المساهمين
المؤلف
قسم الفقه، کلية الدراسات الإسلامية للبنات بسوهاج، جامعة الأزهر، سوهاج، مصر.
المستخلص
الكلمات الرئيسية
مقدمة
الحمد لله باسمه نبدأ مستمدین منه العون والتوفیق، ونسأله سبحانه أن یسدد خطانا فیما نهدف إلیه ونسعى من ورائه إنه من یهده الله فلا مضل لـه ، ومن یضلل فلا هادى له. سبحانک ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنک أنت العلیم الحکیم. ونصلی ونسلم على المبعوث رحمة للعالمین، سید الأولین والآخرین، سیدنا محمد الذى علم الأمة الأحکام ، وبین لها مناهج الحلال والحرام ، وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد :
فلقد اهتمت الشریعة الإسلامیة بالعلاقة الزوجیة اهتماما بالغا ، وذلک من خلال آیات القرآن الکریم، وأحادیث النبی - صلى الله علیه وسلم- والتی تناولت فیهما کافة شئون الأسرة المسلمة وقضایاها، وکیفیة التعامل بین الزوجین ، وحقوقهما الشرعیة والأدبیة، وبینت أن العلاقة بین الزوجین یجب أن تکون قائمة على المعروف , والمودة , والرعایة المتبادلة بینهما ؛ لکن من الملاحظ فی واقعنا المعاصر زیادة ظاهرة العنف بین الزوجین بصورة کبیرة وخطیرة ، وتحولت العلاقة الزوجیة إلى صراع وشقاق ، بدلا من أن تکون مودة ورحمة , یأوی کل شریک منهما إلى الآخر، مما دفع العلماء والمتخصصون إلى تسلیط الضوء على هذه المشکلة، ( العنف بین الزوجین) بالدراسة والبحث ، للتعرف على حقیقة هذه المشکلة ، وحجمها ، وأسبابها ، وکیفیة التصدی لها، ومن هنا تأتی أهمیة هذا الموضوع ببیان الأسباب إلى أدت إلى ظهور مشکلة العنف بین الزوجین، وبیان الحلول الشرعیة لها .
1- أهمیة الموضوع :
أ - معرفة الأسباب التی أدت إلى ظهور مشکلة العنف بین الزوجین .
ب - معرفة التدابیر الوقائیة والعلاجیة والجزائیة التی وضعتها الشریعة الإسلامیة لحل مشکلة العنف بین الزوجین.
ج- الرغبة فی کتابة بحث علمی یتناول هذا الموضوع من کافة زوایاه, ویکون فی متناول القراء .
2- أهداف البحث :
أ- إبراز دُور الشریعة الإسلامیة فی کیفیة المحافظة على العلاقة بین الزوجین ، ومنع الشقاق والنزاع بینهما .
ب- التعرف على أسباب مشکلة العنف بین الزوجین .
ج- دفع التهم الموجهة للشریعة الإسلامیة ، بأنها لا تراعی الوقائع التی تحدث فی المجتمع ، ولم تضع لها الوسائل الشرعیة لحلها .
3- مشکلة البحث:
تتلخص مشکلة البحث فی التساؤل الرئیس التالی : ما موقف الفقه الإسلامی من مشکلة العنف بین الزوجین ؟، وهل وضع لها الوسائل الشرعیة لحلها ؟
وللإجابة على التساؤل السابق ینبغی الإجابة على الأسئلة الفرعیة التالیة :
1- ما مفهوم العنف بین الزوجین ؟.
2- ما أسباب العنف بین الزوجین ؟.
3- ما الوسائل الشرعیة لحل مشکلة العنف بین الزوجین ؟.
4- الدراسات السابقة :
لم أعثر - حسب علمی واطلاعی - على مؤلف اشتمل على کل الجزئیات العلمیة ، والمسائل الفقهیة المتعلقة بالوسائل الشرعیة لحل مشکلة العنف بین الزوجین (دراسة فقهیة )
5 - خطة البحث :
تتکون خطة البحث من: مقدمة ، وتمهید ، وثلاثة مباحث ، وخاتمة .
المقدمة وتتضمن : أهمیته الموضوع ، وأهدافه , ومشکلة البحث , والدراسات السابقة له , وخطة البحث, ومنهجه ، وإجراءاته .
التمهید: مفهوم العنف بین الزوجین وأسبابه.
ویشتمل على :
أولاً : مفهوم العنف بین الزوجین.
ثانیا : أسباب العنف بین الزوجین.
المبحث الأول : الوسائل الشرعیة الوقائیة لمنع حدوث العنف بین الزوجین .
وفیة ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : حسن العشرة بین الزوجین
المطلب الثانی : العدل والإنصاف فی استخدام حق القوامة
المطلب الثالث : حق الزوجة فی العدل والمساواة حال التعدد
المبحث الثانی : الوسائل الشرعیة العلاجیة لحل مشکلة العنف بین الزوجین.
وفیه أربعة مطالب:
المطلب الأول : التدرج فی معالجة المشاکل بین الزوجین وعدم المبالغة .
المطلب الثانی : التحکیم بین الزوجین.
المطلب الثالث : الطلاق عند تعذر بقاء الزوجیة.
المطلب الرابع : الخلع دفعا لضرر الزوجة وعدم أداء الحقوق الزوجیة.
المبحث الثالث : الوسائل الشرعیة الجزائیة لحل مشکلة العنف بین الزوجین .
وفیه أربعة مطالب:
المطلب الأول : تعزیر الزوجة للحد من عنفها مع الزوج.
المطلب الثانی : تعزیر الزوج للحد من عنفه مع الزوجة .
المطلب الثالث : المنع من السفر حفاظاً لحق أحد الزوجین.
المطلب الرابع : التفریق بین الزوجین للضرر .
الخاتمة : وتتضمن أهم النتائج والتوصیات ، وأهم المصادر، والمراجع .
6 - منهج البحث :
اعتمدت فی هذا البحث على المنهج الاستقرائی الاستنباطی , وذلک باستقراء کتب الفقهاء القدامى والمعاصرین , وجمع المسائل والنصوص الشرعیة التی تدخل تحت هذه الدراسة, واستنباط الأحکام الفقهیة منها.
7 - إجراءات البحث:
الإجراءات التی أتبعتها فی هذا البحث کالتالی :
1- قمت بجمع وتوثیق المادة العلمیة المتعلِّقة بکل جزئیات البحث من المصادر الأصلیة المعتمدة فی ذلک، بذکر اسم المصدر ،والجزء ، والصفحة ، وإذا کان هناک تشابه فی اسم الکتاب فإنی أضیف اسم مؤلفه، وفی حالة النّقل بالمعنى یذکر ذلک مسبوقاً بکلمة ( ینظر).
2- قمت بعزو الآیات القرآنیة إلى سورها وأرقامها کما وردت فی المصحف الشریف، بذکر اسم السورة بقول: سورة (کذا)، آیة (کذا) وأضعها فی الحاشیة، واذا کانت جزءاَ من آیة، أقول: من آیة (کذا) من سورة (کذا) .
3 - خرجت الأحادیث الآثار ، وبینت ما ذکره أهل الشأن فی درجتها فی الهامش، بذکر اسم المصدر مع ذکر الکتاب، والباب، ورقم الحدیث إن وجد ، مع کتابة عبارة متفق علیه فیما أخرجه الشیخان (البخاری ومسلم ) ، مع الاقتصار فی التخریج على ما أخرجه الشیخان ، فإن لم یوجد لدیهما أو لدى أحدهما، فأخرجه من کتب السنة الأخرى ، مع الاقتصار فی تخریج الأحادیث على أول موضع ترد فیه، وما عداه فإنی أذکر بأنه قد تخریجه .
4- بینت معانی الکلمات الغربیة الوارد ذکرها فی البحث، وعرفت بالمصطلحات الفقهیة.
والله اسأل أن یجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الکریم ، وأن ینتفع به الجمیع ،إنه نعم المولى ونعم النصیر وصلى الله وسلم على نبینا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التمهید
مفهوم العنف بین الزوجین وأسبابه وآثاره
أولاً: مفهوم العنف بین الزوجین :
یعد مصطلح العنف بین الزوجین من المصطلحات الحدیثة ، والذی تناوله الباحثون فی الآونة الأخیرة بالبحث والدراسة ، وحتى یتسنى لنا معرفة هذا المصطلح نعرف کلمة العنف، وکلمة الزوجین، ثم نعرف العنف بین الزوجین .
1ـ تعریف العنف فی اللغة والاصطلاح:
(أ) العنف فی اللغة:
العُنف: بضم العین وسکون النون - الشدة والمشقة وقلة الرفق فی الأمر([1]).
تقول: عَنِفَ یعنف عنفاً فهو عنیف إذا لم یرفق فی أمره، وأعنفته أنا، ویقال : اعتنفت الشیء إذا کرهته, ووجدت له عنفاً علیک ومشقةً ، واعتنف الأمر: أخذه بعنف, ومن الباب التعنیف وهو : التشدید فی اللوم([2]).
وعلى هذا فکلمة العنف فی اللغة تفید : الشدة والقسوة فی التصرف قولیاً کان ، أو فعلیاً، وهو ضد الرفق.
(ب) العنف فی الاصطلاح:
عرف العنف بتعریفات متعددة من أهمها ما یلی :
1- ترک الرفق وإظهار الشدة فی القول والفعل([3]).
2- استخدام القوة لإلحاق الأذى بآخر استخداماً غیر مشروع([4]).
وعلى هذا فإن تعریف العنف فی الاصطلاح لا یخرج عن المعنى اللغوی وهو: ترک الرفق، والشدة ، والقسوة فی التصرف قولیاً کان ، أو فعلیاً.
2ـ مفهوم الزوجین فی اللغة والاصطلاح:
(أ) الزوجان فی اللغة:
یُطلق الزَّوْجَانِ : على الجِنْسَیْنِ المُختَلِفِیْنِ، نَحْو الأَسود والأَبیِض، والحُلْوِ والحَامِض ([5])، ویَقُولُونَ لِلِاثْنَیْنِ ذَکَرٍ وَأُنْثَى : زَوْجَانِ([6])، والزَّوْجان: الرَّجل وامرأته ِ([7]) .
(ب) الزوجان فی الاصطلاح:
لا یخرج تعریف الزوجین فی الاصطلاح عن المعنى اللغوی وهو: الرجل وامرأته.
3ـ تعریف العنف بین الزوجین :
ومن خلال ما سبق بیانه من تعریف کلمتی( عنف) ، و(الزوجین ) فی اللغة والاصطلاح، یمکن تعریف العنف بین الزوجین بأنه : کل فعل أو قول تستخدم فیه القسوة والشدة فی التعامل بین الرجل وامرأته ، مما یترتب علیه ضرر بدنی أو نفسی أو اجتماعی .
ثانیاً: أسباب العنف بین الزوجین :
الخلاف بین الزوجین أمر طبیعی ، وغالباً ما یحدث بصورة أو بأخرى فی جمیع الأسر، والأسباب التی تدعو إلى استخدام العنف بین الزوجین کثیرة ومتعددة ، وذکر هذه الأسباب لا یخلو من الصعوبة ، نظراً لما تتمیز به العلاقات الزوجیة من تعقید وتداخل، وعدم إفصاح من الجانبین أو أحدهما ، ولکن سوف أذکر أهم أسباب العنف بین الزوجین وهی کالتالی :
1ـ ضعف الوازع الدینی:
قوة الوازع الدینی من أهم الأسباب التی تقی الإنسان من الانحراف، واقتراف المعاصی، والوقوع فی المحظورات ؛ لأن الدین یُوَلَّد مراقبة ذاتیة عند الفرد، وَیُکَوِنّ عنده وازعاً یبعده عن السلوک المنحرف.
وفی المقابل نجد : أن ضعف الوازع یؤدی إلى اهتزاز المشاعر الدینیة عند الفرد، مما ینعکس على القیم السلوکیة، ویؤدی إلى تراجعها ، والوقوع فی الجریمة ، والانحراف ، نتیجة ابتعاد الفرد عن أحکام الشریعة الإسلامیة ، وتعالیمها السمحة.
فالزوج مثلاً إذا انعدم لدیه الورع والتقوى ، ومراقبة الله عز وجل فی زوجته ، نتج عن ذلک : القسوة فی المعاملة بینه وبین زوجته ، وعدم الاحترام المتبادل فیما بینهما ، وتنمو روح البغضاء والعداء فی محیط الأسرة، والزوجة التی لا ترعى للزوج حقاً أمرها الله به تجاهه، وتخرج عن حدود الأدب فی معاملة الزوج ، وتتنکر للقیم الدینیة والأخلاقیة، فإن مثل هذه الأمور من شأنها ، أن توغر صدر الزوج ، ویضیق ذرعاً بالحیاة الزوجیة ، فینشب الصراع بین الطرفین وینتهی الأمر بالطلاق ([8]).
ومن هنا یجب على کل من الزوجین أن یجاهد نفسه على زیادة إیمانه ، لیتحصن به ، من الوقوع فی المعاصی والمنکرات، ویعصمه من کل انزلاق وانحراف، ویقیه من أی میل إلى الأذى أو عدوان بالطرف الآخر.
2ـ عدم الالتزام بمنهج الإسلام فی اختیار الزوجین:
نظم الشارع الحکیم العلاقة بین الزوجین ، تنظیماً دقیقاً ، حیث قرر لکل من الزوجین حقوقاً ، وواجبات متبادلة ، تعمل على توافق نفسی بین الزوجین ، مما یضمن استمراریة العلاقة الزوجیة ، ویساعدها على مواجهة العقبات ، والمشکلات التی تطرأ علیها ، ومن أوجه عنایة الإسلام باستقرار الحیاة الزوجیة ما یلى:
أ ـ التأکید على ضرورة حسن الاختیار:
لعل أولى الإجراءات التی من شأنها تحقیق أعلى درجات التوافق بین الزوجین ، إنما تکمن فی حسن اختیار الشریک ؛ لأجل هذا نجد أن الإسلام حث على ضرورة التأنی فی الاختیار ، وجعل الدین هو ضابط الاختیار الأول ، قال - صلى الله علیه وسلم- موجِّهاً الرجل أن یختار المرأة ذات الخلق الحمید والدین القویم: « تُنْکَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِینِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّینِ تَرِبَتْ یَدَاکَ»([9]) ([10]).
إن حسن اختیار الشریک ابتداءً ، ینتج عنه أسرة قوامها السکینة , والمودة والرحمة، أما إذا کانت الأسرة قائمة على أساس الاختیار الخاطئ للزوج ، أو الزوجة ، فإن ذلک یؤدى إلى الشقاق والتنافر بین الزوجین ، وینشأ الأبناء فی جو أسرى مفکک ، تسوده روح العداء ، والکره ، والمشاحنات ، والنزاعات.
غیر أن الواقع المؤلم یظهر لنا : أن أسس الاختیار بین الزوجین أصبح الیوم یغلب علیه تقدیم وتغلیب المعاییر المادیة ، والسعی وراء المظاهر الخارجیة لدى کل من الطرفین، الأمر الذی سرعان ما یفضی إلى العنف والتفکک الأسرى ؛ لأن الزواج إذا قام على المصالح المادیة البحتة، وکان الأساس فی الاختیار هو المال، فإن الزواج لا یدوم طویلاً ؛ لأن المال ربما یذهب ویتبدد، فینعکس ذلک على العلاقة بین الزوجین ، فتتحول إلى نزاع دائم لا إلى وفاق ووئام، وینقلب بیت الزوجیة إلى نار تحرق ، وجحیم لا یطاق، والنتیجة من ذلک کله هو العنف بین الزوجین الذی ینتهی غالباً بالطلاق وشتات الأسرة .
ب ـ حریة الاختیار فی الزواج:
حرصت الشریعة الإسلامیة على وجود حریة الاختیار فی الزواج ، فمنعت الإجبار على الزواج، ومنحت المرأة حق اختیار الزوج ، إلا أن العادات والتقالید السائدة لا تشجع المرأة فی کثیر من الأحیان على التعبیر عن موقفها، إزاء الزواج المفروض علیها ، مما یولد العنف بین الزوجین فی المستقبل ، ففی دراسة أجریت حول العنف الأسرى تبین : أن أحد أسباب العنف الموجه من الزوجة للزوج هو إجبار الفتاة على الزواج من شریک غیر مرغوب فیه([11]).
وهذا یخالف شریعة الله التی أعطت الطرفین حق الاختیار والموافقة ، وإبداء الرأی ، حتى لا یؤدى الإجبار فیما بعد إلى النفور ، والفرقة ، والشقاق ، قال - صلى الله علیه وسلم- :« لاَ تُنْکَحُ الأَیِّمُ ([12])حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْکَحُ الْبِکْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ » ، قَالُوا یَا رَسُولَ اللَّهِ وَکَیْفَ إِذْنُهَا قَالَ « أَنْ تَسْکُتَ» ([13]).
3ـ عدم الوفاء بالآثار المترتبة على عقد الزواج:
العلاقة بین أفراد الأسرة فی الإسلام تحکمها مجموعة من الحقوق والواجبات ، فإذا ما سارت الأسرة المسلمة وفق هذه الحقوق والواجبات , تحقق استقرارها ، أما إذا قصر أفرادها فی الالتزام بهذه الحقوق والواجبات، فإن العلاقة داخل الأسرة سوف تضطرب ، ویظهر فیها أنواع من الظلم والقهر.
فالزوج أو الزوجة الذی لا یؤدى ما علیه من واجبات تجاه الطرف الآخر، یکون مقصراً فی أداء واجبه، وخائناً للأمانة التی حملها الشارع إیاه ، یقول الرسول - صلى الله علیه وسلم- : « کُلُّکُمْ رَاعٍ وَکُلُّکُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ فَالإِمَامِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فی أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِیَّتِهِ وَالمَرْأَةُ رَاعِیَةٌ فِی بِیْتِ زَوْجِهَا وَهِیَ مَسؤُولَةٌ عَنْ رَعِیَّتِهَا.......»([14]).
وإن المتابع للخلافات الزوجیة ، والتی قد تصل - أحیاناً- إلى الطلاق، أو الاحتکام إلى القضاء، یجد أن الجهل بالحکم الشرعی فی أغلب الأحیان کان سبباً رئیسیاً فیها ، فالزوج حین یعتقد بسبب کون القوامة له فی البیت - أنه یملک أن یظلم زوجته ، أو أن یهدر حقوقها، یکون قد نسی أنه مسؤول عن زوجته بالرعایة والرحمة والکفایة.
وفی الوقت الذی تجهل فیه الزوجة حدودها ، وأحکام الشرع فی کثیر من القضایا فی علاقتها بزوجها فإنها تکون بذلک سبباً فی إذکاء نار الخلاف والتنافر.
فدوام العلاقة بین الزوجین مرهون بمدى قدرة الزوجین على الحد من نقاط الخلاف، والعمل المخلص لمنع أسبابه، وهذا کله یتوقف على مدى إدراک وفهم کل من الزوجین حقوقه, وواجباته تجاه الآخر، فی حدود ما شرع الله([15]).
4 ـ الشک وعدم الثقة بین الزوجین:
تعتبر الثقة المتبادلة عاملاً أساسیاً لإنجاح أی علاقة اجتماعیة، ولذلک یعد فقدان الثقة بین الزوجین من أهم المشکلات التی تواجه الأسرة، وتتسبب فی العنف الأسرى، ففی دراسة أجریت عن جریمة القتل داخل العائلة من واقع الجرائم المنشورة فی الصحف المصریة تبین : أن 22.89% من جرائم القتل داخل العائلة کانت بدافع الشک فی السلوک([16]).
ولهذا نجد أن الإسلام نهی عن سوء الظن الذی یتنافى مع المعاشرة الزوجیة بالمعروف فعن جَابِرٍ- رضی الله عنه - قَالَ: «نَهی رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله علیه وسلم- أَنْ یَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَیْلاً یَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ یَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ » ([17]).
قال الإمام النووی- رحمه الله تعالی - : " یتخونهم : یظن خیانتهم, ویکشف أستارهم, ویکشف هل خانوه أم لا ؟ "([18]).
فانعدام الثقة بین الزوجین یخلق حالة من الشک والغیرة([19]) المتطرفة، وهذا فی حد ذاته کفیل بإشاعة جو من التوتر والعنف داخل الأسرة.
والغیرة بین الزوجین قد تنقلب إلى ظاهرة مرضیة تعصف بالرابطة الزوجیة بل ربما تؤدى إلى ارتکاب جریمة إذا ما نفث الشیطان فیها سمومه([20]).
ففی دراسة أجریت حول جرائم العنف أکدت : أن الغیرة الشدیدة کثیراً ما تدفع بالطرف الآخر للعلاقة الزوجیة ، إلى القیام بنشاط یشبه عملیات التجسس ، وعملیات التحری, مما یؤدى بلا شک إلى توتر العلاقة بین الزوجین ، وظهور أشکال مختلفة من العنف([21]).
من أجل ذلک ولتجنب الوقوع فی المحظور، دعا الإسلام إلى الاعتدال فی الغیرة وعدم المبالغة فی الاحتکام إلیها، فإن الغیرة منها ما هو محمود، ومنها ما هو مذموم، فالغیرة المحمودة هی التی فی محلها ولابد منها، أما الغیرة بسبب الشک والوساوس التی لا أساس لها ولا مبرر فهی مذمومة، وهی الشرارة الأولى فی إذکاء نار الکراهیة والبغضاء والعنف([22])، فعَن أَبِی هُرَیْرَةَ - رضی الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله علیه وسلم- : « إنَّ مِنْ الْغَیْرَةِ مَا یُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا یَکْرَهُ اللَّهُ فَأَمَّا مَا یُحِبُّ فَالْغَیْرَةُ فِی الرِّیبَةِ([23]) وَأَمَّا مَا یَکْرَهُ الله فَالْغَیْرَةُ فِی غَیْرِ رِیبَةٍ)([24]).
5ـ تأثیر أصدقاء السوء:
من الأسباب الاجتماعیة الخارجة عن إرادة الزوجین فی مشکلة العنف بین الزوجین ، والتی قد توجد الخلافات والمشکلات الأسریة، الاختلاط بأصدقاء السوء وتأثیرهم على العلاقات الأسریة ([25]).
فقد یکون رفاق السوء سبباً فی خلق افتراءات على الزوجة والوشایة للزوج، فیدسون له السموم التی تفسد أفکاره، فتنعدم ثقته بزوجته فیمنعها من الخروج والزیارات ، حتى زیارة والدیها ، ویضیق علیها الخناق ، فیمنعها من مقابلة الأهل والجیران، کما قد یصل به الأمر إلى ضربها وإهانتها أو طلاقها، وکل ذلک بسبب الأکاذیب والافتراءات من أصدقاء السوء, والتی لا أساس لها من الصحة.
کما قد یتدخل أصدقاء السوء فی إفساد العلاقة بین الزوجة وزوجها، والتدخل فی أسرار الزوجین ، بما یخلق المتاعب التی تؤدى بالمرأة إلى تنغیص أمن البیت وتحویله إلى جحیم لا یطاق , فلا یتحمل الزوج تلک المتاعب ، فینشأ من جراء ذلک صراع بین الزوجین, قد یؤدى إلى قطع العلاقة وانهیار بنیان الأسرة ([26]).
6ــ تأثیر وسائل الإعلام:
من الأسباب التی تساهم فی انتشار العنف بین الزوجین ، ما تقوم به وسائل الأعلام المختلفة فی هذا العصر سواء کانت مسموعة , أو مرئیة , أو مقروءة ، فی انتقال الثقافات والأفکار المتعددة والمنتشرة، والتی تحمل فی کثیر منها عقائد باطلة وأفکاراً منحرفة وتوجیهات سیئة، وأصبح المجتمع المسلم متأثراً بهذه العقائد والعادات والتقالید.
فأعداء الإسلام یحاولون من خلال وسائل الإعلام المختلفة , خداع المرأة المسلمة بقذف شبهاتهم الظالمة الآثمة، بأن الإسلام لم یساوی بین الرجل والمرأة فی مسألة القوامة والدرجة، وانفراد الرجل بالطلاق، کما یبذل أعداء الإسلام جهداً کبیراً فی إفساد أخلاق المرأة لترفض أو تخرج عن تعالیم الدین، وما هدفهم إلا سلب القیم والمبادئ الاجتماعیة الخیرة من فکر المرأة، وجرفها مع التیار فتقوم بهدم حیاتها الأسریة، وهو غرض أعداء الإسلام لتقویض بنیان الأسرة والمجتمع الإسلامی([27]).
ومن هنا یجب أن ننبه على ضرورة بذل الجهد من کل شخص یرى فی نفسه القدرة العلمیة, أو الأدبیة ، أو الاجتماعیة فی التصدی لهذا السیل العارم من وسائل الإعلام العربیة والأجنبیة ، وما تحمله فی طیاتها من سموم وشرور فی الغالب الأعم ، وذلک عن طریق التوعیة الدینیة وتقویة نوازع الخیر فی نفوس الناس، حتى یکون عندهم قدرة ومعرفة ، لتمییز الغث من السمین، والخطأ من الصواب ، والنافع من الضار.
7- العوامل الاقتصادیة:
تلعب الظروف الاقتصادیة دوراً کبیراً ومهماً فی انتشار العنف بین الزوجین فوجود مصدر تمویل مالی للزوج یعتبر عاملاً أساسیاً فی تماسک أسرته وتحقیق احتیاجاتها المختلفة، والعکس صحیح، فالظروف الاقتصادیة السیئة تشکل عائقاً فی طریق توافق الزوجین وتکیَّف الحیاة الأسریة، وغالباً ما یحدث صراع بین الزوجین بسبب توفیر الحاجات الأساسیة لأفراد الأسرة، وقد یتطور هذا الصراع إلى نوع من الشجار والضرب العنیف، وغالباً ما یکون هذا العنف واقعاً من جهة الزوج على زوجته، ومن الأب على أبنائه، وقد یقوم بعض الأبناء بضرب آبائهم من أجل الحصول على المال.
ففی دراسة أجریت على حوادث العنف تبین أن الجانب الاقتصادی له دور مؤثر فی حالات العنف داخل الأسرة ([28]).
8ـ الإصابة بالأمراض النفسیة والعصبیة:
مما لاشک فیه أن الصحة النفسیة عامل أساسی فی توازن سلوک الفرد، وأن الإصابة بالأمراض النفسیة والعصبیة([29]) لابد أن یخل بهذا التوازن، أما بالنسبة لعلاقة الأمراض النفسیة والعصبیة بالعنف الأسرى، فقد کشفت إحدى الدراسات عن وجود علاقة طردیة بین الأمراض العقلیة وارتکاب جرائم العنف , فکلما کان الفرد مصاباً بالأمراض العقلیة کلما اتسم سلوکه بالعنف, وکلما بُعد عن الأمراض العقلیة بعد سلوکه عن العنف، وأصبح الفرد یشعر بقدرته العقلیة، وتقل احتمالیة ارتکابه جرائم السلوک العنیف([30]).
کما أثبتت إحدى الدراسات التی أجریت فی محافظة الطائف أن 92% من حالات قتل الزوجة کانت لأفراد سبق أن حصلوا على معالجة نفسیة من أحد الأمراض([31]).
ولما کان للأمراض العصبیة والنفسیة أثر على العلاقات الأسریة، وتُعرض الأسرة لکثیر من المشکلات , ومنها مشکلة العنف بین الزوجین، نجد أن الإسلام اهتم ونظم عملیة الاختیار، وجعل النظر إلیها بمنظار عقلی فی اختیار الزوجة التی تنتمی إلى أسرة سلیمة من العاهات المزمنة والأمراض الوراثیة، وقد أمر بذلک الرسول - صلى الله علیه وسلم- فقال« تَخَیَّرُوا لِنُطَفِکُمْ وَأَنْکِحُوا الأَکْفَاءَ وَأَنْکِحُوا إِلَیْهِمْ»([32]).
فالنبی- صلى الله علیه وسلم- أمر بحسن اختیار الزوجة الصالحة ذات الصفات الحمیدة والصحة الجیدة السلیمة ؛ لأن صفات الزوجة وصفات آبائها وأجدادها تنتقل إلى أولادها وأحفادها بالوراثة , وخصوصاً إذا کان هناک مرض وراثی عائلی ، وإنها لمعجزة حقاً أن یشیر النبی - صلى الله علیه وسلم- إلى تلک الحقائق عن الوراثة قبل أن یعرفها العلم الحدیث بقرون عدیدة([33]).
9ـ تعدد الزوجات بدون سبب:
یعد تعدد الزوجات من العوامل المسئولة عن العدید من حالات العنف بین الزوجین ، فالتعدد یؤدى إلى تفضیل زوجة على أخرى، أو إهمال الزوجة الأولى , وعدم تلبیة احتیاجات أبنائها، ومن أجل دفع الظلم الواقع على الزوجة الأولى أو أبنائها شرع الإسلام تعدد الزوجات ولکنه شرط العدل بینهن قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}([34]).
والمقصود بالعدل الذی هو شرط لإباحة التعدد ، والذی یأثم الزوج إن لم یلتزم به ، هو العدل فی الأمور الظاهریة التی یملکها بإرادته کالنفقة ، والکسوة، والمبیت ، وتهیئة المسکن لکل واحدة منهن ،أما الأمور التی لا یستطیع أن یملکها الزوج کالمیل القلبی ، والمحبة فلا یشرط فیها العدل ، ولا یؤاخذ الزوج علیها([35]).
فعن عائشة- رضی الله عنها- قَالَتْ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله علیه وسلم- یَقْسِمُ فَیَعْدِل وَیَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قسمی فِیمَا أَمْلِکُ فَلاَ تَلُمْنِی فِیمَا تَمْلِکُ وَلاَ أَمْلِکُ»([36]).
فالحدیث الشریف دل علی أنه - صلى الله علیه وسلم- کان یقسم بین نسائه, وإن کان القسم غیر واجب علیه ، وذلک من خصائصه، فأنه کان یقسم من حیث عشرته ، وکمال حسن خلقه وتألیف قلوب نسائه، وإن کان العدل فی القسم بین الزوجات واجب على أمته ([37]).
المبحث الأول
الوسائل الشرعیة الوقائیة لمنع حدوث العنف بین الزوجین
تمهید:
حرص الإسلام من خلال تشریعاته الکریمة على توطید العلاقة بین الزوجین , وحارب کل سلوک من شأنه أن یؤدى إلى تعکیر صفو المحبة والألفة بینهما , ووضع تدابیر وقائیة من شأنها إنجاح العلاقة الزوجیة , والبعد عن العنف بین الزوجین ، ومن أهمها ما یلى فی المطالب التالیة:
المطلب الأول : حسن العشرة بین الزوجین
المطلب الثانی : العدل والإنصاف فی استخدام حق القوامة
المطلب الثالث : حق الزوجة فی العدل والمساواة حال التعدد
المطلب الأول
حسن العشرة بین الزوجین
مما لاشک فیه أن حسن العشرة بین الزوجین, وقیام کل واحد منهما بواجبه تجاه الآخر، سبب عظیم من أسباب نجاح العلاقة الزوجیة , وانعدام أسباب الخلاف والنزاع بین الزوجین.
فالحیاة الزوجیة کی تستقیم , وتسیر العلاقة بین الزوجین سیراً سلیماً، وتسود المودة والرحمة بینهما, أمر الإسلام الزوج بحسن معاشرة زوجته ، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَکْرَهُواْ شَیْئاً وَیَجْعَلَ اللّهُ فِیهِ خَیْراً کَثِیراً}([38]).
فالله تبارک وتعالى أمر فی الآیة الکریمة الأزواج بحسن عشرة زوجاتهن ، وذلک بتوفیة حقوقهن فی المهر والنفقة ، وألا یعبس فی وجه زوجته بغیر ذنب، وأن یکون منطلقاً فی القول لا فظاً ، ولا غلیظاً، ولا مظهراً میلاً إلى غیرها ، فإن ذلک أهدأ للنفس, وأهنأ للعیش ([39]).
قال ابن کثیر - رحمه الله تعالى - فی قوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}: " أی طیبوا أقوالکم لهن, وحسنوا أفعالکم بحسب قدرتکم ، کما تحب ذلک منها ، فافعل أنت بها مثله " ([40]).
کما أن الآیة الکریمة بینت أن العشرة بین الزوجین تقتضی عدم الاستجابة لمقتضیات الکراهة بین الزوجین، فقد تکره الزوجة زوجها وتؤدی هذه الکراهة إلى عدم طاعتها له وتنکرها لحقوقه، وقد یکره الزوج زوجته ، وتؤدی هذه الکراهة ، إلى أن یتنکر الرجل لزوجته من جمیع حقوقها, الأمر الذی یترتب علیه ظلمها وسوء معاشرتها، وهنا لابد للرجل والمرأة من تحکیم العقل , والشعور بالمسئولیة , والمصلحة العامة المتمثلة فی البیت والأولاد والأهل والمجتمع , وفی هذا الصدد یقول الله تعالى:{فإِن کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَکْرَهُواْ شَیْئاً وَیَجْعَلَ اللّهُ فِیهِ خَیْراً کَثِیراً}([41]).
وکما أن الإسلام أمر الزوج بمعاشرة زوجته بالمعروف ، أمر الزوجة أیضا بمعاشرة زوجها بالمعروف فی آیة واحدة ، یقول الله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِی عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}([42]).
فالآیة صریحة فی بیان حقوق وواجبات کل من الزوجین فی المعاشرة الزوجیة ؛ لیأمن کل منهما عدوان الآخر، فتسود بینهما المودة والرحمة، وتثمر الحیاة الزوجیة ثمارها المرجوة.
قال القرطبی - رحمه الله تعالى - فی معنى الآیة: " أی لهن من حسن الصحبة، والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذی علیهن من الطاعة فیما أوجبه علیهن لأزواجهن، وقیل : إن لهن على أزواجهن ترک مضرتهن ، کما کان ذلک علیهن لأزواجهن" ([43]).
فهذه الآیة تعطی الرجل میزاناً یزن به معاملته لزوجه فی جمیع الشئون والأحوال، فإذا هم بمطالبتها بأمر من الأمور ، یتذکر أنه یجب علیه مثله بإزائه, ولهـذا قـال ابن عباس - رضی الله عنهما-: « إنی لأَتَزَیَّن لامْرَأَتِی کما تَتَزَیَّن لی » ([44]) ؛ للآیة الکریمة ، ولیس المراد بالمثل فی الآیة الکریمة المثل لأعیان الأشیاء والأشخاص، وإنما أراد أن الحقوق بینهما متبادلة وأنهما أکفاء ، فما من عمل تعمله المرأة للرجل ، إلا وللرجل عمل یقابله لها, إن لم یکن مثله فی شخصه فهو مثله فی جنسه، فهما متماثلان فی الحقوق والواجبات، کما أنهما متمثلان فی الذات والإحساس والشعور والعقل، أی : أن کلاً منهما بشر تام له عقل یتفکر فی مصالحه، وقلب یحب ما یلائمه ویسر به، ویکره ما لا یلائمه وینفر منه، فلیس من العدل أن یتحکم أحد الصنفین فی الآخر , ویتخذه عبداً یستذله، ویستخدمه فی مصالحه لاسیما بعد عقد الزوجیة والدخول فی الحیاة المشترکة، التی لا تکون سعیدة إلا باحترام کل من الزوجین الآخر والقیام بحقوقه([45]).
والآیة على إیجازها دستور شامل، جمع فی طیاته قوانین العلاقة بین الزوجین، وقرر المساواة فی استیفاء الحق وأداء الواجب، فلا یکلف أحدهما صاحبه ما لیس له ، ولا یبخسه من حقه شیئاً، وقد جعل للزوج حقوقاً على زوجته، کما جعل لها حقوقاً علیه، واستیفاء الحق مشروط بأداء الواجب, فواجب المرأة أن تشعره بالتقدیر والتکریم، وأن تبادله البذل والمنح وتحمیه من الأکدار والمنغصات، ولا ترد له قولاً، ولا تهین إرادته وتسفه رأیه، وتشعره بالجحود والنکران، بل علیها لزوجها حق الطاعة التامة فی غیر معصیة ، وواجب الزوجة على زوجها إکرامها واحترامها ، بل إن الطاعة لن تتوافر بحال من الأحوال إلا إذا تحققت هذه الکرامة التی هی شرط أساسی، فعلى الزوج أن یکرمها ویرعاها ویحترمها، ویجلها, فلیس هناک ما هو أولى بالتکریم من المرأة العفیفة البارة ([46]).
المطلب الثانی
العدل والإنصاف فی استخدام حق القوامة
أعطى الإسلام الرجل حق القوامة على زوجته باعتباره الأقدر والأوفق بمسئولیاتها بحکم طبیعته ، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }([47]).
فالآیة الکریمة بینت أن الرجال أهل قیام على نسائهم فی تأدیبهن، والأخذ على أیدیهن ، فیما یجب علیهن لله تعالى ولأنفسهن بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إلیهن مهورهن وإنفاقهم علیهن أموالهم ، وکفایتهم إیاهن مؤنهن، وذلک تفضیل الله - تبارک وتعالى- إیاهم علیهن، ولذلک صاروا قُوَّامًا علیهن نافذی الأمر علیهن، فیما جعل الله إلیهم من أمورهن([48]).
ولیست قوامة الرجل على المرأة قوامة استبداد واستعباد, إنما هی قوامة توجیه وإرشاد، فقد قضت السنة الکونیة أن یکون فی الأسرة قیم، یدیر شئونها، ویتعهد أحوالها، وینفق من ماله علیها، لتؤدی رسالتها على أکمل الوجوه، والنطاق الذی تشمله قوامة الرجل، لا یمس حرمة کیان المرأة ولا کرامتها، وهذا هو السر العظیم فی أن القرآن الکریم لم یقل (الرجال سادة على النساء)، وإنما اختار هذا اللفظ الدقیق {قوامون} لیفید أنهم یصلحون ویعدلون، لا أنهم یستبدون ویتسلطون، فنطاق القوامة محصور إذن فی مصلحة البیت، والاستقامة على أمر الله تعالى وحقوق الزوج.
إن قوامة الرجل إنما هی وظیفة شرعیة جعلها الشارع للرجل، فلیس من حقه استغلال هذه الوظیفة فی الإساءة للزوجة أوالتقلیل من شأنها أو تکلیفها ما لا تطیق، وإنما یجب علیه عند مباشرة هذه الوظیفة أن یکون عادلاً فی تعامله, منصفاً فی معاملته لزوجته، مراعیاً حقوقها وواجباتها، ومما یؤسف له أن الکثیر من الرجال یستخدمون وظیفة القوامة على أنها سیف مسلط على رقبة المرأة، وینسى أو یتناسى الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة التی تحذر الأزواج من ظلم أزواجهن، وتبین لهم حرمة الاعتداء على النساء سواء أکان ذلک الاعتداء مادیاً أم معنویاً، وهذا مما جعل الکثیر من أعداء الإسلام یتمسکون بمثل هذه القضایا لتشویه صورة الإسلام والمسلمین([49]).
فالقوامة لا تعنی إلغاء حقوق المرأة أو تهمیش شخصیتها ، ولا تعنی أیضاً الإذن للرجل بإیذاء المرأة والنیل منها، إنما تعنی قیام الرجل بواجباته تجاه المرأة وتجاه أسرته.
وعلى هذا یتبین أن القوامة تشریف للمرأة وتکریم لها ، وتکلیف للرجل , حیث أوجب علیه الشارع رعایة زوجته وحمایتها، وحفظها من الضیاع والنظر فی شئونها ، وبذل الأسباب المحققة لسعادتها وطمأنینتها, ولعل هذا یصحح المفهوم الخاطئ لدى کثیر من الرجال من أن القوامة: تسلطٌ وتعنتٌ وقهر للمرأة وإلغاء لشخصیتها، وهذا ما یحاول أعداء الدین تأکیده من أجل تشویه أحکام الشریعة الغراء.
المطلب الثالث
حق الزوجة فی العدل والمساواة حال التعدد
إذا کان العدل مأموراً به ومرغباً فیه فی حق المجتمع بصفة عامة، ففی حق الزوجة على الزوج یکون أوکد ؛ لأن الزوجین هما نواة المجتمع, وهما اللبنة الأولى للبناء الاجتماعی کله، ونقطة الانطلاق إلى الحیاة الاجتماعیة العامة ، فإذا لم تقم علاقة الزوجین على العدل والود والمساواة، فلا عدل ولا ود ولا مساواة فی المجتمع کله, ولهذا أمر الله تبارک وتعالى الأزواج بالعدل عند التعدد قال تعالى:{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ ذَلِکَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}([50]).
فتعدد الزوجات بمقتضى هذه الآیة أمر مباح، لکن الإسلام حین أباحه لم یدعه مطلقاً، بل وضع له قیوداً کثیرة, حیث جاء العدد محدداً ، بأن لا یزید على أربعة نساء ، وجاء التعدد مقیداً بالعدل, وإلا امتنع التعدد .
یقول محمد رشید رضا - رحمه الله تعالى -: " إن الاکتفاء بواحدة أدنى وأقرب لعدم العول , وهو الجور والمیل إلى أحد الجانبین دون الآخر , فأکد الله سبحانه أمر العدل وجعل مجرد توقع الإنسان عدم العدل من نفسه کافیاً لمنع التعدد, لذلک کان کافیاً أن نحکم بأن الذواقین الذین یتزوجون کثیراً لمجرد التنقل والتمتع یوطئون أنفسهم على ظلم الزوجة الأولى، ومنهم من یتزوج لأجل أن یغیظها أو یهینها، ولا شک أن هذا محرم فی الإسلام، لما فیه من الظلم الذی هو خراب البیوت، بل خراب الأمم والناس عنه غافلون باتباع أهوائهم " ([51]).
فهؤلاء الرجال لم یفهموا حکمة الله تعالى فی مشروعیة التعدد، بل اتخذوه طریقاً لصرف الشهوة واستحصال اللذة لا غیر, وغفلوا عن القصد الحقیقی منه, وهذا لا تجیزه الشریعة الغراء, ولا یقبله العقل السلیم ، فاللازم علیهم حینئذٍ الاقتصار على واحدة إذا لم یقدروا على العدل.
والعدل المطلوب کشرط لإباحة تعدد الزوجات , والذی یؤاخذ الزوج ویأثم إن لم یلتزم به , هو العدل فی الأمور الظاهریة التی یملکها الزوج بإرادته وذلک کأن یسوی بین الزوجتین فی النفقة والمبیت والکسوة ، فلا ینبغی المیل تجاه واحدة من الزوجات میلاً یترتب علیه تعمد فی التقصیر والإهمال لغیرها .
قال الإمام الکاسانی - رحمه الله تعالى -: " فإن کان له أکثر من امرأةٍ فعلیه العدل بینهن فی حقوقهن من القسم والنفقة والکسوة وهو التسویة بینهن فی ذلک حتى ولو کانت تحته امرأتان حرتان أو أمتان یجب علیه أن یعدل بینهما فی المأکل والمشرب والملبس والسکنى والبیتوتة " ([52]).
والحکمة من العدل بین الزوجات فی الأمور التی أوجب الإسلام العدل فیها بین الزوجات من المبیت والنفقة والسکنى وغیر ذلک ، یحمی العلاقة الزوجیة من النزاع والفرقة ، ویحمی الزوج من ظلم المرأة وهضم حقوقها ، ویحمی المرأة من أن تتعرض للذل والمهانة .
أما العدل فی مشاعر القلوب وأحاسیس النفوس فلا یطالب به أحد من بنی الإنسان، ولا تجب المساواة فیه؛ لأنه خارج عن إرادة الإنسان، ولن یستطیع الرجل التسویة بین نسائه فیه - ولو حرص - ، إذ أنه لابد من التفاوت فیه ، فهو مما یملکه الله عز وجل , والقلوب بین أصبعین من أصابع الرحمن یقلبها کیف یشاء، ولا حرج فی ذلک ولا مؤاخذة فیه على الرجل ([53])، هذا العدل الذی قال الله تعالى عنه:{وَلَن تَسْتَطِیعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَیْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِیلُواْ کُلَّ الْمَیْلِ فَتَذَرُوهَا کَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ کَانَ غَفُوراً رَّحِیماً}([54]).
المبحث الثانی
الوسائل الشرعیة العلاجیة للحد من العنف الأسرى
تمهید:
الحیاة الأسریة لا تسیر دائماً وفق الأمانی والأحلام، فقد یحدث ما یعکر صفوها بسبب الظلم والتجاوز من الرجل على المرأة , أو من المرأة على الرجل, أو قد یکون منهما, وفی هذه الحالات لابد من التدخل للمعالجة وإنقاذ الحیاة الزوجیة ما أمکن , وإلا تعرضنا لمشکلات کثیرة وخطیرة تهز أمن المجتمع واستقراره , ومنها مشکلة العنف بین الزوجین, والوسائل العلاجیة لمشکلة العنف بین الزوجین لها خطوات عدیدة أقرها الإسلام من أهمها ما أبینه فی المطالب التالیة:
المطلب الأول : التدرج فی معالجة المشاکل بین الزوجین وعدم المبالغة
المطلب الثانی : التحکیم بین الزوجین
المطلب الثالث : الطلاق عند تعذر بقاء الزوجیة
المطلب الرابع : الخلع دفعا لضرر الزوجة وعدم أداء الحقوق الزوجیة
المطلب الأول
التدرج فی معالجة المشاکل بین الزوجین وعدم المبالغة
تقوم نظرة الإسلام إلى المشاکل العائلیة على التوسط والحذر, سواء من حیث اعتبارها مشاکل ینبغی الالتفات إلیها، أم من حیث العلاج الذی یفترض أن یقوم على التدرج، وهو ما یحظر الانتقال من العلاج الأدنى إلى العلاج الأشد إلا عند فشل ذلک الأدنى فی تحقیقه للمطلوب، ولما کان الزوجان بشراً ، وطبائعهم قد تکون متباینة ومختلفة, فإن ذلک یحتم وجود بعض الخلافات بینهما, وهو ما یستلزم درجة معقولة من الصبر والاحتمال، وإن کان من معالجة لتلک الخلافات العادیة؛ فلتکن بالحکمة والکیاسة واللطف، حتى لا یتفاقم الأمر بینهما، وإلا فإن الوقوف عند کل اختلاف سیؤدى إلى تعکیر الحیاة الزوجیة وتحویلها إلى محکمة دائمة الانعقاد، وهذا لا یمنع بطبیعة الحال حصول الموعظة اللطیفة أو المعاتبة الهادئة صراحة أو بالإیحاء، بل لعل هذا لا یمنع حتى من وقوع الهجر اللطیف فی حالات معینة باعتباره عتاباً صامتاً على تصرف غیر لائق, کان قد صدر عن الشریک, بید أنه لا یقع الانتقال من الوعظ إلى الهجر، إلا عند عدم جدوى الوعظ, کما لا ینبغی لهذا الهجر أن یطول حتى لا ینقلب إلى ضده، ویتحول الهجر إلى قطیعة أو إلى ما یشبه الإیلاء.
ویشهد لهذا قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَیْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً إِنَّ اللّهَ کَانَ عَلِیّاً کَبِیراً }([55]).
فالآیة الکریمة هنا تحدثت ابتداءً عن النساء الصالحات اللاتی یحفظن ما أمر الله تعالى بحفظه، هذا الصنف من النساء لم تتحدث الآیة عن أی شکل من أشکال المعالجة ، إنما تم الحدیث عن ذلک فی المقطع الذی تناول المرأة الناشز، حتى هذا الصنف من النساء فإن الإجراءات التأدیبیة لیست سوى علاج محدود یهدف إلى العودة به إلى طریق الاستقامة من غیر بغى ولا عدوان، ویکون بالتدریج ، وهذا المفهوم الواضح للآیة یجعل المرء واثقاً من قوله بأن التأدیب المذکور هنا وإن کان متدرجاً ،فإنه لیس لجنس النساء عامة , ولا هو مرغوب فیه بحال، إنما هو علاج محدود لفریق غیر سوى لم یُجدِ معه أی علاج آخر وهو فریق النساء الناشزات([56]).
أما إذا کان النشوز صادراً من قِبَل الرجل وفی هذه الحال ینبغی للمرأة أن تحرص على کسب مودة زوجها والتلطف معه، ومحاولة استمالته إلیها, بما تملکه من وسائل جذابة من کلام طیب رقیق وأحادیث مؤنسة، وتحاول إغراءه واستثارة مشاعر مودته ومحبته لها، وتحرص على ملاطفته ومداعبته وإیناسه ، ویمکن للزوجة أن تتنازل عن بعض حقوقها من مهر أو قسم أو نحو ذلک, حرصاً على استدامة الزوجیة وعصمة الزواج([57]) ، کما فعلت أم المؤمنین سودة بنت زمعة - رضی الله عنها –زوج النبی – صلى الله علیه وسلم - حین کرهت أن یفارقها رسول الله - صلى الله علیه وسلم - فوهبت یومها لعائشة - رضی الله عنها([58]).
فالزوجة ینبغی علیها أن تحرص بکل الوسائل الممکنة على أن تجعل زوجها یثوب إلى رشدة ، ویتنازل عن تمرده ونشوزه ([59]).
قال تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَیْهِمَا أَن یُصْلِحَا بَیْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَیْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیراً}([60]).
قال الإمام الطبری - رحمه الله تعالى - فی تفسیر الآیة:
" أی فلا حرج علیها یعنى على المرأة الخائفة نشوز بعلها أو إعراضه عنها ، أن یصلحا بینهما صلحاً , وهو أن تترک له یومها, أو تضع عنه بعض الواجب لها من حق علیه تستعطفه بذلک , وتستدیم المقام فی حباله والتمسک بالعقد الذی بینها وبینه من النکاح, والصلح خیر, یعنى والصلاح بترک بعض الحق استدامة للحرمة وتمسکاً بعقد النکاح خیر من طلب الفرقة والطلاق" ([61]).
إن العلاج عن طریق تنازل الزوجة عن بعض حقوقها یثمر فی بقائها فی عصمة الزوج فی کلا حالتی النشوز والإعراض، ففی حالة النشور یکون الزوج غیر قائم أصلاً ببعض هذه الحقوق, فیأتی صبر المرأة عما قصر فیه الزوج بمثابة الصفعة القویة التی ترغم أمثال هؤلاء الأزواج على إعادة حساباتهم مع أمثال هذه المرأة الصابرة على الظلم, وکم من حالة للهجر والظلم والعنف تعانى منها الزوجة فی الفترة الأولى من حیاتها, ثم بصبرها وتنازلها عن حقوقها وعدم شکواها إلى قضاء أو غیره، یعود الزوج إلى رشده, ویتبدل الظلم إلى إحسان, والعنف إلى رحمة ومودة، فنرى فی الفترة الأخرى سعادة تظلل الحیاة الزوجیة ، وفی حالة الإعراض فإنها تستبقى مودته وتحضه على إمساکها, عندما تمنحه بعضاً من حقوقها علیه , فیبقى علیها ویزداد تمسکاً بها([62]).
وهذا العلاج من الزوجة راجع إلى اختیارها, ولیس مفروضاً علیها ، والدلیل علیه قوله تعالى: {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَیْهِمَا أَن یُصْلِحَا بَیْنَهُمَا صُلْحاً}.
قال الواحدی - رحمه الله تعالى-: "وهذا إن رضیت بذلک لکراهة فراق زوجها , ولا تجبر على هذا ؛ لأنها إن لم ترضِ بدون حقه کان الواجب على الزوج أن یوفیها حقها " ([63]).
وإنما یحل للرجل ما تعطیه له الزوجة من حقها إذا کان برضاها ، لاعتقادها أنه خیر لها من غیر أن یکون ملجئاً إیاها بما لا یحل له من ظلمها أو إهانتها ([64]).
فالزوجة لها أن تصبر على هضم حقوقها فی حال نشوز الزوج, أو أن تتنازل عن بعض هذه الحقوق باختیارها فی حالة إعراضه، وإلا لها الحق فی أن ترفع أمرها إلى القاضی, وتطالب بهذه الحقوق عند نشوزه وإعراضه عنها , أو أن یطلقها إن لم یوفها حقوقها عند إعراضه، وهی وحدها التی لها حق القرار فی التنازل عن حقها أو المطالبة به والإصرار علیه، ولا یجوز للزوج أن یمسکها مع التقصیر فی حقوقها إن طالبته بها، فإما أن یعاشرها بالمعروف , أو یفارقها بإحسان کما قال الله تعالى :{فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ}([65]).
المطلب الثانی
التحکیم بین الزوجین
قد یستفحل الخلاف بین الزوجین ویحتدم النزاع بینهما ویعجزا عن معالجة مشکلتهما، وتخرج الأمور من أیدیهما، فهنا لابد من تدخل أسرة کلِ من الزوجین عن طریق التحکیم: حکم من أهله, وحکم من أهلها، یبذلان وسعهما فی التعرف على أسباب الخلاف، ومحاولة القضاء علیه، وتحقیق الصلح بین الزوجین وإعادة الوئام بینهما([66])، قال الله تعالى:{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَیْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَکَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَکَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن یُرِیدَا إِصْلاَحاً یُوَفِّقِ اللّهُ بَیْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ کَانَ عَلِیماً خَبِیراً }([67]).
ومن الحکمة الإلهیة فی علاج هذه القضیة، أنه نُص فی الآیة على أنه ینبغی أن یکون الحکمان من أهله، ومن أهلها، وإن کان یجوز أن یبعث غیرهما ؛ لأن ذلک أدعى للوفاق وإقامة العدل، فهما أعرف ببواطن حالهما من الأجانب، وأشد طلباً لإصلاح ما بینهما من شقاق([68]).
والقول بحتمیة الحکمین والإسراع ببعثهما عندما یعظم الشقاق وتتأزم الأمور وتزداداً تعقیداً ,سیحد کثیراً من ظاهرة العنف والشقاق بین الزوجین, ویعید الزوجین إلى الوفاق وترک الخلاف ؛ لأنه لا یمکن أن یشعر المرء بخطأ نفسه، ولا بکونه ظالماً فی نزاعه, إلا إذا وجد رأیاً سدیداً موثوقاً به, یخبره بتقصیره ویبصره بخطئه وظلمه ؛ فلا شک أنه سیقلع عما کان منه, ولا یوجد شخص یرضى لنفسه أن یکون ظالماً، وهو ما یفعله الحکمان بعد اجتماعهما بالطرفین وسماعهما لأسباب الشقاق والنزاع.
المطلب الثالث
الطلاق عند تعذر بقاء الزوجیة
شرع الله تبارک وتعالى النکاح سکناً للزوجین ومبعث ألفة ومحبة، فکل من الزوجین تستقر عواطفه وأشواقه النفسیة إلى صاحبه, ویغمر کل منهما شریکه بالرحمة والود, قال تعالى: {وَمِنْ آیَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُم مِّنْ أَنفُسِکُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْکُنُوا إِلَیْهَا وَجَعَلَ بَیْنَکُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً }([69]).
ولکن أحیانا قد تفسد العلاقة بین الزوجین ویحل النزاع والخصام محل الألفة والوئام ، وینقلب ما کان بینهما من ودِ وحبِ إلى بغضاء وحقد، ویتحول الوفاق بینهما فیصیر تنافراً، وینقلب الهدوء العائلی إلى جو ملبد بغیوم المشاحنات، وینضب معین الود العائلی, وتُمحى آیات المعروف بین الزوجین, ویصل الشقاق بینهما إلى حد یستحیل عنده الصلح , وتصبح الحیاة الزوجیة جحیماً لا یطاق, وتصیر الأسرة مهددة بالضیاع والإنهیار، وقد تفسد أخلاق أحد الزوجین فلا یراعى لعقد الزوج عهداً ولا حرمة, ویندفع فی تیار العنف والظلم والفجور، وتعجز جمیع وسائل التقویم عن إصلاحه ورده إلى الطریق المستقیم.
لذلک وغیره شرع الحق تبارک وتعالى لنا الطلاق علاجاً وحلاً لتزول المفاسد, ویتخلص کلاً من الزوجین من الضرر الحاصل لها.
قال ابن قدامة - رحمه الله تعالى -: " فإنه ربما فسدت الحال بین الزوجین فیصیر بقاء النکاح مفسدة محضة وضرراً مجرداً, بإلزام الزوج النفقة والسکنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غیر فائدة , فاقتضى ذلک شرع ما یزیل النکاح لتزول المفسدة الحاصلة منه " ([70]).
إن فشل الزوجین فی حیاتهما الزوجیة وعدم استقرارهما وانتشار العنف بینهما یترتب علیه أمران هما:
الأمر الأول: استمرار الحیاة بینهما مع وجود العنف وسوء العشرة والشقاق.
الأمر الثانی: الافتراق بالطلاق، ولا شک أن استمرار الحیاة الزوجیة مع سوء المعاشرة لیس بالحل الحکیم، خلافاً لما یتوهمه بعض الناس، زعماً منهم أنه أهون من الطلاق، بل العکس هو الصحیح ؛ لأن الله - عز وجل - حرم تعذیب الإنسان لنفسه أو لغیره بأی نوع من أنواع العذاب، ولا ریب أن فی العنف وسوء العشرة تعذیب للطرف الآخر، والله - عز وجل - بین حقیقة وأهمیة الطلاق عند استحالة الحیاة الزوجیة فقال - عز وجل - :{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ}([71]).
إن المجتمعات الغربیة التی حرمت الطلاق على نفسها وتهجمت على الإسلام ؛ لأنه یبیح الطلاق، واعتبرت أنه یتعارض مع حقوق المرأة ویشتت الأسرة، بدأت تراجع نفسها، وتبیح ما حرمته على نفسها قروناً، فتطرفت فی فتح الأبواب على مصراعیها لهجر النساء وتطلیقهن، وإن لم یکن کذلک فبالهجران واتخاذ الأخدان([72]).
ولبیان عظمة الإسلام فی الحفاظ على تماسک الأسرة، وإکمالاً للمصلحة التی من أجلها شرع الطلاق، جعل الإسلام الطلاق ثلاثاً ؛ لأن النفس متقلبة، وربما تظهر عدم الحاجة إلى المرأة , والحاجة إلى ترکها ، فإذا وقع الطلاق حصل الندم وضاق الصدر، فشرعه الله ثلاثاً لیتسنى للزوجین مراجعة ما بدر منهما، لإصلاح الخلل وتدارک الأخطاء ومعالجتها، فإن رغب فی مراجعة الزوجة المطلقة، أعادها إلى عصمته بشرط قصد الإصلاح فیما بینهما، فالخلاف ربما قد حصل بسبب عدم معرفة الحقوق والواجبات، وبالتالی فإن محاولة الوفاق لابد أن تقوم على هذه الأسس فی تحدید الواجبات والحقوق لضمان استمرارها فی المستقبل قال تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ یَحِلُّ لَهُنَّ أَن یَکْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِی أَرْحَامِهِنَّ إِن کُنَّ یُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِی ذَلِکَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً}([73]).
فنظام المراجعة فی الطلاق من الأمور التی انفردت بها الشریعة الإسلامیة دون الشرائع الأخرى ، حرصاً على إعادة الرباط الزوجی بین الزوجین وحفاظاً على الذریة من الضیاع والتشرد، واستصلاحاً لما فسد بین الزوجین من مودة ورحمة, وهو فرصة لمراجعة الأخطاء والزلات والندم, والتخلص من التباغض والتنافر ، ثم العودة إلى بیت الزوجیة وما یظلله من مودة ورحمة وسکن([74]).
المطلب الرابع
الخلع دفعا لضرر الزوجة وعدم أداء الحقوق الزوجیة
المرأة إنسان مثل الرجل تملک مثلما یملک من مشاعر وعواطف، وقد تکره زوجها وتکره المقام معه فیحملها هذا البغض لزوجها على التقصیر فی حقوقه علیها، بسبب کراهیتها له، فیقابلها بتقصیر فیما علیه من حقوق نحوها, فتسوء العشرة فیما بینهما، وعند تعذر الوصول إلى حل لما بینهما من مشاکل، وذلک بمختلف الطرق والوسائل التی سبق ذکرها، فإن الشارع الحکیم مثلما جعل بید الرجل الطلاق لیتخلص منها إذا أحس بنفرته منها ، وظن استحالة العیش معها، کذلک شرع سبحانه وتعالى الخلع([75]) للزوجة لتفتدى نفسها من زوجها ببذل ما قدمه لها من صداق أو زیادة أو نقصان منه حسب الاتفاق.
قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: "والفقه أن الفداء إنما جعل للمرأة فی مقابلة ما بید الرجل من الطلاق، فإنه لما جعل الطلاق بید الرجل إذا فرک([76]) المرأة جعل الخلع بید المرأة إذا فرکت الرجل"([77]).
والدلیل على مشروعیة الخلع من الکتاب قول الله تعالى: {وَلاَ یَحِلُّ لَکُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَیْتُمُوهُنَّ شَیْئاً إِلاَّ أَن یَخَافَا أَلاَّ یُقِیمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ یُقِیمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَیْهِمَا فِیمَا افْتَدَتْ بِهِ}([78]).
أی : لا یحل للزوج أن یأخذ من زوجته مالاً تملکه إلا فی حالة الخوف من عدم إقامة حدود الله, وأداء الحقوق الزوجیة فیما بینهما، مثل بغض المرأة لزوجها أو سوء سلوکها فی بیتها، ففی هذه الحالة التی یحدث فیها الشقاق والنشوز إذا تعذر الاصلاح والوفاق ، أجاز الإسلام للزوج أن یأخذ من زوجته مالاً لتملک عصمتها([79]).
والدلیل من السنة على مشروعیة الخلع ما روى عن ابن عباس - رضی الله عنهما- أنه قال : « إَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَیْسٍ - رضی الله عنها - أَتَتْ النَّبِیَّ - صلى الله علیه وسلم - فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَیْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَیْهِ فِی خُلُقٍ وَلَا دِینٍ وَلَکِنِّی أَکْرَهُ الْکُفْرَ([80]) فِی الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله علیه وسلم- أَتَرُدِّینَ عَلَیْهِ حَدِیقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله علیه وسلم -: اقْبَلْ الْحَدِیقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِیقَةً » ([81]).
فالمرأة یباح لها أن تطلب الخلع فی حالة کرهها لزوجها أو بغضها المقام عنده, سواءً کان هذا البغض أو الکره بسبب طبیعی کدمامته أو قبح صورته، أو کان الکره لسبب شرعی کرقة أو نقص فی دینه- أی تقصیر فی أداء ما یجب علیه شرعاً، وقد یکون السبب فی بغضها کبر سنه وعجزه عن أداء حقها فی الوطء، وخشیت أن یؤدى کرهها لزوجها إلى التفریط فی حقوقه علیها, وما فی ذلک من لحوق الإثم بها لتعدیها حدود الله, وهو ما أوجبه الله للرجل على زوجته، فلا ترى وسیلة للخلاص من وقوعها فی المعصیة بتعدیها حدود الله إلا بالخلع فتطلبه من زوجها([82]).
قال البهوتی – رحمه الله تعالى : " وإذا کرهت المرأة زوجها لخُلُقِهِ ،أو خلقه أی صورته الظاهرة أو الباطنة ، أو کرهته لنقص دینه أو لکبره أو ضعفه أو نحو ذلک, وخافت إثماً بترک حقه, فیباح لها أن تخالعه على عوض تفتدی به نفسها منه"([83]).
ویستحب للزوج إذا طلبت الزوجة المخالعة إجابة طلبها ؛ لأن طلبها فی هذه الحالة یدل على کراهیتها له، ولکن إذا کان له میل قوى نحوها فلا یُطلب منه إجابة طلبها على وجه الاستحباب , وإنما یستحب من الزوجة أن تصبر على زوجها, وترضى بالمقام معه ولا تطلب الخلع ، إلا أن استحباب الصبر منها , وعدم طلبها المخالعة , لا یعنى وجوب ذلک علیها, بل یبقى من المباح لها طلب المخالعة من زوجها ([84]).
فإذا أصرت المرأة على المخالعة ولم یستجب الزوج لرغبتها وأصر واستکبر استکباراً ، فهل یملک القاضی إذا تحقق من جدیتها وإصرارها على ذلک ، أن یلزم الزوج بالمخالعة من غیر تحکیم ، ودون أن یکون لتقدیره دور فی إیقاع الطلاق أم لا ؟
اختلف الفقهاء فی هذه المسألة إلى رأیین:
الرأی الأول: ذهب جمهور الفقهاء الحنفیة, والمالکیة, والشافعیة والحنابلة ,والظاهریة إلى أن القاضی لا یملک مخالعة الزوجة عند عدم رضاء الزوج ؛ لأن الخلع من العقود الرضائیة التی لا تتم إلا بموافقة الطرفین، ومعظم أحادیث الخلع التی رویت عن النبی - صلى الله علیه وسلم- إذا کرهت المرأة زوجها ، أوقع فیها الطلاق بلسان الزوج، أی : یأمر الزوج أن یطلق الزوجة الکارهة، وحملوا الأمر فی ذلک للإرشاد والاستحباب لا للوجوب([85]).
الرأی الثانی: ذهب سعید بن جبیر , والحسن البصری, وابن سیرین([86]) ونفر من المحدَثِین([87]) إلى أن الخلع یقع بحکم القاضی, ولو کان بغیر إرادة الزوج؛ بل لا یجوز الخلع ولو کان بإرادة الزوجین إلا عند القاضی([88]).
ودلیلهم : قصة امرأة ثابت بن قیس -رضی الله عنها- وأن النبی -صلى الله علیه وسلم- أمر زوجها بتطلیقها، والأصل فی أمر النبی -صلى الله علیه وسلم- حمله على الإیجاب، فیجب على القاضی بالخلع للمرأة إذا طلبته, وإن لم یقبل زوجها الخلع([89]).
ورد هذا الاستدلال:
أن أمر النبی -صلى الله علیه وسلم- هو إرشاد وإصلاح لا إیجاب، فلا حجة فیه لمن یجعل طلب المرأة الخلع ملزماً للزوج, وأن على القاضی أن یحکم به للزوجة إذا طلبته، وکون صیغة الأمر الأصل فیها أنها للإیجاب صحیح, ولکن فی هذا الموضع الذی نحن فیه فإنه یحمل على الإرشاد والإصلاح بقرینة أن الخلع من مقوماته أنه یکون على مال، والتکییف الشرعی للخلع أنه معاوضة ، فلابد لانعقاده من موافقة طرفیه، کما هو الشأن فی عقود المعاوضات([90]).
الراجح فی هذه المسألة: أنه لیس من حق المرأة إلزام زوجها بقبول الخلع, ولیس من حقها الطلب من القاضی أن یحکم لها بالخلع بدون موافقة زوجها ؛ لأن القاضی یحکم بالحق الذی یملکه المرء إذا طلب من القاضی الحکم له به، والمرأة لا تملک هذا الحق, فلا یملک القاضی أن یحکم لها به إن طلبت ذلک منه([91]).
کما أن إجبار الزوج على الخلع یؤدى إلى ظلم عظیم له إذا لم یکن منه ظلم لها، وقد أخذت منه کل أمواله, وذلک یشجع الکثیر من النساء عند الخلاف مع الأزواج إلى طلب الخلع والإلزام به کیداً, کما یؤدى إلى ابتعاد راغبى الزواج من الرجال عن الزواج خشیة الضرر المحتمل منه بعد الزواج, طالما أن الزوجة تملک الخلع من زوجها فی أی وقت رضاءً أو قضاءً, ولابد للقاضی أن یجیبها لذلک.
لکن لیس معنى جعل الخلع مع المرأة غیر مُلزم للزوج قضاءً أو رضاءً أن ذلک فیه إضراراً بها إذا رفضه الزوج ولم یوافق علیه، حیث یمکن للزوجة فی هذه الحالة دفع هذا الضرر برفع الأمر للقضاء لدفع النزاع والشقاق بالصلح بینهما ، أو بالطلاق علیه إذا لم یطلق بإرادته الحرة؛ لأن ذلک طلاق بحق وإن أکره الزوج علیه([92]).
فالمرأة إذا أفصحت بأنها لا تطیق زوجها ولا تشعر معه بشیء من السکن والمودة, وأصبحت لا ترى فیه إلا السجن والشقاء, فإن على الزوج أن یتفاهم معها على المخالعة ؛ لأنه لا خیر فی استبقاء امرأة لا تریده وتشهر به وتجره إلى المحاکم، فإن تعنت ورفض اعتبر متعسفاً فی استعمال حقه فی امتلاک عصمة النکاح فهنا القاضی یملک إجباره على الطلاق من باب دفع الضرر عنها.
أما إذا ثبت أن طلب المرأة للمخالعة کان بقصد الإساءة للزوج أو لتحقیق مصلحة, لا تقاس بما یصیب الزوج من أضرار ویلحق الأسرة من تصدع وانهیار, فلا یصح حینئذ إجبار الزوج على الطلاق ؛ لأن الأحکام لم تشرع للإضرار, وإنما شرعت لتحقیق مصالح معینة لا یصح استغلالها لغیر ما شرعت له([93]).
قال الإمام الشاطبی- رحمه الله تعالى : " کل من ابتغى فی الشریعة غیر ما شرعت له فقد ناقض الشریعة, وکل من ناقضها, فعمله فی المناقضة باطل"([94]).
المبحث الثالث
الوسائل الشرعیة الجزائیة للحد من العنف بین الزوجین
تمهید:
الوسائل الشرعیة الجزائیة التی نحتاج إلیها للحد من أشکال العنف بین الزوجین تدخل فی مجال العقوبات التعزیریة، ویقصد بها : تأدیب إصلاح وزجر على ذنوب لم تشرع فیها حدود ولا کفارات([95])، ومجالها واسع لم یحدده الشرع کتحدیده للقصاص والحدود، فقد یأخذ التعزیر صورة الضرب أو الحبس ، أو التوبیخ ، أو المنع من مغادرة محل الإقامة ، أو الحرمان من بعض الحقوق أو غیر ذلک ، مما یراه القاضی مناسباً للمخالفة الشرعیة التی تحدث فی نطاق الأسرة ([96]).
قال شیخ الإسلام ابن تیمیة -رحمه الله تعالى- :
" وأما المعاصی التی لیس فیها حد مقدر ولا کفارة.... فهؤلاء یعاقبون تعزیرًا وتنکیلاً وتأدیباً، بحسب ما یراه الولی....، ولیس لأقل التعزیر حد، بل هو بکل ما فیه إیلام الإنسان، من قول وفعل، وترک قول، وترک فعل" ([97]).
وسوف أذکر فی هذا المطلب بعض الجزاءات التی ورد ذکرها فی الفقه الإسلامی کنوع من العقوبات التعزیریة على المخالفات التی تحدث بین الزوجین , بغرض الحد من العنف بین الزوجین أو إنهائه إن أمکن , وذلک فی المطالب التالیة:
المطلب الأول : تعزیر الزوجة للحد من عنفها مع الزوج.
المطلب الثانی : تعزیر الزوج للحد من عنفه مع الزوجة
المطلب الثالث : المنع من السفر حفاظاً لحق أحد الزوجین.
المطلب الرابع : التفریق بین الزوجین للضرر .
المطلب الأول
تعزیر الزوجة للحد من عنفها مع الزوج
إذا بلغ النشوز بالمرأة حد الاستعصاء والتعالی مع الامتناع عن فعل ما أوجبه الله تعالى علیها تجاه زوجها، کأن تظهر المرأة الکراهیة لزوجها, وتعلن عصیانها لأوامره ، وتمردها على قوامته، أو تعامله بأسلوب سیئ وأخلاق ردیئة, أو تکدر حیاته, وتنغصها بألوان المنغصات حتى یکرهها ، فإن الأمر عندها سیکون بحاجة إلى علاج أبلغ من مجرد الهجر الذی لم یجد نفعاً، والذی سبق ذکره کوسیلة من وسائل العلاج ، وتظهر سلطة التأدیب المتمثل فی الضرب الذی أوکله له الشارع , على أن یکون ذلک بدافع الحرص والتقویم ، لا بدافع التشفی أو الرغبة فی الانتقام، مع ملاحظة أن ذلک لا یکون إلا مع الزوجة الناشز، ولیس مع الزوجة السویة الصالحة([98])، کما قال تبارک وتعالى :{وَاللاَّتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً إِنَّ اللّهَ کَانَ عَلِیّاً کَبِیراً}([99])
فالله - عز وجل - أمر الرجل أن یبدأ المرأة بالموعظة أولاً, ثم بالهجران, فإن لم ینجحا , فالضرب هو الحل الأخیر الذی ربما یصلحها ، ویحملها على توفیة حقه([100]).
وعلى هذا فإن ضرب الزوجة یعد وسیلة شرعیة تأدیبیة ، نتیجة لتمرد الزوجة وتسلطها على زوجها ؛ ولهذا فإنه یحرم ضرب زوجته تعدیاً دون سبب یبیحه، لما فیه من إساءة لعشرتها، وحط لکرامتها وأدمیتها ، ومخالفة لسنة الرسول - صلى الله علیه وسلم- فقد روی عَنْ عَائِشَةَ- رضی الله عنها أنها قَالَتْ : " مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله علیه وسلم- شَیْئًا قَطُّ بِیَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا ...." ([101]).
والدلیل على حرمة ضرب الزوجة تعدیاً بدون سبب قول الله تعالى:{وَاللاَّتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً إِنَّ اللّهَ کَانَ عَلِیّاً کَبِیراً}([102]).
فالله - عز وجل - بیَّن فی الآیة الکریمة جواز ضرب الزوج زوجته حال نشوزها، ولا شک أن هذا الضرب نوع من التعزیر؛ فدل على مشروعیة التعزیر ، کما ان الآیة أفادت بمفهوم المخالفة عدم جواز ضرب الزوجة وهجرها فی غیر النشوز ، ویؤیده قوله تعالى : {فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً }([103]).
قال الإمام الشوکانی - رحمه الله تعالی - :{فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ} کما یجب وترکن النشوز{فَلاَ تَبْغُواْ عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً} أی لا تتعرضوا لهن بشیء یکرهن لا بقول ولا بفعل([104]).
کما نصت السنة النبویة المطهرة على النهى عن ضرب النساء دون سبب، یقول النبی - صلى الله علیه وسلم- « أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْکُلُونَ وَاکْسُوهُنَّ مِمَّا تَکْتَسُونَ وَلاَ تَضْرِبُوهُنَّ وَلاَ تُقَبِّحُوهُنَّ »([105]).
فهذا الحدیث یدل دلالة واضحة على حرمة ضرب النساء دون سبب مشروع.
قال الإمام الشافعی - رحمه الله تعالی-: "ولا یجوز لأحد أن یضرب ولا یهجر مضجعاً بغیر بیان نشوزها"([106]).
وبذلک ندرک أن الضرب وسیلة لردع النساء الشرسات اللاتی لا یجدی فیهن الوعظ والهجر، ولا یصلح مثلهن إلا به، وقد جعله الشارع الحکیم آخر الوسائل الإصلاحیة التی یملکها الرجل عندما یفشل فی معالجة نشوز زوجته بالموعظة الحسنة والهجر فی المضجع، وقد یئس من إصلاحها وحملها على ترک النشوز، فإنه ینتقل إلى هذا العلاج المادی الذی شرعه الله له ألا وهو الضرب إن ظن أنه یفیده فی إصلاحها وحملها على ترک النشوز، وإلا فلا یضرب ؛ لأنه لن یضرب الأخیار من الناس نساءهم، فإن قام بضربها فإنه ینبغی أن یراعى الضوابط التی وضعها الشارع الحکیم لجواز ضرب المرأة؛ لأن الشرع لم یطلق ید الزوج فی ضرب زوجته مع کونها ناشزاً کیفما شاء ، بل وضع شروطاً معینة لابد للزوج من التقید بها ولا یجوز له مجاوزتها، وإلا کان آثماً وعرض نفسه لعقاب الله – عز وجل- وهى کالتالی:
الشرط الأول: أن لا یکون الضرب مبرحاً:
المقصود من ضرب الزوجة تأدیبها وإصلاحها لا إیذائها وتعذیبها، ولذلک یشترط فی ضرب الزوج لها أن لا یکون الضرب مبرحاً وهو الشدید الذی یعظم ألمه عرفاً، ویخشى تلف النفس منه، أو تلف عضو أو تشویهه([107]).
فالزوج لا یجوز له ضرب زوجته ضرباً شدیداً، حتى إنه لو علم أنها لا تترک النشوز إلا بالضرب الشدید، لم یجز له ضربها أصلاً وإن کان غیر شدید ([108]).
ودلیل ذلک قول الله تعالى:{وَاللاَّتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}([109]).
قال الإمام القرطبی - رحمه الله تعالی - فی بیان نوع الضرب الذی أباحه الله - عز وجل- : " والضرب فی هذه الآیة هو ضرب الأدب غیر المبرح، وهو الذی لا یکسر عظماً ولا یشین جارحة کاللکزة ونحوها، فإن المقصود منه الصلاح لا غیر"([110]).
ودلیله أیضاً قول النبی - صلى الله علیه وسلم - « أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَیْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ([111]) عِنْدَکُمْ لَیْسَ تَمْلِکُونَ مِنْهُنَّ شَیْئًا غَیْرَ ذَلِکَ إِلَّا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِی الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَیْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَیْهِنَّ سَبِیلًا »([112]).
وعلى هذا فضرب النساء فی منع حقوق النکاح مباح إلا أنه یضرب ضرباً غیر مبرح، وهو الضرب الشدید الشاق، فإن لم تنزجر بغیر المبرح حرم المبرح وغیره([113]).
الشرط الثانی: ألا یقع الضرب على المواضع القاتلة والخطرة:
یجب على الزوج أن یتجنب عند ضربه لزوجته الوجه والرأس وسائر المواضع القاتلة والخطرة([114]).
فالوجه لا یضرب ؛ لأنه مجمع المحاسن، والضرب یشینه ؛ ولأن فیه أعضاء نفیسة، وأکثر الإدراکات، فیخشى من الضرب أن تبطل أو یتشوه بعضها أو کلها([115]).
ولهذا فقد ورد النهی من النبی - صلى الله علیه وسلم - عن ضرب الوجه فعن معاویة القشیری ([116])- رضی الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَیْهِ؟ قَالَ: « أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَکْسُوَهَا إِذَا اکْتَسَیْتَ وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فی الْبَیْتِ»([117]).
فهذا الحدیث دلیل على وجوب اجتناب الوجه عند التأدیب ؛ لأنه أشرف أعضاء الإنسان ومعدن جماله ومنبع حواسه فلابد أن یحترز عن ضربه وتجریحه وتقبیحه([118]).
کما لا یجوز الضرب على المناطق الخطرة القاتلة والتی یخاف منها الهلاک کالفؤاد والرأس والنحر والخاصرة، والتی قد یتسبب ضربها فی إحداث أضرار تخرج بالضرب عن المقصود منه ؛ لأن المقصود من الضرب التأدیب والإصلاح لا القتل والتعذیب([119]).
الشرط الثالث: أن یکون مفیدا فی زجر الزوجة:
ضرب الزوجة وسیلة لإصلاحها وزجرها عن نشوزها وعصیانها، ولیس هدفاً فی ذاته، فمتى فقد فاعلیته فی الإصلاح والعلاج أصبح استخدامه عبثاً بلا مبرر، إلا بقصد التشفی والإیذاء والانتقام، ومتى کان کذلک أصبح حراماً([120]).
فالزوج إن ظن عدم إفادة الضرب فی إصلاح نشوز زوجته أو شک فی عدم إفادته فإنه لا یجوز له أن یضربها ؛ لأن الضرب وسیلة إلى إصلاح حالها، والوسیلة لا تشرع عند ظن عدم ترتب المقصود علیها([121]).
الشرط الرابع: أن یکون الضرب فی حدود عشر ضربات:
فالزوج یجوز له تأدیب الزوجة بالضرب واحدة أو أکثر إلى عشر ضربات فیما لو عظم خطأ الزوجة أو کثر، لکن لا یزید عن عشر ضربات([122])، لقوله النبی - صلى الله علیه وسلم - « لا عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْرِ ضَرَبَاتٍ إِلَّا فِی حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ » ([123]).
قال ابن تیمیة - رحمه الله تعالی - " ومراد الحدیث: أن من ضرب لحق نفسه کضرب الرجل امرأته فی النشوز لا یزید على عشر جلدات " ([124]).
لکن تخییر الزوج فی الضرب من واحد إلى عشرة، راجع إلى الاجتهاد والنظر فی المصلحة زیادة أو نقصاناً ؛ لا أنه تخییر یشتهى معه ما یشاء([125]).
وینبغی أن یستعمل الزوج فی الضرب الأداة المناسبة فی ضرب الزوجة کالعصا الصغیرة والید وغیر ذلک، بحیث لا یتجاوز فی ذلک الإیلام المناسب، فإذا ترتب على الأداة المستعملة فی الضرب إیذاء البدن فإنه لا یشرع؛ لأن الغایة من الضرب هو التأدیب الذی یرجى معه الصلاح والتهذیب، لا الإتلاف والتعذیب([126])، مع مراعاة أن تکون الضربات مفرقة على بدنها ولا یوالى بها فی موضع واحد([127]).
الشرط الخامس: أن تکون الزوجة قد ارتکبت معصیة:
على الرغم من أن الإسلام أباح للزوج حق تأدیب زوجته بالضرب إلا أن ذلک لا یعنى أن مجرد مخالفة المرأة لرأى زوجها یعطیه هذا الحق، بل لابد أن تکون الزوجة قد عصت زوجها فیما أمرها الله أن تطیعه فیه، وهذا الشرط یفهم من الآیة الکریمة{وَاللاَّتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}([128]) ، فقد فسر العلماء النشوز بمعنى العصیان.
قال الإمام ابن تیمیة - رحمه الله تعالی - فی تفسیر هذه الآیة " هو أن تنشز عن زوجها فتنفر عنه، بحیث لا تطیعه إذا دعاها للفراش، أو تخرج من منزله بغیر إذنه ونحو ذلک، مما فیه امتناع عما یجب علیها من طاعته...فسمی المرأة العاصیة ناشزاً لما فیها من الغلظ والارتفاع عن طاعة زوجها"([129]).
وقال الإمام الشوکانی - رحمه الله تعالی -: " لا یجوز الهجر فی المضجع والضرب إلا إذا أتین بفاحشة مبینة([130]) لا بسبب غیر ذلک " ([131]).
فالتأدیب بالضرب من قبل الزوج لزوجته إن کان بهدف تهذیبها وإصلاحها وإرشادها وتوجیهها إلى الطریق السوى لترک عصیانها فیما فرضه الله علیها من حقوق زوجها فهو جائز.
أما إن کان التأدیب بالضرب بقصد الانتقام من الزوجة بسبب عداوة بینها وبین الزوج، أو من أجل مطالبة الزوجة لنفقتها وکسوتها فإنها لا یباح له ضربها.
قال الحصکفی - رحمه الله تعالی - " لیس منه - أی مما یباح للزوج الضرب - ما لو طلبت نفقتها وکسوتها وألحت ؛ لأن لصاحب الحق مقالاً "([132]).
وقال الهیثمی - رحمه الله تعالی -: " یضرب إن شاء بشرط أن لا تظهر عداوته لها "([133]).
وقال ابن مفلح - رحمه الله تعالی -: "ویمنع منها - الکزة والوکزة ([134]) - من علم بمنعه حقها حتى یؤدیه ویحسن عشرتها "([135]).
وکذلک لا یجوز التأدیب بالضرب إذا کان بقصد دفعها لارتکاب معصیة کأن تفرط فی واجب شرعی کالصلاة أو الصیام لقول النبی - صلى الله علیه وسلم - «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ، فِیمَا أَحَبَّ وَکَرِهَ، مَا لَمْ یُؤْمَرْ بِمَعْصِیَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِیَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ "([136]).
کما لا یجوز للزوج ضرب الزوجة، إذا عادت ورجعت بعد النشوز؛ لأن الضرب وسیلة لرد الزوجة إلى طاعة زوجها، ومتى حصل المراد منه، فیجب على الزوج أن یتوقف عن الضرب، وإلا أصبح عدواناً وظلماً، وذلک لقوله سبحانه : {فَإِنْ أَطَعْنَکُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَیْهِنَّ سَبِیلاً}([137]).
قال الإمام الطبری - رحمه الله تعالی- فی معنى الآیة: " أی: بعد وعظ المرأة وهجرها فی المضجع، وضربها ضرباً غیر مبرح، فإن أطاعت زوجها وقامت بالواجب علیها فی حقه، فلا یجوز له أن یطلب طریقاً آخر إلى إیقاع الأذى والمکروه بها، ولا یجوز أن یلتمس سبیلاً إلى ما لا یحل له من بدنها ومالها بالعلل والحجج، کأن یقول لها، وهى مطیعة له: إنک لست تحبیننی، وإنک لى مبغضة، فیضربها أو یؤذیها عند ذلک([138]).
وبناء على ما سبق أقول:
1- إن الضرب الذی شرعه الله جلت حکمته لم یأت عبثاً کما یتصور البعض وإنما جاء لهدف سامٍ، ولمعنى جلیل ألا وهو تذکیر الزوجة بضرورة استقامتها وقیامها بحق زوجها.
2 - إن الإسلام حین أقر الضرب أسلوباً لإصلاح المرأة لم یقصد منه الإیذاء الحسی، والإیلام البدنی، بل هو للإصلاح والتربیة، وهو إجراء الهدف منه حسم الخلاف، لا إلى إیجاد النفور وإیغار الصدور.
3 - إن الإسلام حینما أعطى الزوج حق التأدیب تجاه زوجته لم یبرر له تجاوز الحد والإسراف فی ذلک، وإنما وضع له الضوابط التی تحقق المصلحة والعدل فی تطبیق واستخدام هذا الحق، والتی یرجى منها النفع وتقویم السلوک، وإلا کان متجاوزاً حقه فی استخدام حق التأدیب، وبذلک یکون قد تعسف فی استخدامه، ویعتبر ذلک قرینة على قصد الضرر، فیمنع بذلک من استخدام حقه.
4 - إن الإسلام لم یجعل الضرب هو العلاج الوحید فی تأدیب الزوجة، وإنما هو طریق من طرق العلاج الذی ینفع فی بعض الحالات مع بعض النفوس الشاذة المتمردة التی لا تفهم الحسنى ولا ینفع معها الجمیل([139])، وإن من النساء بل من الرجال من لا یقیمه إلا التأدیب، ومن أجل ذلک شرعت العقوبات، وبذلک یتضح بطلان کلام أعداء الإسلام فی أن الإسلام ظلم المرأة بتشریعه جواز ضربها؛ لأنه إهانة لها وانتقاص لقدرها وکرامتها وأنه لا یتفق مع مقتضیات العصر.
نقول لهم إن علاج الضرب مُرّ قد یستغنی عنه الخیر الکریم، ولکنه لا یزول من البیوت، إلا إذا عم التهذیب الرجال والنساء على حد سواء، وعرف کل واحد ما له وما علیه وکان للدین سلطان على النفوس یجعلها تراقب الله فی السر والعلن ([140]).
5 - إن انتشار ظاهرة ضرب الزوجات فی المجتمع لیس السبب فیها هو أن الإسلام أباح للزوج ضرب زوجته، وإنما السبب بُعد الناس عن دینهم، وغلبة الأخلاق الفاسدة علیهم ؛ لأن ضرب النساء فی البلاد غیر الإسلامیة التی لا تقر الضرب أمراً شائعاً وبشکل کبیر ولیس له ضوابط، ولکنه فی الإسلام مشروع بضوابط، وأن الهدف منه التأدیب والإصلاح لا الانتقام والتعذیب، عندما یفشل الزوج فی معالجة نشوز الزوجة بالموعظة الحسنة والهجر.
ومن هنا أناشد کل من یقوم بضرب زوجته بأن یکف عن ضربها وأن یتقی الله فیها؛ لأن ضرب الزوجة لیس هو میزة حسنة، على الرغم من مشروعیته، ولکنه فی الحقیقة یغرس بذور الکراهیة بین الزوجین، وخاصة إذا اتُخذ الضرب عادة لحل أی نشوز للزوجة سواءً کان کبیراً أو صغیراً، فضلاً عن تأثیر ذلک على أولاده فی هذا البیت.
وعلى هذا یمکن القول بأنه : لا یجوز للزوج تأدیب زوجته بوسائل غیر جائزة ومشروعة شرعاً کالسب والشتم ولعن الآباء والأمهات, والفحش من القول؛ لأن فی ذلک إهانة لکرامة المؤدب, واحتقار معانى أدمیته, وضیاع حقوقه، مما یتسبب فی جعل المؤدب شخصاً حاقداً على مجتمعه وأمته ودینه([141]).
قال ابن عبد البر - رحمه الله تعالی-: "ولا یؤذیها باللسان ولا بالید ولا یطیل علیها عبوس الوجه"([142]).
ومن الوسائل غیر المشرعة فی حق الزوجة أیضاً ، التأدیب بالتجویع والتعریض للبرد ونحوه، والتجرید من الثیاب لما فی ذلک من کشف العورة ، والتمثیل بالجسم کما یفعل بعض الأزواج بقطع الأنف أو الأذن, وکسر العظم والحرق, وقطع الأنامل ؛ لأن المقصود من التأدیب هو الاصلاح والتهذیب لا الإتلاف والتعذیب([143]).
بل إن الفقهاء اتفقوا على أنه إذا ما أدب الزوج زوجته فأسرف أو تجاوز المعتاد، أو أخل بشروط الضرب المباح فإنه یضمن الإتلاف، وإذا ماتت فإن فیه القصاص ؛ لأن التأدیب مأذون فیه، ولیس مأموراً به فیتقید بشرط السلامة، ومتى أدى إلى الإتلاف أو الهلاک تبین أنه لم یکن مأذونا فیه([144]).
ومع اتفاق الفقهاء على مسئولیة الزوج إذا خرج عن حدود التأدیب؛ فإنهم اختلفوا حول الحالة التی یلتزم فیها الزوج بحدود التأدیب المشروع ، ومع ذلک تموت الزوجة أو تصاب بعاهة أو جرح، هل یضمن الزوج فی هذه الحالة أم لا ؟ على رأیین:
الرأی الأول: ذهب المالکیة، والحنابلة، وأبو یوسف ومحمد من الحنفیة إلى القول: بأن الزوج إذا أدب زوجته تأدیباً مشروعاً فماتت أو تلفت فإنه لا یضمن ؛ لأن التعزیز عقوبة مشروعة للردع والزجر فلم یضمن من تلف بها کالحد ([145]).
الرأی الثانی: ذهب الإمام أبو حنیفة, والشافعیة إلى أن الزوج یضمن إذا ترتب على التأدیب المشروع للزوجة هلاکها أو تلفها ؛ لأن تأدیب الزوج لزوجته مشروط بسلامة العاقبة؛ إذ المقصود التأدیب لا الهلاک، فإذا حصل هلاک تبین أنه جاوز الحد المشروع([146]).
والرأی الراجح فی نظری : هو الرأی الثانی القائل بتضمین الزوج إذا تلفت زوجته بالتأدیب؛ وذلک لاتفاقه مع القول بأن ضوابط التأدیب المشروع المقصود به التهذیب لا الهلاک، والذی یتحقق بالضرب الخفیف، وهو لا یؤدی مطلقاً إلى هذه النتائج الخطیرة، فإن تحققت تحمل مسئولیتها، حتى ولو کان مرجعها الحالة الصحیة للزوجة، إذ کان یجب علیه مراعاة ذلک عند ضربها، فإن لم یفعل تحمل مسئولیة هذه النتائج ؛ لأن ضربه فی الحقیقة یکون قتلاً أو جرحاً أو إحداث عاهة، وهو ما یمثل عنفاً یجب حمایة الزوجة من أن ینالها عن طریق ضرب التأدیب([147]).
المطلب الثانی
تعزیر الزوج للحد من عنفه مع الزوجة
إذا کان العنف من الزوج لزوجته بالضرب وما على شاکلته کالشتم والسب والإیذاء النفسی وغیر ذلک, فإن الزوجة لیست أهلاً لتقویم اعوجاج الرجل ، وإرجاعه إلى جادة الطریق ؛ کونها الطرف الضعیف الذی لا یقوى على إرغام الطرف الأقوى وهو الرجل, على تأدیة ما وجب علیه تجاه زوجته ، وإنما بإمکانها إذا لم ترغب فی الصبر على ذلک، ولم تتحمل ما لحق بها منه من أذى وأضرار ، ولکنها ترغب فی البقاء معه، ولا ترید الطلاق ، أن ترفع أمرها إلى القاضی لیسلک مع الزوج ما یراه مناسباً لأمثاله، وما یتناسب مع مقدار ما لحق بالزوجة من أضرار, وللقاضی الحق فی إجباره على معاشرة زوجته بالمعروف , ومنعه من التعدی علیها ، وذلک بأن یذکره فی بدایة الأمر ، بإحسان عشرة زوجته وتحرى العدل معها، ورفع الظلم عنها، فإن تبین للقاضی أن الموعظة والتذکیر بالله - عز وجل - لا تنفع مع أمثاله، ولا تجدی معه ، ولن یرجع عن غیه وظلمه لزوجته ، فهل للقاضی أن یعزره بالحبس وغیره ، ولو لأول مرة إذا ثبت إضراره بالزوجة دون وجه حق، أم لا ؟.
اختلف الفقهاء فی المسألة إلى رأیین :
الرأی الأول : ذهب الحنفیة ، والمالکیة ، والظاهریة إلى القول : بأن القاضی له الحق فی تعزیر الزوج المعتدی ، إذا رأى أن النصح والزجر لا یجدی معه ، وکانت الزوجة طلبت تعزیره ، ولکنها اختارت البقاء معه, ولو لأول مرة یضرب فیها الزوجة أو یؤذیها ؛ کونه أنه اعتدى علیها بغیر حق فوجب تعزیره ([148]).
الرأی الثانی : قال الشافعیة لا یعزره لأول مرة حتى وإن طلبت الزوجة ذلک بل ینهاه عن ذلک ویحذره، فإن عاد إلى الاعتداء وطلبت الزوجة تعزیره من القاضی , عزره بما یلیق به لتعدیه علیها ([149]).
الرأی الراجح فی المسألة:
ما ذهب الیه الشافعیة هو الراجح فی نظری فالقاضی له الحق فی تعزیر الزوج إذا أساء عشرة زوجته، ولم ینزجر عن فعله ، ولم یعود إلى رشده ، وکان القاضی قبل ذلک قد ذکره ووعظه، ونهاه وزجره , وهدده وتوعده بأنه إن عاد إلى فعله ، فحینها سیلقى العقاب الألیم ، ولکن الزوج مع ذلک أصر واستکبر استکبارا ، وعاد وکرر ما وقع فیه سابقاً ، فحینئذ لا مفر من تعزیره ؛ لأن روح التعدی عنده أصبحت کامنة فی نفسه ، ولا یمکن أن یعود إلى رشده إلا بتعزیره .
وقد بین الإمام السبکی - رحمه الله تعالى- سبب عدم تعزیر الزوج إذا ثبت إضراره بالزوجة من المرة الأولى - فقال: " ولعل ذلک ؛ لأن إساءة الخلق تکثر بین الزوجین والتعزیر علیها یورث وحشة بینهما، فإن عاد عزره وأسکنه بجنب ثقة یمنع الزوج من التعدی علیها " ([150]).
المطلب الثالث
المنع من السفر حفاظا لحق أحد الزوجین
یقصد بالمنع من السفر : تقیید حریة الشخص فی التنقل من منطقة إلى أخرى أو من بلدة إلى أخرى سواء داخل أراضی الدولة أو على خارج حدودها ([151]).
فالزوجة إذا أردت سفراً فالواجب علیها أن تستأذن زوجها فی السفر ؛ لأن سفرها بدون إذنه لیس من المعاشرة بالمعروف المأمور بها فی قوله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِی عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ}([152]) , کما أن فی سفرها بدون إذنه ؛ فیه فوات الاستئناس والاستراحة إلى الزوجة، فضلاً عما فیه من حرمان الزوج من حق معاشرة زوجته، وما یقتضیه ذلک من قضاء الوطر فیما أحل له بعقد النکاح, وتسببها فی معصیة ثالثة قد تستتبع العدید من المفاسد إذا قل الوازع الدینی لدى الزوج أو اندثر، وقد تهوى فی المفاسد إذا توافر لها أسبابها ([153]).
فإذا أرادت أن تسافر الزوجة بدون إذن زوجها، فمن حق زوجها بما له علیها من حق القوامة ، أن یمنعها من السفر حفظا لحقه ، ولیس المقصود من منع الزوجة من السفر حبسها أو التضییق علیها، أو الإساءة إلى سمعتها, وإنما المقصود من ذلک هو حمایة الأسرة والمحافظة على کیانها وربط أواصر المحبة حتى تستمر العشرة بین الزوجین على وجه حسن وتؤتى العلاقة الزوجیة ثمرتها التی یریدها الشارع الحکیم([154]).
لکن من المعلوم بیانه أن حق الزوج فی منع زوجته من السفر إلا بإذنه لیس حقا مطلقا، وإنما قاصر على السفر غیر الواجب ، سواء کان السفر مندوبا أو مباحاً، أما السفر الواجب کسفر الحج وغیره, فالزوجة تسافر متى شاءت حتى ولو بغیر إذنه ؛ لأن حق الزوج مستمر على الدوام فلو ملک منعها فی عام, ملکه فی کل عام وهذا یفضی إلى إسقاطه([155]).
وإذا کان من حق الزوج منع زوجته من السفر إلا بإذنه حفظا لحقه ، فهل من حق الزوجة منع زوجها من السفر حفظا لحقها کنفقتها وغیر ذلک ، کأن یرید الزوج السفر دون أن یترک لها مالاً تنفق منه الزوجة على نفسها ، أو دون أن یعین لها کفیلاً بالنفقة مدة غیبته، وطلبت الزوجة من زوجها ذلک ، أم لا یجوز لها منع زوجها من السفر ؟
اختلف الفقهاء فی حکم هذه المسألة إلى رأیین:
الرأی الأول: ذهب أبو یوسف من الحنفیة وهو ما علیه الفتوى عند الحنفیة ، والمالکیة والشافعیة فی قول، والحنابلة أن الزوجة یجوز لها أن تطلب من زوجها کفیلاً ضامناً بالنفقة المستقبلة، ولها منعه من السفر عند عدم حصولها على ذلک .([156])
واستدلوا على ذلک بالمعقول :
1- أن الزوجة تتضرر إذا لم یترک لها نفقة ، أو لم یستنب من یدفع لها ذلک ؛ لأنها محبوسة عنده.([157])
2 - أن النفقة تثبت فی الذمة ؛ لأن ما لم یجب بعد یصح ضمانه إذا کان مآله إلى الوجوب.([158])
الرأی الثانی: ذهب أبو حنیفة ، والشافعیة فی قول إلى أنه لا یجوز إعطاء الزوجة کفیلاً بالنفقة المستقبلة، ولیس لها منعه من السفر عند عدم حصولها على ذلک.([159])
واستدلوا بالمعقول على قولهم :
1- أن نفقة المستقبل لم تجب بعد , والإنسان لا یجبر على إعطاء الکفیل على ما لم یجب علیه.([160])
2- أن النفقة المستقبلة لم تجب للزوجة حتى تأتى بکفیل فیها ؛ لأنها معرضة للسقوط بالموت أو الطلاق البائن، فکیف یؤخذ علیها کفیل. ([161])
والرأی الراجح فی نظری: هو القائل بأن الزوج لا یجوز له السفر حتى یضع لزوجته ما یکفیها من النفقة فی حال غیبته ، أو یقیم لها کفیلاً یقوم بالنفقة علیها حسبما کان یقوم به فی حضوره، فإن لم یفعل جاز لها طلب منعه من السفر ([162]).
وفى هذا یقول الإمام ابن تیمیه – رحمه الله تعالى - : " فإن کان السفر یضر بعیاله لم یسافر فإن النبی – صلى الله علیه وسلم - قال : " کفى بالمرء إثما أن یضیع من یقوت" ([163]) ، وسواء کان تضررهم لقلة النفقة، أو لضعفهم ، وسفر مثل هذا حرام" ([164])
وإذ کان الرأی الراجح لدی أن الزوجة یجوز لها منع زوجها من السفر حتى یضع لها ما یکفیها من النفقة فی حال غیبته ، أو یقیم لها کفیلاً یقوم بالنفقة علیها حسبما کان یقوم به فی حضوره ، فمن باب أولى یجوز للزوجة الحق فی المطالبة بالمنع من السفر للزوج الممتنع عن أداء ما علیه من نفقة مفروضة بحکم القاضی ، أو بتراضی الزوجین على قدر معین ؛ لأن للدائن حق منع المدین من السفر فی الدین العادی، فلئن یمنع من السفر ضماناً للوفاء بالدین الممتاز الذى تأتى النفقة على قمته یکون جائزاً من باب أولى ؛ ولأن نفقة الزوجة إذا کانت مفروضة بحکم القاضی ، أو بتراضی الزوجین على قدر معین ، ثم امتنع الزوج عن الإنفاق ، فإن هذه النفقة تصیر دیناً فی ذمة الزوج ، ویجوز للزوجة المطالبة بنفقة ما مضى ، سواء کان الزوج غائباً ، أو حاضراً ؛ لأنها لما صارت دیناً بالفرض ، أو التراضی صارت فی استحقاق المطالبة بها کسائر الدیون وهذا باتفاق الفقهاء.([165])
ومن ثم إذا تبین لقاضى الأمور الوقتیة امتناع الزوج عن سداد ما تجمد فی ذمته من هذه النفقة الواجبة السداد فوراً ،وشروعه فی اتخاذ إجراءات السفر لمغادرة البلاد , فإنه لا تثریب علیه استعمالا لسلطته أن یصدر أمره بمنع الزوج من السفر مؤقتاً لحین قیامه بسداد ما تجمد علیه من تلک النفقة.([166])
المطلب الرابع
التفریق بین الزوجین للضرر
قد تتضرر الزوجة من البقاء مع الزوج ، فترفع أمرها للقاضی للتفریق بینهما للضرر، کعقوبة على الزوج جراء فعله مع زوجته ، فهل یحق للقاضی إذا رغبت الزوجة فی مفارقة الزوج أن یفرق بینهما أم لا ؟
الإجابة على هذا التساؤل تقتضى معرفة نوع الضرر الذی یقع على المرأة وهذا ما سوف أبینه ذاکراً أهم الأضرار التی تلحق بالمرأة وذلک فی المسائل الآتیة :
المسألة الأولى: التفریق بین الزوجین بسبب الشقاق :
إذا ما تضررت الزوجة من البقاء مع زوجها لإیذائه إیاها سواء بالقول أو بالفعل, إیذاءً لا یلیق بأمثالها ، ورفضت الزوجة البقاء مع زوجها بعد تعدیه علیها بغیر حق بالضرب أو غیر ذلک ، فهل یجوز لها طلب التفریق بینهما أم لا ؟
اختلف الفقهاء فی هذه المسألة إلى رأیین.
الرأی الأول: ذهب الحنفیة والشافعیة فی الأظهر, والحنابلة فی روایة, والظاهریة, إلى عدم جواز التفریق بسبب الشقاق والنزاع, ولو کان الضرر شدیداً على الزوجة، وعلى القاضی أن یرفض دعواها ؛ لأن رفع الضرر عنها ممکن بغیر الطلاق, وذلک بأمر القاضی الزوج بحسن العشرة والإحسان فی المعاملة, وإلا أدبه بما یراه کفیلاً لحمایتها منه([167]).
الرأی الثانی: ذهب المالکیة, والشافعیة فی قول , والحنابلة فی روایة إلى أن للزوجة الحق فی طلب التفریق من زوجها بسبب الشقاق والنزاع ؛ لأن بقاء الشقاق ضرر بالزوجین ، والضرر یزال, وإزالته عن الزوجة یکون بإیقاع التفریق بینهما([168]).
الرأی الراجح فی المسألة فی نظری :أنه إذا ثبت للقاضی بالبینة أن الزوج قد أضر بزوجته ورفعت أمرها إلیه ترید التفریق بینهما , فإن کان الضرر یسیراً کالشتم, أو الهجر البسیط فی الفراش, فلیس لها الحق فی طلب التفریق , ولا یفرق القاضی بینهما، ولکن على القاضی هنا أن یستدعى الزوج وأن ینهاه عن فعله، ویعظه بما یکون رادعاً له ، فإن کرر الضرر الیسیر معا ، عنفه وهدده بالعقوبة ؛ لأن الإساءة الیسیرة تکثر عادة بین الزوجین بل لا یکاد یسلم منها بیت فی الغالب، فلو سمحنا للزوجة بطلب الطلاق لمثل هذه الأسباب التافهة البسیطة نکون قد فتحنا الباب للنساء للتردد على المحاکم مما یؤدى إلى الاضطراب, واتساع رقعة الخلاف البسیط وتطویره .
أما إذا کان الضرر فاحشاً بحیث تجاوز الزوج الحقوق المشروعة له على زوجته ، کالضرب المبرح لها، والشتم المستمر والهجر الدائم , فإن رأی القاضی أن فی هذا الضرر إخلالاً بما شُرع الزواج لأجله من حصول السکن بین الزوجین والمودة والرحمة ، فعلیه أن یستدعى الزوج , فإن رأی فیه عناداً وجرأة على الحق، طلب منه أن یطلق الزوجة , فإن لم یفعل طلقها القاضی، وإن رأی أن ما وقع منه من ظلم یمکن تدارکه وعدم تکراره, عزره بالشیء الیسیر کالتعنیف بالقول والتهدید بالعقوبة کالحبس والغرامة وغیر ذلک ، أو بما لا یثیر غضبه على الزوجة، فإن عادت الزوجة وأثبتت إساءته مرة أخرى طلقها علیه .
المسألة الثانیة: التفریق للغیبة:
إذا غاب الزوج عن زوجته مدة تتضرر بها وتخشى على نفسها الفتنة, فهل یجوز لها أن ترفع أمرها إلى القاضی طالبة التفریق بینها وبین زوجها لهذا السبب أم لا؟
اختلف الفقهاء فی هذه المسألة إلى رأیین :
الرأی الأول: ذهب الحنفیة, والشافعیة, والظاهریة, إلى أنه لا یحق للمرأة أن ترفع أمرها إلى القاضی طالبة للتفریق بینها وبین زوجها بسبب غیبته ؛ لأنه لا یوجد ما یستدعى هذا التفریق([169]).
الرأی الثانی: ذهب المالکیة, والحنابلة إلى أن الزوج إذا غاب عن زوجته الغیبة الطویلة التی تستوحش منها وتتضرر بها، ولو ترک لها مالاً تنفق منه مدة غیبته، فإن لها الحق فی أن ترفع أمرها إلى القاضی، وتطلب منه إقدام زوجها إن کان معلوم المکان, فإن لم یقدم الزوج, أو ینقل زوجته إلیه, أو یطلقها, فللزوجة الحق فی طلب التفریق, وعلى الحاکم إجابة طلبها, وأن یفرق بینها وبین زوجها؛ لأن النکاح شرع لمصلحة الزوجین ودفع الضرر عنهما, وفی غیبة الزوج إضرار بالزوجة, والضرر یزال بالتفریق بین الزوجین للغیبة إذا طالبت الزوجة بذلک وتوافرت شروط التفریق([170]).
ولکن حدث خلاف بین الفقهاء القائلین بجواز التفریق بین الزوجین للغیبة, فی قدر المدة التی تعد طویلة بالنسبة للزوجة, فبینما ذهب الإمام مالک - رحمه الله تعالى - إلى أنه سنة کاملة([171])، نجد أن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - حددها بستة أشهر , حیث یکتب القاضی للزوج بعد تمام الستة أشهر أن یرجع , فإن أبى الزوج الرجوع یفرق بینهما([172]).
کما أن الحنابلة یرون أن الغیبة التی تجیز التفریق بین الزوجین هی غیبة الزوج عن زوجته بغیر عذر مقبول شرعاً، أما إن غاب الزوج عن زوجته , وکانت غیبته بعذر کالسفر لطلب الرزق أو طلب العلم, فلا یجوز لزوجته أن تطلب التفریق مهما طالت غیبته ؛ لأن العذر دلیل سقوط التکلیف فی کل الأحکام وهذا معذور، فیسقط عنه التکلیف بالوطء, ومن ثم لا یحق لها طلب التفریق حینئذ([173]).
والراجح فی المسألة: هو القائل بجواز التفریق بین الزوجین إن طالت غیبة الرجل حتى تضررت زوجته منها، بأن خشیت على نفسها الفتنة، وإن تیسرت لها النفقة ؛ لأن مطالب الجسد لا تنحصر فی السکن والغذاء والکساء، فغیاب الزوج عن زوجته مدة طویلة، بحکم الطبیعة البشریة، هو أمر شدید الضرر, بالغ الخطر.
أما ضرره فیتعلق بآثاره السلبیة على الصحة النفسیة، وأما خطره فیکون فی أثره على الکیان الأخلاقی، إذ أن الزوجة فی هذه الحالة, إما أن تبقى فی حرمان مستمر, وکبت دائم, ومعاناة لا تقف عند حد، وإما أن تطیع هوى نفسها وتستجیب لشیطانها, فتنغمس فی الفحشاء وتبوء بأوزارها، لاسیما وأن هذا الزمان یعج بأسباب الانحراف وفساد الأخلاق, وهنا قد لا یقتصر الضرر على المرأة وحدها, بل ربما انتشر فی أوصال المجتمع بأسره, وحصول هذا الضرر یجیز لها طلب التفریق بینها وبین زوجها مطلقاً کما قال المالکیة, سواء أکان غیابه عنها بعذر أم بغیر عذر؛ لأن العبرة بحصول الضرر، وهو واقع ومتحقق فی کلا الأمرین مع عذر الزوج وعدم عذره ؛ ولأن حقوق العباد العذر فیها لا یسوغ إسقاطها وإنما یرفع المؤاخذة والمحاسبة فی الآخرة.
ولکن الأولى لدی أن تکون مدة الغیاب التی یحق للمرأة بعدها طلب التفریق سنة من تاریخ غیاب زوجها عنها ؛ لأن الزوج إذا کان معیباً بعیب یرجى البرء منه أجله القاضی سنة، فضلاً عن أن مدة سنة کافیة للأزواج الذین یسافرون عن زوجاتهم لإنهاء معاملاتهم دون کبیر ضرر علیهم، وفی نفس الوقت فإن الزوجة الصالحة علیها أن تقدر ظروف زوجها, وتتحمل بعض الأذى فی سبیل المحافظة على زوجها وأسرتها، فکان علیها أن تصبر حتى نهایة السنة ویعود إلیها زوجها([174]).
المسألة الثالثة: التفریق للعیب:
إن من المقاصد الأصیلة للزواج العفة وتولد الذریة، وقد یحدث بالزوج عیب یکون مانعاً من تحقیق مقاصد النکاح کلها أو بعضها أو قد یؤدى إلى النفرة وصدود الزوجة عن زوجها بسبب هذا العیب، فهل یحق للزوجة رفع أمرها إلى القاضی لیفرق بینها وبین زوجها أم لا؟
اختلف الفقهاء فی هذه المسألة إلى رأیین:
الرأی الأول: ذهب الظاهریة، والإمام الشوکانی - رحمه الله تعالى- إلى أنه لا یجوز للزوجة طلب التفریق بینها وبین زوجها بسبب العیوب سواء أکان هذا العیب مستحکماً أم لا؛ لأن النکاح إذا استکمل شرائطه وأرکانه لم یکن بعد ذلک إلا الإمساک بمعروف أو التسریح([175]).
الرأی الثانی: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفیة, والمالکیة, والشافعیة والحنابلة إلى أن الزوجة إذا وجدت بزوجها عیباً من العیوب التی تمنع تحقیق مقاصد الزواج، فلها خیار طلب التفریق؛ لأنه مع وجود العیب لا یتحقق مقاصد النکاح الشرعیة من السکن والمودة والرحمة والاستعفاف([176])، وإن کانوا قد اختلفوا فیما بینهم فی أنواع العیوب المجیزة للفسخ, ولیس المجال هنا مجال تفصیل فلینظر فی مواطنه ([177]).
والرأی الراجح فی المسألة: هو القائل بثبوت الخیار للزوجة فی طلب الفسخ متى ثبت إصابة الزوج بالعیب ؛ لأنه ضرر بها والضرر یزال.
قال ابن القیم - رحمه الله تعالى -: "والقیاس أن کل عیب ینفر الزوج الآخر منه ولا یحصل به مقصود النکاح من الرحمة والمودة یوجب الخیار" ([178]).
المسألة الرابعة : التفریق بین الزوجین لعدم الإنفاق .
نفقة الزوجة واجبة على زوجها ؛ کونها من الآثار الشرعیة المترتبة على عقد النکاح ، فإذا امتنع الزوج عن الانفاق على زوجته ولم یؤد ما علیه من نفقة ، ولم تحصل الزوجة على نفقتها الواجبة بسبب من قبل الزوج إما لعسره أو امتناعه عن الإنفاق مع قدرته علیه ، فهل یجوز لها طلب التفریق بینهما لعدم إنفاق الزوج علیها أم لا یجوز لها ذلک ؟
عدم انفاق الزوج على زوجته لا یخلو من حالتین : إما أن یکون الزوج موسراً، وإما أن یکون الزوج معسراً، وسأبین کل حاله من الحالتین على حدة فیما یلى.
الحالة الأولى: إذا کان الزوج موسراً.
إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته ، وکان موسراً، فالزوجة إما أن تکون قادرة على أخذ کفایتها من النفقة أو لا ؟
أولا : إذا کانت الزوجة قادرة على أخذ کفایتها من النفقة من ماله بغیر إذنه، بأن کان له مال ظاهر ، فهل یجوز لها الرفع للقاضی للتفریق بینهما لعدم الانفاق أم لا ؟
اختلف الفقهاء فی هذه المسألة إلى رأیین:
الرأی الأول : ذهب إلیه جمهور الفقهاء من الحنفیة والمالکیة والشافعیة فی المذهب والحنابلة إلى أن الزوجة یجوز لها أن تأخذ ما یکفیها للنفقة علیها ، ولا یجوز لها طلب التفریق لعدم الانفاق ([179]).
واستدلوا بما روته عائشة - رضی الله عنها - أن هنداً بنت عتبة قالت یا رسول الله إن أبا سفیان رجل شحیح ولیس یعطینی ما یکفینی وولدی إلا ما أخذت منه وهو لا یعلم فقال - صلى الله علیه وسلم- "خذی ما یکفیک وولدک بالمعروف "([180]).
فالنبی - صلى الله علیه وسلم - أذن لها أن تأخذ کفایتها من ماله دون إذنه, ولم یوجب لها شیئاً غیر ذلک، کما أنه لم یخیرها بین البقاء معه وطلب الفراق , مما یدل على أنه لا حق للمرأة فی طلب التفریق إذا امتنع زوجها من النفقة علیها, وکان له مال ظاهر یمکنها أن تأخذ منه کفایتها([181]).
الرأی الثانی : ذهب الشافعیة فی وجه ([182]) إلى أن للزوجة طلب التفریق إذا امتنع الزوج من الإنفاق علیها وهو قادر علیه ؛ لما یلحقها ضرر من جراء ذلک, فرفعاً للضرر یثبت لها حق طلب التفریق کما لو أعسر الزوج بالنفقة ([183]).
ویرد هذا :
بأنه لا حق للزوجة فی فسخ النکاح ؛ لتمکنها من تحصیل حقها بالسلطان ، فانتفى الضرر المبیح للفسخ ([184]).
الرأی الراجح فی المسألة:
ما ذهب إلیه الجمهور هو الراجح فی نظری , أن الزوجة من حقها أن تأخذ کفایتها من مال زوجها الموسر إذا کان له مال ظاهر ؛ لأن النبی صلى الله علیه وسلم أمر هنداً بالأخذ ولم یجعل لها الفسخ ، فإن لم تستطع أن تأخذ النفقة بنفسها رفعت أمرها إلى القاضی فیأمره بالإنفاق علیها ویجبره علیها , فإن أبى حبسه فإن صبر على الحبس, أخذ الحاکم النفقة من ماله إن کان من جنس النفقة وإلا باع القاضی ماله فی نفقة زوجته ([185]).
ثانیا : إذا کانت الزوجة غیر قادرة على أخذ کفایتها من النفقة من ماله بغیر إذنه، کأن یکون الزوج مسافراً وماله معه , أو لم یکن للزوج مال ظاهر یمکن للزوجة أن تأخذ منه نفقتها ، أو یأخذها لها القاضی، وکان الزوج موسرا وامتنع عن الإنفاق عن الزوجة ، فهل یجوز لها الرفع للقاضی للتفریق بینهما أم لا ؟
اختلف الفقهاء فی هذه المسألة إلى رأیین:
الرأی الأول: ذهب الحنفیة والمالکیة فی قول ([186]) والحنابلة فی روایة والشافعیة فی الأصح والظاهریة أنه إذا لم یکن للزوج مال ظاهر بأن کان له مال مجهول أو أخفاه, أو کان غائبا، ولم یمکن للزوجة أخذ نفقتها لا بنفسها ولاعن طریق القاضی ، فلا یثبت للزوجة حق طلب التفریق، بل لها أن تطلب من القاضی أن یأمره بالإنفاق لامتناعه عنه، ویخبره أنه یحبسه إن لم یفعل ، فإن امتنع عن الإنفاق بعد تهدیده بالحبس أکثر من مرة حبسه حتى ینفق علیها ؛ لظهور ظلمه بالامتناع من إیفاء ما هو مستحق علیه، ولکن لا یفسخ نکاحها ؛ لأن الفسخ فی المعسر لعیب الإعسار ولم یوجد هنا ؛ ولأن الموسر فی مظنة الأخذ من ماله, وإذا امتنع فربما لا یمتنع فی غده بخلاف المعسر ([187]).
الرأی الثانی: ذهب المالکیة فی قول والشافعیة فی وجه والحنابلة فی روایة أن للزوجة حق طلب التفریق ، لعدم إنفاق الزوج علیها وعدم قدرتها على الأخذ من ماله ، وعلى القاضی إجابة طلب الزوجة متى ثبتت صحة دعواها ([188]).
واستدلوا بالکتاب والأثر والمعقول
أما الکتاب : فقول الله تعالى:{فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ}([189]).
فالإمساک بدون إنفاق لا یکون إمساکاً بمعروف, فیجب فی تلک الحالة التسریح بإحسان, فلو لم یطلق الزوج الزوجة ، فلها أن تلجأ للقاضی لیطلقها منه من أجل الضرر اللاحق لها من بقائها عند من لا یقدر على نفقتها([190]).
وأما الأثر : فقد روی أن عمر رضی الله عنه کتب فی رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن ینفقوا أو یطلقوا ([191]). وهذا إجبار على الطلاق عند الامتناع من الإنفاق([192]).
وأما المعقول :
1- لأن الإنفاق علیها من ماله متعذر , فکان لها الخیار کحال الإعسار ؛ بل هذا أولى بالفسخ , فإنه إذا جاز الفسخ على المعذور فعلى غیره أولى.
2- ولأن فی الصبر ضررا أمکن إزالته بالفسخ , فوجبت إزالته دفعا للضرر ([193]).
والراجح فی المسألة: أن الزوجة لها أن ترفع أمرها إلى القاضی للتفریق بینهما إذا لم ینفق عیها الزوج وکان له مال ، ولم یمکن للزوجة أن تأخذ نفقتها من ماله دون إذنه ؛ لأن إمساک الزوجة مع عدم الإنفاق علیها مع القدرة على الإنفاق ؛ فیه إضرار أکید لها، والضرر یزال, وإزالته یکون بالتفریق بینهما ، فضلا عن أنه لا یوجد للزوج عذر فی عدم الإنفاق ، مما یؤکد القول بجواز التفریق إذا طلبت الزوجة ذلک .
الحالة الثانیة: إذا کان الزوج معسراً
إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته بسبب إعساره ، فهل یجوز لها الرفع للقاضی للتفریق بینهما أم لا ؟
اختلف الفقهاء فی هذه المسألة إلى رأیین:
الرأی الأول: ذهب المالکیة والشافعیة فی أشهر القولین([194]) والحنابلة([195]) بأن الزوج إذا امتنع عن الإنفاق على زوجته بسبب إعساره, فإنه لا یجوز حبسه, ولکن یجوز التفریق بین الزوجین بسبب إعسار الزوج بالنفقة کما قال المالکیة والشافعیة فی أشهر القولین([196]) والحنابلة([197])
واستدلوا بالمعقول:
أنه لا یعقل أن تبقى المرأة محبوسة مع ما یلحقها من ضرر بعدم الإنفاق نتیجة إعسار الزوج, بل یکون لها الحق فی طلب التفریق لأجل الإعسار, ویجیبها القاضی إلى طلبها بعد تحققه من إعسار الزوج، ویکون هذا من قبیل التسریح بالإحسان الذی أمرنا الله U به فقال:{فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ}([198]) ، ولیس الإمساک مع ترک الإنفاق إمساکاً بمعروف فیتعین التسریح بالإحسان([199]).
الرأی الثانی: ذهب الحنفیة والشافعیة فی روایة والظاهریة إلى أن الزوجة لا یجوز لها طلب التفریق بسبب الإعسار بالنفقة ، ویجوز لها أن تستدین ما فرض لها من النفقة, ثم ترجع بالدین على الزوج عند یساره, بناءً على أمر الزوج لها أو القاضی، ولا یحبسه القاضی إذا علم عجزه وعسرته ؛ لأن الحبس إنما یکون فی حق من ظهر ظلمه لیکون زاجرا له عن الظلم وقد ظهر هنا عذره لا ظلمه فلا یحبسه ([200]).
واستدلوا على عدم جواز التفریق بینهما بالکتاب والمعقول:
فأما الکتاب : قول الله تعالى: {لِیُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَیَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْراً}([201]).
فالآیة الکریمة تدل على أن الزوج إذا لم یقدر على النفقة لم یکلفه الله تعالى الإنفاق فی هذه الحال، وإذا لم یکلف الإنفاق فی هذه الحال لم یجز التفریق بینه وبین زوجته لعجزه عن نفقتها ([202]).
وأما المعقول : فلأن إمساک الزوجة مع العجز عن النفقة لیس إمساکاً بغیر معروف, وإلا لوجب أن یکون أصحاب الصُفْة وفقراء الصحابة الذین عجزوا عن النفقة على أنفسهم فضلاً عن نسائهم غیر ممسکین بمعروف([203]).
الرأی الراجح فی المسألة: أنه من الأفضل والأحسن أن تصبر الزوجة على اعسار زوجها وتقف بجانبه وتواسیه إن استطاعت إلى ذلک سبیلاً، فإن لم تستطع الصبر على حال الزوج وعجزه عن الإنفاق علیها, لأی سبب یجعلها غیر مستطیعة على الصبر ، فلها طلب التفریق بینهما لعدم الإنفاق علیها بسبب الإعسار ؛ لأننا لم نکلفه حال العسر بالنفقة, بل دفعنا الضرر عن زوجته, بالتفریق بینهما ، وخلصناها من حباله لتکتسب بنفسها أو تتزوج غیره, إذا لم تتحمل الضرر من جراء عدم الإنفاق علیها ([204])، کما أنه لا یعقل أن نطلب من المرأة الصبر على تحمل الضرر على وجه الإلزام ؛ لأن النفوس لیست واحدة، والنساء لسن فی مستوى واحد من الصبر والتحمل والمواساة لأزواجهم فی حالة فقرهم وعوزهم ([205]).
أما إذا صبرت الزوجة على الضرر الذی قد یقع علیها بسبب إعسار الزوج بنفقتها من تلقاء نفسها ، ولم ترفع أمرها إلى الحاکم لطلب التفریق , فلا یفرق بینهما ، بل یعتبر هذا الفعل منها من مکارم أخلاقها ومحاسن صفاتها .
المسألة الخامسة : التفریق بین الزوجین لعدم الوطء .
هجرالزوج زوجته من غیر ضرورة شرعیة, ولوکان الهجر بسبب العبادة والطاعة محرم ، ویأثم الزوج إلا أن تأذن له الزوجة بذلک, ودلیل ذلک قول الله تعالى: {فَلاَ تَمِیلُواْ کُلَّ الْمَیْلِ فَتَذَرُوهَا کَالْمُعَلَّقَةِ}([206]).
قال الإمام الجصاص - رحمه الله تعالی -: "إن علیه وطأها - أی على الزوج - أن یطأ زوجته, لقوله تعالى :{فَتَذَرُوهَا کَالْمُعَلَّقَةِ} یعنى: لا فارغة فتتزوج ، ولا ذات زوج, إن لم یوفها حقها من الوطء" ([207]).
وعلى هذا إذا ترک الزوج وطء زوجته بدون سبب مشروع ، ولم تأذن له الزوجة بذلک ,ورفعت أمرها للقاضی للتفریق بینهما للضرر، فهل من حق القاضی أن یفرق بینهما أملا ؟
الإجابة على هذا التساؤل تختلف بین أن یکون ترک الزوج لوطء زوجته بغیر یمین, أو أن یکون الترک بیمین: وهذا ما سوف أبینه فیما یلی :
الحالة الأولى: إذا ترک الزوج وطء زوجته بغیر یمین قاصداً الإضرار بها
اختلف الفقهاء فی التفریق بین الزوجین إذا امتنع الزوج عن الوطء بلا یمین إلى رأیین:
الرأی الأول: یلزم الزوج بوطء زوجته إذا امتنع بلا عذر کمرض أو غیره، ولا یفرق بینهما ، وهو ما ذهب إلیه الحنفیة والمالکیة والظاهریة الحنابلة فی روایة ([208]).
واستدلوا بالمعقول:
إن الوطء حق للزوجة وهو واجب على الزوج لحقها، فیجب علیه أن یؤدیه لها، ویُلزمه الحاکم بذلک إذا امتنع منه کسائر الحقوق والواجبات متى امتنع منها من وجبت علیه ولا یفرق بینهما ؛ لأنه أمکن إزالة الضرر بإلزامه بالوطء ([209]).
الرأی الثانی: لا یُلزم الزوج بوطء زوجته إذا امتنع بلا عذر ، وإنما یفرق الحاکم بینهما وهو ما ذهب إلیه الحنابلة فی روایة ([210]).
واستدلوا بالقیاس:
أن من امتنع عن الوطء بغیر عذر, یُضرب له الأجل ثم یفرق بینهما, دفعاً للضرر عن المرأة , حتى لا تکون کالمعلقة لا هی مطلقة ولا هی ذات زوج ([211]).
واعترض على هذا:
بأنه لو ضرب له المدة لذلک, وفرق بینهما لم یکن للإیلاء([212]) أثر ولا خلاف فی اعتباره([213]).
ویرد هذا:
بأنه لا ضرر من تقدیر مدة یضربها الحاکم للممتنع عن الوطء توافق مدة الإیلاء, ولا یؤثر ذلک فی اعتبار الإیلاء والاعتداد به ؛لأنه حکم شرعی له ضوابطه الخاصة به.
الرأی الراجح:
والذی یظهر لی أن امتناع الزوج عن الوطء بلا عذر مع قدرته مسألة تقدیریة, یرجع فیها إلى الحاکم لینظر إلى السبب المانع له من الوطء, فإن کان له سبب مقبول قبله, وإلا أمره بالقیام بما أوجب الله علیه لزوجته، فإن أصر على الامتناع بلا عذر مقبول ,أمره الفاضی بفراق زوجته, فإن أبى طلق علیه, وذلک دفعاً للضرر عن الزوجة, فتعمد الزوج ترک وطء زوجته دون عذر مشروع, یدل على قصد الإضرار بها، والضرر لا یجوز شرعاً, وینبغی رفع هذا الضرر عن الزوجة, وسبیل ذلک التفریق بینهما, کما یفرق القاضی بین الزوجین إذا امتنع الزوج من الإنفاق علیها, بل هو أولى, إذ أن ضرر ترک الوطء أشد على النفس من ضرر عدم الإنفاق , وربما أدى إلى إفساد الزوجة.
قال شیخ الإسلام ابن تیمیة - رحمه الله تعالی-: " وحصول الضرر للزوجة بترک الوطء مقتضى للفسخ بکل حال, سواءً کان بقصد من الزوج أو بغیر قصد, ولو مع قدرته وعجزه کالنفقة, وأولى للفسخ بتعذره فی الإیلاء إجماعاً " ([214]).
ولکن ینبغی قبل الإقدام على التفریق بین الزوجین بسبب الامتناع عن الوطء, إعطاء الزوج فرصة لیقوم بما وجب علیه، وهى مدة الأربعة أشهر, التی قال بها الحنابلة حتى لا یَفتات علیه الحاکم, فیفرق بینه وبین امرأته دون الرجوع إلیه, وهذه المدة کافیة لیقوم خلالها الزوج بالوطء, ویزول ما قد حال بینه وبین زوجته من جهة, ومن جهة أخرى فإن هذه المدة هی غایة ما تقدر علیه المرأة من الصبر ویضعف صبرها بعد هذه المدة([215]).
الحالة الثانیة: إذا ترک الزوج وطء زوجته بیمین قاصداً الإضرار بها
قد یحلف الرجل على ترک وطء الزوجة کراهة أو عقوبة لها مدة، فإما أن تکون المدة أقل من أربعة أشهر، أو أکثر منها، فإن کانت المدة أقل من أربعة أشهر فله أن ینتظر انقضاء المدة، ثم یجامع امرأته وعلیها أن تصبر.
أما إذا زادت المدة على أربعة أشهر وهو ما یسمى بالإیلاء فإن وطأها قبل مضى أربعة أشهر حنث وکفر، وإن لم یطأها فللزوجة مطالبة الزوج عند انقضاء أربعة أشهر إما أن یفئ: أی یجامع، وإما أن یطلق طوعاً أو کرهاً بأن یجبره الحاکم على هذا لئلا یضر بها([216]).
قال تعالى: {لِّلَّذِینَ یُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِیمٌ * وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ}([217]).
فالآیة الکریمة تشیر إلى أن الزوج إذا لم یفئ إلى زوجته خلال أربعة أشهر من حلفه یتم التفریق بینهما, لمنع ظلم المرأة وإبقائها معلقة لا هی زوجة تتمتع بحقوقها الزوجیة، ولا هى مطلقة یغنیها الله سبحانه وتعالى من فضله وسعته، وکان العرب فی الجاهلیة یکیدون لزوجاتهم بهذا الحلف بترک قربانهن لفترة طویلة مدة تمتد لسنوات، فجاء الإسلام ووضع حداً لمنع هذا الظلم والإضرار بالمرأة ([218]).
الخاتمة
نسأل الله تعالى حسنها
الحمد لله الذی بنعمته تتم الصالحات وبعد:
فمن خلال ما سبق ذکره من هذه الدراسة یمکن أن أخرج بجملة من النتائج وأرتب علیها بعض التوصیات أذکر من أهمها ما یلى:
أولاً: أهم النتائج
1- أن العنف بین الزوجین هو : کل فعل أو قول تستخدم فیه القسوة والشدة فی التعامل بین الرجل وامرأته ، مما یترتب علیه ضرر بدنی أو نفسی أو اجتماعی .
2- للعنف بین الزوجین أسباب متعددة منها ما هو دینی, ومنها ما هو اجتماعی, ومنها ما هو اقتصادی.
3- عالج الإسلام مشکلة العنف بین الزوجین بجانب وقائی لتفادی وقوع حالات العنف، وجانب علاجی حال وقوعها لیقضى على هذه المشکلة إن وجدت، وجانب جزائی للحد منها ومن آثارها المختلفة.
4- أهم الوسائل العلاجیة التی اتخذها الإسلام لمنع العنف بین الزوجین ما یلی :
التدرج فی معالجة المشاکل بین الزوجین وعدم المبالغة
أ - التحکیم بین الزوجین
ب - الطلاق عند تعذر بقاء الزوجیة
ج - الخلع دفعا لضرر الزوجة وعدم أداء الحقوق الزوجیة
5- أهم الوسائل العلاجیة التی اتخذها الإسلام لمشکلة العنف بین الزوجین ما یلی :
أ- التدرج فی معالجة المشاکل بین الزوجین وعدم المبالغة
ب- التحکیم بین الزوجین.
ج- الطلاق عند تعذر بقاء الزوجیة .
د- الخلع دفعا لضرر الزوجة وعدم أداء الحقوق الزوجیة.
6- أهم الجزاءات التی ورد ذکرها فی الفقه الإسلامی کنوع من العقوبات التعزیریة ما یلی :
أ- تعزیر الزوجة للحد من عنفها مع الزوج.
ب - تعزیر الزوج للحد من عنفه مع الزوجة
ج - المنع من السفر حفاظاً لحق أحد الزوجین.
د - التفریق بین الزوجین للضرر .
ثانیاً: التوصیات
1- یجب محاربة الأفکار والثقافات المغلوطة التی تسود المجتمع باعتبار الرجولة مرادفة للاستبداد، والقوامة سلطة - غیر مقیدة، والأنوثة حالة ترتبط بالدونیة.
2- تجریم ومعاقبة أی مُقدم على أی نوع من أنواع العنف الذی ینتج عنه ضرر على الأزواج والزوجات.
توجیه المؤسسات الإعلامیة إلى بیان الحقوق والواجبات بین أفراد الأسرة والتی من شأنها الحد من انتشار العنف بین الزوجین
([4]) ینظر :العنف العائلی - د/ مصطفى عمر التیر ص 14 إصدار جامعة نایف للعلوم الأمنیة الریاض 1997م، والعنف الأسری آثاره والوقایة منه - د/علی القرة داغی ص 1 المجلس الأوروبی للإفتاء والبحوث 2004م.
([5]) ینظر : لسان العرب ج 2 ص 291، تاج العروس من جواهر القاموس: محمّد بن محمّد ابن عبد الرزّاق الحسینی، أبو الفیض، الملقّب بمرتضى، الزَّبیدی ج6 ص 22 ط دار الهدایة.
([6]) ینظر : المغرب فی ترتیب المعرب: ناصر بن عبد السید أبى المکارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدین الخوارزمی المُطَرِّزِىّ ص212 الناشر: دار الکتاب العربی.
([7]) ینظر : معجم اللغة العربیة المعاصرة : د أحمد مختار عبد الحمید عمر ج2 ص1006 ، الناشر: عالم الکتب - الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م.
([8]) ینظر : تنظیم الإسلام للعلاقات الاجتماعیة فی الأسرة - سمیة محمد على موسى حجازی ص347 - 356 بتصرف وتلخیص - رسالة ماجستیر مقدمة إلى کلیة التربیة جامعة أم القرى 1405هـ - 1406هـ.
([9]) تربت یداک : أی : لصقتا بالتراب، وهى کنایة عن الفقر، وهو بمعنى الدعاء على من لم یکن الدین من مقاصده. فتح الباری شرح صحیح البخاری : أحمد بن علی بن حجر أبو الفضل العسقلانی الشافعی ج9 ص 155، الناشر : دار المعرفة - بیروت ، 1379هـ.
([10]) متفق علیه : صحیح البخاری - کتاب النکاح - باب الإکفاء فی الدین ج5 ص1958 رقم 4802، الناشر : دار طوق النجاة - الطبعة : الأولى 1422هـ ، صحیح مسلم - کتاب الرضاع باب استحباب نکاح ذات الدین ج2 ص1086 رقم 1465 ، الناشر : دار الجیل بیروت + دار الأفاق الجدیدة ـ بیروت ، عن أبى هریرة - رضى الله عنه -
([11]) ینظر : العنف الأسرى الجریمة والعنف ضد المرأة - لیلى عبد الوهاب ص179 ط: دار المدى للثقافة والنشر دمشق 1420هـ.
([12]) الأیم : التی لا زوج لها بکراً کانت أو ثیباً مطلقة کانت أو متوفى عنها ویراد بالأیم فی هذا الحدیث الثیب خاصة - النهایة فی غریب الأثر : أبو السعادات المبارک بن محمد الجزری ،ج1 ص85 ط: المکتبة العلمیة بیروت 1299هـ - 1979م.
([13]) متفق علیه : صحیح البخاری - کتاب النکاح - باب لا ینکح الأب وغیره البکر والثیب إلا برضاها ج5 ص1974، صحیح مسلم - کتاب النکاح - باب استئذان الثیب فی النکاح بالنطق والبکر بالسکوت ج2 ص1036 رقم 1419 عن أبى هریرة – رضی الله عنه.
([14]) أخرجه البخاری فی صحیحه - کتاب الجمعة - باب الجمعة فی القری والمدن ج1 ص304 رقم 852 عن عبد الله بن عمر.
([15]) ینظر : أحکام نشوز الزوجة فی الشریعة الإسلامیة - معتصم عبد الرحمن محمد منصور ص102 رسالة ماجستیر مقدمة إلى جامعة النجاح الوطنیة فلسطین 2007م.
([16]) ینظر : جریمة القتل داخل العائلة (دراسة نفسیة اجتماعیة) من واقع الجرائم المنشورة فی الصحف المصریة - محمد محروس الشناوی ص91 بحث فی المجلة العربیة للدراسات الأمنیة - الریاض - المجلد الرابع العدد السابع ربیع الأول 1409هـ.
([17]) أخرجه مسلم - کتاب الإمارة - باب کراهة الطروق وهو الدخول لیلاً لمن ورد من سفر ج3 ص1528 رقم 715.
([18]) المنهاج شرح صحیح مسلم : أبو زکریا یحیى بن شرف بن مری النووی ج13 ص71 ، الناشر : دار إحیاء التراث العربی.
([19]) الغیرة : مشتقة من تغیر القلب، وهیجان الغضب بسبب المشارکة فیما فیه الاختصاص وأشد ما یکون بین الزوجین. فتح الباری ج13 ص399.
([20]) ینظر :العنف العائلی ضد المرأة - أسبابه والتدابیر الشرعیة للحد منه - ناصر الدین الشاعر ، ص359 - بحث فی مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الإنسانیة) المجلد 17 - العدد 2 غزة فلسطین 2003م.
([22]) ینظر : التوجیه والإرشاد النفسی من القرآن والسنة - مسفر بن سعید بن محمد ص148 ط: المملکة العربیة السعودیة 1421هـ.
([23]) فی الریبة : نحو أن یغار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلاً محرماً ، فإن الغیرة فی ذلک ونحوه, مما یحبه الله. عون المعبود ج7 ص229-230.
([24]) أخرجه ابن حبان فی صحیحه ج1 ص530 رقم 295 وابن ماجه فی سننه - کتاب النکاح - باب الغیرة ج1 ص643 رقم 1996، والبیهقی فی السنن الکبرى - باب الخبلاء فی الحرب ج9 ص159 رقم 18259, وقال الألبانی: حدیث صحیح . صحیح سنن ابن ماجة ج1 ص337
([25]) ینظر : الخصائص البیئیة والسمات النفسیة لمرتکبی جرائم السلوک العنیف - سوسن محمد الدسوقی فاید ص9 - رسالة ماجستیر - جامعة عین شمس قسم الدراسات الإنسانیة القاهرة 1416هـ.
([26]) ینظر : دور الأسرة الإسلامیة فی مواجهة تحدیات العنف الأسرى - أمیرة بنت أحمد على مسیل الباز ص92 وما بعدها - رسالة ماجستیر مقدمة إلى کلیة التربیة جامعة أم القری 1427هـ.
([29]) المرض النفسی: هو اضطراب نفسى جسمی سببه کبت وصراع نفسی.
أما المرض العصبی: هو اضطراب نفسی جسمی سببه تلف أو أصابة فی النسیج العصبی للمخ أو الخلایا. ینظر : الأمراض النفسیة - أحمد عزت راجح ص20: 21 ط دار الشروق - القاهرة.
([31]) ینظر : القتل فی الأسرة - الطائف - ممدوح على أبو ریان ج2 ص 248 : 251 ط سلسلة بحوث ودراسات مستشفى الصحة النفسیة بالطائف 1414هـ نقلاً عن دور التربیة الإسلامیة فی مواجهة تحدیات العنف الأسرى ص84.
([32]) أخرجه ابن ماجه فی سننه - کتاب النکاح - باب الأکفاء ج1 ص633 رقم 1968، والبیهقی فی السنن الکبرى ج7 ص133 رقم 13536، والحاکم فی المستدرک - کتاب النکاح - باب النکاح ج2 ص176 رقم2687، وقال صحیح الإسناد وقال الألبانی فی الأحادیث الصحیحة : حدیث صحیح ج3 ص37.
([33]) ینظر : دور التشریع الإسلامی فی الصحة الوقائیة المتعلقة بالزواج - فلاح سعد الدلو ص346 - بحث مقدم إلى کلیة الشریعة والقانون الجامعة الإسلامیة - غزة بعنوان (التشریع الإسلامی ومتطلبات الواقع) فی الفترة من 13 - 14 /3/2006م.
([35]) ینظر : بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع: علاء الدین، أبو بکر بن مسعود بن أحمد الکاسانی الحنفی ج2 ص 232 ،الناشر: دار الکتب العلمیة - الطبعة: الثانیة، 1406هـ - 1986م .
([36]) أخرجه أبو داود فی سننه - کتاب النکاح - باب فی القسم بین النساء, والبیهقی فی سننه - باب مَا جَاءَ فی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :{ وَلَنْ تَسْتَطِیعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَیْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِیلُوا کُلَّ الْمَیْلِ فَتَذَرُوهَا کَالْمُعَلَّقَة}ج2 ص 220 رقم 15142,والدارمى فی سننه - کتاب النکاح - باب فى القسمة بین النساء ج2 ص 93 رقم2207, والحاکم فی المستدرک - کتاب النکاح - ج2 ص204 رقم 2761 وقال حدیث صحیح على شرط مسلم ولم یخرجاه. وقال الصنعانی :أخرجه الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاکِمُ، وَلَکِنْ رَجَّحَ التِّرْمِذِیُّ إرْسَالَهُ. سبل السلام للصنعانی ج3 ص310 ط:دار إحیاء التراث العربی بیروت1379هـ.
([39]) ینظر :الجامع لأحکام القرآن: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبی بکر بن فرح الأنصاری الخزرجی شمس الدین القرطبی ج5 ص 97 ، الناشر : دار عالم الکتب، الریاض، المملکة العربیة السعودیة - الطبعة : 1423 هـ/ 2003 م
([40]) تفسیر القرآن العظیم : أبو الفداء إسماعیل بن عمر بن کثیر القرشی الدمشقی ج2 ص242،الناشر: دار طیبة للنشر والتوزیع- الطبعة:الثانیة 1420هـ - 1999م.
([46]) ینظر : عوامل استقرار الأسرة فی الکتاب والسنة - کوثر محمد عمر جاد الله - ص 294: 297 رسالة ماجستیر مقدمة إلى کلیة الدعوة وأصول الدین جامعة أم القرى 1408هـ / 1988م.
([48]) ینظر : جامع البیان عن تأویل آی القرآن - محمد بن جریر الطبری ج5 ص57 ط: دار الفکر بیروت 1405هـ.
([49]) ینظر : القوامة الزوجیة - أسبابها - ضوابطها - مقتضاها - د/ محمد بن سعد بن محمد المقرن ص 31 بحث فی مجلة العدل - المملکة العربیة السعودیة العدد 32 شوال 1427هـ.
([53]) ینظر : الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون الأقاویل فی وجوه التأویل: أبو القاسم محمود ابن عمر الزمخشری الخوارزمی ج1 ص605، دار النشر : دار إحیاء التراث العربی - بیروت ، منهج القرآن فی رعایة ضعفاء المجتمع - د/ عماد زهیر حافظ ص53 - 54 رسالة دکتوراه مقدمة إلى الجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة.
([57]) ینظر : روضة الطالبین وعمدة المفتین: محى الدین یحیى بن شرف أبو زکریا النووی ج7 ص370، ط: المکتب الإسلامی - بیروت طبعة 1415هـ 1995م، أسنى المطالب شرح روض الطالب: للقاضی أبى یحیى زکریا الأنصاری ج3 ص 240 ،ط : دار الکتاب الإسلامی - القاهرة ، کشاف القناع عن متن الإقناع: للشیخ العلامة منصور بن یونس ابن إدریس البهوتی ج5 ص 211 ، ط : دار الفکر -بیروت ، المغنى لابن قدامة ج7 ص243 ، ط: دار الفکر بیروت
([59]) ینظر: شقاق الزوجین - الأسباب - الآثار - العلاج - د/ على بن راشد الدبیان ص170، 171 بحث فی مجلة العدل - المملکة العربیة السعودیة العدد الثانی ربیع الآخر 1420هـ.
([62]) ینظر : موقف الإسلام من نشوز الزوجین أو أحدهما - د/ نور حسن قاروت ص307 الطبعة الأولى 1995م -1415هـ
([63]) الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز : علی بن أحمد الواحدی أبو الحسن ، ج1ص293 ط: دار القلم دمشق 1415هـ.
([66]) ینظر : نحو أسرة هانئة مستقرة دون عنف - د/ عبد السلام العبادی ص6 ، بحث مقدم إلى الدورة التاسعة عشر لمجمع الفقه الإسلامی الدولی والذی أقیم بدولة الإمارات العربیة المتحدة 2009م.
([72]) ینظر :أثار الطلاق المالیة والاجتماعیة - مریم صالح ص331، الطلاق وآثاره المعنویة والمالیة فی الفقه الإسلامی - د/وفاء معتوق حمزة ص8 ط: دار القاهرة للکتاب الطبعة الأولى 2000م.
([75]) الخلع: فرقة بین الزوجین بعوض مقصود راجع لجهة الزواج بلفظ طلاق أو خلع. إعانة الطالبین ج3 ص381, مغنى المحتاج - ج3 ص262.
([80]) الکفر: أی کفران العشیر والتقصیر فیما یجب له بسبب شدة البغض له ویمکن أن یکون مرادها أن شدة کراهتها له قد تحملها على إظهار الکفر لینفسخ نکاحها منه، نیل الأوطار ج7 ص37.
([82]) ینظر : مدى حق الزوجة فی إنهاء عقد النکاح بالخلع - د/ عبد الکریم زیدان ص24 بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامی التابع لرابطة العالم الإسلامی - الدورة الثامنة عشر - مکة المکرمة 10- 14/ 3/1427هـ - 8 - 12/ 4/ 2006م، المجلد الثانی.
([85])ینظر : المبسوط ج6 ص173، مواهب الجلیل ج4 ص19، الأم للشافعی ج5 ص194 ط: دار المعرفة بیروت - الطبعة الثانیة، المغنى ج7 ص247، المحلى ج10 ص237.
([87])ینظر : فقه السنة - سید سابق - ج2 ص442 ط: مکتبة الخدمات الحدیثة ,الأحوال الشخصیة : محمد أبو زهرة ص338 ط: دار الفکر العربی , نظام الأسرة وحل مشکلاتها فی ضوء الإسلام د/ عبد الرحمن الصابونی ص120.
([92]) ینظر : حق المرأة فی إنهاء عقد النکاح بالخلع - د/ نصر فرید محمد واصل ص72 - 73 بتصرف وتلخیص. بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامی الدورة الثامنة عشرة مکة المکرمة الجزء الثانی 1427هـ - 2006م.
([93])ینظر : حق الزوجة فی إنهاء عقد النکاح بالخلع - د/ محمود أحمد أبو لیل ص354 بحث مقدم إلى المجمع الفقه الإسلامی فی الدورة الثامنة عشرة 24- 29-جمادى الآخرة 1428هـ الموافق9-14- یولیو007م -الجزء الثانی.
([101]) صحیح مسلم – کتاب الفضائل - باب مباعدته صلى الله علیه وسلم للآثام واختیاره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاک حرماته ج4 ص1814 رقم 2328.
(3) أخرجه أبو داود - کتاب النکاح - باب فی حق المرأة على زوجها ج2 ص245 رقم 2144، والنسائی فی السنن الکبرى ج5 ص363 رقم 9151، والطبرانی فی الأوسط ج2 ص183 رقم 1658. قال الألبانی : الحدیث صحیح. صحیح وضعیف سنن أبی داود - محمد ناصر الدین الألبانی ج5 ص144 والحدیث روی عن معاویة القشیری - رضی الله عنه - واللفظ لأبى داود.
([107]) ینظر : بدائع الصنائع ج2 ص334، مواهب الجلیل ج4 ص15، الحاوی الکبیر ج9 ص598، کشاف القناع ج5 ص209.
([108])ینظر : منح الجلیل ج3 ص545، مواهب الجلیل ج4 ص15، نهایة المحتاج ج6 ص390، تحفة البجیرمی على شرح الخطیب ج4 ص252.
([111]) عوان : جمع عانیة والعانی الأسیر، وعنا یعنو : خضع وذل . لسان العرب ج15 ص152، نیل الأوطار ج6 ص365 ط: دار الجلیل بیروت.
([112]) أخرجه أبو داود فی سننه - کتاب المناسک - باب صفة حج النبی – عز وجل ج2 ص185 رقم 1905، والترمذی فی سننه - کتاب الرضاع باب ما جاء فی حق المرأة على زوجها ج3 ص467 رقم 1163، وابن ماجه فی سننه - کتاب النکاح باب حق المرأة على الزوج ج2 ص1025 رقم 3074. وقال الترمذی حدیث حسن صحیح، والحدیث روى عن عمرو بن الأحوص - رضی الله عنه -، واللفظ للترمذی.
([114]) البحر الرائق ج5 ص31، حاشیة العدوى ج2 ص145، منح الجلیل ج3 ص545، المهذب ج2 ص270، الإقناع للشربینی ج2 ص433، کشاف القناع ج5 ص209.
([116]) معاویة القشیری : هو معاویة بن حیدة بن معاویة بن قشیر بن کعب بن ربیعة من بنى عامر له صحبة وروایة عن النبی ص روى عنه ابنه حکیم وهو جد بهز ابن حکیم. الثقات لابن حبان ج3 ص374 ط:دار الفکر الطبعة الأولى 1982م، الإصابة لابن حجر ج6 ص118، 119 ط: دار الکتب العلمیة.
([117]) أخرجه أبو داود فی سننه - کتاب النکاح - باب فی حق المرأة على زوجها ج2 ص244 رقم2142، ابن ماجه فی سننه - کتاب النکاح - باب حق المرأة على الزوج ج1 ص593 رقم 1850، النسائی فی السنن الکبرى - کتاب عشرة النساء ـ باب تحریم ضرب الوجه فی الأدب ج5 ص373 رقم917 وأحمد فی المسند ج4 ص446 رقم 20025. وقال الألبانى : (حسن صحیح) صحیح وضعیف سنن أبى داود ج5 ص142.
([119])ینظر : أسنى المطالب ج4 ص163، الحاوی الکبیر ج9 ص599، الکافی فی فقه الإمام أحمد ج3 ص137، المغنى ج7 ص242، شرح منتهى الإرادات ج3 ص105.
([120]) ینظر : الشرح الکبیر للدردیر ج2 ص343، شرح میاره الفاسی ج1 ص313ط دار الکتب العلمیة بیروت، نهایة المحتاج ج6 ص319، مغنى المحتاج ج3 ص260، أسنى المطالب ج3 ص239.
([122]) ینظر : شرح فتح القدیر ج5 ص345، الذخیرة ج12 ص121، روضة الطالبین ج9 ص253، المغنى ج10 ص61، المحلى ج11 ص404.
([123])أخرجه البخاری فی صحیحه - کتاب الحدود - باب کم التعزیر والأدب ج6 ص 2512 رقم 6457 عن عبد الرحمن بن جابر - رضی الله عنه.
([129]) التفسیر الکبیر - تقى الدین بن تیمیة ج2 ص338،339 ط: دار الکتب العلمیة بیروت الطبعة الأولى 1408هـ - 1988م.
([130]) بین العلماء أن المراد بالفاحشة المبینة البغض والنشوز، وسوء العشرة قولاً وفعلاً، وأنه لیس المراد بذلک الزنا ؛ لأن ذلک محرم ویلزم علیه الحد. الجامع لأحکام القرآن للقرطبی ج5 ص63.
([134]) الکَزَّةُ ( السَعَفِ ) الطویلةُ. لسان العرب ج2ص316.
الَوکَزَهُ :وَکْزاً دفعه وضربه مثل نَکَزَه والوَکْزُ الطعن. لسان العرب ج5ص430.
([136]) أخرجه البخاری ـ کتاب الجهاد والسیر ـ باب السمع والطاعة للإمام ما لم تکن معصیة ج3 ص2612 رقم 6725 عن ابن عمر - رضی الله عنهما -، ومسلم فی صحیحه - کتاب الإمارة - باب وجوب طاعة الأمراء فی غیر معصیة وتحریمها فی المعصیة ج3 ص1465 رقم 1839 واللفظ للبخاری.
([141]) ینظر : السیاسة الشرعیة فی الاحتیاطات التأدیبیة للحد من العنف فی نطاق الأسرة - د/ حسن بن محمد مسفر ص12: 13 بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامی الدولی - الدورة التاسعة عشر - الإمارات العربیة المتحدة 2009م.
([142]) الکافی فی فقه أهل المدینة لابن عبد البر ص257 ط دار الکتب العلمیة- بیروت – الطبعة الثانیة 1413هـ - 1992م.
([144]) ینظر : المبسوط ج9 ص64، البحر الرائق ج5 ص81 شرح الخرشی ج4 ص411، شرح منح الجلیل ج2 ص177، الأم للشافعی ج5 ص189، نهایة المحتاج ج6 ص383، المبدع ج8 ص341، الکافی فی فقه الإمام أحمد ج4 ص8، المحلى ج11 ص24.
([147]) ینظر : العنف داخل الأسرة بین الوقایة والتجریم والعقاب فی الفقه الإسلامی والقانون الجنائی - د/ أبو الوفا محمد أبو الوفاء إبراهیم ص30 ط دار الجامعة الجدیدة ، شرح فتح القدیر ج 5 ص 119, مغنی المحتاج ج 4 ص 248.
([148]) البحر الرائق ج4 ص211، حاشیة ابن عابدین ج3 ص602، أسهل المدارک سهل المدارک «شرح إرشاد السالک فی مذهب إمام الأئمة مالک»: أبو بکر بن حسن بن عبد الله الکشناوی ج2 ص132،الناشر: دار الفکر، بیروت – لبنان ، مواهب الجلیل ج4 ص16 ، شرح مختصر خلیل للخرشی : محمد بن عبد الله الخرشی المالکی أبو عبد الله ج4 ص7، الناشر: دار الفکر للطباعة – بیروت ، المحلى بالآثار ج9 ص175
([151]) ینظر : وسائل التنفیذ العینی الجبری فی القانون المدنی الیمنى دراسة مقارنة بالفقه الإسلامی والقانون المدنی المصری:د/ شرف الدین محمد أحمد الکهالى ص 382 رسالة دکتوراه مقدمة إلى کلیة الحقوق جامعة القاهرة ، 1997م
([153]) ینظر : سفر المرأة بدون إذن زوجها - د/ عبد الفتاح أدریس ص8 مقال بصحیفة صوت الأزهر - العدد الرابع عشر الجمعة 23 رمضان 1420هـ - 31 دیسمبر 1999م.
([154])ینظر : فتوى دار الإفتاء المصریة (الشیخ محمد خاطر) مفتى الدیار المصریة سابقا - س 105م 166 - 5ربیع ثان 1392هـ، 18 مایو 1972م -الفتاوى الإسلامیة من دار الإفتاء المصریة - المجلد السادس ص1964 ط: وزارة الأوقاف المصریة - المجلس الأعلى للشئون الإسلامیة 1402هـ 1982م.
([155]) ینظر :الشرح الکبیر: شمس الدین عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسی الجماعیلی الحنبلی، أبو الفرج ، ج3 ص 168، الناشر: دار الکتاب العربی للنشر والتوزیع ، ولمزید من التفصیل ینظر المنع من السفر فی نطاق الحقوق الخاصة للباحث ص304 - 344 رسالة دکتوراه مقدمة إلى کلیة الشریعة والقانون بأسیوط 1425هـ - 2004م.
([156]) بدر المتقى فی شرح الملتقى ج 2 ص 146 وجاء فیه : " واستحسن أبو یوسف أخذ کفیل شهراً لامرأة طلبت کفیلاً بالنفقة لسفر الزوج وعلیه الفتوى" , بدائع الصنائع ج 4 ص 28 ، الدر المختار ج 4 ص 285 ، النوادر والزیارات ج 4 ص606 وجاء فیها : " وإذا طلبته بالنفقة عند مراده للسفر ، نُظر قدر سفره فوضع لها من النفقة بقدر ذلک ، أو أقام لها بذلک حمیلاً " ، الشرح الکبیر ج 2 ص 520 ، مغنى المحتاج ج 3 ص 435 وجاء فیه : " الصورة الثانیة : ما لو أراد الزوج سفراً طویلاً ، قال البغوی فی فتاویه : لامرأته المطالبة بنفقة مدة ذهابه ورجوعه کما لا یخرج للحج حتى یترک لها هذا المقدار : أی إذا لم یستنب من یدفع لها ذلک یوماً بیوم، فإن قیل یجوز السفر لمن علیه دین مؤجل یعلم أنه یحل قبل رجوعه وإن لم یستأذن غریمه ولم یترک وفاء فهلا کان هنا کذلک؟ أجیب بأن هذه محبوسة عنده وتتضرر بذلک بخلاف من له الدین " ، المغنى ج 11
ص 367 وجاء فیه : " ویصح ضمان النفقة، ما وجب منها وما یجب فی المستقبل، إذا قُلنا إنها تثبت فی الذمة" ، الکافی ج 3 ص 371 .
([159]) بدائع الصنائع ج 4 ص 28 وجاء فیه : " ولو قالت أیها القاضی إنه یرید أن یغیب فخذ لی کفیلاً بالنفقة، لا یجبره القاضی على إعطاء الکفیل لأن نفقة المستقبل غیر واجبه للحال فلا یجبر على الکفیل بما لیس بواجب یحققه أنه لا یجبر على التکفیل بدین واجب فکیف بغیر الواجب ، وإلى هذا أشار أبو حنیفة فقال : لا أوجب علیه کفیلاً بنفقة لم تجب لها بعد " ، المبسوط ج 5 ص 184 ، نهایة المحتاج ج 7 ص 190
([162]) اختلف الفقهاء فی مدة الکفالة بالنفقة :
فذهب المالکیة ، والشافعیة ، والحنابلة إلى أن الکفالة تکون بمدة غیبته.
الشرح الکبیر ج 2 ص 520، مغنى المحتاج ج 3 ص 435 ، المغنى ج 11 ص 367
بینما ذهب أبو یوسف إلى أن الکفالة بالنفقة تکون لمدة شهر؛ لأن الغالب أن السفر یمتد إلى شهر، فإن علم القاضی أن الزوج یمکث أکثر من شهر یأخذ الکفیل بأکثر من شهر.
بدائع الصنائع ج 4 ص 28 ، حاشیة رد المحتار ج 4 ص 285
([163]) أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والحاکم. مسند الإمام أحمد - سنن أبى داود ج 2 ص 132 کتاب الزکاة – باب صلة الرحم ج 2 ص 230 حدیث رقم 1692 ، المستدرک ج 1 ص 415 ، کشف الخفا ج2 ص 165 وقال الحاکم : صحیح الإسناد ولم یخرجاه ، وقال الألبانی : صحیح . أخرجه أبو داود وغیره عن ابن عمرو بسند ضعیف، لکن أخرجه مسلم من طریق أخرى عنه نحوه . إرواء الغلیل ج4 ص 167 حدیث رقم 989
([165]) بدائع الصنائع ج 4 ص 28، حاشیة الدسوقی ج 2 ص 517، نهایة المحتاج ج 7 ص 201، المغنى ج 11 ص 366، 367
([166]) ینظر : حریة السفر إلى الخارج : د/ نعیم عطیه ص 19 بحث فی مجلة العلوم الإداریة – السنة الثالثة والثلاثون - العدد الأول – یونیو 1991م
([167]) ینظر : بدائع الصنائع ج2 ص334، المبسوط ج5 ص97 مغنى المحتاج ج3 ص261، المغنى ج7 ص243، المحلى ج10 ص88.
([168]) المدونة ج5 ص372 ط: دار صادر بیروت، الکافی لابن عبد البر ص278، الأم للشافعی ج5 ص194 , المهذب ج2 ص70، کشاف القناع ج5 ص211.
([169]) ینظر: بدائع الصنائع ج2 ص331، البحر الرائق ج3 ص335، الأم للشافعی ج5 ص239، الحاوی الکبیر ج11 ص316، المحلى ج10 ص40.
([174]) ینظر : التفریق الفضائی بین الزوجین للغیبة والفقدان دراسة مقارنة - د/ المغاوری محمد عبد الرحمن الفقی ص225- 228 بتصرف وتلخیص، بحث فی مجلة الشریعة والدراسات الإسلامیة - جامعة الکویت العدد 64 السنة 21 صفر 1427هـ - مارس 2006م.
([176]) ینظر : بدائع الصنائع ج2 ص327، حاشیة الدسوقی ج2 ص277، أسنى المطالب ج3 ص176، مغنى المحتاج ج3 ص202، الفروع ج5 ص230.
([179]) ینظر : شرح فتح القدیر ج4 ص379، حاشیة الدسوقی ج2 ص 518، مواهب الجلیل ج4ص196, حاشیة إعانة الطالبین ج3 ص83، الإنصاف ج9 ص390.
([182]) الوجه: یقصد به اجتهاد أحد الأصحاب المنتسبین للإمام الشافعی على ضوء الأصول العامة للمذهب. ینظر : حاشیتا قلیوبی وعمیرة: أحمد سلامة القلیوبی وأحمد البرلسی عمیرة ج1 ص 14، الناشر: دار الفکر - بیروت
([185]) ینظر : فتح القدیر ج4 ص401، حاشیة الدسوقی ج2 ص518، مغنى المحتاج ج3 ص442، المغنى ج8 ص164، الکافی فی فقه ابن حنبل ج3 ص369.
([186]) قید المالکیة هذا القول بأنه إذا أقر الزوج بالملأ , ومع ذلک امتنع عن الانفاق . مواهب الجلیل ج4 ص196 وجاء فیه " فإن من لم یثبت عسره وامتنع من الإنفاق والطلاق ، فتارة یقر بالملأ ، وتارة یدعى العسر، فإن ادعى العسر تلوم له، وإن أقر بالملأ فحکى ابن عرفة فی ذلک قولین أحدهما : أنه یعجل علیه الطلاق والثانی : أنه یسجن حتى ینفق "
([187]) ینظر : مجمع الأنهر فی شرح ملتقى الأبحر: عبد الرحمن بن محمد بن سلیمان المدعو بشیخی زاده, یعرف بداماد أفندی ج1ص491، الناشر: دار إحیاء التراث العربی ، البحر الرائق ج4 ص202 ، الناشر: دار الکتاب الإسلامی ، مواهب الجلیل ج4 ص196 ، الشرح الکبیر على متن المقنع: ج9 ص272 ، روضة الطالبین وعمدة المفتین ج9 ص 72 ، المحلى ج9 ص 254 ، الناشر: دار الفکر - بیروت
([188]) ینظر : مواهب الجلیل ج4 ص196 ، الشرح الکبیر للدردیر ج2 ص518 ، العزیز شرح الوجیز المعروف بالشرح الکبیر: عبد الکریم بن محمد بن عبد الکریم، أبو القاسم الرافعی القزوینی ج10 ص55 , الناشر: دار الکتب العلمیة، بیروت – لبنان - الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1997 م ، نهایة المحتاج ج7 ص212، المغنى ج8 ص206، الفروع ج5 ص447.
([191]) مسند الشافعی: محمد بن إدریس أبو عبد الله الشافعی ص267، الناشر : دار الکتب العلمیة – بیروت، البیهقی فی السنن الکبرى ج 7ص469,الناشر : مکتبة دار الباز - مکة المکرمة ، 1414 – 1994م ، وقال الألبانی : صحیح. إرواء الغلیل فی تخریج أحادیث منار السبیل: محمد ناصر الدین الألبانی ج7 ص228 , الناشر : المکتب الإسلامی - بیروت
([193]) المغنی ج8 ص206 ، الشرح الکبیر على متن المقنع ج9 ص 272, شرح منتهى الإرادات : منصور بن یونس بن صلاح الدین ابن حسن بن إدریس البهوتی الحنبلی ج3 ص237 ،الناشر: عالم الکتب -الطبعة: الأولى، 1414هـ - 1993م
([194])المشهور: هو الرأی الراجح من القولین أو الأقوال للإمام الشافعی إذا کان مقابله ضعیفاً. مغنى المحتاج ج1 ص106, نهایة المحتاج ج1 ص48.
([195]) شرح الزرقانی على مختصر خلیل ج4 ص255، شرح الخرشی ج4 ص196، المهذب ج2 ص163، الإقناع للشربینی ج2 ص487، الکافی فی فقه ابن حنبل ج3 ص367، المغنى ج8 ص167.
([196])المشهور: هو الرأی الراجح من القولین أو الأقوال للإمام الشافعی إذا کان مقابله ضعیفاً. مغنى المحتاج ج1 ص106, نهایة المحتاج ج1 ص48.
([197]) شرح الزرقانی على مختصر خلیل ج4 ص255، شرح الخرشی ج4 ص196، المهذب ج2 ص163، الإقناع للشربینی ج2 ص487، الکافی فی فقه ابن حنبل ج3 ص367، المغنى ج8 ص167.
([199]) ینظر : الإنفاق على الزوجة دراسة فقهیة مقارنة - د/ أحمد عبد الجبار الشعبى ص323، 324 - بحث فی مجلة جامعة الملک عبد العزیز - الآداب والعلوم الإنسانیة - المجلد 15 سنة 1428هـ - 2007م .
([200]) المبسوط ج5 ص187، نهایة المحتاج ج7 ص212، المحلى ج10 ص97.
ولکن تکلف الزوجة النفقة عند الظاهریة إذا کانت غنیة, وزوجها فقیر معسر, ولا ترجع علیه بما أنفقت . المحلى ج9 ص 254.
([204]) ینظر: السیل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: محمد بن علی بن محمد الشوکانی ج2 ص453الناشر : دار الکتب العلمیة – بیروت -الطبعة الأولى ، 1405.
([212]) الإیلاء فی اللغة : مأخوذ من الفعل آلى یولى إیلاءً حلف. لسان العرب ج14 ص41.
وفی الاصطلاح : الیمین على ترک وطء المنکوحة مدة مخصوصة. الاختیار لتعلیل المختار ج3 ص167 ط: دار الکتب العلمیة بیروت.
([215]) الإلزام فی مسائل الأحوال الشخصیة دراسة فقهیة مقارنة - د/ ولید خالد الربیع ص101 ط: دار النفائس الأردن الطبعة الأولى 1427هـ، 2007م.