المساهمين
المؤلف
قسم الفقه، کلية الشريعة والقانون بأسيوط، جامعة الأزهر، أسيوط، مصر.
المستخلص
الكلمات الرئيسية
الحمد لله الذی خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذین کفروا بربهم یعدلون.والحمد لله الذی لا یؤدى شکر نعمة من نعمه؛ إلا بنعمة منه توجب على مؤدی ماضی نعمه بأدائها نعمة حادثة، یجب علیه شکره بها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأن محمدا عبده ورسوله،وبعد:
فإن الهاتف المحمول أو الجوال هو أحد أشکال أدوات الاتصال الحدیثة، والذی یعتمد على الاتصال اللاسلکی عن طریق أبراج البث الموزعة ضمن مساحة معینة ، ومع تطور أجهزة (الهاتف النقال) أصبحت الأجهزة أکثر من مجرد وسیلة اتصال صوتی ، بحیث أصبحت تستخدم کأجهزة کمبیوتر (یدوی) وکذلک استقبال البرید صوتی، وتصفح الإنترنت والأجهزة الجدیدة یمکنها التصویر بنفس نقاء ووضوح الکامیرا الرقمیة ذاتها، کما أصبحت الهواتف النقالة وسیلة من وسائل الإعلان ، کذلک بسبب التنافس الشدید بین مشغلی أجهزة الهاتف النقال أصبحت تکلفة المکالمات ، وتبادل الرسائل فی متناول جمیع فئات المجتمع .
والعقد على خدمات الهاتف المحمول من العقود المستجدة التی أوجدتها التقنیة الهائلة فی مجال الاتصالات اللاسلکیة ، ولزم من شیوع استعمالها أنها لم تعد من الکمالیات ،بل أصبحت من الضروریات التی لا غنى لأحد عنها.وقد کان لاستعمالها الکثیر من الآثار فی مجال الالتزامات العقدیة ،ونشوء الکثیر من القضایا الخلافیة حول طبیعة هذه العقد ،هل هومن عقود الاشتراک ،أم من عقود بیع الخدمات ،أم من عقود الإجارة ،أم من عقود تورید الخدمات؟ وغیرها من القضایا المتفرعة عن حکم التعامل بهذه الوسیلة .
ومن یسر الشریعة، أن الشارع الحکیم أباح التعامل بین الناس فیما یحتاجون إلیه من بیع وشراء وتعاقد بأنواع العقود ،وجعل الأصل فی هذه المعاملات الإباحة فکل معاملة خلت من الغرر والربا والظلم والمیسر فهی مباحة.
والفقه الإسلامی بما أنه مصدر ثراء ونماء لکثیر من الأحکام الشرعیة المستقاة من القرآن الکریم والسنة النبویة لم یکن بمعزل عن دراسة هذه القضایا ،وما یتفرع عنها من أحکام ،بما یؤکد أن الفقه الإسلامی بیان وتبیان لکل ما هو مستجد ،کما یقول الإمام الشافعی فی الرسالة :" فلیست تنزل بأحد من أهل دین الله نازلة إلا وفی کتاب الله الدلیلُ على سبیل الهدى فیها" ([1])؛لکل ما تقدم آثرت الکتابة فی هذا الموضوع ومقارنته قانوناً أو نظاماً للتأکید على أن الشریعة الإسلامیة مصدر خصب لتخریج حکم القضایا المستجدة ،وعلى الأخص منها قضایا العقول الراجحة .
أهمیة البحث:
تبرز أهمیة البحث فی أن معرفة الحکم الشرعی فی القضایا الفقهیة المستجدة یجعل المسلم على بصیرة بما له من حقوق وما علیه من التزامات ،وبخاصة تجاه التصرفات التی تکتنفها الکثیر من التعقیدات،وتحیط بها الکثیر من الأوصاف ،وتشکل جانباً مهما فی حیاته،کما هو الحال فی مسألة خدمات الهاتف المحمول.
ومما یزید من أهمیة الموضوع أن الشریعة الإسلامیة وهی تقضی بجواز العقد تنظر إلى ما یترتب علیه من آثار، وخاصة إذا صحب استخدام هذه الوسیلة محل العقد أضرار صحیة ،بسبب التوزیع العشوائی لأبراج الهاتف المحمول التی تولد حقول کهرومغناطیسیة وذبذبات ضارة بالجسم البشری إذا تجاوزت الحد المسموح بها قانونا،لذا یتوجب إقامة هذه المنشآت وفق أسس وقواعد منضبطة بمیزان الشریعة الإسلامیة فی إطار قاعدة (لا ضرر ولا ضرار). ([2])
وأخیراً :زیادة وجوه التقنیة المستخدمة فی عمل الهاتف المحمول ،وما یترتب علیها من منافع أو مفاسد لم تکن موجودة وقت العقد.
مشکلة البحث:
الهاتف المحمول من الخدمات الضروریة المعاصرة التی ترتبط بالواقع ارتباطاً وثیقا ،وتشکل أداة مهمة فی تدبیر أمور الفرد ،سواء على المستوى الشخصی أو الأسری ،أو المجتمعی بل مع العالم الخارجی،وذلک فی إطار منظومة متکاملة من الخدمات ،لا یمکن الحصول علیها جزافاً ،بل فی إطار تعاقدی وفق ما تسمح به النظم،وتحکمه القوانین.
والشریعة الإسلامیة لیست بمعزل عن التعامل مع کل وسائل التقنیة المعاصرة ،بل تحض علیها وتأمر بها ،وذلک فی إطار قواعد التعاقد المستوفی الأرکان والشروط ،المتضمن تحمل تبعة کافة الالتزامات المترتبة من العاقدین.
الدراسات السابقة:
ـ دراسة بعنوان: التکییف الفقهی لعقد خدمات الهاتف المحمول وأثره فی حکم المبلغ المقطوع، للدکتور/ محمد بن عبدالرحمن الأحمری – بحث مقبول للنشر بمجلة الجامعة الإسلامیة ج/6.
خطة البحث:
یقسم هذا البحث إلى تمهید ومباحث ثلاثة:
مبحث تمهیدی
فی بیان الدلالة اللغویة والاصطلاحیة لمصطلح
عقد خدمة الهاتف المحمول
أولاً: العقد فی اللغة والاصطلاح:
یطلق العقد فی اللغة على عدة معان، وکلها تعنی الربط الذی هو نقیض الحل. یقال :عقد الحبل بعقده عقدًا فانعقد، شدَّه، والذی صرح به أئمة الاشتقاق أن أصل العقد نقیض الحل"([3]).
والعقد کما یذکر القرطبی یشمل ما عقده المرء على نفسه من بیع وشراء وغیرها من المعاوضات مما یتعلق به حق العباد ویشمل عقود الإسقاطات أیضًا کالطلاق والعتاق، وکذا یشمل المناکحات([4]).قال الجصاص: "إن العقد کان فی أصل اللغة الشدّ ثم نقل إلى الأیمان والعقود، عقد المبایعات ونحوها" ([5]).
أما فی الاصطلاح فإن العقد عند الفقهاء لا یکون إلا بین طرفین ولا یکون بین طرف واحد، وإذا کان من طرف واحد لم یکن عقدًا وإنما یسمى التزامًا أو تصرفًا، وقد یسمى عقدًا تسمیة لغویة"([6]).
وعرفه ابن عابدین بقوله:"العقد مجموع إیجاب أحد المتکلمین مع قبول الآخر" ([7]).
وقد فرق بعض فقهاء القانون بین لفظی الاتفاق والعقد، فقالوا:"الاتفاق هو توافق إرادتین أو أکثر على إنشاء التزام أو نقله أو إنهائه" ([8]).وعرفوا العقد بما هو أخص من الاتفاق، فقالوا عنه: "هو توافق إرادتین على إنشاء التزام أو نقله" ([9]).
وبالمقارنة بین مفهوم العقد فی الفقه الإسلامی وبین مفهومه فی القوانین الوضعیة، نجد أنه یطلق عند الفقهاء بإطلاقین أحدهما عام یشمل التصرفات التی تنشأ بإرادة منفردة أو بتطابق إرادتین، وآخر خاص، یقتصر على المعنى الثانی - تطابق الإرادتین. أما فی القوانین الوضعیة التی لم تستمد أصولها من الشریعة الإسلامیة، فنجدها تأخذ بالمعنى الخاص للعقد، وهو المعنى المراد عند إطلاق الفقهاء،وقد بسط الأستاذ السنهوری القول فی هذه المسألة ([10]).
ثانیاً: دلالة الخدمة فی اللغة والاصطلاح:
الخدمة فی اللغة: طلب منفعة الشیء ومنه استخدمته سألته أن یخدمنی أو جعلته کذلک ([11]).
وفی الاصطلاح الفقهی: هی ما یحصل علیه المستهلک من نتائج أعمال الغیر، کخدمة أصحاب الحرف والصناعات ونحوهم ([12]).
والضابط الإسلامی للخدمة هو أن تکون الخدمة نتاج نشاط مشروع،وکذا النتائج المترتبة علیه ، ومن ثم لا یجوز الاسترباح من وراء تلک الأمور ،عملاً بالقاعدة الشرعیة القائلة "المنفعة المحظورة شرعاً تلحق بالمنفعة المعدومة حساً"([13]).
أما فی الفکر الوضعی: فهو لا یفرق بین مشروعیة ذلک الشیء، أو عدم مشروعیته، فصدور قرار بتحریم الخمر مثلاً من زاویة التحلیل الاقتصادی غیر الإسلامی، نجد أنه ینافی أحسن استخدام للموارد، فهو یرى أن مثل هذا القرار هو إهدار للموارد الاقتصادیة، ففی أرباح الخمر والمسکرات منافع اقتصادیة لبعض الناس ،إذ یترتب علیها ازدیاد المزروع من الکروم ،وإنشاء المصانع ونحو ذلک.
وفی المسألة موضوع البحث یلاحظ أن الخدمات ،التی یحصل علیها المستفید ،لیست واحدة ،بل کثیرة ومتعدد؛ لذا الصواب أن یقال :عقد خدمات الهاتف المحمول ؛لمنع اختلاطه بالعقود الأخرى؛لذا یجب استعمال لفظ (خدمات) بدلا من(خدمة)؛لأن العقد یوفر أکثر من خدمة للمشترک کخدمة الاتصال الفوری وخدمة الرسائل القصیرة(sms ) وخدمة الانترنت وغیرها من الخدمات الأخرى.
ثالثاً: دلالة الهاتف فی اللغة والاصطلاح:
الهاتف فی اللغة مشتق من کلمة هتف: والهتف والهتاف الصوت الجافی العالی، وقیل: الصوت الشدید. وقد هتف به هتافا ،أی صاح به. وفی حدیث حنین:قال اهتف بالأنصار([14]) ،أی نادهم وادعهم، وقد هتف یهتف هتفًا.لکن المعنى الأقرب للهاتف هو قوله :" وسمعت هاتفًا یهتف إذا کنت تسمع الصوت ولا تبصر أحدا"([15]).
وفی الاصطلاح : لم أقف على تعریف خاص به ،إلا أنه یستفاد من کلام أهل اللغة أن الهاتف هو :کل أداة تُسمع الصوت دون أن یبصر السامع هیئة قائله.
وهذا المعنى یکون مقبولاً فی المراحل الأولى من إنتاج هذه التقنیة من الهواتف،أما الآن فإن وسیلة الهاتف المحمول یرى فیها الطرفان بعضهما البعض صوتاً وصورة ،وهو معنى مقبول من الناحیة الواقعیة،بمعنى أن الواقع یؤکد إمکانیة أن تسمع الصوت ولا ترى قائله،وذلک فی الزمن البعید.
ودلیله : ما روی عن محمد بن المنکدر قال : بینما عمر بن الخطاب یصلى على جنازة إذا بهاتف یهتف من خلفه : لا تسبقنا بالصلاة یرحمک الله فانتظره حتى لحق بالصف ، فکبر عمر وکبر معه الرجل فقال الهاتف : إن تعذبه فکثیرا عصاک وإن تغفر له ففقیر إلى رحمتک..". ([16])
وفی معرفة الصحابة لأبی نعیم الأصبهانی :قال خریم بن فاتک ([17]) لعمر بن الخطاب : یا أمیر المؤمنین ألا أخبرک کیف کان بدء إسلامی ؟ قال : بلى ، قال : بینما أنا فی طلب بعیر لی إذا أنا منها على أثر إذ جننی اللیل بأبرق العزاف ، فنادیت بأعلى صوتی : أعوذ بعزیز صاحب هذا الوادی ، من سفهاء قومه ، فإذا هاتف یهتف بی ویحک عذ بالله ذی الجلال والمجد والنعماء والأفضال واقتر آیات من الأنفال ووحد الله ولا تبال قال : فذعرت ذعرا شدیدا ، فلما رجعت إلى نفسی قلت : یا أیها الهاتف ما تقول ؟ أرشد عندک أم تضلیل ؟ بین لنا هدیت ما الحویل؟ قال : قال : رسول الله ذو الخیرات بیثرب یدعو إلى النجاة یأمر بالصوم وبالصلاة وینزع الناس عن الهنات.."([18]).
والشاهد فی الأثرین کلمة (الهاتف) وهی دالة على وجود صوت بدون رؤیه قائله عیاناً،ولکنه یعی کلامه ویفهم الغایة منه .
ولا یخفى أن التلیفون ینقل کلام المتحدث فیه بدقة، فیسمع کل واحد منهما الآخر بوضوح، ولا یختلف الکلام من خلاله عن الکلام بدون واسطة سوى عدم رؤیة أحدهما الآخر ووجود فاصل بینهما، وإن کان العلم الحدیث قد بدأ خطوات جادة لإیجاد یجمع بین الصوت والصورة.
رابعاً: دلالة کلمة المحمول فی اللغة والاصطلاح:
الحمل بالکسر ما یحمل على الظهر ونحوه ،والجمع أحمال وحمول ،وحملت المتاع حملاً من باب ضرب فأنا حامل .أما المحمول : فهو الشیء الذی یُحمل بواسطة شیء اخر ، وهو اسم مفعول مشتق من الفعل الثلاثی المبنی للمجهول( حُمِلَ) ([19]).
خامساً:دلالة کلمة الهاتف کأداة اتصال من الناحیة النظریة:
من الثابت عملاً شیوع مصطلحات ( نقال – جوال – Mobile) إلا أنها مصطلحات غیر دقیقة من الناحیة اللغویة([20]). کذلک یطلق أحیانا على هذا الجهاز بالهاتف الخلوی؛ لاحتوائه على خلیة الکترونیة ([21]).
وفی تقدیری أن التسمیة الأصح لغةً لهذا الجهاز هو الهاتف المحمول.،وأن العقد لاینتج آثاره إلا إذا کان بین طرفین (مقدم الخدمة ،ومتلقیها)،وأن ذلک یکون لقاء الدفع المسبق من المشترک أو متلقی الخدمة .
کما یتضح أن المنفعة التی وقع العقد علیها هی بیع الخدمة المملوکة للشرکة التی تؤدی خدمة الاتصالات اللاسلکیة .
تعریف الهاتف المحمول:
یمکن تعریف الهاتف المحمول بأنه : شکل من أشکال أدوات الاتصال والذی یعتمد على الاتصال اللاسلکی عن طریق شبکة من أبراج البث الموزعة ضمن مساحة معینة.
ومع تطور العلوم أصبحت أجهزة الهاتف تستخدم لیس کوسیلة اتصال صوتی فحسب بل أصبحت تستخدم کأجهزة کمبیوتر للمواعید واستقبال البرید الصوتی وتصفح الأنترنت والتصویر بنفس نقاء ووضوح الکامیرات الرقمیة. وبسبب التنافس الشدید بین مشغلی أجهزة الهاتف أصبحت تکلفة المکالمات وتبادل المعطیات فی متناول جمیع فئات المجتمع. فأرتفع عدد مستخدمی هذه الأجهزة فی العالم بشکل یومی لیحل محل أجهزة الاتصال الثابتة ([22]).
وبالجمع بین المصطلحات السابقة یمکن القول بأن عقد خدمات الهاتف المحمول هو العقد الذی یبرم بین مورد خدمات الاتصالات, أصالة أو نیابة,وبین الراغب فی الاشتراک بهذه الخدمات یلتزم بموجبه الأول بتورید الخدمات من خلال تامین الوسائل الفنیةاللازمة للاتصال بالشبکة خلال فترة زمنیة معینة لقاء مقابل نقدی معلوم.
المبحث الأول
التکییف القانونی والفقهی لعقد خدمات الهاتف المحمول
وفیه مطلبان:
المطلب الأول: التکییف القانونی لعقد خدمات الهاتف المحمول.
المطلب الأول: التکییف الفقهی لعقد خدمات الهاتف المحمول.
المطلب الأول
التکییف القانونی لعقد خدمات الهاتف المحمول
عقد خدمات الهاتف المحمول من العقود المستجدة المرتبطة بالتطور التقنی الهائل فی مجال الاتصالات ،وقد شاع استخدام هذا العقد فی وقتنا المعاصر،حتى بات من الضروریات التی تصحب الإنسان فی حله وترحاله وأینما کان ،وأینما ذهب .
وقد اجتهد رجال القانون فی تعریفه ،حیث لا یوجد نص محدد بخصوصه ومن هذه التعریفات:
1- عرفه جانب من الفقه بأنه :" عقد خاص للاشتراک بشبکة الهواتف النقالة، والذی یبرم ما بین الراغبین فی الحصول على خدمات الهاتف النقال من الشرکات التی تقدم خدمة الاشتراک مقابل الدفع المسبق من قبل المشترک" ([23]).
2- عرفه بعضهم بأنه:"عقد الخدمات التی تبرم مع الشرکات المقدمة لتلک الخدمة بقصد الحصول على الاتصالات اللاسلکیة عبر الشبکات الهوائیة".([24])
3- هناک من عرفه بأنه :" عقد من العقود الخاصة وغیر المسماة ، تبرم بین مقدم هذه الخدمات ( شرکة الاتصالات ) وبین الراغب بالحصول على هذه الخدمة ( المشترک) ، یلتزم بموجبه الطرف الأول بتقدیم خدمة الاتصال للطرف الثانی عن طریق تأمین اتصاله بالشبکة خلال فترة زمنیة ممتدة مقابل دفع مادی معلوم من الطرف الثانی ".([25])
4- وهناک تعریف رابع بأنه "العقد المبرم بین المستهلک والمرخص له والذی بموجبه یقدم هذا الأخیر خدمة الهواتف المتنقلة للمستهلک لقاء أجر" ([26]).
ویتضح من هذه التعاریف أن عقد خدمات الهاتف المحمول تتحدد معالمه فیما یلی:
أولا: أطراف العقد:
یتکون العقد من طرفین :
ثانیاً: محل العقد:
یتکون محل العقد من أمرین:
ومعنى ذلک أن العمیل أو المشترک یبغی من العقد الحصول على المنفعة التی تؤدیها الشرکة ،وهی موجودة بالفعل([27]) .
ومن شروط المحل:أن یکون معینا، أو قابلا للتعیین ،وهو شرط متحقق فی هذا العقد،حیث إنه معین من خلال طریقة السداد(المقابل المالی) فالشرکة تضع عداًد من الشروط مع المشترک ،ومنها نوع العملة،ونوع الخدمات ،وعدد الوحدات،وغیرها. ([28])
ویتفرع عن هذا الأمر أنه متى قام المشترک بالوفاء بالتزاماته،تجاه الشرکة ، فإنه سیحصل على المنفعة أو الخدمة المتفق علیها .
ثالثاً: خصائص عقد خدمات الهاتف المحمول:
باستقراء التعاریف السابقة تتضح خصائص عقد خدمات الهاتف المحمول فیما یلی:
الخاصیة الأولى:أنه عقد رضائی: یتم بتلاقی الإیجاب مع القبول بلا عیب من عیوب الإرادة. وتتحقق الرضائیة هنا کتابة ،والکتابة –کما هو معلوم- وسیلة من وسائل الإثبات ، تأخذ بها جمیع قوانین الإثبات ، وبالتالی یکون من السهل الحفاظ على حقوق أطراف العقد، وخاصة الطرف الضعیف المتمثل بالمشترک، والذی یعبر عن إرادته بطریقة الکتابة ، فلا ینعقد العقد بدون وضع توقیعه أو بصمة إبهامه او کلیهما على العقد (19).
الخاصیة الثانیة:أنه من العقود الملزمة الجانبین : اذ أنه یلقی على عاتق أطرافه التزامات متقابلة ومتبادلة ، ویعد کل منها سبباً لالتزام الاخر . فمورد الخدمة تقع علیه جملة من الالتزامات والتی من أهمها تقدیم خدمات الاتصالات للمشترک من خلال تأمین اتصاله بالشبکة وتوفیر الوسائل الفنیة اللازمة لذلک.
أما المشترک فتقع على عاتقه- أیضاً- مجموعة من الالتزامات ، یبرز فی مقدمتها التزامه بدفع المقابل النقدی. (19).
ویترتب على القول بأنه عقد ملزم للجانبین أنه إذا لم یقم أحد الطرفین بتنفیذ ما التزم به تجاه الآخر ،کان لهذا الآخر أن یطالبه بتنفیذ ما التزم به ،کما أن لهذا الآخر إذا لم یطلب فسخ العقد أن یمتنع عن تنفیذ التزامه هو، وهذا ما یطلق علیه الدفع بعد التنفیذ. ([29])
الخاصیة الثالثة:أنه عقد من العقود الزمنیة المستمرة التنفیذ : فالعقد لاینتهی بمجرد أول تنفیذ له ، وإنما یلتزم مورد الخدمة بتورید خدمة الاتصالات للمشترک بصورة متتابعة طالما کان المشترک مستمراً بتنفیذ بنود العقد المبرم بینهما ، ومنها التزامه بدفع المقابل النقدی. ([30])
ویلاحظ أن هذه المدة قد تکون قابلة للتجدید ،ویحصل المشترک على الخدمة خلال هذه المدة ،وتحدد التزاماته بدفع المقابل المالی ،حسب هذه المدة .
وفیما یتعلق بالشرکة التی تقدم الخدمة :فإنها تلتزم بتقدیم الخدمة مدة العقد ،وعلیه فالمنفعة التی یحصل علیها المشترک مرتبطة بمدة زمنیة ،مادام أنه متقید ببنود العقد المبرم. ([31])
ویترتب على القول بأن عقد خدمات الهاتف المحمول من العقود المستمرة،عدة نتائج أهمها:
أ. عدم جواز إعادة الطرفین إلى ما کانا علیه قبل ابرام العقد ؛ لأن ما نفذ من التزامات رتبها العقد لا یمکن إعادتها ، وذلک لارتباطها بالزمن الذی مضى ، والذی لایمکن إرجاعه ، فآثار الفسخ تقتصر على المستقبل فقط. ([32])
ویلزم من ذلک أنه إذا ما طالب مورد الخدمة بإلغاء العقد بسبب امتناع المشترک عن الوفاء بمقابل الخدمة التی استهلکها ، وکان نظام الدفع المستخدم هو نظام الدفع اللاحق، فإن ذلک یسری على المستقبل. ([33])
ب. فی حالة توقف العقد ، لایمکن للمشترک الحصول على الخدمة وکذلک تضییع فرصة الحصول على المنفعة المادیة التی یبحث عنها المورد فمثلاً إذا کانت مدة العقد سنة ، وتوقف لمدة (ستة) أشهر، فإن المشترک لایستطیع الانتفاع بالخدمة سوى مدة ستة اشهر ، وکذلک المورد ، أما إذا توقف العقد لفترة مساویة لفترة العقد فإن ذلک یؤدی إلى انتهاء العقد. ([34])
ج. یمکن فی هذا العقد تطبیق نظریة الظروف الطارئة([35]),باعتبار أن مدة تنفیذ العقد تستغرق وقتاً معیناً قد یطول وقد یقصر ، فکلما طالت مدة العقد کلما کان تغیر الظروف أمراً محتملاً ، إذ قد تطرأ ظروف معینة لم تکن متوقعة من قبل الطرفین عند إبرام العقد، تجعل تنفیذ المدین لالتزامه مرهقاً أو مهدداً بخسارة فادحة ، الأمر الذی یستدعی تدخلاً من القضاء للأخذ بید المتعاقد الضعیف عند تنفیذ العقد([36]) .
الخاصیة الرابعة: أنه من عقود الإذعان:
عقد الإذعان هو :عقد یسلم فیه القابل بشروط مقررة یضعها الموجب ولایقبل مناقشة فیها ، ویکون ذلک متعلقاً بسلعة أو مرفق ضروری محل احتکار قانونی أو فعلی وموضع منافسة محددة النطاق ([37]).
ویرى بعض الفقه أن عقد الاذعان یتصف بخاصیة أخرى تتمثل فی أن الإیجاب فی عقد الإذعان یکون بصیغة مطبوعة تتضمن شروطًا عدة ، تقبل جملة أو ترفض ، وهذه الشروط غالباً ما تکون معقدة بحیث لایفهمها الشخص العادی،ویجد صعوبة فی ذلک ([38]).
ویتعلق عقد الإذعان عادة بسلع وخدمات ضروریة للمستهلک ،وهی تکاد تکون محتکرة من جهة معینة أو جهات محددة،وتعرض على الجمهور بشروط عامة ومماثلة على وجه الدوام ([39]).
والمتأمل فی عقد خدمات الهاتف المحمول ،یجد أن عناصر العقد تضمنت معنى الإذعان ، فالموجب والمتمثل بشرکات متخصصة فی مجال الاتصالات ، لها قوة وإمکانیة اقتصادیة وفنیة کبیرة ، بحیث یظهر أمامها المشترک ، طرفاً ضعیفاً یقبل بالشروط التی تفرض علیه من قبل هذه الشرکات.
ویتحقق هذا الوصف فی عقد خدمات الهاتف المحمول من جوانب کثیرة منها:
1- أن إرادة (المشترک ) محکومة بالشروط التی یملیها الطرف الأقوى اقتصادیا ،والمتمثل فی الشرکة التی تؤدی الخدمة،ولایکون أمام المشترک إلا الإذعان لشروط العقد.
2- أن الاشتراک فی خدمات الهاتف المحمول من الأمور الضروریة التی لا غنى لأی فرد عنها.
3- أن شروط الحصول على خدمات الهاتف المحمول ینفرد بوضعها شخص واحد(الشرکة)مما یؤدی إلى عدم التوازن العقدی بین طرفی العقد،ومن ثم إذعان المشترکین للشروط التی تضعها شرکات الاتصالات ؛لحاجتهم الملحة إلى هذه الخدمة. ([40]).
4- أن هذه شرکات الاتصالات تعمد الى أن توجه الایجاب بشروط واحدة إلى جمیع المشترکین دون تمییز.
5- أن بعض هذه الشروط تکون مصاغة بطریقة صعبة الفهم من قبل المشترک البسیط ، وبالتالی فإن هذا المشترک سوف یبرم العقد ، دون أن یفهم مضمون بنوده ([41]).
المطلب الثانی
التکییف الفقهی لعقد خدمات الهاتف المحمول.
وفیه فرعان:
الفرع الأول
مدى مشروعیة عقد خدمات الهاتف المحمول
عقد خدمات الهاتف المحمول من العقود المستجدة ،التی حظیت بکثیر من الدراسات الفقهیة ،سواء على مستوى الأبحاث أو الندوات أو المؤتمرات الفقهیة، وهی فی مجموعها تقضی بأن الهاتف المحمول ینقل کلام المتحدث فیه بدقة، فیسمع کل واحد منهما الآخر بوضوح، وبات کل من العاقدین یرى کل منهما الآخر بالصوت والصورة.
وکان قد أثیر بهذا الشأن الکثیر من الإشکالیات –وقت أن کان الهاتف المحمول لایتحقق معه إلا الصوت دون الصورة – وذکر العلماء فی حینها أنه إذا انتهى عقد ما من خلال الهاتف، وتم فیه الإیجاب والقبول - مع بقیة الشروط المطلوبة - فإنه صحیح لا غبار علیه، غیر أن عدم رؤیة أحدهما الآخر یجعل احتمال التزویر وتقلید صوت شخص آخر واردًا ولذلک إذا ثار النزاع حول ذلک فالقضاء هو الفیصل، وتسمع دعوى من یدعى ذلک ولکن علیه یقع عبء الإثبات.
أما عدم رؤیة أحدهما الآخر فلیس له علاقة بصحة العقود أو عدمها؛ لأن المطلوب فی باب العقود سماع الإیجاب والقبول، أو التقاؤهما، أو إدراکهما بأیة وسیلة کانت ([42]).
أما الآن فقد تغیر الوصف تماماً فأصبحت الهواتف المحمولة ناقلة للصوت والصورة معا،مصحوبة بکثیر من وجوه التقنیة الهائلة التی ما کان العلماء فی الماضی القریب یدور بمخیلتهم عشر هذه التقنیة ،یقول الله تعالى :]وَیَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[([43]) یقول الشیخ الطاهر بن عاشور:" الذی یظهر لی أن هذه الآیة من معجزات القرآن الغیبیة العلمیة، وأنها إیماء إلى أن الله سیلهم البشر اختراع مراکب هی أجدى علیهم من الخیل والبغال والحمیر، وتلک العجلات التی یرکبها الواحد ویحرکها برجلیه وتسمى (بسکلات) ، وأرتال السکک الحدیدیة، والسیارات المسیرة بمصفى النفط وتسمى (أطوموبیل) ، ثم الطائرات التی تسیر بالنفط المصفى فی الهواء. فکل هذه مخلوقات نشأت فی عصور متتابعة لم یکن یعلمها من کانوا قبل عصر وجود کل منها.وإلهام الله الناس لاختراعها هو ملحق بخلق الله، فالله هو الذی ألهم المخترعین من البشر بما فطرهم علیه من الذکاء والعلم وبما تدرجوا فی سلم الحضارة واقتباس بعضهم من بعض إلى اختراعها، فهی بذلک مخلوقة لله تعالى لأن الکل من نعمته" ([44]).
وفی تقدیری أنه یدخل فی مضمون الآیة کل ما هو جدید ومفید من ووجوه الابتکارات النافعة ،على الأخص:
وأخیرا: الهاتف المحمول ،وما فیه من تقنیات هائلة نتاج عقل بلغ من الذکاء غایته ،وصارت خدماته ضروریة من باب صنع ما لایتم النفع إلا به - وفی تقدیری – أنه داخل فی عموم دعوة النبی -r- إلى إعانة الصانع ،ودعوته إلى تبنی ذوی الابتکارات وتشجیعهم ؛لعموم نفع صنیعهم ،وهذا ما یستفاد من الحدیث المتفق علیه ،فعن أبی ذر --t، قال: سألت النبی -r-أی العمل أفضل؟ قال: «إیمان بالله، وجهاد فی سبیله»، قلت: فأی الرقاب أفضل؟ قال: «أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها»، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعین صانعاً، أو تصنع لأخرق»،: قال: فإن لم أفعل؟ قال: «تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسک»([45]).
والأخرق هو: الذی لیس بصانع، ولا یحسن العمل.یقال: رجل أخرق وامرأة خرقاء لمن لا صنعة له فإن کان صانعا حاذقا قیل رجل صنع بفتح النون وامرأة صناع بفتح الصاد([46]).
قال ابن حجر" وفی الحدیث إشارة إلى أن إعانة الصانع أفضل من إعانة غیر الصانع ؛لأن غیر الصانع مظنة الإعانة ،فکل أحد یعینه غالبا، بخلاف الصانع فإنه لشهرته بصنعته یغفل عن إعانته "([47]).
یضاف إلى ما تقدم أن للعرف مدخل فی بناء الأحکام الشرعیة ،وقد أفاض القرافی المالکی فی شرح هذه المسألة وذکر أن العرف یقضی فی زمن معین، حتى بعدم قبول بعض ألفاظ مقبولة فی زمن ما نظرًا لأنها أصبحت متروکة غیر مفهومة، کما یقضی بقبول ألفاظ مفهومة لعصر لم تکن مقبولة من قبل، ونقل ذلک من الإمام الکبیر أبی عبد الله المازری قوله: "… فإن النقل إنما یحصل باستعمال الناس لا بتسطیر ذلک فی الکتب، بل المسطر فی الکتب تابع لاستعمال الناس) ، ثم رتب على ذلک أمورًا: (أحدها أن مالکًا وغیره من العلماء إنما أفتى فی هذه الألفاظ بهذه الأحکام؛ لأن زمانهم کان فیه عوائد اقتضت نقل هذه الألفاظ للمعانی التی أفتوا بها فیها صونًا لهم عن الزلل"([48]).
ویقول شیخ الإسلام ابن تیمیة: "فإذا لم یکن له - أی للبیع ونحوه - حد فی الشرع، ولا فی اللغة، کان المرجع فیه إلى عرف الناس وعاداتهم، فما سموه بیعًا فهو بیع، وما سموه هبة فهو هبة…"([49]).
والهاتف المحمول فی واقعنا المعاصر ما هو إلا آلة معتبرة عرفًا لتوصیل اللفظ إلى سمع الآخر، فیکون العقد على خدماته مقبولًا شرعًا.
وقد أقر ذلک مجلس مجمع الفقه الإسلامی المنعقد فی دورة مؤتمره الرابع بجدة فی المملکة العربیة السعودیة من 17- 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990م،بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحدیثة ،ونظراً إلى التطور الکبیر الذی حصل فی وسائل الاتصال وجریان العمل بها فی إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالیة والتصرفات.
وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالکتابة وبالإشارة وبالرسول ، وما تقرر من أن التعاقد بین الحاضرین یشترط له اتحاد المجلس - عدا الوصیة والإیصاء والوکالة - وتطابق الإیجاب والقبول ، وعدم صدور ما یدل على إعراض أحد العاقدین عن التعاقد ، والموالاة بین الإیجاب والقبول بحسب العرف .
قرر ما یلی :
أولاً : إذا تم التعاقد بین غائبین لا یجمعهما مکان واحد ولا یرى أحدهما الآخر معاینة ، ولا یسمع کلامه وکانت وسیلة الاتصال بینهما الکتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول) ، وینطبق ذلک على البرق والتلکس والفاکس وشاشات الحاسب الآلی (الحاسوب) ، ففی هذه الحالة ینعقد العقد عند وصول الإیجاب إلی الموجه إلیه وقبوله .
ثانیاً : إذا تم التعاقد بین طرفین فی وقت واحد وهما فی مکانین متباعدین وینطبق هذا على الهاتف واللاسلکی ، فإن التعاقد بینهما یعتبر تعاقداً بین حاضرین ، وتطبق على هذه الحالة الأحکام الأصلیة المقررة لدى الفقهاء المشار إلیها فی الدیباجة .
ثالثاً : إذا أصدر العارض ، بهذه الوسائل ، إیجاباً محدد المدة یکون ملزماً بالبقاء على إیجابه خلال تلک المدة ، ولیس له الرجوع عنه .
رابعاً : إن القواعد السابقة لا تشمل النکاح لاشتراط الإشهاد فیه ، ولا الصرف لاشتراط التقابض ، ولا السلم لاشتراط تعجیل رأس المال . ([50]).
متى یکون القبول عبر الهاتف المحمول معتبرا؟
یکون القبول معتبرا ما دام لم یتخلل بینه وبین الإیجاب ما یعد إعراضا عن العقد من الطرفین. یقول السرخسی: "ولسنا نعنی بالمجلس موضع جلوسهما، بل المعتبر وجود القبض قبل أن یتفرقا"([51]).
جاء فی المجموع شرح المهذب:"فرع: لو تنادیا وهما متباعدان وتبایعا صح البیع بلا خلاف. وأما الخیار، فقال إمام الحرمین: یحتمل أن یقال لا خیار لهما، لأن التفرق الطارئ یقطع الخیار، فالمقارن یمنع ثبوته، قال: ویحتمل أن یقال یثبت ما داما فی موضعهما فإذا فارق أحدهما موضعه بطل خیاره، وهل یبطل خیار الآخر أم یدوم إلى أن یفارق مکانه، فیه احتمالان للإمام وقطع المتولی بأن الخیار یثبت لهما ما داما فی موضعهما فإذا فارق أحدهما موضعه ووصل إلى موضع لو کان صاحبه فی الموضع عُدَّ تفرقًا، حصل التفرق وسقط الخیار هذا کلامه. والأصح فی الجملة ثبوت الخیار وأنه یحصل التفرق بمفارقة أحدهما موضعه وینقطع بذلک خیارهما جمیعًا وسواء فی صورة المسألة کانا متباعدین فی صحراء أو ساحة أو کانا فی بیتین من دار أو فی صحن وصفة، صرح به المتولی، والله أعلم "([52]).
وقد ذکر الرافعی نحو ذلک فی مسالة أخرى فبین أن المفروض أن الخلاف ینتهی ما دامت قرائن الأحوال متوفرة، وأفادت التفاهم، فحینئذ یجب القطع بصحة هذا العقد([53]).
ومن جانب آخر، فإن الأساس فی العقود هو صدور ما یدل على الرضا بصورة واضحة مفهومة کما تدل على ذلک نصوص الفقهاء([54])، وذلک متحقق فی الهاتف المحمول حیث إن التعبیر یتم من خلال اللفظ الذی هو محل الاتفاق بین الفقهاء، وما الهاتف المحمول إلا وسیلة لتوصیل الصوت فحسب، ولیس وسیلة جدیدة ([55]).
الفرع الثانی
ما یشترط فی خدمات الهاتف المحمول التی یقع العقد علیها
من المتفق علیه أن الخدمة التی یقع العقد علیها لا تکون مشروعة إلا فی ضوء ما تقضی به نصوص الشریعة الإسلامیة بشأن مسألة المبیع ،کما دلت علیه عموم الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة ،التی تفیض بها استدلالات الفقهاء فی کتبهم على هذا الحکم،ومنها-على وجه الإیجاز-:
1- أن تکون هذه الخدمات نافعة: ووجه النفع فیها أن یستفید الناس منها فی حیاتهم العامة، کاختراع وسائل المواصلات والاتصالات، وحتى لو انحرف بعض الناس فی استخدام هذا النوع من الاختراعات فاستخدمها فی الممنوع فإنها تأخذ حکم المنع.
وعلیه لایصح العقد على الخدمات الضارة ، وأعنی به الضرر فی المیزان الشرعی ،عملاً بقول النبی-r -" لا ضَررَ ولا ضِرار، مَن ضَارَّ، ضَرَّه اللهُ، وَمَن شَاقَّ، شقَّ اللهُ علیه" ([56])، إذ بمیزان الشرع یُحکم على نفع الأشیاء أو ضررها([57]). وقد صدر عن المجمع الفقهی الإسلامی قراراً حول الآلات التی یتم اختراعها، حیث جاء فیه:" إن کل أداة حدیثة وصل إلیها الإنسان بما علّمه الله، وسخّر له من وسائل؛ إذا کانت تخدم غرضاً شرعیاً أو واجباً من واجبات الإسلام، وتحقق فیما لا یتحقق من دونها، تصبح مطلوبة بقدر درجة الأمر الذی تخدمه وتحققه من المطالب الشرعیة، وفقاً للقاعدة الأصولیة: ما یتوقف على الواجب فهو واجب." ([58])
2- أن تکون الخدمة معلومة للعاقدین علماً نافیاً للجهالة الفاحشة: بأن تکون معینة معروفة للعاقدین ؛ للنهی الوارد فی السنة عن بیع الغرر وعن بیع المجهول ([59]).والعلم یتحقق إما بالإشارة إلیه إذا کان موجودًا، أو بالرؤیة عند العقد أو قبله بوقت لا یحتمل تغیره فیه، ورؤیة بعضه کافیة إذا کانت أجزاؤه متماثلة، أو بالوصف المانع للجهالة الفاحشة، وذلک ببیان الجنس والنوع والمقدار، کأن یکون المبیع حدیدا من الصلب أو الفولاذ من حجم معین.فلا یصح التصرف بالمجهول جهالة فاحشة: وهی التی تفضی إلى المنازعة ،ویکون العقد فاسدا عند الحنفیة، باطلا عند غیر الحنفیة، وتغتفر الجهالة الیسیرة، وهی التی لا تؤدی إلى المنازعة ویتسامح الناس فیها عادة. ([60])
3- ألاَّ تکون مشتملة على غرر: لنهیه --rعن بیع الغرر([61]) والغرر هو الخطر([62])، قال الخطابی:"والغرر :هو ما طوی عنک علمه وخفى علیک باطنه وسره وهو مأخوذ من قولک طویت الثوب على غره أی على کسره الأول وکل بیع کان المقصود منه مجهولاً غیر معلوم ومعجوزاً عنه غیر مقدور علیه فهو غرر ([63]). قال النووی:"النهی عن بیع الغرر أصل عظیم من أصول کتاب البیوع ،ویدخل فیه مسائل کثیرة غیر منحصرة کبیع الآبق والمعدوم والمجهول، وما لا یقدر على تسلیمه ،وما لم یتم ملک البائع علیه ،...، ونظائر ذلک، وکل ذلک بیعه باطل؛ لأنه غرر من غیر حاجة ،ومعنى الغرر الخطر والغرور والخداع([64]).
وإنما نهى الرسول -r- عن هذه البیوع تحصیناً للأموال أن تضیع وقطعاً للخصومة والنزاع أن یقعا بین الناس فیها([65]).
قال العلماء :ومدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده هو أنه إن دعت حاجة إلى ارتکاب الغرر ولا یمکن الاحتراز عنه إلا بمشقة وکان الغرر حقیرا جاز البیع وإلا فلا ([66]).
4- ألاَّ یرتبط الحصول على الخدمة الوفاء بالتزام ربوی زائد على أصل القرض إذا کانت طریقة سداد ثمنها بالقرض،أواقترن بالعقد تحصیل زیادة عند تأخر المستفید فی دفع قیمة الاشتراک ؛لأن الزیادة على أصل القرض بدون مقابل ربا محرم شرعاً،فإذا تضمن العقد مثل هذا الشرط وجب الغاؤه.
وقد قیل فی مثل هذا الشأن بشأن بطاقة الائتمان:إن حامل البطاقة إذا اتخذ من الاحتیاطات ما یکفل عدم تطبیق هذا الشرط المحرم علیه، فلا بأس من الاستفادة من البطاقة وتوقیعه على اتفاقیتها بالرغم من هذا الشرط، لأنه فی معرض الإلغاء شرعا، وهو مستنکر ومعمول على استبعاد مفعوله.
والدلیل الشرعی لهذا قول النبی -r-، المروی فی الصحیحین لعائشة- رضی الله عنها- فی أمر بریرة -رضی الله عنها-: "خذیها واشترطی لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق" ([67])، وفی روایة: "اشتریها وأعتقیها واشترطی لهم الولاء)) ([68]).قال شراح الحدیث:"معناه: لا تبالی لأن اشتراطهم مخالف للحق فلا یکون ذلک للإباحة، بل المقصود الإهانة وعدم المبالاة بالاشتراط وإن وجوده کعدمه"([69]).
هذا من حیث المستخدم، أما من جهة المشترط فإن اشتراطه فوائد التأخیر حرام باتفاق، وهو من ربا الجاهلیة، وهو ما یدعى قاعدة:" أَنظِرْنی أزِدْک" ([70]) عن قتادة «أن ربا الجاهلیة، یبیع الرجل البیع إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل ولم یکن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه»([71]) .
تفریعاً على ما تقدم یتضح جلیاًّ أنه لامانع شرعا من العقد على خدمات الهاتف المحمول ،بالأوصاف المذکورة ،خاصة وأن الأخذ بهذه التقنیة أصبح واجباً لتسییر المصالح ،وأنه فتح بابا من أبواب التیسیر وحسن التسییر،والله أعلم.
المطلب الثالث
موازنة بین الفقه الإسلامی والقانون الوضعی
بالمقارنة بین الرأی القانونی فی مسألة الهاتف المحمول وبین الرأی الفقهی یظهر بجلاء أن الإسلام لایقف موقف العزلة من کل تقنیة جدیدة نافعة ،بل یحض علیها ،وقد یأمر بها ،ویجعل طلبها من باب الضروریات التی لا یتصور تسییر الحیاة بمرونة ویسر بدونها.
أما العقد على خدمات الهاتف المحمول فإن الرأی الفقهی کان المصدر الأساس لکثیر من القوانین التی ناقشت هذه المسألة ،وتشابه الحکم فیها مع ما انتهى إلیه الحکم الفقهی ،ومن ذلک نص المادة(50) من القانون المدنی الکویتی ونصها: " یسری على التعاقد بطریق الهاتف أو بأی طریق مشابه حکم التعاقد فی مجلس العقد بالنسبة إلى تمامه وزمان إبرامه، ویسری علیه حکم التعاقد بالمراسلة بالنسبة إلى مکان حصوله " وفسرتها المذکرة الإیضاحیة بقولها:"الصورة الثالثة من صور التعاقد هی تلک التی یتم فیها التعاقد بطریق الهاتف أو أی طریق آخر مشابه، وسمة التعاقد بالهاتف أو ما یشبهه أن یتم بین شخصین غائبین أحدهما عن الآخر مکانًا، ولکنهما فی حکم الحاضرین کلامًا، حیث إن کلًّا منهما یسمع عبارة الآخر فور إبدائها منها ومن أجل ذلک یعطی المشرع التعاقد الذی یتم على هذه الصورة حکم التعاقد بین الغائبین أی التعاقد بالمراسلة بالنسبة إلى مکان انعقاد العقد حیث یتحدد هذا المکان بذاک الذی یتکلم منه الموجب ویعطیه حکم التعاقد بین الحاضرین أو التعاقد فی مجلس العقد بالنسبة إلى کیفیة تمام العقد وزمان انعقاده. إذ إنه من الممکن اعتبار التعاقد بالهاتف فی خصوص تمام إبرامه وزمانه فی حکم التعاقد الحاصل فی مجلس العقد" ([72]) .
ومن هذا العرض نرى أن ما انتهى إلیه القانون فی اعتبار التعاقد عن طریق الهاتف فی حکم التعاقد بین الحاضرین فی انعقاد العقد وترتب آثاره علیه صحیح ومطابق للنظر الفقهی السدید. والله أعلم
المبحث الثانی
طبیعة عقد خدمة الهاتف المحمول قانونا وفقهاً
وفیه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول
طبیعة عقد خدمة الهاتف المحمول قانونا
وجد فی هذا الصدد أکثر من اتجاه فی بیان طبیعة عقد خدمات الهاتف المحمول،أذکر بعضها:
الاتجاه الأول:
یصف البعض عقد خدمات الهاتف المحمول بأنه عقد من عقود الاشتراک ،شأنه شأن عقد الاشتراک فی خدمات الانترنت ، وعقد الاشتراک فی قواعد المعلومات الالکترونیة وغیرها من العقود الأخرى([73]) .
الاتجاه الثانی:
یصف البعض عقد خدمات الهاتف المحمول بأنه عقد بیع خدمات،ویعرف عقد بیع الخدمات بأنه :" العقد الذی ینقل بمقتضاه البائع إلى المشتری خدمة تستهلک بمجرد أن وضعت تحت تصرف الأخیر ، ومنها بیع الطاقة من خلال التیار الکهربائی ،بیع خدمة المشاهدة عبر القنوات الفضائیة ، بیع خدمات الاتصالات عن طریق شبکات الهواتف السلکیة واللاسلکیة" ([74]) .
کما یرى أصحاب هذا الرأی ،أن أحکام عقد البیع یمکن تطبیقها على عقد الخدمات،فلیس هناک اختلاف بین عقد الخدمات وعقد البیع التقلیدی سوى تبادل شیء غیر مادی أی خدمة فی الأول مقابل مبلغ من النقود ، کما أن البیع فی عقد الخدمات لا یعنی نقل الملکیة بالمعنى التقلیدی لنقل ملکیة الأشیاء المادیة ،لأنه ینصب على بیع خدمة تستهلک عندما توضع تحت تصرف المشتری وأن هذا الامر لا یؤثر على وصفها بالبیع طالما أن هذه الخدمة لها آثارها على المستهلک ، فالمهم فی الامر أن تکون بصدد قیمة تقدر بمال ([75]) .
إلا أن جانباً ([76]) من الفقه ,یذهب الى عدم إمکان إطلاق وصف البیع على العلاقة التعاقدیة بین مورد الخدمة والمشترک للأسباب الآتیة:
1- أن عقد البیع هو عقد فوری التنفیذ فی الأصل,فلا یعد الزمن عنصراً جوهریاً فیه، فی حین أن عقد خدمات الهاتف المحمول هو من العقود المستمرة التی یکون الزمن عنصراً جوهریاً فیه.
2- الالتزامات الواقعة على الطرفین فی عقد خدمات الهاتف المحمول، قد تستمر أی ما بعد إبرام العقد وتنفیذه ، وانتهاء الرابطة العقدیة بین الطرفین وخاصة تلک الخاصة بعدم إفشاء المکالمات والمراسلات، وهذا الأمر لا وجود له فی عقد البیع ، إذ تنتهی العلاقة بین البائع والمشتری بمجرد التنفیذ.
3- لا یمکن أن نتصور تسلیماً مادیاً لخدمات الهاتف المحمول ، فی حین أن من أهم التزامات البائع فی عقد البیع هو التزامه بتسلیم المبیع. ([77])
الاتجاه الثالث:
یذهب جانب من الفقه إلى محاولة التقریب بین عقد خدمات الهاتف المحمول وعقد الایجار، حیث بادر جانب من الفقه الفرنسی,إلى القول أنه یمکن تطبیق احکام عقد الایجار أو أن تکون الخدمات محلاً لهذا العقد ، واستند اصحاب هذا الاتجاه فی دعم وجهة نظرهم إلى القول بأن مورد الخدمة لا یقصد ولا یرغب بنقل کل حقوقه الواردة على الخدمات إلى متلقیها أو المستخدم لها وإنما هو یهدف فقط الى تمکینه من الانتفاع بها مقابل حصوله على مقابل مادی عن هذا الانتفاع، وأن هذا الامر یتطابق مع مفهوم عقد الایجار ، ویتفق معه بصفته عقد یلتزم به المؤجر من أن یمکن المستأجر من الانتفاع بشیء معین مدة معلومة لقاء اجر معلوم([78]).
ویرى جانب آخر من الفقه,أن عقد خدمات الهاتف المحمول هو أکثر انسجاماً مع أحکام عقد الإیجار ، إذ أن الطرف الأول فی هذا العقد هو شرکة الاتصالات التی تتعهد بتوفیر الخدمة الى المشترک دون أن یؤدی ذلک الى انتقال ملکیة هذه الخدمة بشکل نهائی الى المشترک ، وأن خدمات الاتصالات التی یقدمها مورد الخدمة للمشترک تبقى ملکیتها للمورد الذی له حق ایقافها فی حالات معینة ([79]).ویأتی هذا الرأی متفقاً مع نص المادة (558) من القانون المدنی المصری والتی تنص على أنه:" تملیک منفعة معلومة بعوض معلوم لمدة معلومة، وبه یلتزم المؤجر أن یمکن المستأجر من الانتفاع بالمأجور"([80]).
الاتجاه الرابع:
هناک اتجاه فی القانون بـأنه عقد تورید خدمات :ویعرف عقد تورید الخدمات بأنه:"التعهد الذی یلتزم بموجبه شخص بتجهیز آخر ببعض الأموال المنقولة على دفعات متتالیة خلال مدة معینة لقاء ثمن أو أجرة متفق علیها بحسب ما إذا کان تسلیم الأموال على سبیل البیع أو الإجارة"([81])،وعرفه آخرون بأنه:"عقد یلتزم شخص بمقتضاه بأن یقدم أشیاء بصفة دوریة أو مستمرة لمصلحة شخص آخر" ([82]).
المطلب الثانی
طبیعة عقد خدمة الهاتف المحمول فقهاً
بالنظر فی التکییف القانونی لطبیعة عقد خدمات الهاتف المحمول یظهر أن أولى هذه الآراء بالقبول أنه عقد تورید خدمات ،شأنه شأن عقد تورید خدمة الکهرباء،والماء والغاز وخدمات التلیفون ،وأن الخدمة التی ورد العقد علیها هی خدمة الاتصالات اللاسلکیة المتنقلة ،ومن ثم فإن الشرکة المقدمة لهذه الخدمة تقوم بتورید خدمة الاتصالات اللاسلکیة المتنقلة للمشترک ،وذلک طبقاً للقواعد والأنظمة القانونیة ،مقابل التزام الشرکة بتورید هذه الخدمة للمشترکین وهو التزام بتحقیق نتیجة ما لم یتضح من نصوص العقد أو من طبیعة الالتزام یتعلق بتحقیق غایة أو نتیجة .
وعقد التورید من العقود الجائزة شرعا ،متى توافرت ضوابطها وشروطها ([83])،وهی وإن کانت متعددة إلا أن أقربها إلى العقد محل البحث هی العقود التی تُعقد لأجل تورید خدمات الماء والکهرباء والغاز والهاتف، ویُلاحظ فی هذه العقود أن أحد طرفی العقد وهی الجهة المقدمة للخدمات تقف موقف القوی المستغنی، بینما یقف الطرف الآخر موقف المذعن المحتاج الذی تُملى علیه الشروط ([84]).
وعقود التورید هذه تشبه عقد البیع، وتشبه بیع السلم من جهة اشتراط تحدید أوصاف المعقود علیه، والقدرة على تسلیمه، وتحدید مواعید التسلیم، إلا أن بعض العلماء([85])یشبهها بصور فقهیة بحثها الفقهاء المتقدمون کبیع موصوف فی الذمة غیر معین على غیر وجه السلم، وکالشراء المستمر، والجمع بین البیع والإجارة، وبیع ما یتکرر قطفه، ولا یعلم أحداً من العلماء یرى أن عقود التورید من بیع السلم ([86]).
ونظراً لکون البدلین- المبیع والثمن - یتأجلان فی عقود التورید إلى آجال محدودة ومعلومة شبهها البعض بعقد الاستصناع ، وتحدیداً بمفهومه عند صاحبی أبی حنیفة إذ أجازوا فیه عدم تعجیل الثمن خلافاً للسلم، کما أنهما اعتبراه عقداً جائزاً غیر لازم مع عدم ذکر الأجل، ولازماً بتحدیده،کما ذکر فقهاء الحنفیة ([87]).
اعتراض وجوابه:
1- قد یقال إن عقود التورید من عقود الغرر، لأن البدلین أو أحدهما قد یتم تأجیله ،یقول صاحب الإقناع:" لأن فی السلم غرراً فلا یضم إلیه غرر تأخیر رأس المال"([88]).
ویفسر زیادة الغرر فی تأجیل البدلین بأنه جاء نتیجة لنظرة العلماء إلى البدلین، فرأوا زیادة فی الغرر، ویشیر لو أنهم نظروا إلى المتعاقدین لما تصوروا وجود زیادة فی الغرر، ولکان المتعاقدان متساویین فی تحمل المخاطرة؛ لأن الغرر لا یُنظر إلیه من حیث ذاته، وإنما یُنظر إلیه من حیث أثره على المتعاقد، وبالتالی فلا فرق فی الغرر الناتج عن تأجیل أحد البدلین وبین الغرر الناتج عن تأجیل کلیهما ([89]).
وأجیب عن هذا بأن الغرر موجود وقد یدخل فی الغرر غیر المؤثر إذا دعت الحاجة إلى مثل هذه العقود ([90])؛لأن الحاجة تُنزل منزلة الضرورة عامة کانت أو خاصة، والحاجة إذا عمت کانت کالضرورة ([91]).
ومع اختلاف العلماء المعاصرین بشأن مسألة توافر الغرر فی عقود التورید إلا أن أرجح هذه الأفوال هو عدم توافره؛لأن تأجیل البدلین فی عقود التورید لا غرر فیه؛ لأن المبیع مقسط على آجال معلومة، والثمن أیضاً محدد ومقسط على آجال معلومة، والغرر المنهی عنه هو ما تردد المعقود علیه بین الوجود والعدم ([92]).
ویمکن أن یحمل على نفی الغرر المنهی عنه، وهو ما کان کثیراً، حیث إن ما یُراد توریده محدد بأوصاف معینة وبکمیات محددة ومعلومة، وهو إما أن یکون موجوداً ومتوفراً حال العقد، وإما أن یتوفر أو یوجد وقت استحقاقه، ومن ثَم فغرره قلیل لا یؤثر فی صحة العقد، وکذلک الأمر بالنسبة للثمن فإنه یکون معلوماً قدراً وصفة وأجلاً، وعلى فرض وجود غرر فی عقود التورید ولو کان کثیراً فإن الحاجة باتت ماسة وعامة فتُنزل منزلة الضرورة، مما یجعل هذا الغرر مغتفراً وغیر مانع من صحة هذه العقود ([93]).
1- قد یقال إن عقد تورید الخدمات من قبیل بیع الدین بالدین ،بناءً على تأجیل البدلین، خاصة وأنه بعد إبرام عقد التورید لا یتم تعجیل البدلین أو أحدهما، بل یُؤجل کل من المبیع والثمن ([94])،وقد "نهى رسول الله - r- عن بیع الکالئ بالکالئ"([95]) ،ونقل ابن المنذر الإجماع على عدم جواز بیع الدین بالدین([96]).
وبناءً على هذا النهی الوارد ذهب بعض العلماء المعاصرین إلى القول بأن العقود التی یتم فیها بیع العین الموصوفة الموجودة سواء فی بلد المتعاقدین أو فی غیر بلدهما لا یشترط فیها تسلیم الثمن، أما العقود التی یکون المبیع فیها موصوفاً فی الذمة أو مسلماً فیه فإنه یشترط فیها تسلیم الثمن فی مجلس العقد؛ لئلا یتعلق البدلان فی الذمة، إذ یدخل ذلک فی بیع الدین بالدین المنهی عنه فی الحدیث المشهور. ([97]).
ونوقش هذا التخریج بأکثر من وجه،منها:
1- أن حدیث الکالئ بالکالئ حدیث ضعیف، فقد ذکر ابن حجر أن الحاکم صححه على شرط مسلم، ووهم؛ لأن راویه موسى بن عبیدة الربذی لا موسى بن عقبة، وأن ابن حنبل لا تحل عنده الروایة عنه، ولا یعرف هذا الحدیث عن غیره، وأنه لیس فی هذا حدیث یصح، ونقل عن الشافعی أن أهل الحدیث یوهنون هذا الحدیث، وأن الدارقطنی جزم فی العلل بأن موسى بن عبیدة تفرد به ([98]).
2- أن دعوى الإجماع على تحریم بیع الدین بالدین لم تثبت، فإن ابن القیم قال: "إن بیع الدین بالدین لیس فیه نص عام، ولا إجماع، وإنما ورد النهی عن بیع الکالئ بالکالئ، والکالئ هو المؤخر الذی لم یقبض، کما لو أسلم شیئا فی شیء فی الذمة وکلاهما مؤخر فهذا لا یجوز بالاتفاق، وهو بیع کالئ بکالئ" ([99]).وفسر الإمام مالک الکالئ بالکالئ بـ :"أن یبیع الرجل دینا له على رجل بدین على رجل آخر([100]).
3- وأما القول بأن فی تأجیل البدلین انشغال ذمة کل من المتعاقدین من غیر فائدة فلیس مسلماً؛ إذ لو کان کذلک لما تعاقد بذلک أحد، وقد یکون للمتعاقدین غرض سلیم فی تأجیل البدلین([101]).
وخلاصة ما تقدم أن الغرر فی عقد تورید الخدمات من الغرر الیسیر ،وهو غیر مؤثر فی صحة العقد،وأن العقد فی ذاته لا إشکال فیه ،وله مخرج واسع فی الفقه المالکی،فهو من قبیل بیع الصفة التی یـتأجل فیها البدلان،،أو أن هذا العقد من باب الشراء من دائم العمل ،جاء فی مواهب الجلیل ما نصه:" والشراء من دائم العمل کالخباز، وهو بیع وإن لم یدم فسلم"کالخباز واللحام بیعاً، ویسمى بیعة أهل المدینة، فقد کان أحدهم یبتاع اللحم بسعر معلوم، یأخذ کل یوم شیئاً معلوماً، ویشرع فی الأخذ ویتأخر الثمن إلى العطاء وکذلک کل ما یباع فی الأسواق، ولا یکون إلا بأمر معلوم یسمی ما یأخذ کل یوم، ولم یکن یُعتبر ذلک من باب بیع الدین الدین ([102])،وفی حاشیة الدسوقی:"ویجوز الشراء من دائم العمل بثمن معجل أو مؤجل، ویخالف بذلک السلم؛ لعدم اشتراط تعجیل الثمن وتأجیل المثمن، فهو بیع لأن البیع لا یشترط فیه واحد من الأمرین ([103]).والشراء من دائم العمل له صورتان:
1- أن یتعاقد معه على أنه یأخذ کل یوم بعشرة دراهم خبزاً مثلاً، ویثبت لکل منهما الفسخ.
2- أن یأخذ جملة منه یفرقها على أیام ولیس لأحدهما الفسخ فی هذه الصورة ([104]).
أما الشراء المستمر کشراء لبن الغنم شهراً، فقد رُوی عن الحسن البصری قوله بجوازه([105])،وسُئل الإمام مالک: "أرأیت إن اشتریت لبن عشر شیاه بأعیانها فی أبان لبنها، أیجوز ذلک فی قول مالک؟ قال: نعم ذلک جائز إذا سمى شهراً أو شهرین أو ثلاثة، وکان قد عرف وجه حلابها فلا بأس به"([106]).
وتفریعاً على ما تقدم یمکن القول بأن عقد خدمات الهاتف المحمول صورة معاصرة من صور الشراء المستمر أو من دائم العمل أحد التی هی صورة عقود التورید المعاصرة.
المطلب الثالث
موازنة بین الفقه والقانون
بالمقارنة بین القانون والفقه بشأن الطبیعة الفقهیة والنظامیة لعقد خدمات الهاتف المحمول،یظهر جلیًّا أن هذا العقد أقرب إلى عقد تورید الخدمات ،سیما وأن تصنیف العقد بأنه عقد تأجیر خدمات لم یسلم من النقد، فعلى الرغم من وجود خصائص مشترکة بین عقد خدمات الهاتف المحمول وعقد الایجار،ودعم عدد من الآراء الفقهیة لفکرة إیجار الخدمات ، إلاَّ أنه لا یمکن التسلیم بهذه الفکرة للأسباب التالیة:
1- توجد التزامات جوهریة تترتب على عقد الایجار یصعب تنفیذها فی العلاقة بین مورد الخدمة والمشترک فی عقد خدمات الهاتف المحمول ومنها الالتزام بتسلیم المأجور الذی یقع على عاتق المؤجر فی عقد الایجار، فمن غیر الممکن أن یفرض على مورد الخدمة التزاماً بتسلیم خدمات الاتصالات إلى المشترک تسلیماً حقیقیاً. ([107]).
2- الأجرة فی عقد الایجار یمکن أن تکون من النقود ، ویمکن أن تکون أی مال آخر ,کجزء من محصول أو الانتفاع بشیء ، مقابل الانتفاع بالعین المؤجرة أو تکون بشکل تحسینات یدخلها المستأجر على هذه العین، وقد تکون بضاعة فی حین أنه فی عقد خدمات الهاتف المحمول ، یکون المقابل أو البدل الذی یلتزم المشترک بدفعه هو مقابل مالی وهو مبلغ من النقود ، کذلک بالنسبة للأجرة قد یغفل المتعاقدان عن الاتفاق على الاجرة فی عقد الایجار أو یساء تقدیرها أو یتعذر إثباتها ، فتکون الأجرة هی أجرة المثل"([108]),وهذا الامر لا وجود له فی عقد خدمات الهاتف المحمول ([109]).
ویتفق هذا التکییف مع أهم خاصیة من خصائص العقد وهی أنه عقد من عقود المدة، فالالتزام بتقدیم الخدمة یعد التزاماً مستمراً ، ذلک لان عقد تورید الخدمة ، هو عقد متتابع فی التنفیذ ، اذ یستغرق مدة زمنیة لتنفیذه. ([110]).
أی أن تقدیم الخدمات قد یکون بصورة دوریة وعلى أوقات أو بصورة مستمرة ، وفی الحالتین یستغرق تنفیذها مدة من الزمن .
وعلیه فإن عقد خدمات الهاتف المحمول ، یُعد من العقود الزمنیة مستمرة التنفیذ ، فالعقد لا ینتهی بمجرد أول تنفیذ له ، وانما یلتزم مورد الخدمة بتورید خدمة الاتصالات للمشترک بصورة متتابعة طالما کان المشترک مستمراً بتنفیذ بنود العقد المبرم بینهما ، ومنها التزامه بدفع المقابل النقدی.
المبحث الثالث
التزامات طرفی عقد خدمات الهاتف المحمول
والآثار المترتبة على الإخلال بها
وفیه مطلبان:
* المطلب الأول:التزامات طرفی عقد خدمات الهاتف المحمول نظاماً وفقهاً.
* المطلب الثانی: الآثار المترتبة على الإخلال بالمسؤولیة العقدیة نظاماً وفقهاً.
المطلب الأول
التزامات طرفی عقد خدمات الهاتف المحمول قانونا وفقها
من الثابت أن القواعد العامة تقضی بوجوب تنفیذ کل عاقد لالتزامه فی إطار مبدأ حسن النیة ،ومن ثم فإن المسؤولیة العقدیة لاتنشأ إلا إذا أخل أحد العاقدین بالتزاماته،بحیث یسأل المدین عن تعویض الدائن المضرور إذا أخل بالتزام ولم یکن فی الإمکان إجباره على تنفیذ التزامه ،وکذلک الحال إذا تأخر المدین فی تنفیذ التزامه.وحتى تتم الفائدة یمکن تقسیم هذا المبحث إلى فروع ثلاثة:
الفرع الأول
التزامات طرفی العقد قانوناً
أولا: التزامات المستخدم :
طبقاً للقواعد العامة والشروط المنصوص علیها فی العقد یلتزم المستخدم أو المشترک بمایلی:
الالتزام الأول: الالتزام بدفع الاشتراک المالی ،وذلک بناء على أن عقد خدمات الهاتف المحمول من عقود المعاوضة ،ویتم ذلک بموجب طریقتین:
الأولى: الدفع المسبق من جانب المشترک : وبموجب هذه الطریقة یقوم المشترک بتعبئته ، إذ تقوم شرکات (الهاتف النقال) بإصداره لغرض بیعه ، ومن خلال هذه العملة یحول المقابل المال إلى حساب مقدم الخدمة ویصرف حسب استخدام المشترک ویمکن أن تسمى هذه الطریقة بالدفع الالکترونی ،وأن هذه الطریقة تکون أکثر کلفة من طریقة الدفع اللاحق ولکنها تساعد المشترک على عدم المخاطرة بإجراء مکالمات کثیرة قد یجد المشترک صعوبة فی تسدیدها.ویلاحظ أن طریق الدفع المسبق هی الطریقة المستخدمة عند أغلب المشترکین فی الدول العربیة.
الثانیة :الدفع اللاحق: وتتم هذه الطریقة من خلال الدفع بشکل مباشر من قبل المشترک إلى شرکة الاتصالات ، من خلال الذهاب إلى فروع الشرکة ، ویتم الدفع بالطریقة العادیة وبالنقود السائلة ، وتکون الاتصالات التی یجریها المشترک أقل کلفة مع وجود مبلغ اشتراک شهری محدد یلتزم المشترک بدفعه إلى شرکات (الهاتف النقال) والتی هی بدورها تقدم له ([111]).
هذا الالتزام ورد النص علیه فی نظام الاتصالات السعودی ،فنصت المادة السادسة :یتم استحمال مقابل مالی لصالح الخزینة العامة نظیر تقدیم الخدمات تجاریا، وإصدار الترخیص للمشتغلین والسماح لهم باستخدام التردادات بموجب قرار یصدر من مجلس الوزراء".
ونصت المادة السابعة :تضع الهیئة الأسس والقواعد الخاصة بتحدید المقابل المالی لخدمة الاتصالات بالقدر الذی یقتضیه وضع المنافسة ،وتبین اللائحة الضوابط اللازمة لذلک".([112]).
الالتزام الثانی:احترام الغرض من التعاقد:الغرض الأساسی الذی یتم التعاقد من أجله هو أن یتمکن المشترک من الوصول إلى الشبکة ،ویجب أن یلتزم المشترک بهذا الغرض من التعاقد ، وأن یکون استخدام الاتصالات بشکل مشروع لیتمکن بعد ذلک من الحصول على خدمات الاتصالات التی یریدها ، والتی قد تقتصر على إجراء المکالمات والمراسلات والوصول إلى الشبکة أو تمتد لتشمل بقیة الخدمات الأخرى وذلک لتحقیق أهداف وأغراض مشروعة للمشترک ، دون أن یتسبب بأذى لمقدم الخدمة أو للغیر وأن یستعمل وسائل الاتصال بشکل مشروع وأخلاقی وعد استعمالها لتحقیق أغراض غیر مشروعة وغیر قانونیة وکذلک عدم إزعاج الآخرین سواء ، کارتکاب الجرائم مثلا بالاتصالات او بالرسائل غر المرغوب فیها ([113]).
ثانیاً: التزامات مقدم الخدمة نظاماً:
أ. یلتزم مقدم الخدمة بصفة أساسیة بتأمین اتصال المشترک بالشرکة ،ویشمل هذا الالتزام بتأمین تقدیم الأدوات والمعدات ومستلزمات تشغیل الخدمة ،کالکابلات والأسلاک وغیرها بهدف إرسال واستقبال الخدمات ،وتکون هذه الأجهزة والمعدات بمواصفات تجاریة خاصة ،وهذه ما أکدت علیه جمیع قوانین الاتصالات. ([114]).
ب. التزام مقدم الخدمة بالسریة والخصوصیة :أی سریة البیانات والمعلومات الشخصیة للمشترک ،وسریة وخصوصیة المکالمات والمراسلات عبر وسائل الاتصالات المختلفة.
ویقصد بالبیانات الشخصیة فی خدمة الهاتف المحمول اسم المشترک وعنوانه وجمیع البیانات ذات الطابع الشخصی.
ومقتضى ما تقدم أن شرکة الاتصالات التی تقدم خدمات الهاتف المتحرک ملتزمة بحفظ المعلومات والبیانات الخاصة بالمشترک واتصالاته التی تکون فی حیازتهم ،وعلیها توفیر الحمایة الکافیة لهم ،ولایجوز لمقدم الخدمة جمع أی معلومات أو استعمالها أو الاحتفاظ بها أو إعلانها عن أی مشترک إلا بموافقة أو وفقا لمایسمح به القانون.
الفرع الثانی
التزامات طرفی العقد فقهاً
أولا: التزامات المستفید أو المشترک:
وأظهر هذه الالتزامات :التزام المستفید بدفع قیمة الخدمة ،واستخدام الهاتف المحمول فی الأغراض المشروعة حسب ما رود النص علیه فی العقد وبیان ذلک کما یلی:
أ- الالتزام الأول: الالتزام المسبق بدفع الاشتراک المالی
توجب الشریعة الإسلامیة على طرفی علاقة المعاوضة الوفاء بالالتزامات المترتبة على تحصیل المنفعة التی وقع العقد علیها ،خاصة وأن عقد خدمات الهاتف المحمول من عقود المعاوضة الرضائیة الملزمة للجانبین .
ومن جانب آخر: فإن عقد خدمات الهاتف المحمول من العقود المحددة حیث یستطیع کل طرف من الأطراف المتعاقدة تحدید مقدار الالتزام الذی ینشئه العقد علیه مقابل الحق الذی سیکسبه کل طرف وقت تمام العقد ،وقد سبق ذکر ما قاله فقهاء المالکیة بجواز الشراء من دائم العمل بثمن معجل أو مؤجل، ویخالف بذلک السلم؛ لعدم اشتراط تعجیل الثمن وتأجیل المثمن، فهو بیع لأن البیع لا یشترط فیه واحد من الأمرین ([115]).
وعلیه فمتى تم العقد وتوافرت شروطه وأرکانه التزم المستفید بدفع قیمة الخدمة کما تحددها الشرکة .
ولا یحتج على ذلک بأن المستفید لم یحصل على الخدمة بعد؛لأن المبیع فی عقود التورید إما أن یکون موجوداً عند المورد أو غیر موجود عنده حال العقد ولکن یغلب على الظن وجوده وقت استحقاقه، کما أن المورد قد یکون منتجاً للمبیع، أو متاجراً به وقادراً على تسلیمه؛ وهو مذهب کثیر من العلماء المعاصرین ،ممن قالوا بأن عقود التورید لا تدخل فی النهی عن بیع الإنسان ما لیس عنده، لقدرته على التسلیم فی الموعد المحدد ، لأن المورد لا یبرم عقد التورید إلا وهو واثق بحصوله على المبیع وفق الالتزامات الواردة فی العقد ([116]).
والتزام المستفید بدفع ثمن الخدمة یتخرج على کثیر من الآیات القرآنیة والنصوص الشرعیة ([117])،التی توجب الوفاء بمقابل الحصول على الخدمة ،وقاعدة
الغنم بالغرم ([118])،التی أفاض الفقهاء فی شرحها .
ویفسر الغرم بما یلزم المرء لقاء شیء، من مال أو نفس.ویفسر الغنم: بما یحصل له من مرغوبه من ذلک الشیء ([119]).
وتخریج عقد خدمات الهاتف المحمول على عقد تورید الخدمات یلزم منه تسمیة ثمن الخدمة التی یقوم بها المورد بمصطلح الأجر، وهذا لا یعترض علیه لغویاً أو منطقیاً حیث هو من قبیل الأجر فعلاً، ولکن وجه الاعتراض یأتی من حیث اختلاف المفهوم الاقتصادی العام للأجر مع هذا المفهوم الخاص، فالأجر وفقاً للمفهوم العام الحدیث مبلغ من النقود (أو ما یحل محلها) یستحقه العامل بالتعاقد مع صاحب عمل مقابل وقت محدد یقضیه للعمل لدیه أو عمل محدد یؤدیه من خلاله ولا یتحمل العامل بأیة حال مسؤولیة ما یقوم به من عمل، بل یتحمل ذلک صاحب العمل، فالأجر ثمن مضمون لخدمة یؤدیها العامل بعقد قائم على التراضی بینه وبین صاحب العمل. ([120]).
ب- الالتزام الخاص باحترام الغرض من التعاقد :فهو التزام إسلامی أصیل ،یتخرج على الأصول الشرعیة التی تمنع العاقد من استعمال المنفعة التی وقع العقد علیها على غیر ما أعدت له ،سواء من الناحیة الشرعیة أو من الناحیة النظامیة ،وهذه المسألة نظیر من استأجر حانوتاً فی سوق البزازین مثلاً فلیس له أن یتخذه للحدادة أو الطبخ أو نحو ذلک مما یؤذی جیرانه. ([121]).
کما أنه یتخرج على موقف الإسلام من الحیل التی یعول علیها أحد العاقدین للوصل إلى أمر غیر مشروع بناء على عقد مشروع ،قال ابن القیم : الحیلة هی نوع مخصوص من التصرف والعمل الذی یتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب علیه بالعرف استعمالها من سلوک الطرق الخفیة التی یتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه ، بحیث لا یتفطن له إلا بنوع من الذکاء والفطنة([122]) 0
وقال محمد بن الحسن :" ما احتال به المسلم حتى یتخلص به من الحرام أو یتوصل به إلى الحلال فلا بأس به ، وما احتال به حتى یبطل حقاً أو یحق باطلاً أو لیدخل به شبهة فی حق فهو مکروه والمکروه عندنا إلى الحرام أقرب "([123]) 0
ومن نظائر هذه المسألة صفة الدار المستأجرة فی ید المستأجر :فإنها تکون أمانة فی ید المستأجر، فلا یضمن إلا بالتعدی أو المخالفة. وتوابع الدار کالمفتاح أمانة أیضا. وإن تلف شیء مما یحتاج إلیه للتمکن من الانتفاع لا یضمنه. وإذا استأجر الدار على أن تتخذ للحدادة، فاستعملها للقصارة أو غیرها مما لا یزید ضرره عادة عن الحدادة، فانهدم شیء من البناء، فلا ضمان علیه. أما إن استأجرها على أن یتخذها للسکنى، فاستعملها للحدادة أو القصارة، فانهدم شیء منها ضمن ([124]) 0
ثانیاً: التزامات مقدم الخدمة:
من الثابت أن المنفعة أو الخدمة فی عقد خدمات الهاتف المحمول کما یقول العلماء لا تُستوفى جملة واحدة، وإنما تُستوفى تدریجیاً([125]) ،والبدل الآخر المتمثل بالثمن فقد یکون معجلاً أو مؤجلاً.
ویشیر ابن عابدین إلى أن المنفعة تحدث شیئاً فشیئاً، ثم یقول: "وشأن البدل أن یکون مقابلاً للمبدل، وحیث لا یمکن استیفاؤها حالاً لا یلزم بدلها حالاً إلا إذا شرطه ولو حکماً بأن عجله؛ لأنه صار ملتزماً له بنفسه حینئذ، وأبطل المساواة التی اقتضاها العقد فصح" ([126]).
والتزام مقدم الخدمة بتأمین اتصال المشترک بالشرکة أثر طبیعی للوفاء بالالتزام المنصوص علیه فی العقد؛لما سبق ذکره من أن العقد عقد معاوضة ،وأنه ملزم للجانبین ،ومن ثم فلا یجوز شرعاً أن یمنع الخدمة عن المشترک أو المستفید ؛لعموم الأدلة التی سبق ذکرها فی التزامات المستفید ،وعلى الأخص قول النبی -r-:" ثلاثة أنا خصمهم یوم القیامة: رجل أعطى بی ثم غدر، ورجل باع حرا فأکل ثمنه، ورجل استأجر أجیرا فاستوفى منه ولم یعط أجره " ([127]).
قال ابن حجر"قوله ورجل استأجر أجیرا فاستوفى منه ولم یعطه أجره هو فی معنى من باع حرا وأکل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغیر عوض وکأنه أکلها ولأنه استخدمه بغیر أجرة وکأنه استعبده"([128]).
أما التزام مقدم الخدمة بالسریة والخصوصیة: فهو التزام دینی أصلاً ،ینبع من النهی عن هتک الأسرار؛لعموم قوله تعالى:]یَاأَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِیرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضًا أَیُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتًا فَکَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِیمٌ[([129]).ومعنى الآیة: خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمین، أی لا یبحث أحدکم عن عیب أخیه حتى یطلع علیه بعد أن ستره الله ([130]).
وفی الصحیحین عن أبی هریرة t- ، أن رسول الله -r - قال: «إیاکم والظن، فإن الظن أکذب الحدیث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وکونوا عباد الله إخوانا»([131]).
قال العلماء: التحسس الاستماع لحدیث القوم، والتجسس البحث عن العورات. وقیل: هو التفتیش عن بواطن الأمور وأکثر ما یقال فی الشر. والجاسوس صاحب سر الشر. والناموس صاحب سر الخیر.([132]).
عن أبی برزة الأسلمی-t- قال: قال رسول الله - r-:" یا معشر من آمن بلسانه ولم یدخل الإیمان قلبه لا تغتابوا المسلمین ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم یتبع الله عورته ومن یتبع الله عورته یفضحه فی بیته ". ([133]). وقال عبد الرحمن بن عوف: حرست لیلة مع عمر بن الخطاب رضی الله عنه بالمدینة إذ تبین لنا سراج فی بیت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر: هذا بیت ربیعة بن أمیة بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى!؟ قلت: أرى أنا قد أتینا ما نهى الله عنه، قال الله تعالى:" ولا تجسسوا" وقد تجسسنا، فانصرف عمر وترکهم ([134]).
لقد نهى الإسلام عن إفشاء الأسرار، قال النبی - r- فی حدیث جابر بن عبد الله –رضی الله عنهما- "إذا حدث الرجل بالحدیث ثم التفت فهی أمانة" والأمانة لا یجوز إضاعتها بإفشائها وإشاعتها، قال الله تعالى: }یا أیها الذین آمنوا لا تخونوا الله الرسول وتخونوا أماناتکم وأنتم تعلمون{ (الأنفال: 27)، وقال النبی -r-: "إنما یتجالس المتجالسان بالأمانة فلا یحل لأحد أن یفشی على صاحبه ما یکره". ([135])
وعن ابن عباس قال: قال العباس: یا بنی , إنی أرى أمیر المؤمنین یقربک ویخلو بک ویستشیرک مع أناس من أصحاب رسول الله (صلى الله علیه وسلم)؛ فأحفظ عنی ثلاث خصال: «لا یجربن علیک کذبة، ولا تفشین له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا» . قال عامر: فقلت لابن عباس: یا ابن عباس , کل واحدة خیر من ألف. قال: نعم، ومن عشرة آلاف " ([136]).
وقال -r-: "المستشار مؤتمن".([137])
فهذه الأحادیث وغیرها تحرم إفشاء الأسرار وتأمر بحفظها لما یترتب على إفشائها من الضرر والأذى لأصحاب الأسرار.
قال ابن بطال:" الذی علیه أهل العلم أن السر لا یباح به إذا کان على صاحبه منه مضرة"([138])
إلا أن هذا الحکم لیس على إطلاقه ،فیجب للمصلحة العامة کشف الأسرار فی إطار من التوازن بین الحقوق والواجبات ، فالفاجر الذی یتعدى فجوره إلى غیره یجب کشف سره للتحذیر منه ،أو من یعمل جاسوساً ،یجب کشف جاسوسیته للمصلحة العامة ،قال الإمام المناوی:" فذکره-أی الفاجر- بذلک من النصیحة الواجبة لئلا یغتر به مسلم فیتقدى به فی فعله أو یسترسل له فیؤذیه" ([139])،وفی الأثر مرفوعاً: "اذکروا الفاجر بما فیه یحذره الناس"([140]).
وعلیه فإن المصلحة العامة قد تلزم الشرکة بتقدیم بیانات العمیل ، فی إطار ضوابط معینة ،ویفسر ذلک بأنه نوع من الشهادة الصادقة التی ینبنی الحق علیها ،وقد قال الله تعالى:{وَلا تَکْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ یَکْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ.}(1) قال الطبری :"وهذا خطابٌ من الله عز وجل للشهود الذین أمر المستدینَ وربَّ المال بإشهادهم، فقال لهم:"ولا یأب الشهداءُ إذا ما دعوا" - ولا تکتموا، أیها الشهود، بعد ما شهدتم شهادَتکم عند الحکام، کما شهدتم على ما شهدتم علیه، ولکن أجیبوا من شهدتم له إذا دعاکم لإقامة شهادتکم على خصمه على حقه عند الحاکم الذی یأخذُ له بحقه.ثم أخبر الشاهدَ جل ثناؤه ما علیه فی کتمان شهادته، وإبائه من أدائها والقیام بها عند حاجة المستشهد إلى قیامه بها عند حاکم أو ذی سلطان، فقال:"ومن یَکتمها". یعنی: ومن یکتم شهادته "فإنه آثم قَلبه"، یقول: فاجرٌ قلبه، مکتسبٌ بکتمانه إیاها معصیة الله.." ([141])
والناظر فی الحالات المستثناة من وجوب کتمان السر یدرک أنه إفشاء تقتضیه المصلحة العامة أو الضرورة أو الحاجة، وقواعد الشریعة لا تمنع من إفشاء السر فی مثل هذه الحالات الاستثنائیة، فمن قواعد الشریعة: الضرورات تبیح المحظورات، وقاعدة: تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، وقاعدة: دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وقاعدة ترجیح المصلحة الأعلى على المصلحة الأدنى.
ویظهر هذا الحکم بوضوح فیما جاء فی قرار المجمع الفقهی المتعلق بالمحافظة على السر فی المهن الطبیة. جاء فی هذا القرار:
- السر أمانة لدى من استودع حفظه التزاماً بما جاءت به الشریعة الإسلامیة وهو ما تقضی به المروءة وآداب التعامل.
- الأصل حظر إفشاء السر وإفشاؤه دون مقتضى معتبر موجب للمؤاخذة شرعاً.
- یتأکد واجب حفظ السر على من یعمل فی المهن التی یعود الإفشاء فیها على أهل المهنة بالخلل کالمهن الطبیة إذ یرکن إلى هؤلاء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقدیم العون فیفضون إلیهم بکل ما یساعد على حسن أداء هذه المهام الحیویة ومنها أسرار لا یکشفها المرء لغیرهم حتى الأقربین إلیه.
تستثنى من وجوب کتمان السر حالات یؤدی فیها کتمانه إلى ضرر یفوق إفشاءه بالنسبة لصاحبه أو یکون فی إفشائه مصلحة ترجح على مضرة کتمانه وهذه الحالات على ضربین:
أ- حالات یجب فیها إفشاء السر بناءً على قاعدة ارتکاب أهون الضررین لتفویت أشدهما وقاعدة تحقیق المصلحة العامة التی تقضی بتحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام إذا تعین ذلک لدرئه وهذه الحالات نوعان:
- ما فیه درء مفسدة عن المجتمع.
- وما فیه درء مفسدة عن الفرد.
ب- حالات یجوز فیها إفشاء السر لما فیه:
- جلب مصلحة للمجتمع.
- أو درء مفسدة عامة.
وهذه الحالات یجب الالتزام فیها بمقاصد الشریعة وأولویاتها من حیث حفظ الدین والنفس والعقل والمال والنسل . ([142])
الفرع الثالث
موازنة بین القانون والفقه بشأن التزامات العاقدین
بالمقارنة بین القانون والنظام بشأن التزامات طرفی عقد خدمات الهاتف المحمول ،یظهر مدى التقارب بین هذین الوجهین ،وما ذاک إلا لأن الشریعة الإسلامیة مبناها الحکمة والمصلحة التی تتفق والحاجة إلى ضبط التصرفات العقدیة بمقاصد الشرع الکلیة،حفاظاً على التوازن العقدی بین طرفیه.
وقاعدة العقد شریعة المتعاقدین قاعدة مقبولة شرعاً متى جاء العقد خالیاً من کل شوائب التصرفات العقدیة .
وعقد تورید الخدمات الذی تم تخریج عقد خدمات الهاتف المحمول علیه من العقود المقبولة شرعا ،حتى وإن کان فیه غرر ، فإن غرره قلیل لا یؤثر فی صحة العقد، وکذلک الأمر بالنسبة للثمن فإنه یکون معلوماً قدراً وصفة وأجلاً، وعلى فرض وجود غرر فی عقود التورید ولو کان کثیراً فإن الحاجة باتت ماسة وعامة فتُنزل منزلة الضرورة، مما یجعل هذا الغرر مغتفراً وغیر مانع من صحة هذه العقود.
المطلب الثانی
الآثار المترتبة على الإخلال بالمسؤولیة العقدیة نظاماً وفقهاً.
وفیه فروع ثلاثة:
الفرع الأول:الآثار المترتبة على الإخلال بالمسؤولیة العقدیة قانوناً.
الفرع الثانی:الآثار المترتبة على الإخلال بالمسؤولیة العقدیة فقهاً.
الفرع الثالث:موازنة بین القانون والفقه.
الفرع الأول
الآثار المترتبة على الإخلال بالمسؤولیة العقدیة قانوناً.
المسؤولیة الناتجة عن الحاق الضرر إما أن تکون مسؤولیة عقدیة أو مسؤولیة تقصیریة.ولکی تقع المسؤولیة لا بد من معرفة أنواع الضرر سواء فی المسؤولیة العقدیة الناشئة عن التعاقد أو المسؤولیة التقصیریة الناشئة عن الفعل النافع أو الضار ([143]).
ویشترط لثبوت المسؤولیة العقدیة توافر شرطین:
الأول: وجود عقد صحیح الأرکان والشروط بین الطرفین(الضار والمضرور) .
وبناءً على ما سبق ذکره فی المبحث السابق من تکییف علاقة خدمات الهاتف المحمول أنه عقد تورید خدمات ،فإنه متى قام المشترک أو المستفید بالوفاء بالشروط المنصوص علیها فی العقد لتحصیل الخدمة ،فقد تحقق ارتباط الإیجاب بالقبول ،طبقا لما تقضی به قواعد القانون المدنی فی هذا الشأن([145]).
ومن الثابت أن مسؤولیة شرکة الهواتف النقالة تجاه مستخدم الهاتف تعد مسؤولیة عقدیة وذلک فی حالة وجود عقد صحیح بینهما فإذا ما أخل أحد الأطراف بالالتزام القانونی ستنهض عندئذ المسؤولیة العقدیة وکقاعدة عامة فإن التزام المورد (شرکة الهواتف المحمولة ) بأداء الخدمة هو التزام بتحقیق نتیجة، ما لم یتضح من نصوص العقد أو من طبیعة الالتزام المبرم أن الأمر یتعلق بتحقیق غایة ولیست نتیجة ،وعلى هذا الأساس سوف لا یستطیع مورد الخدمة التخلص من المسؤولیة إلا بإثبات السبب الأجنبی کحدوث تفجیر أو بحالة حدوث قطع للتیار الکهربائی([146]).
ویشترط لتحقیق الضرر شروط ثلاثة:
ویترتب على ذلک أن من یطالب بالتعویض عن ضرر أصابه بسبب شرکة الهواتف النقالة علیه أن یثبت ذلک الضرر؛ لأنه إن لم یقم بإثبات ذلک ،لا یعد الضرر عندئذ قد أصابه شخصیًّا،ولاتکون دعواه مقبولة ،فضلاً عن أن هناک اضراراً أخرى ناجمة عن التوزیع العشوائی لأبراج الهواتف النقالة والتی تولد حقول کهرومغناطیسیة وهذا ما یرتب مسؤولیة غیر عقدیة على محدث الفعل الضار والمتمثل بشرکة الهواتف النقالة ویکون أساس هذه المسؤولیة محددة بالمسؤولیة الموضوعیة المادیة (تحمل التبعة) أو الغرم بالغنم والتی تقوم على فکرة جوب تحمل المسؤول قانونا المخاطر الناجمة عن نشاطه([148]).
وعلیه فإنه ملزم بتعویض المضرور الذی لحق به الضرر ولو بغیر خطأ من المسؤول ([149]).
ومن وجوه الحاق الضرر بالمستفید إخلال الشرکة بالالتزامات المنصوص علیها فی العقد کعدم جودة الخدمة بتقدیم الخدمة،أو قطع الخدمة أی إیقافها فترة من الزمن أو تعلیقها بدون مسوغ من قبل شرکات الاتصالات وهذا ما یعد تعسفا من قبل شرکات الاتصالات لذا یتوجب حمایة المشترک منه .
الفرع الثانی
الآثار المترتبة على الإخلال بالمسؤولیة العقدیة فقهاً.
وفیه مسائل:
المسألة الأولى: الوفاء بالالتزام العقدی على الوجه المعتبر شرعاً:
أوجب الله تعالى الوفاء بالعقود على الوجه الأکمل ،قال الله تعالى:]یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" ([150]) ،قال الطبری:"یعنی: أوفوا بالعهود التی عاهدتموها ربَّکم، والعقود التی عاقدتموها إیاه، وأوجبتم بها على أنفسکم حقوقًا، وألزمتم أنفسکم بها لله فروضًا، فأتمُّوها بالوفاء والکمال والتمام منکم لله بما ألزمکم بها، ولمن عاقدتموه منکم، بما أوجبتموه له بها على أنفسکم، ولا تنکُثُوها فتنقضوها بعد توکیدها ([151]).
والعقد هو:ربط أجزاء التصرف بالإیجاب والقبول شرعًا ([152]) ،أو هو: التزام على سبیل الأحکام وهو وصل الشیء بالشیء على سبیل الاستیثاق ([153]).
1- وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْئُولا}([154]) قال الفخر الرازی :"أما مقتضى هذه الآیة أن کل عقد وعهد جرى بین إنسانین فإنه یجب علیهما الوفاء بمقتضى ذلک العقد والعهد، إلا إذا دل دلیل منفصل على أنه لا یجب الوفاء بمقتضاه وبهذا الطریق تصیر أبواب المعاملات على طولها وإطنابها مضبوطة معلومة بهذه الآیة الواحدة ویکون المکلف آمن القلب مطمئن النفس فی العمل لأنه لما دلت هذه النصوص على صحتها فلیس بعد بیان الله بیان وتصیر الشریعة مضبوطة معلومة"([155]).
2- قوله -r- :"المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراما"([156]). وقوله -r- :" الصلح جائز بین المسلمین إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما"([157]).
قال شیخ الإسلام ابن تیمیة:" وهذا المعنى هو الذی یشهد له الکتاب والسنة وهو حقیقة المذهب؛ فإن المشترط لیس له أن یبیح ما حرمه الله ولا یحرم ما أباحه الله. فإن شرطه حینئذ یکون مبطلا لحکم الله. وکذلک لیس له أن یسقط ما أوجبه الله؛ وإنما المشترط له أن یوجب الشرط ما لم یکن واجبا بدونه. فمقصود الشروط وجوب ما لم یکن واجبا ولا حراما وعدم الإیجاب لیس نفیا للإیجاب حتى یکون المشترط مناقضا للشرع وکل شرط صحیح فلا بد أن یفید وجوب ما لم یکن واجبا؛ فإن المتبایعین یجب لکل منهما على الآخر من الإقباض ما لم یکن واجبا ویباح أیضا لکل منهما ما لم یکن مباحا ویحرم على کل منهما ما لم یکن حراماً" ([158]).
المسألة الثانیة :مدى مشروعیة اشتراط الشرط الجزائی:
یقول الدکتور/عبد الرزاق السنهوری:"یحدث کثیرا أن الدائن والمدین لا یترکان تقدیر التعویض إلى القاضی کما هو الأصل بل یعمدان إلى الاتفاق مقدما على تقدیر هذا التعویض، فیتفقان على مقدار التعویض الذی یستحقه الدائن إذا لم یقم المدین بالتزامه، وهذا هو التعویض عن عدم التنفیذ، أو على مقدار التعویض الذی یستحقه الدائن إذا تأخر المدین فی تنفیذ التزامه، وهذا هو التعویض عن التأخیر، هذا الاتفاق مقدما على التعویض یسمى بالشرط الجزائی وسمی بالشرط الجزائی؛ لأنه یوضع عادة کشرط ضمن شروط العقد الأصلی الذی یستحق التعویض على أساسه. اهـ." ([159]).
وعلیه فإن لمقدم الخدمة الحق فی وضع شرط جزائی یضمن الوفاء بحقه ،ویحول بینه وبین المستفید فی استخدام الهاتف المحمول فی غیر ما أعد له ،ویتخرج هذا الشرط على مذهب القاضی شریح فی ضمان التعویض عن التعطل والانتظار، وقد أید ذلک ابن القیم رحمه الله بما رواه البخاری فی صحیحه عن ابن عون عن ابن سیرین أنه قال:"قال رجل لکریه: أرحل برکابک، فإن لم أرحل معک فی یوم کذا فلک مائة درهم، فلم یخرج، فقال شریح، (من شرط على نفسه طائعًا غیر مکره فهو علیه" ([160])، وابن شبرمة قال فی حدیث جابر بن عبد الله فی قصة البعیر (البیع جائز والشرط جائز) ([161]).
على أن الجمهور ومعهم أبو حنیفة متفقون على أن من باع عبدا واشترط أن یعتقه المشتری فهو شرط صحیح یجب الوفاء به، لتشوف الشارع للحریة بل إن من الفقهاء من قال: یجبر المشتری على ذلک.
وأما إن کان الشرط بغیر ما ذکر، فإنه یفسد هو ویبقى التصرف صحیحا فیجب الوفاء به ( ([162]).
فهذا وأمثاله یدل دلالة قاطعة على أن الشرط الجزائی الذی یجری اشتراطه فی العقود تعویضًا عن ضرر محقق هو شرط صحیح معتبر یضاف إلیه ما لم یکن هنالک عذر شرعی فی الإخلال بالالتزام به.
وعلیه فإنه إذا تضمن العقد شرطاً جزائیاً عند الفسخ ، فهو شرط لازم وصحیح ، ومما جاء فی " قرار مجمع الفقه الإسلام:" یجوز أن یشترط الشرط الجزائی فی جمیع العقود المالیة ما عدا العقود التی یکون الالتزام الأصلی فیها دینًا ؛ فإن هذا من الربا الصریح"
وقالوا : " الضرر الذی یجوز التعویض عنه یشمل الضرر المالی الفعلی وما لحق المضرور من خسارة حقیقیة ، وما فاته من کسب مؤکد ، ولا یشمل الضرر الأدبی أو المعنوی" ([163]).
ومما یستدل به على مشروعیة الشرط الجزائی:
1- إن ضمان الأضرار الناشئة عن عدم تنفیذ الالتزامات والعقود أو التأخر فیها، إذا کان مشروعا بدلالة العموم الواردة بالحدیث، فإن المتعاقدین إذا اتفقوا على هذا الضمان مسبقا فی العقد قبل وقوعه جائز لأنه یوافق الشرع.
2- إن الضرر الناشئ عن ضیاع المصلحة من جراء التأخیر فی تنفیذ الالتزامات والعقود، کضیاع مصلحة محققة لعدم قیام المتعهد بتورید السلعة فی الوقت المحدد، أو عدم الوفاء بالالتزام بشحن وتصدیر بضاعة فی وقت معین
3- بقیاس الشرط الجزائی على شرط العربون فی الصحة وذلک للتشابه فیما بینهما، فکلاهما یتضمن التزام أحد العاقدین بدفع مبلغ من المال عند عدم تنفیذ العقد جزاء على تقصیره وکلاهما یقصد منه سلامة العقود من التلاعب بها، وحث المتعاقد على التنفیذ، وذلک بتخویفه من مغبة عدم التنفیذ، لأن هذا یعرضه لخسارة العربون الذی دفعه وقت العقد، أو دفع المبلغ المتفق علیه فی الشرط الجزائی([164]).
وقد تاید ذلک بقرار هیئة کبار العلماء فی السعودیة سنة 1394هـ ([165]).
المسألة الثانیة:الحق فی الفسخ:
إذا تم الاتفاق مع شرکة الاتصالات على الاشتراک لسنة کاملة ، فهو عقد لازم ، لا یحل لأحد الطرفین فسخه إلا برضا الطرف الآخر ، قال ابن قدامة رحمه الله : " الإجارة عقد لازم من الطرفین ، لیس لواحد منهما فسخها ، وبهذا قال مالک ، والشافعی ، وأصحاب الرأی ؛ وذلک لأنها عقد معاوضة ، فکان لازماً کالبیع ... وسواء کان له عذر أو لم یکن" ([166]).
وإذا وافق الطرف الثانی على إقالة الطرف الراغب بالفسخ مجاناً ، فهو أولى وأفضل ، لقول النبی -r-:" من أقال مسلما بیعته أقال الله عثرته یوم القیامة " ([167]).
المسألة الثالثة:مراعاة الظروف الطارئة للمستفید:
الظروف الطارئة التی تحول بین المشترک أو المستفید وبین الوفاء بالالتزامات على الوجه الأکمل ،مما یلزم منه فسخ العقد مع الشرکة تقیم لها الشریعة الإسلامیة وزناً ، فلا تعامل من أصابه العذر کمن فسخ من غیر عذر.
وتعرف نظریة الظروف الطارئة فی الفقه الإسلامی بـ(الجوائح ) وهی" کل آفة لا صنع للآدمی فیها، کالریح والبرد والعطش ( ... ) والسیل". ([168])
ومن الثابت أنه یجوز اللجوء إلى القضاء لإعادة التوازن إلى طرفی العقد، والخروج من النزاع، بالاستناد إلى مبدأ وضع الجوائح، ورعایة الأعذار الطارئة، بناء على بعض الآراء الفقهیة (المالکیة والحنابلة).([169])
قال رسول الله -r-: "لو بعت من أخیک ثمراً، فأصابته جائحة، فلا یحل لک أن تأخذ منه شیئاً، بم تأخذ مال أخیک بغیر حق؟" ([170])
ونظر المجمع الفقهی الإسلامی التابع لرابطة العالم الإسلامی بمکة المکرمة فی "الظروف الطارئة وتأثیرها فی الحقوق والالتزامات العقدیة "، فی الدورة الخامسة 1402 هـ، وقرر الأخذ بالظروف الطارئة، وجواز اللجوء إلى القضاء لإعادة تعدیل الحقوق والالتزامات، بالنسبة لطرفی العقد، أو فسخ العقد والتعویض، بناء على رأی أهل الخبرة ([171]).
المسألة الرابعة: دفع غرامة مالیة للتأخر فی تنفیذ الالتزام.
العقد- کالمبیع والثمن المعین - سبب من أسباب وجوب الغرامة المالیة فإن تلف المبیع قبل القبض بفعل البائع أو بآفة سماویة فلا غرامة على أحد وینفسخ العقد، وإن تلف المبیع بفعل المشتری، فهو قبض للمبیع، وإن تلف بفعل أجنبی فالمشتری بالخیار إن شاء غرم الأجنبی وإن شاء فسخ العقد ورجع على البائع بالثمن، ویغرم الأجنبی قیمة المتلف إن کان قیمیا، ومثله إن کان مثلیَّا ([172]).
ویتخرج على هذا الحکم أنه إذا نص فی عقد خدمات الهاتف المحمول على شرط یقضی بغرامة مالیة على المستفید إذا أخل بالتزامه،وجب الالتزام بها،إذا وجد لها ما یوجبها على المشترک أو المستفید ،کالتأخیر فی سداد الأقساط المستحقة ،أو استعمال الخدمة خارج نطاق ماهو مصرح له بها.
المسألة الخامسة: التعویض عن إفشاء الأسرار:
الضرر المترتب على إفشاء الأسرار ضرر أدبی من جانب ومادی من جانب آخر ،ولا خلاف فی مشروعیة التعویض عن الضرر المادی .أما التعویض عن الضرر الأدبی، فإن الفقهاء المتقدمین لم یتعرضوا له بالاسم، واختلف فیه الفقهاء المعاصرون اختلافًا کبیرًا.
فالأستاذ على الخفیف - رحمه الله - یقول: إن عدم قیام الملتزم بالتزامه یستلزم شرعًا إلزامه وإجباره علیه، فإن امتنع کان امتناعه معصیة یستحق علیها التعزیر إلى أن یمتثل، أما إلزامه بمال على وجه التعویض عما أحدثه بامتناع من ضرر، لا یتمثل فی فقد المال، فلا تبیحه القواعد الفقهیة، والأصول الشرعیة التی تقضی بأن أخذ المال لا یکون إلا تبرعًا، أو فی مقابلة مال أخذ أو أتلف، وإلا کان أکلًا له بالباطل، وعلى ذلک یکون أخذه تعویضًا عن ضرر لم یترتب علیه تلف لمال غیر جائز شرعًا، لأن أساس التعویض فی نظر الفقهاء هو مقابلة المال بالمال، فإن قوبل المال بغیر مال کان أکلًا للمال بالباطل ([173]).
ویقول أیضًا: إن وجوب التضمین بالمال إنما یکون فی ضرر مالی أصاب المضرور، وذلک بتلف بعض ماله، أو نقص قیمته بفعل ضار، أما الضرر الذی لا یتمثل فی فقد مال کان قائمًا، فلا یرى الفقهاء فیه تعویضًا. ([174]).ومؤدى ذلک أن الأستاذ على الخفیف یمنع التعویض عن الضرر الأدبی، ویمنع التعویض أیضًا عما فات المضرور من کسب، ویجیز فقط التعویض عن الضرر المالی القائم فعلًا ([175]).
وهو قول الشیخ مصطفى الزرقا:"الحکم بالتعویض المالی عن الضرر الأدبی حکم مستحدث، لیس له نظائر فی الفقه الإسلامی. . . والأسلوب الذی اتبعته الشریعة فی معالجة الإضرار الأدبی إنما هو التعزیر الزاجر، ولیس التعویض المالی، إذ لا تعد الشریعة شرف الإنسان وسمعته مالًا متقومًا یعوض بمال آخر إذا اعتدى علیه".([176]).
ومؤدى ما تقدم أن الکثیر من الفقهاء المعاصرین لایرون مبررًا استصلاحیًا لمعالجة الضرر الأدبی بالتعویض المالی، ما دامت الشریعة قد فتحت مجالًا واسعًا لقمعه بالزواجر التعزیریة. ([177]).
إلاَّ أن ذلک لا یحول دون حق المضرور فی التعویض عما أصابه من ضرر ،خاصة أن الضرر المترتب على استخدام وسیلة الهاتف المحمول تتعدى لتشمل فی الثانیة الواحدة العالم کله ،وهو ضرر عظیم ،یصعب تدارکه إلا من خلال إجراءات قد تبدو معقدة ،أو تحتاج إلى وقت کبیر لدرء خطرها.
الفرع الثالث
موازنة بین الفقه والقانون
بالمقارنة بین الفقه والقانون بشأن المسؤولیة المترتبة على الإخلال بالالتزامات العقدیة ،یظهر لی التقارب بینهما من حیث الآثار ، ووجوب الوفاء بالالتزامات المنصوص علیها فی العقد على الوجه المعتاد ،وثبوت حق الشرکة فی الشرط الجزائی ،والفسخ لإخلال المشترک بالتزاماته ،وفرض غرامة على التأخیر فی الوفاء بالالتزامات العقدیة .وتبقى مسألة التعویض عن إفشاء الأسرار ،فإن أکثر الفقهاء لایقولون بها ،لوجود العقوبات التعزیریة الرادعة .
أما فی القانون المدنی فإن التعویض عن الضرر الأدبی یجوز فی کل من المسؤولیتین: التقصیریة والعقدیة، ولکن حصوله نادر فی المسؤولیة العقدیـة کما یقول السنهوری. ([178]).
وتجدر الإشارة إلى أن بعض القوانین العربیة، ومنها القانون المدنی الأردنی ،والمصری ،والسودانی ،نصت على التعویض عن الضرر الأدبی،وذلک فی مجال حدیثها عن المسؤولیة التقصیریة، (الفعل الضار).
الخاتمة
الحمد لله رب العالمین ،وصلاة وسلاماً على خاتم الأنبیاء وسید المرسلین وبعد:
فإن عقد خدمات الهاتف المحمول من العقود المستجدة ،التی تجد تخریجها فی عقد تورید الخدمات ،على الراجح ،من التخریجات الفقهیة ،التی بحثها الفقهاء المعاصرون ،فی ضوء التأصیل القانونی لهذا العقد ،وما یترتب علیه من آثار .
وتتمة للفائدة فقد قسمت بحثی هذا إلى تمهید ومباحث ثلاثة ،انتهیت من خلالها إلى عدد من النتائج أهمها:
1- لاتقف الشریعة الإسلامیة موقفاً سلبیا من التقنیة المعاصرة أیًّا کانت صورتها،مادام أنها تقدم منفعة مشروعة ،بغض النظر عن مخترع أو مقدم هذه المنفعة ،إذ العبرة بالنفع الإنسانی ،الذی یتخطى حاجز المعتقدات،شریطة ألا یخالف قصداً من مقاصد الشریعة ومبادئها الکلیة.
2- عقد خدمات الهاتف المحمول من العقود الخاصة وغیر المسماة ، التی تبرم بین مقدم هذه الخدمات ( شرکة الاتصالات ) وبین الراغب بالحصول على هذه الخدمة ( المشترک) ، یلتزم بموجبه الطرف الأول بتقدیم خدمة الاتصال للطرف الثانی عن طریق تأمین اتصاله بالشبکة خلال فترة زمنیة ممتدة مقابل دفع مادی معلوم من الطرف الثانی.ویتمیز هذا العقد بأنها عقد رضائی ،ملزم للجانبین ،وأنه عقد من العقود الزمنیة المحددة بمدة معینة ،وأنه من عقود الإذعان.
3- التکییف الفقهی المختار لعقد خدمات الهاتف المحمول أنه من عقود تورید الخدمات،وأنه وإن کان فیه غرر ،إلا أن الرأی الراجح المفتى به فی هذا الشأن هو أن الغرر فی عقود التورید یسیر، ولا یؤثر فی صحة العقد، وعلى فرض وجوده فإنه یُغتفر؛ لأن الحاجة باتت ماسة وعامة فتُنزل منزلة الضرورة.
4- الخدمة التی یقع العقد علیها لا تکون إلا مشروعة ،فی ضوء ما تقضی به نصوص الشریعة الإسلامیة بشأن مسألة المبیع .
5- عقود التورید من العقود المشروعة، التی لا تدخل فی بیع الدین بالدین، ولا بیع ما لیس عندک، ویمکن إلحاقها بالصور الفقهیة التی بحثها الفقهاء، کبیع الموصوف فی الذمة غیر المعین، وکبیع الصفة عند المالکیة التی یتأجل فیها البدلان، وکالشراء المستمر أو من دائم العمل.
6- لضمان التوازن المالی یجب عدم إدراج أی شرط فی عقود الاشتراک بخدمات الاتصالات بین مقدم الخدمة والمشترک یخوله وحده من إمکانیة التحلل من العقد وبشکل تقدیری وبقرار منفرد من جانبه دون سبب مشروع ، ویجب أن تکون الشروط التی تعطی الحق فی إنهاء العقد واضحة وثابتة ومقررة لکل من طرفی العقد.
7- مشروعیة الشرط الجزائی فی عقود خدمات الهاتف المحمول ؛لأن ضمان الأضرار الناشئة عن عدم تنفیذ الالتزامات والعقود أو التأخر فیها، إذا کان مشروعا بدلالة العموم الواردة بالحدیث، فإن المتعاقدین إذا اتفقوا على هذا الضمان مسبقا فی العقد قبل وقوعه جائز لأنه یوافق الشرع.
8- التزامات طرفی العقد(المشترک وشرکة خدمات الهاتف المحمول) التزامات مشترکة تحکمها قواعد التوزان المالی ،والإخلال بها یخضع لأحکام المسؤولیة التعاقدیة .
9- تقارب الفقه الإسلامی والقانون الوضعی فی کثیر من الأحکام المنظمة لأحکام عقد خدمات الهاتف المحمول ،سیما القانون المدنی المصری ،أو الأردنی ،أو النظام السعودی ،لکون أکثر أحکام هذه النظم تتخرج على کثیر من الأحکام الفقهیة التی تنظم العقد المدنی وتضبط أحکامه بما یتفق وأحکام الشریعة الإسلامیة.
وأخیرا :
فإن البحث یوصی بـ:
1- اتخاذ التدابیر اللازمة لحمایة الالتزامات المترتبة على تقدیم خدمات الهاتف المحمول ،من خلال تشریعات تتفق وأحکام الشریعة الإسلامیة ،التی تعد الإطار العام لمنظومة التعادل فی التبادل .
2- وضع آلیة خاصة تظهر أسبقیة الشریعة الإسلامیة فی صیاغة قواعد الانضباط والتوازن العقدی،وحمایة حقوق المتعاقدین ،فی إطار قاعدة "لاضرر ولاضرار" .
والله ولی التوفیق
([2]) مسند أحمد بن حنبل (1/ 313) رقم(2867) ؛المستدرک على الصحیحین للحاکم مع تعلیقات الذهبی فی التلخیص (2/ 66)،رقم(2345)،وقال :" هذا حدیث صحیح الإسناد على شرط مسلم و لم یخرجاه".
([11]) لسان العرب لابن منظور ،باب المیم ،فصل الخاء (12/ 167)،المصباح المنیر للفیومی (ص165). تاج العروس للزبیدی،مادة (خ د م) (32/ 55).
([14]) وهو جزء من حدیث مروی عن أبی هریرة : أن رسول الله -r- حین سار إلى مکة لیفتحها قال لأبی هریرة : اهتف بالأنصار فقال : یا معشر الأنصار أجیبوا رسول الله -r- فجاءوا کأنما کانوا على میعاد أخرجه الحاکم فی "المستدرک على الصحیحین للحاکم مع تعلیقات الذهبی فی التلخیص (2/ 62) رقم( 2328) قال الذهبی فی التلخیص : صحیح" والبیهقی فی السنن الکبرى (9/ 117)،والدارقطنی فی سننه (3/ 59) رقم(232).
([15]) لسان العرب ،باب الفاء،فصل الهاء (9/ 344). النهایة فی غریب الحدیث والأثر ،لابن الأثیر (5/ 243).
([17]) خریم بن فاتک: خریم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتک بن القلیب..، شهد بدرا مع أخیه سبرة بن فاتک، وقیل: إن خریما هذا وابنه أیمن أسلما جمیعا یوم فتح مکة، والأول أصح.أسد الغابة لابن الأثیر (2/ 167) ،الاستیعاب فی معرفة الأصحاب لابن حجر (2/446) رقم(643).
([18]) معرفة الصحابة لأبی نعیم الأصبهانی (7/ 215)رقم(2259) المعجم الکبیر للطبرانی (4/210) رقم(4165).
([19]) ینظر: حکم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحدیثة، بحث فضیلة الدکتور علی محیی الدین القره داغی، مجلة مجمع الفقه الإسلامی (6/ 698).
([20])لایصح أن نسمی هذا الجهاز بـ ( النقال )؛لأن ( نقال ) صیغة مبالغة على وزن ( فعاّل) ، وهی مشتقة من اسم الفاعل ( ناقل ) ، الذی یکون بدوره مشتقاً من الفعل الثلاثی المبنی للمعلوم (نقل ) ، وبما أن الانسان هو الذی یقوم بنقل أو حمل هذا الجهاز ، لذا یکون الاصح استخدام اسم المفعول ( منقول ) المشتق من الفعل الثلاثی المبنی للمجهول (نُقِلَ) ، وما تطرقنا الیه حول المشتق ( نقال ) ینطبق على ( جوال ) ، للتوضیح ینظر : قواعد اللغة العربیة د. مجید نوط عبد وآخرون،(51-70).
أما مصطلح ( mobile) فهی کلمة انکلیزیة تعنی ( نقال ) ونظراً لما سبق ذکره حول هذه الکلمة ، فإن الاصح استخدام المصطلح الانکلیزی المشتق ( carried ) الذی یعنی ( محمول ) ، الذی یشتق من الفعل الثلاثی القیاسی ( Carry) والذی یعنی ( یحمل ) ، ینظر : اللغة الانکلیزیة بطریقة مبسطة ،أ/ طاهر البیاتی،( ص352).
([21]) الخلوی مصطلح منسوب الى ( الخلیة ) ، ینظر : قواعد اللغة العربیة د. مجید نوط عبد وآخرون،(ص:116).
([23]) ینظر:خصوصیة التعاقد عبر شبکة الانترنت، د/أسامة أبو الحسن مجاهد (ص:39)؛النظام القانونی لعقود الهواتف النقالة ، د. هالة صلاح الحدیثی، ( ص:98 ).
([24]) ینظر: خصوصیة التعاقد عبر شبکة الانترنت، د/أسامة أبو الحسن مجاهد (ص:39) ؛ النظام القانونی لعقود الهواتف النقالة ، د. هالة صلاح الحدیثی( ص:98).
([25]) ینظر: المسؤولیة الالکترونیة ، د. محمد حسین منصور، (ص:36)، خدمة المعلومات الصوتیة والالتزامات الناشئة عنها ، د. محمد سامی عبد الصادق ، (ص59)،الانترنت وبعض الجوانب القانونیة ،د/محمود السید عبد المعطی،(ص:108).
([27]) ینظر: النظام القانونی لعقود الهواتف النقالة – د. هالة صلاح الحدیثی (ص:98 )؛ المسؤولیة الالکترونیة ، د. محمد حسین منصور،(ص:36).
([29]) ینظر: النظام القانونی لعقد الاتصالات الحدیثة(الهاتف النقال) ،د/سعد جاد الله الحیدر،(ص:80)؛التعاقد عبر تقنیات الاتصال الحدیثة ( دراسة مقارنة ) د/سمیر حامد عبد العزیز الجمال،(ص:79).
([30]) ینظر: عقود نقل التکنولوجیا (دراسة فی إطار القانون الدولی الخاص والقانون التجاری الدولی) د/صلاح الدین جمال،(ص:267)وما بعدها.
([32]) النظریة العامة للالتزامات (مصادر الالتزام)، د/أمجد محمد منصور،(ص:45-46)،العقد والارادة المنفردة د. محمد حسنی عباس، ،(ص:62).
([35]) یفسخ العقد أحیانا لاستحالة تنفیذه، وهو ما یسمى فی فقهنا بالآفة السماویة، ویسمى عند الإنکلیز بالحادث الإلهی، وعند الفرنسیین بالقوة القاهرة أو الظروفو27
أو الأحوال الطارئة، فیفسخ البیع کما تبین بهلاک المبیع قبل تسلیمه، لاستحالة تنفیذ العقد بعد هلاک محله، کما ینفسخ عقد الإیجار بخراب الدار المؤجرة أو بالإخلال بالمنفعة کانهدام جزء منها یؤثر هدمه على المنفعة المقصودة منها.
ینظر: الفقه الإسلامی وأدلته ،د/وهبة مصطفى الزحیلی ، (4/ 3210) الوسیط فی شرح القانون المدنی الجدید ،د/عبد الرزاق السنهوری (ج1)، مصادر الالتزام،( ص:703).
([38]) ینظر: الوسیط فی شرح القانون المدنی الجدید، د. عبد الرزاق السنهوری (1/229 )، شرح القانون المدنی الجدید – الالتزامات ،د/محمد کامل مرسی،(1/44).
([40]) ینظر: عقود الإذعان، الشیخ حسن الجواهری ، بحث متاح على شبکة الانترنت على الموقع ( http:llwww. Islamicfeqh.com ،التنظیم القانونی لعقد الهاتف النقال ،أ/حوراء على حسین ،(ص:311).
([42]) حکم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحدیثة ،د/علی محیی الدین القره داغی،مجلة مجمع الفقه الإسلامی (6/ 698) الفقه الإسلامی وأدلته للزحیلی(4/108)؛ المدخل الفقهی، للزرقا فقرة( )171؛ أحکام المعاملات الشرعیة، للشیخ علی الخفیف (ص177 -178).
([45]) أخرجه البخاری فی صحیحه،کتاب العتق،باب: أی الرقاب أفضل (3/ 144) رقم( 2518)،ومسلم فی الإیمان، باب بیان کون الإیمان بالله تعالى أفضل الأعمال(1/89) ، رقم( 84)
([50]) ینظر: قرار رقم: 52 ( 3/6)مجلة المجمع (عدد 6، ج2 ص 785)،قرارات وتوصیات مجمع الفقه الإسلامی جدة 1 - 162 تجمیع جمیل أبو سارة (ص: 79).
([54]) ینظر: فتح القدیر لابن الهمام( 3/49)؛الأشباه والنظائر لابن نجیم (ص91 -101)؛الفروق للقرافی( 1/44)؛ وشرح الخرشی،(5/5 )، المجموع شرح المهذب ( 9/163)؛الروضة للنووی ( 8/25)؛الأشباه والنظائر للسیوطی (ص99)؛ المغنی لابن قدامة(3/562)؛والقواعد النورانیة لابن تیمیة( ص4).
([55]) حکم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحدیثة ،د/علی محیی الدین القره داغی،مجلة مجمع الفقه الإسلامی (6/ 698) .
([57])قیل:الضرر: أن یدخل على غیره ضررًا، بما ینتفع هو به، والضرار: أن یدخل على غیره ضررًا، بما لا ینتفع هو به ، کمن منع ما لا یضره، ویتضرر به الممنوع". القاعدة الذهبیة لا ضرر ولا ضرار:ابن رجب الحنبلی، (ص: 38).
([59]) وردت أحادیث کثیرة فی النهی عن بیع الغرر،منها ما روی عن أبی هریرة -t- قال: "نهى رسول الله -r - عن بیع الحصاة وعن بیع الغرر".رواه مسلم فی صحیحه،کتاب البیوع (3/1153) ،رقم (1513).
([60]) ینظر: المبسوط للسرخسی( 26/ 13، 49)؛ البدائع للکاسانی( 5/158)، الشرح الکبیر للدردیر(3/106)؛ القوانین الفقهیة لابن جزیء( ص: 269)، مغنی المحتاج للخطیب الشربینی(2/216)؛المهذب للشیرازی(1/ 263/ 266)؛ المغنی لابن قدامة،(4/ 209)؛ غایة المنتهى للرحیبانی(11/ 2، 332 ) وما بعدها.
([67]) أخرجه البخاری فی صحیحه ،کتاب البیوع ، باب إذا اشترط شروطا فی البیع لا تحل (2/759)، رقم(2060).
([70]) بطَاقَة الائتمان وَتکییفها الشَّرعی، د/عبد الستار أبو غدة ،مجلة مجمع الفقه الإسلامی (12/ 1336).
([73]) ینظر: عقد الاشتراک فی قواعد المعلومات الالکترونی، د. فاروق الاباصیری (ص:5 )، خدمة المعلومات الصوتیة والالتزامات الناشئة عنها ، د. محمد سامی عبد الصادق (ص:59).
([75]) ینظر:خدمة المعلومات الصوتیة والالتزامات الناشئة عنها، د. محمد سامی عبد الصادق (ص:67)وما بعدها، نحو إرساء نظام قانونی لعقد المشورة المعلوماتیة د. أحمد محمود سعد( ص299).
([76]) ینظر:خدمة المعلومات الصوتیة والالتزامات الناشئة عنها، د. محمد سامی عبد الصادق(ص:67)وما بعدها.
([77]) ینظر:شرح القانون المدنی( الحقوق العینیة الاصلیة) (ج:1) ، د. محمد کامل مرسی ، ( ص:246 وما بعدها، شرح أحکام عقدی البیع والایجار، د. علی هادی العبیدی، ( ص:18) ،الالتزامات الناشئة عن عقود تقدیم برامج المعلومات (المقاولة، البیع ، الایجار)، د. مدحت محمد عبد العال،(ص:92).
([78]) الوسیط فی شرح القانون المدنی العقود الواردة على الانتفاع بالشیء (الایجار والعاربة) د.عبد الرزاق السنهوری،( ص:207-627).
([80]) الوسیط فی شرح القانون المدنی العقود الواردة على الانتفاع بالشیء (الایجار والعاربة) د.عبد الرزاق السنهوری (ص:627).
([82])ینظر: محاضرات فی القانون التجاری والبحری د. مصطفى کمال طه المرجع السابق،نفسه؛التنظیم القانونی لعقد الهاتف المحمول ،أ/حوراء علی حسین ، ،(ص:313)،التنظیم القانونی للاتصالات فی مصر والدول العربیة، (ص:16).
([83])ینظر: المدخل الفقهی العام،الشیخ، مصطفى أحمد الزرقا، ط العاشرة 1387هـ ـ 1968م، مطبعة طربین – دمشق،(2/710).
([84])ینظر: عقد التورید (دراسة شرعیة د/عبدالله بن محمد المطلق،(ص:31). عقد التورید والمقاولة فی ضوء التحدیات الاقتصادیة المعاصرة،د/أحمد ذیاب شویدح ، (ص: 4).
([86])ینظر: مناقصات العقود الإداریة عقود التورید ومقاولات الأشغال العامة،د/ رفیق یونس المصری،(ص:207) وما بعدها.
([87])ینظر: المبسوط، للسرخسی ،(12/139) بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع (5/ 2)؛ مناقصات العقود الإداریة عقود التورید ومقاولات الأشغال العامة،د/ رفیق یونس المصری،(ص:221).
([89])ینظر: مناقصات العقود الإداریة عقود التورید ومقاولات الأشغال العامة،د/ رفیق یونس المصری،(ص:221).
([90])ینظر: د/یوسف الضریر، بحث منشور له ،منظمة المؤتمر الإسلامی، 1996: العدد التاسع 2/329 وما بعدها) عقد التورید والمقاولة فی ضوء التحدیات الاقتصادیة المعاصرة ،د/أحمد ذیاب شویدح (ص: 7).
([92])ینظر:: المناقصات عقد الاحتیاط ودفع التهمة، حسن الجواهری،(ص:262)،عقد التورید والمقاولة فی ضوء التحدیات الاقتصادیة المعاصرة ،د/أحمد ذیاب شویدح (ص: 8).
([95] أخرجه عبدالرزاق فی المصنف ( 8/90)؛والدارقطنی فی سننه، ( 3/72،71)؛ والحاکم فی المستدرک (2/66،65).
([101]) الأسواق المالیة ،د/ محمد القری بن عید ،( 2/333) عقد التورید والمقاولة فی ضوء التحدیات الاقتصادیة المعاصرة (ص: 10)؛عقد الاستصناع،وعلاقته بالعقود الجائزة، د/محمد رأفت سعید،مجلة مجمع الفقه الإسلامی (7/ 1124).
([104])ینظر: حاشیة الدسوقی على الشرح الکبیر (3/216)، حاشیة العدوی على شرح کفایة الطالب الربانی، (2/263).
([108])الوسیط فی شرح القانون المدنی العقود الواردة على الانتفاع بالشیء (الایجار والعاربة) د.عبد الرزاق السنهوری (ص:627)،وما بعدها؛ القانون التجاری،د/سمیحة القلیوبی،(1/93).
([111])ینظر: عقد الاشتراک فی قواعد المعاملات الالکترونی،د/فاروق الأباصیری (ص:126) أ/حوراء علی حسین ،مجلة رسالة الحقوق کلیة القانون،کربلاء،العدد الأول السنة السابعة ،2015م،(ص:313)،
([112])نظام الاتصالات الصادر بالمرسوم الملکی رقم 12بتاریخ (12/3/1422ه ،قرار مجلس الوزراء رقم 74 بتاریخ 5/3/1422هـ.
([113])ینظر: عقد الاشتراک فی قواعد المعاملات الإلکترونی/فاروق الأباصیری، (ص:126) ، عقود خدمات المعلومات ، دراسة فی القانون المصری والفرنسی،د/ محمد حسام محمود 1994م،(86)؛التنظیم القانونی لعقد الهاتف النقال، أ/حوراء علی حسین ،مجلة رسالة الحقوق (ص:313).
([114])ینظر: المسؤولیة الإلکترونیة د/محمد حسین منصور ،(ص:101)؛ التعاقد عبر تقنیات الاتصالات الحدیثة ، د.سمیر حامد عبد العزیز الجمال (ص:26).
([116])ینظر: مناقصات العقود الإداریة عقود التورید ومقاولات الأشغال العامة،د/ رفیق یونس المصری، (م.س)،(ص:222) وما بعدها؛بحث الشیخ محمد الصدیق بن الأمین الضریر(من علماء السودان) ، مجلة مجمع الفقه الإسلامی ،منظمة المؤتمر الإسلامی 1996: العدد التاسع 2/331،330)
([117])ومن هذه الآیات قوله تعالى:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا یَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَیْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِیُّ الْأَمِینُ*قَالَ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أُنْکِحَکَ إِحْدَى ابْنَتَیَّ هَاتَیْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِی ثَمَانِیَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِکَ وَمَا أُرِیدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَیْکَ سَتَجِدُنِی إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِینَ }سورة القصص ،الآیتان(26-27) وفیهما دلالة على أن عقد العمل قد یمتد إلى عدد من السنین =باتفاق واضح وصریح بین الطرفین، وأن من علامات الصلاح بالنسبة للمستأجر أن لا یشق على الأجیر وأن یحدد له أجره ویوفیه له فی وقته.
وفی السنة المطهرة أحادیث کثیرة منها قول أبی هریرة رضی الله عنه عن النبی صلى الله علیه وسلم عن رب العزة سبحانه وتعالى أنه قال: (ثلاثة أنا خصمهم یوم القیامة ومن کنت خصمه خصمته: رجل أعطى بی ثم غدر، ورجل باع حراً فأکل ثمنه، ورجل استأجر أجیراً فاستوفى منه ولم یعطه أجره)).أخرجه البخاری فی صحیحه،کتاب البیوع ، باب إثم من باع حرا (3/ 83) ،رقم(2227).
([118])مجلة الأحکام العدلیة (مادة 87) مع شرح الأتاسی (1 / 245)،ودلیل هذه القاعدة حدیث: " لا یغلق الرهن من صاحبه. . . ". أخرجه الدارقطنی (3 / 33) من حدیث سعید بن المسیب مرسلا، وقال ابن حجر فی التلخیص (3 / 36) : صحح أبو داود والبزار والدارقطنی إرساله؛ شرح السنة للبغوی( 8 / 185).
([120])ینظر: الربط القیاسی للأجور بالمستوى العام للأسعار،تحلیل من منظور إسلامی لمشکلة الأجور،فی ظل التضخم والعلاج المقترح،د. عبد الرحمن یسری أحمد (8/ 1556).
[122])) أعلام الموقعین لابن القیم(3/220 )؛ ونحوه فی الذریعة إلى مکارم الشریعة للأصفهانی (ص: 361 ).
([124]) ینظر: الفتاوى الهندیة (4 / 481)، المهذب للشیرازی (1 / 400)، کشاف القناع للبهوتی(4 / 15، 16 ).
([125]) الهدایة شرح بدایة المبتدی، المرغینانی، المکتبة الإسلامیة ،بیروت(3/220)،بدائع الصنائع،للکاسانی ( 3/196)؛ کشاف القناع عن متن الإقناع،للبهوتی، (4/65)؛ کتب ورسائل وفتاوى ابن تیمیة،( 29/399)؛ المحلى،لابن حزم، (8/184).
([131])أخرجه البخاری فی صحیحه ، واللفظ له-کتاب الأدب، باب {یا أیها الذین آمنوا اجتنبوا کثیرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا} [الحجرات: 12] (8/ 19) رقم(6066)،ومسلم فی صحیحه، کتاب الإیمان، باب تحریم الظن، والتجسس، والتنافس، والتناجش ونحوها (4/ 1985) رقم(2563).
([133])قال المنذری فی الترغیب والترهیب (3/ 169) رقم(3529):"رواه أبو داود عن سعید بن عبد الله بن جریج عنه،ورواه أبو یعلى بإسناد حسن من حدیث البراء"سنن أبی داود،کتاب الأدب ،باب فی الغیبة، (4/ 270) رقم(4880) وقال الألبانی:"حسن صحیح".
([135]) الزهد والرقائق لابن المبارک والزهد لنعیم بن حماد (1/ 240) رقم(691)، الآداب الشرعیة: ابن مفلح (ص: 44) رقم(106).
([136]) الزهد لهناد بن السری (2/ 566) ؛جامع بیان العلم وفضله لابن عبد البر (1/129) ؛الآداب الشرعیة والمنح المرعیة: ابن مفلح (2/ 268).
(1) إرواء الغلیل للألبانی ( 5 / 375 )؛إبطال الحیل لابن بطة (ص: 42) رواه فی جزء الخلع وإبطال الحیل وإسناده جید ، کما ذکره الألبانی فی سلسلة الأحادیث الضعیفة ـ( 1 / 108 ).
[141])) تفسیر الطبری ،(6/ 99).
([142]) قرار رقم 83/ 10 د 8 من قرارات المجمع الفقهی المنعقد فی دورة مؤتمره الثامن ببندر سیری بأحوان، برونای، دار السلام، من 1 - 7 محرم 1414هـ الموافق 21 – 27 یونیو 1999م، منشور فی مجلة البحوث الفقهیة المعاصرة، صـ 207 العدد العشرون، السنة الخامسة.
([147]) التعویض عن ضرر النفس فی القانون الوضعی و الفقه الإسلامی و الدول العربیة. د. سعید عبدالسلام، (ص34).
([156]) رواه الترمذی فی سننه، کتاب الأحکام عن رسول الله - r- ، باب ما ذکر عن رسول الله -r-فی الصلح بین الناس (3/ 634) رقم(1352)، وأبو داود کتاب الأقضیة باب الصلح (3594) (4/ 19) قال الترمذی: هذا حدیث حسن صحیح.
([157])رواه الترمذی فی سننه، کتاب الأحکام عن رسول الله- r-، باب ما ذکر عن رسول الله صلى الله علیه وسلم فی الصلح بین الناس (3/ 634) رقم(1353)، قال الترمذی: حدیث حسن صحیح".
([161])ونصه :عن جابر -رضی الله عنهما- أنه باع النبی- r- جملا، واشترط ظهره إلى المدینة أی رکوبه، وفی لفظ قال: بعته واستثنیت حملانه إلى أهلی. سنن الترمذی ،کتاب البیوع ،باب ما جاء فی اشتراط ظهر الدابة عند البیع (3/ 554) رقم(1253) قال أبو عیسى :"هذا حدیث حسن صحیح.
([162])ینظر: بدائع الصنائع للکاسانی، (5/ 169)،الهدایة شرح بدایة المبتدی ،للمیرغینانی(3 / 229، 230)،حاشیة الدسوقی( 3 / 65)، منح الجلیل للشیخ علیش،( 2 / 568)؛المهذب للشیرازی،( 1 / 275)؛،نهایة المحتاج لشمس الدین الرملی(3 / 436)،شرح منتهى الإرادات للبهوتی،2 / 160)؛ المغنی لابن قدامة،( 4 / 249، 250 ).
([167])أخرجه أبو داود فی سننه ،کتاب الإجارة ،باب فی فضل الإقالة (3/ 274) ،(3460)،وصححه الألبانی. صحیح وضعیف سنن أبی داود (ص: 3460).
([169])ینظر:المدونة للإمام مالک،( 4/15)؛ بدایة المجتهد لابن رشد،( 2/141 ) ؛إعلام الموقعین لابن القیم، (2/337 )؛ المغنی(4/216)؛ مناقصات العقود الإداریة ،عقود التورید ومقاولات الأشغال العامة م،د/یونس رفیق المصری ،جلة مجمع الفقه الإسلامی ،(9/ 845)
([172])ینظر: بدائع الصنائع، (5 / 256)؛ القوانین الفقهیة لابن جزیء( ص: 164)؛ روضة الطالبین للنووی،(3 / 499)؛ الشرح الکبیر مع المغنی ،لابن قدامة، (4 / 116 و 117).
([174])ینظر: الشرط الجزائی ومختلف صوره وأحکامه،د/ حمداتی شبیهنا ماء العینین ،مجلة مجمع الفقه الإسلامی (12/ 504،).
([175])ینظر: الشرط الجزائی ومختلف صوره وأحکامه،د/ حمداتی شبیهنا ماء العینین ،مجلة مجمع الفقه الإسلامی (12/ 505).
أهم المصادر والمراجع الشرعیة
ثانیاً: أهم المصادر والمراجع القانونیة: