المساهمين
المؤلف
قسم الفقه، کلية الشريعة والقانون بأسيوط، جامعة الأزهر، أسيوط، مصر
المستخلص
الكلمات الرئيسية
مقـدمة
الحمد لله الذی أحل لنا الحلال وزینه فی قلوب المؤمنین، وحرم علینا الحرام وبغَّضَه فی قلوب الصالحین، وشرع لنا الأحکام صیانة وحفظًا لأمور الدنیا والدین والصلاة والسلام على خیر خلق الله نبیه ومصطفاه.
وبعد ،،،
فالمال الحرام موجود فی بعض المجتمعات فی أیدی بعض الناس ما بین متعامل به مستبیح له، غاض الطرف عن تعاملاته، بل وطالب للمزید، وبین متوقف فیه أو تائب منه یرید الخلاص ویتساءل أین الطریق؟ وکیف التحلل من هذا المال؟ وکلا النوعین السابقین یتعایش مع محیطین به من أفراد مجتمعه یتعامل معهم بواجبات وحقوق والتزامات، وهنا یطرح التساؤل عن أمور أهمها: ما مدی امتلاک مکتسب المال الحرام له؟ وما حکم تعاطی هذا المال والانتفاع به من مکتسبه؟ وما أثر التوبة فی حِلِّ هذا المال أو کسبه له؟ وهل من سبیل إلى إبقاء المال معه بعد توبته عن الحرام؟ خاصة إذا کان محتاجًا إلیه لیبدأ حیاته بعدها من جدید فیجد ما یتوکأ علیه فی مواجهة هذه الحیاة، وهل یقف إشکال أمر هذا المال عند من اکتسبه فقط؟ بمعنى آخر: ما حکم تعامل المحیطین من أفراد المجتمع مع من عرفوا بالکسب الحرام واشتهروا به؛ کالمرابین وغیرهم؟ وما أحکام العقود التی یبرمها هؤلاء مع غیرهم؟ وما حکم من وصله هذا المال عن طریق مشروع من صاحب هذا المال؛ کالأجرة، والمیراث، وسداد الدین إلى غیر ذلک من أمور، أیضًا ما حکم من ینتفع بهذا المال ممن هم من التزامات المکتسب لهذا المال؟ إذ قد یکون المکتسب لهذا المال والمتعامل به عائلًا لأسرة مؤمنة تخاف الحرام، لکنها لا تجد منفذًا للحلال لتتعایش منه، وکثیرًا ما تتساءل بعض الزوجات الحائرات عن دخل الأزواج من الحرام، ولا عائل لهن ولا مصدر للإنفاق غیر دخل أزواجهن ممن یتعاملون بالحرام، ومن یطالع شبکات التواصل الاجتماعی الآن یعلم حجم المأساة فی ذلک، أیضًا هل من ضابط لتعامل أصحاب هذه الحقوق مع هؤلاء ممن یکتسبون المال الحرام؟ وأخیرًا تحار حین تُسأل عن طریق تصحیح مسار المتعامل بهذا المال بعد توبته، وهل یقبل هذا المال الحرام المعالجة بوسیلة من الوسائل المشروعة التی تتوافق مع مقاصد الشریعة وتنتج أثرها فی إصلاح هذا المال للمصلحة العامة أو الخاصة؟
لذلک قمت بتناول هذا الموضوع؛ لأهمیة دراسته وبحثه، وللإجابة عن هذه التساؤلات وغیرها، ولإبداء الرأی الفقهی المناسب لها، والله أسأل العون والتوفیق والسداد.
أهمیة البحث:
إجمالًا: یکتسب البحث أهمیته من ارتباطه بواقع حیاة بعض المجتمعات التی استشرى فیها التعامل بهذا النوع من الکسب، وتفصیلًا: فإن أهمیته تتمثل فی عدد من النقاط هی:
1- حاجة عدد من التعاملات الیومیة التی تتداول فیها أموال مکتسبی المال الحرام إلى ببیان الرأی الفقهی فیها.
2- وقوف أصحاب الأموال المحرمة على مسؤولیاتهم عن هذه الأموال، ومدى صحة تعاملاتهم بها.
3- معالجة سلبیات بعض من یتعاملون مع آخذی أموال الناس ظلمًا ظنًا منهم أنهم غیر مؤاخذین بذلک.
4- الوقوف على أثر التوبة على أصول وأرباح التائب من الأموال المحرمة.
5- أن یعرف من یتعامل مع مکتسبی هذه الأموال ما له وما علیه فی هذا الشأن.
6- الوقوف على أراء بعض المذاهب الفقهیة فی بعض مسائل البحث من خلال التحلیل والتخریج على أقوال الفقهاء.
7- الإجابة على کثیر من الأسئلة المتداولة لعدد من المشاکل الواقعة لبعض أفراد المجتمع حالیًا.
أهداف البحث:
1- إظهار حکم امتلاک الأموال المحرمة من مکتسبها.
2- بیان أثر تعاطی المال الحرام على صحة العقود التی تتم من خلالها.
3- بیان حکم تعاطی المال الحرام من غیر مکتسبه فی أهم التعاملات وفی بعض مسائل الأحوال الشخصیة.
4- بیان حکم أخذ من یؤول إلیه المال المکتسب من حرام بطریق مشروع.
5- وضع ضابط فقهی لتعامل أصحاب الحقوق مع من یکتسبون المال الحرام ویتعاملون به.
خطة البحث:
هذا البحث یأتی فی مقدمة، ومطلب تمهیدی ، وثلاثة مباحث، وخاتمة.
أما المطلب التمهیدی، ففیه فرعان:
الفرع الأول: فی مصطلحات ومفاهیم متعلقة بموضوع البحث
الفرع الثانی: فی أنواع المال الحرام ومصادره
وأما المبحث الأول: ففی تعاطی المال الحرام من مکتسبه، وفیه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: فی وقوع الملک، أو مدى امتلاک حائز المال الحرام له
المطلب الثانی: فی حکم انتفاع حائز المال الحرام به، وفیه فرعان:
الفرع الأول: الانتفاع بأصل المال
الفرع الثانی: الانتفاع بالربح
المطلب الثالث: فی حکم العقد أو المعاملة التی تجرى بهذا المال المکتسب من حرام، وفیه فرعان
الفرع الأول: التعاطی فی المعاملات بالمال الحرام
الفرع الثانی: تعاطی المال الحرام فی مسائل الأحوال الشخصیة
المبحث الثانی: فی تعاطی المال الحرام من غیر مکتسبه (أثر المال الحرام على حقوق الآخرین) وفیه مطلبان:
المطلب الأول: فی تعاطی الحقوق غیر الواجبة
المطلب الثانی: فی تعاطی الحق الواجب
المبحث الثالث: فی معالجة المال الحرام
منهجی فی البحث:
1- جعلت عمادی فی البحث کتاب الله تعالى، وما صح من سنة رسوله – صلى الله علیه وسلم، ثم أقوال الفقهاء وآراء العلماء، ولقد سرت فی معالجة موضوعات البحث على منهجین: المنهج الاستقرائی لمعالجة الجانب التأصیلی النظری لمصطلحات البحث ومسائله، ثم المنهج الوصفی التحلیلی، ویتمثل ذلک فی تصویر المسألة المراد بحثها وتحلیلها، ومن ثم دراستها وبیان حکمها عند فقهاء المذاهب الأربعة، وإظهار الراجح من أقوالهم.
2- عزوت الآیات إلى سورها مع ذکر رقم الآیة، وقمت بتخریج الأحادیث والحکم علیها.
مشکلة البحث:
تتمثل مشکلة البحث فی طرح ما یلی من أسئلة:
1- ما مدی امتلاک مکتسب المال الحرام له، حتى تنطبق سائر الأحکام الفقهیة علیه؟
2- هل من سبیل إلى إبقاء المال مع مکتسبه بعد توبته عن الحرام خاصة إذا کان محتاجًا إلیه؟
3- ما حکم العقود التی یبرمها متعاطی هذه الأموال المحرمة مع غیره؟
4- ما حکم تعامل المحیطین من أفراد المجتمع مع من عرفوا بالکسب الحرام؟
5- ما حکم من وصله هذا المال الحرام عن طریق مشروع؟ هل له أخذه؟
الدراسات السابقة:
الموضوع تحت هذا العنوان غیر مطروق أو مبحوث ضمن ما اطلعت علیه وتتبعته فی مظانه، بل إن الفکرة نفسها ما تم بحثها ولا معالجتها کاملة فی الفقه الإسلامی ویحتاج أمرها إلى الدراسة والبحث؛ لذا کانت الحاجة ماسة فی الوقت الراهن لبحث فکرة الموضوع والوصول لنتائجه.
مطلب تمهیدی
الفرع الأول
فی مصطلحات ومفاهیم متعلقة بموضوع البحث
أولًا: المقصود بالتعاطی:
فی اللغة: الْمُعَاطَاةُ: الْمُنَاوَلَةُ، وَفُلَانٌ یَتَعَاطَى کَذَا أَیْ یَخُوضُ فِیهِ([1])، والتَّعاطِی: التَّناوُلُ، وتَناوُلُ ما لا یَحِقُّ، والتَّنازُعُ فی الأخْذِ([2])، لکن استعملها الفقهاءُ فی مُنَاوَلَةٍ خَاصَّةٍ وَمِنْهُ فُلَانُ یَتَعَاطَى کَذَا إذَا أَقْدَمَ عَلَیْهِ وَفَعَلَهُ.([3])
فی الاصطلاح: ذکر الکاسانی أن التعاطی هو الأخذ والإعطاء([4])، ومثل القرافی لمکتسب الحرام بقوله: کمتعاطی الربا والغلول، وأثمان الغصوب والخمور، ونحو ذلک([5])، وذکر صاحب العنایة کلامًا عن شهادة الذمی فقال: "الفسق مانع من حیث تعاطی محرم الدین أو من حیث الاعتقاد، والثانی ممنوع والأول مسلم"([6])، وتحدث النووی عن تعاطى العقود الفاسدة فی المجموع فی أکثر من موضع([7])، وجاء عند أبی البقاء الکفوی أن التعاطی: هُوَ إِعْطَاء البَائِع الْمَبِیع للْمُشْتَرِی على وَجه البیع وَالتَّمْلِیک، وَالْمُشْتَرِی الثّمن للْبَائِع کَذَلِک بِلَا إِیجَاب وَلَا قبُول([8]).
ثانیًا: المقصود بالمال الحرام:([9])
وهنا أعرض لبیان مفهوم المال، ومفهوم الحرام أولًا، ثم یعقب ذلک بیان للمقصود بالمال الحرام.
1- تعریف المالِ: فی اللغة: ما مَلَکْتَه من کلِّ شیءٍ، جمع: أمْوالٌ([10])، ویشمل کل مَا یُعَدُّ مَالًا فِی الْعُرْفِ. ([11])
فی الاصطلاح: تعددت تعریفات الفقهاء للمال، فقیل: المراد بالمال ما یمیل إلیه الطبع ویمکن ادخاره لوقت الحاجة([12])، وقیل فی تعریفه: هو ما یقع علیه الملک ویستبد به المالک عن غیره إذا أخذه من وجهه([13])، وقیل: المال کل ما له قیمة یباع بها وتکون إذا استهلکها مستهلک أدى هذه القیمة([14]).
2- تعریف الحرام: فی اللغة: نَقِیضُ الْحَلَالِ، وَجَمْعُهُ حُرُمٌ، والحَرامُ: مَا حَرَّم اللهُ([15])
وفی الاصطلاح: ما طلب الشارع ترکه طلبًا جازمًا([16])
3- أما المال الحرام فیقصد به: کل مال حظر الشارع اقتناءه أو الانتفاع به، سواء کان لحرمته لذاته، بما فیه من ضرر أو خبث؛ کالمیتة والخمر، أم لحرمته لغیره؛ لوقوع خلل فی طریق اکتسابه، لأخذه من مالکه بغیر إذنه کالغصب، أو لأخذه منه بأسلوب لا یقره الشرع ولو بالرضا کالربا والرشوة.([17])
ویمکن تعریف المال الحرام بأنه: کل تمول([18]) أو کسب لمال نهى الشارع عنه نهیًا صریحًا، أو أجمع الفقهاء على حرمته.
ثالثًا: المقصود بحقوق الآخرین:
تتعدد حقوق الآخرین وتکثر حتى إنها قد لا تقع تحت حصر، لکن المراد هنا بحقوق الآخرین: أهم الحقوق المالیة وأشهرها والتی أقرها الشارع وتقتضیها ظروف الحیاة أو التعاملات مع هذا المتعاطی للمال من حرام.
رابعًا: المعالجة فی اللغة:
عالج المریضَ: داواه، وعالج العطلَ: بحث عنه وأصلحه([19]) والعِلاجُ: المِراسُ والدِّفاعُ، واسمٌ لما یُعالَج بِهِ([20])، وَالْعِلَاجُ: الْمُقَاوَاةُ، وَالْمُغَالَبَةُ([21])، وعَالَجَ الشَّیْءَ زَاوَلَهُ.([22])
والمعالجة هنا یراد بها: العمل على إصلاح هذا المال المکتسب من حرام لیعود إلى حظیرة التعاملات الشرعیة المباحة وتبرأ ذمة متعاطیه منه، وهذا الاستخدام له أصل من کلام الفقهاء فی عدد من الأبواب الفقهیة من ذلک: ما ذکره السرخسی من قوله: "وإن انکسر القفل من معالجة الحداد فالحداد ضامن لقیمته"([23])، وعند النووی "وإن استحال الخمر خلًا بنفسه من غیر معالجة"([24]) وقال ابن قدامة: " فإن مات فی بئر ذات نفس، فأمکن معالجة البئر بالأکسیة المبلولة تدار فی البئر حتى تجتذب بخاره"([25])، وغیر ذلک کثیر عند الفقهاء.
الفرع الثانی
فی أنواع المال الحرام ومصادره
وهذا الفرع لن أطیل فی تفاصیل مسائله وذلک اعتمادًا على شهرته بین المختصین، لکن أعمد إلیه بإیجاز لأهمیته للبحث:
مصادر المال الحرام: تتعدد مصادر المال الحرام وأنوعه کثیرًا وقد تختلف صور الحصول علیه وتتعدد أسالیب کسبه من زمن لآخر أو من مکان لآخر إلا أنها فی النهایة لا یفارقها المنع والنهی الشرعی مهما لبست من أثواب ظاهرها یخفی بواطنها، ومن مصادر المال الحرام التی ذکرت فی أبواب الفقه المختلفة:
1- التعامل غیر المشروع: بالربا والرشوة، والتعامل فی المحرمات؛ کالخمر والخنزیر، أو مهور البغایا وغیرها.
2- الاعتداء على أموال الآخرین بالسرقة والغصب وغیر ذلک مما یعد أکلًا لأموال الناس بالباطل .
3- أخذ المال عن طریق الخداع والتزویر والاختلاس والقمار وغیر ذلک.
وهذه الأنواع منها ما هو حرام لذاته ومنها ما هو حرام لغیره، ومنها ما هو حرام لکسبه، وسیأتی بیان ذلک وتفصیله فیما یلی من مسائل هذا البحث.
المبحث الأول
تعاطی المال الحرام من مکتسبه
توطئة:
فی هذا المبحث أعمد إلى تقسیم یخدم موضوع البحث، ویظهر جوانب هامة فیما یتعلق بأقوال العلماء فی کثیر من المسائل الخاصة بموضوع البحث ، إذ لا بد حین الحدیث عن التعامل بالمال الحرام، أن نفرق بین أمور ثلاثة هی:ـ
الأول: وقوع الملک، بمعنى مدى امتلاک حائز المال الحرام له أیًا کان مصدره.
الثانی: حل الانتفاع من حائز هذا المال به.
الثالث: هو حکم العقد أو المعاملة التی تجرى بهذا المال المکتسب من حرام.
والذی یُظهر الفرق بین هذه الأمور الثلاثة هو مدارسة أقوال الفقهاء من خلال المسائل الفقهیة التی عرضوا لها بهذا الخصوص، وما یتبع ذلک من تحلیل لأقوالهم، وفیما یلی عرض لهذه الدراسة لتوضیح الفرق بین الملک وبین حل الانتفاع وحکم العقد، وسأبدأ أولًا ببیان حکم الملک، ثم بیان حکم الحل، ثم بیان حکم العقد فی مطالب ثلاثة .
المطلب الأول
وقوع الملک، أو مدى امتلاک حائز المال الحرام له
أما عن ملک هذا المال، فإن المنطوق والمفهوم من أقوال الفقهاء یفید أن الحکم یختلف حسب مصدر الکسب الحرام، وهو فی ذلک على قسمین:ـ ([26])
الأول: أموال أخذت بغیر إذن مالکها ولا إباحة من الشارع الحکیم؛ کالأموال المأخوذة ظلمًا عن طریق السرقة، أو الخیانة، أو الغصب.
الثانی: أموال أخذت بإذن صاحبها لکن بدون إباحة من الشارع الحکیم، وهذه کالتعامل بالربا، والغش، والرشوة، والمیسر، والاتجار فی المحرمات، وامتهان المنکرات، والمال المدفوع ثمنًا للمعاصی ونحو ذلک.
أما القسم الأول: وهو ما أخذ بغیر إذن مالکه ولا إباحة من الشارع الحکیم، فقد أجمع الفقهاء على عدم امتلاک حائز هذا المال له بل ووجوب رده فإن تعذر ضمنه، ومن أقوالهم الدالة على هذا الإجماع ما یلی:
1- عند الحنفیة: جاء عند السرخسی قوله: "والحکم الأصلی الثابت بالغصب وجوب رد العین على المالک" ثم قال: " فهو الواجب الأصلی لا یصار إلى غیره إلا عند العجز عنه، فإن عجز عن ذلک بهلاکه فی یده بفعله أو بغیر فعله فعلیه ضمان المثل جبرانًا لما فوت على صاحبه"([27]) وعند ابن نجیم "وترد العین المسروقة و لو قائمة؛ لبقائها على ملک المسروق منه؛ ولذا لا یحل له الانتفاع بها"([28])
2- عند المالکیة: جاء قولهم: "یجب رد عین المغصوب فإن فات ضمن المثلی بالمثل، والمقوم بقیمته یوم الغصب"([29])، "أن من غصب عبدًا أو جارحًا أو کلبًا وما أشبه ذلک، فاصطاد به صیدًا فإن الصید یکون للمالک"([30])، وعندهم أیضًا: "إذا قطع السارق ثم وجد الشیء المسروق عنده لزمه رده إلى مالکه، لأنه باق على ملکه لم یخرج عنه بقطع سارقه"([31])
3- وعند الشافعیة: ذکر صاحب المجموع قوله: "فالمغصوب على ثلاثة أحوال، أحدها: أن یکون باقیًا، والثانی: أن یکون تالفًا، والثالث أن یکـون ناقصًا، وفى هذه الفصول التى سقناها للمصنف حالان منها، فإن کان باقیًا بحاله ارتجعه المالک منه"([32])، وعنده أیضًا "وإذا قبض البدل ملکه؛ لأنه بدل ماله فملکه کبدل التالف"، ثم قال: "فإن رجع المغصوب وجب رده على المالک"([33])، وجاء عند الخطیب الشربینی "وعلى الغاصب الرد للمغصوب على الفور عند التمکن وإن عظمت المؤنة فی رده"([34])
4- وعند الحنابلة: قال صاحب المغنی: "وإذا غصب أرضًا، فحکمها فی جواز دخول غیره إلیها حکمها قبل الغصب. فإن کانت محوطة، کالدار والبستان المحوط، لم یجز لغیر مالکها دخولها؛ لأن ملک مالکها لم یزل عنها، فلم یجز دخولها بغیر إذنه، کما لو کانت فی یده".([35]) وفی عمدة الفقه جاء قوله عن السارق: "وإذا قطع فعلیه رد المسروق إن کان باقیًا أو قیمته إن کان تالفًا".([36])، وجاء عند ابن قدامة أیضًا: "لا یختلف أهل العلم فی وجوب رد العین المسروقة على مالکها إذا کانت باقیة، فأما إن کانت تالفة، فعلى السارق رد قیمتها، أو مثلها إن کانت مثلیة". ([37])
ففی هذه النماذج من أقوال الفقهاء دلالة واضحة على عدم امتلاک هذا المال للآخذ بل ویجب رده إلى مالکه الأصلی.
أما القسم الثانی: وهی الأموال التی أخذت بإذن صاحبها، لکن بدون إباحة من الشارع الحکیم؛ کالمال المکتسب بالربا، والغش، والرشوة، والمیسر، والاتجار فی المحرمات، وامتهان المنکرات، والمال المدفوع ثمنًا للمعاصی، ونحو ذلک.
وهذه الأموال لم أقف على رأی فقهی صریح یظهر حکم ملکیتها لمکتسبها؛ لذلک قمت بتحلیل وتتبع لآراء الفقهاء فی بعض المسائل الفقهیة التی ترشد للوصول إلى حکم هذه المسألة، وبعد البحث والدراسة لعدد من هذه المسائل تبین أنه للوصول إلى رأی فی المسألة لا بد من التفریق بین نوعین من أنواع المال الحرام عند مکتسب هذا المال، الأول: ما کان حرامًا لعینه؛ کالخمر والخنزیر، وأیضًا ما لا تستخدم عینه إلا فی الحرام غالبًا؛ کآلات اللهو والرقص وغیرها([38])، والآخر: ما لم یکن حرامًا لعینه وإنما سبب حرمته مصدر کسبه؛ بأن کان نتاجًا لتعاملات محرمة نتج عنها اکتساب هذه الأموال؛ من عقارات وبهیمة أنعام، وسائر الأموال والنقود التی لا تستخدم عینها –خصیصًا- فی الحرام.
أما النوع الأول: فإنه یختلف حکم الملکیة فیه حسب دِینِ مکتسب هذه الأموال، وبیان ذلک کالتالی:
أولًا: إن کانت هذه الأشیاء المحرمة لعینها لغیر مسلم فهی على ملکه([39])، فقد جاء عند الزیلعی قوله: "فإن عقدهم على الخمر کعقد المسلم على العصیر، وعقدهم على الخنزیر کعقد المسلم على الشاة؛ لأنها أموال فی اعتقادهم، ونحن أمرنا بأن نترکهم وما یعتقدون"([40])، وعند القرافی: "إذا غصب خمر الذمی فأتلفها فعلیه قیمتها یقومها من یعرف القیمة من المسلمین"([41])، وجاء عند القزوینی: " ولا تراق خمر أهل الذمة إلاَّ إذا تظاهروا بشربها أو بیعها, ولو غصبت منهم، والعین باقیة وجب ردها"([42])، وقال ابن قدامة: "وإن غصب من ذمی خمرا، لزمه ردها؛ لأنه یقر على شربها". ([43])
وهذه النقول إنما تدل بمفهومها على ملکیة الذمی للخمر؛ إذ لا یرد الشیء إذا غُصب إلا إلى مالکه، ولا یقر على استخدامه واستهلاکه بالشرب وغیره إلا إذا ملکه.
وأضیف إلى ذلک أیضًا: هذا التحلیل الفقهی الناتج عن خلاف العلماء فی حکم ضمان المال الحرام لعینه:
الرأی الأول: ذهب الحنفیة والمالکیة([44]) إلى أنه إذا غُصِب خمرٌ لمسلم أو خنزیرٌ له فهلک فی یده أنه لا یضمن، سواء کان الغاصب مسلمًا أو ذمیًا؛ لأن الخمر لیست بمال متقوم فی حق المسلم وکذا الخنزیر، فلا یضمنان بالغصب، أما لو غصب خمرًا أو خنزیرًا لذمی فهلک فی یده یضمن، سواء کان الغاصب ذمیا أو مسلمًا، غیر أن الحنفیة قالوا: إن الغاصب إن کان ذمیا فعلیه فی الخمر مثلها، وفی الخنزیر قیمته، وإن کان مسلما فعلیه القیمة فیهما جمیعًا، أما المالکیة فلم یذهبوا إلى هذا التفریق وقالوا: إنه –فقط- علیه قیمتها یقومها من یعرف القیمة من المسلمین.
وجه الاستدلال هنا من هذه المسألة: أن فقه المذهبین یقول: بلزوم الضمان لهذا المال المکتسب من حرام حال إتلافه على صاحبه الذمی، ولا ضمان لغیر مالک.
لکن قد یعترض على هذا الاستدلال: بأن فقهاء المذهبین لم یقولا بضمان هذا المال للمسلم، وعدم الضمان یعنی عدم الملک.
والجواب على ذلک: بأن ذلک لیس مرجعه إلى إشکال فی الملک، وإنما لإشکال فی الشیء المملوک؛ لأنه لیس مالًا متقومًا عندنا نحن المسلمین، فالواجب إتلافه على المسلم([45])؛ لأن ملکه لهذا النوع من المال غیر محترم شرعًا.
الرأی الثانی: ذهب الشافعیة والحنابلة([46]) إلى أن إتلاف هذا النوع من الکسب على صاحبه لا ضمان فیه سواء کان لمسلم أم لذمی، إلا أنهم قالوا: بلزوم ردها إن کان هذا النوع من المال الحرام لذمی، أما إن غصبها من مسلم ففیه وجهان عند الشافعیة: أحدهما: یلزمه ردها علیه؛ لأنه یجوز أن یطفئ بها نارًا، أو یبل بها طینًا فوجب ردها علیه، والثانی: لا یلزمه وهو الصحیح عندهم، لکن الحنابلة لم یقولوا بردها علیه وإنما تتلف علیه.
وجه الاستدلال هنا من هذه المسألة: أن کلا المذهبین قال: بلزوم رد هذا المال إلى صاحبه الذمی ولا یرد المال لزومًا إلا إلى مالکه، فهذا یدل على تحقق الملک للذمی فی هذا المال.
ثانیًا: أما إن کانت هذه الأشیاء المحرمة لعینها، لمسلم فهو یمتلکها، لکن ملکه لها غیر محترم([47])؛ لأن تملک هذه الأشیاء معصیة([48])، لا یقره الشرع على ملکه لها، ولا یتمتع بالحمایة لهذا الملک، ولا یتمتع بسائر حقوق الملک المعهودة والتی من أهمها حق الانتفاع.
أما عن عدم احترام هذا الملک؛ فذلک نظرًا لحرمة هذه الأشیاء، والنهی عنها فی الإسلام بنصوص من الکتاب والسنة غیر خافیة.
وأما الدلیل على أن صاحب هذه الأشیاء لا یتمتع بحقوق الملکیة([49]) نماذج من أقوال الفقهاء أعرض لها فیما یلی:
جاء عن السرخسی: "ومن أهرق خمر مسلم، فلا ضمان علیه؛ لأن الخمر لیس بمال متقوم فی حق المسلم، وإتلاف ما لیس بمال متقوم لا یوجب الضمان کإتلاف المیتة"([50])، وفی المدونة جاء : إن "مالکا قال لی فی الرجل المسلم یبیع خمرًا، قال مالک: لا أرى أن یعطى من ثمنها قلیلا ولا کثیرا، فالکراء عندی بهذه المنزلة لا أرى أن یعطى من الإجارة قلیلًا ولا کثیرًا"([51])، وفی منح الجلیل جاء قوله: "لأنها لیست مالا وتجب إراقتها"([52])، وعند ابن قدامة قال: "وأما آلة اللهو کالطنبور، والمزمار، والشبابة، فلا قطع فیه، وإن بلغت قیمته مفصلًا نصابًا"، ثم قال معللًا: "لأنه آلة للمعصیة بالإجماع"([53])، وعنده أیضًا "وما حرم بیعه لا لحرمته، لم تجب قیمته، کالمیتة".([54])
فمن هذه النصوص یظهر واضحًا، عدم احترام ملکیة هذه الأشیاء لمن حازها من المسلمین؛ لأنها أشیاء لا یکفل الشارع حمایتها ولا یُقومها حال إتلافها ولا یُضَمِّنُ مغتصبها ولا یلزمه ردها، بل ویطالب بإتلافها ممن حصلها أو حصل علیها، ولا یمکن صاحبها من الانتفاع بها فیما تستخدم له.
أما من حیث تملک المسلم لها([55]) فهو تملک معصیة([56]) لمال غیر متقوم:([57]) یتحمل الحائز المسلم لها المسؤولیة والتبعة عنها، بسبب حیازته لها؛ لأنه مطالب بإتلاف عینها، فإذا لم یفعل عد ذاک تهمة، تستلزم العقوبة.
أما النوع الآخر: وهو ما لم یکن حرامًا لعینه -وإنما حرمته جاءت من کسبه- بأن کان نتاجًا لتعاملات محرمة نتج عنها اکتساب هذه الأموال؛ من العقارات وبهیمة الأنعام، یضاف إلى ذلک أیضًا سائر الأموال التی اکتسبت من حرام ولا تستخدم عینها -خصیصًا- فی الحرام، کما یضاف إلى ذلک أیضًا النقود، فإن صاحب هذا المال یمتلکه ویتمتع بحقوق الملک فیه إلا حل الانتفاع بهذه الأموال؛ لما سیأتی فی حینه([58]) والدلیل على ذلک ما یلی:
1- إن فقهاء المذاهب الفقهیة جمیعًا لم یشترطوا لعقوبة السارق أن یکون المال المسروق من حلال([59])، فهذا دلیل حمایة هذا المال وصونه من السرقة، کذا من غُصِب منه هذا المال، فإن له أن یسترجعه ویسترده من غاصبه، کما أن هذا المال یورث عن صاحبه([60])، وتعاملاته به مع غیره نص الفقهاء على صحتها([61])، وعلیه فإن من تعامل بهذا النوع من المال الحرام شراء أو إجارة أو غیر ذلک، فإنه یتملک السلعة المشتراة به، کما أنه یتملک المنفعة المستأجرة، لکن هذا التملیک لا یغیر وصف الحرمة للشیء المتملک بهذا المال الحرام -عینًا کان أو منفعة- فهو على الحرمة باعتبار ما تملکه به وهو المال الحرام، فهو یمتلکه کما یمتلک المال الحرام.
2- ما ورد من أقوال للفقهاء یفید وقوع الملک لصاحب هذا المال، مع عدم حِلِّه له، ومن ذلک ما یلی: قول السرخسی: "والغاصب إذا أجر المغصوب فالأجر له، ولکن یتصدق به؛ لأنه حصل له بکسب خبیث"([62])، وقوله أیضًا: "وإن کان هو الذی أجرها فما أخذ من الغلة یکون مملوکا له؛ لأنه وجب بعده، ولکن لا یطیب له؛ لأنه حصل له بکسب خبیث"([63])، وقال ابن نجیم: "وأما المعصیة نحو أن یستأجر نائحة أو مغنیة أو لتعلیم الغناء، وفی فتاوى أهل سمرقند استأجر رجلا لینحت له مزمارًا أو طنبورا([64]) أو بربطا([65]) ففعل یطیب له الأجر إلا أنه یأثم فی الإعانة على المعصیة"([66])، وعند ابن شاس المالکی قال:"من اشترى سلعة حلالًا بمال حرام، والثمن عین، فقال أصحابنا وابن سحنون وابن حبیب: إنه لا بأس أن تشتری منه علم صاحبه بخبث الثمن أم لا"، وهذا یدل على تملکها له، إذ کیف تشترى منه وهو لا یملکها؟([67])، وقال ابن القیم وهو یتحدث عن رد الأجر الحرام إلى المستأجر: "ولکن لا یطیب للقابض أکله، بل هو خبیث کما حکم علیه رسول الله -صلى الله علیه وسلم- ولکن خبثه لخبث مکسبه، لا لظلم من أخذ منه"([68])
3- إن هذا المال لو لم یملکه مکتسبه للزم رده إلى المتعامل معه به، وهذا خطره عظیم، یقول ابن القیم رحمه الله:([69]) "وإن کان المقبوض برضى الدافع وقد استوفى عوضه المحرم، کمن عاوض على خمر أو خنزیر، أو على زنى أو فاحشة، فهذا لا یجب رد العوض على الدافع؛ لأنه أخرجه باختیاره، واستوفى عوضه المحرم، فلا یجوز أن یجمع له بین العوض والمعوض، فإن فی ذلک إعانة له على الإثم والعدوان، وتیسیر أصحاب المعاصی علیه".
إیرادات محتملة:
قد ترد بعض الإیرادات، أو تساق بعض الاعتراضات المحتملة على ما سبق ذکره فی هذا المطلب، وعلیه سأقوم -بتوفیق الله تعالى- بذکر بعض هذه الاعتراضات والرد علیها:
أ- قد یقال: إن فقهاء المذهبین قالوا: برد هذا المال إذا تم غصبه إلى مالکه الذمی، لکنهم قالوا أیضًا: إن ذات المال لا یرد إلى مالکه المسلم أیضًا إذا تم غصبه، فما وجه الفرق؟
والجواب: یکون بما أجبت به سابقًا أن عدم الرد لهذا المال للمسلم کان لإشکال فی الشیء المملوک؛ لأنه لیس مالًا متقومًا عندنا نحن المسلمین؛ لأنه حرام شرعًا، فمن أتلفه أتلف ما لا قیمة له، ولا إلزام برد لشیء لا قیمة له؛ لعـدم الفائدة من رده؛ لأن الرد یکون لانتفاع صاحبه به، وصاحبه المسلم یَحْرُمَ علیه هذا الانتفاع فلم یجب الرد إلیه، ولیس هذا فحسب بل إن تملکه لها معصیة ـ أیضًا ـ یلاحظ أن الفقهاء هنا تکلموا فیما یلزم فعله على الغاصب، وهذا یثبت الملک لصاحب هذا المال غیر المسلم، لکنهم فی نفس الوقت ما تحدثوا فیما هو اختیاری من الغاصب، وهذا لا ینفی الملک عن هذا النوع من المال للمسلم، بمعنى أنه ماذا لو قام الغاصب برد هذا النوع من المال إلى صاحبه؟ بل إن وجهًا عند الشافعیة ـ کما ذکر من قبل ـ([70]) یقول: بلزوم الرد على المسلم ـ أیضًا ـ لمعنى عندهم.([71])
ب- قد یرد ما یلی: إن فقهاء الشافعیة والحنابلة قالوا:([72]) بعدم ضمان هذا المال حتى للذمی، وأجیب عن هذا الإیراد: بأن هؤلاء الفقهاء أنفسهم قالوا: برد هذا المال حال قیامه لصاحبه -کما ظهر ذلک من قبل- وهذا أقوى فی ثبوت الملکیة من القول بالضمان؛ لأن الإلزام برد الشیء إلى إنسان لا یکون إلا لملکه له، لکن عدم الضمان قد تتعدد أسبابه، والتی منها کون هذا الشیء فی الإسلام حرامًا، أو لعدم قیمته عندنا، أو غیر ذلک.
ج- قد یناقش ما ذکر من أدلة بأنها ما تناولت من النوع الأول إلا الخمر والخنزیر، فما دلیل حکم ملکیة ما لا تستخدم عینه إلا فی الحرام؛ کآلات اللهو والرقص وغیرها؟
والجواب: أن کلام الفقهاء على الخمر والخنزیر یشمل بعمومه هذا النوع من الأموال ـ أیضًا ـ وذلک لأن حرمة اقتناء واکتساب الخمر والخنزیر أشد وأقوى من حرمة اقتناء هذه الأشیاء ؛ لأن الخمر والخنزیر حرمتهما لعینهما، أما هذه الأشیاء فحرمتها لغیرها، وما شمل الأعلى یشمل الأدنى بعمومه، والأضعف یدخل تحت الأقوى فی الحکم.
د- أیضًا قد یناقش هذا الکلام ویعترض على الاستدلال به بما جاء عن الفقهاء فی مسألة قطع ید السارق لهذا النوع من المال، فقد أجمع الفقهاء([73]) على عدم قطع ید السارق بسرقته لهذا النوع من الأموال سواء ما کان حرامًا لعینه؛ کالخمر والخنزیر، أو کان مما لا تستخدم عینه إلا فی الحرام؛ کآلات اللهو والرقص وغیرها.
والجواب على ذلک من وجهین:
1- أن عدم القطع هنا لید السارق لیس معناه أن هذه الأموال بلا مالک، وإنما عدم القطع یرجع لمعنى فی ذات العین المسروقة وحقیقیة مالیتها وقیمتها شرعًا، ولیس لأمر یرجع لحقیقة الملک ذاته.
2- لیس معنى عدم القطع عدم العقوبة مطلقًا، فقد یعاقب السارق بعقوبة یراها ولی الأمر أو القاضی؛ ودلیل ذلک: ما جاء عن فقهاء المالکیة من قولهم:([74]) "قال مالک: "ومن سرق من ذمی خمرًا أو خنزیرًا، لم یقطع ویعاقب ویغرم قیمة ذلک" فهنا نص على العقوبة بقوله: "ویعاقب".
ه- أیضًا قد یرد هذا الإیراد: فیقال: إن النوع الثانی من الأموال المحرمة وهی التی حرمتها لکسبها الأعواض قبضت فیها بعقد فاسد، وقد جاء عن بعض الفقهاء أن المقبوض بعقد فاسد لا یملک به ولا ینفذ تصرف فیه.([75]) والجواب على هذا الإیراد من وجوه:
الوجه الأول: کلام ابن تیمیة([76]) -رحمه الله: حیث قال: "من یقول: المقبوض بالعقد الفاسد لا یملک کما هو المعروف من مذهب الشافعی وأحمد، فأما إذا تلف المقبوض عند القابض، فإنه لا یستحق استرجاع عوضه مطلقا، وحینئذ فیقال: وإن کان ظاهر القیاس یوجب ردها بناء على أنها مقبوضة بعقد فاسد، فإن الزانی ومستمع الغناء والنوح قد بذلوا هذا المال عن طیب نفوسهم، واستوفوا العوض المحرم، والتحریم الذی فیه لیس لحقهم، وإنما هو لحق الله تعالى، وقد فاتت هذه المنفعة بالقبض، والأصول تقتضی: أنه إذا رد أحد العوضین یرد الآخر، فإذا تعذر على المستأجر رد المنفعة لم یرد علیه المال، وأیضا، فإن هذا الذی استوفیت منفعته علیه ضرر فی أخذ منفعته وعوضها جمیعا منه ".
الوجه الثانی: أن العقد الفاسد مقتضاه أو الواجب فیه رد العوضین إلى کلا المتعاقدین ولو قلنا بذلک أی برد العوضین الفاسدین للمتعاقدین لکان فی ذلک إقرار بملکیتهما لهما أیضًا، یضاف إلى ذلک أن هناک من هذه العقود مالا یمکن فیه الرد للعوض کأجرة الزنى مثلًا.
الوجه الثالث: العقد الفاسد بسبب القبض الفاسد من جهة واحدة، یختلف عن فساد العقد لفساد البدل من جهتیه، والکسب الحرام الفساد فیه غالبًا ما یکون فی جانبیه العوض والمعوض عنه.
الوجه الرابع: إن وصف هذا النوع من الکسب الباطل من الجانبین بأنه تم قبض العوضین فیه بعقد فاسد توصیف فیه ترقیة لهذا النوع المحرم من التعاملات، فهذه المعاملات تمت على خلاف الشرع بتحدٍ من طرفیها لقانون الحلال والحرام فیها أو على الأقل أنهم غیر مبالین به، لذلک فهی لا ترقى إلى القول بأنها تمت بعقد حتى مع وصف هذا العقد بالفاسد، وإنما تمت بمعاملة ظلامیة على أمر غیر مشروع بتراضٍ من طرفیها غیر مبالین بأی رضائیة من أحکام شرعیة ولا حتى مبادئ عرفیة، وإنما قانونها فقط هو قانون طرفیها الذی یحمل خبث الطویة وسوء النیة منهما، وعلیه ففعلهما لا یخضع لأحکام الشرع ولا حتى توصیفاته فمن خلالهما تکفل الحمایة للتعاملات وتصان الحقوق المشروعة حتى وإن اختل جانب فیها فتم على غیر المراد شرعًا، لکن الشرع یوفر الحمایة للجانب الآخر بمظلته فی حفظ الحقوق والتعاملات.
وفی النهایة أشیر إلى أمرین یثبتان الملکیة لصاحب هذا المال:
الأول: هو أننا لو لم نسند ملکیة هذه الأشیاء المحرمة لصاحبها لما أمکن محاسبته علیها أو تعزیره بشأنها، إذ کیف نحاسب أو نعاقب غیر مالک على مالا یملک، کما أن حیازتها لیست کافیة لتعزیره أو محاسبته بشأنها لتعدد وجوه وأسباب الحیازة.([77])
والآخر: أشار بعضهم قدیما وحدیثًا إلى جواز قبول الهدیة وأخذ المیراث([78]) وهذا لا یکون إلا بعد امتلاک ثم انتقال لهذا الملک بالهبة أو المیراث، إذ لا بد وأن یکون الشیء قد وقع على ملک صاحبه أولا، یضاف لذلک أن مالکی هذه الأموال –التی لیست حرامًا لعینها- یتعاملون بها فی الأسواق من بیع وشراء وسائر التعاملات، وما نازع أحد فی امتلاکهم لها.
و- وأخیرًا قد یرد هنا سؤال مفاده: ما الفائدة من هذا التحلیل الفقهی، ومعرفة حکم ملکیة هذا النوع من الأموال المحرمة شرعًا بتقسیمها السابق ذکره؟
والجواب: یتلخص فی أن الحکم بالملکیة أو عدمها یترتب علیه آثار کبیرة، بل وأحکام خطیرة، مع ملاحظة أنه لا بد من الإشارة إلى أن الحکم بالملکیة فی الشریعة الإسلامیة لا یکفی لإعطاء صاحب المال حقوق ملکیته کاملة، إذ لا بد لذلک من أحد أمرین، الأول: أن تتمتع هذه الملکیة بالاحترام شرعًا، فإن لم یتوفر للشیء المملوک هذا الاحترام، فإن صاحبه لا یتمکن من أهم حقوق الملکیة وهو حل الانتفاع، والأمر الآخر وهو: أن یتوافر الإذن الشرعی بذلک؛ کترک أهل الکفر وما یدینون([79]) أو لعدم مخاطبتهم بالتکلیف([80]) مع التزامهم العهود والمواثیق التی تکفل لهم حقوق الملکیة کاملة، حتى وإن کانت هذه الملکیة لا تتمتع بالاحترام الشرعی عندنا([81])؛ لذا فإن الاستمتاع بحقوق الملکیة یستتبع الإجابة عن السؤالین التالیین: ما مدى تمتع هذا الملک بالاحترام شرعا؟ فإذا کان الملک لا یتمتع بذلک، فهنا یسأل عن الإذن الشرعی الذی یسمح لهذا التملک بحقوق الملکیة، وما ضمانات ذلک، من عهود ومواثیق کالتی تبرم مع أهل الذمة للتمتع بهذا الإذن الشرعی؟
وعلیه فمن آثار القول بالملک لهذه الأموال التی تتمتع بالاحترام شرعًا أنها تتمتع بحقوق الملکیة کاملة، ومن أهمها: صیانة هذا المال وحفظه لمالکه، فتنطبق علیه الأحکام التی تنطبق على سائر الأموال ـ أیضًا ـ فإن صاحبه یجوز له الانتفاع به واستخدامه ، أما الأموال غیر المحترمة شرعًا فإن صاحبها لا یتمتع بحقوق الملکیة من الحمایة والحفظ وعدم التعرض لها، بل إن الإسلام أمر صاحبها بإتلافها، وإذا أتلفها أحد من الناس لا یضمنها، وإذا سرقها أحد لا یقطع بها، وإذا غصبها لا یؤمر بردها على المسلم، یضاف إلى ذلک أیضًا أن صاحب هذه الأموال یحاسب علیها وعلى ملکیته لها بما هو من تبعات حق الملکیة الثابت على المال، فهو بامتلاکه هذه الأموال یکون علیه غرمها ولا یستفید من غنمها([82]) ـ أیضًا ـ من الأحکام الخطیرة التی قد تترتب على القول بعدم الملکیة استباحة أموال أهل الذمة -فی جانب منها- بحجة عدم ملکهم لها.
المطلب الثانی
حکم انتفاع حائز المال الحرام به
توطئة:
فی هذا المطلب یأتی الحدیث عن فرعین، الأول: الانتفاع بأصل المال، والثانی: الانتفاع بربح المال الحرام.
الفرع الأول
الانتفاع بأصل المال
الأصل أن المال الحرام أیًا کان مصدره أو نوعه لا یصح الانتفاع به من مکتسبه؛ إذا کان یعلم خبث مصدره وحرمته شرعًا؛ وذلک لما یلی:
1- ورود النصوص الصحیحة الصریحة بتحریم أکل الحرام أو التعامل به وخطورة ذلک على دین المرء، فمما ذم الله به الیهود أکلهم السحت، قال تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْکَذِبِ أَکَّالُونَ لِلسُّحْتِ)([83])، کذا أخذهم الربا وأکلهم أموال الناس بالباطل، قال سبحانه: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَکْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْکَافِرِینَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِیمًا)([84])، ومن هذه النصوص أیضًا ما أخرجه البخاری فی صحیحه من حدیث أبی هریرة أن النبی -صلى الله علیه وسلم- قال: «لیأتین على الناس زمان، لا یبالی المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام»([85])، ومما جاء من عظیم الخطر فی ذلک ما أخرجه مسلم فی صحیحه من حدیث أبی هریرة أن رسول الله -صلى الله علیه وسلم-" ذکر الرجل یطیل السفر أشعث أغبر، یمد یدیه إلى السماء، یا رب، یا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذی بالحرام، فأنى یستجاب لذلک؟"([86])
2- نصوص الفقهاء الصریحة الواردة فی عدد من أبواب الفقه بذلک، ومما ذکره الفقهاء من أحکام تخص حرمة استفادة مکتسب المال الحرام به النماذج التالیة: جاء عن السرخسی قوله: "فلو کان الاکتساب حرامًا لکان المال الحاصل به حرام التناول؛ لأن ما یتطرق إلیه بارتکاب الحرام یکون حراما"([87])، وقال المرغینانی: "والانتفاع بالمحرم حرام"([88])، وفی حاشیة العدوی جاء قوله: "ولا یحل لک أن تلبس إلا طیبًا، أی حلالًا ولا یحل لک أن ترکب شیئًا من الدواب إلا طیبًا، أی حلالًا فرکوب الدابة المغصوبة أو المشتراة بمال حرام حرام، ولا یحل لک أن تسکن إلا طیبًا فلا یجوز لک سکنى ما اشتری بمال حرام، ثم أشار إلى ضابط ذلک بقوله: وتستعمل سائر ما تنتفع به طیبًا، أی حلالا"([89])، وعند الشافعی قوله: "ولا نحرم حرامًا بینًا إلا أن یشتری الرجل حرامًا یعرفه، أو بثمن حرام یعرفه وسواء فی هذا المسلم والذمی والحربی، الحرام کله حرام"([90])، ویقول ابن القیم: "ولکن لا یطیب للقابض أکله، بل هو خبیث کما حکم علیه رسول الله صلى الله علیه وسلم، ولکن خبثه لخبث مکسبه، لا لظلم من أخذ منه". ([91])
فمن خلال هذه النماذج من أقوال الفقهاء یظهر واضحًا أنه لا یجوز لمکتسب الحرام الانتفاع به، لکن کثیرًا ما یُحْدِث مکتسبی المال الحرام توبة صادقة، فهل للتوبة أثر فی انتفاع صاحب المال الحرام به أم لا؟ والحقیقة أن ما یثیر هذا الطرح ویقوی النظر إلیه ویزید من أهمیته ما نشاهده أحیانًا فی الواقع المعاصر من أن بعض مکتسبی المال الحرام سواء کان ذلک من مهن غیر مشروعة فی الإسلام؛ کالراقصات وغیرهن ممن یعملن أعمالًا منافیة للدین والعرف والخلق الفاضل، أو کان من تجارة محرمة وغیر جائزة؛ کتجارة المخدرات أو بائعی المسکرات، قد یحدثون توبة، وهنا یأتی السؤال عن حکم ما اکتسب هؤلاء من هذه الأعمال غیر الجائزة شرعًا، خاصة وأن أغلب هؤلاء الناس لا یکونون قادرین على ترک هذا المال الحرام؛ لعدم احترافهم لعمل شریف آخر یسدون به حاجاتهم، فیقعوا فی دائرة العوز لهذا المال؛ للعیش به حیاة کریمة، وغنیتهم عن ترک سؤال الناس، وما فی ذلک من تعرضهم لذل السؤال وربما لانتهاز البعض لعوزهم فی هذه الحالات فیعرض علیهم ما هو أسوأ مما کانوا فیه، فإذا ما وجد هذا الإنسان نفسه مهددًا بالتشرد أو التسول ربما منعه ذلک من التوبة أو عطلها أو حتى أخرها، هنا یأتی السؤال الذی یفرض نفسه وهو: هل للتوبة أثر فی انتفاع صاحب المال الحرام به أم لا؟ أو ببیان آخر: إذا کانت التوبة الصادقة لها أثرها الذی لا ینکر فی التطهیر من الذنوب، فهل هذا الأثر یطال تطهیر المال؟ فیتاح لمکتسبه التائب استخدام هذا المال بعد التوبة، لسد حاجاته أو للحفاظ على ماء وجهه من ذل المسألة، وقبل أن أشرع فی بیان ما ورد عن الفقهاء فی المسألة أبدأ بالتحلیل التالی لفقه المسألة، حتى یتبین الخیط الأبیض من الخیط الأسود فی صورها المختلفة والمتوقعة؛ لیعم الحکم جمیع الصور ویظهر المراد، وعلیه فالأموال المکتسبة من حرام بعد توبة مکتسبها ینظر فیها إلى ما یلی:
1- مدى تعلق حقوق الآخرین بهذا المال.
2- نوع المال المکتسب هل هو حرام لعینه([92]) أم لکسبه؟ .
3- مدى علم وجهل مکتسب هذا المال بالحرمة حین الاکتساب.
4- ما تم إنفاقه من هذا المال، وما هو باقٍ أو موجود عند مکتسبه.
ولا أدری بأی الترتیب أبدأ فی تناول هذه الصور، لکن مما لا خلاف علیه بین العلماء وما نص علیه الفقهاء([93]) أن کل مال فیه حق للآخرین فلا یجوز لآخذ هذا المال أن یبقیه عنده حتى وإن تاب، إذ لا بد أن یرده إلى أصحاب الحقوق فیه، أو یتحلل منهم، وعلى هذا فکل مال مسروق أو مغصوب أو مأخوذ ظلمًا وغدرًا أو أخذ بغیر رضى صاحبه، تظل حقوق أصحابه متعلقة به بعد التوبة، ولا تبرأ الذمة إلا بعد رده لهم.
وأما عن نوع المال المکتسب، هل هو حرام لعینه أم لکسبه؟ فما کان من هذا المال حرامًا لعینه؛ کالخمر والخنزیر، فإنه یجب إتلافه، ولا یجوز لصاحبه استخدامه أو الانتفاع به، للنهی عنه بالنصوص القطعیة الصریحة.
أما عن علم وجهل مکتسب هذا المال بالحرمة، فالتوبة مؤثرة فی حل هذا المال لصاحبه إذا کان عن جهل منه بالحرمة، فمن اکتسب مالًا حرامًا بمعاملة محرمة؛ لجهله بتحریم هذه المعاملة، ثم تاب عنها، فإنه لا یکلف بشیء، لقول الله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ). ([94])
قال ابن تیمیة: "وأما الذی لا ریب فیه عندنا فهو: ما قبضه بتأویل أو جهل ، فهنا له ما سلف بلا ریب، کما دل علیه الکتاب والسنة والاعتبار". ([95])
بقی بعد هذا التحلیل: بیان حکم المال الحرام بعد التوبة إذا لم یکن للآخرین فیه حق، ولم یکن حرامًا لعینه، واکتسبه صاحبه عالمًا بالتحریم، فهل له أن ینتفع به أم لا؟ هنا نفرق بین ما تم إنفاقه من هذا المال وما هو باقٍ أو موجود عند مکتسبه، فما أنفق من هذا المال قبل التوبة، فالتوبة تجب ما قبلها([96])، لکن یظل الإشکال عالقًا بما تبقى عنده من أموال بعد التوبة، وفی هذا جاءت أقوال الفقهاء کما یلی:
أولًا: قال جمهور العلماء([97]) إن علیه أن یتصدق بهذا المال المکتسب بعد التوبة([98])، وأضاف الحنفیة، أنه لو صرفه فی حاجة نفسه جاز إن کان فقیرًا([99])، وهو ما ذکره النووی ورجحه([100]) نقلًا عن أبی حامد الغزالی([101]).
وقال به ابن تیمیة فی وجه([102])، ووافقه ابن القیم فی زاد المعاد([103])، واستدلوا على ذلک بما یلی:
أ- من السنة:
1- بما أخرجه مسلم فی صحیحه من حدیث رافع بن خدیج، عن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: "ثمن الکلب خبیث، ومهر البغی خبیث، وکسب الحجام خبیث"([104])، ولا یلزم من الحکم بخبثه وجوب رده على الدافع، فإن النبی صلى الله علیه وسلم حکم بخبث کسب الحجام، ولا یجب رده على دافعه، وتمام التوبة بالصدقة به. ([105])
2- بما أخرجه ابن أبی شیبة فی مصنفه من حدیث الزُّهْرِیِّ، عَنْ رَجُلٍ، یُصِیبُ الْمَالَ الْحَرَامَ، قَالَ: "إِنْ سَرَّهُ أَنْ یَتَبَرَّأَ مِنْهُ فَلْیَخْرُجْ مِنْهُ"([106])
ب- بما فی الأثر عن مالک بن دینار؛ قال: سألت عطاء بی أبی رباح عمن عنده مالٌ حرام، ولا یعرف أربابه، ویریدُ الخروج منه؟ قال: یتصدق به، ولا أقول: إن ذلک یجزئ عنه، قال مالک: کان هذا القول من عطاء أحب الی من وزنه ذهبًا.([107])
ج- قالوا: إن هذا الربح حصل له بکسب خبیث، وکل ما کان وصفه کذلک کان سبیله التصدق به([108])
د- أن أمر هذا المال المکتسب من حرام والمقبوض برضى دافعه قد استوفى صاحبه عوضه المحرم، وعلیه فلا یرد هذا العوض له؛ لأنه أخرجه باختیاره، ، وذلک حتى لا یجمع له بین العوض والمعوض، فإن فی ذلک إعانة له على الإثم والعدوان، وتیسیر لأصحاب المعاصی علیها، فهذا مما تصان الشریعة عن الإتیان به، ولا یسوغ القول به، وقبح هذا مستقر فی فطر جمیع العقلاء، فلا تأتی به شریعة، ولکن فی نفس الوقت لا یطیب للقابض أکله، بل هو خبیث، ولکن خبثه لخبث مکسبه، لا لظلم من أخذ منه، فطریق التخلص منه، وتمام التوبة بالصدقة به. ([109])
ه- استشهد من قال بجواز أن التائب عن الکسب الحرام له أن یتصدق به على نفسه وعیاله إذا کان فقیرًا؛ بأنه وعیاله إذا کانوا فقراء فالوصف موجود فیهم بل هم أولى من یتصدق علیه، لحاجتهم فلهم أن یأخذوا منه قدر الحاجة.([110])
ثانیًا: جاء عن ابن تیمیة فی هذه المسألة وجه آخر مفاده: أن التائب عن هذا النوع من الکسب الحرام له أن ینتفع به بعد التوبة، وجاء عن الشیخ کلام هام حرر فیه الأثر الکبیر للتوبة على محو العمل الباطل([111])، وفیه تساءل -رحمه الله- فقال:([112]) "هل یکون حال هذا إذا تاب وأقر بالوجوب والتحریم تصدیقًا والتزامًا، بمنزلة الکافر إذا أسلم؛ لأن التوبة تجب ما قبلها، کما أن الإسلام یجب ما قبله"؟ إلى أن أجاب -رحمه الله- بقوله:([113]) "والتوبة کالإسلام، فإن الذی قال: "الإسلام یهدم ما کان قبله" هو الذی قال: "التوبة تهدم ما کان قبلها" وذلک فی حدیث واحد"
واستدل ـ رحمه الله ـ على ذلک بالکتاب، والسنة، والمعقول، والقیاس:
أ- من الکتاب: قوله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ)([114])
وجه الدلالة من الآیة:([115]) أن نص الآیة عام فی کل من جاءه موعظة من ربه فقد جعل الله له ما سلف، ویدل على أن ذلک ثابت فی حق المسلم کما هو ثابت فی حق غیره، ما جاء بعد هذا من قوله تعالى: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِیَ مِنَ الرِّبَا إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ)([116]) فالأمر هنا بترک ما بقی، ولم یأمرهم برد ما قبضوه، فدل على أنه لهم، والتوبة تتناول المسلم العاصی ، کما تتناول غیره.
ب- من السنة: استدل ـ رحمه الله ـ قائلًا: وقد ثبت فی صحیح مسلم عن أبی ذر عن النبی -صلى الله علیه وسلم- "إن الله یبدل لعبده التائب بدل کل سیئة حسنة"([117])
ووجه الدلالة من الحدیث: ظاهر فی أثر التوبة فی التطهیر والتغییر؛ وعلیه: فیصیر ذلک القبض والعقد للکسب من هذا النوع من باب المعفو عنه، ویصیر وکأنه غیر فاعل لمحرم فإذا کانت تلک التی تاب منها صارت حسنات، فلم یبق فی حقه بعد التوبة سیئة أصلا.([118])
ج- من المعقول من وجهین:
1- إن هذا المال الذی قد أخذه بهذا النوع من الکسب الحرام قد خرج عن حکم صاحبه، وعینُه لیست محرمة، وإنما حرم لکونه استعین به على محرم، وهذا قد غُفر بالتوبة ، فیحل له مع الفقر بلا ریب، وأخذ ذلک له مع الغنى وجهٌ ، وفیه تیسیر التوبة على من کسب مثل هذه الأموال، وأن من تدبر أصول الشرع علم أنه یتلطف بالناس فی التوبة بکل طریق، وأیضًا ، فلا مفسدة فی أخذه([119]) وأصول الشریعة تفرق بین التائب وغیر التائب([120])
2- إن هذا الذی هداه الله وتاب علیه، إن أوجبنا علیه قضاء جمیع ما ترکه من الواجبات، وأمر برد جمیع ما اکتسبه من الأموال، صارت التوبة فی حقه عذابا، وکان الکفر حینئذ أحب إلیه من ذلک الإسلام، الذی کان علیه؛ فإن توبته من الکفر رحمة، وتوبته وهو مسلم عذاب، وأعرف طائفة من الصالحین من یتمنى أن یکون کافرا لیسلم فیغفر له ما قد سلف؛ لأن التوبة عنده متعذرة علیه، أو متعسرة على ما قد قیل له واعتقده من التوبة، ثم هذا منفر لأکثر أهل الفسوق عن التوبة، وهو شبیه بالمؤیس للناس من رحمة الله، ووضع الآصار ثقیلة، والأغلال عظیمة على التائبین الذین هم أحباب الله، فإن الله یحب التوابین، ویحب المتطهرین. ([121])
ه- القیاس على الکافر إذا أسلم، فإنه إذا قبض هذا العوض الحرام قبل إسلامه، فإنه یطیب له؛ لکونه قد تاب، فإذا کان أمر الکافر کذلک فإن فالمسلم أولى؛ لأن التوبة تتناول المسلم العاصی، کما تتناول الکافر.([122])
یظهر من مجمل هذه الأدلة عن شیخ الإسلام أن التائب من هذا النوع من الکسب لا یسئل عما اکتسب فیما سبق قبل توبته، ولا یؤمر بترک ما بقی منه، ولا برد ما قبضه من أموال حصلت له من هذا الباب.
الراجح: حقیقة فی هذه المسألة لا نستطیع أن نقول إن صاحب هذا النوع من الکسب -فی هذه الحالة- له أن یأخذ ماله ویستمتع به کله، کما أننا لا نستطیع أن نقول أیضًا إنه بعد التوبة علیه أن یترکه کله، فکلا الأمرین فیهما إشکال وحرج، أما إشکال الأمر الأول: فهو أننا لا نستطیع أن نقول لهذا التائب تمتع بمالک کله المکتسب من حرام، إذ لا بد من أن تقدم ما یدل على إخلاصک فی توبتک إلى الله وإن کلفک ذلک بعضًا أو جزءًا من هذا المال، إذ إن من شروط التوبة الصادقة کما ذکر العلماء قدیمًا وحدیثًا([123]) رد التبعات بتدارک ما یمکن تدارکه مما وقع التفریط فیه، وعلیه فإن توبة هذا التائب من هذا الکسب تقتضی أن یتخلص من کل ما علق به من کسب حرام وترکه؛ لأن ذلک من مقتضیات التوبة، کما أنه لیس من المعقول إغفال النظر عن أموال جمعت بلیل خولفت بها أحکام الشریعة یهنأ بها صاحبها وکأن شیئًا لم یکن، وأما الإشکال الآخر: فهو أن هذا الإنسان إن قلنا بترکه لکل کسبه الذی فی یده فربما أوقعه ذلک فی حرج شدید ومعاناة فی حیاته بعد توبته نظرًا لفقده جل أو کل ما یمتلک خاصة وأن هذا النوع من الناس غالبًا ما یکون اعتاد رغد العیش وسهولة الحیاة ولم یتعرض قبل لغصة الفقر وألم الجوع والحاجة، فربما کان هذا الأمر له مانعًا من الولوج فی هذا الباب الواسع الرحب، فإن الکافر یغفر له متقدم الذنوب ویستمتع بأمواله التی حصلها من حلال ومن حرام، فإذا أخلص العبد التوبة إلى ربه وعاد إلیه کان أیضا محتاجًا للمساعدة فکان لا بد من إیقاف هذا الإنسان التائب على طریق الجادة وعلى المنهج الصحیح السلیم بدون حرج ولا عنت ولا مشقة، وعلیه فیسمح لهذا التائب من هذا النوع من الکسب بما یوفر له حیاة کریمة، ویقیم له معاشه فی هذه الحیاة بلا إفراط أو تفریط.
الفرع الثانی
الانتفاع بالربح
توطئة :
فی البدایة أبین أن المقصود بالدراسة هنا بیان حکم الانتفاع بربح الأموال المحرمة إذا تم الاتجار بها أو التعامل بها بطرق مشروعة، أی تم توظیف هذه الأموال المحرمة فی التعاملات المباحة والمشروعة، وأثمر ذلک التعامل الربح.
ولدراسة هذا الموضوع ینبغی التفریق بین نوعین من أنواع الربح المکتسب من أموال محرمة:
الأول: الربح الذی کان نتاج أموال أخذت من أصحابها عن طریق الغصب والنهب، والسرقة، والخیانة، وبالجملة: کل مال أخذ ظلمًا من صاحبه واستثمر فی أمور مباحة؛ کأعمال المقاولات، والعمل فی المشروعات المباحة فنتج عن ذلک الربح.
الثانی: الربح الذی کان نتاج الاستثمار فی أعمال مشروعة، لکن رأس مال هذه الاستثمارات کانت أموال مکتسبة من جهة محظورة، کالقمار، والربا، ومهور البغایا، والعقود المحرمة من بیع الخمور والمسکرات، وسائر المکاسب المحرمة من هذا الجانب.
أما عن الأول: وهو الربح الذی کان نتاج أموال أخذت من أصحابها عن طریق الغصب والنهب، والسرقة، والخیانة، وکل مال أخذ من صاحبه ظلمًا، فإن للفقهاء فیه آراء أبینها فیما یلی، لکن قبل ذلک أوضح سبب الاختلاف بینهم کالتالی:
سبب الاختلاف بین الفقهاء فی هذه المسألة: أن ربح المال لم یحدث إلا عن اجتماع أمرین: المال وفعل الغاصب فی المال، فلا بد أن یستند إلى أقواهما سببًا فیه، فمن رأى أن المال هو أقوى سببًا فی حصول الربح، قال: إن الربح لرب المال، ومن رأى أن عمل الغاصب فیه أقوى سببًا فی حصول الربح، قضى بکون الربح فی المال المغصوب للغاصب.([124])
أولا: ذهب الحنفیة والشافعیة فی القدیم والحنابلة: إلى أن الربح لا یطیب لآخذ هذا المال، وعلیه أن یتصدق به، أو یرده إلى المغصوب منه([125]) واستدلوا على قولهم بما یلی:
أ- من السنة: بما أخرجه البخاری فی صحیحه من حدیث عروة بن الجعد أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ "أَعْطَاهُ دِینَارًا یَشْتَرِی لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَیْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِینَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِینَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَکَةِ فِی بَیْعِهِ، وَکَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِیهِ"([126])
وجه الدلالة من هذا الحدیث: هو أن النبی -صلى الله علیه وسلم- أخذ رأس المال والربح.([127])
ب- من المعقول من وجهین: الأول: هو أنا لو جعلنا هذا الربح للغاصب یطیب له لاتَّخَذَه الناس ذَرِیْعَةً إلى الغصب، والخیانة فی الودائع والبضاعات([128]).
الثانی: أن هذا الربح ما هو إلا مال حصل بسبب محظور وهو التصرف فی ملک الغیر بغیر إذنه، فیتمکن فیه الخبث فکان سبیله التصدق به([129])، أو رده لمالک أصل المال؛ لأنه نماء ملکه ونتیجته.([130])
ثانیًا: ذهب المالکیة والشافعیة فی الجدید:([131]) إلى أن الربح یطیب لآخذ هذا المال، إلا أن المالکیة قالوا: "لا یطیب لغاصب المال ربحه حتى یرد رأس
المال على ربه"([132])، ودلیل أصحاب هذا القول على ذلک ما یلی:
أ- من السنة: ما أخرجه أبو داود وغیره من حدیث عائشة -رضی الله عنها- أن النبی -صلى الله علیه وسلم- قال: "الخَرَاجُ بالضمَانِ"([133])
وجه الاستدلال من الحدیث: أن الغلة إنما تکون للمبتاع بالضمان، وهو هنا الآخذ للمال ظلمًا أو الغاصب له، بخلاف المالک فإنه لا یضمنها إن تلفت. ([134])
وأجیب عن ذلک: بأن مقابل هذا الضمان وقع الملک أولًا له، لکنه لا یطیب له، وعلیه أن یتصدق به؛ لأنه حصل له بکسب خبیث. ([135])
ب- من المعقول قالوا: إن کل نماء حدث عن سبب کان ملک النماء لمالک السبب، وربح المال المغصوب ناتج عن التقلب والعمل دون المال، فاقتضى أن یکون ملکًا لمن له العمل دون من له المال، وهذه هی النظریة الحدیثة المعاصرة التى تقول: بأن فائض القیمة ناتج عن عمل العامل.([136])
ثالثًا: ذهب ابن تیمیة -رحمه الله ـ إلى أن الربح بینهما([137]) واستدل على قوله بما یلی:
أ- من السنة: بما فعل الخلیفة عمر بن الخطاب لما أقرض أبو موسى الأشعری ابنیه من مال الفیء مائتی ألف درهم، وخصهما بها دون سائر المسلمین، ورأى عمر أن ذلک محاباة لهما لا تجوز، وکان المال قد ربح ربحًا کثیرًا بلغ به المال ثمانمائة ألف درهم، فأمرهما أن یدفعا المال وربحه إلى بیت المال وأنه لا شیء لهما من الربح؛ لکونهما قبضا المال بغیر حق، فقال له ابنه عبد الله: إن هذا لا یحل لک؛ فإن المال لو خسر وتلف کان ذلک من ضماننا فلماذا تجعل علینا الضمان ولا تجعل لنا الربح؟ فتوقف عمر، فقال له بعض الصحابة: نجعله مضاربة بینهم وبین المسلمین: لهما نصف الربح وللمسلمین نصف الربح فعمل عمر بذلک.([138])
وجه الاستدلال: أن هذا ما استقر علیه قضاء عمر بن الخطاب ووافقه علیه أصحاب رسول الله -صلى الله علیه وسلم- واعتمد علیه الفقهاء فی المضاربة.([139])
ب- من المعقول: أن العدل یقتضی ذلک؛ فإن النماء أو الربح حصل بمال المأخوذ منه المال ظلمًا، وعمل هذا الغاصب لهذا المال، فلا یختص أحدهما بالربح ولا تجب علیهم الصدقة بالنماء؛ فإن الحق لهما لا یعدوهما؛ بل یجعل الربح بینهما؛ کما لو کانا مشترکین شرکة مضاربة.([140])
الراجح: بعد عرض الآراء والأدلة یترجح الرأی الأول القائل بعدم طیب الربح لهذا المعتدی على أموال الآخرین، وذلک لما یلی:
1- لیس کل جهد یکافأ علیه صاحبه حتى وإن أثمر.
2- ما استدل به أصحاب الرأی الثانی من أن الخراج بالضمان قاعدة صحیحة یعمل بها، لکن ذلک یکون حین تکمل لها أرکانها وتتوافر لها شروطها والتی من أهمها المشروعیة لأصل العمل، فإن لم توجد المشروعیة لأصل العمل، فیمکن التماس العمل بهذه القاعدة حال حدوث الخطأ أو الجهل بأمر ما فی بعض التعاملات للوصول للحق والعدل، لکن أن نُعمِلها مع معتدٍ کَسر حدود المشروعیة وأصَّل لعمله هذا باعتداء ظالم متعمد، فکیف نحمیه بالتشریع وقواعده، وأی عدل یکون مع غاصب ظالم أو معتدٍ آثم فوت على صاحب السلعة المغصوبة أرباحًا کثیرة ربما حصلها لو کانت عنده السلعة فإن وراء ظلم الغصب ظلم آخر لحق صاحب الشیء المغصوب.
3- أخرج أبو داود فی سننه وغیره، من حدیث رافع بن خدیج قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله علیه وسلم -: "مَن زَرَعَ فی أرضِ قومٍ بغیرِ إذنِهم، فلیس لهُ مِن الزَّرعِ شی، ولهُ نفقتُه"([141])
والحدیث ظاهر فی نفی الربح عن هذا المتعدی على هذه الأرض بالزراعة نظرًا لعدم سماح أصحاب هذه الأرض له بالتصرف فیها بذلک، ویقاس على هذا الفعل حال کل غاصب ومتعدٍ على أموال وحقوق الآخرین إذا استثمر من ورائها الأرباح.
4- إن فقه الواقع والمعاصرة یقول بهذا الراجح؛ وذلک لانتشار صنوف من الغدرات، وألوان من الخیانات والاعتداءات التی لو فتح أمامها باب الحمایة ذاک لوجدوا لأعمالهم الظالمة سندًا من المشروعیة، وغطاء من التحایل المباح للاعتداء على أموال الآخرین والانتفاع بها بدون إذن أصحابها، وأی فقه هذا الذی یقول: بتوافر الحمایة لمجهودات هؤلاء الظلمة من الضیاع فیحفظ لهم الحق فی الربح، ولا ینظر لمن وقع علیه الاعتداء والغبن الذی لحق بالمظلوم أو المأخوذ ماله غدرًا وظلمًا وربما غاب عنه ماله طویلًا بسبب هذا الغدر فتکون بدلًا من العقوبة الرادعة والتعویض لصاحب المال مکافأة لهذا الظالم الغاصب.
وقد رجح هذا الإمام الشوکانی فقال رحمه الله: "فوائد العین المغصوبة تابعة لها، فکما یجب رد العین المغصوبة إلى المالک، کذلک یجب رد فوائدها إلیه".([142])
أما عن النوع الثانی: وهو الربح الذی کان نتاج الاستثمار فی أعمال مشروعة، لکن رأس مال هذه الاستثمارات کانت أموال حرام مکتسبة من جهة محظورة، کالقمار، والربا، ومهور البغایا، والعقود المحرمة من بیع الخمور والمسکرات، وسائر المکاسب المحرمة من هذا الجانب، ما حکم امتلاک مکتسبها لها بعد التوبة؟
والحقیقة أنی لم أقف على رأی واضح صریح فی المسألة عن الفقهاء یظهر حکم الربح الناتج عن استثمار هذه الأموال فی أعمال جائزة شرعًا، لکن یمکن القول: بأن الرأی هنا مبنی على الرأی المذکور سابقًا فی حکم الانتفاع بأصل المال، مع الأخذ فی الاعتبار ما یلی:
1- أن جمهور الفقهاء أجازوا لهذا المکتسب لمثل هذه الأموال إن کان فقیرًا بعد توبته الانتفاع بهذه الأموال.([143])
2- ما قاله ابن تیمیة -رحمه الله:([144]) إذ مما جاء عنه "من لم یلتزم أداء الواجب، وإن لم یکن کافرًا فی الباطن، ففی إیجاب القضاء علیه تنفیر عظیم عن التوبة، فإن الرجل قد یعیش مدة طویلة یصلی ولا یزکی، وقد لا یصوم أیضا، ولا یبالی من أین کسب المال: أمن حلال؟ أم من حرام؟ ولا یضبط حدود النکاح والطلاق، وغیر ذلک، فهو فی جاهلیة، إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب علیه، فإن أوجب علیه قضاء جمیع ما ترکه من الواجبات، وأمر برد جمیع ما اکتسبه من الأموال، والخروج عما یحبه من الإبضاع إلى غیر ذلک صارت التوبة فی حقه عذابًا، وکان الکفر حینئذ أحب إلیه من ذلک الإسلام، الذی کان علیه؛ فإن توبته من الکفر رحمة، وتوبته وهو مسلم عذاب، وأعرف طائفة من الصالحین من یتمنى أن یکون کافرًا لیسلم فیغفر له ما قد سلف؛ لأن التوبة عنده متعذرة علیه، أو متعسرة على ما قد قیل له واعتقده من التوبة، ثم هذا منفر لأکثر أهل الفسوق عن التوبة، وهو شبیه بالمؤیس للناس من رحمة الله، ووضع الآصار ثقیلة، والأغلال عظیمة على التائبین الذین هم أحباب الله، فإن الله یحب التوابین، ویحب المتطهرین، والله أفرح بتوبة عبده من الواجد لماله الذی به قوامه، بعد الیأس منه، فینبغی لهذا المقام أن یحرر، فإن کفر الکافر لم یسقط عنه ما ترکه من الواجبات، وما فعله من المحرمات، لکون الکافر کان معذورًا، بمنزلة المجتهد فإنه لا یعذر بلا خلاف، وإنما غفر له لأن الإسلام توبة، والتوبة تجب ما قبلها، والتوبة توبة من ترک تصدیق وإقرار، وترک عمل وفعل فیشبه - والله أعلم - أن یجعل حال هؤلاء فی جاهلیتهم کحال غیرهم".
وجاء عنه أیضًا قوله:([145]) "فإن تابت هذه البغی وهذا الخَمَّار وکانوا فقراء، جاز أن یصرف إلیهم من هذا المال مقدار حاجتهم، فإن کان یقدر یتجر أو یعمل صنعة؛ کالنسج والغزل، أعطی ما یکون له رأس مال، وإن اقترضوا منه شیئا لیکتسبوا به ولم یردوا عوض القرض کان أحسن"
الخلاصة: بعد تأمل لهذه الاعتبارات السابقة وبعد القراءة الفقهیة والنظر بعین الواقع للزمن المعاصر، والأخذ فی الاعتبار مسألة الترغیب فی التوبة وأثرها على الأعمال، ویُسر الشرع ومقاصده، یظهر أن الذی بیده ربح من هذا النوع علیه أن یأسف على ما سلف من أعمال محرمه، وینتفع بهذا الربح فی حیاته، لکن مع تخلیه عن أصل المال الحرام؛ لاستغنائه عنه بهذا الربح؛ وذاک باعتبار أن هذا الربح هو نتاج جهده المبذول فی الأعمال المشروعة، فإن الجهد له مقابل من الربح طالما کانت هذه الأعمال جائزة شرعًا، وزیادة فی الاحتیاط من الممکن أن یعتبر أن ما معه من هذه الأرباح مال اختلط فیه الحلال بالحرام، فما کان من عمله وجهده یکون حلالًا، وما کان نتاج المال فهو حرام؛ وبالتالی علیه أن یخرج شیئًا من هذه الأموال یُقَدِّره کأنه مقابل الانتفاع بهذا المال الحرام فیتصدق به.
المطلب الثالث
حکم العقد أو المعاملة التی تجرى بهذا المال المکتسب من حرام
أهدف من دراسة هذا المطلب إلى بیان حکم إتمام العقود بالمال المکتسب من حرام، وهل یؤثر ذلک على صحة العقد المبرم به أم لا؟
تحدث الفقهاء عن حکم بعض العقود التی استخدم فی التعامل فیها المال المکتسب من حرام وهذه العقود منها ما یخص بعض المعاملات، ومنها ما هو ضمن مسائل الأحوال الشخصیة أو فقه الأسرة، وفیما یلی بیان ذلک فی فرعین:
الفرع الأول
التعاطی فی المعاملات بالمال الحرام
من أهم عقود المعاوضات البیع والشراء والإجارة، إذ علیها جُل أو أغلب التعاملات، والتعاطی فیها بالمال الحرام یکون على صورتین:
الصورة الأولى: وفیهما اتفق الفقهاء على أن عقد البیع إذا وقع على محرم لحق الله([146])، فإنه یکون باطلًا ولا یجوز انعقاده، إذ یشترط فی المعقود علیه أن یکون مالًا متقومًا، فلا ینعقد بیع الخمر والخنزیر فی حق المسلم؛ لکونه عقدًا مخالفا لِلدِّینِ، فکان معصیة یجب رفعها([147])، کذا الإجارة إذ جاء عنهم أیضًا أنها لا تنعقد إلا على نفع مباح، فأما النفع المحرم؛ کالرقص والغناء والزمر وحمل الخمر للشرب، فالعقد علیه باطل.([148])
الصورة الثانیة: إذا کان المعقود علیه حرامًا لا لحق الله بل لحق الغیر([149])، أو کان حرامًا لکسبه مبیعًا کان أو ثمنًا([150])، والکلام فی هذا الجانب یشتمل على أمرین: الأول: ما کان حرامًا لحق الغیر، والآخر: ما کان حرامًا لکسبه، وفیما یلی بیان کلا الأمرین:
أولًا: ما کان حرامًا لحق الغیر؛ کالمال المغصوب والمسروق، جاءت آراء الفقهاء فی حکم العقد الذی ینعقد بهذا المال؛ کالتالی:
(أ) ذهب الحنفیة والمالکیة وروایة عند الحنابلة([151]) إلى أن تصرفات الغاصب موقوفة على إجازة المالک، إلا أن الحنفیة أضافوا:([152]) أن تصرفات الغاصب فی الشیء المغصوب تنفذ أیضًا إذا أدى البدل أو أبرأ المالک الغاصب.
واستدل هؤلاء بما یلی:
1- من الکتاب بعموم قوله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ)([153])، وقوله تعالى: (یَاأَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْکُمْ)([154])، وقوله سبحانه: (فَإِذَا قُضِیَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِی الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)([155])
وجه الاستدلال من هذه النصوص:([156]) أن الله -سبحانه وتعالى- شرع البیع والشراء والتجارة وابتغاء الفضل بهذه العمومات من غیر فصل بین ما إذا وجد من المالک بطریق الأصالة، وبین ما إذا وجد من الوکیل فی الابتداء، أو بین ما إذا وجدت الإجارة من المالک فی الانتهاء، وبین وجود الرضا فی التجارة عند العقد أو بعده، فیجب العمل بإطلاقها إلا ما خص بدلیل.
2- قالوا أیضًا: إذا جاز البیع صار الغاصب کالوکیل على البیع([157]) أو لأنه بیع فضولی([158])
(ب) وذهب الشافعیة والحنابلة([159]) فی ظاهر المذهب إلى بطلان تصرف الغاصب بالعین المغصوبة، بیعًا أو هبة أو إجارة أو إعارة أو ودیعة، ونحو ذلک، والبطلان یعم کل التصرفات الحکمیة([160]) من الغاصب، وذلک لما یلی:
1- من السنة بحدیثین:
الأول: قوله -صلى الله علیه وسلم: "مَن عمِلَ عملًا لیس علیهِ أمْرُنا فهو رَدٌّ". ([161])
وجه الاستدلال: قوله صلى الله علیه وسلم: "فهو رد" أی مردود([162]) وهذا یشمل تصرف الغاصب فی الشیء المغصوب.
الثانی: ما روى حکیم بن حزام: أن النبی -صلى الله علیه وسلم- قال: "لا تَبِعْ ما لَیسَ عندَک"([163])
وجه الاستدلال:([164]) أن النهی یقتضی فساد المنهی عنه، فإن قیل: فدلیل الخطاب من الخبر: أنه یجوز بیع ما عنده وإن کان ملکا لغیره، أجیب بأن: دلیل الخطاب إنما یکون حجة إذا لم یؤد إلى إسقاط النطق، وهذا یؤدی إلیه؛ لأن الناس فی هذه المسألة قائلان: قائل یقول: إن بیع الموقوف لا یجوز، سواء کان المبیع فی ید البائع، أو فی ید غیره، وقائل یقول: یجوز، سواء کان غائبًا عنه أو فی یده، فمتى قلنا: یجوز بیع مال غیره إذا کان فی یده، ویوقف على إجازة مالکه، اقتضى أن یجوز بیعه وإن کان فی ید مالکه؛ لأن أحدًا لم یفرق بینهما، ومتى قلنا بهذا، سقط النطق، فأسقطنا دلیل الخطاب.
3- إن تصرف الغاصب وقع على ما لا یقدر على تسلیمه، وکل عقد شأنه کذلک لا یصح؛ کما لو باعه طائرًا فی الهواء.([165])
4- أن صحة التصرفات الشرعیة مبنیة على الملک أو الولایة، ولم یوجد أحدهما فلا تصح، وهذا لأن صحة التصرف الشرعی هو اعتباره فی حق الحکم الذی، وضع له شرعًا، فأما الکلام الذی لا حکم له لا یکون صحیحًا شرعًا، والحکم الذی وضع له البیع شرعًا وهو الملک لا یثبت حال وجوده لعدم شرطه، وهو الملک أو الولایة فلم یصح؛ ولهذا لم یصح شراؤه فکذا بیعه.([166])
(ج) وذهب الحنابلة فی روایة إلى أن تصرفات الغاصب صحیحة([167])، واستدلوا على ذلک بأن الغاصب تکثر تصرفاته، کما أن الغصب تطول مدته غالبًا، ، فکان فی إبطالها ضرر کبیر، وربما عاد بعض الضرر على المالک، فإذا ما حکمنا بصحتها تحققت مصلحة مالکها حیث یکون الربح وعوض النماء والزیادة له، والحکم ببطلانها یمنع من ذلک.([168])
ملاحظة: هذا الذی سبق ذکره حین یکون التعامل فی عین الشیء المغصوب أو المسروق أو المأخوذ ظلمًا، أما إن تم العقد بأموال هی ثمن الغصب والسرقة، فإن التصرفات المتعامل فیها بهذه الأموال تأخذ حکم ما کان حرامًا لکسبه؛ لأن النقود لا تتعین بالتعیین.([169])، وهو ما سأعرض له فی المسألة التالیة.
ثانیًا: ما کان حرامًا لکسبه؛ وجاءت أقوال الفقهاء فی حکم العقد الذی ینعقد بهذا المال کالتالی:
1- جاء عند الحنفیة: "رجل اکتسب مالا من حرام ثم اشترى، فهذا على خمسة أوجه: أما إن دفع تلک الدراهم إلى البائع أولا ثم اشترى منه بها، أو اشترى قبل الدفع بها ودفعها، أو اشترى قبل الدفع بها ودفع غیرها، أو اشترى مطلقا ودفع تلک الدراهم، أو اشترى بدراهم أخر ودفع تلک الدراهم، قال أبو نصر: یطیب له ولا یجب علیه أن یتصدق إلا فی الوجه الأول، وإلیه ذهب الفقیه أبو اللیث، لکن هذا خلاف ظاهر الروایة، وقال الکرخی: فی الوجه الأول والثانی لا یطیب، وفی الثلاث الأخیرة یطیب، وقال أبو بکر: لا یطیب فی الکل، لکن الفتوى الآن على قول الکرخی دفعا للحرج عن الناس لکثرة الحرام".([170])
یظهر من قول الحنفیة: نفاذ العقد وتمامه، إذ حتى فیما قالوه من حالات عدم طیب الکسب قالوا: بالصدقة به، وهذا یدل على نفاذ العقد وحرمة الکسب.
2- وجاء عند المالکیة: "قال مالک من قول أهل المدینة: إن من بیده مال حرام فاشترى به دارًا أو ثوبًا من غیر أن یکره على البیع أحدًا، فلا بأس أن تشتری أنت تلک الدار أو الثوب من الذی اشتراه بالمال الحرام، وقد تقدم فی الشفعة أنه یجوز أن یشفع فی الشقص المشترى بالمال الحرام". ([171])
وقولهم هذا یدل على نفاذ العقد وجوازه فی الأول والثانی، کذا الشفعة.
وجاء عنهم أیضًا" "من اشترى سلعة حلالا بمال حرام والثمن عین، قال أصحابنا: یجوز شراؤها منه علم صاحبها بخبث الثمن أم لا؛ لأن النقدین لا یتعینان". ([172])
3- وجاء عند الشافعیة: "ولا نحب مبایعة من أکثر ماله الربا أو ثمن المحرم ما کان أو اکتساب المال من الغصب والمحرم کله، وإن بایع رجل رجلًا من هؤلاء لم أفسخ البیع؛ لأن هؤلاء قد یملکون حلالا فلا یفسخ البیع ولا نحرم حراما بینا إلا أن یشتری الرجل حراما یعرفه، أو بثمن حرام یعرفه".([173])
وجاء عندهم أیضًا: "ولو اشترى طعاما فی الذمة وقضى ثمنه من حرام نظر إن سلم البائع إلیه الطعام قبل قبض الثمن بطیب قلبه فأکله قبل قضاء الثمن فهو حلال بالإجماع، ولا یکون ترکه ورعًا مؤکدًا، ثم إن قضى الثمن بعد الأکل فأداه من الحرام، فکأنه لم یقضه فیبقى الثمن فی ذمته ولا ینقلب ذلک الطعام المأکول حرامًا، فإن أبرأه البائع من الثمن مع علمه بأنه حرام برئ المشتری"([174])، وهذا یدل على نفاذ البیع فی هذه الحالة من بدایته.
4- وجاء عند الحنابلة: "وإذا اشترى ممن فی ماله حرام وحلال، کالسلطان الظالم، والمرابی، فإن علم أن المبیع من حلال ماله، فهو حلال، وإن علم أنه حرام، فهو حرام، ولا یقبل قول المشتری علیه فی الحکم؛ لأن الظاهر أن ما فی ید الإنسان ملکه، فإن لم یعلم من أیهما هو، کرهناه لاحتمال التحریم فیه، ولم یبطل البیع؛ لإمکان الحلال، قل الحرام أو کثر"([175])
ومن خلاصة أقوال الفقهاء یظهر أنهم فی الجملة لا یمنعون نفاذ العقد حال کون أحد أطرافه مالًا محرمًا لکسبه، لکن لیس معنى صحة العقد نفی الحرمة والإثم، فذلک لیس مقصودًا، کما أنه لیس مستغربًا أن نقول به([176])، إذ قد صرح الفقهاء فی بعض مواضع من کتاباتهم بصحة العقد مع الحرمة والإثم، من ذلک قولهم:
"وأما البیع الحرام: فلا یمنع صحة العقد، ولکن یأثم فاعله إن علم بالتحریم"([177])، وقولهم: "وأما السوم على سوم المسلم مع الرضى الصریح وبیع المصحف والأمة التی یطؤها قبل استبرائها فحرام ویصح العقد"([178])، ومن ذلک أیضًا قولهم: "وبیع الأمة التی یطؤها قبل استبرائها حرام ویصح العقد"([179])، وقولهم أیضًا: "وسواء قلنا بصحة الشراء أو بطلانه وهذه المسألة مشکلة جدا على قواعد المذهب؛ لأن تصرفات الغاصب غیر صحیحة، فکیف یملک المالک الربح والسلع"؟([180])، وقولهم: "وتصح الشرکة وإن کرهت کشرکة ذمی وآکل الربا ومن أکثر ماله حرام"([181])، ومنه أیضًا قولهم: "ولا نحب مبایعة من أکثر ماله الربا أو ثمن المحرم ما کان أو اکتساب المال من الغصب والمحرم کله، وإن بایع رجل رجلا من هؤلاء لم أفسخ البیع"([182])، ومن ذلک أیضًا "ما نقله الماوردی قبل باب لا یبیع حاضر لباد عن أبی علی بن أبی هریرة أنه کان یقول: فی ثمن التدلیس حرام لا ثمن المبیع ألا ترى أن المبیع إذا مات یرجع على البائع بأرش عیب التدلیس، فدل على أنه أخذ منه بغیر استحقاق، وهذا شیء عجیب کیف یکون الثمن حرامًا والبیع صحیحًا؟"([183])
الراجح: مما سبق یظهر أن من تعامل بالمال الحرام شراء أو إجارة أو غیر ذلک إن کان مصدر کسبه من النوع الأول فإنه لا ینفذ تصرفه بحال؛ لأن محل التصرف على ملک صاحبه، وإن کان من النوع الثانی فإنه ینفذ تصرفه فیتملک السلعة المشتراة، کما أنه یتملک المنفعة المستأجرة، لکن هذا التملک لا یغیر وصف الحرمة للشیء المتملک بهذا المال الحرام -عینًا کان أو منفعة- فهو على الحرمة باعتبار ما تملکه به من مال حرام فهو یمتلکه کما یمتلک المال الحرام، وبمعنى آخر الحفاظ على التعاملات یقتضی فی هذه الحالة إنفاذ التصرف، لکن یظل عدم طیب الکسب عالقًا بأثر هذا التصرف.
الفرع الثانی
تعاطی المال الحرام فی مسائل الأحوال الشخصیة
من أهم مسائل فقه الأسرة: الزواج والمهر والخلع، وقد تناول الفقهاء حکم التعامل فی هذه المسائل بالمال الحرام حتى إن بعض فقهاء المذاهب عنون لذلک بقوله: "یکتسب مالا حراما فیتزوج به"([184])، وفیما یلی أعرض لبیان آراء الفقهاء فی ذلک:
(أ) التعامل بالمال الحرام فی عقد الزواج والمهر:
أولًا: ذهب الحنفیة والشافعیة والحنابلة فی المذهب([185]) إلى أنه إذا سمى فی النکاح صداقًا محرما، کالخمر والخنزیر، فالتسمیة فاسدة، والنکاح صحیح، وکان لها مهر المثل.
ثانیًا: وذهب المالکیة وروایة عند الحنابلة إلى القول بفسخ النکاح([186]) بل جاء عن الإمام مالک حین سئل عن من یکسب مالًا حرامًا فیتزوج به فأجاب: "أخاف والله إنه مضارع للزنا ولا أقوله"([187])
استدل الحنفیة والشافعیة والحنابلة على ما ذهبوا إلیه بما یلی:
1- أن النکاح صحیح وإن کان عوضه فاسدًا، لأنه عقد لا یفسد بجهالة العوض، فلا یفسد بتحریمه، ولأن فساد العوض لا یزید على عدمه، ولو عدم
کان العقد صحیحًا، فکذلک إذا فسد.([188])
2- شرط قبول الخمر فی المهر شرط فاسد، والنکاح لا یبطل بالشروط الفاسدة، وشرط صحة التسمیة أن یکون المسمى مالًا، فإذا لم یکن بطلت التسمیة فکأنه لم یسم لها عوضا فلهذا کان لها مهر مثلها([189])
واستدل المالکیة على مذهبهم: بأن الله -تعالى- إنما أباح الفرج بنکاح أو ملک یمین، وقال رسول الله –صلى الله علیه وسلم: «لا نکاح إلا بولی وصداق»([190])، فنفى أن یکون نکاحًا جائزًا إلا على هذه الصفة، والمتزوج بمال حرام لم یتزوج بصداق، إذ لیس المال الحرام بمال له، فإذا وطئ فیه فقد وطئ فرجًا بغیر ملک یمین ولا نکاح أباحه له الشرع.([191])
(ب) التعامل بالمال الحرام فی الخلع:
ذهب فقهاء المذاهب الأربعة([192]) إلى أنه إذا سمى فی الخلع عوضًا محرمًا؛ کالخمر والخنزیر، فالتسمیة فاسدة ویقع الخلع، ولا شیء للزوج؛ لبطلان العوض عند الحنفیة والمالکیة والحنابلة، وخالفهم الشافعیة فقالوا بلزوم المثل.
دلیل الجمهور: أن الخلع على العوض المحرم مع العلم بتحریمه یدل على رضا فاعله بغیر شیء.([193])
دلیل الشافعیة: أنه عقد على البضع بعوض فاسد فوجب مهر المثل؛ کما لو سمى ذلک فی النکاح.([194])
وأجیب عن ذلک: بأن خروج البضع من ملک الزوج غیر متقوم، فإذا رضی بغیر عوض لم یکن له شیء، کما لو طلقها، أو علقه على فعل فعلته، وفارق النکاح، بخلاف وصول البضع فی ملک الزوج فإنه متقوم.([195])
الراجح: فی نهایة هذا الفرع یظهر أن الراجح أن یقال: إن التصرفات الشرعیة التی تمت من نکاح أو خلع تنتج آثارها وتترتب علیها أحکامها وإن کان المهر أو مقابل الخلع مکتسبًا من حرام، إلا أنه یتدارک فوات المهر بإیجاب مهر المثل بدیلًا عن ما تم تسمیته من المال الحرام، أما الخلع فلا إمکان لتدارک المقابل فیه فیسقط المقابل فی هذه الحالة.
المبحث الثانی
تعاطی المال الحرام من غیر مکتسبه
(أثر المال الحرام على حقوق الآخرین)
تمهید:
فی البدایة أخص أمر تعاطی المال الحرام من غیر مکتسبه هنا بما لم تکن عینه حرامًا؛ کالخمر والخنزیر، وبما لم تکن عینه أخذت غصبًا أو سرقة أو ما هو على شاکلته، إذ فیهما لا یصح التعاطی([196])، ورغم تعدد صور تعاطی المال الحرام من غیر مکتسبه، أعرض هنا لأهم وأبرز هذه الصور والتی منها الانتفاع بهذا المال فی القرض، وقبول الهبة أو الهدیة، واجابة الدعوة، والشرکة، والنفقة، وسداد الدین، والمهر، والمیراث، والشفعة، وأخذ الأجرة، ویلاحظ من هذه الصور المذکورة: أن تعاطی الغیر مع المال الحرام یأتی على شقین، الأول: فی تعاطی الحق الواجب؛ کالنفقة الواجبة وسداد الدین والمهر والمیراث والشفعة وأخذ الأجرة، والآخر: فی تعاطی الحقوق غیر الواجبة؛ کالقرض وقبول الهبة أو الهدیة وإجابة الدعوة والشرکة، وفیما یلی تفصیل ما أجمل فی المطلبین التالیین:
المطلب الأول
تعاطی الحقوق غیر الواجبة
تمهید:
توجد بعض التعاملات مع المحیطین بنا تحمل علیها ظروف الحیاة، وتستدعیها قضایا التعایش مع البشر، ولا یکاد بعض الناس ینفک عنها، وحث على بعضها شرعنا الحنیف، ورغم عدم وجوب هذه التعاملات، لکن عرفها استحکم بیننا، ومن أهم هذه الأمور: الهبة أو الهدیة، والأکل، والاقتراض، والشرکة، والناس یختلفون فی تحری الحلال والحرام، وقد تفرض ظروف الحیاة تعاطی هذه الأشیاء مع من یکتسب ماله من حرام، وحینها یأتی السؤال ما حکم تعاطی هذه التعاملات مع من یکتسب هذه الأموال؟ وفیما یلی أعرض لبیان ذلک:
(أ) قبول هدیة مکتسب المال الحرام والأکل من ماله:
أولًا: ذهب جمهور العلماء من الحنفیة، وروایة للمالکیة، وقول عند الحنابلة إلى أن من کان أغلب کسبه من الحرام، فإنه لا یجوز قبول هدیته أو أکل ماله([197]).
ثانیًا: ذهب الشافعیة والمالکیة فی روایة إلى القول بالجواز وعدم الحرمة إلا ما علم عین الحرمة فیه([198]) وذهبا فی قول آخر مع رأی للحنابلة إلى القول: بالکراهة([199])
أدلة الرأی الأول: استدل أصحاب هذا الرأی من السنة: بما أخرجه البخاری فی صحیحه من حدیث عَوْنِ بْنِ أَبِی جُحَیْفَةَ عَنْ أَبِیهِ "أنَّ النَّبِیَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَیْه ِ وَسَلَّم ـَ َلَعَنَ آکِلَ الرِّبَا وَمُوکِلَهُ"([200])، وبما أخرجه أبو داود والترمذی من حدیث عبد الله بن عمرو قال: "لعن رسول الله -صلى الله علیه وسلم- الراشی والمرتشی"([201])
وجه الدلالة من الحدیثین: أنه کما لا یحل أکل الحرام لا یحل إیکاله([202])
أدلة الرأی الثانی: استدل أصحاب هذا الرأی من السنة بما یلی:
1- بما أخرجه عبد الرزاق فی مصنفه من حدیث مَعْمَرٌ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ أَیُؤْکَلُ طَعَامُ الصَّیَارِفَةِ؟ فَقَالَ:"قَدْ أَخَّرَکُمُ اللَّهُ عَنِ الْیَهُودِ وَالنَّصَارَى، إِنَّهُمْ
یَأْکُلُونَ الرِّبَا، وَأَحَلَّ لَکُمْ طَعَامَهُمْ". ([203])
2- بما أخرجه عبد الرزاق فی مصنفه عن معمر عن منصور قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِیمَ: عَرِیفٌ لَنَا([204]) یَهْبِطُ وَیُصِیبُ مِنَ الظُّلْمِ فَیَدْعُونِی، فَلَا أُجِیبُهُ قَالَ: «الشَّیْطَانُ عَرَضَ بِهَذَا لِیُوقِعَ عَدَاوَةً، وَقَدْ کَانَ الْعُمَّالُ یَهْبِطُونَ([205]) وَیُصِیبُونَ، ثُمَّ یَدْعُونَ فَیُجَابُونَ»([206])
3- فِی حَدِیثِ النَّخَعیِّ «سُئِل عَن عُمَّالٍ یَنْهَضُون إِلَى القُرَى فَیَهْمِطُونَ([207]) النَّاسَ، فَقَالَ: لَهُمُ المَهْنَأُ، وَعَلیهم الوِزْرُ»([208])
وجه الدلالة من هذه الآثار: أنها یفهم منها جواز أکل طعام هؤلاء، إلا ما علم عین الحرمة فیه، یقول ابن رشد:([209]) "ووجه هذا أن الحرام ترتب فی ذمة البائع والمهدی فهما المأخوذان به والمسئولان عنه، ونحو هذا هو المروی عن ابن مسعود إذ قال: لک المهنأ وعلى غیرک المأثم، وقد قال فی المدونة: من أودعته دنانیر فاشترى بها سلعة فلیس لک فی السلعة شیء إنما تتبعه بدنانیرک".
الراجح: فی الحقیقة إن لم نقل بالحرمة لأکل طعام هؤلاء وقبول هدایاهم فلا أقل من القول بالکراهة الشدیدة لفعل ذلک، خاصة إذا کانت هذه الهدایا أو الأطعمة من نصیب أهل الفقه والصلاح؛ وذلک حتى یستشعر هؤلاء أن الصالحین من المؤمنین غیر راضین عن أفعالهم وتعاملاتهم التی منها مصدر کسبهم، فإن استباح الصالحون هدایا هؤلاء وطعامهم مع شهرتهم فی کسب المال الحرام، کان هذا بمثابة رضًا منهم بما یصنعون أو ما یکتسبون، وظن العامة بالخاصة شرًا وحُق لهم، وفی هذا فساد کبیر وباب فتنة الأولى بنا غلقه درءًا للمفسدة، ولا یصح القیاس على صحة طعام أهل الکتاب والتعامل معهم؛ وذلک للنصوص الواردة فی التعامل معهم وأکل طعامهم؛ ولأن أمر هؤلاء ظاهر للجمیع فلا فتنة تأتی من طریقهم فی هذا الباب، ولا تهمة تلحق بمن تعامل معهم، وبهذا یظهر أن الکراهیة جاءت لمعنى خارجی فی التعامل مع أصحاب هذه الأموال.
(ب) الاقتراض ممن کسبه حرام:
جاء عن الحنفیة قولهم: "لرجل مال حلال اختلطه مال من الربا أو الرشاة أو
الغلول أو السحت أو من مال الغصب أو السرقة أو الخیانة أو من مال یتیم فصار ماله کله شبهة لیس لأحد أن یشارکه أو یبایعه أو یستقرض منه"([210])
وجاء عن المالکیة قولهم: "ولا بأس باقتضاء الدین من الذمی الخَمَّار والمربی، بخلاف المسلم، لما أباح الله تعالى من اقتضاء الجزیة منهم، ولا یستقرض منه بدءًا"([211])
فمفاد کلا الرأیین السابقین هو عدم جواز الاقتراض ممن کسبه حرام، وقد أیدت فتوى من دار الإفتاء المصریة ذلک الرأی([212])
لکن قد یرى البعض جواز ذلک؛ بحجة أن النبی صلى الله علیه وسلم عامل الیهود، مع أن المعروف أن الیهود کانوا یتعاملون بالربا ویأکلون السحت، وأن ما حرم لکسبه فهو حرام على الکاسب فقط أما على غیره فإنه حلال.
والراجح: هو أن المسلم لا یلجأ إلى ذلک الاقتراض إلا للضرورة، أو أنه لا یجد من یقرضه غیر هذا الذی کسبه من حرام، أما فی الحالات العادیة والتی لا ضرورة ملجئة للاقتراض فیها، أو أنه یجد من یقرضه غیر هذا الذی کسبه من حرام، فإنه لا یجوز له الاقتراض فی هذه الحالة.
(ج) الشرکة مع من یتعامل بالحرام :
أولًا: ذهب جمهور العلماء إلى کراهة الشرکة مع غیر المسلم، أو مع من کان أکثر ماله من الحرام، أو مع من یستحل شیئا من الحرام.([213])
قد جاء عن الإمام أحمد حین سُئِل : هل للرجل أن یطلب من ورثة إنسان مالًا مضاربة ینفعهم وینتفع؟ فقال: إن کان غالبه الحرام فلا.([214])
ثانیًا: ذهب الحنفیة إلى عدم جواز الشرکة مع من کان أکثر ماله من الحرام، أو مع من یستحل شیئا من الحرام . ([215])
ووجه الحرمة أو الکراهة فیما ذهب إلیه الفقهاء: هو التحرز من الوقوع فی بعض التعاملات التی یجریها هؤلاء مستحلین لها وهی حرام فی الإسلام. ([216])
المطلب الثانی
فی تعاطی الحق الواجب
تمهید: فی هذا المطلب أعرض لتعاطی الحقوق الواجبة مع مکتسب المال الحرام؛ کالشفعة، والمیراث، ونفقة من تجب نفقتهم، وأخذ الأجرة، والدین.
(أ) الأخذ بالشفعة:
الشفعة أقرها الشارع لصاحب الحق فیها، لکن هل یختلف حکم الأخذ بها حال ما إذا کان المشفوع فیه تم بیعه بشیء حرام أم لا؟
الرأی الأول: للحنفیة والمالکیة، وجاء فی صورة ذلک عند الحنفیة مسألة ما لو باع ذمی دارًا بخمر أو خنزیر والشفیع مسلم فله الأخذ بالشفعة بقیمة الخمر، والخنزیر؛ لعجز المسلم عن تملک الخمر والخنزیر([217])، وأما المالکیة فقد جاء قولهم: "یجوز أن یشفع فی الشقص المشترى بالمال الحرام" .([218])
واستدلوا على ذلک: بأن الشفیع المسلم له الحق فی الأخذ بالشفعة، والأخذ تملک، والمسلم لیس من أهل تملک الخمر والخنزیر فإذا تعذر علیه التملک بالعین تملک بالقیمة؛ کما لو کان الشراء بالعرض أنه یأخذها بقیمة العرض کذا هذا.([219])
وعند الشافعیة والحنابلة: أن الشفعة لا یجوز الأخذ بها فی هذه الحالة؛ واستدلوا على ذلک بأن البیع إذا وقع بثمن حرام، فلا تثبت فیه الشفعة، کالمیتة، والدم([220])
(ب) الحق فی المیراث:
المیراث حق شرعی لمستحقه بنصوص ثابتة من القرآن والسنة والإجماع بعد إخراج ما یتقدمه من حقوق تتعلق بالترکة، لکن قد یقف أمام هذا الحق ما یعوقه بسبب طبیعة کسب المورث لهذا المال وتعاطیه له من مصادر غیر مباحة فی الشریعة الإسلامیة، فهل یکون هذا الأمر محل نظر واعتبار ویمنع الوارث من أخذ حقه فی هذا المال المورث، أم أن الوارث له الحق فی المیراث الشرعی؛ لأنه وصله بطریق مشروع، وأنه لا علاقة له بمصدر دخل وارثه، وأن لکل نفس ما کسبت، ولا تزر وازرة وزر أخرى؟ هذا ما سأقوم بالتعرض له فیما یلی کالتالی:
أولًا: أجمع علماء المذاهب على أن الوارث إذا علم مالک المال الحرام بعینه، أو علم عین الشیء الحرام فإنه لا یحل له، أما إن لم یعلم ذلک وکان کسب مورثه حرامًا، فإن جمهور العلماء على أنه ینبغی لمکتسب هذا المال أن یتورع عنه ویتصدق به، فإن کان فقیرًا محتاجًا تصدق على نفسه منه. ([221])
ودلیل ذلک ما یلی:
1- ما أخرجه مسلم فی صحیحه من حدیث النعمان بن بشیر، قال: "سمعت رسول الله صلى الله علیه وسلم، یقول: -وأهوى النعمان بإصبعیه إلى أذنیه- إن الحلال بین، وإن الحرام بین، وبینهما مشتبهات لا یعلمهن کثیر من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدینه، وعرضه، ومن وقع فی الشبهات وقع فی الحرام" .([222])
2- أن ما على المُوَرِّث من الظلامات والتبعات لما کانت مستغرقة لما بیده من المال کان کمن أحاطت الدیون بماله، وعلیه فإنه لا یسوغ لوارثه میراثه، لکون ما علیه من التبعات أولى بماله. ([223])
ثانیًا: نقل المواق المالکی أن من العلماء([224]) من قال بجواز وحل الإرث، کما جاء عند المالکیة ذکر الخلاف فی ذلک([225])، وأشار إلى ذلک الحنفیة فی رأی لیس بالقوی إن لم یکن مردودًا عندهم([226]) ووجه هؤلاء لما ذهبوا إلیه:
1- أن المال الموروث انتقل بطریق مشروع، والحرام لا یتعلق بذمتین([227])
2- أن ما على المُوَرِّث من الظلامات والتبعات وإن کانت مستغرقة لماله فلیست متعینة فیه، إذ قد ترتبت فی ذمته، فساغ ماله لوارثه، وکان هو المسئول المؤاخذ بما علیه من المظالم والتبعات إذ لم یؤدها فی حیاته.([228])
(ج) الانفاق على الزوجة وانتفاع الأولاد بهذا المال:
أجمع الفقهاء على أن النفقة حق مشروع للزوجة على زوجها([229])؛ لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)([230])، ولما أخرجه مسلم فی صحیحه من حدیث جابر: أن مما قاله: النبی -صلى الله علیه وسلم- فی خطبة حجة الوداع: "ولهن علیکم رزقهن وکسوتهن بالمعروف"([231])، لکن مع ثبوت هذا الحق لهن فإنه قد یشوبه ما یعکره، إذ قد تبتلى بعض الزوجات بزوج قد لا یتوقف عند ما حرم الله فی تعاملاته فلا یبالی من أین اکتسب، ویکون جل ماله من حرام إن لم یکن کله، وقد تعلم الزوجة بذلک فتعانی أشد معناة بین ما ینفقه زوجها علیها من ماله الذی مصدره الحرام والعیش معه على ذلک، وبین فراقه وتشتت حیاتها وأسرتها، بل وقد لا تجد من ینفق علیها من أهلها ولا مصدر للتکسب والإنفاق بیدها، وهنا تسأل عن حکم التعایش بهذا المال المنفق علیها من زوجها.
والجواب عن هذا السؤال قد یسهل على البعض إطلاقه بقوله: إذا کان هذا الحق ثابتًا للمرأة على زوجها، فلم لا تطلب المرأة الطلاق؛ لتقصیر الزوج فی حق من حقوقها على الوصف الشرعی المطلوب، وهو أن ینفق علیها من حلال؟ وهذا مما استحل به فرجها.([232])
لکن لیس الأمر دائمًا یسهل معالجته بهذا الإطلاق، فإذا لم تکن المرأة تستطیع فراق زوجها لضرورة من تربیة أولاد صغار والخوف علیهم من الضیاع، أو لعدم وجود من یکفلها وأولادها، أو لعدم قدرتها عن الاستغناء عن الزوج لخوف الفتنة، أو حتى عدم إمکان الحصول على الطلاق السهل من هذا الزوج فما الحکم إذًا؟ وبالنظر فی أقوال العلماء یظهر أن جمهور العلماء على جواز انتفاع المرأة بهذا الکسب فی هذه الحالة، وفیما یلی أذکر بعضًا من أقوالهم:
1- جاء عند الحنفیة: "اشترى الزوج طعامًا أو کسوة من مال خبیث جاز للمرأة أکله ولبسها والإثم على الزوج"([233])، وجاء أیضًا: "لو اشترى طعامًا أو کسوة من مال أصله لیس بطیب فهی فی سعة من تناوله والإثم على الزوج"([234])
2- وجاء عند المالکیة: "فی المرأة الصالحة زوجة الرجل الظالم یأبى طلاقها، لها أن تأکل من ماله وإثمها فی عنقه". ([235])
3- وجاء عند الشافعیة: "من کسبه حرام هل لزوجه الخیار؟ قال الماوردی والرویانی: إن کانت أعیانًا محرمة؛ کالسرقة وأثمان الخمور، فنعم، وإن کان الفعل محظورًا؛ کصنعة الملاهی، فلا؛ لأنه یستحق بها الأجرة المسماة، ولا بد أن یستحق لتفویت عمله أجرًا، فیصیر به موسرًا، قالا: وکذلک المنجم والکاهن یتوصل إلیه بسبب محظور، لکنه یعطى عن طیب نفس، فیجری مجرى الهبة، وإن کان محظور السبب فیباح له إنفاقه"([236])، وقولهم أیضًا: "لأن حکم المحرمات مختص بمرتکبها"([237])
4- وجاء عند الحنابلة قولهم: "فالذکر تجب علیه نفقة امرأته وأولاده، والمرأة ینفق علیها زوجها"([238]) وأیضًا قالوا: "والزوجة إذا لم ینفق علیها فرق بینهما"([239])، وعندهم أیضًا "وکذلک نفقة الزوجة وکذلک صداقها، وکذلک کل حق من قرض أو قیمة متلف أو أرش جنایة ونحوه أو عوض فی عقد؛ کثمن مبیع وأجرة ونحوها إذا حضر بها من هی علیه وادعى من هی له أنها حرام أو غصب، لم یجز له قبولها ولم یلزمه إن ثبت ذلک بإقرار المدین أو ببینة"([240])
الخلاصة: یظهر من أقوال الفقهاء دفع الحرج عن المرأة فی هذا الأمر، ما لم یکن عین المال حرامًا، لکن فی الحقیقة للمرأة أیضًا دور کبیر لا یجب إغفاله فی حیاة الرجل وتوجیهه للحلال ونصحه بترک الحرام، فهی إن استنفذت جهدها معه فی ذلک النصح، فلها فی هذه الحالة أن تنتفع بماله فی ما هو من مطلوبات الحیاة، لکنها لا تتوسع فی کمالیاتها، ولا تأخذ بأسباب الترف، فإن هی صنعت ذلک فلا حرج علیها ـ إن شاء الله ـ فی الانتفاع بهذا المال؛ وذلک یأتی من باب قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)([241])، وقوله سبحانه: (کُلُّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ رَهِینَةٌ)([242])
ما أثر عن الفقهاء یشیر إلى خلاف فقهی بینهم فی هذه المسألة، وفی ما یلی بیان ذلک:
أولًا: من فقه المالکیة: جاء عن القرافی قوله:([243]) "وإجارة المسلم نفسه ثلاثة أقسام: لرعایة الخنازیر وحمل الخمر تفسخ أبدًا، فإن فات تصدق بالأجرة، وعلى الخدمة والمهنة تفسخ أبدًا، فإن فاتا لم یتصدق؛ لأنها قبالة منفعة مباحة، وإنما منعت لوصف خارج وهو إهانة الإسلام، وعلى شیء لا یکون فیه تحت ید الذمی ولا مهنة؛ کالقراض والحراسة، فإذا نزل مضى المسمى"، ومثل ما جاء عن القرافی جاء عن غیره من علماء المذهب ما یماثله([244])
وعلیه فلا إشکال فی أخذ الأجرة ممن ماله حرام، بشرط أن یکون العمل الذی استأجر الإنسان من أجله عملا مشروعًا.
وحجة أصحاب هذا الرأی ما یلی:
1- ما أخرجه ابن أبی شیبة فی مصنفه من حدیث ابْنِ سِیرِینَ، فِی الرَّجُلِ یَقْضِی مِنَ الْقِمَارِ، قَالَ: «لَا بَأْسَ»، وَقَالَ الْحَسَنُ فِی الرَّجُلِ یَقْضِی مِنَ الرِّبَا: «لَا بَأْسَ بِهِ»([245])
2- عن ابن مسعود أنه: "جاء إلیه رجل فقال: إِنَّ لِی جَارًا یَأْکُلُ الرِّبَا، وَإِنَّهُ لَا یَزَالُ یَدْعُونِی، فَقَالَ: "مَهْنَؤُهُ لَکَ وَإِثْمُهُ عَلَیْهِ"، قَالَ سُفْیَانُ: "فَإِنْ عَرَفْتَهُ بِعَیْنِهِ فَلَا تُصِبْهُ"([246])
3- قالوا: إن الحرام ترتب فی ذمة فاعله([247])، ولا یمتد إلى ذمة غیره، وعلیه فلا یحرم الأجر.
ثانیًا: تخریجًا على مذهب الحنفیة، ورأی علماء الحنابلة، یظهر الآتی:
1- أما ما جاء فی تخریج المسألة على رأی الحنفیة، فذلک بناءً على قولهم فی مسألة أخذ الدین من ثمن الخمر، وفیها: أنه لو کان الدین لمسلم على مسلم فباع المسلم خمرًا وقضاه من ثمنها لم یجز له أخذه([248])، والدین حق الدائن کالأجرة تمامًا بتمام، فتتخرج علیه.
2- أما عن رأی الحنابلة فقد جاء عن البهوتی فی معرض حدیثه عن تقاضی الحق قوله: "وکذلک کل حق من قرض أو قیمة متلف أو أرش جنایة ونحوه، أو عوض فی عقد؛ کثمن مبیع وأجرة ونحوها إذا حضر بها من هی علیه وادعى من هی له أنها حرام أو غصب، لم یجز له قبولها ولم یلزمه، إن ثبت ذلک بإقرار المدین أو ببینة"([249])، ومثل ما جاء عن البهوتی من قوله هذا، جاء عند غیره من علماء المذهب ما یماثله. ([250])
وعلیه: فلا یجوز أخذ الأجرة ممن عرف بکسبه الحرام بناءً على ذلک، ولکن یمکن تخریجًا على ما جاء من قول بعض علماء المذهب بکراهیة قبول الهدیة([251]) أن یقال بکراهیة أخذ الأجرة فی هذه المسألة على قول هؤلاء العلماء أیضا. ً([252])
وحجة أصحاب هذا الرأی:
1- ما جاء عن بشیر بن طلحة قال: قال الحسن: "إنَّ هَذِهِ الْمَکَاسِبَ قَدْ فَسَدَتْ فَخُذُوا مِنْهَا الْقُوتَ، أَیْ شِبْهَ الْمُضْطَرِّ".([253])
2- قالوا بأن صاحب المال له الحق فی أن لا یقتضی ما له من حرام، ولا یأمن أن یرجع صاحب المال المأخوذ منه علیه به.([254])
الراجح: یظهر لی -والله أعلم- أنه لا إشکال فی أخذ الأجرة ممن ماله حرام، ودلیل ذلک أن الأجرة کسب مباح وهی دین وحق فی ذمة المستأجر؛ کالدیون والحقوق التی فی ذمته، وعلیه فإنه یجب علیه أداؤها، ولا علاقة للدائن فی کسب المدین لسداد دینه، فکل أمرئ بما کسب رهین، طالما کان المأخوذ لیس حرامًا لذاته ولا حرامًا لحق الغیر؛ کالمسروق والمغصوب أو المأخوذ ظلمًا.
وقد یقال: ما الفارق بین هذه المسألة وبین سابقتها من مسائل، فقد قلنا بالکراهة لأخذ الهدیة وأکل الطعام ممن ماله غالبه الحرمة، والفارق ظاهر فی أن المال هنا مقابل العمل المبذول والجهد فلا تهمة ولا مفسدة بخلاف ما فی السابق، ولهذا ومن خلال البحث والدراسة فی هذه المسائل یظهر لی أنه یمکن وضع الضابط التالی لها ولأمثالها لتستجمع أحکامها من خلاله، وهذا الضابط هو: أن کل ما أخذ بحق ولم یکن فیه عون على محرم ولم یکن المأخوذ محرمًا لذاته، أو محرمًا لحق الغیر، جاز أخذه والانتفاع به من هذه الأموال وإلا فلا.
(هـ) أخذ الدین ممن ماله حرام :
قد یقترض البعض مالًا من بعض الأشخاص، وحین یرده إلیه یتبین أنه سیقضیه الدین من مال حرام، فهل له أخذه منه أم لا؟ وفی المسألة ما یلی من آراء:
أولا: ذهب الحنفیة إلى التفریق بین ما إذا کان الدین على مسلم أم على ذمی، فإن کان الدین على ذمی وقضى دینه من حرام؛ کثمن خمر باعه وأعطى الدائن الثمن، فأخذه صاحب الدین جاز ذلک له، وإن کان الدین على مسلم وقضى المسلم الدین من حرام؛ کما فی المثال السابق فلا یجوز لصاحب الدین أخذه فی هذه الحالة، وذلک لأن بیع الذمی للخمر مباح بخلاف المسلم.([255])
ثانیًا: وافق المالکیة الحنفیة فی جواز أخذ المسلم الدین من الذمی إذا قضى دینه من حرام([256])، ویظهر من التخریج على قول المالکیة فی مسألة أخذ الأجرة ممن ماله حرام([257])، جواز أخذ الدین أیضًا من المسلم إذا قضى دینه من حرام، والدلیل على ذلک ما تأصل عندهم من أن الحرام یترتب فی ذمة صاحبه، فهو المأخوذ به، والمسؤول عنه.([258])
ثالثًا: ذهب الحنابلة إلى ما ذهبوا إلیه فی مسألة أخذ الأجرة ممن ماله حرام، وما نصوا علیه فی ذلک فی موضعه([259])، والأدلة مبسوطة هناک فی المسألة السابقة على هذه الآراء تفصیلًا([260])، وما هو راجح هناک هو ما أرجحه هنا، والله أعلم.
وفی نهایة هذا المبحث ألفت النظر إلى أمر هام فی هذا الشأن وهو أنه یجدر بمن تعامل مع مکتسب المال الحرام وله حق عنده مراعاة ألا یکون خلاصه منه بهذا الحق على حساب حق إنسان آخر تعین حقه فی هذا المال وثبت ذلک له وإلا حرم علیه أخذه، أما إن تعلق هذا المال بحقوق أناس بغیر أعیانهم، وعنده من الأدلة ما یقطع بذلک، تصدق به عنهم، إلا إذا کان محتاجًا لهذا المال مثل حاجة من یتصدق علیهم بهذا المال، فله أن ینتفع به فی هذه الحالة بقدر دفع حاجته، وما زاد یتصدق به، ودفع حاجته هنا یتحقق بما یدفع عنه الفاقة والفقر ولو على الدوام؛ کأن یتخذ من هذا المال مشروعًا یقتات منه، وإن لم یتعلق هذا المال بحقوق للآخرین، حل له أخذه حکمًا، وإن کان الأولى ترکه تعففًا، والله أعلم.
المبحث الثالث
معالجة المال الحرام
وأقول هذه المعالجات مردها إلى استفسار أطرحه فی صورة سؤال وهو: هل یتعین الإتلاف طریقًا للتخلص من هذا المال الذی دارت حرکته فی غیاهب سوق مُظلِمة تتداول فیها التجارات المنکرة، وتتاح فیها الأعمال المستهجنة المحرمة، وتستباح فیها المحرمات، فأثَّرت سلبًا على الناتج منها، وتلوثت فیها العملات المتداولة بسبب عدم شرعیة التعاملات التی تمت فیها؟ أم أنه یمکن معالجة هذا المال لیرجع إلى أصله قبل أن تدخل علیه تلک الملوثات فیعود إلى سیرته الأولى، ویبعث بعثًا شرعیًا جدیدًا فیستفاد منه فی أعمال ترجع بالنفع على المسلمین؟ مثل الصدقة به على الفقراء والمحتاجین، أو بناء المساجد وإصلاحها، أو الانتفاع به فی المصالح العامة للمسلمین؛ کرصف الطرق وبناء الأسواق أو غیر ذلک من الأمور.
ظهر مما سبق بحثه أن المال الحرام لیس على صورة واحدة، فقد یکون المال محرمًا لعینه أو لذاته، وقد یکون المال محرمًا لکسبه ، والمحرَّم لکسبه قد یکون مأخوذًا برضا مالکه أو دون رضاه ، ومعالجة المال الحرام لا تصلح لکل صورة من هذه الصور، إذ إن لکل صورة حکمها وبیان ذلک فیما یلی:
الصورة الأولى: کل ما أخذ من أموال الآخرین بغیر حق أو رضا منهم؛ کالأموال المسروقة أو المغصوبة أو المختلسة من المال العام أو المأخوذة بالغش والخداع، فهذه الأموال لا بد من ردها إلى أصحاب الحقوق فیها، ولا یجوز التصرف فیها بأی نوع من أنواع التصرفات نیابة عن أصحابها الذین أخذت منهم ظلمًا وغدرًا ولا تبرأ ذمة مکتسبها إلا بذلک.([261])
الصورة الثانیة: أموال تم اکتسابها بإذن أصحابها لکن بدون إباحة من الشارع الحکیم، وهذه کالتعامل بالربا، والغش، والرشوة، والمیسر، والاتجار فی المحرمات، وامتهان المنکرات، والمال المدفوع ثمنًا للمعاصی، یضاف إلى هذا أیضًا ما تم أخذه من أصحابه بدون رضاهم وتعذر رده إلیهم لفقدهم أو عدم معرفتهم، وهذه الأموال بعد التوبة منها یمکن معالجتها للانتفاع بها عن طریق ما یلی:
(أ) الصدقة بهذه الأموال:
أولًا: ذهب جمهور العلماء([262]) إلى أن المال الحرام الذی من هذا النوع یمکن معالجته عن طریق التصدق به على الفقراء وأصحاب الحاجات([263]) وذلک لما یلی:
1- من السنة: بما جاء من أمر رسول الله -صلى الله علیه وسلم- بالتصدق بالشاة المصلیة التى قدمت إلیه ، إذ قال "أطعموها الأسارى"([264])
وجه الاستدلال من الحدیث: ظاهر فی إفادة الأمر بالتصدق بهذا النوع من المال الحرام. ([265])
2- من المعقول: فهذا المال مردد بین أن یضیع أو یلقى فی البحر وبین أن یصرف إلى وجه من وجوه الخیر وبالضرورة یعلم أن صرفه إلى خیر أولى من إلقائه فی البحر، فإنا إن رمیناه فی البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى الفقیر ولم تحصل منه فائدة، وإذا رمیناه فی ید الفقیر حصل للفقیر غناه وسد حاجته([266])، ولا یخالف ذو عقل فی أن هذه أولى؛ لأن الله تعالى نهى عن إضاعة المال.
ثانیًا: خالف جمهور العلماء فی هذه المسألة بعض السلف کالفضیل بن عیاض إذ کان یرى أن من عنده مال حرام لا یُعرَف أربابه أنه یُتلفه، ویُلقیه فی البحر، ولا یَتصدق به([267]) وحکی عنه أنه وقع فی یده درهمان فلما علم أنهما من غیر وجههما رماهما بین الحجارة([268])، ویستأنس لهذا الرأی بما یلی من نصوص:
1 - ما أخرجه مسلم فی صحیحه من حدیث أبی هریرة، قال: قال رسول الله -صلى الله علیه وسلم: "أیها الناس، إن الله طیب لا یقبل إلا طیبا، وإن الله أمر المؤمنین بما أمر به المرسلین، فقال: {یَا أَیُّهَا الرُّسُلُ کُلُوا مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّی بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ}([269]) وقال: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُلُوا مِنْ طَیِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاکُمْ}([270])، ثم ذکر الرجل یطیل السفر أشعث أغبر، یمد یدیه إلى السماء، یا رب، یا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذی بالحرام، فأنى یستجاب لذلک!" ([271])
2 – بما أخرجه البخاری فی صحیحه من حدیث أبی هریرة رضی الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من کسب طیب، ولا یقبل الله إلا الطیب، وإن الله یتقبلها بیمینه، ثم یربیها لصاحبه، کما یربی أحدکم فلوه، حتى تکون مثل الجبل». ([272])
وجه الاستدلال من هذین النصوص: یظهر من مجمل هذین النصوص أن الله لا یقبل الصدقة إذا کانت من حرام، وأنه لا یُتقرَّب إلى الله إلا بالطیب.([273])
والراجح هو ما علیه جمهور العلماء؛ لقوة أدلتهم، وللحاجة إلى فراغ الذمم من هذه الأموال المحرمة، وفی نفس الوقت نفع الفقراء، وأما ما استدل به المخالف فهذا الاستدلال لیس فی محله؛ لأن النصوص التی وردت إنما هی فی من یرید من وراء صدقته کسب الثواب والأجر، أما ما نحن فیه فالمراد به نفع الفقراء وتفریغ لذمة من تاب من الکسب الحرام بسبیل مشروع، وإن کنت أحسب له أجر الورع والخلاص من المال الحرام.
(ب) معالجة هذا النوع من المال المکتسب من حرام بصرفه للصالح العام؛ کبناء المساجد([274])، ورصف الطرق، وبناء القناطر والقیساریات، وغیر ذلک.
أولًا: ذهب جمهور العلماء إلى القول بجواز صرف هذا النوع من المال المکتسب من حرام للصالح العام.([275])
والوجه عندهم فی ذلک: أن هذه الأموال إن لم یعرف لها مالک کان حکمها أن ترصد للمصالح وهذه الأشیاء منها([276])، فمدار الشریعة على قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)([277])، وعلى أن الواجب تحصیل المصالح وتکمیلها؛ وتعطیل المفاسد وتقلیلها.([278])
ثانیًا: ذهب بعض العلماء؛ کأصبغ وابن القاسم من المالکیة إلى أن ذلک لا یحل([279])، وذکر الإمام الغزالی أن الورع فی ذلک کله ترک الانتفاع بهذه الأشیاء، ما لم یجد منه بد. ([280])
والوجه عند هؤلاء: أن المال الذی یشوبه حرام عندهم یلزم الصدقة بجمیعه، وأما المساجد فالصلاة عماد الدین، وهذا أحق ما احتیط فیه، وأهل الورع یتقون هذا ودونه.([281])
الراجح: الحقیقة أن هذا السبیل من سبل معالجة المال الحرام یستحق النظر والاهتمام؛ وذلک لأهمیته فی حیاتنا المعاصرة؛ لذلک یترجح هنا قول جمهور العلماء القائل بجواز صرف هذا المال الذی من هذا النوع من الکسب الحرام فی وجه من وجوه المصالح العامة التی یحتاجها جمیع المسلمین من أجهزة طبیة أو مستشفیات أو مساجد أو غیر ذلک مما فیه نفع الإسلام والمسلمین، لکن على أن یراعی فی ذلک أنه إذا قامت الدولة بذلک العمل فإنها تخلط هذا المال بغیره من أموالها حتى لا یخصص ما استخدم فیه هذا المال بوصف الحرمة، کذا إذا قام آحاد الناس ببناء مسجد أو مشفى مثلًا فلا یسمه باسم مکتسب هذا المال الحرام أو اسم ورثته أو غیر ذلک فهذا أسلم وأقوم والله أعلم.
الصورة الثالثة: من اکتسب مالًا محرمًا لذاته أو لعینه؛ کالخمر والخنزیر ، ونحوها، فهل یمکن معالجته عن طریق توکیل غیر المسلمین بالبیع أو الشراء، أو عن طریق تخلیل الخمر مثلًا؟ لیصح التمول والکسب من المسلم، أم یجب علیه إتلاف ذلک کله؟ ولا یجوز الانتفاع به مطلقًا.
(أ) توکیل المسلم غیر المسلم فی بیع أو شراء الخمر أو الخنزیر:
أولًا: ذهب جمهور الفقهاء من المالکیة والشافعیة والحنابلة وأبو یوسف ومحمد من الحنفیة إلى أن توکیل الذمی بالتعامل فی الخمر والخنزیر لا یجوز.([282])
ثانیًا: وقال أبو حنیفة: یجوز للمسلم أن یوکل ذمیا فی بیع الخمر وشرائها([283])، مع الکراهیة الشدیدة([284])، وهذا القول من مفردات أبی حنیفة ـ رحمه اللهـ . ([285])
سبب الخلاف فی المسألة: هو أن الملک یثبت عند الإمام أبی حنیفة للوکیل أولًا ثم ینتقل إلى الموکل، کما أن حقوق العقد تتعلق به، بینما عند الفقهاء الملک یثبت للموکل والوکیل نائب عنه فیما تصرف فیه عائد إلیه فمباشرته کمباشرته.
استدل أصحاب الرأی الأول على مذهبهم بأدلة منها ما یلی:
1- بما أخرجه البخاری فی صحیحه من حدیث عائشة ـ رضی الله عنهـا ـ قالت: لما نزلت آخر البقرة «قرأهن النبی صلى الله علیه وسلم علیهم فی المسجد، ثم حرم التجارة فی الخمر»([286])
وجه الدلالة من الحدیث: أن تحریم التجارة فی الخمر عام یشمل ما کان بتوکیل أو بغیره.
2- أخرج البخاری فی صحیحه من حدیث جابر بن عبد الله رضی الله عنهما، أنه: سمع رسول الله -صلى الله علیه وسلم- یقول عام الفتح وهو بمکة: «إن الله ورسوله حرم بیع الخمر، والمیتة والخنزیر والأصنام»، فقیل: یا رسول الله : أرأیت شحوم المیتة، فإنها یطلى بها السفن، ویدهن بها الجلود ویستصبح بها الناس؟ فقال: «لا، هو حرام»، ثم قال رسول الله صلى الله علیه وسلم عند ذلک: «قاتل الله الیهود إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأکلوا ثمنه». ([287])
وجه الدلالة من الحدیث: أن من وکل ذمیًا فی بیع الخمر، وأکل ثمنه، فقد أشبههم فی ذلک.([288])
3- إن الخمر نجسة محرمة، یحرم بیعها، والتوکیل فی بیعها، کالخنزیر یحرم بیعه، کما یحرم التوکیل فی بیعه([289])، وأن الوکیل وإن کان ذمیًا فقد
اشترى للمسلم مالا یصح أن یملکه ابتداء فلا یصح. ([290])
استدل الإمام أبو حنیفة على ما ذهب إلیه بأدلة منها: أن الوکیل فیما وکل به یتصرف تصرف الأصل لأهلیته لا لنیابته وانتقال الملک إلى الآمر حکمی فلا یمتنع بسبب الإسلام کما إذا ورثهما.([291])
لکن أجیب عن قوله: إن انتقال الملک إلى الآمر حکمی، بأن ذلک مترتب على صحة الوکالة أولًا، وهی باطلة لما تقدم أن المسلم لا یملک هذا التصرف فلا یملک أن یقیم غیره فیه مقامه. ([292])
الراجح: یظهر مما سبق صحة ما ذهب إلیه جمهور الفقهاء من عدم جواز توکیل غیر المسلم فی شراء الخمر أو بیعها؛ وذلک لدرء المفاسد التی من الممکن أن تفتح بسبب القول بجواز ذلک الأمر وهی عظیمة وخطیرة، کما أنه لو قیل بجواز ذلک لاقتصر أمر التحریم على الأکل أو الشرب فقط دون غیره من الأمور وهذا لا یوافق ما وردت به النصوص فی ذلک.
(ب) المعالجة عن طریق تخلیل الخمر:
المحرم لذاته إذا تغیرت ذاته أو تحولت بفعل المُکْتَسِب له، أو کان التغیر ناتجًا عن غیر فعله، فهل یظل الإشکال قائمًا لزوال سبب التحریم وهو ذات الشیء المحرم أم أن الحرمة ترتفع وتکون المعالجة لذات الشیء قد تسببت فی الانتفاع به مجددًا وصلاحه للعودة للاستعمال المباح شرعًا، یناسب هذا الکلام النظری کلام واقعی جاء فی حدیث الفقهاء عن مسألة تخلیل الخمر بنفسها أو بفعل فاعل لذلک، وفیها ما یلی:
أولًا: اتفق الفقهاء([293]) على أن الخمر إذا تخللت بغیر علاج، بأن تغیرت بنفسها وزالت أوصافها، فإن ذلک الخل حلال طاهر([294])؛ لأن علة التحریم والنجاسة الإسکار، وقد زالت، والحکم یدور مع علته وجودًا وعدمًا.
ثانیًا: اختلف الفقهاء فی علاج حرمة الخمر بالتخلیل إلى قولین:
الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الشافعیة والحنابلة، وروایة عند المالکیة إلى أن معالجة الخمر بالتخلیل لا تجوز([295])
الثانی: ذهب الحنفیة وقول عند المالکیة ووجه عند الحنابلة إلى أن الخمر إذا عولجت بالتخلیل لینتفع بها جاز ذلک. ([296])
أدلة القول الأول: استدل جمهور الفقهاء على مذهبهم من السنة بما یلی:
1- عن أنس، أن النبی -صلى الله علیه وسلم- سئل عن الخمر تتخذ خلا؟ فقال: «لا». ([297])
وجه الدلالة من الحدیث: جواب النبی -صلى الله علیه وسلم- ظاهر فی النهی وهو یفید التحریم.
2- عن أنس بن مالک: أن أبا طلحة سأل النبی -صلى الله علیه وسلم- أیتام ورثوا خمرًا، قال: " أهرقها" قال: أفلا أجعلها خلا؟ قال: "لا"([298])
وجه الدلالة من هذا الحدیث: أن النهی هنا یقتضی التحریم ، ولو کان إلى علاجها أو استصلاحها سبیل، لم تجز إراقتها، بل کان أرشدهم إلیه، سیما وهی لأیتام یحرم التفریط فی أموالهم([299])
أدلة القول الثانی: استدل الحنفیة ومن معهم من الفقهاء على جواز تخلیل الخمر بما یلی:
1- بما أخرجه الترمذی فی سننه من حدیث ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله علیه وسلم: «أیما إهاب دبغ فقد طهر»([300])
وجه الدلالة من الحدیث: أن فیه طهارة الجلد بالدباغ؛ وعلیه فإن تخلیل الخمر یقاس على دبغ الجلد، بجامع نجاسة العین فی کلیهما، والدبغ یکون بصنع العباد لا بطبعه، فکذلک التخلیل الذی یکون بصنع العباد جائز أیضًا.([301])
2- إن الآثار جاءت بإباحة خل الخمر على ما قال -علیه الصلاة والسلام: «خَیْرُ خَلِّکُمْ خَلُّ خَمْرِکُمْ»([302])، وإذا کان بالاتفاق یحل تناول خل الخمر، فالتخلیل بالعلاج یکون إصلاحًا للجوهر الفاسد بإزالة صفة الخمریة عنه، وذلک من الحکمة، فلا یکون موجبا للحرمة.([303])
3- من المعقول: أن المعالجة بالتخلیل لیس بتصرف فی الخمر على قصد تمول الخمر، بل هو إتلاف لصفة الخمریة، وبین تمول الخمر وإتلاف صفة الخمریة منافاة، فما کان الاقتراب من العین لإتلاف صفة الخمریة إلا نظیر الاقتراب منها لإراقة العین، وذلک جائز شرعا، فکان إتلاف صفة الخمریة بالتخلیل جائز ـ أیضًا ـ.([304])
الراجح: بعد دراسة الآراء فی هذه المسألة یظهر أن مسألة معالجة الخمر بالتخلیل لإصلاحها لا تجوز لأمور منها:
1- أن ما ورد من نصوص یدعم حرمة معالجة الخمر بالتخلیل، فإذا کانت خمر الأیتام قد أریقت فهذا واضح الدلالة على المراد، وإلا فهم أولى من غیرهم فی الحفاظ على أموالهم.
2- قد یؤدی القول بجواز ذلک إلى مفاسد عظیمة منها أن یتجرأ الناس على الخمر بحجة تخلیلها، فتنزع رهبة حکمها المغلظ من نفوس الناس بسبب التعامل معها ولو بالتخلیل، وربما اتخذت صناعة، أیضًا قد یعتذر شاربوها عن حیازتها وإمساکها بحجة تخلیلها وحینها لن یمکن التعرض لهم بأخذها منهم أو حتى محاسبتهم علیها.
الخاتمـــة
وفیها أهم النتائج والتوصیات:
أولًا: نتائج البحث:
1- تتأتی القوة التسویقیة والنفعیة للأشیاء عمومًا فی تعاملات المجتمع المسلم من احترام الشرع لها من حیث الحل والحرمة، إذ إن الشرع هو الأساس والمرجع لما یعد مالًا یصلح للتعامل به شرعًا وما لا یعد کذلک، فإن أنفس الأشیاء فی بلاد غیر المسلمین لا تعتبر ذا قیمة عندنا إذا لم یعدها الشرع مالًا متقومًا.
2- للتوبة أثر فی محو الذنوب وقد یکون للتوبة أثر فی انتفاع التائب من المال الحرام به فی بعض الحالات.
3- التعامل فی أرباح الأموال المکتسبة من حرام أخف وطأة من أصلها.
4- کل ما أخذ بحق ولم یکن فیه عون على محرم ولم یکن المأخوذ محرمًا لذاته، أو محرمًا لحق الغیر، جاز أخذه والانتفاع به من الآخرین من هذه الأموال، وإن کان الأفضل التعفف.
5- فی تعاملات غیر المسلمین من المعاهدین مع بعضهم البعض فیما کان حرامًا لعینه تقتضی ترکهم وما یدینون، مالم یظهروا ذلک لنا.
6- الفقهاء والعلماء وأهل الصلاح علیهم أن یتورعوا عن قبول دعوة وهدایا من اشتهر بکسب المال الحرام، حتى لا تصیر فتنة لغیرهم ممن یقتدون بهم.
7- أثر الکسب الحرام قد یمتد ویطال غیر مکتسبه ممن یتعاملون معه أو یتقاضون بعض الحقوق منه حسب نوع المال المکتسب من حرام.
8- حقوق الآخرین التی أخذت ظلمًا والمعینة بعینها أو بمالکها تظل لأصحابها بعد وفاة من أخذها لا یحلها المیراث للورثة، وعلیهم أن یرجعوا الحق إلى مستحقه.
9- من ابتلی من أصحاب الحقوق من الدائنین ومن تجب النفقة لهم بأخذ ما لهم من أموال من یکتسبون المال الحرام فإنهم یقتصرون على أخذ ما لهم بالمعروف ولا یتوسعون فی ذلک.
10- صحة العقد لا تعنی دائما ًنفی الحرمة والإثم، فقد تصح المعاملة وینفذ التصرف، لکن یظل عدم طیب الکسب عالقًا بأثر هذا التصرف.
11- لیس کل من حاز المال حل له أن ینتفع به فالمتاح غیر المباح.
ثانیًا: التوصیات:
1- استخدام المال الحرام فی المجتمعات هو نوع من الإفساد فیها یجب أن تتصدى له الجهات المعنیة بالأمر، نظرًا لتعطل جانب کبیر من القوة المادیة فی المجتمع تستخدم فقط لنفع طائفة لا تتورع عن الکسب الحرام.
2- أن تخصص جهة رسمیة تقوم على التعامل مع الأموال المکتسبة من نشاطات غیر مشروعة، وتیسیر أمر تصریفها فیما ینفع المسلمین من مصالح.
3- التوعیة بأضرار المال الحرام مع الإرشاد لفقه الحلال والحرام فی أماکن التعاملات الیومیة للناس، وکیف یتصرف من عنده شیء من هذه الأموال تصرفًا یوافق المطلوب شرعًا.
4- عدم التهاون فیما هو من حقوق الآخرین، أو ما هو متعین من أموال الناس، فإنها لا تحل بحال لأحد غیر أصحابها ویجب ردها إلیهم طالما ثبتت ملکیتهم لها بلا مخالفة شرعیة.
([1]) مختار الصحاح للرازی ص: 212، ت: یوسف الشیخ، ط: المکتبة العصریة، الدار النموذجیة، بیروت، صیدا، الخامسة 1420هـ.
([2]) القاموس المحیط للفیروزآبادى ص: 1312، ت: مکتب تحقیق التراث فی مؤسسة الرسالة، ط: مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، الثامنة 1426هـ.
([9]) ملاحظة: الحدیث فی هذا البحث عن المال المقطوع بحرمته بین الفقهاء، أما ما کان محل خلاف فقهی فی حرمته بین أصحاب المذاهب أو العلماء المعاصرین فهو خارج عن محل البحث.
([18]) التمول: صیانة الشیء وادخاره لوقت الحاجة، المبسوط للسرخسی 11/79، ط: دار المعرفة، بیروت 1414هـ.
([21]) الدلائل فی غریب الحدیث 2/597، قاسم السرقسطی، ت: محمد القناص، ط: مکتبة العبیکان، الریاض، الأولى 1422هـ.
([26]) وذکر بعض أمثلة هذین القسمین ابن شاس الجذامی فی کتابه: عقد الجواهر الثمینة فی مذهب عالم المدینة لابن شاس 3/1308، ت: حمید بن محمد لحمر، ط: دار الغرب الإسلامی، بیروت – لبنان، الأولى، 1423ه، وابن تیمیة فی الفتاوى الکبرى 4/209، ط: دار الکتب العلمیة، الأولى، 1408هـ.
([27]) المبسوط للسرخسی 11/49،50، ومثل کلام السرخسی ما جاء فی الاختیار لتعلیل المختار لمحمود بن مودود الموصلی 3/58. مطبعة الحلبی – القاهرة، 1356هـ.
([28]) النهر الفائق شرح کنز الدقائق لابن نجیم 3/191، ت: أحمد عزو عنایة، ط: دار الکتب العلمیة، الأولى، 1422هـ.
([29]) إرشاد السالک إلى أشرف المسالک لعبد الرحمن شهاب الدین ص: 102، ط: شرکة مکتبة ومطبعة مصطفى البابی الحلبی وأولاده، مصر، الثالثة.
([31]) المعونة على مذهب عالم المدینة ص: 1428، لابن نصر الثعلبی، ت: حمیش عبد الحقّ، ط: المکتبة التجاریة، مصطفى الباز، مکة المکرمة.
([34]) مغنی المحتاج إلى معرفة معانی ألفاظ المنهاج للخطیب الشربینی 3/337، ط: دار الکتب العلمیة، الأولى، 1415هـ.
([37]) المغنی لابن قدامة 9/130، وعند بهاء الدین المقدسی أیضًا فی العدة شرح العمدة ص: 609، ط: دار الحدیث، القاهرة 1424هـ.
([38]) فقد جاء عند الحنفیة قولهم: "لأنها آلات معدة للتلهی بها موضوعة للفسق، والفساد فلا تکون أموالًا" بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع للکاسانی 5/144.
([39]) مع ملاحظة: أن الفقهاء اختلفوا فی مسألة، ضمانها للذمی حال اتلافها، فالحنفیة والمالکیة على ضمانها له خلافًا للشافعیة والحنفیة، إلا أن الفقهاء قالوا: بردها له إذا غصبت منه، وللتفصیل فی ذلک یراجع المغنی لابن قدامة 5/222، 223، الذخیرة للقرافی 8/277، العزیز شرح الوجیز المعروف بالشرح الکبیر للرافعی 5/413، 414، ط: دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، الأولى 1417ه.
([40]) الهدایة شرح بدایة المبتدی للمرغینانی 3/78، ت: طلال یوسف، ط: دار احیاء التراث العربی، بیروت، لبنان.
([44]) بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع للکاسانی 7/147، المختصر الفقهی لابن عرفة 7/285، ت: د. حافظ عبد الرحمن محمد خیر، ط: مؤسسة خلف أحمد الخبتور للأعمال الخیریة، الأولى، 1435هـ، التاج والإکلیل لمختصر خلیل للعبدری المواق 7/318، ط: دار الکتب العلمیة، الأولى، 1416هـ، التهذیب فی اختصار المدونة للقیروانی 4/99، ت: الدکتور محمد الأمین، ط: دار البحوث للدراسات الإسلامیة وإحیاء التراث، دبی، الأولى 1423هـ، بل نص الحنفیة صراحة على صحة تملک الذمی للخمر والخنزیر حیث قالوا: "کما یصح منهم تملک الخمر، والخنزیر، وتملیکهما، فلا یعترض علیهم: بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع 2/311.
([45]) وذلک لأن النبی -صلى الله علیه وسلم- أمر بإراقة خمر الأیتام، فقد جاء عن أنس بن مالک: أن أبا طلحة سأل النبی -صلى الله علیه وسلم- أیتام ورثوا خمرًا، قال: " أهرقها" قال: أفلا أجعلها خلا؟ قال: "لا" أخرجه أبو داود فی سننه، کتاب: الأشربة، باب: فی الخمر تخلل 5/518، وأحمد فی مسنده 19/226 برقم 12189، والحدیث صححه ابن الملقن فی البدر المنیر 6/630، ط: دار الهجرة للنشر والتوزیع، الریاض، الاولى، 1425هـ.
([46]) المهذب للشیرازی 2/208، ط: دار الکتب العلمیة، المجموع شرح المهذب 14/274،282، البیان فی مذهب الإمام الشافعی لیحیى بن سالم العمرانی 7/81، ت: قاسم محمد النوری، ط: دار المنهاج، جدة، الأولى، 1421هـ، الکافی لابن قدامة 2/229، ط: دار الکتب العلمیة، الأولى، 1414هـ، المغنی لابن قدامة 5/223.
([47]) وجدت عبارة تناسب ذلک المعنى عند الحنفیة وهی قولهم: "یملکه ملکا خبیثا، لکن لا یحل له التصرف فیه" حاشیة ابن عابدین رد المحتار 5/99.
([49]) من الضمان حال الإتلاف، ومن أخذ المقابل فی البیع والإجارة، ومن حق الانتفاع لما أعدت له هذه الأشیاء، وغیر ذلک من حقوق الملکیة المعروفة.
([51]) المدونة للإمام مالک روایة الإمام سحنون 3/436، ط: دار الکتب العلمیة، الأولى، 1415هـ، ومثل ذلک ورد فی: التهذیب فی اختصار المدونة للقیروانی 3/362.
([55]) ولقد ذکر الفقهاء: "أن الخمر إما لذمی أو لمسلم" البنایة شرح الهدایة للبدر العینی 12/368، ط: دار الکتب العلمیة - بیروت، لبنان 1420هـ، حاشیة العدوی على کفایة الطالب الربانی 2/333، ت: یوسف الشیخ، ط: دار الفکر، بیروت 1414هـ.
([57]) یقول الکاسانی: "اشترى عصیرا للتجارة فصار خمرًا ثم صار خلًا: إنه للتجارة؛ لأن العارض هو التخمر وأثر التخمر فی زوال صفة التقوم ولا غیر، وقد عادت الصفة بالتخلل فصار مالا متقوما"، بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع 2/25.
([58]) مع ملاحظة أن مسألة الملک لهذا المال لا تعنی حل الانتفاع به من مکتسبه، وسیأتی بیان حکم الانتفاع بهذا المال، فی المطلب الثانی من هذا المبحث، حتى إن بعض الفقهاء ذکر أن صاحب هذا المال یتخلص منه بالصدقة، ومن هؤلاء: السرخسی فی المبسوط 5/70، وابن القیم فی زاد المعاد 5/691، ط: مؤسسة الرسالة، بیروت، مکتبة المنار الإسلامیة، الکویت، 1415هـ.
([61]) وسیأتی تفصیلًا بیان حکم العقد أو المعاملة التی تجرى بهذا المال المکتسب من حرام، فی المطلب الثالث من هذا المبحث.
([64]) الطُّنْبُورُ: وَهُوَ آلَة من آلَات الطَّرب، المعجم الوسیط مجمع اللغة العربیة 1/140، ط: دار الدعوة.
([71]) لکن یلاحظ هنا أن الحنابلة قالوا: بعدم لزوم رد الخمر إلى المسلم ووجوب إراقتها. المغنی لابن قدامة 5/222، لکن أقول: هذا لا یناقض الفعل الاختیاری من الغاصب إذا قام برد الخمر المغصوبة إلى صاحبها المسلم.
([72]) المجموع شرح المهذب للنووی 14/282، البیان فی مذهب الإمام الشافعی 7/81، المغنی لابن قدامة 5/222.
([73]) الأصل لمحمد بن الحسن الشیبانی 7/242/243، ت: محمَّد بوینوکالن، ط: دار ابن حزم، بیروت، لبنان، الأولى 1433هـ، شرح مختصر خلیل للخرشی 8/96، المغنی لابن قدامة 9/132، شرح الزرکشی على مختصر الخرقی 6/351، ط: دار العبیکان، الأولى، 1413هـ، الأم للشافعی 6/159، روضة الطالبین وعمدة المفتین للنووی 10/116، ت: زهیر الشاویش، ط: المکتب الإسلامی، بیروت، دمشق، عمان، الثالثة، 1412هـ.
([74]) التبصرة للخمی 13/6100، ت: أحمد نجیب، ط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیة، قطر، الأولى، 1432هـ.
([75]) المجموع شرح المهذب للنووی 9/378، الإقناع للحجاوی المقدسی 2/83، ت: عبد اللطیف السبکی، ط: دار المعرفة بیروت، لبنان.
([76]) اقتضاء الصراط المستقیم لمخالفة أصحاب الجحیم لابن تیمیة 2/47، ت: ناصر العقل، ط: دار عالم الکتب، بیروت، لبنان، 1419هـ.
([77]) فمثلًا: قد یتزرع بأن حیازتها لغرض غیر الشرب، أو أنها لزوجته الکتابیة، أو غیر ذلک، ومما نص علیه الحنفیة "مسلم له امرأة من أهل الذمة لیس له أن یمنعها من شرب الخمر، وله أن یمنعها من إدخال الخمر بیته"، وإذا کان من حقه منعها من حیازة الخمر فی بیته، فقد یتنازل عن هذا الحق، وحینها یتعلل بأن الخمر لزوجته لا له. البحر الرائق شرح کنز الدقائق لابن نجیم 8/230.
([79]) جاء فی الفقه الشافعی: "وإن غصب خمرًا نظرت، فإن غصبها من ذمی لزمه ردها علیه؛ لأنه یقر على شربها فلزمه ردها" المهذب للشیرازی 2/208، المجموع شرح المهذب للنووی 14/274.
([81]) شرح الزرکشی على مختصر الخرقی 4/184، یقول الحنفیة: "لأنهم لما قبلوا الجزیة صاروا کالمسلمین فیما لهم وعلیهم إلا الخمر والخنزیر فإنهم أقروا بعقد الأمان على أن یکون ذلک مالا لهم فلو لم یجز تصرفهم خرج ذلک من أن یکون مالا وفیه نقض الأمان" تبیین الحقائق شرح کنز الدقائق للزیلعی 4/126، ط: المطبعة الکبرى الأمیریة، بولاق، القاهرة، الأولى، 1313 هـ.
([85]) أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب: البیوع، باب: قول الله تعالى: (یَاأَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تَأْکُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ) ، آل عمران: 130، (3/59) .
([89]) حاشیة العدوی على کفایة الطالب الربانی 2/418، ومثل ذلک أیضًا فی: الثمر الدانی شرح رسالة ابن أبی زید القیروانی للآبی الأزهری ص: 664. ط: المکتبة الثقافیة، بیروت.
([92]) والمال المحرم لعینه أو لذاته یراد به: کل عین تعلَّق التحریم بذاتها، کالخمر، والأصنام، والخنزیر، ونحوها.
([93]) المبسوط للسرخسی 11/49،50، ومثل کلام السرخسی ما جاء فی الاختیار لتعلیل المختار 3/58، النهر الفائق شرح کنز الدقائق لابن نجیم 3/191، إرشاد السالک إلى أشرف المسالک لعبد الرحمن شهاب الدین ص: 102، المعونة على مذهب عالم المدینة لابن نصر الثعلبی ص: 1428، المجموع شرح المهذب للنووی 9/351، مغنی المحتاج إلى معرفة معانی ألفاظ المنهاج للخطیب الشربینی، 3/337، عمدة الفقه لابن قدامة ص: 137، المغنی لابن قدامة 9/130.
([96]) المجموع شرح المهذب 6/208، الإنصاف فی معرفة الراجح من الخلاف للمرداوی، ط: دار إحیاء التراث العربی 11/213، ولا أدل على ذلک من قوله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ یَتُوبُ عَلَیْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) ، المائدة: 39، وقوله تعالى: (قُلْ یَاعِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ)، الزمر: 53
([97]) المبسوط للسرخسی 11/112، الاختیار لتعلیل المختار لمحمود بن مودود 3/61، الذخیرة للقرافی 5/398، شرح الزرقانی على مختصر خلیل وحاشیة البنانی 5/102، ط: دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، الأولى، 1422هـ، المجموع شرح المهذب للنووی 9/351، الإنصاف فی معرفة الراجح من الخلاف للمرداوی 11/213، زاد المعاد فی هدی خیر العباد لابن القیم 5/691.
([98]) خالف جمهور العلماء فی هذه المسألة: الفضیل بن عیاض فکان یرى "أن من عنده مال حرام لا یُعرَف أربابه أنه یُتلفه، ویُلقیه فی البحر، ولا یَتصدق به، وقال: لا یُتقرَّب إلى الله إلا بالطیب" البحر المحیط الثجاج فی شرح صحیح الإمام مسلم بن الحجاج للولوی 19/403، ط: دار ابن الجوزی، الأولى 1426-1436هـ، جامع العلوم والحکم عبد الرحمن السَلامی 1/268، ت: شعیب الأرناؤوط، ط: مؤسسة الرسالة – بیروت، السابعة، 1422هـ.
([100]) حیث عقب النووی مؤیدًا لذلک فقال: "وهذا الذی قاله الغزالی فی هذا الفرع ذکره آخرون من الأصحاب وهو کما قالوه، ونقله الغزالی ـ أیضًا ـ عن معاویة بن أبی سفیان وغیره من السلف عن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبی وغیرهما من أهل الورع؛ لأنه لا یجوز إتلاف هذا المال ورمیه فی البحر فلم یبق إلا صرفه فی مصالح المسلمین" المجموع شرح المهذب للنووی 9/351.
([102]) إذ جاء عنه قوله: "ولا یحل هذا المال للبغی والخمار ونحوهما؛ لکن یصرف فی مصالح المسلمین، فإن تابت هذه البغی وهذا الخمار وکانوا فقراء، جاز أن یصرف إلیهم من هذا المال مقدار حاجتهم، فإن کان یقدر أن یتجر أو یعمل صنعة؛ کالنسج والغزل، أعطی ما یکون له رأس مال وإن اقترضوا منه شیئا لیکتسبوا به ولم یردوا عوض القرض کان أحسن" مجموع الفتاوى لابن تیمیة 29/309 و 22/142، ت: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط: مجمع الملک فهد لطباعة المصحف الشریف، المدینة المنورة، 1416هـ، اقتضاء الصراط المستقیم لمخالفة أصحاب الجحیم لابن تیمیة 2/46.
([104]) أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب: المساقاة، باب تحریم ثمن الکلب، وحلوان الکاهن، ومهر البغی، والنهی عن بیع السنور 3/1199.
([106]) أخرجه ابن أبی شیبة فی مصنفه، کتاب: البیوع والأقضیة، باب: فی الرجل یصیب المال الحرام، ثم یندم 4/561، رجاله ثقات والزهری من التابعین له روایة عن ابن عمر وغیره.
([107]) جامع العلوم والحکم لعبد الرحمن السَلامی 1/268، البحر المحیط الثجاج فی شرح صحیح الإمام مسلم بن الحجاج 19/403.
([117]) نص الحدیث: عَنْ أَبِی ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّی لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ یُؤْتَى بِهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ، فَیُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَیْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ کِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَیْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَیُقَالُ: عَمِلْتَ یَوْمَ کَذَا وَکَذَا کَذَا وَکَذَا، وَعَمِلْتَ یَوْمَ کَذَا وَکَذَا کَذَا وَکَذَا، فَیَقُولُ: نَعَمْ، لَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یُنْکِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ کِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَیْهِ، فَیُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَکَ مَکَانَ کُلِّ سَیِّئَةٍ حَسَنَةً، فَیَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْیَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا " فَلَقَدْ رَأَیْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ ضَحِکَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ" أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب: الإیمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فیها 1/177
([123]) مواهب الجلیل فی شرح مختصر خلیل للحطاب 6/231، ط: دار الفکر، الثالثة، 1412هـ، الحاوی الکبیر للماوردی 17/30، دار الکتب العلمیة، بیروت – لبنان، الأولى، 1419هـ، فتح الباری لابن حجر 11/103، دار المعرفة - بیروت، 1379 ترقیم: فؤاد عبد الباقی، التحریر والتنویر للطاهر بن عاشور 28/368، الدار التونسیة للنشر، تونس، 1984هـ، تفسیر الشعراوی 15/9134، ط: مطابع أخبار الیوم.
([124]) شرح التلقین 3/1/96 ،97، لمحمد بن عمر التَّمِیمی، ت: الشیخ محمَّد المختار السّلامی، ط: دار الغرب الإِسلامی، الأولى، 2008م.
([125]) المبسوط للسرخسی 15/138، فتح القدیر للکمال ابن الهمام 7/211، ط: دار الفکر، البحر الرائق شرح کنز الدقائق لابن نجیم 6/256، المجموع شرح المهذب 14/375، روضة الطالبین وعمدة المفتین للنووی 5/132، العزیز شرح الوجیز المعروف بالشرح الکبیر للرافعی 6/28، المغنی لابن قدامة 5/205، شرح منتهى الإرادات للبهوتی 2/321،322، ط: عالم الکتب، الأولى، 1414هـ، کشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتى 4/113، ط: دار الکتب العلمیة، حاشیة الروض المربع لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم 5/410، ط: الأولى 1397هـ.
([127]) العزیز شرح الوجیز المعروف بالشرح الکبیر للرافعی، ط: العلمیة 6/28. والحقیقة أن الاستدلال بهذا الحدیث فی هذا الموضع محل نظر؛ لأنه لا یوجد حرام فی الأصل أو الربح.
([131]) شرح مختصر خلیل للخرشی 6/143، المجموع شرح المهذب 14/375، روضة الطالبین وعمدة المفتین للنووی 5/132، العزیز شرح الوجیز المعروف بالشرح الکبیر للرافعی، ط: العلمیة 6/28.
([132]) الرسالة للقیروانی ص: 121، ط: دار الفکر، الثمر الدانی شرح رسالة ابن أبی زید القیروانی ص: 567، حاشیة العدوی على کفایة الطالب الربانی 2/286.
([133]) أخرجه أبو داود فی سننه، کتاب: البیوع، باب: فیمن اشترى عبدا فاستعمله، ثم وجد به عیبا سنن 5/368، وابن ماجة فی سننه، کتاب: أبواب التجارات، باب: الخراج بالضمان 3/353، والترمذی فی السنن، کتاب: البیوع، باب: ما جاء فیمن یشتری العبد ویستغله ثم یجد به عیبًا، وقال: هذا حدیث حسن صحیح 3/574.
([138]) ونص الحدیث طویل أخرجه مالک فی الموطأ، فی کتاب القراض عَنْ زَیْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِیهِ 2/289، برقم: 2429.
([141]) أخرجه أبو داود فی سننه، کتاب: البیوع، باب: إذا زرع الرجل فی الأرض بغیر إذن صاحبها 5/282، وابن ماجة فی سننه، کتاب: الرهون، باب معاملة النخیل والکرم 3/525، والترمذی فی سننه، کتاب: أبواب الأحکام، باب: ما جاء فیمن زرع فی أرض قوم بغیر إذنهم 3/640، وقال: هذا حدیث حسن غریب، وصححه الألبانی فی إرواء الغلیل 5/351.
([143]) الاختیار لتعلیل المختار لمحمود بن مودود 3/61، المجموع شرح المهذب للنووی 9/351، مجموع الفتاوى لابن تیمیة 29/309، ولیراجع ذلک فی موضعه السابق حین الحدیث عن الانتفاع بأصل المال فی الفرع الأول من هذا المطلب.
([147]) حاشیة ابن عابدین رد المحتار على الدر المختار 4/505، 5/49، مجمع الأنهر فی شرح ملتقى الأبحر لشیخی زاده 2/54، ط: دار إحیاء التراث العربی، شرح مختصر خلیل للخرشی 5/67، بدایة المجتهد ونهایة المقتصد لابن رشد 3/145،146، ط: دار الحدیث – القاهرة، 1425هـ، العزیز شرح الوجیز المعروف بالشرح الکبیر للرافعی 4/23، المغنی لابن قدامة 4/169، الکافی لابن قدامة 2/6.
([148]) بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع 4/189، المدونة 3/436، مواهب الجلیل فی شرح مختصر خلیل للحطاب 5/419، کفایة النبیه فی شرح التنبیه لابن الرفعة 11/210، ت: مجدی باسلوم، ط: دار الکتب العلمیة، الأولى 2009م، تحریر الفتاوى المسمى: (النکت على المختصرات الثلاث) للمِهْرانی 2/264، ط: دار المنهاج للنشر والتوزیع، جدة، السعودیة، الأولى، 1432هـ، المحرر فی الفقه لابن تیمیة 1/356، ط: مکتبة المعارف، الریاض، الطبعة الثانیة 1404هـ .
([150]) وهنا ألفت النظر إلى أنی فی هذه الدراسة لا أتتبع ما یتعلق بتفصیلات المعاملة أو العقد المبرم، وهل استوفی شروط الصحة أو لا؟ أو ما یلزم لذلک، بل أدرس الحکم العام للعقد عند الفقهاء من حیث الصحة وعدمها، أو إمکان الوقوع أو عدم إمکانه؛ وذلک لمعرفة أثر الکسب الحرام الذی من هذا النوع على حکم إبرام العقد.
([151]) البحر الرائق شرح کنز الدقائق لابن نجیم 6/86، المحیط البرهانی لابن مَازَةَ البخاری 6/341، ط: دار الکتب العلمیة، بیروت – لبنان، الأولى 1424ه، مجمع الضمانات ص: 120، لغانم بن محمد البغدادی، ط: دار الکتاب الإسلامی، منح الجلیل شرح مختصر خلیل للشیخ علیش 7/133، الذخیرة للقرافی 8/298، الإنصاف فی معرفة الراجح من الخلاف للمرداوی 6/204.
([159]) أسنى المطالب فی شرح روض الطالب لمحمد بن زکریا الأنصاری 2/360، ط: دار الکتاب الإسلامی، المبدع فی شرح المقنع لابن مفلح 5/46،47، ط: دار الکتب العلمیة، بیروت – لبنان، الأولى، 1418هـ، الإنصاف فی معرفة الراجح من الخلاف للمرداوی 6/203،204.
([160]) والمقصود بالحکمیة: أی ما یحکم علیها بالصحة والفساد، الروض المربع شرح زاد المستقنع للبهوتی ص: 428، ط: دار المؤید - مؤسسة الرسالة.
([163]) أخرجه أبو داود فی سننه، کتاب: البیوع، باب: فی الرجل یبیع ما لیس عنده 5/215، وابن ماجة فی سننه، کتاب: التجارات، باب: النهی عن بیع ما لیس عندک، وعن ربح ما لم یضمن 2/737، والترمذی فی سننه، أبواب البیوع، باب: ما جاء فی کراهیة بیع ما لیس عندک 2/525، قال الألبانی صحیح، إرواء الغلیل فی تخریج أحادیث منار السبیل 5/132.
([166]) البیان فی مذهب الإمام الشافعی 5/67، مغنی المحتاج إلى معرفة معانی ألفاظ المنهاج 2/351، ونقل ذلک عنهم الحنفیة أیضًا فی بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع للکاسانی 5/148.
([167]) المبدع فی شرح المقنع لابن مفلح 5/46، 47، الإنصاف فی معرفة الراجح من الخلاف للمرداوی 6/203 ،204.
([176]) ومن أراد فقهًا زائدًا وتأصیلًا أصولیًا لهذه المسألة، فلیراجع کتب أصول الفقه فی مباحث صیغ النهی فبابه واسع هناک.
([178]) دلیل الطالب لنیل المطالب للکرمى ص: 127، ت: أبو قتیبة الفاریابی، ط: دار طیبة للنشر والتوزیع، الریاض، الأولى، 1425هـ.
([185]) المبسوط للسرخسی 5/89، بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع 2/278، روضة الطالبین وعمدة المفتین للنووی 7/258، الوسیط فی المذهب لأبی حامد الغزالی 5/221، ت: أحمد إبراهیم، محمد تامر، ط: دار السلام، القاهرة، الأولى 1417، تحریر الفتاوى للمِهْرانی 2/621، المغنی لابن قدامة 7/222، 223، الإنصاف للمرداوی 8/245، المبدع فی شرح المقنع لابن مفلح 6/200.
([186]) مواهب الجلیل فی شرح مختصر خلیل للحطاب 3/509، المغنی لابن قدامة 7/222، 223، الشرح الکبیر على متن المقنع لابن قدامة 8/26، ط: دار الکتاب العربی للنشر والتوزیع، وقد فصل المالکیة فی المسألة فجاء عنهم: أرأیت لو أن رجلا من المسلمین تزوج امرأة على خمر، فدخل بها أو لم یدخل بها أو تطاول زمانه معها حتى ولدت له أولادا، أتجیز هذا النکاح وتجعل للمرأة صداق مثلها أم لا تجیزه؟ قال: إذا دخل بها کان لها صداق مثلها، وهو بمنزلة الجنین فی بطن أمه أو البعیر الشارد أو الثمرة التی لم یبد صلاحها وإن لم یدخل بها فسخ نکاحها ولم یثبتا علیه. المدونة للإمام مالک روایة الإمام سحنون 2/147.
([190]) أخرجه البیهقی فی السنن الکبرى، کتاب: النکاح، باب: لا نکاح إلا بشاهدین عدلین، قال الألبانی: رجاله ثقات رجال مسلم، إرواء الغلیل فی تخریج أحادیث منار السبیل 6/260.
([191]) البیان والتحصیل لابن رشد القرطبی4/370، 371، ط: دار الغرب الإسلامی، بیروت، لبنان، الثانیة، 1408هـ.
([192]) الهدایة فی شرح بدایة المبتدی 2/261، المبسوط للسرخسی 6/194، التاج والإکلیل لمختصر خلیل للعبدری المواق 5/277، المختصر الفقهی لابن عرفة 4/106، المجموع شرح المهذب 17/28، کشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتى 5/220.
([196]) وقد نص الفقهاء على مفاد ذلک فی عدد من المواضع فی کتبهم، من ذلک: حاشیة ابن عابدین رد المحتار 5/99، منح الجلیل شرح مختصر خلیل للشیخ علیش 2/416، التاج والإکلیل لمختصر خلیل للعبدری المواق 6/593، النجم الوهاج فی شرح المنهاج للدَّمِیری 8/270، ط: دار المنهاج، جدة، الأولى، 1425هـ، الإنصاف للمرداوی 8/322، 323.
([197]) مجمع الأنهر فی شرح ملتقى الأبحر لشیخی زاده 2/529، عیون المسائل للسمرقندی ص: 478، ت: صلاح الناهی، ط: مطبعة أسعد، بَغْدَاد 1386هـ، الذخیرة للقرافی 13/318، الفروع وتصحیح الفروع لابن مفلح 4/389، 392.
([199]) الذخیرة للقرافی 13/318، عقد الجواهر الثمینة فی مذهب عالم المدینة لابن شاس 3/1306، مغنی المحتاج إلى معرفة معانی ألفاظ المنهاج للخطیب الشربینی، 4/406، الفروع وتصحیح الفروع لابن مفلح 4/389، ت: الترکی، ط: مؤسسة الرسالة، الأولى 1424هـ.
([201]) أخرجه أبو داوود فی سننه، کتاب: الأقضیة، باب: فى کراهیة الرشوة 3/326، وأخرجه الترمذی فی سننه، کتاب: الأحکام، باب ما جاء فی الراشی والمرتشی فی الحکم 3/623، وقال: هذا حدیث حسن صحیح، وصححه الألبانی فی مشکاة المصابیح 2/354، ط: المکتب الإسلامی، بیروت، الثالثة، 1985م.
([203]) أخرجه عبد الرزاق فی مصنفه، کتاب: البیوع، باب: طعام الأمراء وأکل الربا 8/151، برقم: 14681، وهذا الأثر منقطع فمعمر لم یسمع من الحسن البصری وإن کان قد شهد جنازته إلا أنه قال: طلبت العلم سنة مات الحسن، تهذیب التهذیب لابن حجر العسقلانی 10/243، 244، ط: دائرة المعارف النظامیة، الهند، الأولى، 1326هـ.
([204]) والعَریفُ: القیّم بأمرِ قومٍ عرّفَ علیهم، العین للخلیل الفراهیدی 2/121، ط: دار ومکتبة الهلال.
([206]) أخرجه عبد الرزاق فی مصنفه، کتاب: البیوع، باب: طعام الأمراء وأکل الربا 8/151، برقم: 14679، هذا سند صحیح متصل إلى إبراهیم بن یزید النخعی، ومنصور الراوی عنه هو ابن المعتمر، ورجاله کلهم ثقات، وإبراهیم النخعی قال عنه ابن حجر: الفقیه الثقة إلا أنه یرسل کثیرًا، مات سنة ست وتسعین، تقریب التهذیب لابن حجر العسقلانی ص 95، ت: محمد عوامة، ط: دار الرشید، سوریا، الأولى، 1406، مع ملاحظة أن إبراهیم النخعی لم تثبت رؤیته للصحابة، فهو على الراجح من أتباع التابعین.
([207]) أَیْ یَأخُذُون مِنْهُم عَلَى سَبیل القَهْر والغَلَبة، النهایة فی غریب الحدیث والأثر لابن الأثیر 5/274، ط: المکتبة العلمیة، بیروت، 1399هـ.
([208]) النهایة فی غریب الحدیث والأثر 5/274، ولم أقف علیه فی کتب الحدیث المسندة، ولم یذکره ابن الأثیر فی النهایة بإسناد کعادته.
([209]) التاج والإکلیل لمختصر خلیل للعبدری المواق 6/593، مسائل أبی الولید ابن رشد 1/560، ط: دار الجیل، بیروت، دار الآفاق الجدیدة، المغرب، الثانیة 1414هـ.
([211]) النوادر والزیادات على ما فی المدونة من غیرها من الأمهات للقیروانی 6/178، 6/179، ط: دار الغرب الإسلامی، بیروت، الأولى، 1999م، الجامع لمسائل المدونة لمحمد بن عبدالله الصقلی 13/996، ط: معهد البحوث العلمیة وإحیاء التراث الإسلامی، جامعة أم القرى، توزیع: دار الفکر للطباعة والنشر1434هـ.
([212]) فتاوى دار الإفتاء المصریة 6/122، فتوى بعنوان: "حرمة دراهم البنک والسبرتو ومیتة السلحفاة" موضوع رقم: 413، محرم 1325ه.
([213]) المدونة 3/645، شرح الزرقانی على مختصر خلیل وحاشیة البنانی 6/439، حاشیتا قلیوبی وعمیرة 2/418، روضة الطالبین وعمدة المفتین للنووی 4/275، کشاف القناع عن متن الإقناع 3/496، شرح منتهى الإرادات للبهوتی 2/207.
([216]) شرح مختصر الطحاوی للجصاص 3/255، ط: دار البشائر الإسلامیة، ودار السراج، الأولى 1431هـ، المدونة للإمام مالک روایة الإمام سحنون 3/645.
([220]) البیان فی مذهب الإمام الشافعی 7/112، بحر المذهب للرویانی 7/67، ت: طارق السید، ط: دار الکتب العلمیة، الأولى 2009م، المغنی لابن قدامة 5/289.
([221]) حاشیة ابن عابدین رد المحتار 5/99، منح الجلیل شرح مختصر خلیل 2/416، التاج والإکلیل لمختصر خلیل 6/591، المجموع شرح المهذب للنووی 9/351، المغنی لابن قدامة 4/202، الإنصاف فی معرفة الراجح من الخلاف للمرداوی 8/323.
([229]) وقد ذکر الفقهاء أن النفقة الواجبة هی المطعم والملبس والمسکن، درر الحکام شرح غرر الأحکام لملا خسرو 1/412، ط: دار إحیاء الکتب العربیة، البحر الرائق شرح کنز الدقائق 2/338، مختصر خلیل ص: 136، ط: دار الحدیث، القاهرة، الأولى، 1426هـ، التاج والإکلیل لمختصر خلیل 5/541، الأم للشافعی 5/94، الإقناع للحجاوی المقدسی فی فقه الإمام أحمد 4/136.
([230]) النساء: 34 یقول الطبری فی تفسیر هذه الآیة الکریمة: "الرجال أهل قیام على نسائهم، فی تأدیبهن والأخذ على أیدیهن فیما یجب علیهن لله ولأنفسهم "بما فضّل الله بعضهم على =بعض"، یعنی: بما فضّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إلیهنّ مهورهن، وإنفاقهم علیهنّ أموالهم، وکفایتهم إیاهن مُؤَنهنّ، وذلک تفضیل الله تبارک وتعالى إیاهم علیهنّ؛ ولذلک صارُوا قوّامًا علیهن، نافذی الأمر علیهن فیما جعل الله إلیهم من أمورهن". تفسیر الطبری، جامع البیان 8/290، ت: أحمد محمد شاکر، ط: مؤسسة الرسالة، الأولى، 1420هـ.
([232]) وجاء فی حاشیة الصاوی على الشرح الصغیر وهو یرى وجوب طلاق الزوج لزوجته إذا لحقه الضرر من طریق الإنفاق الحرام علیها، قوله:" ومحل وجوب طلاقها عند الإنفاق =علیها من حرام ما لم یخش بفراقها الزنا، وإلا فلا یجب علیه طلاق ویقتصد مهما أمکن"، بلغة السالک لأقرب المسالک للصاوی 2/536. أقول: ومراعاة ضرر المرأة من الإنفاق علیها من الحرام لا یقل خطرًا عن ذلک؛ لذا إن طلبت الطلاق أستجیب لها.
([237]) الفقه المنهجی على مذهب الإمام الشافعی 7/175، دار القلم للطباعة والنشر، دمشق، الرابعة 1413هـ.
([245]) أخرجه ابن أبی شیبة فی مصنفه 4/564، وقال عنه شعیب الأرنؤوط: "خرجه الخلال بإسناد صحیح" جامع العلوم والحکم 1/202.
([246]) أخرجه عبد الرزاق فی مصنفه، کِتَابُ: الْبُیُوعِ، بَابُ: طَعَامُ الْأُمْرَاءِ وَأَکْلُ الرِّبَا 8/150، وصححه الوَلَّوِی فی ذخیرة العقبى فی شرح المجتبى 40/336، وصححه ابن رجب السَلامی فی جامع العلوم والحکم، ت: الأرنؤوط 1/201.
([252]) یدل على هذا التخریج ما ذکره المرداوی بعد أن ذکر الخلاف فی حکم قبول الهدیة ممن ماله حرام ذکر قوله: "قال فی الفروع: وینبنی على هذا الخلاف: حکم معاملته، وقبول صدقته وهبته، وإجابة دعوته، ونحو ذلک"، أیضًا جاء عند ابن رشد: "قال الحسن، وابن سیرین، فی رجل له على رجل دین، فقضاه من الربا والقمار؟ قالا: لا بأس به، قال أحمد: لا یعجبنی هذا ینبغی له أن یرد الربا إلى صاحبه". فقول الإمام: لا ینبغی، یشعر بالکراهة. الإنصاف فی معرفة الراجح من الخلاف للمرداوی 8/322 ، 323، مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهویه للکوسج 6/2875، نشر: عمادة البحث العلمی، الجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة، الأولى، 1425هـ.
([253]) الورع لابن أبی الدنیا ص: 118، ت: محمد الحمود، ط: الدار السلفیة – الکویت، الأولى، 1408، ذخیرة العقبى فی شرح المجتبى للوَلَّوِی 40/337، ط: دار المعراج الدولیة ، دار آل بروم، الأولى، جامع العلوم والحکم للسَلامی 1/202، ت: الأرنؤوط، ط: مؤسسة الرسالة – بیروت، السابعة 1422هـ.
([255]) درر الحکام شرح غرر الأحکام لملا خسرو 1/318، الجوهرة النیرة على مختصر القدوری للزَّبِیدِیّ 2/287.
([257]) وقد ظهر ذلک فی المسألة السابقة، ومن مراجعهم فی ذلک: مواهب الجلیل فی شرح مختصر خلیل للحطاب 5/419، منح الجلیل شرح مختصر خلیل للشیخ علیش 7/489.
([259]) فی المسألة السابقة مباشرة. یعضد ذلک ویقویه هنا: ما جاء عن الکوسج من قوله: "قال إسحاق بن منصور: قلت: قال الحسن وابن سیرین فی رجل له على رجل دین، فقضاه من الربا والقمار؟ لا بأس به. قال أحمد: لا یعجبنى هذا ینبغی له أن یرد الربا إلى صاحبه" مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهویه 6/2875.
([262]) المبسوط للسرخسی 11/112، بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع للکاسانی 2/299، الاختیار لتعلیل المختار لمحمود بن مودود 3/61، شرح التلقین لمحمد بن عمر التَّمِیمی 3/1/128، المجموع شرح المهذب للنووی 9/351، المغنی لابن قدامة 4/202، 5/205، مطالب أولی النهى فی شرح غایة المنتهى للرحیبانى 4/65.
([263]) إلا أن الحنفیة اشترطوا ألا یرجى الثواب من هذا العمل، فقد جاء عند ابن عابدین قوله: "رجل دفع إلى فقیر من المال الحرام شیئا یرجو به الثواب یکفر، ولو علم الفقیر بذلک فدعا له وأَمَّن المُعطی کَفَرا جمیعا"، حاشیة ابن عابدین على الدر المختار 2/292.
([264]) أخرجه أحمد فی مسنده 37/186، وأبو داود فی سننه، کتاب: البیوع، باب: اجتناب الشبهات 5/221، والدارقطنی فی سننه، کتاب: الأشربة وغیرها، باب: الصید والذبائح والأطعمة وغیر ذلک 5/514، والحدیث قال عنه الألبانی: سنده صحیح، سلسلة الأحادیث الصحیحة وشیء من فقهها وفوائدها للألبانی 2/383، ط: مکتبة المعارف للنشر والتوزیع، الریاض، ط: الأولى.
([267]) البحر المحیط الثجاج فی شرح صحیح الإمام مسلم بن الحجاج للولوی 19/403، جامع العلوم والحکم عبد الرحمن السَلامی 1/268.
([274]) اعتبر الفقهاء أن بناء المساجد من المصالح فقد جاء عند الحنفیة قولهم: "یصرف فی بناء المساجد والبقعة علیها؛ لأنه من المصالح" مجمع الأنهر فی شرح ملتقى الأبحر لشیخی زاده 1/678
([275]) إلا أن الحنفیة اشترطوا لجواز ذلک عدم رجاء الثواب من هذا العمل . الدر المختار وحاشیة ابن عابدین 2/292، الذخیرة للقرافی 13/322، مواهب الجلیل فی شرح مختصر خلیل للحطاب 6/135، المجموع شرح المهذب 9/351، مطالب أولی النهى فی شرح غایة المنتهى للرحیبانى 4/313، الأسئلة والأجوبة الفقهیة عبد العزیز السلمان 6/420، مجموع الفتاوى لابن تیمیة 28/284، الفتاوى الکبرى لابن تیمیة 4/220.
([282]) المبسوط للسرخسی 13/138، الجامع لمسائل المدونة لمحمد بن عبدالله الصقلی 13/1002، التهذیب فی فقه الإمام الشافعی 7/530، المغنی لابن قدامة 4/169.
([283]) المبسوط للسرخسی 13/138، 15/71، التجرید للقدوری 6/3135، ط: دار السلام، القاهرة، الثانیة 1427ه، البنایة شرح الهدایة 8/178، 179، مجمع الأنهر فی شرح ملتقى الأبحر 2/62.
([285]) التنبیه على مشکلات الهدایة لعلی ابن أبی العز 4/378، ت: عبد الحکیم شاکر، ط: مکتبة الرشد، السعودیة، ط: الأولى، 1424هـ.
([293]) بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع للکاسانی 5/113، شرح الزرقانی على مختصر خلیل 1/51، مغنی المحتاج إلى معرفة معانی ألفاظ المنهاج للخطیب الشربینی 1/236، وذکر الأجماع ابن قدامة فی المغنی حیث قال: "فأما إذا انقلبت بنفسها، فإنها تطهر وتحل، فی قول جمیعهم" 9/173
([295]) شرح الزرقانی على مختصر خلیل وحاشیة البنانی 1/51، المختصر الفقهی لابن عرفة 10/288، الحاوی الکبیر للماوردی 6/112، روضة الطالبین وعمدة المفتین للنووی 4/72، 73، المغنی لابن قدامة 9/172، 173، کشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتى 1/187.
([296]) المبسوط للسرخسی 24/7، 22، المختصر الفقهی لابن عرفة 10/288، شرح الزرقانی على مختصر خلیل وحاشیة البنانی 1/51، التفریع فی فقه الإمام مالک بن أنس 1/323، ت: سید کسروی، ط: دار الکتب العلمیة، بیروت، الأولى، 1428هـ، المغنی لابن قدامة 9/173.
([297]) أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب: الأشربة، باب: تحریم تخلیل الخمر 3/1573، والترمذی فی سننه، کتاب: أبواب البیوع، باب: النهی أن یتخذ الخمر خلًا 3/581، وقال: هذا حدیث حسن صحیح.
([298]) أخرجه أبو داود فی سننه، کتاب: الأشربة، باب: فی الخمر تخلل 5/518، وأحمد فی مسنده 19/226 برقم 12189، والحدیث صححه ابن الملقن فی البدر المنیر 6/630.
([300]) أخرجه الترمذی فی السنن، کتاب: اللباس باب: ما جاء فی جلود المیتة إذا دبغت 4/221، وقال: هذا حدیث حسن صحیح والعمل على هذا عند أکثر أهل العلم.