ومن ثم فإذا کان خطأ الشرکة قد وقع بعیداً عن عملها وارتباطها بالإدارة فلا مسئولیة على الإدارة ولا یتحقق هذا الفرض إلا فی حالة أن تقوم الشرکة بعملها دون أن تحصل على ترخیص من الإدارة ففی هذه الحالة تنتفی العلاقة بینهما، وتنتفی علاقة التبعیة، أما وأن الشرکة تمارس عملها، بموجب الترخیص الصادر لها من الإدارة، فلا مناص من اعتبار الشرکة تمارس عملها باعتبارها تابعة للإدارة وأی خطأ یصدر منها یعتبر حال تأدیة عملها أو بسببها.
کیفیة استفادة العامل بالرجوع على الإدارة:
متى تحققت شروط مسئولیة المتبوع (الإدارة) عن أعمال تابعة على النحو المشار إلیه کان للعامل الخیار بین عدة اتجاهات للاستفادة من هذه المسئولیة.
أ- یجوز له أن یرجع على المتبوع (الإدارة) مباشرة بالتعویض دون حاجة لإخال التابع (الشرکة) الدعوى وهو ما قضى به قضاء النقض للمضرور أن یرجع مباشرة على المتبوع بتعویض الضرر الناشئ عن أعمال تابعه غیر المشروعة دون حاجة لإدخال التابع فی الدعوى ولا تلتزم المحکمة فی هذه الحالة بتنبیه المتبوع إلى حقه فی إدخال تابعه([73])، کما یلاحظ أن مطالبة المضرور العامل مطالبة قضائیة یقطعها التقادم بالنسبة للمتبوع، ولیس من شأنها قطع التقادم بالنسبة للتابع (الشرکة) ([74]).
ب- یمکن للعامل المضرور أن یرجع على الإدارة کمتبوع والشرکة کتابع معا متضامنین أمامه.
ج- کما یجوز له أن یکتفی بالرجوع على التابع الشرکة دون الاستفادة من مسئولیة الإدارة عن أعمال تابعها.
وفی جمیع الأحوال لا یجوز له أن یرجع تارة على الإدارة وتارة أخرى على الشرکة، حیث لا یجوز أن یعوض عن الضرر مرتین، فعلى العامل هنا أن یختار أی من الأطراف الثلاث ـ لرفع دعواه ـ لجبر الضرر الواقع علیه، جراء فعل الشرکة (الشرکة، صاحب العمل، الإدارة) فالمهم فی ذلک تعددت طرق الحمایة التی من خلالها یمکن للعامل جبر الضرر الواقع علیه جراء عمل شرکات إلحاق العمالة بالخارج.
الخاتمـــة
وبعد هذا العرض السابق للدراسة، نستعرض الآن بعض النتائج التی تم استخلاصها، وبعدها نوضح أهم المقترحات والتوصیات الهامة، وذلک على النحو التالی:
أولاً: النتـائج.
1- لقد أبرزت الدراسة جانباً مهماً من جوانب العلاقات والروابط القانونیة، وخروج هذه الروابط عن الإطار التقلیدی، وتطورها، وعدم اقتصارها على الاتفاق المباشر بین الأطراف، ذلک من خلال آثار النیابة، وتأثر الغیر بها، کطرف ثالث من حیث النتائج، وهو ما یبین أهمیة النیابة فی نشوء علاقات وروابط قانونیة غیر مباشرة، وفی ذات الوقت الارتباط المباشر من خلال العلاقة العقدیة بینهما – هذا – بالإضافة إلى وجود رابط آخر، وهو الالتزام بالإخبار. ومن ثم تعددت الروابط والعلاقات القانونیة، فی آن واحد، وعدم اقتصارها على شکل واحد.
2- إن معاییر منظمة العمل الدولیة لم تراع أهمیة النیابة فی ظل العلاقات الدولیة، فلم تتضمن الاتفاقیة الحالیة والمعبرة عن هذه المعاییر، إمکانیة نیابة الوسیط (الوکالات)، عن صاحب العمل، فی عقود العمل، حیث منعت أن تکون الوکالة طرفاً فی عقد الاستخدام، وهذا ما یمثل إشکالیة فی حالة التصدیق على الاتفاقیة من جانب مصر، کما أن المشرع المصری أغفل هذا، فی القانون الحالی.
3- إمکانیة عدم الاستفادة من دعوى المسئولیة المدنیة، وبالتالی عدم جبر الضرر الواقع على العامل، من خلال عدم التوسع فی الخبرة، بین المسئولیتین، فیما یتعلق بالمعنى المتواتر للخبرة، وهو التفضیل بین أی من الدعویین ترفع، العقدیة أم التقصیریة.
4- تزاید الهجرة غیر الشرعیة، مما قد یشیر إلى سبب ذلک إلى الشرکات، ولو بشکل غیر مباشر.
5- ومن النتائج الإیجابیة فی البحث، تعدد صور حمایة العامل، من خلال تنوع وتعدد دعوى التعویض، التی یمکن أن یلجأ إلیها العامل، فله أن یرجع على وزارة القوى العاملة، أو صاحب العمل، کما له أن یرجع على الشرکة، لیس عن طریق دعوى المسئولیة فحسب، وإنما عن طریق دعوى الإثراء بلا سبب.
ثانیاً : التوصـیات.
1- لمعالجة مسألة إمکانیة، عدم استفادة العامل من المسئولیة المدنیة، نجد أن الباب مفتوحاً، لتقریر تنظیم قانونی، لمسئولیة مهنیة لوکالات التشغیل الخاصة، فی ظل القانون الاجتماعی، یجمع فی طیاته من القواعد ما یراه مناسباً، للاستفادة من دعوى المسئولیة بنوعیها، وخاصة أن القانون الاجتماعی، مؤهل لقبول ذلک، نظراً لقیامه على الجانب الحمائی للعامل، وعدم التقید، بما هو مقرر فی قواعد القانون المدنی. وعلى القضاء المصری أن یلعب دوراً خلاقاً، فی النظر إلى جبر الضرر الواقع، على الطرف المتعامل مع المهنی، بوجه عام، والعامل المتعامل مع الشرکات، بوجه خاص، وأن یبرز من القواعد التی تساعد على تقنین هذه المسئولیة فی القانون الاجتماعی، کما یفعل القضاء الفرنسی، فی تقریر کل ما هو جدید.
2- للمساعدة فی مواجهة الهجرة غیر الشرعیة، على الشرکات أن تطور من عملها، وإن یستحدث طرقًا جدیدة لجذب الشباب إلیها، کأن یکون لها دور فی تدریب العمالة، ورفع مستوى العامل، وزیادة الدور التثقیفی لها، وفی المقابل على الإدارة أن تحفز الشرکات على العمل بتقریر حوافز مالیة.. مثل المشرع الفلبینی، وأن تُفَعِّل العقوبات وتغلظها على الشرکات المخالفة.
إن المجال أصبح متاحاً للعامل، لرفع دعوى تعویض على الشرکات المخالفة، لتعدد الروابط القانونیة، وإمکانیة وقوع الشرکات فی الخطأ، وتنوع الضرر الواقع علیه، مثل تعدیل عقد العمل من جانب صاحب العمل، أو إلغاءه، أو استمراره، أو فی حالة عدم وجود صاحب عمل، وارتکابه غش نحوه، وکذلک إمکانیة إثراء الشرکة على حسابه بلا سبب، فعلى العامل ألا یتردد فی رفع الدعوى، حتى یجبر الضرر الواقع علیه.
([1]) هجر أو هجرًا، تعنی تباعد – وهاجر تعنی ترک وطنه من مکان کذا أو ترکه وخرج منه إلى غیره، والمهاجر الذی هاجر مع النبی r . المعجم الوجیز، مادة هجر، ص644؛ وأیضًا الهجر ضد الوصل والاسم الهجرة، والمهاجرة من ارض إلى أرض، ترک الأول للثانیة والتهاجر التقاطع. مختار الصحاح، للشیخ الإمام محمد بن أبی بکر بن عبدالقادر الرازی، وزارة المعارف، 1340هـ/1992م، مادة هجر، ص690.
([3]) حتى أن أفریقیا قد شهدت هجرة داخل بلداها، فکانت ساحل العاج (کوت دی فوار) – الآن – من الدول التی تتمتع بنمو اقتصادی مستمر منذ الاستقلال وهو البلد المستقبل الرئیسی فی الإقلیم، حیث قدر عدد المهاجرین الأفارقة إلیها بنسبة 20% من سکانها فی عام 1975. د. محمد إسماعیل، المرجع السابق، ص11.
([6]) ویرى الدکتور/ عبدالباسط عبدالمعطی، الهجرة النفطیة والمسألة الاجتماعیة، مکتبة مدبولی، الطبعة الأولی، 1984، أن الاتجاه العام فی الظاهرة یشیر إلى أن معظم المهاجرین من الطبقة العاملة وبعض شرائح البرجوازیة، ص66.
([10]) د. محمد عصفور، العمالة والهجرة المصریة للخارج، بحث منشور فی مجلة المحاماة، نوفمبر، دیسمبر 1983، العددان التاسع والعاشر، السنة الثالثة والستون، ص146 وما بعدها.
([12]) کما أن المستقبل قد یحمل التزامات أخرى مثل نقل العامل بوسیلة مواصلات للخارج وخاصة أن القانون فی لائحته التنفیذیة (م21) قد ألزم صاحب العمل بنفقات السفر فی حالة التعاقد للعمل بالخارج من محل التعاقد إلى مقر العمل، والعکس سواء فی أول مرة أو فی الإجازات أو عند نهایة الخدمة.
([13]) لمزید من وحدة العقد وتجزئته وتطبیقه على علاقة وکالة السفر یرجع إلى: د. عدنان إبراهیم سرحان، العلاقة بین مکاتب السیاحة والسفر وعملائها، مجلة الحقوق، جامعة الکویت، سبتمبر 2007، العدد 3، السنة 31، ص401 وما بعدها؛ د. أحمد السعید الزقرد، الروابط القانونیة الناشئة عن عقد الرحلة، مجلة الحقوق، جامعة الکویت، العدد الأول، السنة الثامنة والعشرون، مارس 1998، ص99 وما بعدها.
([16]) وهناک اتجاه فی الفقه یدعم هذه الفکرة، وسنده أن العقد الذی یربط الطرفین واحد من لناحیة الاقتصادیة، ولکنه من الناحیة القانونیة مجموعة من العقود المعروفة والتقلیدیة، ویؤسس رأیه على أن الرحلة التی تنظمها وکالة السفر تتجزأ إلى مراحل متعددة تارة، تتمثل فی النصح والإرشاد، وتارة أخرى فی الانتقالات والمنتزهات، وتارة أخرى فی الإقامة والإیواء، وتارة فی التسلیة والترفیه إلى آخره، لذا فإنها تارة تکون ناقلاً وقد تکون وکیلاً وقد تکون مقاولاً.. بنظر فی هذا الاتجاه د. أحمد السعید الزقرد، المرجع السابق، ص105 وما بعدها؛ د. عبدالفضیل محمد أحمد، وکالات السفر والسیاحة من الوجهة القانونیة، مکتبة الجلاء الجدیدة، المنصورة، بدون سنة النشر، ص85 وما بعدها.
([18]) والجدیر بالذکر أن المشرعین الفرنسی والمصری، لم یوردا نصًا عامًا صریحًا یأخذ بنظریة أن الفرع یتبع الأصل، ولکنه أورد تطبیقات عدیدة منها مثلاً العقار بالتخصیص مادة 82 مدنی ونظریة الأعمال التجاریة بالتبعیة (مادة 2/9 تجاری) ، وما یراه الفقه من وجود نظریة الأعمال المدنیة بالتبعیة. راجع فی ذلک د. عبدالفضیل، المرجع السابق، ص89، بند 107.
([20]) هذا وقد حظیت فکرة وحدة العقد بتأیید کثیر من الفقه فی علاقة وکالات السفر والعمیل . یراجع فی ذلک: د. عبدالفضیل محمد، المرجع السابق، ص87 وما بعدها؛ د. أحمد السعید الزقرد، المرجع السابق، ص106 وما بعدها؛ د. عدنان إبراهیم سرحان، المرجع السابق، ص413 وما بعدها.
([21]) هناک من الفقه من یرى أن فکرة العقد غیر المسمى، ما هی إلا وسیلة للهروب من تکییف، أی عقد یصعب تکییفه، فهی فکرة تؤدی إلى تجنب، أو تلافی المشکلة، أکثر من حلها.. براجع هذا الرأی فی رسالة د. محمد عبدالظاهر حسین، المسئولیة المدنیة للمحامی تجاه العمیل، دار النهضة العربیة، القاهرة، 1990م، ص92، وکذلک مؤلفه عقد الفندقة، دار النهضة العربیة، القاهرة، 1997م، ص47.
([22]) د. حسام الأهوانی، مصادر الالتزام، الجزء الأول،الطبعة الثانیة، بدون دار نشر، 1995، ص47، بند 59.
([24]) د. محمود جمال الدین زکی، الوجیز فی نظریة الالتزام فى القانون المصری، الجزء الأول، مصادر الالتزام، الطبعة الثانیة، مطبعة جامعة القاهرة،1976، ص47 وما بعدها.
([25]) یراجع فی هذه الفروق د. الأهوانی، المرجع السابق، ص49، بند 61؛ د. محمد عبدالظاهر حسین، المرجع السابق (المصادر)، ص31 وما بعدها؛ د. محمود جمال الدین زکی، المرجع السابق (مصادر الالتزام)، ص47 وما بعدها.
([28]) فالعقد الإداری هو الاتفاق الذی یکون أحد أطرافه شخصًا معنویًا عامًا، بقصد إدارة المرافق العامة أو تسییرها.. راجع فی تفصیل تعریف العقد الإداری وعناصره د. أنس جعفر، العقود الإداریة، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربیة، 2003م، ص13.
([30]) للمزید من تقسیمات العقود، یراجع د. أحمد حشمت أبوستیت، نظریة الالتزام فی القانون المدنی الجدید، الکتاب الأول، الطبعة الثانیة، مطبعة مصر 1954م ، ص49 وما بعدها.
([31]) یلاحظ أن النیابة یمکن أن تتسع لتشمل العدید من الالتزامات، کضمان الوکیل للغیر أنه یعمل فی حدود التوکیل. د. عبدالرازق السنهوری، الوسیط فی شرح القانون المدنی، الجزء الأول: الجزء السابع(الکتاب الأول)، لجنة الشریعة الإسلامیة بنقابة المحامین، 2007، ص483.
([32]) راجع: د. فتحی والی، الوسیط فی القانون المدنی، مرکز جامعة القاهرة للطباعة والنشر، 1997م، ص213، 214.
([41]) ینظر: د. رضا السید عبدالحمید، الشرکات التجاریة فی القانون المصری، الجزء الأول، دار النهضة العربیة، ط2005م، ص25.
([43]) ینظر: د. جمال مرسی بدر، النیابة فی التصرفات القانونیة، الهیئة المصریة للکتاب، الطبعة الثالثة، 1980. ص376 وما بعدها.
([45]) راجع: د. عبدالودود یحی، الموجز فی النظریة العامة للالتزامات، مصادر الالتزام، دار النهضة العربیة، 1985م، ص48، 50.
([46]) د. جمال مرسی بدر، مرجع سابق، ص418 وما بعدها، وأیضاً راجع: د. صلاح الدین زکی، تکون الروابط العقدیة فیما بین الغائبین، دار النهضة العربیة، الطبعة الأولى، بدون تاریخ نشر.
([51]) استئناف القاهرة، استئناف رقم 497 س69ق، د المدنیة السادسة، ج10/11/1953 موسوعة عبدالمعین، الکتاب الأول، ج2، ص230.
([53]) د. یحیى أحمد موافی، الشخص المعنوی ومسئولیته قانوناً، رسالة، کلیة الحقوق، جامعة الإسکندریة، 1977، ص10 وما بعدها.
([55]) د. حسام الأهوانی، المبادئ العامة فی التأمین، بدون دار نشر، 2002، 2003م، ص27، د. نبیلة رسلان، أحکام التأمین، 1989م، ص28، 29.
([56]) د. سمیر کامل، التأمین الإجباری من المسئولیة المدنیة للمهندسین والمقاولین عن حوادث البناء، الطبعة الأولى، 1990، 1991م، ص4.
([58]) د. محمد عبدالظاهر حسین، التأمین الاجباری من المسئولیة المدنیة المهنیة، دار النهضة العربیة، 1996م، ص18 وما بعدها.
قائمة المراجع
أولاً: المعاجم:
ثانیاً: الکتب العربیة:
ثالثاً: الرسائل العلمیة:
رابعاً: المقالات والأبحاث العلمیة: