المساهمين
المؤلف
أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية - کلية العلوم والآداب بالقريات - جامعة الجوف - المملکة العربية السعودية
المستخلص
الكلمات الرئيسية
المقدمة
الحمد لله الذی امتدح المؤمنین بقوله تعالى : (یوفون بالنذر ویخافون یوما کان شره مستطیرا)([1]) والصلاة والسلام على سیدنا رسول الله – صلى الله علیه وعلى آله وصحبه - القائل فیما أخرجه الإمام مالک فی الموطأ بسنده عن عائشة - رضی الله عنها - : ( من نذر أن یطیع الله فلیطعه ومن نذر أن یعصیه فلا یعصه ([2])) وبعد :
فلما کان موضوع النذر من المسائل الفقهیة التی یکثر التساؤل فیها استخرت الله تعالى فی الکتابة فیه وقد اقتصرت على أحکامه فی مذهب المالکیة لضرورة التخصص ولعل الله تعالى أن یمد فی العمر فأضیف إلیه باقی المذاهب الأربعة المشهورة إن شاء الله تعالى .
وقد قسمت البحث إلى خمسة مباحث وخاتمة :
المبحث الأول : تاریخ النذر قبل الإسلام
المبحث الثانی: تعریف النذر فی اللغة وفی اصطلاح المالکیة
المبحث الثالث : أرکان النذر .
المبحث الرابع : حکم النذر .
المبحث الخامس : أقسام النذر.
الخاتمة : أهم نتائج البحث .
المبحث الأول
تاریخ النذر قبل الإسلام
خلق الله عز وجل الإنسان وخلق معه الشعور بالضعف والحاجة إلى القوة التی تحمیه قال تعالى ( وخلق الإنسان ضعیفا )([3])وهذا الشعور یولد معه ولا یفارقه فالطفل إذا تخوف أمرا احتمى بأمه فإذا کبر علم أنها مثله ضعیفة تحتاج إلى من یحمیها لجأ إلى أبیه ثم إلى القبیلة والعشیرة ثم إلى الحکومة ثم إلى الدولة والأمة فإذا اقتنع بضعف جمیع هؤلاء جمیعهم إلى الله تعالى فشکا إلیه ضعفه قال تعالى حکایة عن یعقوب علیه السلام :(إنما أشکو بثی وحزنی إلى الله)([4]) وأخوف ما یخاف الإنسان الغیب وأشغل ما یشغله المستقبل لذلک فهو یعلم أنه لابد له من قوة تعلم المستقبل والغیب لذلک کانت وسیلته للوصول إلى هذه القوة القربـان حتى یستجلب بذلک دفع الأذى عن نفسه وجلب الخیر والمنفعة إلیها.
لذا فطر الله تبارک وتعالى الناس منذ القدم على التوجّه إلیه عز وجل بالقربان، وإن انحرفت الفطرة فی بعض فترات التاریخ فإنها لا تُنکر وجود الرب عز وجل، ولکنّها تتوجه بهذه القرابین إلى آلهة أخرى من اختراعها سواء أکانت الأصنام فی الماضی، أم الطبیعة والعلم فی الحاضر، یقول المؤرخ الإغریقی (بلو تارک): ([5]) من الممکن أن نجد مدنا بلا أسوار وبلا ملوک وبلا ثروة وبلا آداب وبلا مسارح ولکن لم نجد قط مدینة بلا معبد، یمارس فیه الإنسان العبادة).
وصور المخوف للإنسان کثیرة غیر أنها ترجع فی مجملها إلى جلب محبوب أو دفع مکروه فالمریض یحب الشفاء ویکره المرض لذلک فهو یلجا إلى الله لیشفیه ویدفع عنه المرض وذلک بالقربان والفقیر یحب الغنى والمال ویکره الفقر لذلک فهو ینذر لربه نذرا لیغنیه ویدفع الفقر والفاقة عنه والمحارب یحب النصر ویکره الهزیمة لذا فهو یقدم القربان لربه رجاء أن ینصره ویدفع عنه الهزیمة والخذلان والقربان فی اللغة ما یتقرب به الإنسان إلى الله تعالى فهو مرادف للنذر وقد مرت بالنذر والقربان أطوار من عهد آدم علیه السلام إلى عصرنا هذا
النذر فی عهد آدم علیه السلام :
قص القرآن الکریم ما کان علیه القربان والنذر فی عهد آدم علیه السلام قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّکَ قَالَ إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ)([6])
والذی یفهم من هذه الآیة الکریمة بصرف النظر عن ابنی آدم من هما وما سبب نزاعهما أن ولدین من ولد آدم تنازعا أمرا ادعاه کل منهما لنفسه وزعم أن الحق فی جانبه فقال لهما آدم علیه السلام : قربا قربانا فأیکما تقبل قربانه کان أحق فعمد الأول وکان صاحب زرع فقرب أخبث زرعه ، وکان الآخر صاحب ماشیة فعمد فقرب خیر غنمه مَعَ زبد ولبن ثُمّ وضعا القربان عَلَى الجبل وقاما یدعوان اللَّه- عَزَّ وَجَلّ-وکان الرجل إِذا قرب قُرباناً سجد وتَنْزِل النار فتأکل قربانه، فذلک علامة قبول القُرْبان ([7]) فنزلت نار من السماء فأکلت قربان صاحب الماشیة وترکت قربان أخیه، فحسده ، فَقَالَ: لأقتلنک. قَالَ: یا أخی لا تلطخ یدک بدم بریء فترتکب أمرا عظیما،([8])
ومن ذلک یتبین أن القربان کان فی عصر الإنسان الأول.
النذر فی عهد إبراهیم علیه السلام :
ثم لج الإنسان فی عتوه وتمادى فی طغیانه فبعث الله عز وجل إبراهیم علیه السلام داعیا إلى وحدانیة الله عز وجل والإیمان به وقاضیا على الوثنیة والهمجیة والوحشیة فأقر الناس على تقدیم النذور وحثهم على الوفاء بها وامتدح الموفین منهم لها وبین لهم مصارف هذه القربات والنذور والمنتفعین بها فقال تبارک وتعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِیمَ مَکَانَ الْبَیْتِ أَنْ لَا تُشْرِکْ بِی شَیْئًا وَطَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَالْقَائِمِینَ وَالرُّکَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجَالًا وَعَلَى کُلِّ ضَامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ لِیَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَیَذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِی أَیَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعَامِ فَکُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِیرَ ثُمَّ لِیَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْیُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ}([9]) قَالَ أَهْلُ التَّأْوِیلِ([10]) أی وَلْیُوفُوا اللَّهَ بِمَا نَذَرُوا مِنْ هَدْی , وَبَدَنَةٍ , وَغَیْرِ ذَلِکَ .
ولم تصرح الآیات بأن النذر قد اتخذ إلى هذا العهد شکل تحریم الحلال أو تحلیل الحرام إلا أن یکون المراد بقوله تعالى" فکلوا منها "ردا علیهم تحریمهم أکلها على أنفسهم دون تحریمها على الفقراء فبین لهم أنه لا یحرم علیهم أکلها بل أمرهم بالأکل منها وإطعام البائس الفقیر .
النذر فی عهد یعقوب علیه السلام :
ثم جاء عهد إسرائیل ( یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم علیهم السلام) وقدقص القرآن الکریم علینا أنه حرم على نفسه بعض المطعومات والمشروبات( کُلُّ الطَّعَامِ کَانَ حِلًّا لِبَنِی إِسْرَائِیلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِیلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ} ([11]) .
وذلک أن یَعْقُوب بن إسحاق علیهما السلام خرج ذات لیلة، لیرسل الماء فِی أرضه، فاستقبله ملک فظن أَنَّهُ لص یرید أن یقطع عَلَیْه الطریق فعالجه فِی المکان الَّذِی کان یقرب فِیهِ القربان فکان أوّل قربان قربه بأرض المَقْدِس. فَلَمَّا أراد الملک أن یفارقه، غمز فخذ یَعْقُوب برجلیه لیریه أَنَّهُ لو شاء لصرعه، فهاج به عرق النساء، وصعد الملک إلى السماء، ویعقوب ینظر إِلَیْهِ فلقی منها البلاء، حَتَّى لَمْ ینم اللیل من وجعه، فجعل یَعْقُوب للَّه- عَزَّ وَجَلّ- تحریم لحم الإبل وألبانها- وکان من أحبّ الطعام والشراب إِلَیْهِ- لئن شفاه اللَّه([12]) وَکَانَ سَبَبُ غَمْزِ الْمَلَکِ لِیَعْقُوبَ أَنَّهُ کَانَ نَذَرَ إِنْ وَهَبَ اللَّهُ لَهُ اثْنَیْ عَشَرَ وَلَدًا وَأَتَى بَیْتَ الْمَقْدِسِ صَحِیحًا أَنْ یَذْبَحَ آخِرَهُمْ. فَکَانَ ذَلِکَ لِلْمَخْرَجِ مِنْ نَذْرِهِ،([13]) .
النذر عند الیهود قبل الإسلام:
ثم جاء عهد التوراة وکان بنو إسرائیل قد ادعوا لأ نفسهم حق التحلیل والتحریم فعاقبهم الله عز وجل على ذلک بإمضاء التحریم علیهم یدل على ذلک قوله تعالى:( وَعَلَى الَّذِینَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَیْکَ مِنْ قَبْلُ، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ، وَلَکِنْ کَانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ}([14]) .
قال أهل التأویل ([15]) قول الله تعالى ذکره: وحرّمنا من قبلک یا محمد على الیهود، ما أنبأناک به من قبل فی سورة الأنعام، وذاک کلّ ذی ظفر، ومن البقر والغنم، حرمنا علیهم شحومهما، إلا ما حملت ظُهورهما أو الحوایا، أو ما اختلط بعظم (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ) بتحریمنا ذلک علیهم (وَلَکِنْ کَانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ) فجزیناهم ذلک ببغیهم على ربهم، وظُلمِهم أنفسهم بمعصیة الله، فأورثهم ذلک عقوبة الله وسیاق الآیة واتصالها بآیات النعی على المشرکین على أنهم حرموا ما حرموا من غیر إذن شرعی.
- وقد عرف بنو إسرائیل بعض صور النذر التی أقرها الله سبحانه وتعالى فامرأة عمران لما قربت لله ما فی بطنها وصرحت بالنذر أخبر الله سبحانه بقبول هذا النذر قال تعالى (إذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّی نَذَرْتُ لَکَ مَا فِی بَطْنِی مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّی إِنَّکَ أَنْتَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثى وَإِنِّی سَمَّیْتُها مَرْیَمَ وَإِنِّی أُعِیذُها بِکَ وَذُرِّیَّتَها مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَکَفَّلَها زَکَرِیَّا کُلَّما دَخَلَ عَلَیْها زَکَرِیَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ یَا مَرْیَـمُ أَنّـَى لـَکِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَرْزُقُ مَنْ یَشاءُ بِغَیْرِ حِسـابٍ )([16]) .
قال أبو جعفر([17]) ([18]) : یعنی بذلک: أن الله جل ثناؤه تقبّل مریمَ من أمها حَنَّة، وتحریرَها إیاها للکنیسة وخدمتها وخدمة ربها بقبول حَسن وهذه مریم ابنت عمران نذرت للرحمن صوما بأمر الله عز وجل قال تعالى:
(فَکُلِی وَاشْرَبِی وَقَرِّی عَیْناً فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِی إِنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُکَلِّمَ الْیَوْمَ إِنْسِیًّا )([19]) .
قال مُقَاتِلُ([20]): ([21]) قال ابْنِ عَبَّاسٍ فِی قَوْلِهِ تعالى :«إِنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» یَعْنِی صَمْتًا.
قال آخرون: بل کانت صائمة فی ذلک الیوم، والصائم فی ذلک الزمان کان یصوم عن الطعام والشراب وکلام الناس، فأذن لمریم فی قدر هذا الکلام ذلک الیوم وهی صائمة.
وعن السدی([22]) ([23]) فکان من صام فی ذلک الزمان لم یتکلم حتى یمسی، فقیل لها: لا تزیدی على هذا.
وأما الیهود فقد غلوا فی دینهم وقالوا على الله غیر الحق فحرموا طیبات ما أحل الله لهم بغیر دلیل ولا مسوغ شرعی بل افتراء وتجاوزوا حدود ما فرض الله علیهم وادعوا صفة الرب کما قال تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ) ([24])
أَطَاعُوهُمْ فِیمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ حَرَامِ اللَّهِ وَحَلَالِهِ فَجَعَلَ اللَّهُ طَاعَتَهُمْ لَهُمْ عِبَادَةً» ([25]) .
عَنْ عَدِیِّ بْنِ حَاتِمٍ ([26]) قَالَ: أَتَیْتُ النَّبِیَّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ وَفِی عُنُقِی صَلِیبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: " یَا عَدِیُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِکَ، فَطَرَحْتُهُ فَانْتَهَیْتُ إِلَیْهِ وَهُوَ یَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآیَةَ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: «أَلَیْسَ یُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونُهُ، ویُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْکَ عِبَادَتُهُمْ» ([27]) .
النذر عند النصارى قبل الإسلام:
کانت لأهل الکتاب من عهد عیسى علیه السلام نذور قبل الإسلام امتدح الله بعضها لأنها کانت خالصة لوجهه ولیس فیها مضرة دینیة بل کانت تفرغا لعبادته إلا أنها لما اتخذت شکلا قد یضر التمادی معها بما خلق الإنسان من أجله وهو عمارة الأرض جاء الإسلام بالنهی عنها لما فیها من تقویض لبناء الإنسانیة وإهدار للحیاة الآدمیة وتعطیل لأهم ینابیع العمران وموارد النسل البشری وهو التزاوج قال تعالى :
(ثم قَفَّیْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّیْنا بِعِیسَى ابْنِ مَرْیَمَ وَآتَیْناهُ الْإِنْجِیلَ وَجَعَلْنا فِی قُلُوبِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِیَّةً ابْتَدَعُوها مَا کَتَبْناها عَلَیْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعایَتِها فَآتَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ([28]) .
وذلک أنه لما کثر المشرکون وهزموا المؤمنین وأذلوهم بعد عیسى بن مریم، «اعتزلوا» واتخذوا الصوامع فطال علیهم ذلک، فرجع بعضهم عن دین عیسى- علیه السلام- وابتدعوا النصرانیة، فقال الله- عز وجل- وَرَهْبَانِیَّةً ابْتَدَعُوهَا تبتلوا فیها للعبادة " فی التقدیم " مَا کَتَبْناها عَلَیْهِمْ ولم نأمرهم بها «إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ» « فَما رَعَوْها حَقَّ رِعایَتِها یقول لم یرعوا ما أمروا به یقول فما أطاعونی فیها، ولا أحسنوا حین تهودوا وتنصروا، وأقام أناس منهم على دین عیسى- علیه السلام- حتى أدرکوا محمدا- صلى الله علیه وسلم- فآمنوا به وهم أربعون رجلا، «اثنان وثلاثون» رجلا من أرض الحبشة، وثمانیة من أرض الشام، فهم الذین کنى الله عنهم، فقال: فَآتَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا منهم أجرهم ) یقول أعطینا الذین آمنوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ " یعنی صدقوا "یعنی جزاءهم وهو الجنة، قال: وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ-- یعنی الذین تهودوا، وتنصروا فجعل الله- تعالى- لمن آمن بمحمد- صلى الله علیه وسلم- من أهل الإنجیل أجرهم مرتین بإیمانهم بالکتاب الأول وکتاب محمد صل الله علیه وسلم.
وقد جعل الإسلام هذا النوع من التحریم تعدیا ومعصیة بالغة وبرئ رسول الله صلى الله علیه وسلم ممن قالوا ذلک وذلک أن رجالا من أصحاب محمدٍ صلى الله علیه وسلم، منهم عثمان بن مظعون([29])، حرَّموا النساء واللحمَ على أنفسهم، وأخذوا الشِّفَار لیقطعوا مذاکیرهم، لکی تنقطع الشهوة ویتفرَّغوا لعبادة ربهم. فأخبر بذلک النبیُّ صلى الله علیه وسلم فقال: ما أردتم؟ فقالوا: أردنا أن تنقطع الشهوة عنا، ونتفرغ لعبادة ربنا، ونلهو عن النساء! فقال رسول الله صلى الله علیه وسلم: لم أومر بذلک، ولکنی أمرت فی دینی أن أتزوَّج النساء! فقالوا، نطیعُ رسول الله صلى الله علیه وسلم. فأنزل الله تعالى ذکره :"یا أیها الذین آمنوا لا تحرِّموا طیبات ما أحل الله لکم ولا تعتدوا إنّ الله لا یحب المعتدین"، إلى قوله تعالى: "الذی أنتم به مؤمنون([30])
النذر عند العرب فی الجاهلیة قبل الإسلام :
کَانَتِ النُّذُورُ مِنْ سِیرَةِ الْعَرَبِ تُکْثِرُ مِنْهَا([31]) وقد نعى الله على المشرکین أن حرموا أشیاء على أنفسهم من غیر إذن شرعی وهی المعروفة بالأوابد أو الدواهی؛ وهى مما حمى الله تعالى هذه الملّة الإسلامیّة منها، وحذر المؤمنین منها. فقال تعالى :(ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِیرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِیلَةٍ وَلا حامٍ)([32]) قال الشافعی- رحمه الله – ([33]) (کانُوا یَبْحَرُونَ الْبَحِیرَةَ وَیُسَیِّبُونَ السَّائِبَةَ وَیُوصَلُونَ الْوَصِیلَةَ وَیَحْمُونَ الْحَامَ عَلَى وُجُوهٍ جِمَاعُهَا أَنْ یَکُونُوا مُؤَدِّینَ بِمَا یَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِکَ حَقًّا عَلَیْهِمْ مِنْ نَذْرٍ نَذْرُوَهُ فَوَفَّوْا بِهِ أَوْ فَعَلُوهُ بِلَا نَذْرِهِمْ أَوْ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَیْهِمْ عِنْدَهُمْ فَأَدَّوْهُ،).
جاء فی نهایة الأرب "کانت للعرب أوابد جعلوها بینهم أحکاما ونسکا وضلالة وعادة ومداواة ودلیلا وتفاؤلا وطیرة.([34]) فمنها:
البحیرة:
کان أهل الوبر یعطون لآلهتهم من اللحم، وأهل المدر یعطون لها من الحرث، فکانت الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن عمدوا إلى الخامس ما لم یکن ذکرا فشقّوا أذنها، فتلک: البحیرة؛ فربما اجتمع منها هجمة من البحر فلا یجزّ لها وبر ولا یذکر علیها إن رکبت اسم الله، ولا إن حمل علیها شیء، فکانت ألبانها للرجال دون النساء.
الوصیلة:
کانت الشاة إذا وضعت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع، فإن کان ذکرا ذبح، وإن کانت أنثى ترکت فی الشاء، فإن کان ذکرا وأنثى قیل: وصلت أخاها، فحرّما جمیعا، وکانت منافعها، ولبن الأنثى منها للرجال دون النساء.
السائبة:
کان الرجل یسیّب الشیء من ماله، إما بهیمة أو إنسانا، فتکون حراما أبدا، منافعها للرجال دون النساء.
الحامی:
کان الفحل إذا أدرکت أولاده فصار ولده جدّا قالوا: حمى ظهره، اترکوه فلا یحمل علیه، ولا یرکب، ولا یمنع ماء، ولا مرعى، فإذا ماتت هذه التی جعلوها لآلهتهم، اشترک فی أکلها الرجال والنساء، وذلک قوله تعالى (وَقالُوا ما فِی بُطُونِ هـذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُکُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ یَکُنْ مَیْتَةً فَهُمْ فِیهِ شُرَکاءُ). ([35])
وکان أهل المدر والحرث إذا حرثوا حرثا، أو غرسوا غرسا، خطّوا فی وسطه خطّا، فقسموه بین اثنین فقالوا: ما دون هذا الخط: لآلهتهم؛ وما وراءه: لله؛ فإن سقط ممّا جعلوه لآلهتهم شیء فیما جعلوه لله ردّوه، وإن سقط مما جعلوه لله فیما جعلوه لآلهتهم أقرّوه، واذا أرسلوا الماء فی الذى لآلهتهم. فانفتح فی الذى سموه لله سدّوه، وإن انفتح من ذاک فی هذا قالوا: اترکوه فإنه فقیر إلیه، فأنزل الله عزّ وجلّ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِیباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَکائِنا فَما کانَ لِشُرَکائِهِمْ فَلا یَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما کانَ لِلَّهِ فَهُوَ یَصِلُ إِلى شُرَکائِهِمْ ساءَ ما یَحْکُمُونَ) ([36])
ومنها: ذبح العتائر:
کان الرجل منهم یأخذ الشاة، وتسمّى العتیر والمعتورة فیذبحها ویصبّ دمها على رأس الصنم، وذلک یفعلونه فی رجب، والعتر قیل: هو مثل الذبح، وقیل: هو الصنم الذى یعتر له. قال الطرمّاح: ([37])
فخرّ صریعا مثل عاترة النسک
أراد بالعاترة: الشاة المعتورة. ([38])
ومنها: حبس البلایا:
کانوا إذا مات الرجل یشدّون ناقته إلى قبره، ویعکسون رأسها اإلى ذنبها، ویغطّون رأسها بولّیة وهى البردعة، فإن أفلتت لم تردّ عن ماء ولا مرعى، ویزعمون أنهم إنما یفعلون ذلک، لیرکبها صاحبها فی المعاد، لیحشر علیها، فلا یحتاج أن یمشى
ومنها: خروج الهامة:
زعموا أن الإنسان إذا قتل، ولم یطالب بثأره، خرج من رأسه طائر یسمّى: الهامة، وصاح على قبره: اسقونی! سقونی! إلى أن یطلب بثأره
ومنها: إغلاق الظهر:
کان الرجل منهم إذا بلغت إبله مائة، عمد إلى البعیر الذى أمات به([39])، فأغلق ظهره لئلا یرکب، ویعلم أن صاحبه حمى ظهره، وإغلاق ظهره أن ینزع سنا من فقرته ویعقر سنامه.
ومنها: التفقئة والتعمیة:
کان الرجل إذا بلغت إبله ألفا فقأ عین الفحل یقول: إن ذلک یدفع عنها العین والغارة؛
فإن زادت عن ألف فقأ العین الأخرى، فهو التعمیة.
ومنها: کعب الأرنب:
کانوا یعلّقونه على أنفسهم ویقولون: إن من فعل ذلک لم تصبه عین ولا سحر، وذلک أن الجنّ تهرب من الأرنب، لأنها لیست من مطایا الجنّ لأنها تحیض؛ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِیبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَکَائِنَا فَمَا کَانَ لِشُرَکَائِهِمْ فَلَا یَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا کَانَ لِلَّهِ فَهُوَ یَصِلُ إِلَى شُرَکَائِهِمْ سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ )([40])
یخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عن سفههم من وجوه:
أحدها: أنهم کانوا یجعلون لله نصیبًا مما کان لله فی الحقیقة مع علمهم أن اللَّه هو الذی أنشأ لهم تلک الأشیاء وهو ذرأها، ثم یجعلون لله فی ذلک نصیبًا وللأصنام نصیبًا، یسفههم لأنهم إذا علموا أن اللَّه هو الذی ذرأ لهم تلک الأشیاء وأنشأها لهم، فإلیه الاختیار فی جعل ذلک لا إلیهم إذ علموا، أنهم إنما یملکون هم بجعل الله لهم، وهو المالک علیها حقیقة.
والثانی: ما یبین سفههم -أیضًا- أنهم یجعلون لله فی ذلک نصیبًا وللأصنام نصیبًا من الثمار والحرث وغیرها، ثم إذا وقع شیء، مما جعلوا لله وخالط ما جزؤا وجعلوه لشرکائهم ترکوه، وإذا خالط شیء مما جعلوا لشرکائهم، ووقع فیما جعلوه لله أخذوه وردوه على شرکائهم وانتفعوا به، وترکوا الآخر للأصنام إیثارًا للأصنام علیه تعالى ، وإعظاما لها.
أو إذا زکا نصیب الأصنام ونما، ولم یزک نصیب اللَّه، ولم ینمُ ترکوا ذلک للأصنام، ویقولون: لو شاء اللَّه لأزکى نصیبه، وإذا زکا الذی کانوا یجعلون لله، ولا یزکو نصیب الأصنام أخذوا نصیب اللَّه فقسموه بین المساکین وبین الأصنام نصفین.
یسفههم - عَزَّ وَجَلَّ - بصنیعهم الذی یصنعون ویبین عن جوهرهم بإیثارهم الأصنام، وإعظامهم إیاها، والتفضیل فی القسمة والتجزئة، مع علمهم أن اللَّه هو الذی ذرأ ذلک وأنشأه لهم، وأن الأصنام التی أشرکوها فی أموالهم وعبادتهم لله لا یملکون من ذلک شیئًا.
وذلک منهم سفه وجور؛ حیث أشرکوا فی أموالهم وعبادتهم مع اللَّه أحدًا لا یستحق بذلک شیئًا، وهو کما جعلوا لله البنات، وهم کانوا یأنفون عن البنات، کقوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أحَدُهُم بِالأُنثَى. .([41]) الآیة: وقال: (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَکُمُ الْبَنُونَ)([42]) وقال: (تِلْکَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِیزَى)([43]) تأنفون أنتم عن البنات وتضیفونهن إلیه؟! فهو إذًا جور وظلم؛ فعلى ذلک تفضیل الأصنام فی القسمة وإیثارهم إیاها على اللَّه، وإشراکهم مع اللَّه، مع علمهم أنه کان جمیع ذلک باللَّه، وهو أنشأه لهم - جور وسفه، ثم أخبر أنهم: (سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ).أی بئس الحکم حکمهم.
نذر عبد المطلب بن هاشم جد النبی صلى الله علیه وسلم :
کذلک کان العرب فی الجاهلیة یقدمون أولادهم قربانا لأصنامهم فقد کان أحدهم ینذر أن یذبح أحب أولاده إلیه للصنم حین یبلغ أولاده کذا عدا کما فعل عبد المطلب بن هاشم جد النبی صلى الله علیه وسلم ([44])
وکان عبد المطلب بن هاشم قد نذر حین لقى من قریش ما لقى عند حفر زمزم: لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتى یمنعوه، لینحرن أحدهم لله عند الکعبة. فلما توافى بنوه عشرة، وعرف أنهم سیمنعونه، جمعهم، ثم أخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلک، فأطاعوه وقالوا: کیف نصنع؟ قال: لیأخذ کل رجل منکم قدحا، ثم یکتب فیه اسمه، ثم ائتونى، ففعلوا ثم أتوه. ثم قال عبد المطلب لصاحب القداح: اضرب على بنى هؤلاء بقداحهم هذه، وأخبره بنذره الذى نذر، فأعطاه کل رجل منهم قدحه الذى فیه اسمه. وکان عبد الله بن عبد المطلب أصغر بنى أبیه، کان هو والزبیر وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عبد بن عمران بن مخزوم بن یقظة بن مرة بن کعب بن لؤى بن غالب بن فهر.
وکان عبد الله أحب ولد عبد المطلب إلیه، فلما أخذ صاحب القداح القداح لیضرب بها، قام عبد المطلب یدعو الله، ثم ضرب صاحب القداح، فخرج القدح على عبد الله فأخذه عبد المطلب بیده، وأخذ الشفرة، ثم أقبل به لیذبحه، فقامت إلیه قریش فقالوا: ماذا ترید یا عبد المطلب؟ قال: أذبحه، فقالت له قریش وبنوه: والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فیه، لئن فعلت هذا لا زال الرجل یأتى بابنه حتى یذبحه، فما بقاء الناس على هذا، انطلق به إلى الحجاز، فإن به عرافة لها تابع، فسلها، ثم أنت على رأس أمرک، إن أمرتک بذبحه ذبحته، وإن أمرتک بأمر لک وله فیه فرج قبلته.
فانطلقوا حتى قدموا المدینة فوجدوها بخیر، فرکبوا حتى جاءوها فسألوها، وقص علیها عبد المطلب خبره وخبر ابنه، وما أرادوا به، ونذره فیه، فقالت لهم: ارجعوا عنى الیوم حتى یأتینى تابعى فأسأله، فرجعوا من عندها، فلما خرجوا عنها قام عبد المطلب یدعو الله، ثم عدوا علیها، فقالت لهم: قد جاءنى الخبر، کم الدیة فیکم؟ قالوا: عشرة من الإبل- وکانت کذلک- قالت: فارجعوا إلى بلادکم ثم قربوا صاحبکم، وقربوا عشرة من الإبل، ثم اضربوا علیها وعلیه بالقداح، فإن خرجت على صاحبکم فزیدوا من الإبل حتى یرضى ربکم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه، فقد رضى ربکم ونجا صاحبکم.
فخرجوا حتى قدموا مکة، فلما أجمعوا على ذلک من الأمر، قام عبد المطلب یدعو الله، ثم قربوا عبد الله وعشرا من الإبل، وعبد المطلب قائم یدعو الله عز وجل، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا من الإبل، فبلغت الإبل عشرین، وقام عبد المطلب یدعو الله عز وجل، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا من الإبل، فبلغت الإبل ثلاثین، وقام عبد المطلب یدعو الله، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا من الإبل، فبلغت الإبل أربعین. وقام عبد المطلب یدعو الله، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا من الإبل، فبلغت الإبل خمسین. وقام عبد المطلب یدعو الله، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا من الإبل، فبلغت الإبل سبعین، وقام عبد المطلب یدعو الله، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا من الإبل، فبلغت الإبل ثمانین، وقام عبد المطلب یدعو الله، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا من الإبل، فبلغت الإبل تسعین، وقام عبد المطلب یدعو الله، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا من الإبل، فبلغت الإبل مائة. وقام عبد المطلب یدعو الله، ثـم ضربوا فخرج القدح على الإبل، فقالت قریش ومن حضر: قد انتهى رضا ربک یا عبد المطلب، فقال: لا والله حتى أضرب علیها ثلاث مرات. فضربوا على عبد الله وعلى الإبل، وقام عبد المطلب یدعو الله، فخرج القدح على الإبل، ثم عادوا الثانیة، وعبد المطلب قائم یدعو الله، فضربوا فخرج القدح على الإبل، ثم عادوا الثالثة، وعبد المطلب قائم یدعو الله، فضربوا فخرج القدح على الإبل، فنحرت، ثم ترکت لا یصد عنها إنسان ولا سبع.
- وقد سفه الله أحلامهم فی قوله تعالى :( قَدْ خَسِرَ الَّذِینَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَیْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا کَانُوا مُهْتَدِینَ). ([45])
- قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَکَذَلِکَ زَیَّنَ لِکَثِیرٍ مِنَ الْمُشْرِکِینَ .([46]) أی: کما زین لهم جعل النصیب للأصنام والتجزئة لها، وصرف ما خلق اللَّه لهم عنه إلى الأصنام کذلک زین لهم قتل أولادهم.
- أو کما زین لهم تحریم ما أحل اللَّه لهم من السائبة والوصیلة والحامی کذلک زین لهم شرکاؤهم قتل أولادهم.
- وأصله: أن الشفقة التی جعل اللَّه فی الخلق لأولادهم والرحمة التی جبلت طبائعهم علیها تمنعهم عن قتلهم، وخاصة أولادهم الضعفاء والصغار، وکذلک الشهوة التی خلق فیهم تمنعهم عن تحریم ما أحل اللَّه لهم، لکن زین لهم ذلک شرکاؤهم، وحسنوا علیهم تحریم ما أحل لهم وقتل أولادهم، فما حسن علیهم الشرکاء وزین لهم من تحریم ما أحل لهم وقتل أولادهم غلب على الشفقة التی جبلت فیهم، والشهوة التی خلق ومکن فیهم. ([47])
- وقد نذرت نتیلة([48]) زوج عبد المطلب بن هاشم لما افتقدت ابنها العباس ابن عبد المطلب وهو صغیر أنها إن وجدته لتکسون الکعبة الدیباج ففعلت وهی أول من کسا الکعبة الدیباج. ([49])
- وَقَدْ کَانَتِ الْعَرَبُ فِی الْجَاهِلِیَّةِ لَا یُفِیضُونَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى یُجِیزَهُمْ أَحَدُ بَنِی صُوفَةَ وَهُمْ بَنُو الْغَوْثِ بْنِ مُرِّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْیَاسَ بْنِ مُضَرٍ وَکَانَتْ أُمُّهُ جُرْهُمِیَّةً، لُقِّبَ الْغَوْثُ بِصُوفَةَ لِأَنَّ أُمَّهُ کَانَتْ لَا تَلِدُ فَنَذَرَتْ إِنْ هِیَ وَلَدَتْ ذَکَرًا أَنْ تَجْعَلَهُ لِخِدْمَةِ الْکَعْبَةِ فَوَلَدَتِ الْغَوْثَ وَکَانُوا یَجْعَلُونَ صُوفَةً یَرْبُطُونَ بِهَا شَعْرَ رَأْسِ الصَّبِیِّ الَّذِی یَنْذُرُونَهُ لِخِدْمَةِ الْکَعْبَةِ وَتُسَمَّى الرَّبِیطَ، فَکَانَ الْغَوْثُ یَلِی أَمْرَ الْکَعْبَةِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمَ فَلَمَّا غَلَبَ قُصَیُّ بْنُ کِلَابٍ عَلَى الْکَعْبَةِ جَعَلَ الْإِجَازَةَ لِلْغَوْثِ ثُمَّ بَقِیَتْ فِی بَنِیهِ حَتَّى انْقَرَضُوا، وَقِیلَ إِنَّ الَّذِی جَعَلَ أَبْنَاءَ الْغَوْثِ لِإِجَازَةِ الْحَاجِّ هُمْ مُلُوکُ کِنْدَةَ، فَکَانَ الَّذِی یُجِیزُ بِهِمْ مِنْ عَرَفَة یَقُول:
لَا هــمّ إِنِّــی تَابِـعٌ تِبَاعَــهْ ... إِنْ کَـانَ إِثْـمٌ فَعَلَـى قُضَاعَـهْ
- لِأَنَّ قُضَاعَةَ کَانَتْ تُحِلُّ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَلَمَّا انْقَرَضَ أَبْنَاءُ صُوفَةَ صَارَتِ الْإِجَازَةُ لِبَنِی سَعْدِ بْنِ زَیْدِ مَنَاءَةَ بْنِ تَمِیمٍ وَرِثُوهَا بِالْقُعْدُدِ[50] فَکَانَتْ فِی آلِ صَفْوَانَ مِنْهُمْ وَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهِیَ بَیْدِ کِرِبِ بْنِ صَفْوَانَ[51] قَالَ أَوْسُ بْنُ مَغْرَاءَ:
لَا یَبْرَحُ النَّاسُ مَا حَجُّوا مُعَرَّفَهُمْ ... حَتَّـى یُقَـالَ أَجِیزُوا آلَ صَفْوَانَا
نذر أبی سفیان
إن أَبَا سُفْیَانَ حِینَ رَجَعَ من الشام إِلَى مَکَّةَ بالقافلة التی أرسل رسول الله صل الله علیه وسلم لمقابلته وکان قد أرسل إلى قریش أن تنجده ، وَرَجَعَ فَبلُّ قُرَیْشٍ نَذَرَ أَلَّا یَمَسَّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى یَغْزُوَ مُحَمَّدًا فَخَرَجَ فِی مِائَتَیْ رَاکِبٍ مِنْ قُرَیْش وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ فِی طَلَبِهِ حَتَّى بَلَغَ قَرْقَرَةِ الْکُدْرِ ثُمَّ انْصَرَفَ قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَرْجُو أَنْ تَکُونَ لَنَا غَزْوَةٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ عَلِیُّ بْنُ مُحَمَّدٍ خَرَجَ یَوْمَ الأَحَدِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِی الْحِجَّةِ وَرَجَعَ یَوْمَ الِاثْنَیْنِ لثمان بَقینَ مِنْهُ ([52])
هذه نماذج من النذور التی کانت قبل الإسلام وقد تبین مما سبق أنها کانت تختلط بالشرک وابتغاء غیر وجه الله تعالى فلما جاء الإسلام أبطل ما کان مختلطا بالشرک وأبقى ما کان خالصا لله تعالى وهذا ما سیتبین فی المباحث الآتیة ،،،،،،،،
المبحث الثانی
تعریف النذر فی اللغة وفی اصطلاح المالکیة
تعریف النذر فی اللغة :
یطلق النذر فی اللغة على عدة معان منها:-
أ- إیجاب الشیء على النفس وجعله واجبا بعد أن کان غیر واجب ویسمى نحبا([53]) ومنه قوله تعالى ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ینتظر )([54])جاء فی الزاهر([55]) : أی منهم من قضى نذره الذی کان نذر).
ب- الإبـلاغ والإعـلام بالتخویف ([56]) ومنه قوله تعالى (فکیف کان عذابی ونذر) ([57]) جاء فی جمهرة اللغة([58])(نذر ینذر نذرا فهو ناذر وأنذر إنذارا من الابلاغ والاعذار)وجاء فی معجم مقاییس اللغة ([59])(النون والذال والراء کلمة تدل على تخویف او تخوف منه الإنذار الإبلاغ ولا یکاد یکون الا فی التخویف)وجاء فی مختار الصحاح ([60])(تناذر القوم خوف بعضهم بعضا)
ج- العلم ([61]) ومنه نذر القوم بالعدو- بکسر الذال- أی علموا به جاء فی شمس العلوم ([62])(نذر بکسر الذال علم ونذر القوم بالعدو أی علموا )
د- ما یجب فی الجراحات من الدیات وهو لغة أهل الحجاز وقاله الشافعی فی کتاب جراحات العمد ویسمیه أهل العراق أرشا(([63]
تعریف النذر اصطلاحا عند المالکیة :
المالکیة فی تعریف النذر على أربعة آراء عرفه بعضهم بأنه إیجاب والثانی بأنه التزام وجمع الرأی الثالث بین الإیجاب والالتزام وعرفه الرأی الرابع بأنه ما کان وعدا على شرط .
الرأی الأول : عرف النذر بأنه إیجاب:
فممن عرفه بأنه إیجاب ابن عبد البر([64]) حیث قال فی تعریفه: (فَالنَّذْرُ الْوَاجِبُ فِی الشَّرِیعَةِ إِیجَابُ الْمَرْءِ فِعْلَ الْبِرِّ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا حَقِیقَةُ اللَّفْظِ
عِنْدَ الْعُلَمَاءِ)([65])
وعرفه ابن رشد ([66]) بقوله : (هو أن یوجب على نفسه فعل ما فعله قربة لله ولیس بواجب) ([67])
عرفه ابن بطال([68]) بقوله :(ما أوجبه المرء على نفسه ولزمها
إیاه لله تعالى) ([69])
وعرفه القرطبی :([70]) بأنه (ما أوجبه المکلف على نفسه من العبادات مما لولم یوجبه لم یلزمه )ونقل أیضا أن النذر:(ما أوجبه المکلف على نفسه من شیء یفعله)
الرأی الثانی : عرف النذر بأنه التزام :
وممن عرفه بأنه التزام صاحب الشامل([71]) حیث قال :(التزام مکلف تأهل للعبادة ولو فی غضب على المعروف) ([72])
وعرفه ابن العربی([73]) بأنه: (التزام فی الذمة بالقول لما لم یلزم من القرب
بإجمـاع الأمة ویلزم بالنیة عنـد علمائنا خاصة دون غیرهم من العلماء). ([74])
وعرفه الشیخ خلیل([75]) بقوله : (هو التزام مسلم کلف)([76]) وتبعه فی ذلک
شراح المختصر فعرفه الشیخ الدردیر ([77]) بقوله: (التزام طاعة مطلقا أو مقیدا بصفة ولو فی الغضب). ([78])
وعرفه أیضا بأنه : (هو التزام مسلم مکلف قربة ولو بالتعلیق على معصیة أو غضبان). ([79])
وعرفه الزرقانی ([80]) بأنه: ( التزام قربة غیر لازمة بأصل الشرع)([81])
الرأی الثالث : وجمع بین الایجاب والالتزام :
وممن عرف النذر بذلک : ابن شاس ([82]) حیث قال :(هو الالتزام والإیجاب )
وابن عرفة ([83]) بقوله : حد النذر الأعم من الجائز :( إیجاب امرئ على نفسه لله تعالى أمرا والأخص المأمور بأدائه التزام طاعة بنیة قربة لا لامتناع من أمر).([84])
الرأی الرابع : عرف النذر بأنه وعد على شرط : وهو ما نقله القرافی([85])
عن ابن عرفة([86]) أن النذر( ما کان وعد على شرط (فمن قال لله علی دینار فلیس بنذر فإن قال إن شفى الله مریضی فهو نذر)([87]) وهذا التعریف قاصر على النذر المعلق .
من خلال التعریفات السابقة یظهر لی أن التعریف الأقرب إلى حقیقة النذر هو تعریف ابن عرفه رحمه الله تعالى لأنه جمع فی تعریفه ما تفرق عند غیره إلا أنه اقتصر فی التعریف الأخص على نذر الطاعة .
المناسبة بین المعنى اللغوی والمعنى الاصطلاحی للنذر:
من خلال العرض السابق یتضح أن علماء المالکیة استعملوا النذر فی الاصطلاح بأحد معانیه فی اللغة وهو الإیجاب/ وهذا وفقا للمعروف فی التعریفات اللغویة أنها أعم من التعریفات الشرعیة؛ فللنذر فی اللغة معانی أخرى غیر التی استعملها الفقهاء کما یلاحظ أن المالکیة استعملوا لفظ التزام فی تعریف النذر وهو فی اللغة بمعنى الواجب جاء فی تعریفات الجرجانی([88]) : ( ([89]) واللازم فی الاستعمال بمعنى الواجب ) وإن کانت بعض المصادر فی اللغة قد فرقت بین الإلزام والإیجاب فقد جاء فی معجم الفروق اللغویة :([90]) (الفرق بین الإلزام والإیجاب أن الإلزام یکون فی الحق والباطل یقال ألزمته الحق وألزمته الباطل والإیجاب لا یستعمل إلا فیما هو حق فان استعمل فی غیره فهو مجاز)
ویقول الحطاب([91]): (الالتزام لغة([92]) : هو إلزام الشخص نفسه ما لم یکن لازما وهو بهذا المعنى شامل للبیع والإجارة والنکاح والطلاق وسائر العقود وأما فی عرف الفقهاء فهو إلزام الشخص نفسه شیئا من المعروف مطلقا أو معلقا على شیء بمعنى العطیة وقد یطلق فی العرف على ما هو أخص من ذلک وهو التزام المعروف بلفظ الالتزام وهو الغالب فی عرف الناس الیوم)
المبحث الثالث
أرکان النذر
أرکان النذر کما جاء فی کتب المالکیة ثَلَاثَة : النَّاذِر والمنذور وَصِیغَة النّذر([93])وقیل: الْمُلْتَزِمُ وَالْمُلْتَزَمُ وَصِیغَةُ الِالْتِزَامِ ([94])
الرکن الأول الناذر: أو الملتزم بکسر الزای هو کل مکلف له أهلیة العبادة، فلا یلزم نذر الصبی والمجنون وفی نذر الکافر خلاف :
أولا : یستدل على عدم لزوم نذر الصبی وفی حکمه المجنون بالآتی :
-ما أخرجه الإمام مَالِکٍ –رحمه الله تعالى - ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی حَبِیبَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِرَجُلٍ، وَأَنَا حَدِیثُ السِّنِّ: مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ یَقُولَ عَلَیَّ مَشْیٌ إِلَى بَیْتِ اللَّهِ، وَلَمْ یَقُلْ عَلَیَّ نَذْرُ مَشْیٍ. فَقَالَ لِی رَجُلٌ: هَلْ لَکَ أَنْ أُعْطِیَکَ هَذَا الْجِرْوَ - لِجِرْوِ - قِثَّاءٍ فِی یَدِهِ، وَتَقُولُ: عَلَیَّ مَشْیٌ إِلَى بَیْتِ اللَّهِ؟ قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقُلْتُهُ وَأَنَا یَوْمَئِذٍ حَدِیثُ السِّنِّ. ثُمَّ مَکَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ. فَقِیلَ لِی: إِنَّ عَلَیْکَ مَشْیًا. فَجِئْتُ سَعِیدَ بْنَ الْمُسَیِّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِکَ؟ فَقَالَ لِی: «عَلَیْکَ مَشْیٌ» فَمَشَیْتُ قَالَ مَالِکٌ «وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا» ([95])
ثانیا : أما نذر الکافر([96]) فللمالکیة فی لزوم النذر من الکافر رأیان:
الرأی الأول: وإلیه ذهب الإمام مالک – رحمه الله – ([97]) : إلى أنه لا شىء علیه ویحمل قول النبی صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ لعمر رضی الله عنه فی الحدیث التالی : " أوف بنذرک " على طریق الندب والاستحباب لا على طریق الوجوب إلى أنَّه لا یلزمه شیء من ذلک؛ لا عتق، ولا صوم، ولا اعتکاف؛ لعدم تصوُّر نیَّة القربة منهم حالة کفرهم. واعتذروا عن ظاهر الحدیث: بأن قول عمر: نذرت فی الجاهلیة. إنما یرید: فی أیام الجاهلیة، لا أنه کان هو فی الجاهلیة.
وأما ما ما أخرجه البخاری و مسلم بسندیهما - عَنْ عُبَیْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِی نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: یَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّی نَذَرْتُ فِی الْجَاهِلِیَّةِ أَنْ أَعْتَکِفَ لَیْلَةً فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ: " فَأَوْفِ بِنَذْرِکَ ".([98])
یحمل هذا عندنا على أنه أراد فى أیام الجاهلیة ولم یرد وهو على دین الجاهلیة؛ لأن الکافر لا یلزمه عندنا نذر،
الرأی الثانی: لزوم نذر الکافر إذا أوجبه على نفسه فی حال کفره؛ إذا کان من نوع القرب؛ التی یوجبها المسلمون، غیر أنه لا یصح منه إیقاعه فی حالة کفره لعدم شرط الأداء؛ الذی هو الإسلام. فأمَّا إذا أسلم وجب علیه الوفاء. ،. وقوله صلى الله علیه وسلم: (أوف بنذرک) على الوجوب.
ولا یلزم من کون العبادة لا تصحُّ من المکلَّف أن لا یکون مخاطبًا بها؛ لأنَّا نجوز التکلیف بالمشروط حالة عدم شرطه الممکن التحصیل. کما یؤمر الکافر بالإیمان بالرُّسول حالة عدم معرفة المرسل ، والمحدث فی الصلاة حالة الحدث، والبعید عن مکة بالحج. وسر هذا: أنه لما کانت هذه الشروط ممکنة التحصیل للمکلَّف؛ أُمِر بفعل المشروط. ([99])
وسبب الخلاف فی ذلک هو الخلاف فی: هل الکفار مخاطبون بفروع الشریعة؟:
وللمالکیة فی ذلک رأیان:
الرأی الأول " و هو الصحیح من مذهب الإمام مالک –رحمه الله تعالى- أنهم مخاطبون بها، وعلى هذا: فیلزم الکافر ما نذره فی حال کفره، کما هو الظاهر من حدیث عمر ـ رضی الله عنه ـ هذا. وکذلک یلزمه عتق ما أعتق، وصدقة ما تصدَّق به. فإن أسلم صحَّت له تلک الأعمال کلّها، وأُثیب علیها، کما هو الظاهر من قوله صلى الله علیه وسلم لحکیم بن حزام: (أسلمتَ على ما أسلفتَ علیه من خیر)
الرأی الثانی : لا یلزمه شیء بناء على أن الکفار لیسوا مخاطبین بالفروع.والذی یظهر لی أن هذا الخلاف لفظی لاأثر له فی أحکام الدنیا إنما یتعلق أثره بأحکام الآخرة وهل یعاقب على ترک الفروع کما یعاقب على ترک الأصول وذلک حتى ولو صح نذر الکافر لا یقبل منه إلا بالإسلام
ویتعلق بهذا الرکن الکلام عن قضاء النذر عن المیت ([100])
حکمه :
عامةُ المالکیة على أن قضاء النذر عن المیت لیس على الوجوب ما لم یوص به، أما لو أوصى بنذر علیه فَرَّطَ فیه، فمذهبُ الإمام مالک –رحمه الله - أنه یلزم إخراجه؛ لکن من الثلث، وعند غیره- رحمه الله- من رأس المال؛ کالدیون اللازمة.
واختلف المالکیة فیما لم یفرِّط فیه من ذلک؛ کالزکاة الحالَّة وشبهِها، فعند ابن القاسم ([101]) : أنها تُخرج إذا أوصى بها من رأسِ المال ، ولا تلزم إذا لم یوصِ بها، وعند أشهب ([102]) : تخرج من رأس المال ، أوصى بها، أم لا .
عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ -رضی اللَّه عنهما-: أَنَّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه علیه وسلم- فِی نَذْرٍ کَانَ عَلَى أُمِّهِ، تُوُفِّیَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِیَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه علیه وسلم-: "فَاقْضِهِ عَنْهَا".
وقد اختلف العلماء فیما کان على أم سعد رضی الله عنه :
قیل: إن هذا النذر کان نذرًا مطلَقًا، وقیل: کان صومًا، وقیل: کان عتقًا، وقیل: کان صدقةً، واستدل کلُّ قائل بأحادیثَ وردتْ فی قصة أُمِّ سعدٍ.
ویحتمل أن یکون النذرُ غیرَ ما وردَ فی تلک الأحادیث، واللَّه أعلم.
وأظهرُ ما فیها: أن نذرَها کان فی المال، أو نذرًا مُبْهَمًا ، ویکون حدیثُ مَن احتجَّ لذلک بروایة مالک، لما قیل لها: "أوص"، قالت : فیم أوصی؟ وإنما المالُ مالُ سعد ؛: فأوصی فیه بقضاء نذری، ویطابق هذا قول من روى: "أَفأعتقُ عنها؟ "؛ فإن العتق من الأموال، ومن کفارة النذور، ولیس فیه قطعٌ على أنه کان علیها عتقٌ کما استدلَّ به من قال: إنه کان علیها رقبة؛ ولأن هذا کلَّه من باب الأموال المتفَقِ على النیابة فیها، ویعضده -أیضًا- ما رواه الدار قطنی من حدیث مالک، فقال له -یعنی: النبیَّ -صلى اللَّه علیه وسلم-: "اسْقِ عَنْهَا المَاءَ".
وأما حدیثُ الصوم فقد عَلَّلَه أهلُ الصنعة ؛ للاختلاف فی روایته فی سنده ومتنه، وکثرة اضطرابه.
الرکن الثانی الْمَنْذُور: أو الملتزم بفتح الزای فهو کل عبادة مقصودة وهی ثلاثة أنواع ([103]) :
النوع الأول : أصول العبادات کالصلاة والصوم والحج والصدقة ویلحق بها أمران
الأول : صفات هذه العبادات کالمشی فی الحج وطول القراءة والقیام فی الصلاة فإذا أفردت الصفة بالنذر ففی اللزوم بها وجهان
الثانی :فروض الکفایات المالیة کتجهیز الموتى وکل ما یحتاج إلى مال أما ما لا یحتاج إلى مال کصلاة الجنازة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ففیه تردد والظاهر لزومه بالنذر أیضا.
النوع الثانی : القربات التی حث علیها الشارع کعیادة المریض وزیارة القریب وإفشاء السلام ففی النذر بها قولان :
الأول : لا تلزم بالنذر لأنها لیست عبادة ولو لزمت لوجب فیها قصد التقرب إلى الله بها و لصارت عبادة .
الثانی : تلزم القربات التی یرتجى ثوابها إلا ما خالف الرخصة کأن ینذر المکلف عدم الفطر أو القصر فی السفر لأن هذا تغییر للشرع
النوع الثالث: المباحات کالأکل والنوم والمشی وهذه فیها کلام طویل یرد إن شاء الله فی قسم نذر المباح .
الرکن الثالث الصیغة : ویقع النذر بکل ما یفید الإلزام سواء کان بلفظ النذر کأن یقول مثلا لله علی صوم أو صلاة أو غیرهما من القرب ابتداء أو یعلق ذلک على وجود شیء ما کقوله: إن شفى الله مریضی، فلله علی کذا، فلو قال: إن کلمت زیداً فلله علی کذا للزم أیضاً على المعروف من المذهب ([104]) أو لم یذکر لفظ لله کأن یقول علی أن أتصدق أو أصوم ([105]) جاء فی حاشیة الدسوقی : ([106]) (قَوْلُهُ: کَلِلَّهِ عَلَیَّ أَوْ عَلَیَّ ضَحِیَّةٌ أَتَى بِکَافٍ التَّمْثِیلِ إشَارَةً إلَى عَدَمِ انْحِصَارِ الصِّیغَةِ فِی لِلَّهِ عَلَیَّ أَوْ عَلَیَّ کَذَا فَیَلْزَمُ بِکُلِّ لَفْظٍ فِیهِ إلْزَامٌ مِثْلُ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِیضِی أَوْ قَدِمَ غَائِبِی أَوْ نَجَوْت مِنْ أَمْرِ کَذَا وَکَذَا فَأَنَا أَصُومُ یَوْمَیْنِ أَوْ أُصَلِّی کَذَا أَوْ أَتَصَدَّقُ بِکَذَا قَالَهُ طفى قَالَ وَنَبَّهْت عَلَى ذَلِکَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْقَاصِرِینَ تَوَهَّمَ أَنَّ النَّذْرَ لَا یَکُونُ إلَّا بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَیَّ أَوْ عَلَیَّ کَذَا اغْتِرَارٌ مِنْهُ بِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ )
کذلک یلزم النذر بالنیة وإن لم یتلفظ بلفظ النذر جاء فی المعونة: ([107]) ( (إثبات حکم مخرج النذر بالنطق والنیة وإنما قلنا إنه یثبت حکم مخرجه بالنیة والنطق لأنهما طریقان لمعرفة المراد وثبوت أحکام الخطاب، وقد قال - صلى الله علیه وسلم - "وإنما لکل امرئ ما نوى")
المبحث الرابع
حُکْمُ النَّذْرِ
النذر باعتبار المنذور إلیه ینقسم إلى قسمین :
القسم الأول : ما نذر لغیر الله تعالى وهو باطل لا یقره الشرع ولا یرتب علیه حکما وهو معصیة تجب التوبة منها کالنذر لإبراهیم الخلیل علیه السلام ، أو محمد صلى الله علیه وسلم، أو ابن عباس رضی الله عنهما، أو الشیخ عبد القادر، أو الخضر، أو لملک من الملائکة أو جنی أو شجرة فلا خلاف بین من یعتد به من علماء المسلمین أنه من الشرک الاعتقادی، لأن الناذر لم ینذر هذا النذر الذی لغیر الله إلاَّ لاعتقاده فی المنذور له أنه یضر وینفع، ویعطی ویمنع، ویجلب الخیر والبرکة ویدفع الشر والعسرة إما بطبعه، وإما بقوة السببیة فیه، ،
فالنذر لغیر الله فإنه وإن کان نوعاً من النذر فلا أحد ممن یعتد به من العلماء یقول بجوازه أو انعقاده أو جواز الوفاء به، فالنذر المشروع لا یکون إلا لله تعالى ([108]) لما رواه عَمْرِو بْنِ شُعَیْبٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِیَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نَذْرَ إلَّا فِیمَا یبْتُغِیَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى ولا یمین فی قطیعة رحم » ([109])
القسم الثانی : إذا کان النذر لله فله جانبان فی حکمه:
الجانب الأول: من جهة نیة النذر ابتداءً؛ أی: حکم النذر عمومًا، قبل أن ینذر الناذر شیئًا أو الحکم الأصلی فی النذر .
ابتداء عقد النذر وإلزام النفس به مکروه فجنس النذر ینبغی أن یدعه المؤمن نقل صاحب المفهم ([110]) عن مالک أنه کره النذر مطلقا ووجهه القاضی عیاض ([111]) بقوله: (ویحتمل أن النهی لکونه قد یظن بعض الجهلة أن النذر یرد القدر ویمنع من حصول المقدر فنهى عنه خوفا من جاهل یعتقد ذلک )
قال ابن رشد: ([112]) (کره جماعة من أهل العلم من أصحاب النبی صلى الله علیه وسلم وغیرهم النذر)کما أن ابن العربی([113]) حکى إجماع الأئمة على کراهیة النذر حیث قال : ( أما اجتماع الأئمة فلا خلاف بینهم فی وجوب الوفاء به کما لا خلاف بینهم فی کراهة التزامه ) وبعض المالکیة یرى أن الکراهة مختصة بنذر المجازاة أما النذر المطلق فلا کراهة فیه بل هو مباح ([114]) .
هــذا رأی جمــاعة مــن المالکیــة منهــم الباجـی، وعلیش([115])
والجعلی([116]) والشنقیطی ([117]) .
جاء فی المنتقى ([118]) (النَّذْرَ مُبَاحٌ جَائِزٌ 0000وَلَا خِلَافَ فِی جَوَازِهِ)
استدل القائلون بالکراهة بالسنة والمعقول بالاتی :
من السنة :
ورد النهی عن إنشاء النذر ابتداء فی أحادیث کثیرة من ذلک :
- ما أخرجه البخاری بسنده عن سَعِیدُ بْنُ الحَارِثِ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمَا، یَقُولُ: أَوَلَمْ یُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ، إِنَّ النَّبِیَّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ النَّذْرَ لاَ یُقَدِّمُ شَیْئًا وَلاَ یُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا یُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ البَخِیلِ ) ([119])
هذا الحدیث یدل على أن جنس النذر لا ینبغی، لأن فیه إلزاماً، وقد یشق على المسلم أداؤه، فینبغی له أن یدع النذر، والنهی عن النذر متوجه إلیه قبل وقوعه من الناذر،
من المعقول :
- والحکمة فی النهی عن النذر؛ لکونه إلزام للنفس بما لم یلزمها به الشرع، فیأتی به الإنسان بعد وجوبه إلزاما لا على وجه الرغبة بالقربة لأن الإنسان قد ینذر نذرًا، فیُلزم نفسه ما لم یُلزمه به الشرع ابتداءً، ثم یعجِز عن الوفاء به، فیتحسَّر ویبحث عن المخارج التی تخرجه من هذا النذر.
- ینبغی للمسلم أن یحرص على فعل الخیر ابتداءً، ویشکُر نعمة الله تعالى علیه؛ بفعل الصالحات مِن الصیام أو الصدقة وغیرهما، من غیر تعلیقها بالنذر؛ لأنه إذا علَّق فعل الطاعة بالنذر، فکأنه یقول لربه جل وعلا: إن أنعمتَ علیَّ بکذا، فعلتُ هذه الطاعة، وإلا لم أفعلها، وهذا إنما یکون من الشخص الشحیح بماله، والشحیح على نفسه بفعل الخیر، وهو سوءُ أدب مع الله تعالى؛ لما فیه من المعاوضة بین العبادة وبین حصول المطلوب، وشأن العبادة الخلوص لله من مثل هذا الاشتراط والمقابلة.
-النذرُ لا یغیر من القدر شیئًا؛ فلذلک لا ینبغی للمؤمن الظن بأنه إذا نذر لله شیئًا عند شفائه أو نجاحه أو سلامة أولاده أو زیادة رزقه أو غیر ذلک - لا یظن أن نذره هذا سوف یغیر من قدر الله شیئًا، بل ینبغی له أن یسلک الأسباب الشرعیة والقدریة الکونیة التی یمکن أن تؤثر فی تحسین وضعه، وتصحیح حاله من غیر أن یلجأ إلى النذر؛ فإن النذر غیر داخل فی الأسباب التی یسلکها المسلم لتحسین حاله.
وسواء کان النذر مشروطاً بقربة مالیة أو بدنیة فإن النهی متوجه للحالین؛ لتحقق المحاذیر السابقة فی الحالین، ولا اختصاص للنهی ببعض القُرب دون بعض.
قال ابن حجر: فی قوله: «إنما یستخرج به من البخیل»، قد یشعر التعبیر بالبخیل أن المنهی عنه من النذر ما فیه مال فیکون أخص من المجازاة، لکن قد یوصف بالبخل من تکاسل عن الطاعة".
الجانب الثانی : حکم النذر بعد أن یقعَ من الناذر :
یختلف حکم النذر فی هذه الحالة باختلاف نوع النذر ویتضح ذلک من تناول أقسام النذر وحکم کل قسم وهذا هو موضوع المبحث الخامس .
s
المبحث الخامس
أقسام النَّذر
تعددت آراء المالکیة فی أقسام النذر:
قسمه ابن رشد فی المقدمات الممهدات إلى أربعة أقسام([120]) حیث قال :(فالنذر ینقسم على أربعة أقسام: نذر فی طاعة یلزم الوفاء به. ونذر فی معصیة یحرم الوفاء به، ونذر فی مکروه یکره الوفاء به، ونذر فی مباح یباح الوفاء به وترک الوفاء به.)
وعند اللخمی([121]) النذور ستة: طاعة، ومعصیة، وطاعة تضمنت معصیة، وطاعة ناقصة عن الوجه الذی یجوز الإتیان بها، وما لیس بطاعة ولا معصیة، ونذر مبهم. واللجاج ([122]) .
وذکـر القاضـی عبد الوهـاب([123]) فــی المعونـة للنــذر ثمانیــة
أقسام([124]) ویؤخذ من کلام ابن رشد واللخمی والقاضی عبد الوهاب أن أقسام النذر لا تخرج عن الأقسام الثمانیة الآتیة وهی :المطلق والمعلق والطاعة والمعصیة والمجهول والمکروه والمباح واللجاج أو الغضب .
القسم الأول:النذر المطلق:
تعریفه :
مَا لَیْسَ بِمُعَلَّقٍ عَلَى شَیْءٍ ، وَلَا مُکَرَّرٍ أی ما استقل بنفسه عن شىء یتعلق به إما بأن یتبین مخرجه أو لا یتبین مثل أن یقول لله على نذر ویسکت ([125]) أو یقول هو کذا وقیل الَّذِی یُوجِبُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ شُکْرًا لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَیْهِ فِیمَا مَضَى أَوْ لِغَیْرِ سَبَبٍ، وَذَلِکَ أَنْ یَقُولَ الرَّجُلُ: لِلَّهِ عَلَیَّ نَذْرٌ کَذَا وَکَذَا أَوْ نَذْرٌ أَنْ أَفْعَلَ کَذَا لِلَّهِ عَلَیَّ أَنْ أَعْتَکِفَ یَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِک َوْ نَذْرٌ أَنْ لَا أَفْعَلَ أَوْ لَا یَلْفِظُ بِذِکْرِ النَّذْرِ فَیَقُولَ: لِلَّهِ عَلَیَّ کَذَا وَکَذَا أَوْ أَفْعَلُ کَذَا شُکْرًا لِلَّه ([126])
حکمه :
لا خلاف فی انعقاد هذا النوع من النذر ولزوم الوفاء به جاء فی بدایة المجتهد (فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فِی الْقُرَبِ ) ([127])جاء فی مواهب الجلیل للحطاب ([128])(وَقَالَ فِی التَّلْقِینِ : وَیَلْزَمُ بِإِطْلَاقِهِ ،)
لکن الخلاف فی حکم الإقدام علیه وللمالکیة فی حکم الإقدام على النذر المطلق رأیین :
الأول : یندب القدوم علیه جاء فی مواهب الجلیل للحطاب :( ش : یُشِیرُ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ النَّذْرُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ الَّذِی یُوجِبُهُ الرَّجُـلُ عَلـَى نَفْسِهِ شُکْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا کَانَ وَمَضَى ، انْتَهَى .) ([129]) وجاء فی حاشیة ([130]) الصاوی ([131]) (وَنُدِبَ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ : أَیْ نُدِبَ الْقُدُومُ عَلَیْهِ. قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْخَیْرِ]: فِیهِ إشَارَةٌ لِقَوْلِه تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَیْرَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ} ([132]) وَهُوَ تَعْلِیلٌ لِقَوْلِهِ: (وَنُدِبَ الْمُطْلَقُ) )
الثانی : یباح ویلزم الوفاء إذا نذر وقیل یندب أن یفعل شیئا
جاء فی حاشیة الدسوقی ([133]) (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ الْمُطْلَقُ) أَیْ نُدِبَ الْقُدُومُ عَلَیْهِ کَمَا فِی الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ خِلَافًا لِمَا فِی عبق تَبَعًا لح مِنْ إبَاحَةِ الْقُدُومِ عَلَیْهِ (قَوْلُهُ: وَکَذَا مَا لَیْسَ شُکْرًا عَلَى شَیْءٍ حَصَلَ) أَیْ فَالْقُدُومُ عَلَیْهِ مَنْدُوبٌ کَاَلَّذِی قَبْلَهُ )
الراجح : والذی یظهر لی هو الرأی الثانی لقوة أدلته.
وَیستدل عَلَى صِحَّةِ انْعِقَادِهِ ولزوم الوفاء به من الکتاب والسنة والقیاس والمعقول بالآتی :
من الکتاب :
قَوْله تَعَالَى {وَلْیُوفُوا نُذُورَهُمْ} ([134])
الله عز وجل امتدح الموفون بنذورهم وهذا یدل على أن الوفاء بالنذر من الأمور المستحبة وهو من صفات المؤمنین والإطلاق فی الآیة یشمل المطلق وغیره.
مِنْ السُّنَّةِ :
عموم الأخبار ومن ذلک خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ ([135]) الذی أخرجه الإمَام مالِکٌ - رحمه الله -عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمِّی مَاتَتْ وَعَلَیْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِهِ عَنْهَا» ([136])
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ لَوْ کَانَ مُقَیَّدًا لَاسْتَفْسَرَهُ النَّبِیُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا نَذَرَت لِأَنَّ مِنْ النَّذْرِ الْمُقَیَّدِ مَا یَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَمِنْهُ مَا لَا یَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَهُوَ أَنْ یَکُونَ مُبَاحًا وَمِنْهُ مَا لَا یَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ وَهُوَ أَنْ یَنْذِرَ مُحَرَّمًا فَلَمَّا کَانَ النَّذْرُ الْمُقَیَّدُ یَتَنَوَّعُ إلَى مَا لَا یَجُوزُ وَإِلَى مَا یَجُوزُ کَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ کَانَ مُقَیَّدًا لَسَأَلَهُ عَنْ وَجْهِ نَذْرِهَا لِیُمَیِّزَ مِنْهُ مَا یَجُوزُ مِمَّا لَا یَجُوزُ وَبِحَسَبِ ذَلِکَ یَکُونُ الْجَوَابُ وَلَمَّا لَمْ یَسْأَلْ کَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ الَّذِی لَا یَکُونُ مِنْهُ مَا یَجُوزُ وَمَا لَا یَلْزَمُ .
مِنْ الْقِیَاسِ :
أَنَّهُ نَذْرٌ قُصِدَ بِهِ الْقُرْبَةُ فَوَجَبَ أَنْ یَتَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ أَصْلُ ذَلِکَ إذَا کَانَ مُقَیَّدًا بِمَا فِیهِ قُرْبَةٌ .
من المعقول ([137]) :
أن الناذر ألزم نفسه على وجه النذر ما یجب الوفاء بجنسه فیلزمه الوفاء
الواجب فی النذر المطلق :
اخْتَلَفُ العلماء فِی ([138]) الْوَاجِبِ فِی النَّذْرِ الْمُطْلَقِ على أربعة آراء :
-الرأی الأول : وهو لجمهور العلماء حیث یرون فِی ذَلِکَ کَفَّارَةُ یَمِینٍ لَا غَیْرَ. لِلثَّابِتِ مِنْ حَدِیثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ - عَلَیْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «کَفَّارَةُ النَّذْرِ کَفَّارَةُ یَمِینٍ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. جاء فی مواهب الجلیل للحطاب: (وَقَالَ فِی التَّلْقِینِ : وَیَلْزَمُ بِإِطْلَاقِهِ ، انْتَهَى . وَقَالَ الْبِسَاطِیُّ ([139]) یَعْنِی إذَا قَالَ : عَلَیَّ نَذْرٌ وَلَمْ یُعَلِّقْهُ بِشَیْءٍ مُعَیَّنٍ لَا یَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَیَنْدُبُ لَهُ أَنْ یَفْعَلَ شَیْئًا مِمَّا یُقْبَلُ أَنْ یَنْذُرَ ، انْتَهَى . وَهَذَا لَیْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ هَذَا نَذْرٌ مُبْهَمٌ ، وَفِیهِ کَفَّارَةُ یَمِینٍ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ([140])
الرأی الثانی : ذکر ابن رشد أنه لبعض العلماء ولم یسمهم ویرى أصحابه أن الواجب فی النذر المطلق هو أَقَلُّ مَا یَنْطَلِقُ عَلَیْهِ الِاسْمُ مِنَ الْقُرَبِ صِیَامُ یَوْمٍ أَوْ صَلَاةُ رَکْعَتَیْنِ وذلک لأن الْمُجْزِئَ أَقَلُّ مَا یَنْطَلِقُ عَلَیْهِ الِاسْمُ، وَصَلَاةُ رَکْعَتَیْنِ أَوْ صِیَامُ یَوْمٍ أَقَلُّ مَا یَنْطَلِقُ عَلَیْهِ اسْمُ النَّذْرِ.
- الرأی الثالث :ویرى أصحابه أن فِیهِ کَفَّارَةُ الظِّهَارِ ولم أعثر لهم فیما تیسر لی الاطلاع علیه على دلیل ورأیهم هذا خَارِجٌ عَنِ الْقِیَاسِ وَالسَّمَاعِ کما قال ابن رشد فی بدایة المجتهد.([141])
- الرأی الرابع : وهو لبعض علماء الزهد حیث یرون الخروج عن جمیع المال فی الوفاء به،
جاء فی القبس ([142]) ( ، وإن کان علماء الزهد یرون الخروج عن جمیع المال فی الوفاء به، ولذلک نذرت عائشة رضی الله عنها، ألا تکلم ابن الزبیر ثم شفع فیه فکلمته فأعتقت بنذرها المطلق أربعین رقبة وکانت تبکی ما یخلصها من نذرها)
الراجح : والذی یظهر لی هو الرأی الاول للخبر الذی استدل به أما باقی الآراء فقد استدل أصحابها بالقیاس .
- وقد یرد إشکال هنا هو کیف یکون الشئ مکروها ثم یلزم الوفاء به ؟
وأجیب على ذلک بالآتی:
أولا : یَحْتَمِلُ أَنْ یَکُونَ سَبَبُ النَّهْیِ عَنْ النَّذْرِ کَوْنَ النَّاذِرِ یَصِیرُ مُلْتَزِمًا بِهِ فَیَأْتِی بِهِ تَکَلُّفًا بِغَیْرِ نَشَاطٍ.
ثانیا : وَیَحْتَمِلُ أَنْ یَکُونَ سَبَبُهُ کَوْنَهُ یَأْتِی بِالْقُرْبَةِ الَّتِی الْتَزَمَهَا فِی نَذْرِهِ عَلَى صُورَةِ الْمُعَاوَضَةِ لِلْأَمْرِ الَّذِی طَلَبَهُ فَیَنْقُصُ أَجْرُهُ وَشَأْنُ الْعِبَادَةِ أَنْ تَکُونَ مُتَمَحِّضَةً لِلَّهِ - تَعَالَى -.
ثالثا : قَالَ الْقَاضِی عِیَاضٌ: ([143]) یَحْتَمِلُ أَنَّ النَّهْیَ لِکَوْنِهِ قَدْ یَظُنُّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ النَّذْرَ یَرُدُّ الْقَدَرَ وَیَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الْمُقَدَّرِ فَنَهَى عَنْهُ خَوْفًا مِنْ جَاهِلٍ یَعْتَقِدُ ذَلِکَ قَالَ وَسِیَاقُ الْحَدِیثِ یُؤَیِّدُ هَذَا.
رَابِعا : أَنَّ النَّهْیَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ عَدَمُ الْقِیَامِ بِمَا الْتَزَمَهُ جَمْعًا بَیْنَ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُهُ}([144]) یَقْتَضِی اسْتِحْبَابَ النَّذْرِ ([145])
- وقال الشیخ محمد الأمین الشنقیطی فی أضواء البیان ([146]) فی الرد على هذا الإشکال : الظاهر لی فی طریق إزالة هذا الإشکال، الذی لا ینبغی العدول عنه: أن نذر القربة على نوعین :
الأول : معلق على حصول نفع کقوله: إن شفی الله مریضی، فعلی لله نذر کذا أو إن نجانی الله من الأمر الفلانی المخوف، فعلی لله نذر کذا، ونحو ذلک.
الثانی: لیس معلقاً على نفع للناذر، کأن یتقرب إلى الله تقرباً خالصاً بنذر کذا، من أنواع الطاعة، وأن النهی إنما هو فی القسم الأول، لأن النذر فیه لم یقع خالصاً للتقرب إلى الله، بل بشرط حصول نفع للناذر وذلک النفع الذی یحاوله الناذر هو الذی دلت الأحادیث على أن القدر فیه غالب على النذر وأن النذر لا یرد فیه شیئاً من القدر. أما القسم الثانی: وهو نذر القربة الخالص من اشتراط النفع فی النذر، فهو الذی فیه الترغیب والثناء على الموفین به المقتضی أنه من الأفعال الطیبة، وهذا التفصیل قالت به جماعة من أهل العلم.
وإنما قلنا: إنه لا ینبغی العدول عنه لأمرین:
الأول: أن نفس الأحادیث الواردة فی ذلک فیها قرینة واضحة دالة علیه، وهو ما تکرر فیها من أن النذر لا یرد شیئاً من القدر، ولا یقدم شیئاً، ولا یؤخر شیئاً ونحو ذلک. فکونه لا یرد شیئاً من القدر، قرینة واضحة على أن الناذر أراد بالنذر جلب نفع عاجل، أو دفع ضر عاجل فبین صلى الله علیه وسلم أن ما قضى الله به فی ذلک واقع لا محالة، وأن نذر الناذر لا یرد شیئاً کتبه الله علیه، ولکنه إن قدر الله ما کان یریده الناذر بنذره، فإنه یستخرج بذلک من البخیل الشیء الذی نذر وهذا واضح جداً کما ذکرنا.
الثانی: أن الجمع واجب إذا أمکن وهذا جمع ممکن بین الأدلة واضح تنتظم به الأدلة، ولا یکون بینها خلاف، ویؤیده أن الناذر الجاهل، قد یظن أن النذر قد یرد عنه ما کتبه الله علیه. هذا هو الظاهر فی حل هذا الإشکال. وقد قال به غیر واحد.
القسم الثانی:النَّذْرُ الْمُعَلَّقُ:
تعریفه:
هو أن یعلق النذر بِمَحْبوبٍ آتٍ کَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِیضِی فَعَلَیَّ صَدَقَةُ کَذَا أَوْ إنْ رَزَقَنِی اللَّهُ کَذَا فَعَلَیَّ الْمَشْیُ إلَى مَکَّةَ أَوْ غَیْرُهُ مِنْ الْقُرَبِ وقیل هو أن یعلقه بغیره ویجعله شرطًا فیه مثل أن یقول إن کان کذا وکذا ([147])
حکمه :
اتفق الفقهاء على أنه لا یلزمه النذر إلا بوجود ذلک الشرط ([148]) جاء فی الاجماع ([149]) (أجمعوا أن کل من قال إن شفى الله علیلی أو قدم غائبی أو ما أشبه فعلی من الصوم کذا ومن الصلاة کذا فکان ما قال أن علیه الوفاء بنذره ) إلا أنهم اختلفوا فی الإقدام علیه على ثلاثة آراء جاء فی حاشیة الدسوقی([150]) : (وَفِی کُرْهِ الْمُعَلِّقِ) أَیْ فِی کُرْهِ الْقُدُومِ عَلَیْهِ، وَإِبَاحَتِهِ تَرَدُّدٌ الْکَرَاهَةُ لِلْبَاجِیِّ وَابْنِ شَاسٍ وَالْإِبَاحَةُ لِابْنِ رُشْدٍ) :
الرأی الأول : وهو لِلْبَاجِیِّ وَابْنِ شَاسٍ أنه مَکْرُوهٌ وهذا إن کان لأمر یرجوه المکلَّف أو یخافه کأَنْ ینْذِرَ لِمَعْنًى مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا مِثْلِ أَنْ یَقُولَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِی أَوْ قَدِمَ غَائِبِی أَوْ نَجَّانِی مِنْ أَمْرِ کَذَا أَوْ رَزَقَنِی کَذَا فَإِنِّی أَصُومُ یَوْمَیْنِ أَوْ أُصَلِّی صَلَاةً أَوْ أَتَصَدَّقُ بِکَذَا فَهَذَا الْمَکْرُوهُ الْمَنْهِیُّ عَنْهُ جاء فی التنبیه على مبادئ التوجیه ([151]) :(کرِه الإمام مالک رحمه الله توقیت منذور من صیام أو غیره،)
ودلیل الکراهة من السنة والمعقول .
من السنة :
1-نَهَى رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَقَالَ: إنَّهُ لَا یَأْتِی بِخَیْرٍ، وَإِنَّمَا یُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِیلِ» کَمَا فِی صَحِیحِ مُسْلِمٍ وَغَیْرِهِ،
2- «أَنَّ النَّذْرَ لَا یُقَرِّبُ مِنْ ابْنِ آدَمَ شَیْئًا لَمْ یَکُنْ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَکِنَّ النَّذْرَ یُوَافِقُ الْقَدَرَ فَیُخْرَجُ بِذَلِکَ مِنْ الْبَخِیلِ مَا لَمْ یَکُنْ الْبَخِیلُ یُرِیدُ أَنْ یُخْرِجَه ([152])
3- مَا رُوِیَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِیُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ أَنَّهُ لَا یَرُدُّ شَیْئًا وَلَکِنَّهُ یُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَخِیلِ»
من المعقول :
1- یکره لأنه أَتَى بِهِ عَلَى سَبِیلِ الْمُعَاوَضَةِ لَا الْقُرْبَةِ
2- یکره لخَوْفَ تَوَهُّمِ الْجَاهِلِ مَنْعَهُ مِنْ حُصُولِ الْمُقَدَّرِ
3- یکره لِأَنَّ فِیهِ شَائِبَةَ تَوَهُّمِ أَنَّهُ یَجْلِبُ الْخَیْرَ وَیَرُدُّ الشَّرَّ،
4- إِنَّمَا یُسْتَحَبُّ أَنْ یَکُونَ فِعْلُهُ ذَلِکَ لِلَّهِ تَبَارَکَ وَتَعَالَى رَجَاءَ ثَوَابِهِ وَأَنْ یَکُونَ نَذْرُهُ عَلَى ذَلِکَ الْوَجْهِ دُونَ تَعَلُّقِ نَذْرِهِ بِشَیْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا
الرأی الثانی ([153]) : أنه مُبَاحٌ ، وَالْإِبَاحَةُ لِابْنِ رُشْدٍ ولم أجد فیما تیسر لی الاطلاع علیه دلیلا لهذا الرأی
الرأی الثالث : هو التَرَدُّد بین الإباحة والکراهة ، وَمَحَلُّهُ کَمَا لِابْنِ رُشْدٍ حَیْثُ عَلَّقَهُ عَلَى مَحْبُوبٍ آتٍ لَیْسَ مِنْ فِعْلِهِ کَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِیضِی أَوْنجانِی مِنْ کَذَا َ
وَالتَّرَدُّدُ فِی الْمُعَلَّقِ عَلَى غَیْرِ الْمُحَرَّمِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ عَلَیْهِ فَفِی التَّلْقِینِ أَنَّهُ لَازِمٌ إنْ وُجِدَ کَإِنْ زَنَیْت أَوْ إنْ لَمْ أَزْنِ فَلِلَّهِ عَلَیَّ صَدَقَةٌ، وَیَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ وَقَعَ
الراجح : والذی یظهر لی هو الرأی الأول لقوة أدلته
ثم ما یقید به هذا النذر ینقسم إلى أربعة أقسام ([154]) :
الأول : ما یجب فعله مثل أن یعلق النذر بواجب کقوله: لله علی نذر إن صلیت الظهر فی وقتها وما أشبه ذلک فهذا یلزم الوفاء به ویلزم فعل الشرط فإن اجترأ وأثم وأخر الصلاة عن وقتها فلا شیء علیه من نذره لأنه لم یوجد شرطه.
الثانی : ما یحرم فعله کقوله لله علی نذر إن لم أشرب خمرًا فهذا لا یجوز فعله فإن شرب عصى وأثم وسقط عنه النذر.
الثالث : ما یکره الوفاء به کقوله لله علی النذر إن تنفلت اللیلة بصلاة یقصد ذلک منع نفسه من فعلها لا شوقًا إلیها فهذا یکره له الوفاء به ویستحب له أن یتنفل ویکفر فإن لم یتنفل حتى خرجت اللیلة فلا نذر علیه،
الرابع : ما یکون الوفاء به مباحًا مثل أن یعلق النذر بما لا یحرم علیه فعله کان طاعة أو مباحا کما ینذر فعل طاعة بشرط طاعة کقوله إن قدرنی الله على حج هذا العام فعلی نذر عمرة
القسم الثالث:نذر الطاعة:
تعریفه:
أن ینذر المکلف فعل طاعة من الطاعات لله تعالى مثل أن یقول إن نجانی الله من کذا فعلی کذا لشیء یذکره من القربان إلى الله وطاعاته وکذلک قوله: إن بلغنی الله کذا أو جمعنی بکذا فعلی من الطاعات أو أن ینذر صلاة أو صیامًا أو حجًا أو عتقًا أو صدقة
حکمه:
یرى المالکیة أن نذر الطاعة مکروه وإن کان لازما بلا خلاف قال ابن دقیق العید ([155]) ( مَذْهَبُ الْمَالِکِیَّةِ: الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْحَدِیثِ، وَهُوَ أَنَّ نَذْرَ الطَّاعَةِ مَکْرُوهٌ ([156]) وإن کان لازما )قال ابن عبد البر ([157]) (وَلَا خِلَافَ بَیْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّذْرَ الطَّاعَةَ یَلْزَمُ صَاحِبَهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا کَفَّارَةَ فِیهِ)
قال ابن بطال فی شرحه على البخاری ([158]) (العلماء متفقون أن الوفاء بالنذر إذا کان طاعة واجب لازم لمن قدر علیه)
الأدلة :
یستدل على کراهة هذا النوع بنفس الأدلة التی یستدل بها على کراهة النذر المعلق عند القائلین بذلک أما وجوب الوفاء لمن قدر علیه فیستدل علیه بالقرآن الکریم والسنة النبویة والمعقول
من القرآن الکریم :
قوله تعالى: (یا أیها الذین آمنوا أوفوا بالعقود) ([159]) والنذر عقد على النفس مع الله تعالى فوجب الوفاء به لأن الوفاء مأمور به فی الآیة والأمر المطلق للوجوب مالم توجد قرینة تصرفه عن الوجوب إلى غیره کما یرى ذلک جمهور الأصولیین
- قوله تعالى : (یوفون بالنذر ویخافون یوما کان شره مستطیرا ) ([160]) فمدحهم الله بذلک فدل على وجوب الوفاء بالنذر ،
من السنة :
قوله علیه الصلاة والسلام: (من نذر أن یطع الله فلیطعه) ([161])
من المعقول :
یستدل على وجوب الوفاء بنذر الطاعة لمن قدر علیه بالآتی:
- وإن کانت تلک الطاعة قبل النذر غیر لازمة له فنذره لها قد
أوجبها علیه ؛ -لأنه ألزمها نفسه لله - تعالى - فکل من ألزم نفسه شیئًا لله فقد تعین علیه فرض الأداء فیه، -وقد ذم الله من أوجب على نفسه شیئًا ولم یف به، قال تعالى: (ورهبانیة ابتدعوها ما کتبناها علیه إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعایتها) . ([162])
- ولأن القول أحد نوعی الإیجاب بالشرع کالفعل وإن عجز عنه انتظر المقدرة علیه. ([163])
فإن نذر طاعة تضمنت معصیة من ناحیة الوقت کأن ینذر صوم یوم الفطر أو یوم النحر أو أن یصلی عند طلوع الشمس أو عند غروبها، فالناذر فی هذا على ثلاثة أوجه ([164]) :
الأول : إن کان عالمًا بتحریم ذلک وبالنهی؛ لم یجب علیه الوفاء، ویستحب له أن یأتی بطاعة من جنسه، فیصوم رجاء أن تکون کفارة لنذره.
الثانی : إن کان جاهلًا بتحریم ذلک، وظن أن فی صومه ذلک فضلًا على غیره؛ فقد یظن من لم یعلم بالحدیث أنه لما منع نفسه من لذاتها فی ذلک الیوم؛ أن له من الأجر أکثر من غیره، فهذا لا یجب علیه قضاء، ولا یُستحب له.
الثالث : إن کان یظن أنه فی جواز الصوم کغیره، ولا فضل له؛ کان فی القضاء قولان: فقیل: لا شیء علیه، والغلبة علیه کالغلبة بالمرض. وقال عبد الملک بن الماجشون: یقضیه؛ لأنه لم یرد صومًا له فضل على غیره، وإنما أراد صومًا
وقد سئل ابن عمر - رضی الله عنهما - عمن نذر صوم یوم الاثنین فوافق یوم النحر؟ فقال ابن عمر - رضی الله عنه - أمر الله تعالى بوفاء النذر، ونهى النبی - صلى الله علیه وسلم - عن صوم هذا الیوم فوقف فی ذلک فلم یأمر به، ولم ینه عنه.
وإذا نذر طاعة لا تصح : کأن ینذر أن یصلی رکعة، أو یصوم بعض یوم، أو یعتکف اللیل دون النهار، أو یطوف شوطًا، أو یقف بعرفة، ولا یزید على ذلک،
اختلف فی هذا الأصل: فقیل: لا شیء علیه. وقیل: یأتی بمثل تلک الطاعة تامة على ما یجوز أن یؤتى به علیها. فقال ابن القاسم: إذا نذر اعتکاف لیلة أنه یعتکف یومًا ولیلة
وقال سحنون ([165]) : لا شیء علیه وعلى هذا یجری الجواب فی الصلاة والصوم والطواف والوقوف بعرفة، فعلى قول ابن القاسم یأتی بتلک الطاعة تامة، وعلى قول سحنون لا شیء علیه. وهو أحسن؛ لأنه ألزم نفسه صفة وقدرًا؛ فلا یلزمه أکثر منه، إلا أن یکون عالمًا بمنع ذلک، فیستحب له أن یأتی ذلک کاملًا؛ رجاءَ أن یکون کفارة لتلک المعصیة.
ومن هذا النوع نذر الْمُکَرَّرَ وهو مُتَّفَقٌ عَلَى کَرَاهَتِهِ. جاء فی شرح مختصر ([166]) " الخرقی ([167]) : (وَکُرِهَ الْمُکَرَّرُ یَعْنِی أَنَّ نَذْرَ الْمُکَرَّرِ مَکْرُوهٌ کَنَذْرِ صَوْمِ کُلِّ خَمِیسٍ أَوْ اثْنَیْنِ )
والعلة فی ذلک لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَتَى بِهِ عَلَى کَسَلٍ أَوْ مَخَافَةَ التَّفْرِیطِ فِی الْوَفَاءِ بِهِ وَمَعَ کَوْنِ الْمُکَرَّرِ مَکْرُوهًا فَهُوَ لَازِمٌ .
القسم الرابع :نذر المعصیة.
تعریفه:
أن ینذر المکلف فعلا أو عملا من الأعمال التی تخالف شرع الله تعالى مثل أن ینذر ألا یصل رحمًا، أو أن یشرب خمرًا، أو لا یتقرب إلى الله بقربة . ([168])
حکمه :
لا خلاف بین العلماء أن هذه المعاصی لا یجوز الوفاء بنذرها، جاء فی مراتب الإجماع (وَاتَّفَقُوا أَن من نذر مَعْصِیّة فانه لَا یجوز لَهُ الْوَفَاء بهَا) ([169])
وقد ترجم الإمام مالک فی الموطأ لذلک فقال ([170]) (بابُ مَا لَا یَجُوزُ مِنَ النُّذُورِ فِی مَعْصِیَةِ اللَّهِ) جاء فی التمهید لابن عبد البر ([171]) (کُلَّ مَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ نَذْرًا أَنْ یَعْصِیَ اللَّهَ کَالْجَاعِلِ عَلَیْهِ إِنِ اللَّهُ شَفَى مَرِیضَهُ أَوْ رَدَّ غَائِبَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِکَ أَنْ یَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ یَقْتُلَ أَوْ یَزْنِیَ أَوْ یَظْلِمَ أَحَدًا وَنَحْوَ ذَلِکَ مِنَ الْمَعَاصِی صَغَائِرِهَا وَکَبَائِرِهَا وَکَالْقَائِلِ مُبْتَدِئًا لِلَّهِ عَلَیَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا أَوْ أَشْهَدَ عَلَیْهِ بِزُورٍ أَوْ أَبْغِیَ عَلَیْهِ وَأَشْفِیَ غَیْظِی بِأَذَاهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِکَ مِنْ قَلِیلِ الْمَعَاصِی وَکَثِیرِهَا فَلَا یَلْزَمُهُ شَیْءٌ فِی ذَلِکَ کُلِّهِ لِأَنَّهُ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ وَعَلَیْهِ تَرْکُهُ فَرْضًا وَاجِبًا وَلَا کَفَّارَةَ عَلَیْهِ غَیْرَ ذَلِکَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِیثِ لِأَنَّهُ لَمْ یَأْمُرْهُ فِیهِ النَّبِیُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ بِکَفَّارَةٍ)
الأدلة:
یستدل على ذلک بالسنة والمعقول :
من السنة :
مَا رَوَى مَالِکٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِکِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ یُطِیعَ اللَّهَ فَلْیُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ یَعْصِیَهُ فَلَا یَعْصِهِ» وَهَذَا مَوْضِعُ تَعْلِیمٍ فَاقْتَضَى أَنَّ ذَلِکَ یَمْنَعُ مُوجِبَهُ وقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ نَذَرَ أَنْ یَعْصِیَ اللَّهَ فَلَا یَعْصِهِ لَیْسَ فِیهِ إبَاحَةُ النَّذْرِ لِلْمَعْصِیَةِ بَلْ ذَلِکَ مَحْظُورٌ وَإِنَّمَا بَیَّنَ حُکْمَ مَنْ فَعَلَ ذَلِکَ وَتَوَرَّطَ فِی نَذْرِهِ فَنَهَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَعْصِیَةِ وَإِنْ کَانَ قَدْ نَذَرَهَا ولِأَنَّ النَّذْرَ لَا یَتَعَلَّقُ بِهَا إذْ النَّذْرُ قُرْبَةٌ وَلَا یَتَقَرَّبُ بِالْمَعْصِیَةِ بَلْ یُتَابُ مِنْهَا وَذَلِکَ مِثْلُ أَنْ یَنْذِرَ أَنْ یَشْرَبَ خَمْرًا أَوْ یَأْکُلَ لَحْمَ خِنْزِیرٍ. ([172])
وإِنَّمَا سَمَّاهُ نَذْرًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ کَمَا قَالَ فِی الْخَمْرِ وَبَائِعِهَا مَعَ بُطْلَانِ الْبَیْعِ، وَلِذَا قَالَ فِی الْحَدِیثِ الْآخَرِ: " «لَا نَذْرَ فِی مَعْصِیَةٍ» ([173]) .
من المعقول :
أَنَّ هَذَا نَذْرُ مَا لَا قُرْبَةَ فِیهِ فَلَمْ یَجِبْ بِهِ شَیْءٌ أَصْلُ ذَلِکَ إذَا نَذَرَ الْجُلُوسَ وَالْقُعُودَ.لأن الإیجاب فرع على الجواز فإن کان فعل العصیان غیر جائز فهو على الوجوب أبعد . ([174])
- النذر لا ینقل الشیء عن أصله، فلا یبیح الحرام ولا یحرم الحلال .
الواجب فی هذا النوع من النذر:
اختلف العلماء فی ذلک وسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ ([175]): تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ الْآثَارِ فِی هَذَا الْبَابِ، وَذَلِکَ أَنَّهُ رُوِیَ فِی هَذَا الْبَابِ حَدِیثَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرٌهَ أَنَّهُ لَا یَلْزَمُ النَّذْرُ بِالْعِصْیَانِ. َالْحَدِیثُ الثَّانِی:. نَصٌّ فِی مَعْنَى اللُّزُومِ.
فَمَنْ جَمَعَ بَیْنَهُمَا فِی هَذَا، قَالَ: الْحَدِیثُ الْأَوَّلُ تَضَمَّنَ الْإِعْلَامَ بِأَنَّ الْمَعْصِیَةَ لَا تَلْزَمُ، وَهَذَا الثَّانِی تَضَمَّنَ لُزُومَ الْکَفَّارَةِ.
واختلف المالکیة فی ذلک على ثلاثة آراء:
الرأی الأول : وهو المذهب أنه لا شیء على المکلف فی نذر المعصیة لا کفارة ولا غیرها جاء فی إکمال المعلم ([176]) : (هذا قول مالک وکافة العلماء أنه لا کفارة فى نذر المعصیة) وجاء فی المنتقى ([177]) (وَأَمَّا نَذْرُ الْمَعْصِیَةِ فَلَا یَلْزَمُ بِهِ عِنْدَنَا شَیْءٌ )
قال ابن بطال فی شرح البخاری ([178]) ( فقال مالک: من نذر معصیة کقوله: لله على أن أشرب الخمر أو أزنى أو أسفک دمًا، فلا شیء علیه ولیستغفر الله، استدلالا بقوله علیه السلام: (ومن نذر أن یعصى الله فلا یعصه) ولم یذکر کفارة.
والدلیل على ذلک :
رُوِیَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْمَدِینِیِّ وَغَیْرِهِ عَنْ زَیْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ حُسَیْنِ بْنِ وَاقَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَیْدَةَ عَنْ أَبِیهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ غَزَا فَنَذَرَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ إِنْ رَدَّهُ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ تَضْرِبَ عِنْدَهُ بِالدُّفِّ فَرَجَعَ وَقَدْ غَنِمَ فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّی نَذَرْتُ إِنْ رَدَّکَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ عِنْدَکَ بِالدُّفِّ فَقَالَ إِنْ کُنْتِ فَعَلْتِ فَافْعَلِی وَإِلَّا فَلَا قَالَتْ فَإِنِّی قَدْ فَعَلْتُ قَالَ فَضَرَبَتْ).
الرأی الثانی : ویرى أصحابه أن فِیهِ کَفَّارَةَ یَمِینٍ.
والدلیل على ذلک:
ما جاء فی الموطأ : عَنْ مَالِکٍ ([179]) – رحمه الله -، عَنْ یَحْیَى بْنِ سَعِیدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ یَقُولُ : ( أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَتْ: إِنِّی نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ ابْنِی. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَا تَنْحَرِی ابْنَکِ، وَکَفِّرِی عَنْ یَمِینِکِ»، فَقَالَ شَیْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَکَیْفَ یَکُونُ فِی هَذَا کَفَّارَةٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالَّذِینَ یُظَاهِرُونَ مِنْکُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} ثُمَّ جَعَلَ فِیهِ مِنَ الْکَفَّارَةِ مَا قَدْ رَأَیْتَ) .
الرأی الثالث : أن یأتی بقربة من جنس نذر المعصیة، لتکون کفارة عن تلک المعصیة لقول النبی - صلى الله علیه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْیَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَمَنْ قَالَ: تَعَالَ أُقَامِرْکَ فَلْیتَصَدَّقْ" . ولهذا قیل فیمن قال: لله علی أن أنحر ولدی فلیهدِ؛ لأنه نذر هدی معصیة، فیؤمر أن یأتی به على وجه یکون طاعة، وإن لم یکن له مثلٌ، فلیتقرب إلى الله سبحانه بما رآه من الخیر
و جاء فی الاستذکار ([180]) (قَالَ أَبُو عُمَرَ الصَّحِیحُ عِنْدِی فِی هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ مَسْرُوقٌ وَغَیْرُهُ وَذَلِکَ سُقُوطُ الْکَفَّارَةِ عَنْ مَنْ نَذَرَ نَحْرَ ابْنِهِ أَنَّهُ لَا یَلْزَمُهُ فِی ذَلِکَ شَیْءٌ مِنَ الْأَشْیَاءِ لَمَّا تَرَکَ نَحْرَهُ لِحَدِیثِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِیِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ یَعْصِیَ اللَّهَ فَلَا یَعْصِهِ وَنَحْرُ الْمُسْلِمِ مَعْصِیَةٌ لَا شَکَّ فِیهِ)
الراجح : والذی یظهر لی هو الرأی الأول لقوة أدلته ولأنه رأی الإمام مالک رحمه الله ولأن الأصل براءة الذمة من التکلیف مالم یقم دلیل علیه.
القسم الخامس:نذر المجهول:
تعریفه :
المجهول هو الذی لا یبین مخرجه بنیة ولا نطق مثل: أن یقول لله على النذر ولا یبین ما هو . ([181])
حکمه:
النذر المجهول ینعقد وتلزم فیه کفارة یمین جاء فی القبس ([182]) ( وأما المبهم: فمثل أن تقول علیّ نذر، وهذا یجزئ فیه کفّارة یمین) جاء فی شرح
ابن بطال ([183]): (قالوا: ومن جعل على نفسه نذرًا مبهما فکفارته کفارة یمین. روى هذا عن ابن عباس وعائشة وجابر، وهو قول جمهور الفقهاء. )
الأدلة :
یستدل على ذلک بالسنة والمعقول:
من السنة :
لما رواه ابن أبى شیبة بسنده ، عن قبة بن عامر قال: قال رسول الله: (من نذر نذرًا لم یسمه فکفارته کفارة یمین) .
معناه فی المبهم.
قال ابن عبد البر عن هذا ([184]) (وَقَدْ رُوِیَ فِی النَّذْرِ الْمُبْهَمِ کَفَّارَتُهُ کَفَّارَةُ یَمِینٍ حَدِیثٌ مُسْنَدٌ وَهُوَ أَعْلَى ما روی فی ذلک وأجل) فأثبت له حکماً بنذره.
من المعقول :
الأیمان المنذرة محمولة على تعارف الخطاب، والعرف جار بأن المقصد من النذر القربة، فکأنه قال: لله علی أن أتقرب إلیه بشیء، فیلزمه، کما لو عینه؛ لأنه نذر مقصود به القربة فوجب أن یثبت حکمه کالمسمى؛ واختلف فی الکفارة الواجبة فیه على رأیین .
الرأی الأول : أنها کفارة یمین :
لأن معنى النذر الإیجاب وأدنى واجب مقدر کفارة یمین ([185]) ، فعلق الحکم بأدنى الکفارات؛ لأن الزائد على ذلک مشکوک فیه، فلا تعمر الذمة بشک، و"آلَى رَسُولُ اللهِ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ تِسْعَةً وَعِشْرِینَ"فاحتسب بأقل الشهور وقال محمد بن عبد الحکم فیمن نذر صوم شهر: یجزئه أدنى الشهور؛ تسعة وعشرون یومًا .
وما روی عن عائشة - رضی الله عنها - أنها أعتقت عن یمینها
بالنذر أربعین رقبة فأخذت بأعلى ما یراد من ذلک، لیس لأن ما دون ذلک
غیر جائز . ([186])
الرأی الثانی : ویرى أن کفارة النذر المبهم کفارة مغلظة عتق أو کسوة أو إطعام جاء فی شرح ابن بطال (وروى عن سعید بن جبیر وقتادة أن النذر المبهم أغلظ الأیمان، وله أغلظ الکفارات عتق أو کسوة أو إطعام.
الراجح : والذی یظهر لی هو الرأی الأول لقوة أدلته ولأن التغلیظ یحتاج إلى دلیل ولا یکتفى فیه بأقوال المجتهدین وهو ما رجحه ابن بطال حیث قال (والصحیح قول من جعل فیه کفارة یمین))
القسم السادس :نذر المباح:
تعریفه:
أن ینذر المکلف فعل شیء مباح کأن ینذر أن یمشی إلى الشام، أو یشتری عبد فلان، والمنذور لیس بطاعة ولا معصیة، وکنذر أکل بعض المباحات ولبس الثیاب الفاخرة وغیرها والطیب والمشی فی بعض الطرق وما أشبه ذلک ([187])
حکمه :
اختلف المالکیة فی حکم هذا النوع من النذر على رأیین :
الرأی الأول : وهو لجمهور المالکیة یرون کراهة نذر المباح بل إن بعض المالکیة یرى أنه حرام جاء فی اکمال المعلم ([188]) (وأما النذر بشیء مباح کالقیام والمشی إلى السوق ونحوه، فعند مالک وکافة العلماء: لا یلزم، وهو مکروه؛ لأنه من تعظیم ما لا یعظم، بل ظاهر کلام مالک أنه من نذر المعصیة) بل إن الإمام مالکًا رحمه الله یجعل نذر المباح من نذر المعصیة جاء فی الاستذکار ([189]) (قَالَ یَحْیَى: وسَمِعْتُ مَالِکًا یَقُولُ: " مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ یَعْصِیَ اللَّهَ فَلَا یَعْصِهِ، أَنْ یَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ یَمْشِیَ إِلَى الشَّامِ، أَوْ إِلَى مِصْرَ، أَوْ إِلَى الرَّبَذَةِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِکَ مِمَّا لَیْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ. إِنْ کَلَّمَ فُلَانًا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِکَ. فَلَیْسَ عَلَیْهِ فِی شَیْءٍ مِنْ ذَلِکَ شَیْءٌ، إِنْ هُوَ کَلَّمَهُ أَوْ حَنِثَ بِمَا حَلَفَ عَلَیْهِ، لِأَنَّهُ لَیْسَ لِلَّهِ فِی هَذِهِ الْأَشْیَاءِ طَاعَةٌ. وَإِنَّمَا یُوَفَّى لِلَّهِ بِمَا لَهُ فِیهِ طَاعَةٌ " ([190]) .
وجاء فی المنتقى ([191]) (قَدْ قَالَ مَالِکٌ مَعْنَى ذَلِکَ أَنْ یَنْذِرَ أَنْ یَمْشِیَ إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى مِصْرَ أَوْ إلَى الْمَدِینَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِکَ مِمَّا لَیْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ فَفَسَّرَ الْمَعْصِیَةَ بِمَعَانٍ لَیْسَتْ بِمَعَاصٍ فِی أَنْفُسِهَا وَإِنَّمَا هِیَ مُبَاحَةٌ لَکِنْ سَمَّاهَا مَعْصِیَةً لِأَنَّ نَذْرَهَا عِنْدَهُ مَعْصِیَةٌ أَوْ لِأَنَّ حُکْمَهَا إذَا عُلِّقَتْ بِالنَّذْرِ حُکْمُ الْمَعْصِیَةِ لِأَنَّهُ لَا یَصِحُّ أَنْ یَنْذِرَ کَمَا لَا یَصْلُحُ أَنْ تُنْذَرَ الْمَعْصِیَةُ) .
ویستدل على الکراهة من السنة والإجماع والمعقول :
من السنة :
- قوله صلى الله علیه وسلم: «من نذر أن یطیع الله فلیطعه» ([192])
- وقوله صلى الله علیه وسلم : «لا نذر إلا فیما یبتغى به وجه الله» ([193])
من الإجماع :
جاء فی تفسیر القرطبی(وَأَمَّا نَذْرُ المباح فلا یلزم بإجماع من الأمة) ([194])
من المعقول: یستدل من المعقول على الکراهة بأمور عدة منها :
الأول :أَنَّ هَذَا نَذْرُ مَا لَیْسَ بِقُرْبَةٍ فَلَمْ یَنْعَقِدْ نَذْرُهُ أَصْلُ ذَلِکَ إذَا نَذَرَ
مَعْصِیَةً . ([195])
الثانی: أَنَّ مَا لَا قُرْبَةَ فِیهِ لَا یَصِحُّ نَذْرُهُ لِأَنَّ النَّذْرَ یُوجِبُ فِعْلَ الْمَنْذُورِ فَإِذَا کَانَ الْمُبَاحُ لَا یَصِحُّ أَنْ یَجِبَ لَمْ یَصِحَّ تَعَلُّقُ النَّذْرِ بِهِ کَالْمَعْصِیَةِ. ([196])
الثالث:- لأنه قد عکس الشریعة لکونه أفرغ المباح والمکروه فی قالب الطاعة . ([197])
الرابع-: لأن فی هذا النذر تعظیم ما لم یعظمه الله ([198])
الرأی الثانی: وهو لابن جزی حیث یرى أن هذا النوع من النذر مباح جاء فی القوانین الفقهیة (مُبَاح فَیُبَاح الْوَفَاء بِهِ وَتَرکه وَلَیْسَ على من تَرکه شَیْء) ولم أجد فیما تیسر لی الاطلاع علیه دلیلا لهذا الرأی.
الراجح :
والذی یظهر لی هو الرأی الأول لقوة أدلته من السنة والإجماع والمعقول وعدم وجود دلیل للرأی الثانی.
الواجب فی هذا النذر :
ولا یلزم فی هذا النذر شیء بلا خلاف بین العلماء جاء فی مراتب
الإجماع ([199]) (اتَّفَقُوا أَن من نذر مَا لَا طَاعَة فِیهِ وَلَا مَعْصِیّة أَنه لَا شَیْء عَلَیْهِ) جاء فی الموطأ ([200]) : قَالَ مَالِکٌ: «وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِکَفَّارَةٍ. وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ أَنْ یُتِمَّ مَا کَانَ لِلَّهِ طَاعَةً، وَیَتْرُکَ مَا کَانَ لِلَّهِ مَعْصِیَةً»
وجاء فی المعونة(فأما المباح فلا یلزم لأن المقصود من النذر القربة والمباح لا قربة فیه).
جاء فی المنتقى(وَأَمَّا إذَا نَذَرَ أَمْرًا مُبَاحًا کَالْجُلُوسِ وَالْقِیَامِ وَالِاضْطِجَاعِ فَلَا یَلْزَمُهُ بِذَلِکَ شَیْءٌ) قال ابن بطال فی شرح البخاری ([201]) (قال مالک: وکذلک إذا نذر ما لیس لله بطاعة ولا معصیة کقوله: لله على أن أدخل الدار أو آکل أو أشرب، فلا شیء علیه أیضًا؛ لأنه لیس فی شیء من ذلک لله طاعة، استدلالا بحدیث أبى إسرائیل.)
ویستدل لذلک بما فی الموطأ ([202]) ، عَنْ مَالِکٍ، عَنْ حُمَیْدِ بْنِ قَیْسٍ وَثَوْرِ بْنِ زَیْدٍ الدِّیلِیِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحَدُهُمَا یَزِیدُ فِی الْحَدِیثِ عَلَى صَاحِبِهِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِی الشَّمْسِ فَقَالَ: «مَا بَالُ هَذَا؟» فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا یَتَکَلَّمَ، وَلَا یَسْتَظِلَّ مِنَ الشَّمْسِ، وَلَا یَجْلِسَ، وَیَصُومَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوهُ فَلْیَتَکَلَّمْ، وَلْیَسْتَظِلَّ، وَلْیَجْلِسْ وَلْیُتِمَّ صِیَامَهُ» .
ویتعلق بهذا النوع من النذر مسألة نذر المشی إلى مکة أو الکعبة :
وحکم هذا النذر هو اللزوم بلا خلاف جاء فی مراتب الإجماع (وَاتَّفَقُوا أَن من نذر مشیا إلى الْمَسْجِد الْحَرَام بِمَکَّة وَنوى حجا أَو عمْرَة ان کَانَ کَذَا وَکَذَا وَکَانَ ذَلِک الشَّیْء کَمَا قدمنَا سَوَاء أَن النهوض إلیه یلْزمه ان کَانَ الشَّیْء الَّذِی نذر فِیهِ ذَلِک ) . ([203])
والدلیل على ذلک :
ما أخرجه الإمام مَالِکٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی حَبِیبَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِرَجُلٍ، وَأَنَا حَدِیثُ السِّنِّ: مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ یَقُولَ عَلَیَّ مَشْیٌ إِلَى بَیْتِ اللَّهِ، وَلَمْ یَقُلْ عَلَیَّ نَذْرُ مَشْیٍ. فَقَالَ لِی رَجُلٌ: هَلْ لَکَ أَنْ أُعْطِیَکَ هَذَا الْجِرْوَ - لِجِرْوِ - قِثَّاءٍ فِی یَدِهِ، وَتَقُولُ: عَلَیَّ مَشْیٌ إِلَى بَیْتِ اللَّهِ؟ قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقُلْتُهُ وَأَنَا یَوْمَئِذٍ حَدِیثُ السِّنِّ. ثُمَّ مَکَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ. فَقِیلَ لِی: إِنَّ عَلَیْکَ مَشْیًا. فَجِئْتُ سَعِیدَ بْنَ الْمُسَیِّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِکَ؟ فَقَالَ لِی: «عَلَیْکَ مَشْیٌ» فَمَشَیْتُ قَالَ مَالِکٌ «وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا» ([204])
وإذا عجز عن المشی فالحکم أنه یمشی ما استطاع أن یمشیه ویرکب
لما لا یستطیع ثم یقضی ما عجز عنه بالمشی من المکان الذی عجز فیه ویهدی هدیا .
ویستدل على ذلک بما فی الموطأ عن مَالِکٍ- رحمه الله -، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَیْنَةَ اللَّیْثِیِّ، أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ جَدَّةٍ لِی عَلَیْهَا مَشْیٌ إِلَى بَیْتِ اللَّهِ. حَتَّى إِذَا کُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِیقِ عَجَزَتْ. فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا یَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَخَرَجْتُ مَعَهُ. فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «مُرْهَا فَلْتَرْکَبْ ثُمَّ لْتَمْشِ مِنْ حَیْثُ عَجَزَتْ» قَالَ یَحْیَى: وسَمِعْتُ مَالِکًا یَقُولُ: «وَنَرَى عَلَیْهَا مَعَ ذَلِکَ الْهَدْیَ، وَحَدَّثَنِی عَنْ مَالِکٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِیدَ بْنَ الْمُسَیِّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ کَانَا یَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ» ([205])
وکذلک ما فی الموطأ عَنْ مَالِک ([206]) عَنْ یَحْیَى بْنِ سَعِیدٍ، أَنَّهُ قَالَ: کَانَ عَلَیَّ مَشْیٌ فَأَصَابَتْنِی خَاصِرَةٌ، فَرَکِبْتُ حَتَّى أَتَیْتُ مَکَّةَ. فَسَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِی رَبَاحٍ وَغَیْرَهُ فَقَالُوا: «عَلَیْکَ هَدْیٌ». فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِینَةَ سَأَلْتُ عُلَمَاءَهَا «فَأَمَرُونِی أَنْ أَمْشِیَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ حَیْثُ عَجَزْتُ، فَمَشَیْتُ» قَالَ یَحْیَى: وسَمِعْتُ مَالِکًا یَقُولُ: «فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِیمَنْ یَقُولُ عَلَیَّ مَشْیٌ إِلَى بَیْتِ اللَّهِ أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ رَکِبَ. ثُمَّ عَادَ فَمَشَى مِنْ حَیْثُ عَجَزَ. فَإِنْ کَانَ لَا یَسْتَطِیعُ الْمَشْیَ فَلْیَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَیْهِ، ثُمَّ لْیَرْکَبْ. وَعَلَیْهِ هَدْیُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ، إِنْ لَمْ یَجِدْ إِلَّا هِیَ» وَسُئِلَ مالکٌ عَنِ الرَّجُلِ یَقُولُ لِلرَّجُلِ أَنَا أَحْمِلُکَ إِلَى بَیْتِ اللَّهِ. فَقَالَ مَالِکٌ: " إِنْ نَوَى أَنْ یَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، یُرِیدُ بِذَلِکَ الْمَشَقَّةَ، وَتَعَبَ نَفْسِهِ، فَلَیْسَ ذَلِکَ عَلَیْهِ. وَلْیَمْشِ عَلَى رِجْلَیْهِ. وَلْیُهْدِ. وَإِنْ لَمْ یَکُنْ نَوَى شَیْئًا، فَلْیَحْجُجْ وَلْیَرْکَبْ، وَلْیَحْجُجْ بِذَلِکَ الرَّجُلِ مَعَهُ. وَذَلِکَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَحْمِلُکَ إِلَى بَیْتِ اللَّهِ. فَإِنْ أَبَى أَنْ یَحُجَّ مَعَهُ فَلَیْسَ عَلَیْهِ شَیْءٌ. وَقَدْ قَضَى مَا عَلَیْهِ " قَالَ یَحْیَى: سُئِلَ مَالِکٌ عَنِ الرَّجُلِ یَحْلِفُ بِنُذُورٍ مُسَمَّاةٍ مَشْیًا إِلَى بَیْتِ اللَّهِ، أَنْ لَا یُکَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ بِکَذَا وَکَذَا، نَذْرًا لِشَیْءٍ لَا یَقْوَى عَلَیْهِ. وَلَوْ تَکَلَّفَ ذَلِکَ کُلَّ عَامٍ لَعُرِفَ أَنَّهُ لَا یَبْلُغُ عُمْرُهُ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِکَ فَقِیلَ لَهُ: هَلْ یُجْزِیهِ مِنْ ذَلِکَ نَذْرٌ وَاحِدٌ أَوْ نُذُورٌ مُسَمَّاةٌ؟ فَقَالَ مَالِکٌ: «مَا أَعْلَمُهُ یُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِکَ إِلَّا الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ. فَلْیَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَیْهِ مِنَ الزَّمَانِ. وَلْیَتَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْخَیْرِ»
ویمشی فی ذلک حتى ینتهی من المناسک کلها
ویدل على ذلک ما قاله الإمام مَالِکٍ » ([207]) أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ ... وَأَنَّهُ إِنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مَشْیًا فِی الْحَجِّ، فَإِنَّهُ یَمْشِی حَتَّى یَأْتِیَ مَکَّةَ. ثُمَّ یَمْشِی حَتَّى یَفْرُغَ مِنَ الْمَنَاسِکِ کُلِّهَا. وَلَا یَزَالُ مَاشِیًا حَتَّى یُفِیضَ " قَالَ مَالِکٌ: «وَلَا یَکُونُ مَشْیٌ إِلَّا فِی حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ».
وَاخْتَلَفُوا إِذَا عَجَزَ فِی بَعْضِ الطَّرِیقِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا شَیْءَ عَلَیْهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: عَلَیْهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِی مَاذَا عَلَیْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
فمذَهَبَ أَهْلُ الْمَدِینَةِ إِلَى أَنَّ عَلَیْهِ أَنْ یَمْشِیَ مَرَّةَ أُخْرَى مِنْ حَیْثُ عَجَزَ، وَإِنْ شَاءَ رَکِبَ وَأَجْزَأَهُ وَعَلَیْهِ دَمٌ، وَهَذَا مَرْوِیٌّ عَنْ عَلِیٍّ.
مذهب َ أَهْلُ مَکَّةَ: عَلَیْهِ هَدْیٌ دُونَ إِعَادَةِ مَشْیٍ.
وَمذهب َالإَمام مَالِکٌ: عَلَیْهِ الْأَمْرَانِ جَمِیعًا یَعْنِی: أَنَّهُ یَرْجِعُ فَیَمْشِی مِنْ حَیْثُ وَجَبَ وَعَلَیْهِ هَدْیٌ، وَالْهَدْیُ عِنْدَهُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ إِنْ لَمْ یَجِدْ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُنَازَعَةُ الْأُصُولِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُخَالَفَةُ الْأَثَرِ لَهَا. وَذَلِکَ أَنَّ مَنْ شَبَّهَ الْعَاجِزَ إِذَا مَشَى مَرَّةً ثَانِیَةً الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْقَارِنَ فَعَلَ مَا کَانَ عَلَیْهِ فِی سَفَرَیْنِ فِی سَفَرٍ وَاحِدٍ ; وَهَذَا فَعَلَ مَا کَانَ عَلَیْهِ فِی سَفَرٍ وَاحِدٍ فِی سَفَرَیْنِ قَالَ: یَجِبُ عَلَیْهِ هَدْیُ الْقَارِنِ أَوِ الْمُتَمَتِّعِ.
وَمَنْ شَبَّهَهُ بِسَائِرِ الْأَفْعَالِ الَّتِی تَنُوبُ عَنْهَا فِی الْحَجِّ إِرَاقَةُ الدَّمِ قَالَ: فِیهِ دَمٌ وَمَنْ أَخَذَ بِالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِی هَذَا الْبَابِ قَالَ: إِذَا عَجَزَ فَلَا شَیْءَ عَلَیْهِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالسُّنَنُ الْوَارِدَةُ الثَّابِتَةُ فِی هَذَا الْبَابِ دَلِیلٌ عَلَى طَرْحِ الْمَشَقَّةِ، وَهُوَ کَمَا قَالَ:
وَأَحَدُهَا: حَدِیثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِیِّ قَالَ: «نَذَرَتْ أُخْتِی أَنْ تَمْشِیَ
إِلَى بَیْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَمَرَتْنِی أَنْ أَسْتَفْتِیَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ -، فَاسْتَفْتَیْتُ لَهَا النَّبِیَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " لِتَمْشِ وَلِتَرْکَبْ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.
وَحَدِیثُ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَیْخًا یُهَادَى بَیْنَ ابْنَیْهِ، فَقَالَ: «مَا بَالُ هَذَا؟» قَالُوا: نَذَرَ أَنْ یَمْشِیَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِیبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِیٌّ»، وَأَمَرَهُ أَنْ یَرْکَبَ . ([208])
القسم السابع :نذر المکروه:
تعریفه :
أن ینذر المکلف فعل شیء مما یکره فی الشرع کنَذْرِ صَلَاةِ رَکْعَتَیْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
حکمه :
قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ ([209]) : أَنَّ نَذْرَ الْمَکْرُوهِ لَا یَلْزَمُ الوفاء به والحکمة فی عدم لزومه لِئَلَّا یَتَطَرَّقَ النَّاذِرُ إلى فعل المکروه فیکون النذر ذریعة إلى فعله . ([210])
وکذلک من الحکمة فی عدم لزومه أن الناذر للمکروه عکس الشریعة لکونه أفرغ المکروه فی قالب الطاعة ([211])
لکن اختلف المالکیة فی حکم الإقدام على نذره على رأیین :
الرأی الأول ([212]) :
ویرى أن نذر المکروه حرام کنذر الحرام .
وهو رأی الأکثر ([213]) وهو ظاهر الموطأ ([214]) جاء فی شرخ الخرشی (أَنَّ نَذْرَ الْمَکْرُوهِ وَالْمُبَاحِ حَرَامٌ) ([215])
وجاء فی الشرح الکبیر للدردیر بالدسوقی ([216]) (وَنَذْرُ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، وَکَذَا الْمَکْرُوهُ وَالْمُبَاحُ عَلَى قَوْلِ الْأَکْثَرِ ) .
الرأی الثانی :
أن المکروه تابع لحکمه أی مکروه وهو رأی ابن رشد فی المقدمات ([217])
الراجح :
والذی یظهر لی هو الرأی الثانی لأن الشیء لا یجوز تحریمه إلا بدلیل قطعی من القرآن أو السنة .
نذر المحرم :
وإذا کان نذر المکروه لا یجوز ولا یلزم الوفاء به قلا یجوز نذر المحرم ولا یلزم الوفاء به من باب أولى قَالَ الْمَازِرِیُّ:( ذَهَبَ مَالِکٌ إِلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ أَحَدِ الْعِیدَیْنِ لَا یَنْعَقِدُ وَلَا یَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ). ([218])
أو مَنْ نَذَرَ أَنْ یَنْحَرَ ابْنَهُ فِی مَقَامِ إِبْرَاهِیمَ، فَقَالَ مَالِکٌ: یَنْحَرُ جَزُورًا
فِدَاءً لَهُ . ([219])
القسم الثامن : نذر اللجاج أو الغضب:
تعریفه :
اختلف الرأی فی تعریف نذر اللجاج والغضب هل هما بمعنى واحد أو لکل واحد منهما معنى على رأیین:
الرأی الأول ([220]) : أنهما بمعنى واحد وهُوَ أَنْ یَقْصِدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ شَیْءٍ وَمُعَاقَبَتَهَا نَحْوُ لِلَّهِ عَلَیَّ کَذَا إنْ کَلَّمْت زَیْدًاأو یَقُولُ: إنْ کَلَّمْتُ زَیْدًا فَعَلَیَّ حَجَّةٌ فَیُکَلِّمُهُ ([221])
الرأی الثانی : یرى أن لکل واحد منهما معنى فنَذْرُ اللَّجَاجِ مَا یَحْصُلُ لِأَجْلِ قَطْعِ لِجَاجِ نَفْسِهِ والْغَضْبَانَ مَا کَانَ نَذْرُهُ مِنْ أَجْلِ غَضَبِهِ مِنْ غَیْرِهِ . ([222])
الراجح : والذی یظهر لى هو الرأی الاول ویقوی هذا أن الاختلاف فی المعنى لا یؤدی إلى اختلاف فی الواجب فیهما جاء فی منح الجلیل(وَمِثْلُ نَذْرِ الْغَضْبَانِ فِی الْوُجُوبِ نَذْرُ اللَّجَاجِ ) ([223])
حکمه:
یکره الإقدام علی نذر اللجاج والغضب قال الشیخ خلیل فی المختصر: (وَقَدْ ذَکَرَ ح مَا یُفِیدُ کَرَاهَةَ نَذْرِ اللَّجَاجِ) ([224]) لکنه یلزم الوفاء به جاء فی المنتقى ([225]) (وَیَلْزَمُ النَّذْرُ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ )
وَالدَّلِیلُ عَلَى لزوم الوفاء به من القرآن والسنة والأثر والقیاس :
من القرآن :
قَوْله تَعَالَى { یا أیها الذین آمنوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ([226]) وَالْوَفَاءُ بِهَا أَنْ یَأْتِیَ بِهَا عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهَا
من السنة :
-قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ یُطِیعَ اللَّهَ فَلْیُطِعْهُ» ([227])
من الأثر ([228]) :
ما روی عن عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ الزُّبَیْرِ، قَالَ فِى بَیْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ : وَاللَّهِ لَتَنْتَهِیَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لأحْجُرَنَّ عَلَیْهَا، فَقَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا نَعَمْ، قَالَتْ : هُوَ لِلَّهِ عَلَى نَذْرٌ أَنْ لا أُکَلِّمَ ابْنَ الزُّبَیْرِ أَبَدًا، فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَیْرِ إِلَیْهَا حِینَ طَالَتِ الْهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لا، وَاللَّهِ لا أُشَفِّعُ فِیهِ أَبَدًا، وَلا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِى، فَلَمَّا طَالَ ذَلِکَ عَلَى ابْنِ الزُّبَیْرِ کَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ یَغُوثَ - وَهُمَا مِنْ بَنِى زُهْرَةَ - وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُکُمَا بِاللَّهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِىی عَلَى عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا لا یَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قَطِیعَتِی، فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَیْنِ بِأَرْدِیَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالا: السَّلامُ عَلَیْکِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَکَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا، قَالُوا: کُلُّنَا؟ قَالَتْ: نَعَم، ادْخُلُوا کُلُّکُمْ، وَلا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَیْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَیْرِ الْحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ، وَطَفِقَ یُنَاشِدُهَا وَیَبْکِى، وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ یُنَاشِدَانِهَا إِلا مَا کَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ، وَیَقُولانِ إِنَّ النَّبِی (صلى الله علیه وسلم) نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ لا یَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ یَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَیَالٍ، فَلَمَّا أَکْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْکِرَةِ وَالتَّحْرِیجِ، طَفِقَتْ تُذَکِّرُهُمَا نَذْرَهَا، وَتَبْکِى وَتَقُولُ: إِنِّی نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِیدٌ، فَلَمْ یَزَالا بِهَا حَتَّى کَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَیْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِى نَذْرِهَا ذَلِکَ أَرْبَعِینَ رَقَبَةً، وَکَانَتْ تَذْکُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِکَ فَتَبْکِى حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا)
من القیاس :
أَنَّ هَذِهِ حَالٌ یَلْزَمُ فِیهَا الْوَفَاءُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَزِمَ فِیهَا الْوَفَاءُ بِسَائِرِ الْقُرْبِ کَحَالِ الرِّضَى.
الواجب فی هذا النذر:
اختلف فقهاء المالکیة فی الواجب فی نذر اللجاج هل الواجب فیه کفارة الیمین أم التزام ما نذره على ثلاثة آراء :
وسبب الخلاف فی ذلک :
مُعَارَضَةُ مَفْهُومِ النَّظَرِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضَاتَ أَزْوَاجِکَ} ([229]) وَذَلِکَ أَنَّ النَّذْرَ لَیْسَ هُوَ اعْتِقَادُ خِلَافِ الْحُکْمِ الشَّرْعِیِّ مِنْ تَحْرِیمِ مُحَلَّلٍ أَوْ تَحْلِیلِ مُحَرَّمٍ، وَذَلِکَ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِی هَذَا إِنَّمَا هُوَ لِلشَّارِعِ، فَوَجَبَ أَنْ یَکُونَ لِمَکَانِ هَذَا الْمَفْهُومُ أَنَّ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَیْئًا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ بِالشَّرْعِ أَنَّهُ لَا یَلْزَمُهُ، کَمَا لَا یَلْزَمُ إِنْ نَذَرَ تَحْلِیلَ شَیْءٍ حَرَّمَهُ الشَّرْعُ.
وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَکُمْ تَحِلَّةَ أَیْمَانِکُمْ} ([230]) أَثَرُ الْعَتَبِ عَلَى التَّحْرِیمِ یُوجِبُ أَنْ تَکُونَ الْکَفَّارَةُ تَحُلُّ هَذَا الْعَقْدَ، وَإِذَا کَانَ ذَلِکَ کَذَلِکَ فَهُوَ
غَیْرُ لَازِمٍ ([231]) .
الرأی الأول : یَرَى أَنَّهُ مِنْ النَّذْرِ وهو رأی الإمام مالک –رحمه الله- کما یفهم مما افتى به ابن القاسم ولده عبد الصمد وهو رأی ابن رشد وَالشیخ خلیل ولذا یلتزم بفعل ما نذره ([232])
جاء فی حاشیة الصاوی ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَدَهُ عَبْدَ الصَّمَدِ بِهَذَا الْقَوْلِ وَکَانَ حَلَفَ بِالْمَشْیِ إلَى مَکَّةَ، فَحَنِثَ وَقَالَ لَهُ: إنِّی أَفْتَیْتُک بِقَوْلِ اللَّیْثِ، فَإِنْ عُدْت لَمْ أُفْتِک إلَّا بِقَوْلِ مَالِکٍ ) ([233]) ، وکلام ابن القاسم یدل على أن اللازم فی نذر اللجاج عند الإمام مالک رحمه الله هو النذر ولیس کفارة الیمین.
الرأی الثانی : وهو یرى أنه مِنْ أَقْسَامِ الْیَمِینِ عِنْدَ ابن القاسم واللیث
ابن سعد ([234]) وابْنِ عَرَفَةَ ولذا یجب فیه کفارة الیمین جاء فی مختصر ابن عرفة (عن ابن بشیر([235]) : للأشیاخ عن ابن القاسم فی نذر اللجاج والغضب کفارة یمین ابن رُشد: نذر الغضب لازم اتفاقًا کیمینه ([236]) ، جاء فی حاشیة الصاوی([237]) ، (وَهَذَا مِنْ أَقْسَامِ الْیَمِینِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ، وَعَلَى کُلِّ حَالٍ یَلْزَمُهُ مَا لَزِمَهُ، فَالْحَلِفُ لَفْظِیٌّ خِلَافًا لِلَّیْثِ وَجَمَاعَةِ الْقَائِلِینَ إنَّ فِیهِ وَفِی اللَّجَاجِ کَفَّارَةَ یَمِینٍ )
الرأی الثالث : هو بالخیار بین کفارة الیمن أو التزام فعل ما نذره جاء فی التاج والاکلیل ([238]) : (حَمَلَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ -: «کَفَّارَةُ النَّذْرِ کَفَّارَةُ الْیَمِینِ» عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ کَمَا یَقُولُ: إنْ کَلَّمْتُ زَیْدًا فَعَلَیَّ حَجَّةٌ فَیُکَلِّمُهُ، فَهُوَ بِالْخِیَارِ بَیْنَ کَفَّارَةِ یَمِینٍ وَبَیْنَ مَا الْتَزَمَهُ. هَذَا هُوَ الصَّحِیحُ فِی مَذْهَبِنَا).
الراجح :- والذی یظهر لی هو الرأی الأول لأنه رأی الإمام مالک وهو ما أخبر به ابن القاسم ابنه أنه رأی الإمام مالک وأنه سیفتیه به مما یدل على ترجیحه له ولأن الأصل فی النذر هو التزام ما نذره المکلف على نفسه لا غیره
الخاتمة نسأل الله حسنها
أهم نتائج البحث :
بعد عرض الموضوع بهذا التفصیل أستطیع – بفضل الله تعالى – استخلاص أهم نتائج البحث کالتالی :
- أن النذر قدیم قدم البشریة على وجه الأرض متمثلا فیما کان یقوم به الإنسان الأول من قرابین کما قص القرآن الکریم ذلک عن ابنی آدم وقد عرف النذر فی عهد إبراهیم الخلیل ویعقوب علیهما السلام وکان معروفا عند الیهود والنصارى کذلک عرفه العرب فی الجاهلیة قبل الإسلام وکان عندهم مختلطا بأمور شرکیة ومن أشهر ما عرف من نذور العرب فی الجاهلیة هو نذر عبد المطلب بن هاشم جد النبی ـ صلى الله علیه وسلم ـ ونذر أبی سفیان فلما جاء الإسلام خلص النذر من هذه الأمور الشرکیة .
- النذر فی اللغة یطلق على عدة معان منها الإیجاب والإبلاغ والإعلام والعلم وما یجب فی الجراحات .
- تعددت الآراء فی تعریف النذر فی اصطلاح المالکیة فعرفه بعضهم بالإیجاب والالتزام وعرفه البعض الآ خر بأنه الوعد على شرط وتبین أن هناک مناسبة بین المعنى اللغوی والمعنى الاصطلاحی للنذر فقد استعمل الفقهاء النذر بأحد المعانی المعروف بها فی اللغة .
- أرکان النذر عند فقهاء المالکیة ثلاثة هی :
الناذر وهو المکلف البالغ العاقل وقد اختلف الفقهاء فی نذر الکافر وانبنى خلافهم على الخلاف الأصولی فی "هل الکفار مخاطبون بفروع الشریعة ؟ وتبین أن الخلاف لفظی لا أثر له فی أحکام الدنیا لأن الکافر سواء أصح نذره حال الکفر أم لم یصح لایقبل منه إلا بالإسلام کما یتعلق بهذا الرکن وفاء النذر عن المیت وتبین أن قضاء النذر عن المیت لیس على الوجوب مالم یوصی به
المنذور وهو على ثلاثة أنواع أصول العبادات – والقربات التی حث علیها الشارع – والمباحات کالأکل والشرب وغیرهما
الصیغة و قد تکون باللفظ أو النیة أوهما معا وتبین أن النذر یلزم بالنیة أیضا .
- وفی حکم النذر تبین أن حکم النذر باعتبار المنذور إلیه على قسمین
الأول ما نذر لغیر الله تعالى وهو باطل لا یقره الشرع وهو معصیة یجب التوبة منها.
الثانی ما نذر لله تعالى وله جانبان فی حکمه
الحکم الأول وهو حکم النذر ابتداء أو الحکم الأصلی للنذر وتبین أنه الکراهة عند أکثر فقهاء المالکیة .
الحکم الثانی وهو حکم النذر بعد انعقاده وهو یختلف باختلاف أقسام
النذر .
- تکلم فقهاء المالکیة عن أقسام ثمانیة للنذر وتکلموا عن حکم کل قسم .
- القسم الأول وهو النذر المطلق وقد اختلف علماء المالکیة فی الإقدام علیه و انعقاده على رأیین الندب والإباحة وقد ترجح الندب و لم یختلفوا فی لزومه لکنهم اختلفوا فی الواجب فیه على ثلاثة آراء الأول أن فیه کفارة یمین الثانی أن فیه کفارة ظهار الثالث یجب فیه أقل ما یطلق علیه الاسم من القرب وقد ترجح أنه یجب فیه کفارة یمین.
- القسم الثانی النذر المعلق ولا خلاف بین فقهاء المالکیة أنه لا یجب فیه شیء حتى یوجد الأمر المعلق علیه لکنهم اختلفوا فی حکم الإقدام علیه على ثلاثة آراء الأول الکراهة والثانی الإباحة والثالث التردد بین الکراهة والإباحة وقد ترجحت الکراهة لما فی هذا النذر من معنى المعاوضة فی معاملة المکلف
لله تعالى .
- القسم الثالث نذر الطاعة وهو مکروه بلا خلاف عند فقهاء المالکیة ومع ذلک یلزم الوفاء به .
- القسم الرابع نذر المعصیة ولا خلاف بین فقهاء المالکیة أنه یحرم الوفاء به لکن اختلفوا فی الواجب فی هذا النذر على ثلاثة آراء الأول لا شیء فیه الثانی فیه کفارة یمین الثالث یجب أن یفعل الناذر قربة من جنس المعصیة وقد ترجح الرأی الأول لأن الأصل براءة الذمة
- القسم الخامس وهو نذر المجهول وهو منعقد وفیه کفارة یمین بلا خلاف لکنهم اختلفوا فی نوع الکفارة على رأیین الأول أنها کفارة یمین الثانی أنها کفارة مغلظة وقد ترجح الرأی الأول أنها کفارة یمین لأن التغلیظ عقوبة ولا بد فیها من نص .
- القسم السادس وهو نذر المباح وقد اختلف فی حکمه على رأیین الأول وهو لأکثر الفقهاء وهو الکراهة الثانی الإباحة وقد ترجح الرأی القائل بالکراهة ولا یجب فیه شیء بلا خلاف عدا نذر المشی إلى مکة وحکم هذا النذر عند المالکیة هو اللزوم لکنهم اختلفوا فی حکم العجز عن تکملة المشی على رأیین .
- القسم السابع نذر المکروه ولا یلزم به شیء على قاعدة المذهب وفی القدوم علیه رأیان الأول أنه مکروه والثانی أنه حرام وترجح الرأی الأول وهو الکراهة لأن التحریم یحتاج إلى دلیل قاطع .
- القسم الثامن وهو نذر اللجاج أو الغضب وقد اختلف الفقهاء فی هل هما بمعنى واحد أو لکل واحد منهما معنى على رأیین وقد ترجح أنهما بمعنى واحد بدلیل أن الواجب فیهما واحد ومع هذا الاختلاف فی المعنى إلا أنهما لم یختلفوا فی أن الواجب فیهما واحد واختلفوا فی نوع هذا الواجب على ثلاثة آراء الأول أنه نذر یلتزم فیه الناذر بما نذره الثانی أنه من أقسام الیمین وفیه کفارة یمین الثالث أن الناذر بالخیار بین کفارة الیمین أو الالتزام بفعل ما نذره وقد ترجح الرأی الأول وهو أنه نذر یلتزم فیه الناذر بما نذره .
ختامًـا : إن أصبت فی هذا الجهد فمن الله تعالى ، وإن أخطأت فمن نفسی و من الشیطان.
والله المستعان وعلیه التکلان وصلى الله على سیدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
کتبه العبد الفقیر الى مولاه أبو أحمد صفوت بن أحمد بن محمد الحفناوی
القریات – السعودیة –فی 30 ربیع الآخر سنة 1440 هـ
B
([2]) أخرجه الإمام مالک فی الموطأ فی کتاب النذور والأیمان باب ما لا یجوز من النذور فی معصیة الله تعالى الموطأ بتحقیق محمد فؤاد عبد الباقی 2/476والبخاری فی کتاب الأیمان والنذور باب النذر فی الطاعة 8/142
([5]) حاجة البشر إلى الدین مقال لولید نور موقع إسلام ویب فی 5/5/2014، بحث فی النذور وأحکامها للشیخ عبد الرحمن قراعة ص17وانظر نفس المعنی فی مقال للدکتور خالد محمد رشاد بعنوان الحاجة إلى الدین منشور بموقع مؤسسة مقبول للتنمیة فی 24/10/2009
([8]) تفسیر مقاتل بن سلیمان ج1/ص469 وانظر القصة فی جامع البیان للطبری ج10/ص206 ،تفسیر عبد الرزاق ج2/ص14تفسیر الماتریدی ج3/ص496،تفسیر السمرقندی ج1/ص284،تفسیر القران العزیز لابن زمنین ج2/ص22 ،تفسیر الماوردی ج2/ص28 ،تفسیر الاصفهانی ج4/ص323 ، تفسیر البغوی ج2/ص39 ،تفسیر ابن عطیة ج2/ص178 ،زاد المسیر لابن الجوزی ج1/ص536 ،تفسیر الرازی ج11/ص337 ، تفسیر القرطبی ج6 /ص123
([12]) تفسیر مقاتل بن سلیمان ج1/ص290 تفسیر الطبری ج5/ص579 ،تفسیر ابن المنذر ج1/ص289 وتفسیر ابن أبی حاتم ج3/ ص704
([17]) هو أبو جعفر محمد بن جریر بن یزید بن خالد، الطبری، وقیل یزید بن کثیر ابن غالب، صاحب التفسیر الکبیر والتاریخ الشهیر، کان إماما فی فنون کثیرة منها التفسیر والحدیث والفقه والتاریخ وغیر ذلک، وله مصنفات ملیحة فی فنون عدیدة تدل على سعة علمه وغزارة فضله، وکان من الأئمة المجتهدین، لم یقلد أحدا، وکانت ولادته سنة أربع وعشرین ومائتین، بآمل طبرستانوتوفی یوم السبت آخر النهار، ودفن یوم الأحد فی داره، فی السادس والعشرین من شوال سنة عشر وثلاثمائة ببغداد انظر وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان لابن خلکان 4/192
([20]) مقاتل بن سلیمان بن بشر، أبو الحسن البلخی قدم بغداد وحدث بها عن عطیة العوفی، وسعید المقبری، والضحاک بن مزاحم، وعمرو بن شعیب، وغیرهم. روى عنه شبابة بن سوار، وحمزة بن زیاد الطوسی، وحمّاد بن محمّد الفزاریّ، أبو الجنید الضریر، وعلی بن الجعد، فی آخرین. وکان له معرفة بتفسیر القرآن، ولم یکن فی الحدیث بذاک. مات فی سنة خمسین ومائة. تاریخ بغداد 13/170
([22]) إسماعیل بن عبد الرحمن السدی الأعور مولى زینب بنت قیس ابن مخرمة أصله حجازی یعد فی الکوفیین روى عن أنس بن مالک وعبد خیر سمعت أبی وأبا زرعة یقولان ذلک سمعت أبی یقول روى عن السدی سماک بن حرب وإسماعیل بن أبی خالد وعیسى بن عمر الهمدانی وسلیمان التیمی وعثمان بن ثابت ومالک بن مغول وسفیان الثوری وشعبة وزائدة وزید بن أبی أنیسة وزیاد بن خیثمة وأبو اسرائیل الملائی واسراءیل بن یونس وحسن وعلى ابنا صالح وشریک [بن عبد الله - 2] وأبو عوانة وأبو الأحوص وأبو بکر ابن عیاش. الجرح والتعدیل لابن المنذر التمیمی، الحنظلی، الرازی ابن أبی حاتم 2/184
([26]) عَدِیُّ بْنُ حَاتِمِ الْجَوَادُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْحَشْرَجِ بْنِ امْرِئِ الْقَیْسِ بْنِ عَدِیِّ بْنِ أَخْزَمَ بْنِ أَبِی أَخْزَمَ بْنِ رَبِیعَةَ بْنِ جَرْوَلِ بْنِ ثُعَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بْنِ طَیِّئٍ، وَأُمُّهُ: النَّوَارُ بِنْتُ ثُرْمُلَةَ بْنِ تَرْعُلَ بْنِ جُشَمِ بْنِ أَبِی حَارِثَةَ بْنِ جُدَیِّ بْنِ تَدُولَ بْنِ بُجْنِزِ بْنِ عَتُودِ بْنِ عَنِینِ بْنِ سَلَامَانَ بْنِ ثُعَلٍ، وَکَانَ حَاتِمُ طَیِّئٍ مِنْ أَجْوَدِ الْعَرَبِ، وَیُکْنَى أَبَا سَفَّانَةَ بِابْنَتِهِ، وَکَانَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ یُکْنَى أَبَا طَرِیفٍ، وَکَانَ لِعَدِیِّ بْنِ حَاتِمٍ إِخْوَةٌ مِنْ أُمِّهِ أَشْرَافٌ یُقَالُ لَهُمْ: لَامٌ، وَحُلَیْسٌ، وَمِلْحَانُ، وَفُسْقُسُ، الطبقات الکبرى لابن سعد 1/641
([27]) أخرجه الترمذی فی أبواب تفسیر القرآن فی باب ومن سورة التوبة وقال :( هَذَا حَدِیثٌ غَرِیبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِیثِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ، وَغُطَیْفُ بْنُ أَعْیَنَ لَیْسَ بِمَعْرُوفٍ فِی الحَدِیثِ) سنن الترمذی برقم 3095 5/129
([29])عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ ْنِ حَبِیبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ویکنى أَبَا السائب وأمه سخیلة بِنْت العنبس بْن وهبان بْن وهب بن حذافة بن جمح. وکان لعثمان من الولد عَبْد الرَّحْمَن والسائب وأمهما خَوْلَةُ بِنْت حَکِیمِ بْن أُمَیَّةَ بْن حَارِثَةَ بْن الأوقص السلمیة وَهَاجَرَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْهِجْرَتَیْنِ جَمِیعًا شَهِدَ بَدْرًا وَمَاتَ فِی شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَلاثِینَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ الطبقات الکبرى لابن سعد 3/300وما بعدها
([37]) الطّرمّاح بن حکیم، من طییء، ویکنى أبا نفر. وکان جدّه قیسن ابن جحدر أسره ملک من ملوک جفنة، فدخل علیه حاتم طییء، فاستوهبه وهو من الخطباء الشعراء:. وکان الطرماح قحطانیا عصبیا خارجیا من الصفریة یتعصب لأهل الشام انظر الشعر والشعراء 2/570 والبیان والتبیین 1/60
([38]) انظر فی ذلک کتاب العین 2/65وتهذیب اللغة 2/156 والمحکم والمحیط الأعظم 2/42ولسان العرب 4/537وتاج العروس 12/523
([44]) السیرة النبویة لابن هشام ج1/ص151 ،دلائل النبوة للبیهقی ج1/ص98 ،الروض الأنف للسلامی ج2/ص84 ،السیرة النبویة لابن کثیر ج1/ص174 ،تاریخ الخمیس ج1/ص182، البدایة والنهایة لابن کثیر ج2/ص248
([48]) نُتَیْلَةُ بِنْتُ جَنَابِ بْنِ کُلَیْبِ بْنِ مَالِکِ بْنِ عَمْرو بْنِ زَیْدِ مَنَاةَ بْنِ عَامِرٍ. وَهُوَ الضِّحْیَانُ بْنُ سَعْدِ ابْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ تَیْمِ اللَّهِ بْنِ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمِیِّ بْنِ جَدِیلَةَ بْنِ أَسَدِ ابْنِ رَبِیعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.الطبقات الکبرى لابن سعد 1/57
([50]) القعدد: القریب من الجد الأکبر وهو أملک القرابة فی النسب. والمیراث بالقعدد: هو أقرب القرابة إلى المیت وفلان أقعد من فلان أی أقرب منه إلى جده الأکبر. انظر اللسان: 3/362 مادة، قعد
([51]) کِرِبِ بْنِ صَفْوَانَ هو آخر من کان یجیز الناس بالحج من عرفة من بنی سعد بن زید مناة ابن تمیم کر4 بن صفوان بن الحارث شجنة, وشجنة بن دلف بن جشم بن قیس بن سعد ابن عجل بن لجیم، أمه وأم أخیه عبد العزى حبیبة بنت الحارث بن الرطیل بن أسامة بن ضبیعة بن عجل، بها یعرفون الطبقات الکبرى لابن سعد 5/46
([53]) لسان العرب لابن منظور ج5/ص200 العین للخلیل بن أحمد الفراهیدی ج8/ص180 ، معجم مقاییس اللغة لابن فارس ج5/ص404 المخصص لابن سیده ج4/ص 58 تهذیب اللغة للهروی ج14 /ص202 کتاب الأفعال لابن القطاع الصقلیج3/ص229 شمس العلوم للحمیری ج10 /ص655 تاج العروس للزبیدی ج14 /ص197 المعجم الوسیط لمجمع اللغة العربیة بالقاهرة ج2 /ص912
[56])) معجم مقاییس اللغة لابن فارس ج5/ص404 المحکم والمحیط الاعظم لابن سیده ج1/ص308 مختار الصحاح للرازی ج1 ص308 لسان العرب لابن منظور ج5/ص200 کتاب الافعال لابن القطاع الصقلی ج3 /ص229
[59])) معجم مقاییس اللغة لابن فارس ج5/ص404
([61]) لسان العرب لابن منظور ج5/ص المحکم والمحیط الأعظم لابن سیده ج1/ص308 200 کتاب الأفعال لابن القطاع الصقلی ج3 /ص229، مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضی عیاض ج2 /ص8 شمس العلوم للحمیری ج10 /ص655
[62])) شمس العلوم للحمیری ج10 /ص655
[63])) الزاهر فی غریب الفاظ الشافعی للهروی ج1/ص241 تهذیب اللغة للهروی ج14/ص202
[64])) هو أ بو عمر یوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمری الإمام الحافظ النظار شیخ علماء الأندلس وکبیر محدثیها الشهیر الذکر فی الأقطار شهرته تغنی عن التعریف به، تفقه بابن المکوی وابن الفرضی ولازمه کثیراً ألّف فی الموطأ کتباً مفیدة منها کتاب التمهید لما فی الموطأ من المعانی والأسانید لم یتقدمه فیه أحد، والاستذکار بمذهب علماء =الأمصار، والاستیعاب فی أسماء الصحابة، والکافی فی الفقه، ، مولده سنة 368 هـ وتوفی بشاطبة فی ربیع الثانی سنة 463 هـ وفیها توفی الخطیب أبو بکر بن أحمد البغدادی: الحافظ فکان الخطیب حافظ المشرق وأبو عمر حافظ المغرب أنظر شجرة النور الزکیة فی طبقات المالکیة 1/177
[65])) الاستذکار لابن عبد البر 5/173وشرح الزرقانی على الموطأ3/87
[66])) القاضی أبو الولید محمد بن أحمد بن رشد القرطبی: الإِمام العالم المحقق المعترف له بصحة النظر وجودة التألیف زعیم الفقهاء إلیه المرجع فی حل المشکلات متفنناً فی العلوم بصیراً بالأصول والفروع فاضلاً دیناً إلیه الرحلة. تفقه بابن رزق وعلیه اعتماده وسمع الجیانی وأبا عبد الله بن فرج وابن أبی العافیة الجوهری وأبا مروان بن سراج ألّف البیان والتحصیل لما فی المستخرجة من التوجیه والتعلیل والمقدمات لأوائل کتب المدونة واختصار الکتب المبسوطة من تألیف یحیى بن إسحاق بن یحیى بن یحیى وتهذیبه لکتب الطحاوی فی مشکل الآثار وحجب المواریث وفهرسة وأجزاء کثیرة فی فنون من العلم. مولده سنة 455 هـ وتوفی فی ذی القعدة سنة 520 هـ[ شجرة النور الزکیة 1/190
([68]) علیّ بن خَلَف بن عبد الملک بن بطَّال، أبو الحسن القُرْطُبیّ، ویُعْرَف أیضًا بابن اللّجّام. ـ روى عن أبی المطرّف القنازعیّ، ویونس بن عبد الله القاضی، وأبی محمد بن بنوش، وأبی عمر بن عفیف، وغیرهم.قَالَ ابن بَشْکُوال: کَانَ من أهل العلم والمعرفة والفهم، ملیح الخط، حسن الضبط، عنی بالحدیث العنایة التامة وأتقن ما قید منه، وشرح " صحیح أبی عبد الله البخاری " فی عدة مجلدات، رواه النّاسُ عنه، وولی قضاء لورقة، وحدث عنهُ جماعة من العلماء. تُوُفّی فی سَلْخ صفر سنة 449 هـ.
انظر تاریخ الإسلام وَوَفیات المشاهیر وَالأعلام 9/741.
[69] - شرح صحیح البخاری لابن بطال 6/156
[70] - تفسیر القرطبی3/332و19 /127
[71] - قاضی القضاة تاج الدین أبو البقاء بهرام بن عبد الله بن عبد العزیز الدمیری: الفقیه الإِمام العلامة الحافظ المحقق المطلع الفهّامة حامل لواء المذهب المالکی بمصر وإلیه المرجع هناک، کان محمود السیرة طیب السریرة صالحاً من رجال الکمال. أخذ عن الشیخ خلیل تآلیفه وبه تفقه وانتفع بالشرف الرهونی وغیرهما، وعنه أئمة منهم الأقفهسی وعبد الرحمن البکری والشمس البساطی وغیرهم ألّف التآلیف المفیدة منها ثلاثة شروح على مختصر شیخه خلیل کبیر ووسیط وصغیر واشتهر الوسیط، والصغیر کان طرراً جمعه الإسحاقی فجاء شرحاً مستقلاً وله شامل حاذى به مختصر شیخه فی غایة التحقیق والإجادة وشرح ألفیة ابن مالک والإرشاد فی ست مجلدات وشرح مختصر ابن الحاجب الأصلی وله الدرة الثمینة نحواً من ثلاثة آلاف بیت وشرحها. مولده سنة 724 هـ وتوفی سنة 805 هـ. شجرة النور الزکیة1/345
[72] -الشامل فی فقه الإمام مالک 1/291وشرح زروق على متن الرسالة 2/621
[73] - الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ القَاضِی، أَبُو بَکْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، ابْنُ العَرَبِیِّ الأَنْدَلُسِیّ الإِشْبِیْلِیّ المَالِکِیّ، صَاحِبُ التَّصَانِیْفِ. ولد سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّیْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. سَمِعَ من خاله الحسن بن عمر الهزنی وَطَائِفَة بِالأَنْدَلُسِ. وَکَانَ أَبُوْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ کِبَارِ =أَصْحَاب أَبِی مُحَمَّدٍ بنِ حَزْم الظَّاهِرِی بِخلاَف ابْنه القَاضِی أَبِی بَکْرٍ، فَإِنَّهُ منَافر لابْنِ حَزْم، مُحِطٌّ عَلَیْهِ بنَفْس ثَائِرَة.
صَنّف کِتَاب "عَارِضَةِ الأَحْوَذِیِّ فِی شَرْحِ جَامِع أَبِی عِیْسَى التِّرْمِذِیِّ"، وَفسر القُرْآن الْمجِید، فَأَتَى بِکُلِّ بَدِیْع، وَلَهُ کِتَاب "کَوْکَب الحَدِیْث وَالمسلسلاَت"، وَکِتَاب "الأَصْنَاف" فِی الفِقْه، وَکِتَاب "أُمَّهَات المَسَائِل"، وَکِتَاب "نُزْهَة النَّاظر"، وَکِتَاب "ستر العورَة"، وَ"المَحْصُوْل" فِی الأُصُوْل، وَ"حسم الدَّاء، فِی الکَلاَمِ عَلَى حدیث السوداء"، کتاب فی الرَّسَائِل وَغوَامض النَحْویین، وَکِتَاب "تَرْتِیْب الرّحلَة، لِلتَّرغِیب فِی المِلَّة"، وَ"الفِقْه الأَصْغَر المُعَلَّب الأَصْغَر"، وأشیاء سوى ذلک لم نشاهدها.
وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَکَانَ رَئِیْساً مُحْتَشِماً، وَافر الأَمْوَال بِحَیْثُ أَنشَأَ عَلَى إِشْبِیْلِیَة سُوراً مِنْ مَالِهِ. سیر اعلام النبلاء 15 /43
([75]) الشیخ خلیل بن إسحاق الجندی کان - رحمه الله - صدراً فی علماء القاهرة المعزیة مجمعاً على فضله ودیانته أستاذاً ممتعاً من أهل التحقیق ثاقب الذهن أصیل البحث مشارکاً فی فنون من العربیة والحدیث والفرائض فاضلاً فی مذهب مالک صحیح النقل تخرج بین یدیه جماعة من الفقهاء الفضلاء وتفقه بالإمام العالم العامل أبی محمد: عبد الله المنوفی: أخذ عن شیوخ مصر علماً وعملاً وتخرج بالشیخ عبد الله أئمة فضلاء. توفی - رحمه الله - فی سنة تسع وأربعین وسبعمائة بالطاعون.
الدیباج المذهب فی معرفة أعیان علماء المذهب 1/357
([76]) مواهب الجلیل للحطاب ج3/316 وشفاء الغلیل 1/398 وحاشیة الدسوقی 2/161وحاشیة الصاوی 2/249 ومنح الجلیل 3/97
([77]) هو احمد بن محمد بن أحمد بن أبی حامد العدوی المالکی، الازهری، الخلوتی، الشهیر بالدردیر (أبو البرکات) المولود سنة 1127 هـ والمتوفى بالقاهرة فی 6 ربیع سنة 1201هـ ودفن بمقابر باب الفرادیس. فقیه، صوفی، مشارک فی بعض العلوم ولد ببنی عدی، من صعید مصر. وتولى مشیخة الطریقة الخلوتیة، والافتاء بمصر،. من تصانیفه: اقرب المسالک لمذهب الامام مالک، فتح القدیر فی أحادیث البشیر النذیر، تحفة الاخوان فی آداب أهل العرفان فی التصوف، منظومة الخریدة البهیة ، صنف کتبا فی القراءات. معجم المؤلفین لعمر کحالة 2/68
([80]) هو عبد الباقی بن یوسف بن أحمد الزرقانی: فقیه مالکی، ولد ومات بمصر سنة 1020هـ. وتوفی بها 1099 هـ من کتبه شرح مختصر سیدی خلیل ، أربعة أجزاء، وشرح العزیة ورسالة فی لکلام الاعلام للزرکلی 3/273
([82]) ابن شاس: عبد الله بن نجم بن شاس. الإمام الفقیه شیخ المالکیة العلامة جمال الدین أبو محمد الجذامی السعدی المصری. له مؤلفات منها: الجواهر الثمینة فی الفقه. توفی سنة 616 انظر دیوان الإسلام.
المؤلف: شمس الدین أبو المعالی محمد بن عبد الرحمن بن الغزی 2/170
([83]) أبو عبد الله محمد ابن الشیخ الصالح محمد بن عرفة الورغمی التونسی: إمامها وخطیبها بجامعها الأعظم خمسین سنة أخذ عن جلة منهم ابن عبد السلام روى عنه وسمع منه وانتفع به ومحمد بن هارون والإمام السطی ومحمد بن الحباب وابن قداح وأخذ عنه من لا یعد کثرة من أهل المشرق والمغرب، منهم البرزلی والأبی وابن ناجی له تآلیف عجیبة فی فنون من العلم بدیعة منها مختصره فی الفقه أفاد فیه وأبدع والحدود الفقهیة شرحها الرصاع واختصر فرائض الحوفی تولى إمامة جامع الزیتونة سنة 756 هـ والخطابة به سنة 772 هـ والفتیا سنة 773 هـ وکان والده من العلماء الصالحین. مولده سنة 716هـ وتوفی فی جمادى الثانیة سنة 803 هـ وقبره بالجلاز "معروف شجرة النور الزکیة 1/227" .
([84]) شرح حدود ابن عرفة ج1/ص138وانظر تعریف ابن عرفة فی المختصر الفقهی لابن عرفة2/493 وشرح الزرقانی 3/161.
([85]) شهَاب الدّین الْقَرَافِیّ الْمَالِکِی الأصولی) أحْمد بن إِدْرِیس الْمَشْهُور بالقرافی شهَاب الدّین الصنهاجی الأَصْل أصله من قَرْیَة من کورة بوش من صَعِید مصر الْأَسْفَل تعرف ببهفشیم وَنسب إِلَى القرافة وَلم یسکنهَا وَإِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ عِنْد تَفْرِقَة الجامکیة بمدرسة الصاحب ابْن شکر فَقیل هُوَ بالقرافة فَقَالَ بَعضهم اکتبوه الْقَرَافِیّ فَلَزِمَهُ ذَلِک وَکَانَ مالکیاً إِمَامًا فِی أصُول الْفِقْه وأصول الدّین عَالما بالتفسیر وبعلوم أخر درس بِالْمَدْرَسَةِ الصالحیة توفّی بدیر الطین ظَاهر مصر وَصلی عَلَیْهِ وَدفن بالقرافة سنة اثْنَتَیْنِ وَثَمَانِینَ وست مائَة ینظر الوافی بالوفیات للصفدی 6/147 .
([87]) جاء فی إکمال المعلم 5/393 :(هذا الذى ذکره ابن عرفة مال إلیه بعض الفقهاء، ورأى أن النذر الغیر المشروط لا یُسمَّى نذرًا؛ ولهذا استحب الوفاء به، ولا یجب کما یجب المشروط المسمى نذرًا، الداخل فی عموم الظواهر الواردة بالأمر بالوفاء بالنذر. ومال غیر هؤلاء من الفقهاء إلى أن الجمیع یسمى نذرًا وأنشد قول الشاعر:
الشاتمی عرضی ولم أشتمهما ... والناذرین إذا لم ألقهما دمى
([88]) عَلیّ بن مُحَمَّد بن عَلیّ الْحَنَفِیّ الشریف الْجِرْجَانِیّ قَالَ الْعَیْنِیّ فِی تَارِیخه: عَالم بِلَاد الشرق؛ کَانَ عَلامَة دهره، وَکَانَت بَینه وَبَین الشَّیْخ سعد الدّین مباحثات ومحاورات فِی مجْلِس تمرلنک؛ وَله تصانیف مفیدة، مِنْهَا شرح المواقف للعضد، وَشرح التَّجْرِید للنصیر الطوسی، وَیُقَال إِن مصنفاته زَادَت على خمسین مصنفا. مَاتَ سنة أَربع عشرَة وَثَمَانمِائَة. هَذَا مَا ذکره الْعَیْنِیّ. وَمن مصنفاته: شرح الْقسم الثَّالِث من الْمِفْتَاح، وحاشیة المطول، =وحاشیة الْمُخْتَصر، وحاشیة الْکَشَّاف؛ لم یتم، وَله رِسَالَة فِی تَحْقِیق معنى الْحَرْف. وکان مولد الشریف بجرجان سنة أَربع وَسَبْعمائة، وَأَنه توفّی بشیراز سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائة بغیة الوعاة فی طبقات اللغویین والنحاة عبد الرحمن بن أبی بکر، جلال الدین السیوطی 2/197
([91]) أبو عبد الله محمَّد بن عبد الرحمن الرعینی: المعروف بالحطاب الکبیر الأندلسی الأصل الطرابلسی المولد المکی الدار والقرار الإِمام العمدة العالم الشهیر القدوة الشیخ الصالح الأستاذ الکبیر، تفقه بطرابلس عن الشیخ محمَّد بن الفاسی وأخیه ثم فی سنة 877 هـ تحول مع بقیة أهله إلى مکة وحضر عند السراج معمر فی الفقه وأخذ العلم عن النور السنهوری ویحیى العلمی وعبد المعطی بن خصیب وقاضی المدینة محمَّد بن أحمد السخاوی والحافظ أبی الخیر السخاوی والشیخ أحمد زروق وانتفع به وغیرهم جلس للإقراء وأفاد وأخذ عنه جماعة منهم ولداه محمَّد وبرکات. ولد فی صفر سنة 861 هـ وتوفی فی شعبان سنة 945 هـ. شجرة النور الزکیة 1/389
([98]) أخرجه البخاری فی کتاب الاعتکاف باب من لم یرد علیه صوما إذا اعتکف برقم 2042 3/51 ومسلم فی کتاب الأیمان باب نذر الکافر، وما یفعل فیه إذا أسلم حدیث رقم 1656
([101]) عبد الرحمن بن القاسم "عَالِمُ الدِّیَّار المِصْرِیَّة، وَمُفْتِیْهَا، أَبُو عبد لله العُتَقِیُّ مَوْلاَهُمْ، المِصْرِیُّ، صَاحِبُ مَالِکٍ الإِمَامِ.رَوَى عَنْ: مَالِکٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شُرَیْحٍ، وَنَافِعِ بنِ أَبِی نُعَیْمٍ المُقْرِئِ، وَبَکْرِ بنِ مُضَرَ، وَطَائِفَةٍ قَلِیْلَةٍ. وَعَنْهُ: أَصْبَغُ، وَالحَارِثُ بنُ مِسْکِیْنٍ، وسُحْنُون، وَعِیْسَى بنُ مَثْرود، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَکَمِ، وآخرون. وَکَانَ ذَا مَالٍ وَدُنْیَا، فَأَنْفَقَهَا فِی العِلْمِ. وَقِیْلَ: کَانَ یَمْتَنِعُ مِنْ جَوَائِزِ السُّلْطَانِ، وَلَهُ قَدَمٌ فِی الوَرَعِ وَالتَّأَلُّهِ. قَالَ النَّسَائِیُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وُلِدَ ابْنُ القَاسِمِ سَنَةَ اثْنَتَیْنِ وَثَلاَثِیْنَ وَمائَةٍ، وَتُوُفِّیَ فِی صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِیْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ- عَاشَ تِسْعاً وَخَمْسِیْنَ سَنَةً سیر أعلام النبلاء 1/549
([102]) أشْهَبُ بنُ عَبْدِ العَزِیْزِ بنِ دَاوُدَ بنِ إِبْرَاهِیْمَ القَیْسِیُّ الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُفْتِی مِصْرَ، أَبُو عَمْرٍوالقَیْسِیُّ، العَامِرِیُّ، المِصْرِیُّ، الفَقِیْهُ.یُقَالُ: اسْمُهُ مِسْکِیْنٌ، وَأَشْهَبُ: لَقَبٌ لَهُ.مَوْلِدُهُ: سَنَةَ أَرْبَعِیْنَ وَمائَةٍ.سَمِعَ: مَالِکَ بنَ أَنَسٍ، وَاللَّیْثَ بنَ سَعْدٍ، وَیَحْیَى بنَ أَیُّوْبَ، وَسُلَیْمَانَ بنَ بِلاَلٍ، وَبَکْرَ بنَ مُضَرَ، وَدَاوُدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطَّارَ، وَعِدَّةً. َحدَّثَ عَنْهُ: الحَارِثُ بنُ مِسْکِیْنٍ، وَیُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَبَحْرُ بنُ نَصْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَکَمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِیْمَ بنِ المَوَّازِ، وَسُحْنُوْنُ بنُ سَعِیْدٍ - فَقِیْهُ المَغْرِبِ - وَعَبْدُ المَلِکِ بنُ حَبِیْبٍ - فَقِیْهُ الأَنْدَلُسِ - وَهَارُوْنُ بنُ سَعِیْدٍ الأَیْلِیُّ، وَآخَرُوْنَ. وَیَکفِیْهِ قَوْلُ الشَّافِعِیِّ فِیْهِ: مَا أَخْرَجَتْ مِصْرُ أَفْقَهَ مِنْ أَشْهَبَ، لَوْلاَ طَیْشٌ فِیْهِ مَاتَ لِثَمَانٍ بَقِیْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ سیر أعلام النبلاء 9 /502
([108]) رسالة الشرک ومظاهره لمحمد بن مبارک المیلی ص 396 وقد ذکر الشیخ المیلی کثیرا من مظاهر النذر الشرکیة ارجع إلیه إن شئت فی ص396 وما بعدها
([114]) المنتقى للباجی33/228 و مواهب الجلیل4/494 و منح الجلیل3/99 و سراج السالک2/22 و نصیحة المرابط2/278
([115]) هو : محمد بن أحمد بن محمد علیش أبو عبد الله الطرابلسی الدار المصری القرار فقیه من أعیان المالکیة ولد فى القاهرة وتعلم فى الأزهر وولى مثسیخة المالکیة فیه أخذ عن الشیخ الأمیر الصغیر وأجازه والشیخ مصطفى البولاقی والشیخ مصطفى السلمونی والشیخ حمیدة العدوی والشیخ محمود مقدیش والشیخ یوسف الصاوی وغیرهم وبالإجازة الشیخ محمَّد بن ملوکة والشیخ إبراهیم الملولی، تخرّج علیه من علماء الأزهر طبقات متعددة من تصانیفه فتح العلى المالک على مذهب الإمام مالک وهو مجموع فتاویه وشرح على مختصرخلیل وشرح مجموع الأمیر وحاشیة علیه وحاشیة على شرح المجموع للأمیر وحاشیة على أقرب المسالک وحاشیة على کبرى السنوسی وله شرح المنن وشرح إضاءة =الدجنة وحاشیة على مولد البرزنجی وله فتاوى مجموعة فی مجلدین وغیر ذلک مما هو کثیر وامتحن بالسجن لما احتلت دولة الإنکلیز مصر ومات بأثر ذلک سنة 1299هـ . شجرة النور الزکیة1/552
([116]) هو محمد ضیف الله بن محمد الجعلی، الفضلی، الفیقلانی .فقیه، مؤرخ .ولد وتوفی بحلفایة الملوک .من آثاره: الطبقات فی خصوص الاولیاء والصالحین والعلماء والشعراء فی السودان .ولدفی سنة 1139 هـ وتوفی سنة 1234 ه الاعلام للزرکلی 6/170
([117]) محمد بن محمد بن سنة، أبو عبد الله الفلّانی الشنقیطی العمری: عالم بالحدیث، معمر، واسع الروایة غزیر الحفظ. نسبته إلى (فلان) فی السودان المغربی. له (فهرسة) ذکر فیها أنه روى ما بین إجازة وسماع عن 920 شیخا، وعدّهم، وبین ولادة کل واحد ووفاته ولد سنة 1042 وتوفی سنة1186 هـ الاعلام للزرکلی7/68
([121]) أبو الحسن علی بن محمد الربعی: المعروف باللخمی القیروانی الإمام الحافظ العالم العامل العمدة الفاضل رئیس الفقهاء فی وقته وإلیه الرحلة. تفقه بابن محرز والسیوری والتونسی وابن بنت خلدون وجماعة. وبه تفقه جماعة منهم الإمام المازری وأبو الفضل بن النحوی وأبو علی الکلاعی وعبد الحمید الصفاقسی وعبد الجلیل بن مفوز وأبو یحیى بن الضابط، له تعلیق على المدونة سماه التبصرة، مشهور معتمد فی المذهب، توفی سنة 478 هـ[1085 م] بصفاقس وقبره بها معروف متبرک به. شجرة النور الزکیة1/173
([123]) القاضی أبو محمَّد عبد الوهاب بن علی بن نصر البغدادی أخذ عن أبی بکر الأبهری وحدث عنه وأجازه وتفقه عن کبار أصحابه کابن القصار وابن الجلاب والباقلانی وعبد الملک المروانی وتفقه به ابن عمروس وأبو الفضل مسلم الدمشقی وغیرهما وروى عنه جماعة منهم عبد الحق بن هارون وأبو بکر الخطیب والقاضی ابن الشماع الغافقی =الأندلسی تولى القضاء بعدة جهات من العراق ثم توجه إلى مصر ألّف تآلیف کثیرة منها : النصرة لمذهب مالک فی والمعونة بمذهب عالم المدینة والأدلة فی مسائل الخلاف وشرح رسالة ابن أبی زید والممهد فی شرح مختصر ابن أبی زید أیضًا وشرح المدونة وله التلقین وعیون المسائل فی الفقه وأوائل الأدلة فی مسائل الخلاف والإشراف على مسائل الخلاف والبروق فی مسائل الفقه، مولده فی شوال سنة 363 هـ وتوفی سنة اثنتین أو إحدى وعشرین وأربعمائة وقبره قریب من قبر ابن القاسم وأشهب. شجرة النور الزکیة 1/154
([130]) أبو العباس أحمد الصاوی الخلوتی: الإمام الفقیه شیخ الشیوخ وعمدة أهل التحقیق والرسوخ العلامة المحقق الحبر الفهّامة المدقق قدوة السالکین ومربی المریدین. أخذ عن أئمة منهم الدردیر والأمیر الکبیر والدسوقی. له حاشیة على تفسیر الجلالین وعلى شرح الخریدة البهیة للدردیر وعلى شرح الدردیر لرسالته فی البیان والأسرار الربانیة على الصلوات الدردیریة وله شرح على منظومة الدردیر لأسماء الله الحسنى والفرائد السنیة على متن الهمزیة وحاشیة على شرح الدردیر لأقرب المسالک وغیر ذلک، توفی بالمدینة المنورة سنة 1241 هـ[1825 م].شجرة النور الزکیة1/522
([133]) شمس الدین أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقی الأزهری: ولد بدسوق. حضر مصر وحفظ القرآن وجوّده على الشیخ محمد المنیر ولازم حضور دروس المشایخ کالصعیدی والدردیر والجناجی وحسن الجبرتی ومحمد بن إسماعیل النفراوی وتصدر للتدریس کثر الآخذون علیه والمترددون إلیه منهم أحمد الصاوی وعبد الله الصعیدی وحسن العطار، له تآلیف ، منها حاشیة على مختصر السعد وحاشیة على الدردیر على المختصر وحاشیة على شرح الجلال المحلی على البردة وحاشیة على کبرى السنوسی وعلى صغراه وحاشیة على شرح الرسالة الوضعیة ولم یزل على حالته فی الإفتاء والتدریس والإفادة وخطه حسن إلى أن توفی فی ربیع الثانی سنة 1230 هـ ودفن بتربة المجاورین شجرة النور الزکیة 1/520
([139]) شمس الدین قاضی القضاة أبو عبد الله محمَّد بن أحمد البساطی الطائی: أخذ عن نور الدین الجلاوی المقرئ وبه تفقه وولی الدین بن خلدون وبه انتفع وبهرام وأخیه نور الدین والأقفهسی وجماعة، وعنه الشیخ عبادة وأبو القاسم النویری والثعالبی والنور السنهوری ومحمد بن فرحون والقلصادی وعبد القادر المکی والشمس السخاوی والتقی الشمنی ومحمد النویری وغیرهم ألّف المغنی فی الفقه وشرحه لم یکمل وشفاء الغلیل على خلیل لم یکمل وکمله أبو القاسم النویری وشرح ابن الحاجب الفرعی لم یکمل وحاشیة على المطول وحاشیة على المواقف وحاشیة على المطالع وشرح تائیة ابن الفارض والدریدیة وقصة الخضر علیه السلام وله مقدمة فی أصول الدین ومقدمة فی علم الکلام وغیر ذلک. مولده سنة 768 هـ واستقر فی القضاء نحواً من عشرین سنة وتوفی وهو یتولاه فی رمضان سنة 842 هـ .
([143]) القاضی أبو الفضل عیاض بن موسى بن عیاض الیحصبی: وأجازه أبو بکر الطرطوشی والإمام المازری وابن العربی وابن بقی ومحمد بن مکحول وأبو الطاهر السلفی والحسن ابن طریف وخلف بن إبراهیم النحاس ومحمد بن أحمد القرطبی وعبد الله الخشنی وعبد الله البطلیوسی. اجتمع له من الشیوخ بین من سمع منه وأجاز له نحو مائة شیخ، ألّف فیهم فهرسة سماها الغنیة، وعنه جماعة منهم ابنه محمد وابن غازی وابن زرقون وابن مضاء وأبو القاسم بن ملجوم وأبو عبد الله التادلی والقاضی أبو عبد الرحمن القصیر والقاضی أبو عبد الله بن عطیة. ألّف التآلیف المفیدة البدیعة، منها إکمال المعلم فی شرح مسلم والشفا فی التعریف بحقوق المصطفى ، ومشارق الأنوار تفسیر غریب الموطأ والبخاری ومسلم وضبط الألفاظ وکتاب التنبیهات المستنبطة على الکتب المدونة جمع فیه من غریب ضبط الألفاظ وتحریر المسائل وترتیب المدارک وتقریب المسالک لمعرفة أعلام مذهب مالک وکتاب الأعلام بحدود قواعد الإِسلام وکتاب الإلماع فی ضبط الروایة وتقیید السماع والعیون الستة فی أخبار سبتة وغنیة الکاتب وبغیة الطالب فی الرسائل وکتاب الرائد لما تضمنه حدیث أم زرع من الفوائد. وله شعر جید ودیوان خطب رائق. مولده فی شعبان سنة 476 هـ وتوفی بمراکش فی جمادى الآخرة سنة 544 هـ شجرة النور الزکیة 1/205
( ([156]وَفِی کَرَاهَةِ النَّذْرِ إشْکَالٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ، فَإِنَّ الْقَاعِدَةِ: تَقْتَضِی أَنَّ وَسِیلَةَ الطَّاعَةِ طَاعَةٌ، وَوَسِیلَةَ الْمَعْصِیَةِ مَعْصِیَةٌ، وَیَعْظُمُ قُبْحُ الْوَسِیلَةِ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ وَکَذَلِکَ تَعْظُمُ فَضِیلَةُ الْوَسِیلَةِ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَمَّا کَانَ النَّذْرُ وَسِیلَةً إلَى الْتِزَامِ قُرْبَةٍ لَزِمَ عَلَى هَذَا أَنْ یَکُونَ قُرْبَةً، أنظر فی ذلک إحکام الأحکام2/266
([165]) أبو سعید عبد السلام سحنون بن سعید بن حبیب التنوخی القیروانی: أصله من حمص ، أخذ عن أئمة من أهل المشرق والمغرب: کالبهلول بن راشد وعلی بن زیاد وأسد بن الفرات وابن أبی حسان وابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحکم وابن عیینة ووکیع وابن مهدی ومعن وابن الماجشون ومطرف وأشهب وابن غیاث والولید بن مسلم والطیالسی وغیرهم وکانت رحلته للمشرق سنة 188 هـ أخذ عنه أئمة منهم ابنه محمَّد ومحمد بن عبدوس وابن غالب ویحیى بن عمر وأحمد بن الصواف وجبلة وحمدیس القطان وسعید بن الحداد وأبو محمَّد یونس الوردانی ولازمه کثیراً وأحمد بن أبی سلیمان وفرات بن محمَّد وغیرهم انتهت إلیه الرئاسة فی العلم وعلیه المعول فی المشکلات وإلیه الرحلة ومدونته علیها الاعتماد فی المذهب ، ولد فی رمضان سنة 160 هـ ومات فی رجب سنة 240 هـ شجرة النور الزکیة 1/104
([181]) المعونة للقاضی عبد الوهاب 1 /649 ،والتبصرة4/1633 التلقین فی الفقه المالکی
لابن نصر الثعالبی 1/102
([234]) الإمام الفقیه اللیث بن سعد بن عبد الرحمن الفَهْمِی الحنفی القاهری ، المتوفى بها فی منتصف شعبان سنة خمس وسبعین ومائة، عن ثلاث وثمانین سنة. أصله من أصبهان ویقال من قلقشندة. قال النووی: هو من تابعی التَّابعین. سمع عطاء بن أبی رباح وابن أبی مُلیکة ونافعًا وسعیدًا المقبری والزهری وخلائق، وصار إمام أهل مصر فی زمانه وأجمع الأئمة على إمامته وعلو مرتبته، فی الحدیث والفقه وکان ثقةً، کثیر الحدیث وقال الشافعی: هو أفقه من مالک إلّا أن أصحابه لم یقوموا به. وکان عربی اللّسان =
= یُحسن القرآن والنحو ویحفظ الشعر والحدیث، وکان من الکرماء الأجواد. روی أن الإمام مالکًا أهدى إلیه صینیة فیها تمرٌ فأعادها إلیه مملوَّة ذهبًا. وکان یتخذ لأصحابه الفالوذج ویعمل فیه الدنانیر لیتحصل لکل من أکل من صاحبه .
سلم الوصول إلى طبقات الفحول لحاجی خلیفة. 3/43