المساهمين
المؤلف
قسم أصول الفقه، کلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بسوهاج، جامعـة الأزهر سوهاج، مصر.
المستخلص
الكلمات الرئيسية
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبد الله ( رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وَعَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحَادِیثِ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیَا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِی مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ )([1]).
وبعد :
فالأحکام الشرعیة لابد لها من أدلة ترتکن إلیها تارة، وتستنبط منها أخرى، وتستمد الأحکام قوتها وحجیتها من تلک الأدلة ، بل ویتوقف وجودها علیها، وفی الأعم تکون الأدلة واضحة لا لبس فیها.
وإذا کانت الأدلة هی التی یتوصل بها المجتهد للکشف عن الأحکام ، فلابد أن یحیط بها إحاطة الشمول والاستغراق، والتعارض وإن کان من عوارض الأدلة فإنه لا یقل أهمیة عنها، فمن المهم أن یکون المجتهد عالماً بصفات الأدلة عامة، وبالتعارض وکیفیة الترجیح خاصة، إذ أن بعض النصوص یوحی ظاهرها التعارض - کما سنوضحه فی أسباب التعارض – وإن کان ذلک التعارض لیس حقیقیاً ؛ إذ من المستحیل أن یأتی دلیلان فی وقت واحد فی محل واحد مع اتحاد الزمن أحدهما ینفی والآخر یثبت، فإن الشارع منزه عن ذلک ، وإنما یتوهم ذلک لدینا لجهلنا بالمتقدم والمتأخر، أو لخفاء انفکاک جهة کل منهما، والقصد من التعارض والترجیح : تصحیح الصحیح، وإبطال الباطل ، فإن الله تعالى لم ینصب على جمیع الأحکام الشرعیة أدلة قاطعة، بل جعلها ظنیة؛ قصداً للتوسیع على المکلفین؛ لئلا ینحصروا فی مذهب واحد لقیام الدلیل علیه، وإذا ثبت أن المعتبر فی الأحکام الشرعیة الأدلة الظنیة، فقد تتعارض فی الظاهر بحسب جلائها وخفائها، فوجب الترجیح بینها، والعمل بالأقوى([2]).
ومعرفة التعارض وکیفیة الخروج منه من دقائق العلوم الشرعیة، لاسیما علم أصول الفقه الذی یضبط التعارض واضعاً له شروطاً، ثم یقوم هذا العلم بإیجاد مخلص لما توهم من تعارض بین الأدلة.
ولمَّا کان باب التعارض والترجیح من الأبواب التی لا یمکن لمثلی أن یحیط بها جمعاً؛ آثرت أن یکون لی فیه نصیب، وهو التعارض الذی من الممکن أن یکون فی الطریق المؤدیة إلى الدلیل ، الموسوم عند أهل الأصول بتعارض الروایة والترجیح فیه، وبالتالی سوف نتعرض للمعارضة قبل الترجیح فیه ؛ لأن الترجیح فرع المعارضة.
وبعون الله وتوفیقه سنتکلم عن تعارض الروایة وکیفیة الخروج منه من خلال بحثی المتواضع هذا ، وذلک بعد مطالعة کتب العلماء ، إلا أننی لست بالباحث النحریر الذی سیتوقف عند جمیع جزئیات التعارض والترجیح فی الروایة، فهو من أشد الدروب وأصعب الخطوب، لاسیما عند ذاک المسکین بضاعة الفقیر فهماً، وحسبی ما قالوا : ما لا یدرک کلُّه لا یترک جلُّه ، فسأقوم بالتطفل على موائد العلماء ، عسى أن أحظى بشیء منهم یکتب لی أجره فی الأخرة والأولی .
خطة البحث :
قسمت هذا البحث إلى : مقدمة ، وثلاثة فصول ، وخاتمة على النحو التالی :
الفصل الأول : فی تعریف التعارض والترجیح ، وحقیقة التعارض ، ومحله ، وأسبابه ، وشروطه ، وذلک فی أربعة مباحث :
المبـحث الأول : تعریف التعارض والترجیح ، وفیه مطلبان :
المطلب الأول : تعریف التعارض.
المطلب الثانی : تعریف الترجیح.
المبحث الثانی : حقیقة التعارض ومحله ، وفیه مطلبان :
المطلب الأول : حقیقة التعارض.
المطلب الثانی : محل التعارض.
المبحث الثالث : أسباب التعارض ، وفیه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : التعارض العائد إلى أحوال الألفاظ .
المطلب الثانی : التعارض الواقع بسبب الإطلاق والتقیید.
المطلب الثالث : التعارض بسبب عدم معرفة المتقدم والمتأخر من الدلیلین
المبحث الرابع: شروط التعارض .
الفصل الثانی : فی تعارض الروایة : ویشتمل على : تعریف الروایة ، ورکنها ، وسبب التعارض فی الروایة ، وذلک فی مبحثین :
المبحث الأول: تعریف الروایة ، وأقسامها ، وفیه مطلبان:
المطلب الأول : تعریف الروایة .
المطلب الثانی : رکن الروایة.
المبحث الثانی : أسباب تعارض الروایة ، وفیه خمسة مطالب :
المطلب الأول : التعارض بسبب تعدد الروایة.
المطلب الثانی : التعارض بسبب عمل الراوی بخلاف ما روى.
المطلب الثالث: التعارض بسبب اختلاف العلماء فی الراوی من حیث الرد والقبول.
المطلب الرابع : التعارض بسبب الاختلاف فی اللفظ بین الروایات.
المطلب الخامس : التعارض بسبب اضطراب الروایة .
الفصل الثالث : طرق دفع التعارض فی الروایة ، وفیه خمسة مباحث:
المبحث الأول : ترتیب الطرق التی یجب أن یتبعها المجتهد عن التعارض
المبحث الثانی : الجمع بین الروایات المتعارضة .
المبحث الثالث : نسخ المتقدم من الروایات المتعارضة.
المبحث الرابع : الترجیح بین الروایات المتعارضة، وفیه ستة مطالب:
المطلب الأول : ترجیح الروایة بحال الراوی.
المطلب الثانی : ترجیح الروایة بالحالة التی وردت بها.
المطلب الثالث : ترجیح الروایة بحال المروی.
المطلب الرابع : الترجیح باعتبار لفظ المتن.
المطلب الخامس : الترجیح بمدلول الحکم .
المطلب السادس : الترجیح من خارج السند والمتن .
المبحث الخامس : تعادل الروایة .
الخاتمة : وتشتمل على أهم النتائج والتوصیات .
الفصل الأول
فی تعریف التعارض والترجیح ، وحقیقة التعارض
ومحله ، وأسبابه ، وشروطه
هذا الفصل مهم من مهمات البحث ؛ لأنه یتناول القواعد الأساس للتعارض والترجیح ، وحیث إن البحث فی جزئیة من التعارض والترجیح وهی : تعارض الروایة ؛ لذا سوف نتناول هذه القواعد بشیء من الإیجاز غیر المخل ، ونبدأ بماهیة التعارض والترجیح ، حقیقة التعارض ، ومحله ، وأسبابه ، وشروطه، وذلک فی أربعة مباحث :
المبـحث الأول
ماهیة التعارض والترجیح
وفیه مطلبان :
المطلب الأول : ماهیة التعارض.
المطلب الثانی : ماهیة الترجیح.
تُعرف حقیقة الشیء بالوقوف على حدِّه ، ویزداد وضوحاً بذکر حقیقته، ثم معرفة أسبابه وشروطه ، ثم موضوعه . ویُعدُّ هذا المبحث هو الأهم ؛ لأنه یُعدُّ المدخل لکل ما سیأتی من بعده من مباحث ، ونبدأ بتعریف التعارض والترجیح فی هذا المبحث وذلک فی مطلبین :
المطلب الأول
تعریف التعارض
أولاً : تعریف التعارض لغة :
التعارض لغة : التقابل من التفاعل ، بمعنى العُرْض – بالضم - وکأن الکلام المتعارض یقف بعضه فی عرض بعض، فیمنعه من النفوذ . ([3])" یقال : عرض لی أمر أی : استقبلنی فمنعنی منه، والعوارض فی اللغة: الموانع ، وسمیت المعارضة بین الحجج معارضة ؛ لأنها تقوم متقابلة متمانعة لا یمکن الجمع بینهما.([4]) والمعارضة : هی المقابلة على سبیل الممانعة.([5]) ، وهما عند الأصولیین بمعنى واحد کما سنذکر.
ثانیاً : تعریف التعارض اصطلاحاً :
تعددت تعریفات التعارض عند علماء الأصول؛ وما ذلک إلا لأهمیة بیان حقیقته؛ لما یتوقف علیه من أحکام کثیرة ، إلا أن تعدد هذه التعریفات إنما هو من حیث اللفظ أما المعنی فمتّحد ، لذا سنکتفی بأشهرها، وهو للإمام السرخسی حیث عرفه بأنه : تقابل الحجتین على سبیل الممانعة ([6]).
وتبعه ابن مفلح فی أصوله ، والزرکشی فی البحر المحیط ([7])، وغیرهم، إلا أنهم بدَّلوا الحجتین بالدلیلین.
والإمام السرخسی قصد الأعم فی الحد ، ثم رجع وعبَّر بالدلیلین عند الشرح والتفصیل ، والتقابل هنا عام یشمل کل تقابل، سواء أکان بین دلیلین، أم حکمین، أم قولین لمجتهد.
وبإضافة کلمة الدلیلین إلى التقابل قصر التعارض على تقابل الدلیلین فحسب؛ لأنهما هما موضوع التعارض ، بمعنى أن یقتضى أحدهما ثبوت أمر والآخر ینفیه ، على سبیل الممانعة ، أی : یدفع ویمنع کل منهما الآخر ، فهذا یبیح ، وذاک یمنع الإباحة ، وهکذا.
ثالثاً : المناسبة بین التعریف اللغوی والاصطلاحی
والمناسبة بین المعنیین (اللغوی، والاصطلاحی): أن الدلیلَ المعارضَ لدلیلٍ آخَرَ کأنه یقفُ فی الناحیة المقابلة للناحیة التی یقفُ فیها الدلیلُ الآخَرُ.
أو أن کلاًّ منهما یقفُ فی عُرْض الآخَر، فالمناسبة قویة.
رابعاً : التعارض مرادف للتعادل :
التعادُل فی اللغة: التساوی، وعدل الشیء: مثیلُه من جنسه([8]) ، وسبق أن ذکرنا أن التعارض فی اللغة بمعنى التقابل والتمانع ، والتعادل هنا فی اللغة بمعنى التساوی ، فبان لنا أنهما مختلفان فی اللغة .
أما فی الاصطلاح ، فالتعادل هو : عبارة عن تساوی الدلیلین المتعارضین بحیث لا یکون فی أحدهما ما یرجحه على الآخر.([9])
وجمهور الأصولیین دأبوا على استعمال التعادل بمعنى التعارض فی نفس المعنى، حیث لا تعادل إلَّا بعد التعارض، فالأدلة إذا تعارضت ولم یکن لبعضها مزیة على البعض الآخر فهو التعادل، أی التکافؤ والتساوی.
فالتعادل مساوٍ للتعارُض عند جمهور الأصولیین کالإمام الرازی،([10]) وتبعه سراج الدین الأرموی فی التحصیل.([11]) ونص علیه تاج الدین السبکی فی جمع الجوامع.([12]) وشمس الدین الفناری الحنفی المتوفى سنة 834.([13])
لکنّ شارح الکوکب المنیر، الإمام ابن النجار، یرى التفریق بین التعادل والتعارض حیث یقول: "وأما التعارض فهو تقابل دلیلین ولو عامین فی الأصح على سبیل الممانعة، وذلک إذا کان أحد الدلیلین یدل على الجواز والدلیل الآخر یدل على المنع، فدلیل الجواز یمنع التحریم، ودلیل التحریم یمنع الجواز، فکل منهما مقابل الآخر، ومعارض له، ومانع له ... وأما التعادل فهو التساوی. أهـ
ویبدو أن الإمام ابن النجار فرق بینهما جریاً على التفریق اللغوی.([14]) ولیس ثمة فرق حقیقی بین التعادل والتعارض فی معنیهما ، اللهم إلا من جهة اللغة ؛ لأن التعارض إنما هو تقابل الدلیلین على سبیل الممانعة .
فإن لم یکن أحد الدلیلین به صفة أو أمارة أو قرینة ترجحه على الآخر کان ذلک بمثابة التعادل الذی من الممکن ان یؤدی إلى التساقط ، فالتعارض أعم من التعادل ، فیکون التعادل خاصاً بتساوی الدلیلین من کلّ وجهٍ، بحیثُ لا یبقى لأحدهما مزیةٌ على الآخَر ، وإذا حصل التعادُلُ ینسدُّ بابُ الترجیح، ولم یبقَ إلاّ أنْ یذهبَ المجتهدُ إلى تساقط الدلیلین .
خامساً : التعارض بمعنى المعارضة والتناقض :
هذه الألفاظ، وإن کانت مختلفة من حیث اللغة، إلا أنها فی اصطلاح الأصولیین تدل على معنى واحد،([15]) وهو : کونُ الدلیلین بحیث یقتضی أحدهما ثبوتَ أمر والآخرُ انتفاؤه فی محل واحد فی زمان واحد، بشرط تساویهما فی القوة أو زیادة أحدهما بوصف هو تابع.([16])
لذا نجدهم یعنونون بالمعارضة، ثم یعبرون بالتعارض والعکس ، بل عَدُّوا التناقض بین دلیلین مثل المعارضة والتعارض فی اصطلاحاتهم، قال الإمام الغزالی: اعلم أن التعارض هو التناقض.([17]) أهـ
المطلب الثانی
تعریف الترجیح
أولاً الترجیح لغة :
الترجیح ضد التطفیف.([18]) ولغة جعل الشیء راجحاً،([19]) والترجیح : الثَقُلَ والمیل والتفضیل والتقویة، یقال: رجح الشیء رجحانًا ورجوحًا ورجاحة: ثقل، ورجحت إحدى الکفتین الأخرى: مالت بالموزون.([20])
فهو عبارة عن زیادة لا اعتبار لها إذا انفصلت عن أصلها، مأخوذ من رجحان المیزان، یقال: رجح المیزان وترجح. قال النبی - صلى الله علیه وسلم - للوزان: "زن وارجح".([21])
فکان الرجحان عبارة عما یغیر صفة الوزن، لا عما یقوم به الوزن على سبیل المقابلة.([22])
ثانیاً : الترجیح اصطلاحاً :
الترجیح فرع التعارض ، فلا ترجیح ما لم یقم التعارض.([23])
وقد تعددت عبارات الفقهاء والأصولیین لتعریف الترجیح، فبعضهم یرتکن إلى فعل المرجح الناظر فی الأدلة، وبعضهم یظهر معنى الرجحان، الذی هو وصف قائم بالدلیل أو مضاف إلیه . هذا وإن تعددت التعریفات فیه فإن المعنى متحد فی الجمیع.
فعرفه السرخسی بأنه عبارَة عَن: زِیَادَة تکون وَصفاً لَا أصلاً ([24]).
وعرفه الإمام البزدوی بأنه : فضل أحد المثلین على الآخر وصفاً.([25])
وتقیید التعریف بالوصف أی : یکون بأحد الدلیلین المتقابلین صفة تابعة له، تجعله راجحاً على الدلیل المقابل، کترجیح خبر مشهور على خبر غریب.([26]) وعرفه الإمام الزرکشی بأنه : هو تقویة إحدى الأمارتین على الأخرى بما لیس ظاهراً ؛ لأن التقویة الظاهرة لا تحتاج إلى ترجیح.([27])
والتعریف الأخیر عبر عن الدلیل بالأمارة ، إشارة إلى تعارض الظنی فقط عند جمهور العلماء ؛ لأن الدلیل الظنی بمنزلة الأمارة ، وهو ما عبر عنه فی التعریف الثانی بالمثلین ، أی الدلیلین المتساویین .
وعرفه ابن الحاجب بأنه : اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها.([28])
وهو کسابقیه إلا أن ابن الحاجب اختصر فی العبارة، وهذا دأبه.
الراجح من هذه التعریفات : أرى أن تعریف الإمام الزرکشی هو الراجح ؛ لأنه تضمن معنى الترجیح بکل جوانبه ، فإن الترجیح یکون بالقرینة التی عبر عنها بالأمارة ، وتکون القرینة خفیة لا یدرکها إلا المجتهد ، ولا یُخْرِجُ التعریف المتقدم عن الرجحان کونه لم یذکر من یقوم بالترجیح ؛ لأن ذلک بدهی ، فلا ترجیح إلا بقائم به .
ثالثاً: المناسبة بین التعریف اللغوی والاصطلاحی :
هناک تناسب قوی بین التعریف اللغوی والاصطلاحی فی تعریف التعارض، حتى إنَّ بعض العلماء کالغزالی والقرافی ([29])، وغیرهما عزفوا عن تعریف الترجیح بما استقر فطرة باللغة .
ویظهر التماثل، لا التناسب فحسب، بین التعریفین فی الزیادة التی هی فی التعریف اللغوی ، فإنها لا اعتبار لها إذا انفصلت عن أصلها، کالحبة والحبتین التی بهما ترجح کفة المیزان ، وبین الصفة التی جاءت فی تعریف الترجیح اصطلاحاً ، والتی معناها یماثل الزیادة فی التعریف اللغوی .
فإن الصفة التی تکون تابعة لأحد الدلیلین والتی تکون سبباً فی ترجیحه لا تنفک عنه ، فهی غیر معتبرة إلا باقترانها مع الدلیل ، بل إن بعض العلماء، کعلاء الدین البخاری، سوى بین التعریف اللغوی والشرعی فقال : "وکما بینا معنى الترجیح لغة فهو فی الشرع بذلک المعنى أیضا". أهـ.([30])
المبحث الثانی
حقیقة التعارض ومحلّه
نبین فی هذا المبحث حقیقة التعارض، ومحله من حیث الأدلة. وذلک فی مطلبین :
المطلب الأول
حقیقة التعارض
إذا أرید بالتعارض فی نفس الأمر، بمعنى تناقض الدلیلین الواقعین على محل واحد فی زمان واحد ، فلا یمکن أن یرد ذلک فی الأدلة الشرعیة ، و لا یقع من الشارع الحکیم ؛ إذ لا یتصور أن یأمر بشیء وینهى عنه فى محل واحد فى زمن واحد ، بل ذلک غیر مراد مطلقاً بین العلماء عند کلامهم عن التعارض.
فإذا تتبعنا أصل جمیع الأحکام، وهو القرآن الکریم، نجد الحجة القطعیة على استحالة التناقض فی قوله – تعالی - { أَفَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ کانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً }([31])، فنفى - سبحانه – أن یقع فی کتابه أی اختلاف .
فإذا انتقلنا إلى الأصل الثانی من الأصول والقواعد التی ترتکن إلیها الأحکام، وهو السنة المطهرة ، نجد أنها محصنة أیضاً من التناقض فی قوله
– تعالی - {وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحى }([32]) ، وقوله
– تعالى - : {لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَالْیَوْمَ الْآخِرَ وَذَکَرَ اللَّهَ کَثِیراً}([33]).
فأخبرنا الله – سبحانه - أن کلام نبیه - صلى الله علیه وسلم - وحی من عنده کالقرآن، وأن کلاً من عند الله عز وجل، وأخبرنا – تعالى- أنه راض عن أفعال نبیه - صلى الله علیه وسلم - وأنه موافق لمراد ربه – تعالى.
فلما صحَّ أن کل ذلک من عند الله - تعالى - ووجدناه - تعالى - قد أخبرنا أنه لا اختلاف فیما کان من عنده - تعالى - صح أنه لا تعارض، ولا اختلاف فی شیء من القرآن أو السنة.([34])
أما إذا أرید بالتعارض من جهة نظر المجتهد، وهو مطلق التنافی الظاهر عند المجتهدین بین الحجتین، فهذا لا یمکن لأحد أن ینکر وجوده بین الأدلة؛ لأنه مبنی على الجهل بالتاریخ بین المتعارضین ، أو عدم الاطلاع على المصالح التی توخاها الشارع، أو عدم معرفة القرائن المصاحبة للنص ، فصورة التعارض فی الأدلة الشرعیة ربما ینشأ لجهل طالب الحکم من الدلیل بالناسخ والمنسوخ ، أو دلالة اللفظ، فالتعارض یقع فی تصورنا نحن ، ولیس بواقع حقیقة فی ذات الأدلة.([35])
قال الإمام الشاطبی : " لکن لما کان أفراد المجتهدین غیر معصومین من الخطأ؛ أمکن التعارض بین الأدلة عندهم " أ هـ .([36])
المطلب الثانی
محل التعارض
اتفق العلماء على أنه لا یقع التعارض بین قطعی وظنی ؛ لأن القطعی یقضی على الظنی، ولا عبرة به أمام القطعی ، کذلک اتفق العلماء على أن التعادل بین دلیلین قطعیین مُحَالٌ ، فالتعادل بین الدلیلین القطعیین المتنافیین ممتنع اتفاقاً؛ لأن التعادل عبارة عن تساوی الدلیلین المتعارضین بحیث لا یکون فی أحدهما ما یرجحه على الآخر، وهذا لا یمکن فی القطعی.([37])
وکذلک اتفق العلماء على أن التعارض من الممکن أن یقع بین ظنی وظنی، وهذا هو الغالب ([38]).
فالمظنونات قَابِلَة للتعارض محتاجة إِلَى التَّرْجِیح، والدلیل الظنی یعدَّ هو محل التعارض ؛ لأنه الغالب فی دخول التعارض علیه لما یعتریه من شبهة فی السند، أو فی دلالة المعنى،ـ أو غیر ذلک مما لا یوجد فی الدلیل القطعی.
لکن اختلف العلماء فی تعارض الدلیلین القطعیین ، هل من الممکن أن یکونا محلاً للتعارض أم لا ؟ وقد اختلف العلماء فی الإجابة على هذا السؤال، ونحصر الخلاف فی مذهبین :
المذهب الأول : التعارض لا یقع بین الأدلة القطعیة ، سواء أکان الدلیلان عقلیین أو نقلیین، أو أحدهما عقلی والأخر نقلی ، وهذا المذهب لجمهور العلماء من الحنفیة،([39]) والمالکیة،([40]) والشافعیة ([41])، والحنابلة.([42])
المذهب الثانی : من الممکن أن یقع التعارض بین الأدلة القطعیة ، وهو لبعض الحنفیة, کالکمال بن الهمام, وتبعه علیه ابن أمیر الحاج([43]) وذکره الشیخ المحلاوی فی کتابه.([44])
أدلة الجمهور :
استدلوا على ما تمسکوا به بأدلة کثیرة منها ([45]):
الدلیل الأول: لو فرض وقوع التعارض بین الدلیلین القطعیین؛ للزم اجتماع النقیضین ، لکن التالی باطل، وهو اجتماع النقیضین أو ارتفاعهما ، فبطل ما أدى إلیه، وهو وقوع التعارض بین الدلیلین القطعیین، وهو المطلوب ، وإذا ثبت أنه لا تعارض بین الأدلة القطعیة فیکون الترجیح منتفیاً ؛ لأن الترجیح
فرع التعارض.([46])
واعترض علیه : بأن ما ذکرتم یجری فی الظنی أیضاً ، على أن الکلام فی صورة التعارض، لا فی تحققه فی الواقع ، وهی کما توجد فی الظنیین توجد فی القطعیین، وفی القطعی والظنی.([47])
ویجاب علیه: بأن هناک فرقاً بین الدلیل القطعی والظنی عند قیام التعارض ومن ثم الترجیح ، فإن ذلک ممکن فی الظنی ؛ لأن الدلیل الظنی یقبل بما یقویه من دلالات ، بخلاف القطعی فإنه لا یقبل.
الدلیل الثانی: القول بتناقض الدلیلین القطعیین ، یلزم منه البحث عن مرجح ؛ فالترجیح فرع التعارض ، لکن الترجیح غیر ممکن ؛ لأن من معانی الترجیح اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها،([48]) والدلیل القطعی لا یقبل هذا ؛ لأن الدلیل القطعی یفید الیقین والعلم، ولیس بعد الیقین والعلم بیان
ولا ترجیح.([49])
واعترض أصحاب المذهب الثانی على هذا الدلیل بالآتی:
سلمنا أن التعارض لیس على حقیقته فی الأدلة، لاسیما الأدلة القطعیة، ولکنَّا لا نسلم أن التعارض بین الأدلة القطعیة قد یقع عند المجتهد ، ویقبل الترجیح بالنظر فی أحوال المقدمات والتراکیب، وهذا طریق یقبله العقل، ولا یدفعه ما ذکرتم من أدلة.
وأجاب الجمهور على هذا الاعتراض بأن : الدلیل القطعی یفید العلم ، والعلم لا یتفاوت ، ولیس بعضها أقوى من بعض، وهذا باتفاق العلماء،
لکننا نسلم بأن بعضها أجلى وأظهر من بعض؛ فلا یحتاج إلى تأمل ، لکن بعد إدراکها بقلیل من التأمل ینتفی التفاوت فینتفی الترجیح.([50])
أدلة المذهب الثانی :
الدلیل الأول : إذا کان الترجیح مبنیاً على التفاوت بین الدلیلین ، فإن التفاوت حاصل فی الأدلة القطعیة أیضاً ؛ لأن بعضها أجلى من بعض.([51])
وأجیب علیه : بأن الجلاء والخفاء لا یؤدی إلى التناقض والتعارض ، وإنما الجلاء والخفاء راجع إلى فهم المجتهد لا لذات الدلیل ، والذی من الممکن أن یزول بإمعان النظر.
الدلیل الثانی : لقد اتفقنا على أن التعارض غیر واقع حقیقة فی الأدلة الشرعیة ، وإنما یکون لأسباب أخرى منها : اختلاف المجتهدین فی فهم المراد من الدلیل ، بمعنى أنه من الممکن أن یقع التعارض فی الأذهان ، فقد یتعارض عند الإنسان دلیلان قاطعان، بحیث یعجز عن القدح فی أحدهما.([52])
ویجاب علیه : فهم الدلیل الظنی یختلف عن الفهم الحادث عن الدلیل القطعی؛ لأن فهم الأول یحتاج إلى قرائن وأمارات ، أما فهم الثانی فلا یحتاج إلى کل ما تقدم ، وإنما یحصل الفهم بأدنى نظر ، والترجیح یقوم على القرائن والأمارات لا قوة فهم الدلیل .
الراجح: مما تقدم من استدلالات العلماء ، یتبن لنا أن الراجح هو ما ذهب إلیه جمهور العلماء ، من أن الأدلة القطعیة خارجة عن محل التعارض ؛ وذلک لأن التعارض حقیقة غیر واقع فی الأدلة الشرعیة عموماً ، فهو یعد استثناءً على الأصل وهو عدم التعارض ، والاستثناء لا یتوسع فیه ، لاسیما وأن الدلیل القطعی قد بلغ رتبة تمنع الزیادة علیه ، والترجیح یکون بإضافة الزیادة من أمارة أو دلالة أو غیر ذلک ، وإنما جاز وقوعه فی الظنیات؛ لقبولها أمارة أو دلالة تؤدی بالدلیل الظنی إلى رتبة أعلى مما هو علیها، کغلبة الظن بعد أن کان ظناً.([53])
وخلاصة محل التعارض ، أن التعارض یطلق ویراد به معنیان :
الأول: التعارض بمعنى التناقض والتضاد، وهذا النوع لا وجود له فی الشریعة الإسلامیة المنزلة من لدن علیم خبیر، یعلم خائنة الأعین وما تخفی الصدور، والمبیّنة لنا من قبل المعصوم الذی لا یتکلم إلا بوحی: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحَى }([54]). والاتفاق القائم بین العلماء إنما المراد به هذا المفهوم
من التعارض.([55])
والمعنى الثانی: التعارض بمعنى وجود مطلق التنافی الظاهر عند المجتهدین بین الحجتین، وهذا لا یمکن لأحد أن ینکر وجوده بین نصوص الکتاب والسنة؛ لأنه مبنی على النسخ بین المتعارضین، وحیث إن التعارض الموجود فی الشریعة من هذا القبیل، فلا وجه فیه للتفریق بین دلیل قطعی وآخر ظنی.([56])
لکن إن توهم التعارض فی القطعی ینتفى الترجیح فیه ؛ لأن الرجحان زیادة وتقویة أحد الدلیلین على الآخر ، والقطعی لا یحتاج إلى تقویة ؛ لأنه قوى بأصله، وإنما یبحث عن المتأخر فیهما لینسخ المتقدم ، وإن لم نعلم التاریخ نجمع بینهما باعتبار الحکم أو المحل أو الزمان ، وإلا یترک العمل بالدلیلین لتعارضهما ، ولا رجحان لأحدهما على الآخر فیتساقطان ؛ لأن العمل بأحدهما دون مرجح یکون تحکماً ، ولا یوجد مرجح.([57])
مثاله : قوله – تعالى - : " فَاقْرَءُوا مَا تَیَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ "([58]) مع قوله
– تعالى – " وإذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ "([59]) ، فإن الآیة الأولى بعمومها توجب القراءة على المقتدی ، والآیة الثانیة بخصوصها تنفى وجوب القراءة علیه ؛ إذ یکون المطلوب منه السماع والإصغاء فقط ، فتساقط الدلیلان ، ونرجع إلى السنة ، وهى قوله r : " من کان له إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ له قِرَاءَةٌ "([60])
المبحث الثالث
أسباب التعارض
سنذکر أهم أسباب التعارض هنا، معرِّفین إیاها من غیر ترجیح فیما بینها؛ لأن المقصود معرفة سبب التعارض لا معرفته مع الترجیح ، فإن رجحنا فی بعض الصور یکون من باب التمثیل على التعارض للتوضیح فنقول :
إذا ثبت مما تقدَّم أن التعارض لا یقع فی نفس الأمر بین الأدلة الشرعیة، وإنما کل ما یشعر بذلک فلیس حقیقة، بل هو جهل بالمتقدم والمتأخر، أو توهم.
وسأذکر أهم هذه الأسباب فی ثلاثة مطالب ؛ لأنه یمکن حصر جمیع الأسباب التی من الممکن أن تؤدی إلى توهم التعارض ؛ إذ منها ما یتوقف على فهم المجتهد نفسه، والمجتهدون مختلفون فیما بینهم فی طریقتهم لاستنباط الحکم من الدلیل ، وهذه الأسباب أهمها:
المطلب الأول
التعارض الذی یرجع إلى أحوال الألفاظ
ومراد اللفظ من الممکن أن یؤدی إلى التعارض عند الخلل فی فهمه([61])، ومن ثم الخلاف بین العلماء ، واحتمال اللفظ من الممکن أن یقع به التعارض إذا کان واحداً من خمسة: احتمال الاشتراک ، والنقل ، والمجاز ، ، والإضمار، والتخصیص. ومن أسباب التعارض أیضاً ما یرجع إلى الإطلاق والتقیید بین الألفاظ ، وکذلک ما یرجع إلى دلالة اللفظ نفسه ، وتفصیلها کما یلی([62]):
1 – الاشتراک : إذا کان اللفظ مشترکاً بین معنیین أو أکثر، یؤدی إلى توهم التعارض ، ومن ذلک : قوله – تعالی - { وَالْمُطَلَّقَاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}([63])، فلمَّا کان القرء یدور بین الطهر والحیض لغة،([64]) ، ولا یمکن حمله علیهما ؛ لأنه جمع بین النقیضین؛ کان ذلک من أسباب التعارض ؛ لذا رجح الجمهور کون المقصود به الطهر ([65])، بینما ذهب الحنفیة إلى أن المراد به الحیض ([66]) ، ولکل وجهة هو مولیها .
2- تعارض اللفظ بین معنییه اللغوی والشرعی: وذلک مثل الصلاة، فإنها قبل مجیء الإسلام کانت تحمل على معنى الدعاء، وذلک معناها فی اللغة، وبعد الإسلام نقلت إلى المعنى الشرعی، وهو عبارة عن أقوال وأفعال مفتتحة بالتکبیر، مختتمة بالتسلیم بشروط.([67])
3- تعارض الحقیقة والمجاز : وهو استعمال اللفظ فی غیر ما وضع له.([68])
مثال ذلک: "النکاح"، فإنه یطلق على العقد، والوطء إطلاقًا متساویًا، مع أنه حقیقة فی أحدهما مجاز فی الآخر، فرجح الحنفیة المجاز على الحقیقة فقالوا: إن النکاح حقیقة فی الوطء،([69]) بینما ذهب الجمهور إلى أن النکاح حقیقة فی العقد.([70])
وتأثیر هذا الخلاف: أن من جعل اسم النکاح حقیقة فی الوطء، حرم بوطء الزنا ما حرم بالنکاح، ومن جعله حقیقة فی العقد لم یحرم بوطء الزنا ما حرم بالنکاح.([71])
4- الإضمار: المضمر من عوارض الألفاظ التی من الممکن أن تؤدی إلى توهم التعارض ، وقد اتفق العلماء على أن الحذف والإضمار واقعین فی کتاب الله تعالى ، وفی سنة رسول الله صلی الله علیه وسلم ؛ لأنهما من محاسن الکلام،([72]) والوقوع فیهما من أظهر الأدلة على دعوى الاتفاق.([73])
والإضمار هو المسمى بالاقتضاء،([74]) وأوجز تعریف للمضمر للکمال بن الهمام،([75]) وتبعه علیه تلمیذه ابن أمیر الحاج،([76]) حیث عرفه بأنه:
مسکوت یَتَوَقَّفُ صدق الکلام علیه.([77])
ونفس المعنى لابن التلمسانی([78]) حیث عرفه بأنه : ما یتوقَّف صدق الکلام علیه.([79])
وضم التعریفین السابقین الفناری([80]) فعرفه بأنه : جعل غیر المنطوق منطوقًا لتصحیح المنطوق([81])، فإن من النظم المنطوق ما یحتاج إلى نظم آخر غیر منطوق حتى تتم الفائدة من المنطوق .
مثال ذلک : قوله – تعالى – وهو یحکی قول إخوة یوسف لأبیهم: " مَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا، وَمَا کُنَّا لِلْغَیْبِ حافِظِینَ * وَاسْأَلْ الْقَرْیَةَ الَّتِی کُنَّا فِیهَا وَالْعِیرَ الَّتِی أَقْبَلْنَا فِیهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ"([82]).([83])
فنقص (الأهل) فلم یذکر نظماً ، وحذف من النظم أی: أضمر، والتقدیر واسأل أهل القریة، وأهل العیر ، وبغیر هذا المضمر لا یستقیم الکلام.
قال الإمام الشافعی – رضی الله عنه – (لا تختلف عند أهل العلم باللسان، أنهم إنما یخاطبون أباهم بمسألة أهل القریة وأهل العیر، لأن القریة والعیر لا یُنْبِئَانِ عن صدقهم). اهـ([84])
فالمضمر هنا توقف علیه صحة المنطوق، وهذا المضمر من الممکن أن یؤدی إلى التعارض.
ونلاحظ أن الأمثلة التی وردت للمضمر کانت من المجاز، ولا ضیر إذ أن المجاز بالحذف من المضمر، والمجاز هو والإضمار سواء، من حیث الحکم عند تعارضهما مع مقابل آخر کالنقل ، أما إن تعارض المضمر والمجاز فالراجح تقدیم المجاز ([85])– کما سنبینه بعد -([86]) .
وإنما سمی المحذوف مجازاً ؛ لأن الکلام لما حذف من موضعه، صار بمثابة کلام عدل به عما وضع له، وهذا هو المجاز.([87])
فالمجاز هو: اللفظ المستعمل فی غیر ما وضع له.([88])
ولیس کل مضمر مجازاً ، وأیضاً لیس کل مجاز مضمراً، فالمجاز قد یکون بمضمر، وقد یکون بمذکور، کقوله –تعالى- (یَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِی آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِیطٌ بِالْکافِرِینَ)([89]) أی: أناملهم، والقرینة هی: دلالة العادة على أن الإنسان لا یضع جمیع أصابعه فی أذنه.([90])
5- التخصیص فی مقابلة الاضمار، أو المجاز، أو النقل، أو الاشتراک، أو النسخ.
التخصیص هو: إخراج بعض ما تناوله اللفظ.([91])
وقد یحدث توهم التعارض عند التخصیص ، لکن هذا التعارض لا یقوم بالتخصیص منفرداً، وإنما لابد أن یکون التخصیص فی مقابلة الإضمار،
أو المجاز، أو النقل، أو الاشتراک، أو النسخ،([92]) وذلک فی کل عوارض الألفاظ، فإن اللفظ لا یصدر عنه التعارض منفرداً ؛ إذ لابد من تحقق رکن التعارض، وهو المماثلة والمساواة بین دلیلین فی الثبوت والقوة ([93]).
فلیس من التعارض قیام دلیل واحد بالحکم من غیر مقابل له ، فإذا أردنا أن نبین تعارض التخصیص، فلابد أن نجعل له مقابلاً، فمثلاً تعارض التخصیص مع الإضمار فی قوله علیه السلام: " إِنَّ الْإِسْلَامَ یَجُبُّ مَا کَانَ قَبْلَهُ"([94])
فهذا عام یشمل جمیع العبادات والحقوق فی المعاملات ، إلا أن الإجماع قام على تخصیص هذا العموم، فأخرج حقوق العباد، فإنها لا تسقط بالردة، فعند الجمهور لا یقضی المرتد الصلاة إذا أسلم، بدلیل هذا الحدیث، ولکن یلزمه التخصیص بالدیون إجماعًا.([95])
وعند الشافعیة یقضی المرتد الصلاة ؛ لأنها مخصوصة کدیون العباد.
فإن قیل : الکلام فیه إضمار تقدیره: الإسلام یجبُّ إثم ما قبله، فتسقط الصلاة عنه.
قلنا : التخصیص أولى من الإضمار؛ فیلزمه ما فاته من صلاة وصیام وزکاة وَکُلَّ مَا کَانَ یَلْزَمُ مُسْلِماً.([96])
المطلب الثانی
التعارض الواقع بسبب الإطلاق والتقیید
المطلق والمقید من دلالة النصِّ على المعنى ، ومن الممکن أن یتوهم التعارض بین المطلق والمقید .
مثاله : قوله –تعالی- {وَأُمَّهَاتُکُمُ اللاتِی أَرْضَعْنَکُمْ وَأَخَوَاتُکُمْ مِنَ الرَّضَاعَة}([97])، فالآیة فیها إطلاق لتحریم الرضاعة من غیر تحدید .
ثم یرد حدیث عن رسول الله - صلى الله علیه وسلم – یحدد عدد الرضاعة المحرمة ، فقد جاء فی الصحیح عن عائشة، أنها قالت: " کان فیما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات یحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفی رسول الله صلى الله علیه وسلم، وهن فیما یقرأ من القرآن"([98]).
فوقع التعارض بین الإطلاق والتقیید، فهل یحمل المطلق علی المقید ؟ فیه مذهبان :
المذهب الأول : وهو لجمهور الحنفیة ،([99]) وبعض الشافعیة/([100]) ، وبعض الحنابلة،([101]) حیث قالوا: لا یحمل المطلق علی المقید؛ ولذلک قدم الحنفیة إطلاق الآیة على الحدیث ، فقالوا: تقوم الحرمة بقلیل الرضاعة والکثیر منها، وبذلک قال المالکیة ([102]) ، إلا أن المالکیة تابعوا الحنفیة فی هذا الفرع، لا علی حمل المطلق علی المقید، وإنما لضعف الأخبار الواردة فی مقابلة الآیة.([103])
المذهب الثانی : وهو لجمهور الشافعیة،([104]) وجمهور المالکیة إلا أنهم اشترطوا أن یکون الحمل بدلیل،([105]) وبعض الحنابلة،([106]) حیث ذهبوا إلی حمل المطلق علی المقید ، فیحمل إطلاق الآیة على الخبر، ویکون الخبر مقیداً لإطلاق الآیة ، فیکون المحرم من الرضاع إنما هو خمس رضعات متفرقات ([107])، وتابعهم على ذلک الحنابلة فقالوا بما قال به الشافعیة.([108])
المطلب الثالث
التعارض الواقع بسبب عدم معرفة المتقدم والمتأخر من الدلیلین
من أسباب التعارض: تعذر معرفة المتقدم من المتأخر من الدلیلیـن المتعارضین ، فمعرفة المتقدم والمتأخر یزیل التعارض بنسخ المتأخر للمتقدم وهـو ما یعرف بالنسخ .
فمثلاً فی قوله – تعالى – ( کُتِبَ عَلَیْکُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَکَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَالْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِینَ)([109]) مع قوله
– تعالى -: {یُوصِیکُمُ اللَّهُ فِی أَوْلَادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ}([110]) کان المیراث للولد، والوصیة للوالدین والأقربین.
فنسخ الله - عز وجل - من ذلک ما أحب، فجعل للولد الذکر مثل حظ الأنثیین، وجعل للوالدین السدسین، وجعل للزوج النصف أو الربع، وجعل للمرأة الربع أو الثمن»، فقبل النسخ کان التعارض، ثم زال به ، ولو لم یعلم المتقدم من المتأخر من الدلیل لظل التعارض.([111])
وقد سبق أن قلنا : إنه لا تعارض بین أدلة الشرع حقیقة ، وإنما باعتبار الظاهر، وقد لخص الإمام علی – رضی الله عنه - سبب التعارض الواقع فی خبر رسول الله – صلى الله علیه وسلم – فقال :
إن فی أیدی الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وکذباً ، ونسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً، ومحکماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، ولقد کذب على رسول الله – صلى الله علیه وسلم – علی عهده حتى قام فیهم خطیباً فقال : ( من کذب علی متعمداً فلیتبوا مقعده من النار)([112]).
ثم قال : وإنما أتاک بالحدیث أربعـة رجال لیس لهم خامس: وذکر :
أولاً : المنافق الذی تظاهر بالإسلام ، ولا یجد حرجاً ولا إثماً فی الکذب على رسول الله - صلى الله علیه وسلم –، ولو علم الناس أنه منافق لم یقبلوا أحادیثه، ولا صدَّقوه فیما یقول .
ثانیاً : رجل سمع من رسول الله - صلى الله علیه وسلم - ولم یحفظ ما سمعه على وجهه، فوهم فیه ولم یعرف کذباً ، فهو یروی ما عنده من الأحادیث ویعمل بها ویقول : أنا سمعته من رسول الله صلى الله علیه وسلم ، ولو علم أنه وهم فی حدیثه لرفضه ، ولو علم الناس أنه وهم لم یقبلوه .
ثالثاً : رجل سمع من رسول الله - صلى الله علیه وسلم - شیئا یأمر به ثم ینهى عنه ، وهو لا یعلم ، أو سمعه ینهى عن شیء ثم أمر به ، وهو لا یعلم فحفظ المنسوخ ولم یحفظ الناسخ ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه بأنه منسوخ لرفضوه .
رابعاً : رجل رابع لم یکذب على الله، ولا على رسوله صلى الله علیه وسلم مبغض للکذب؛ خوفاً من الله، وتعظیماً لرسول الله صلى الله علیه وسلم، ولم یهم بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به على ما سمعه لم یزد فیه، ولم ینقص منه([113]).
ونخلص من کلام سیدنا علی – رضی الله عنه – أن أسباب الاختلاف بین الأدلة هی ما یلی :
1- تعمد المنافقین الذین یتقولون بأقوال، وینسبونها زوراً لرسول الله - صلى الله علیه وسلم –؛ لکی یصلوا إلى ما یریدون من الطعن فی الإسلام .
2- توهم بعض الرواة المسلمین فی روایاتهم للحدیث ، فلم یرو الحدیث على وجهه ، ولم یعرف الناس ذلک الوهم .
3- حمل السامع الکلام الذی له وجهان على أحدهما، من غیر معرفة بالمعنى المقصود منهما ، فیقع متعارضاً مع غیره. ([114])
هذه هی أهم الأسباب التی من الممکن أن تؤدی إلى التعارض ، لکنها لیست على سبیل الحصر کما سبق أن نبهنا ، بل من الممکن أن یقع التعارض بسبب غیر هذه الأسباب، کعدم إدراک العلة المؤثرة فی القیاس([115])، وکفهم النص ذاته حیث یختلف العلماء فیما بینهم فی فهم النصوص
کذلک قد یرجع التعارض بسبب اختلاف العلماء فیما یعتمدونه من الأدلة غیر الأدلة المتفق علیها ، کالاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وقول الصحابی وعمل أهل المدینة ، وغیر ذلک من الأدلة المختلف فیها بینهم.
فالاستحسان مثلاً حقیقته : تعارض واقع بین قیاسین، أحدهما خفی، والأخر ظاهر، إلا أن الخفی قوی التأثیر، والجلی خفی الفساد، فیقدمون الخفی المتعارض مع الجلی لقوة التأثیر، ویظهر هذا جلیاً فی سؤر سباع الطیر.([116])
وقد یأتی التعارض بسبب السند ، وهذا هو موضوع بحثنا ، وسنتکلم عنه بشیء من التفصیل بعد نهایة هذه المقدمة اللازمة له ، وقد أرجع الإمام الشاطبی أسباب التعارض إلى سبب واحد، لخص ما ذکرنا وغیره حیث قال : لما کان أفراد المجتهدین غیر معصومین من الخطأ؛ أمکن التعارض بین الأدلة عندهم . أهـ ([117])
فإذا کان مستخدم الدلیل من المحققین لأصول الشریعة کان التعارض بمنأى عنه .
المبحث الرابع
شروط التعارض
سنعرج على أهم ما اشترطه العلماء کی تقوم المعارضة، وما سنذکره أظن أنه جامع لشروط المعارضة ، فما ذکر من شروط سوى ما أذکر فهو داخل فیها فإن لم تتوافر کل هذه الشروط فلا معارضة حقیقة ، ومن ثم لا ترجیح؛ لأنَّ الترجیح لا یکون إلا بعد المعارضة ، وهذه الشروط هی :
الشرط الأول : الاتحاد فى المحل ([118]): لکى یتحقق التعارض بین الدلیلین ، فلا بد أن یتناولا محلاً واحداً ، فإن اختلف المحل فلا تعارض ، مثاله : حل الزوجة فى قوله – تعالى - : "نِسَاؤُکُمْ حَرْثٌ لَّکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنَّى شِئْتُمْ " ([119]) ، وقوله – تعالى - : " حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهَاتُکُمْ"([120])، فإن محل الدلیلین مختلف ؛ لأن الحل محله الزوجة والحرمة محلها الأم ، فلا تعارض .
الشرط الثانى : اتحاد الزمان([121])، بأن یکون الدلیلان قد وقعا على المحل فى زمان واحد ، فإن اختلف الزمان فلا تعارض ، مثاله : حل وطء المنکوحة قبل الحیض ، وحرمة وطئها فی زمان الحیض ، فهنا - وإن کان الدلیلان قد وقعا على محل واحد - إلا أن الزمان متغیر ، فلا تعارض ؛ لأن الزمان عامل فى تغیر الحکم .
الشرط الثالث : أن یکون الدلیلان قد جاءا بحکمین متضادین ([122])، کالحل والحرمـة أو النفـی والإثبـات ، کمـا فـی حدیث: "أیما إهاب دبغ فقدْ طهر".([123]) مع حدیث: "لا تنتفعوا من المیتة بإهاب ولا بعصب".([124])
فإن کان ما جاء به الدلیلان من الحکم متحداً فلا تعارض ، بل یکون ذلک من باب التأکید للأهمیة، وهذا کثیر ، کما فی الأدلة الواردة على محل واحد ، مثل الصلاة ، فقد جاءت آیات کثیرة تأمر وتؤکد على أهمیة أداء الصلاة .
الشرط الرابع : أن یتساوى الدلیلان فى الرتبة ([125])، فإن کان أحد الدلیلین أقوى من الآخر فلا تعارض ، مثل : تعارض المتواتر مع المشهور ، أو المشهور مع الآحاد([126]) عند الحنفیة ، أو تعارض المتواتر مع الآحاد عند الجمهور.([127])
الفصل الثانی
تعارض الروایــة
تمهید :
قدمنا نبذة مختصرة عن معنى التعارض والترجیح ، وسبب التعارض عموماً ، وشرطه ، وهی مقدمة لازمة لنتوصل بها إلى معنى التعارض الذی یکون بین الروایات ، وکیفیة الترجیح عند قیام التعارض.
ولم أذکر طرق الترجیح ؛ لأن کل نوع من الأدلة له طریق خاص فی الترجیح عند التعارض، وبحثنا هذا فی التعارض والترجیح المقتصر على الروایة عند قیام المعارضة، ولا یتصور أن تقوم المعارضة بین الروایة الواحدة ، وإنما المقصود التعارض بین أکثر من روایة، کروایتین أو أکثر.
وإنما عبَّرنا بما هو متعارف علیه عند العلماء بالإفراد ، والروایة تتعلق بالسنة سواءً أکانت مقصورة على ما نسب إلى رسول الله، صلى الله علیه وسلم - وهو ما ذهب إلیه جمهور العلماء -([128])، أم شملت ما نسب إلیه وإلى صحابته الکرام وهوما ذهب إلیه جمهور الحنفیة،([129])
لکن التعارض الحقیقی هو ما یتوهم صدوره من المعصوم لا غیره ؛ لذلک سوف نقصر تعارض الروایة على ما هو منسوب لرسول الله، صلی الله علیه وسلم.
والسنة هی المصدر الثانی من المصادر المتفق علیها بین العلماء لاستنباط الأحکام منها وبنائها علیها ، ومن المعلوم أن السنة المطهرة من حیث الثبوت ترتکن إلى السند وهو: الموصل إلى المتن([130]).
وهذا السند منه ما هو متواتر، ومنه ما هو مشهور أو آحاد([131])، عند الحنفیة ، أما عند الجمهور فینقسم إلی متواتر وآحاد ، وإن کان بعضٌ منهم جعل منه رتبة متوسطة وهو المستفیض، وهو یقترب فی الحکم من المشهور([132])؛ لذا عبرنا بما هو أعم.
والتعارض – إذا قلنا بعدم وقوعه فی القطعی - یکون خاصاً بما هو ظنی لاسیما الآحاد من السنة المطهرة ، والتعارض فی السند قد یقع بسبب تعدد الروایة ، وقد یکون بسبب مخالفة الراوی فی العمل لما روى.
وقد یکون التعارض واقعاً بسبب اختلاف العلماء فی ذات الراوی من حیث الرد والقبول، وهو ما یعرف بالجرح والتعدیل ، وقد یکون سببه اللفظ ذاته، فقد یبدو التعارض بسبب تعارض الخبرین لفظًا، ولا معارضة بینهما حقیقة والتعارض الذی یکون بسبب الروایة یصعب حصره؛ لأنه یختلف باختلاف مناهج العلماء ، وسنفرد لکل سبب مطلباً فی مبحث ثانٍ ، أما المبحث الأول فسنتکلم فیه عن تعریف الروایة، ورکنها، وأقسامها.
المبحث الأول
تعریف الروایة ، ورکنها ، وأقسامها
وفیه مطلبان:
المطلب الأول : تعریف الروایة .
المطلب الثانی : رکن الروایة.
المطلب الأول
تعریف الروایة
أولاً : تعریف الروایة فی اللغة .
الروایة فی اللغة: روی من الماء، نقول: روی من الماء یعنی: شرب منه، والراویة بالتاء المربوطة هی الآنیة المزادة التی یجمع فیها الماء، مثل القربة ونقول: روى الحدیث یروی، المصدر روایة ، وروى البعیر الماء یعنی حمله على ظهره.
ثم أطلقت الراویة على کل دابة یستقى بالماء علیها من البعیر وغیره، مثل الحمار والبغل والخیل ، فصح أن یقال : روى الحدیث یعنی حمله، ونقله إلى غیره؛ لمناسبة هذا المعنى الاصطلاحی للمعنى اللغوی ، فالروایة تعنی أنه قـد حمـل الحدیـث ، ثـم نقله إلى غیره، فلو لم ینقله إلى غیره لا یقال عنه: إنه رواه.([133])
ثانیاً : الروایة بالمعنی العام:
الروایة بالمعنى العام هی : الإخبار عن عام لا ترافع فیه ، والمراد بالإخبار هنا هو مقابل الإنشاء ؛ لأن الروایة بمعنى نقل الخبر، فهی تحتمل الصدق والکذب وإن کان الکذب فیها على رسول الله - صلی الله علیه وسلم - یندر إلا أنه وقـع.
أما المراد بقوله : عن عام لا ترافع فیه؛ لأن الروایة هنا تقابل عند تعریفها بالشهادة؛ لما بینهم من أوجه تشابه ، لذلک فإن العلماء یقیدون بجملة العموم الذی لا ترافع فیه أمام القضاء أو غیر القضاء؛ لیظهر الفرق بین الروایة والشهادة ، فإن الحدیث الذی یرویه الراوی هو فی حق جمیع المکلفین، ولا یطلب به فی ذاته حکماً أمام الحاکم ، وإن کان یصلح دلیلاً لیحکم به، بخلاف الشهادة فإنها تکون على معین ولیس عامَّا ، ویقضى بها أمام الحاکم، ولا تلزم إلا من کان طرفاً فی الدعوى([134]).
لذلک عرَّفها بهذا المعنى صاحب التحبیر شرح التحریر([135]) بأنها : الإخبار عن عام لا یختص بمعین، ولا ترافع فیه یمکن عند الحکام.([136])
ثالثاً : الروایة اصطلاحاً :
اختص المحدثون بتعریف للروایة یخرج کثیراً مما تلبث بها من المعانی التی تقدمت ، ولا یمنع ذلک أن بین تلک المعانی المتقدمة وبین التعریف الذی سنسوقه عند المحدثین تناسباً فی کثیر من الوجوه، وکل أهل فن لدیهم ما یجعل فنهم لا یختلط بغیره إلا على سبیل التوضیح والإفهام.
وقد عرف أهل الحدیث الروایة بأنها : نقل الحدیث وإسناده إلى من عزى إلیه بصیغة من صیغ الأداء ، کحدثنا، وأخبرنا، وسمعت، وعن، ونحوها, والمناسبة بین المعنى الاصطلاحی واللغوی والعام ظاهرة واضحة.([137])
المطلب الثانی
رکن الروایة ، وأقسامها
أولاً : رکنا الروایة :
للروایة رکنان أساسیان لا تقوم الروایة إلا بهما معاً وهما : التحمل والأداء، ولا یکتفى بأحدهما عن الآخر ، والوقوف على مدلول الرکنین بشروطهما له أهمیة کبرى عند تعارض الروایتین أو الروایات؛ لأنه یساعد المجتهد على الترجیح عند تعذر الجمع والنسخ ، إلا أن هذا الباب إنما یطلب مفصلاً فی علم الحدیث ، ولکننا هنا نعرج بشیء من الإیجاز على رکنی الروایة:
الرکن الأول : التحمل ، وهو : نقل الحدیث عن الغیر بأی طریق من طرق التحمل الصحیحة المعتبرة، وهذا الغیر یسمى فی عرف المحدثین شیخاً.
شرطه: لا یشترط فی التحمل إلا التمییز والضبط لما یروی ویسمع([138]).
طرق التحمل :
وطرقه ثمانیة - على الراجح من أراء العلماء - وهی :
الأول: السماع من لفظ الشیخ، إملاءً ، أو تحدیثاً من غیر إملاء، وهذا القسم أرفع الأقسام.
الثانی: القراءة على الشیخ، وأکثر المحدثین یسمونها عرضًا.
الثالث من طرق التحمل: الإجازة ، ولها أنواع : أعلاها أن یجیز لمعین فی شیء معین. وأدناها : الإجازة للمجهول أو بالمجهول، والإجازة المعلقة بشرط وهذه لا فائدة لها.
الرابع من طرق التحمل: المناولة ، وهی على نوعین:
1 - المقرونة بالإجازة، وهی أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق.
2- المناولة المجردة من الإجازة، وهی مَعیبة، لا تجوز الروایة بها.
الخامس من طرق نقل الحدیث وتلقیه: المکاتبة, وهو أن یکتب الشیخ ما سمعه لغائب، أو حاضر ، وهی نوعان: أحدهما: أن تتجرد المکاتبة من الإجازة والثانی: أن تقترن بالإجازة.
السادس الأخذ ، ووجوه النقل: الإعلام ، أی إعلام الراوی للطالب بأن هذا الحدیث أو هذا الکتاب سماعه من فلان أو روایته، مقتصراً على ذلک، دون إذن له فی الروایة.
السابع : من طرق التحمل: الوصیة بالکتب ، وهی أن یوصی الراوی عند موته أو سفره بکتاب یرویه، لشخص.
الثامن: الوِجادة : بکسر الواو، وهو أخذ من العلم من صحیفة، من غیر سمـاع ولا إجازة، ولا مناولة، من قولهم : وجد ضالته وجداناً، بأن یجد بخط من عاصره – لقیه، أو لم یلقه، أو لم یعاصره بل کان قبله - أحادیث یرویها ولم یجزه له، فله أن یقول: وجدت بخط فلان: أخبرنا فلان، ویسوق الإسناد والمتن.([139])
الرکن الثانی : الأداء:
تعریف الأداء : الأداء هو روایة الحدیث للغیر, وهذا الغیر یعرف عند المحدثین بطالب الحدیث.([140])
صیغ الأداء : وصیغ الأداء - على ما هو المشهور عند علماء الحدیث- على ثمانی مراتب:
الأولى : وهی أرفعها: سمعت وحدثنی أی : قول الراوی ذلک عن شیخه وإنما کان أرفعها؛ لأنه لا یمکن أن یقول ذلک فی الإجازة والمکاتبة، ولا فی تدلیس ما لم یسمعه.
المرتبة الثانیة : أخبرنی وقرأت علیه .
الثالثة : ثم قرئ علیه وأنا أسمع .
الرابعة : أنبأنی .
الخامسة : ناولنی .
السادسة : شافهنی أی بالإجازة .
السابعة : کتب إلى ، أی : بالإجازة .
الثامنة : عن ، ومثلها مما یحتمل السماع أو الإجازة . ولا شک أن الترتیب معتبر عند قیام المعارضة بین هذه المراتـب ، فتقدم الأولى على الثانیة والثانیة على الثالثة ، وهکذا.([141])
شروطه: وأما شروط الأداء فهی العدالة والضبط، بأن یکون مسلماً، بالغاً عاقلاً، سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، حافظاً لحدیثه إن أدى من صدره، ولکتابه إن حدَّث منه، عالماً بمدلولات الألفاظ.([142])
ثانیاً : أقسام الروایة :
تنقسم الروایة من حیث الاتصال والانقطاع إلى:
روایة متصلة ، ومنقطعة .
فالمتصلة: أن یکون کل راوٍ سمع ممن فوقه مباشرة وروى عنه .
والمنقطعة: ما لیست کذلک.
ومرجع معرفة ذلک إلى علم تواریخ الرجال, فهو من الأهمیة بمکان.
وتنقسم ثانیاً : من حیث لفظ الروایة إلى : روایة باللفظ من غیر تغییر وروایة بالمعنى .
فالروایة باللفظ : وهو أن یؤدی الراوی المروی على لفظه الذی سمعه، من غیر تحریف ولا تغییر. وهذا القسم لا خلاف فی جوازه، وقبوله إذا توافرت فیه شروط القبول.
وأما الروایة بالمعنى: وهو أن یؤدی الراوی مرویه بألفاظ من عنده ، ومن الممکن أن یکون التغییر فی المعنى یشمل کل المروی أو بعضه ، مع المحافظة على المعنى، بحیث لا یزید فیه شیئاً، ولا ینقص منه شیئاً. ولا یحرف ولا یبدل وهذا النوع مختلف فی جوازه وعدمه بین العلماء.
فمنعها بعض المحدثین، والفقهاء، والأصولیین منعاً باتاً، والجمهور من العلماء على جوازها بشروط:
أن یکون الراوی عالماً بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبیراً بما یحیل المعانی, بصیراً بمقدار التفاوت بینها, عارفاً بالشریعة ومقاصدها وقواعدها, وأما إذا لم یکن عارفاً بما ذکر فلا تجوز بالإجماع ([143]).
وتقسیم الروایة بما ذکرنا له فائدة کبیرة عند تعارض الروایات ، فلا شک أن المجتهد سوف یقدم الروایة المتصلة على المنقطعة ، وکذلک سوف یقدم الروایة باللفظ على تلک التی دخلها التغییر بالمعنی .
المبحث الثانی
أسباب تعارض الروایة
وفیه خمسة مطالب:
المطلب الأول : التعارض بسبب تعدد الروایة.
المطلب الثانی : التعارض بسبب عمل الراوی بخلاف ما روى.
المطلب الثالث: التعارض بسبب اختلاف العلماء فی الراوی من حیث الرد والقبول.
المطلب الرابع : التعارض بسبب الاختلاف فی اللفظ بین الروایات.
المطلب الخامس : التعارض بسبب اضطراب الروایة .
المطلب الأول
التعارض بسبب تعدد الروایة
فی الغالب تتعدد الروایة ویکون الخبر واحداً ، وهذا التعدد قد ینشأ بینه وبین الروایة أو الروایات الأخر تعارض ، کحدیث الآذان ، فقد تعددت روایة هذا الحدیث إلى ما یوهم التعارض :
الروایة الأولى : حدثنا محمود بن غیلان، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جریج، قال: أخبرنی نافع، أن ابن عمر، کان یقول: کان المسلمون حین قدموا المدینة یجتمعون فیتحینون الصلاة لیس ینادى لها، فتکلموا یوماً فی ذلک، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن الیهود. فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ینادی بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله علیه وسلم: «یا بلال قم فناد بالصلاة»([144]).
الروایة الثانیة : عن عبد الله بن زید، قال: لمَّا أمر رسول الله - صلى الله علیه وسلم - بالناقوس یعمل لیضرب به للناس لجمع الصلاة ، طاف بی وأنا نائم رجل یحمل ناقوساً فی یده، فقلت: یا عبد الله، أتبیع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلک على ما هو خیر من ذلک؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حی على الصلاة، حی على الصلاة، حی على الفلاح، حی على الفلاح، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عنی غیر بعید، ثم، قال: وتقول: إذا أقمت الصلاة، الله أکبر الله أکبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حی على الصلاة، حی على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أکبر الله أکبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت، أتیت رسول الله، صلى الله علیه وسلم، فأخبرته بما رأیت، فقال: «إنها لرؤیا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق علیه ما رأیت، فلیؤذن به، فإنه أندى صوتاً منک.([145])
فظاهر الروایتین متعارض ، ففی الروایة الأولى أن الذی أمر بالآذان هو عمر، وفی الروایة الثانیة أن الذی رأى الآذان مناماً إنما هو عبد الله بن زید.
المطلب الثانی
التعارض بسبب عمل الراوی بخلاف ما روى
قد یکون التعارض بین الروایة وعمل الراوی نفسه، کحدیث عائشة فی نکاح المرأة نفسها من غیر ولی ، فقد أخرج أبو داود الطیالسی فی مسنده قال : حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِکِ بْنُ جُرَیْجٍ، عَنْ سُلَیْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِیِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نِکَاحَ إِلَّا بِوَلِیٍّ، وَأَیُّمَا امْرَأَةٍ نُکِحَتْ بِغَیْرِ وَلِیٍّ فَنِکَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ یَکُنْ لَهَا وَلِیُّ فَالسُّلْطَانُ وَلِیُّ مَنْ لَا وَلِیَّ لَهُ»([146]).
ثم أخرج الإمام مالک فی الموطأ ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبیه؛ أن عائشة، زوج النبی صلى الله علیه وسلم، زوجت حفصة بنت عبد الرحمن، المنذر بن الزبیر. وعبد الرحمن غائب بالشام. فلما قدم عبد الرحمن، قال: ومثلی یصنع هذا به؟ ومثلی یفتات علیه؟ فکلمت عائشة، المنذر بن الزبیر. فقال المنذر: فإن ذلک بید عبد الرحمن. فقال عبد الرحمن: ما کنت لأرد أمراً قضیتیه، فقرت حفصة عند المنذر. ولم یکن ذلک طلاقاً.([147])
فهنا وقع التعارض بین روایة الراوی وفعله ، ولذلک اختلف العلماء فیما بینهم فی نکاح المرأة نفسها من غیر إذن ولیها علی مذهبین:
المذهب الأول : وهو للمالکیة،([148]) والشافعیة،([149]) والحنابلة،([150]) فقد ذهبوا إلى وجوب الولی فی النکاح .
المذهب الثانی : وهو للحنفیة([151]) حیث أجازوا صحة النکاح بدون إذن ولی مستندین على رجوع عائشة عن هذا الحدیث.
المطلب الثالث
تعارض بسبب اختلاف العلماء على ذات الراوی
وقد یکون التعارض واقع بسبب اختلاف العلماء فی الراوی نفسه من حیث الرد والقبول، وهو ما یعرف بالجرح والتعدیل ، کاختلاف بعض الحنفیة مع الجمهور فی ابن عیینة،([152]) فی حدیث إخراج المشرکین من أرض الجزیرة العربیة.
قال البخاری : حدثنا قبیصة، حدثنا ابن عیینة، عن سلیمان الأحول، عن سعید بن جبیر، عن ابن عباس رضی الله عنهما: أنه قال: یوم الخمیس وما یوم الخمیس؟ ثم بکى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله
- صلى الله علیه وسلم- وجعه یوم الخمیس، فقال: «ائتونی بکتاب أکتب لکم کتاباً لن تضلوا بعده أبداً»، فتنازعوا، ولا ینبغی عند نبی تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلى الله علیه وسلم، قال: «دعونی، فالذی أنا فیه خیر مما تدعونی إلیه»، وأوصى عند موته بثلاث: «أخرجوا المشرکین من جزیرة العرب، وأجیزوا الوفد بنحو ما کنت أجیزهم»، ونسیت الثالثة.([153])
فقد اتفق العلماء على وجوب إخراج الیهود والنصارى من أرض الجزیرة العربیة ، ولکنهم اختلفوا فی ما عدا ذلک من الکفار على مذهبین([154]):
المذهب الأول : وهو لجمهور العلماء ، حیث ذهبوا إلى وجوب إخراج الجمیع ، مستدلین بهذا الحدیث وغیره مما یؤکد مذهبهم.([155])
المذهب الثانی : وهو لبعض الحنفیة،([156])
حیث قالوا: إن الحدیث فیه ابن عیینة ، وهو غیر فقیه، فبدل الیهود والنصارى بالمشرکین ، والمقصود بالإخراج هم الیهود والنصارى، لا جمیع المشرکین ، بدلیل أن الأحادیث الأخرى لم تنص إلا على الیهود والنصارى.
ولا شک أن الراجح ما ذهب إلیه الجمهور؛ لأن هناک روایات أخرى فی البخاری وغیره من طرق غیر ابن عیینة. فقد أخرج البخاری الحدیث نفسه من طریق قتیبة، عن سفیان، عن سلیمان الأحول، عن سعید بن جبیر، عن ابن عباس.([157])
ولسنا فی معرض التفصیل هنا، وإنما أردنا أن نبین أن السند من الممکن أن یقع فیه التعارض بسبب اختلاف العلماء فی حال الراوی، فقال أصحاب المذهب الثانی: إن المراد بالمشرکین فی الحدیث هم الیهود والنصارى ، وابن عیینة لقلة فقهه فقد أخطأ فقال: المشرکون، بدل الیهود والنصارى.
المطلب الرابع
تعارض الروایة بسبب اختلاف لفظ الرواة
قد یقع التعارض فی السند بسبب ما یؤدیه اللفظ نفسه من معانٍ، ففی حدیث عائشة رضی الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله علیه وسلم -: "من أحدث فی أمرنا هذا ما لیس منه، فهو ردٌّ".([158])
وفی لفظ: "من عمل عملاً لیس علیه أمرنا، فهو ردٌّ".([159])
ولا یخفى أن معنى الحدیث: أن من اخترع فی الدّین ما لا یشهد له أصل من أصوله فلا یلتفت إلیه ، وهذا الحدیث یصلح أن یسمّى نصف أدلة الشّرع؛([160]) لأنّ الدّلیل یترکّب من مقدّمتین، والمطلوب بالدّلیل إمّا إثبات الحکم أو نفیه، وهذا الحدیث مقدّمة کبرى فی إثبات کلّ حکم شرعیّ ونفیه، لأنّ منطوقه مقدّمة کلیّة فی کلّ دلیل نافٍ لحکمٍ، مثل أن یقال فی الوضوء بماءٍ نجس: هذا لیس من أمر الشّرع، وکلّ ما کان کذلک فهو مردود، فهذا العمل مردود.([161])
فالمقدّمة الثّانیة ثابتة بهذا الحدیث، وإنّما یقع النّزاع فی الأولى.
ومفهومه: أنّ من عمل عملاً علیه أمر الشّرع فهو صحیح، مثل أن یقال فی الوضوء بالنّیّة: هذا علیه أمر الشّرع، وکلّ ما کان علیه أمر الشّرع فهو صحیح. فالمقدّمة الثّانیة ثابتة بهذا الحدیث والأولى فیها النّزاع.
فلو اتّفق أن یوجد حدیث یکون مقدّمة أولى فی إثبات کلّ حکم شرعیّ ونفیه، لاستقل الحدیثان بجمیع أدلة الشّرع، لکن هذا الثّانی لا یوجد، فهذا الحدیث نصف أدلة الشّرع.
واللفظ الثّانی وهو قوله : " من عمل " أعمّ من اللفظ الأوّل. وهو قوله: "من أحدث"، فیحتجّ به فی إبطال جمیع العقود المنهیّة , وعدم وجود ثمراتها المرتّبة علیها , وفیه ردّ المحدثات , وأنّ النّهی یقتضی الفساد؛ لأنّ المنهیّات کلّها لیست من أمر الدّین؛ فیجب ردّها.
وإعمال اللفظ الثانی یستفاد منه أنّ حکم الحاکم لا یغیّر ما فی باطن الأمر؛ لقوله: " لیس علیه أمرنا " والمراد به أمر الدّین.
وفیه أنّ الصّلح الفاسد منتقض، والمأخوذ علیه مستحقّ الرّدّ.([162])
وأسباب التعارض من حیث اللغة کثیرة متعددة – ذکرت عند حدیثنا فی مقدمة التعارض - ، وإنما ذکرنا هنا الغالب الذی یقع بسببه التعارض ، وإن کان هناک أسباب أخرى، کالمشترک والمجمل وغیرهما ، بل من الممکن أن یقع التعارض بسبب اللفظ لا من حیث ذاته، بل من حیث التقدیم والتأخیر.
مثاله : قوله صلى الله علیه وسلم -: "إذا سجد أحدکم فلیضع یدیه قبل رجلیه، ولا یبرک بروک البعیر".([163])
مع قوله – صلى الله علیه وسلم -: " عن وائل بن حُجْر، قال: «رأیت النبی صلى الله علیه وسلم إذا سجد وضع رکبتیه قبل یدیه، وإذا نهض رفع یدیه قبل رکبتیه» .([164]) الروایة الأولى یقدم الیدین على الرکبتین عند السجود ، وبه قال المالکیة ([165])على الاستحباب ، والإمام الأوزاعی.([166])
والروایة الثانیة تقدم الرکبتین على الیدین، وبهذا قال الحنفیة،([167]) والشافعیة،([168]) والمشهور عند الحنابلة،([169]) فبان لنا الفرق فی الحکم المترتب على الروایتین بالتقدیم والتأخیر مما یعد ظاهره التعارض الموجب للترجیح، وهذا ما أردناه فی الروایة .
المطلب الخامس
التعارض الواقع بسبب اضطراب الروایة
قد تأتی الروایة عن راوٍ واحد ، ثم تأتی روایة أخرى عن ذات الراوی فی نفس الموضوع، لکنها مخالفة للروایة الأولى، وهو ما یعرف عند العلماء باضطراب الروایة.
مثاله : عن ابن عمر - رضی الله عنهما - أنه قال : ( أهلَّ رسول الله
- صلى الله علیه وسلم - بالحج مفرداً ).([170])
ثم روی عنه أیضاً أن رسول الله - صلی الله علیه وسلم - أهلَّ بالعمـرة ثم أهلَّ بالحج.([171])
وقد ترتب على اضطراب الروایة اختلاف العلماء فی کثیر من الفروع الفقهیة ، من ذلک : اختلافهم فی المنی من حیث الطهارة والنجاسة : فقد ذهب الإمام أبو حنیفة،([172]) والإمام مالک،([173]) إلى أن المنی نجس ، بینما قال الإمام
الشافعی،([174]) والإمام أحمد،([175]) وداود الظاهری،([176]) بعدم بنجاسة المنی.
وعندما ننظر إلى سبب هذا الاختلاف، نجد أن اضطراب الروایة کان العامل الأقوى فیه، حیث روت أم المؤمنین عائشة رضی الله عنها قالت :( کنت أغسل الجنابة من ثوب النبی صلى الله علیه وسلم، فیخرج إلى الصلاة، وإن بقع الماء فی ثوبه)([177])
وهذه الروایة التی تمسک بها أصحاب المذهب الأول، القائلون بنجاسة المنی، مستدلین بلفظ هذه الروایة الدالِّ على لزوم غسل المنیّ ، ولو کان طاهراً ما کانت هناک حاجة لغسله ، لا سیما ووقت الصلاة قد دخل ، بدلیل قولها : (فیخرج إلى الصلاة وإن فیه لبقع الماء) ، ثم جاءت الروایة الثانیة عنها أیضاً رضی الله عنها، عند بیانها لحکم المنی، مخاطبة لرجل احتلم، فقالت : "إنما کان یجزئک إن رأیته أن تغسل مکانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأیتنی أفرکه من ثوب رسول الله صلى الله علیه وسلم". وزاد مسلم فی صحیحه: "فیصلی فیه".([178])
وهذه الروایة تمسک بها أصحاب المذهب الثانی، القائل بطهارة المنی مستدلین أیضاً بلفظ هذه الروایة، الذی نص صراحة على جواز فرک المنی ، فلو کان المنی نجساً لما اکتفی بالفرک فیه کسائر النجاسات ، وواضح أن بین فیه شروط التعارض.([179])
الفصل الثالث
طرق دفع التعارض بین الروایات
إذا ثبت التعارض بین روایتین أو أکثر، فینبغی على المجتهد أن یوجد الحل لما توهم من تعارض بین الروایات ، متبعاً بذلک القواعد المتفق علیها بین العلماء، وهو ما یعرف بالمخلص عند التعارض.
لکننا نذکر بأن ما یجب اتباعه فی هذه الحالة هو الترتیب الذی نص علیه العلماء فی القواعد العامة للتعارض، ولکن هذا الترتیب فیه خلاف بین العلماء لذا سوف نقدم مبحثاً لنتناول فیه هذا الخلاف ، ثم نتکلم عن طرق دفع التعارض علی ما ذهب إلیه جمهور العلماء.
المبحث الأول
ترتیب الطرق التی یجب أن یتبعها المجتهد عن التعارض
أجمع العلماء ([180]) علی تقدیم الجمع بین الأدلة المتعارضة ؛ لأن إعمال الدلیلین أولی من إهمال أحدهما ([181]) .
مثاله : قوله علیه السلام: "غسل الجمعة واجب على کل محتلم"([182])، مع قوله علیه السلام: "من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"([183]) فیحمل الأول على الندب، ویحمل الثانی على نفی الحرج.([184])
ولکن إذا تعذر الجمع بین الدلیلین فقد اختلف العلماء فی ترتیب الطرق التی ینبغی أن یتبعها المجتهد ویمکن حصر الخلاف فی مذهبین :
المذهب الأول : وهو لجمهور العلماء
1- الجمع بین الدلیلین ، وهذا متفق علیه – کما تقدم – کأن کان أحدهما عاماً والآخر خاصاً ، أو أحدهما مطلقاً والآخر مقیداً .
2- إذ لم یمکن الجمع بین الدلیلین، فإنه ینظر فی تاریخ کل منهما ، فإن علم التاریخ فالمتأخر ناسخ للمتقدم، ما دامت النصوص مما یقبل النسخ .
3- فإن لم یعلم التاریخ نظر فی الدلیلین: فإن أمکن ترجیح أحدهما على الآخر بأحد المرجحات التی یراها المجتهد صالحة للترجیح، رجحه علی غیره وعمل به([185]).
4- فإن لم یمکن الجمع بین الدلیلین ، ولم یعلم تاریخ ورودهما، وکان الدلیلان مما لا یمکن الترجیح بینهما - بأن کانا ظنیین، لکن المجتهد تعذر علیه الترجیح بینهما - فقد اختلف جمهور الأصولیین فی ذلک :
1- فبعضهم – کالشیرازی ([186])– رأى التوقف عن العمل بهما .
2- والبعض الآخر – کالغزالی ([187]) – رأی أنه یتخیر فی العمل بأیهما شاء ،وهذا ما اختاره الإمام الرازی.([188])
3- فإذا لم یعلم التاریخ ، ولم یمکن الجمع بین الدلیلین، ولا الترجیح ، وکانا مما لا یجوز أن یردا إلا فی وقتین؛ لکون أحدهما لابد وأن یکون ناسخاً للآخر فقد اختلف أیضاً جمهور الأصولیین :
أ- فذهب الشیرازی([189])إلی التوقف وعدم العمل بواحد منهما .
ب- وذهب الغزالی إلى أنه یقدر تعارض وتدافع النصین([190])، فلا یأخذ بواحد منهما ویطلب الحکم من دلیل آخر غیرهما – وهو ما یعرف بتساقط الدلیلین، فإن لم یجد دلیلاً آخر فإنه یتخیر فی العمل بأیهما شاء([191]).
المذهب الثانی : وهو لجمهور الحنفیة :
أما الطرق التی یجب ان یتبعها المجتهد عند تعارض الدلیلین عند الحنفیة إذا تحقق التعارض بین النصین، وتعذر الجمع بینهما، فالسبیل فیه الرجوع إلى طلب التاریخ ، فإن علم التاریخ وجب العمل بالمتأخر؛ لکونه ناسخاً للمتقدم، وإن لم یعلم سقط حکم الدلیلین؛ لتعذر العمل بهما وبأحدهما عینا؛ لأن العمل بأحدهما لیس بأولى من العمل بالآخر، والترجیح لا یمکن بلا مرجح ، ولا ضرورة فی العمل أیضاً؛ لوجود الدلیل الذی یمکن العمل به بعدهما ، فلا یجب العمل بما یحتمل أنه منسوخ، وإذا تساقطتا وجب المصیر إلى دلیل آخر یمکن به إثبات الحکم، فلا بد من طلب دلیل آخر یتعرف به حکم الحادثة.([192])
وبمقارنة مذهب الجمهور بمذهب الحنفیة یتبین التالی :
أولاً : اتفق الجمیع علی الجمع بین الدلیلین المتعارضین .
ثانیاً : اتفق جمهور الحنفیة مع الجمهور علی تقدیم النسخ بعد تعذر الجمع، وذلک إذا عرف تاریخ النصین .
ثالثاً : اختلف مذهب الحنفیة مع الجمهور فیما إذا تعارض الدلیلان، ولم یمکن الجمع بینهما، ولم یعلم تاریخ کلٍّ منهما.
فقد ذهب الجمهور إلی الترجیح بینهما ، بینما ذهب الحنفیة إلی ترک الدلیلین المتعارضین وینتقل المجتهد للبحث عن دلیل آخر.
وسوف نتکلم عن کل طریق من الطرق المتقدمة بشیء من التفصیل ، لکننا سوف نتبع طریقة الجمهور ، حیث إنها أشمل من طریقة الحنفیة ، ثم نتبع هذه الطرق بما یعرف عند العلماء بتعادل الدلیلین .
المبحث الثانی
المخلص من التعارض بالجمع بین الروایات
التعارض فی نفس الأمر بین حدیثین صحیحین، غیر صحیح، قال ابن خزیمة([193]): لا أعرف أنه روی عن الرسول حدیثان بإسنادین صحیحین متضادین ومن کان عنده فلیأت به حتى أؤلف بینهما([194]).
وقال الشافعی فی الرسالة: " ولم نجد حدیثین مختلفین إلا ولهما مخرج، أو على أحدهما دلالة إما موافقة کتاب الله، أو غیره من السنة، أو بعض الدلائل.أهـ([195]) لکن التعارض وإن کان غیر واقع حقیقة -کما ذکرنا سابقاً – إلا أنه متوهم ، وهو موجود من هذا الباب فی الروایات.
وأول ما ینبغی فعله على المجتهد عند وجود التعارض بین بعض الروایات، إنما هو التوفیق بین تلک الروایات، ومحاولة إعمالها من غیر تکلف وقد وجد من هذا القبیل الکثیر من الروایات التی وفق العلماء بینها عند التعارض.
من ذلک : قوله صلى الله علیه وسلم: «ذکاة الجنین ذکاة أمه».([196])
فروی برفع ذکاة الثانیة وبنصبها، ولهذا السبب فقد اختلف العلماء فی ذکاة الجنین ، الذی وجد فی بطن أمه ، هل تعد ذکاته بذکاة أمه أو لا ؟
فقد تمسک جمهور العلماء من المالکیة،([197]) وبعض الحنفیة کأبی یوسف ومحمد،([198]) والشافعیة،([199]) والحنابلة([200]) بالرفع على أن الجنین إذا خرج وقد کمل خلقه میتاً بعد ذکاة أمه، أکل؛ لأنه - علیه الصلاة والسلام - حصر ذکاة الجنین فی ذکاة أمه؛ فیکون داخلاً فیها؛ فیؤکل بذکاة أمه التی فیها ذکاته، ولا یفتقر إلى ذکاة أخرى .
بینما تمسک جمهور الحنفیة، کأبی حنیفة، وزفر،([201]) بروایة النصب على أنه یستقل بذکاة نفسه ، وإذا لم یذکَّ لا یؤکل؛ لأن النصب یقتضی أن یکون التقدیر ذکاة الجنین أن یذکى ذکاة مثل ذکاة أمه، ثم حذف المصدر وصفته التی هی (مثل)، وأقیم المضاف إلیه مقامها، فأعرب بإعرابها.([202])
إلا أن کثیراً من العلماء جمعوا بین الروایتین، قال الماوردی : لکن جاء فریق آخر من العلماء،([203]) فجمع بین روایة الرفع الراجحة ، وبین روایة النصب وإن کانت مرجوحة، فتستعمل الروایة المرفوعة على النیابة إذا خرج میتاً، وتستعمل الروایة المنصوبة على التشبیه إذا خرج حیاً أهـ.([204]) .
وهذه الطریقة، وهی طریقة الجمع بین الروایتین المتعارضتین، تعد هی الطریقة المثلى عند التعارض ، بل والمقدمة على غیرها عند جمهور العلماء؛ لما فیها من إعمال الدلیلین، وإعمال الدلیلین أولى من إسقاط أحدهما بالآخر، أو وقفهما وإیقاع التعارض بینهما؛ لأن کل واحد یقتضی العمل به والمصیر إلى موجبه، فما أدى إلى استعماله کان أولى،([205]) .
وللجمع طرق، منها: الاشتراک والتوزیع، کما فی اثنین تداعیا داراً بیدهما فإنه یقسم بینهما نصفین ؛ لأن ید کل واحد منهما دلیل ظاهر على ملکه لها، فإذا تعارضا وأمکن التوزیع والاشتراک، قسم بینهما نصفین.
ومنها : أن یقتضی کل واحد منهما حکماً ما، فیعمل بکل واحد منهما فی حق بعض الأحکام ، کقوله علیه السلام: (غسل الجمعة واجب على کل محتلم)([206]) ـ وقوله علیه السلام: (من توضأ للجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)([207]) .
فیحمل الأول على الندب، والثانی على نفی الحرج، الذی لا یمکن اجتماعه مع الندب؛ فإن المندوب لا حرج فی ترکه.
ومنها : العامان إذا تعارضا عمل بکل واحد منهما فی بعض الصور ، کقوله علیه الصلاة والسلام : ألا أخبرکم بخیر الشهداء؟ قیل : بلى یا رسول الله. قال: أن یشهد الرجل قبل أن یستشهد" .
وقوله علیه الصلاة والسلام : "ثم یفشو الکذب حتى یشهد الرجل قبل أن یستشهد"، فیعمل بالأول فی حقوق الله، والثانی فی حقوق العباد.([208])
لکن یشترط أن یکون الجمع من مجتهد ، وألا یکون الجمع بالتأویل البعید وألا یخرج عن مقتضیات اللغة والعرف الشرعی.([209])
المبحث الثالث
المخلص من التعارض بالنسخ
قد لا یمکن الجمع بین الروایتین المتعارضتین ، فیصار إلى النسخ لإحداهما لکن طریق النسخ عند المجتهد لها مراتب :
الأولى : أن تتعارض روایتان أو أکثر وعلم تاریخ کلٍّ منهما ، فإن المتأخر ینسخ المتقدم ، ولیس ذلک من موقع الترجیح .
مثاله : عن أبی سعید الخدری – رضی الله عنه - قوله : - صلى الله علیه وسلم - (إنما الماء من الماء )([210])، مع قوله : عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِیِّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ"([211]) ، فقد قال ابن الصلاح([212]) فی مقدمته: ونسخ "إنما الماء من الماء" فی فتح مکة.([213])
المرتبة الثانیة : ظن النسخ من غیر قطع به ، وهذه المرتبة هی مجال اختلاف العلماء ، حیث إن منهم من یعمل بالظن ویُعدُّ الروایة منسوخة کالشافعی، رحمه الله، ومنهم من ینازع فی هذا الظن ولا یعتبره، کالأحناف.
مثاله : عَنْ قَیْسِ بْنِ طَلْقٍ ([214])، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ: " أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ -عَنْ رَجُلٍ مَسَّ ذَکَرَهُ، أَیَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: هَلْ هُوَ إِلا بِضْعَةٌ مِنْ جَسَدِکَ"([215]) ، مع ما جاء عن أبی هریرة , قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: «إذا أفضى أحدکم بیده إلى فرجه حتى لا یکون بینه وبینه حجاب ولا ستر فلیتوضأ وضوءه للصلاة».([216])
فإن هاتین الروایتین مع ما فی معناهما قد تعارضتا ؛ مما جعل العلماء یختلفون فی نقض الوضوء ، ویمکن إجمال خلاف العلماء فی مذهبین :
المذهب الأول : مس الذکر ینقض الضوء ، وهذا ما ذهب إلیه جمهور العلماء من المالکیة،([217]) والشافعیة ([218])، والروایة الأصح عند الإمام أحمد ،([219]) وقیده المالکیة بأن یکون بباطن الکف، أو بباطن الأصابع، أو بجنبیهما، ولو بأصبع زائد.([220])
وقید الشافعیة المس بأن یکون بباطن الکف.([221])
وقد استدلوا على مذهبهم بأدلة کثیرة تطلب فی الفروع، لکن مطلوب البیان هنا لما هو لازم النسخ بالظن ، فإن المالکیة والحنابلة بنوا مذهبهم على الترجیح بین الروایات المتعارضة من غیر افتراض نسخ بالظن، وکذلک ما ذهب إلیه الأحناف من ترجیح عدم نقض الوضوء، بینما تمسک الإمام الشافعی بالنسخ المبنی على الظن ، حیث ذکروا أن أبا طلق ممن تقدم إسلامه ، أما أبو هریرة فإنه أسلم بعد الهجرة بست سنین ، فوقع الظن بإمکان تطرق النسخ للمتقدم، وهو حدیث أبو طلق.
المذهب الثانی : وهو للحنفیة([222])، وروایة للإمام أحمد ([223])، حیث ذهبوا إلى أن مس الذکر لا ینقض الوضوء مطلقاً ، وقد بنوا مذهبهم فی هذا الفرع، لا على ظن النسخ، وإنما بالترجیح بین الروایات ، وعلى ذلک : فإن مذهب الأحناف لا یعمل بمجرد ظن النسخ ، وإنما تدخل الروایتان المتعارضتان على قواعد الترجیح، وقد ترجح عندهم فی هذا الفرع ما جاء فی حدیث قیس بن طلق ([224]) بینما نسخ الشافعیة روایة قیس بن طلق بظن تقدم إسلام أبیه ، ومن ثَمَّ تمسکوا بروایة أبی هریرة فی أن مس الذکر ینقض الوضوء إذا کان بباطن الکف.([225])
المرتبة الثالثة : إن تجرد نص ولم یعارضه آخر، فإمکان النسخ مردود ومدعیه مطالب بنقل النسخ، ولا یکتفى فی هذا المقام بغلبة الظن؛([226]) لأن النسخ هنا من مقتضیات التعارض ، وحیث لا تعارض بین نصین فقد عدم المقتضی فلا یصار إلى النسخ.
المبحـث الرابع
المخلص من التعارض بالترجیح
أهم ما یلجأ إلیه المجتهد، هو الترجیح عند قیام المعارضة ، ولا یتصور الترجیح إلا بعد التعارض ؛ لأن الترجیح فرع المعارضة ، ولابد فی الترجیح من مراعاة القواعد العامة عند التعارض ، والتی سبق أن تکلمنا عنها فی بدایة مقدمات التعارض والترجیح .
فلا یمکن أن یجری الترجیح بین روایتین إحداهما بطریق التواتر والأخرى بطریق الآحاد، فلیس هناک تعارضاً أصلاً للقول بالترجیح؛ لأن التعارض فقد شرطاً، وهو تساوی الدلیلین فی القوة .
إلا أننا هنا لن نتکلم عن الترجیح من جهة القواعد العامة ، فإن هذه القواعد من المسلمات بین جمیع الأدلة ، وإنما حدیثنا هنا مقصور على قواعد الترجیح بین الروایات عند تعارضها ، وقد اعتمد العلماء قواعد أساسیة لترجیح روایة على روایة عند التعارض ، وإن اختلفوا بعد ذلک فی التقدیم والتأخیر لبعض هذه القواعد ، وفی بعض الضوابط والشروط ؛ لأن طرق الترجیح لا تنحصر، فإنها تلویحات تجول فیها الاجتهادات ویتوسع فیها([227])
لکن ما حصل فیه اتفاق على الجملة، إنما هو الترجیح باعتبار الإسناد وباعتبار لفظ المتن، وباعتبار المدلول، وقد یکون الترجیح باعتبار أمر خارج فهذه أربعة أنواع.([228])
أما ترجیح الروایة بالسند ؛ فلأن الروایة تنقل إلینا بواسطته ، وهو ما یسمى بالسلسلة التی تؤدی إلى المتن ، ورجال هذه السلسلة لیسوا على درجة واحدة ، فهم أصحاب أحوال من حیث حال الراوی ، وحال الروایة ، وکذلک حال المروی.
وقد یکون الترجیح بالنظر إلى لفظ المتن ، والوقوف على مطابقته للفصاحة الموصوف بها النبی - صلى الله علیه وسلم –، ومن حیث عمومه وخصوصه وحقیقته ومجازه ، أما ما یکون الترجیح فیه باعتبار مدلول الحکم فمعناه : مطابقته للقواعد الأصولیة ، کأن تکون الروایة الراجحة هی ما وافقت القیـاس أو عمل أهل المدینة ، أما إذا استوت الروایتان إسناداً ومتناً ودلالة ، رجع إلى المرجحات الخارجیة . وسوف نتناول قواعد الترجیح الأربعة فی مطالب حسب ما تقتضیه کل قاعدة :
المطلب الأول
ترجیح الروایة بحال الراوی
ترجع الترجیحات فی هذا المطلب بالنظر لحال الراوی ، من کثرة، وعدالة، وعلم، وغیر ذلک من المرجحات. ویمکن ذکر أهم ما یعول علیه فی الترجیح العائد إلى أحوال الراوی فی النقاط التالیة :
اختلف العلماء فی الترجیح بکثرة الرواة على مذهبین :
المذهب الأول : وهو لجمهور العلماء ، إلى أن الکثرة معتبرة فی الترجیح بین الروایات المتعارضة ، فإن کثرة الرواة مرجحة لقوة الظن بها.([229])
المذهب الثانی : وهو لجمهور الحنفیة ، والإمام الشافعی فی القدیم ،والمعتزلة حیث منعوا أن تکون الکثرة مرجحة.([230])
أدلة المذهب الأول : استدل الجمهور لما ذهبوا إلیه بأدلة کثیرة، مجملها أن الترجیح إنما یحصل بقوة لأحد الخبرین لا توجد فی الآخر ، ومعلوم أن کثرة الرواة نوع قوة فی أحد الخبرین؛ لأن قول الجماعة أقوى فی الظن، وأبعد من السهو، وأقرب إلى إفادة العلم من قول الواحد؛ ولأن خبر کل واحد یفید ظنا، ولا یخفى أن الظنون المجتمعة کلما کانت أکثر کانت أغلب وأقوى على الظن حتى ینتهی إلى القطع ، والعمل بالأقوى وترک ما دونه واجب.([231])
أدلة المذهب الثانی : قالوا : إن خبر الواحد، وخبر الاثنین، والثلاثة، وأکثر من ذلک فی إیقاع العلم سواء ، فإن کل واحد یوجب علم غالب الرأی، فلا یترجح أحد الخبرین بکثرة المخبرین قیاساً على الشهادة، فإنها لا تترجح بکثرة العدد لاستواء الاثنین وما فوقهما فی إیقاع العلم .([232])
الراجح : أرى أن الراجح هو ما ذهب إلیه جمهور العلماء فی الترجیح بکثرة الرواة ، ما لم یکن المقابل، وهو العدد القلیل، یفوق الکثرة من حیث الثقة والعدالة والضبط.([233])
وإنما یتأتى هذا الترجیح لمذهب الجمهور فیما إذا کنا أمام روایتین من أخبار الآحاد ، أما إذا کانتا متواترتین ، وقلنا بتعارض القطعی ، فإن المذهب الثانی - وهو القائل : بعدم رجحان کثرة الروایة - یکون هو الراجح ؛ لأن التواتر یفید بنفسه العلم، ولا شیء فوق العلم ، فلا تکون الکثرة معتبرة.
الثانی : قلة الوسائط وهو علو الإسناد، فإذا کان أحد الحدیثین المتعارضین أقل وسائط کان مقدماً على الآخر؛ لأن احتمال الغلط والکذب فیه أقل ؛ ولهذا رغب الحفاظ فی علو الإسناد، ورکبوا المشقة فی تحصیله.
الثالث: فقه الراوی, فالخبر الذی یکون راویه فقیهاً مقدم على ما لیس کذلک مطلقاً.
مثاله : عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ – قال : «مَا رَأَیْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً لِغَیْرِ وَقْتِهَا إلَّا بِجَمْعٍ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَیْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ وَقْتِهَا»([234]) یَعْنِی غَلَّسَ([235]) بِهَا فَکَانَ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ فِعْلُهَا فِیهِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - وَکَأَنَّهُ تَرَکَ جَمْعَ عَرَفَةَ لِشُهْرَتِهِ.
فَیُعَارِضُ مَا فِیهِ حَدِیثُ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - کَانَ إذَا عَجِلَ بِهِ السَّیْرُ، یُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَیَجْمَعُ بَیْنَهُمَا، وَیُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى یَجْمَعَ بَیْنَهُمَا وَبَیْنَ الْعِشَاءِ حِینَ یَغِیبُ الشَّفَقُ» فَیَتَرَجَّحُ حَدِیثُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِزِیَادَةِ فِقْهِ الرَّاوِی.([236])
الرابع: علم الراوی بالعربیة, فالخبر الذی یکون راویه عالماً بالعربیة راجح على خلافه([237])؛ لأنه ینقل عما أوتی البلاغة والفصاحة ، فإن لم یکن الراوی على درایة باللغة فقد یغیر ما یتغیر به المراد ، ویدخل هذا الشرط فیما قبله ، حیث الترجیح بفقه الراوی ، لأن الفقیه لا یکون فقیهاً إلا بعلمه باللغة العربیة .
الخامس : حسن اعتقاد الراوی, فالخبر الذی یکون راویه سُنیاً مقدم على ما رواه المعتزلی، أو الرافضی وغیرهما من المبتدعة.
مثاله : وَذَکَرَ ما رِوَاه کَثِیرٍ النَّوَّاءِ - فی فضل فاطمة - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَیْنٍ مَرْفُوعًا «أَمَا تَرْضِینَ أَنْ تَکُونِی سَیِّدَةَ نِسَائِهَا؟ فَقُلْت: یَا أَبَتِ فَأَیْنَ مَرْیَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ. قَالَ تِلْکَ نِسَاءُ عَالَمِهَا وَأَنْتِ سَیِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِک»([238]).
فقد تعارض مع ما رواه الزُّبَیْرُ بْنُ بَکَّارَ مِنْ رِوَایَةِ الدَّرَاوَرْدِیِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ کُرَیْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - «سَیِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَرْیَمُ ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ خَدِیجَةُ ثُمَّ آسِیَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ»([239]) .
فقد رجح العلماء الروایة الثانیة على الأولى ؛ لأن َکَثِیرٌ النَّوَّاءُ شِیعِیٌّ ضَعِیفٌ.([240])
السادس : کون الراوی صاحب الواقعة؛ لأنه أعرف بالقضیة، کترجیح الصحابة خبر عائشة فی التقاء الختانین على خبر ابن عباس، وهو: "إنما الماء
من الماء"([241]).
السابع: کون الراوی جلیس المحدثین ، أو أکثر مجالسته من الراوی الآخر؛ لأنه أقرب إلى معرفة الخلل، ویمکن أن یمثل لهذا بروایة عبد الرحمن بن القاسم، عن أبیه، عن عائشة: أن زوج بریرة کان عبداً ، وهکذا رواه هشام بن عروة، عن أبیه، عن عائشة ، وروى الأسود بن زید عن عائشة، أن زوج بریرة کان حراً.
فحدیث عروة والقاسم عن خالتهما أولى؛ لمجالستهما لها، وسماعهما منها الحدیث شفاهاً داخل الستر.([242])
الثامن: کون الراوی مختبراً، فخبر العدل الذی عرفت عدالته بالممارسة والاختبار، راجح على خبر الذی عرفت عدالته بالتزکیة، أو بالعمل على روایتـه أو بأن روى عنه من شرط أن لا یروى إلا عن العدل.([243])
التاسع: کون الراوی معدلاً بالعمل على روایته أی: تثبت عدالته بعمل من روى عنه بما رواه عنه، فالخبر الذی یکون راویه معدلاً بهذا الطریق راجح على الذی یکون راویه معدلاً بغیره.
العاشر: کثرة المزکین، وهو واضح.
الحادی عشر: بحث المزکین عن أحوال الناس، أی : کثرة بحثهم، وکذلک زیادة عدالتهم والوثوق به.
الثانی عشر: کثرة علم المزکین، یعنی بالعلوم الشرعیة.
الثالث عشر: حفظ الراوی : أن یکون اعتماد الراوی على حفظه للفظ الحدیث، فیقدم على من اعتماده على کتابه؛ للاختلاف فی جواز الاعتماد على الکتاب من غیر حفظ ، وکذلک یقدم أکثرهم حفظًا، وأقلهم نسیانًا، فروایته راجحة على من نسیانه أکثر.([244])
الرابع عشر: زیادة ضبط الراوی, والضبط هو شدة الاعتناء بالحدیث والاهتمام بأمره، فإذا کان أحدهما أشد اعتناءً به واهتماماً، یرجح خبره.
الخامس عشر: دوام عقل الراوی، فیرجح الخبر الذی یکون راویه سلیم العقل دائما على الخبر الذی اختلط عقل راویه فی بعض الأوقات.([245])
السادس عشر: شهرة الراوی؛ لأن الشهرة بالمنصب أو بغیره مانعة من الکذب، ومانعة أیضاً من التدلیس علیه، فیقدم من کان من کبار الصحابة على غیره عند التعارض.([246])
السابع عشر: نسبه ؛ فلا تصح أصلاً الروایة عن مجهول.
الثامن عشر: عدم التباس اسمه، فإن التبس اسمه باسم غیره من الضعفاء وصعب التمییز، کانت روایة غیره راجحة على روایته.
التاسع عشر: تأخر إسلام الراوی, فالخبر الذی یکون راویه متأخر الإسلام عن راوی الخبر الآخر راجح؛ لأن تأخر الإسلام دلیل على تأخر روایته.([247])
وکل ما تقدم من مرجحات غیر مجمع علیه بین العلماء ، وإنما نجد فی کل مرجح خلافاً بینهم ، کما ذکرنا فی الترجیح بکثرة الروایة ، ولکننی ذکرت ما هو راجح بینهم.
الأول : تقدیم الروایة مسندة المتن واتصاله على المرسل.([248])
کحدیث من قهقه فی الصلاة أعادها ، ونصه : حَدَّثَنَا سَعِیدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أَبِی الْعَالِیَةِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عَلَیْهِ وسلم - کَانَ یُصَلِّی بِأَصْحَابِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ فِی بَصَرِهِ سُوءٌ، فَتَرَدَّى فِی بِئْرٍ، فَضَحِکَ طَوَائِفُ مِنَ الْقَوْمِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ کَانَ ضَحِکَ أَنْ یُعِیدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ.([249]) مع ما روی،([250]) عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ " الرَّجُلِ یَضْحَکُ فِی الصَّلَاةِ، فَقَالَ: یُعِیدُ الصَّلَاةَ وَلَا یُعِیدُ الْوُضُوءَ"([251]) ، فذهب الإمام مالک،([252]) والشافعی،([253]) وأحمد،([254]) إلى أن القهقهة فی الصلاة لا تنقض الوضوء ؛ لأن الحدیث الأول مرسل ، والثانی متصل، وهو المروی عن جابر ، ومعلوم أن جمهور العلماء یعدون مرسل الصحابی – الذی أرسله جابر – کالمتصل تماماً
وتمسک الإمام أبو حنیفة وأصحابه: بأنها تنقض الوضوء والصلاة.([255])
وقد أطلق بعض العلماء عبارات الترجیح بین المتواتر والمسند ، وهذا من قبیل المجاز ، فهم یقصدون تقدیم المتواتر على المرسل المظنون ؛ لأن الترجیح حقیقة لا یکون بین المتواتر والآحاد ، فإن المتواتر یعمل به ویترک الآحاد ولا یقال بالترجیح بینهما ، فلیس ثمة تعارض بینهما حقیقة ، فقد فقدت المعارضة شرط تساوی الدلیلین فی القوة ، فلا ترجیح ؛ لأن الترجیح فرع المعارضة.([256])
الثانی : روایة مرسل التابعی تقدم على غیرها ممن بعده ; لأن مرسل التابعی قد ترک فیه ذکر الصحابی، والظاهر روایة التابعی عن الصحابی، والعدالة قائمة فی الصحابی والتابعی ; لقیام الدلیل علیها، وکلما قلت الواسطة بین المروی والمروی عنه کانت الروایة أقوى ، وإنما تقدم روایة التابعی إذا تساوت قوة مع ما بعدها من الروایات ، أما إذا حدث فی روایة التابعی ما تعل به الروایة فلا عبرة بالمتقدم منهما،([257]) وإنما لم نذکر مرسل الصحابی ؛ لأن مرسل الصحابی کالمسند عند جمهور العلماء ، ولم یخالف فیه إلا القلیل مثل : الأستاذ أبو إسحاق الإسفرایینی الشافعی المتوفى سنة 418هـ ، والقاضی أبو بکر الباقلانی ، إلا أن القاضی یرد مرسل الصحابی إن احتمل سماعه من التابعی.([258])
الثالث : الروایة عالیة الإسناد تقدم على ما دونها ، وهو المعروف عند العلماء بعلو الإسناد ، والمقصود بعلو الإسناد: کل حدیث قلت رجاله بین الراوی والمروی عنه.
وقسموه خمسة أقسام :
(1) القرب من رسول الله - صلى الله علیه وسلم - بسند صحیح ویسمى العلو المطلق (2) القرب من إمام من أئمة الحدیث ذی صفة عالیة، کالحفظ والضبط
ونحوهما من الصفات المقتضیة للترجیح مثل : الإمام مالک والشافعی
(3) القرب إلى کتاب من کتب الحدیث المعتبرة.
(4) ما کان علواً بقدم موت الراوی عن شیخ على موت راوٍ آخر عن ذلک الشیخ وإن کانا متساویین فی العدد .
(5) تقدم السماع من الشیخ، فمن تقدم سماعه من شیخ کان أعلى ممن سمع من ذلک الشیخ نفسه بعده ، وقسیم الرتبة الأولى الأربعة الذین یلونه، ویطلق العلماء علیهم الإسناد النسبی ، والإسناد المطلق مقدم على الإسناد النسبی عند التعارض.([259])
مثاله: علو الإسناد المطلق : ما أخرجه البُخَارِیُّ فِی صحیحه قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِیُّ، قَالَ: حَدَّثَنِی حُمَیْدٌ، أَنَّ أَنَسًا، حَدَّثَهُمْ: أَنَّ الرُّبَیِّعَ وَهِیَ ابْنَةُ النَّضْرِ کَسَرَتْ ثَنِیَّةَ جَارِیَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ، وَطَلَبُوا العَفْوَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوُا النَّبِیَّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُکْسَرُ ثَنِیَّةُ الرُّبَیِّعِ یَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ وَالَّذِی بَعَثَکَ بِالحَقِّ، لاَ تُکْسَرُ ثَنِیَّتُهَا، فَقَالَ: «یَا أَنَسُ کِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ»، فَرَضِیَ القَوْمُ وَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِیُّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ »([260]).
عکس السند العالی السند النازل ، مثاله : نفس الحدیث المتقدم، فقد أخرج مسلم الحدیث نفسه فقال: حدثنا أبو بکر بن أبی شیبة، حدثنا عفان بن مسلـم حدثنا حماد، أخبرنا ثابت، عن أنس، أن أخت الربیع جرحت إنساناً، فاختصموا إلى النبی - صلى الله علیه وسلم - ... الحدیث ، المتأمل فی الإسناد یجد أن بین البخاری وبین رسول الله - صلى الله علیه وسلم - ثلاثة رجال؛ فی حین أن مسلماً بینه وبین رسول الله - صلى الله علیه وسلم -، خمسة رجال.([261]) فعند التعارض لا شک أنه یرجع الأعلى إسناداً على ما دونه.
الرابع : ترجح الروایة معنعنة الإسناد إلى الرسول - صلى الله علیه
وسلم - على الذی أحیل إلى کتاب معروف، ویرجح أیضاً على حدیث مشهور بین العلماء .
الخامس : وترجح الروایة التی تکون فی کتاب معروف على الروایة المشهورة بین العلماء ; لأن العادة تمنع التغییر فی الکتاب المعروف.
السادس : وترجح الروایة الواردة فی صحیحی البخاری ومسلم على غیرها; فإن المسند إلى کتاب مشهور بالصحة أولى من المسند إلى کتاب غیر مشهور بالصحة.
السابع : وترجح الروایة المسندة باتفاق على التی اختلف فی کونها مسندة
الثامن : وترجح الروایة بقراءة الشیخ، على قراءتهم على الشیخ؛ فإن قراءة الشیخ على الحاضرین أولى من قراءتهم على الشیخ ; لإمکان ذهول الشیخ فی الثانی،([262]) وإذا قرأ الشیخ یجوز للراوی أن یقول: حدثنی أو أخبرنی: وإذا قرأ هو على الشیخ فیقول: أخبرنی، ولا یقول حدثنی ، وإن أجازه الشیخ من غیر قراءة فیقول: أجازنی أو أخبرنی إجازة.([263])
التاسع : وترجح الروایة بکونها غیر مختلف فیها، فإن اختلاف الروایة یدل على أنه مضطرب الحال، بخلاف ما یکون على طریقة واحدة.([264])
الترجیح هنا إنما یتعلق بالحالة التی کان علیها الراوی عند التحمل، والتی ظهرت منه عند الأداء ، فیرجح ما تأکد سماعه على الذی احتمل سماعه وترجـح روایة ما جرى فی حضرته - صلى الله علیه وسلم – ولم ینکره ، على الروایة التی نقلت الحادثة لکن کان ذلک فی غیبته - صلى الله علیه وسلم – وعلم به ولم ینکره ، وترجح الروایة اللفظیة على الفعلیة ، ویرجح ما جاء فیما لا تعم به البلوی على ما تعم به البلوی؛ لکون ما لا تعم به البلوی أبعد عن الکذب؛ لأن ما تتوافر الدواعی على نقله یوهم الکذب إذا کان آحاداً،([265]) ویرجح بما لم یثبت إنکار لرواته، فإن ما لم یثبت إنکار لرواته یقدم على ما ثبت إنکار لرواته، سواء کان الإنکار إنکار جحود أو إنکار نسیان.([266])
عندما تتساوى الروایات فی کل ما تقدم من مرجحات ، فینظر إلى لفظ المتن لا السند ، وقد وضع العلماء ما هو أشبه بالتوصیات لترجیح بعض الروایات على بعض بالنظر للفظ المتن ، وإنما عبَّرنا بکونها توصیات؛ لاختلافهم الکبیر فی هذا المرجح ؛ ولأن هذا المنظور یختلف باختلاف العلماء أنفسهم ، ومن أهم الأشیاء التی یترجح بها :
الأول : بلاغة لفظ الروایة ، وظهور جوامع الکلم فیها ، فهنا ترجح هذه الروایة على تلک التی بها رکاکة فی اللفظ ؛ لأن الأولى هی الأقرب؛ لکونها صادرة عن رسول الله - صلى الله علیه وسلم –؛ لأنه هو أفصح العرب وأبلغهم.([267])
الثانی : یرجح الخاص على العام ؛ لأن التعارض لا یقع بین دلیلین إلا إذا کانا متساویین قوة ، فإذا قلنا بتساوی الخاص والعام قوة فیترتب علیه إمکان التعارض ، أما إذا قلنا إن الخاص أقوى من العام فلا سبیل للتعارض ؛ لأن الخاص یقضی على العام ومقدم علیه ، والمسألة مبنیة على حکم العام
فإن جمهور الفقهاء، وإن کانوا قد اتفقوا على أن حکم العام یفید إثبات الحکم فی جمیع ما یتناوله من الأفراد ، إلا أن إثبات ذلک الحکم یکون بطریق القطع عند بعضهم کغالبیة الحنفیة ، وظناً عند بقیتهم وهو مذهب الجمهور
وعلیه فمنهم من سوى بین الخاص والعام فی الحکم؛ وبالتالی من الممکن أن یتعارض الخاص والعام ، وهنا یقدم الخاص على العام ؛ لأن الحکم بالعام بطریق الظن فیکون الخاص مقدماً على العام عند التعارض ؛ لأن الخاص مثبت للحکم لجمیع الأفراد بطریق القطع؛ فیقدم عند التعارض على العام الذی یثبت الحکم على ما یتناوله بطریق الظن،([268]) ، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه إذا ورد خاص وعام مقترنین قدم الخاص على العام.([269])
الثالث : یقدم العام الذی لم یخصص على العام الذی خص ؛ لأن التخصیص جعله ضعیفاً، وأخرجه عن مسماه ، ومنهم من عکس فقدم ما خص على ما لم یخص، کابن السبکی؛ محتجین بأن الغالب تخصیص العموم ، وأنه ما من عام إلا وقد خص، فتقدیم العام الذی خص أولى؛ لأنه التحق بالغالب فاطمأنت إلیه النـفس ولم ینتظر بعده تطرق التخصیص إلیه، بخلاف الباقی على عمومه فإن النفس لا تستیقن ذلک، وأیضاً: المخصوص راجح من حیث کونه خاصاً بالنسبة إلى ذلک العام الذی لم یدخله التخصیص، والخاص أولى من العام.([270])
الرابع : تترجح الحقیقیة على المجاز؛ لأن الحقیقة هی التی تتبادر إلى الذهن من غیر احتیاج لقرینة ، أما المجاز فإنه یحتاج لقرینة ، وما لا یفتقر لقرینة أقوى لتبادرها إلى الذهن ، والحقیقة أظهر دلالة من المجاز، وهذا إذا لم یکن المجاز غالباً، فإن غلب المجاز فی الاستعمال ، کان حقیقة عرفیة، فیرجح من جهة أنه حقیقة ناسخة للحقیقة اللغویة، والناسخ مقدم على المنسوخ.([271])
الخامس : یقدم فی الترجیح ما جاء لفظه بالحقیقة الشرعیة على الحقیقة العرفیة واللغویة ، ؛ لأن الرسول - صلى الله علیه وسلم - بعث لبیان الشرعیات.
ومن أمثلة ذلک: قوله صلى الله علیه وسلم: «الاثنان فما فوقهما جماعة»([272])، فهذا القول مراد به تحصیل ثواب الجماعة فی الصلاة للاثنین فما فوقهما، ولیس المراد به بیان حقیقة لغویة، وهى أن أقل الجمع اثنان؛ وذلک لأمر یسیر وهو أنه - صلى الله علیه وسلم - بعثه ربه لیبین لنا الأمور الشرعیة
لا اللغویة.([273])
السادس : ترجح الروایة المستغنى فیها عن الإضمار على الأخرى التی تشتمل على الاضمار؛ لأن الإضمار على خلاف الأصل، وإنما یصار إلیه لدفع الضرورة اللازمة من تعطیل العمل باللفظ، فیجب الاقتصار فیه على أقل
ما تندفع به الضرورة.([274])
السابع : یقدم الخبر الدال على المراد من وجهین، على الدال علیه من وجه واحد؛ لقوة الظن الحاصل من الأول بتعذر جهة الدلالة ، مثاله :
قوله - صلى الله علیه وسلم – « إنمـا الشفعـة فیمـا لم یقسم»، فقضیته أن ما یقسم لا شفعـة فیـه، ثم قال: «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة».([275]) فیقدم على روایة «الجار أحق بشفعته»؛([276]) لأن هذا الحدیث یدل بوجه والأول یدل بوجهین.([277])
الثامن : ما کانت دلالته مؤکدة على ما لیس کذلک، کقوله: - صلى الله علیه وسلم – (أیما امرأة نکحت نفسها بغیر إذن ولیها، فنکاحها باطل، فنکاحها باطل فنکاحها باطل)([278]) مع قوله - صلى الله علیه وسلم – (الأیم أحق بنفسها من ولیها)([279]) فإن جمهور العلماء رجح الأول على الثانی، فقالوا ببطلان تزویج المرأة نفسها بدون إذن ولیها مطلقاً ، ویقدم على الثانی للتکرار المؤکد.([280])
وجمع الحنفیة بین الحدیثین، فحملوا البطلان على الصغیرة والمجنونة والمعتوهة ومن فی حکمهن ، وحملوا الثانی على ما عدا من تقدمن فلا یشترط لصحة عقدهن إذن الولی،([281]) فإن تعذر الجمع فالثانی مقدم على الأول عندهم لمعارضة الأول لقوله – تعالى - {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}([282]) ولرجـوع راوی الحدیث الأول - السیدة عائشة - عما روى کما تقدم فی التعارض بسبب عمل الراوی بخلاف ما روى.([283])
التاسع : یرجح اللفظ المذکور مع معارضة على ما لیس کذلک مثاله: قوله - صلى الله علیه وسلم -: "کنت نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها"، فیرجّح على الخبر الدّال على تحریم زیارة القبور أو على کراهیتها، من غیر ذکر معارض معه مثل: "لعن الله زوّارات القبور"، فإن الأول دال على نسخ الثانی.([284]) ومن الممکن الجمع بینهما بحمل حدیث ( لعن الله زوارات القبور ) علی کثیرات الزیارة ، أما غیرهن ممن تقل زیارتهن فیباح لهن عملا بالحدیث الأول .
العاشر : یرجح اللفظ المقرون بنوع من التهدید على غیره ؛ لأنَّ اقترانه به یدلّ على تأکد الحکم الذی تضمنه، کقوله - صلى الله علیه وسلم -: "من صام یوم الشک فقد عصى أبا القاسم".([285])
وکذلک إذا کان فی أحدهما زیادة تهدید.
المطلب الخامس
الترجیح بمدلول الحکم
الترجح بالحکم، إنما ینظر فیه لمطابقة ذلک الحکم للقواعد المقررة فی عموم الشریعة ، فما کان موافقاً منها لهذه القواعد، فإنه یقدم على غیره عند التعارض، وقد وقع فی الترجیح بالحکم خلاف کبیر بین العلماء، وسوف نذکر ما علیه جمهور العلماء ، ومن ذلک :
1- الخبر الدال على التحریم، راجح على الخبر الدال على الإباحة ، والمراد بالإباحة هنا جواز فعل الترک، لیدخل فیه المکروه والمندوب والمباح؛ لأن التحریم مرجح على الکل ؛ وإنما ترجح روایة التحریم على غیرها لأمرین : أحدهما: قوله -علیه الصلاة والسلام: "ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال".([286])
الثانی: أن الاحتیاط یقتضی الأخذ بالتحریم.([287])
2- ترجح الروایة المثبتة للطلاق أو العتاق على تلک النافیة له ؛ لأن الأصل عدم القید.
3 - ترجح الروایة النافیة للحد على المثبتة له ، والدلیل علیه أمران أحدهما: أن الحد ضرر, والضرر یزال فی الإسلام؛ لقوله -علیه الصلاة والسلام:
"لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام"([288])، الثانی: قوله -علیه الصلاة والسلام: "ادرءوا الحدود بالشبهات".([289])
المطلب السادس
الترجیح من خارج السند والمتن
قد یأتی الترجیح بین الروایات المتعارضة من خارج السند الذی هو عمدة الترجیح بین الروایات ؛ لأن الترجیح یتعلق أولاً بالقوة ، والقوة تأتی من السند ، وقد یأتی الترجیح أیضاً من خارج المتن ، ولا یتصور الترجیح بالمتن إلا إذا استنفذنا طرق الترجیح بالسند ، وبالتالی لا یمکن الترجیح من خارج المتن إلا إذا تعذر ذلک بالمتن ، فعند تعذر الترجیح بالسند أو المتن یلجأ المجتهد للترجیح بطرق خارجة عنهما وهی کثیرة أهمها :
1- ترجح إحدى الروایتین على الأخرى بعمل أکثر السلف ؛ لأن الأکثر مظنة الصواب، بخلاف عمل القلة.
2- الترجیح بکثرة الأدلة ، فإن الروایة التی تتوافق مع کثیر من الأدلة تکون راجحة على التی لا تتوافق.
3- أن یقول بعض أئمة الصحابة، ویعمل بخلافه، والخبر لا یجوز خفاؤه علیه، فإنه یحمل على نسخه، أو أنه لا أصل له؛ إذ لولا نسخه أو انتفاء أصله ما خالف.
4 - روایة الواحد فیما تعم به البلوى یکون مرجوحاً؛ إما لاختلاف المجتهدین فی قبوله، أو لأن کونه مما تعم به البلوى، إن لم یوجب القدح فیه، فلا أقل من إفادته المرجوحیة.([290])
قال الرازی : واعلم أن بعض ما یرجح به الخبر قد یکون أقوى من بعض فینبغى إذا استوى الخبران فی کمیة وجوه الترجیح أن تعتبر الکیفیة، فإن کان أحد الجانبین أقوى کیفیة وجب العمل به اهـ.([291])
5-أن تکون إحداهما موافقة لعمل الخلفاء الأربعة دون الأخرى، فإنه یقدم الموافق
6-أن تکون إحدى الروایتین مما توارثه أهل الحرمین دون الأخرى.
7-أن تکون إحداهما موافقة لعمل أهل المدینة ، وهو ما قال به المالکیة.
8-أن تکون إحداهما موافقة للقیاس دون الأخرى، فإنه یقدم الموافق.
9-أن تکون إحداهما أشبه بظاهر القرآن، دون الأخرى، فإنه یقدم الأشبه.
10- أنه یقدم ما فسره الراوی له بقوله، أو فعله، على ما لم یکن کذلک.([292])
إذا تعادلت الروایتان فی القوة من حیث السند والمتن ، ولم یکن هناک من سبیل لترجیح إحداهما على الأخرى من خارج السند والمتن، فقد اختلف العلماء علی مذهبین :
المذهب الأول : التوقف : وبه قال جمهور العلماء،([293]) حیث ذهبوا إلی أن الدلیلین إذا تعادلا ولم یعلم المجتهد أن أحدهما أرجح من الآخر بأی أمارة، فعلیه التوقف إلى أن یعلم أن أحدهما أرجح من الآخر بأی أمارة ، فإن لم یعلم: فإنه یسقطهما، ویعمل بالبراءة الأصلیة، ولا یجوز التخییر بینهما، ولا العمل بأحدهما.
واستدلوا بأدلة منها :
أولاً : المجتهد متعبد باتباع غالب الظن ، ولم یغلب علیه ظن شیء فوجب علیه التوقف وهذا هو الأسلم.([294])
ثانیاً : الدلیلان إذا تعارضا، فإما أن یعمل بهما جمیعاً، أو یعمل بأحدهما، والأول یوجب الجمع بین النقیضین: النفی والإثبات، والتحلیل والتحریم، وهو باطل والثانی ترجیح بلا مرجح، وهو تحکم، فتعین التوقف لحین ظهور المرجح.([295])
المذهب الثانی: التخییر، وبه قال بعض الحنفیة کالجرجانی([296]) والجصاص([297])،وبعض المالکیة کأبی بکر الباقلانی([298]) وبعض المعتزلة
کأبی علی وابنه([299])،
- فقد ذهبوا إلی أن المجتهد إذا تعارض عنده روایتان ( دلیلان ) ولیست إحداهما أولى من الأخرى ، فإنه یعمل بأی منهما.([300])
واستدل من قال بالتخییر بالآتی : التخییر بین الأدلة عند التعارض له أصل فی الشرع یقاس علیه، وهو : التخییر بین الحکمین ، وهو مما ورد الشرع به کالتخییر بین خصال الکفارة ، وقد اضطررنا إلى التخییر؛ فیجوز أن یتعارض فی حقنا نصان، ولا یتبین تاریخ ولا ترجیح ، ولوقلنا: یتوقف، فإلى متى یتوقف؟ وربما لا یقبل الحکم التأخیر ولا نجد مأخذاً آخر للحکم، فلا سبیل إلا التخییر فالاحتمالات أربعة: إما العمل بالدلیلین جمیعاً ، أو إسقاطهما جمیعاً، أو تعیین أحدهما بالتحکم أو التخییر، ولا سبیل إلى الجمع عملاً وإسقاطاً؛ لأنه متناقض، ولا سبیل إلى التوقف إلى غیر نهایة فإن فیه تعطیلاً، ولا سبیل إلى التحکم بتعیین أحدهما بدون مرجح؛ فلا یبقى إلا الرابع وهو التخییر.([301])
وأجیب علیه :
أولاً : نقطع أن إحدى الروایتین صواب والأخرى خطأ، ولا نعلم ذلک إلا بدلیل، وقد انعدم الدلیل الْبَتَّة ، والتخییر ربما یؤدی إلی التمسک بالخطأ وترک الصواب والتمسک بالخطأ وترک الصواب باطل ، فبطل ما أدى إلیه
وهو التخییر.
ثانیاً : القول بالتخییر جمع بین النقیضین، وترک لکلا الدلیلین، وکلاهما باطل، أما بیان ترک الدلیلین: فإذا تعارض الموجِب والمحرِّم، فیصیر على التخییر المطلق، وهو حکم ثالث غیر الدلیلین معًا، فیکون اطّراحًا لهما، وترکًا لموجبهما ، وأما الجمع بین النقیضین: فإن المباح نقیض المحرَّم، فإذا تعارض المبیح والمحرِّم، فخیرناه بین کونه محرَّمًا یأثم بفعله، وبین کونه مباحًا لا إثم على فاعله: کان جمعًا بینهما، وذلک محال.
ثالثاً :لا ننکر التخییر فی الشرع ، ولکن التخییر بین النقیضین لیس له فی الشرع مجال، وهو فی نفسه محال.
الراجح : والراجح هو مذهب جمهور العلماء القائلین بالتوقف ؛ لأن القول بالعمل بالتخییر یؤدی إلی التناقض، الذی من الممکن أن یقع بین الحکمین المترتبین على الروایتین المتعارضتین ، لا سیما إن کان أحد هذین الحکمین محرماً والأخر محللاً ([302])، قال الزرکشی فی البحر المحیط : وإن تعارض دلیلان نظر فی النسخ والترجیح، فإن عدمهما جاء الخلاف فی التخییر والوقف، فإن عدم، بناه على حکم الأصل فی العقل، وهو نفی الحکم على ما هو المختار.([303]) والله أعلم
الخاتمة وأهم النتائج
الحمد لله الذی بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خاتم الأنبیاء والمرسلین، نبینا محمد وعلى آله وصحبه أجمعین والتابعین ومن تبعهم بإحسان إلى یوم الدین، وبعد:
فهذا بحث فی تعارض الروایة عند علماء أصول الفقه ، ولا أدعی أننی تملکت فیه زمام کافة التعارض والترجیح الذی ذکره العلماء فی تعارض الروایات فهذا مدرک بعید لقلة بضاعة الباحث ، ولکننی أتیت فیه بطرف مهم فی تعارض الروایات ، وقد أفادنی هذا البحث کثیراً، ووقفت فیه على نکات علمیة کنت جاهلها، وخرجت بنتائج طیبة ، أهمها :
أولاً: الوقوف على حقیقة الکثیر من اختلافات العلماء الفقهیة التی ترتبت على التعارض بین الروایات.
ثانیاً: ربطت کلاً من الروایات المتعارضة ببعض الفروع الفقهیة، مبیناً مدى تأثیر القاعدة فیما ذکرت من فروع .
ثالثاً: رجحت ما ظهر رجحانه فیما تناولت من فروع فقهیة، مستدلاً على ما رجحت من کتب الفروع المعتمدة .
رابعاً: ذکرت الضوابط المعتمدة لدى الأصولیین فی تعارض الروایات وترجیح بعضها على بعض.
خامساً: قمت بذکر ضوابط التعارض عموماً ؛ إذ إلیه یرجع کل تعارض فی جمیع الأدلة ، ثم تکلمت عن ضوابط الترجیح بین الروایات، وذکرت الراجح دون التعمق فی کل اختلاف؛ حتى لا یخرج البحث عن مقصده .
سادساً: تبین لی أن استنباط الحکم وابتناءه، قد یکون بسبب تعارض بین روایتین أو أکثر؛ مما أدى إلى ثراء کبیر فی الفروع الفقهیة .
سابعاً: وأوصی بأن تتجه الأقسام العلمیة الأصولیة لفتح المجال لطلاب الدراسات العلیا فی تناول علم الحدیث وتقعیده بالمیزان الأصولی، فإن ذلک سوف یتیح لنا الوقوف علی کثیر من القواعد المغمورة فی ثنایا هذا العلم الکبیر ، أقصد: علم الحدیث ، لاسیما ما تعلق منه بالروایة .
([9]) التحبیر شرح التحریر فی أصول الفقه للمرداوی الحنبلی 8 – 4128. مکتبة الرشد - السعودیة / الریاض الطبعة: الأولى، 1421هـ - 2000م.
([15]) ینظر: الفصول فی الأصول للجصاص 3- 172، اللمع للشیرازی صـ 83، کشف الأسرار شرح أصول البزدوی 3 – 76.
([21]) حَدَّثَنَا وَکِیعٌ، حَدَّثَنَا سُفْیَانُ، عَنْ سِمَاکٍ، عَنْ سُوَیْدِ بْنِ قَیْسٍ قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِیُّ ثِیَابًا مِنْ هَجَرَ قَالَ: فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ فَسَاوَمَنَا فِی سَرَاوِیلَ، وَعِنْدَنَا وَزَّانُونَ یَزِنُونَ بِالْأَجْرِ، فَقَالَ لِلْوَزَّانِ: «زِنْ وَأَرْجِحْ» أخرجه الإمام أحمد فی مسنده من طریق سُوَیْدِ بْنِ قَیْسٍ برقم : 19098، وأبو داود فی سننه کتاب : البیوع: بَابٌ فِی الرُّجْحَانِ فِی الْوَزْنِ وَالْوَزْنِ بِالْأَجْرِ، من طریق سُوَیْدِ بْنِ قَیْسٍ واللفظ للإمام أحمد ، والترمذی فی سننه بَابُ مَا جَاءَ فِی الرُّجْحَانِ فِی الوَزْنِ برقم : 1305 ، قال أبو عیسی : حدِیثُ سُوَیْدٍ حَدِیثٌ حَسَنٌ صَحِیحٌ.
([23]) أصول الفقه لابن مفلح 4 – 1581 ، التحبیر شرح التحریر فی أصول الفقه للمرداوی
8 – 4129. مکتبة الرشد - السعودیة / الریاض الطبعة: الأولى، 1421هـ - 2000م.
([37]) ینظر : التحبیر شرح التحریر فی أصول الفقه للمرداوی الحنبلی 8 – 4128 ، البحر المحیط للزرکشی 8/124.
([38]) المستصفى للغزالی 1/375، شرح الکوکب المنیر 4/608 ، الشرح الکبیر لمختصر الأصول من علم الأصول للمنیاوی صـ 538.
([40]) شرح مختصر المنتهى الأصولی 1/27 للإمام أبی عمرو عثمان بن الحاجب المالکی (المتوفى 646 هـ) لعضد الدین عبد الرحمن الإیجی (المتوفى: 756 هـ).
([60]) رواه ابن ماجه 1/277 کِتَاب : إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فیها - بَاب إذا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا ، والدار قطنی فی سننه کتاب : الصلاة ، باب : ذکر قوله صلى الله علیه وسلم: «من کان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ، عن جابر بن عبد اللاه ، قال ابن الترکمانی فی الجوهر النقی على سنن البیهقی 2/ 159 : فیه جابر الجعفی، ولیث بن أبی سلیم لا یحتج بهما). ینظر : تسهیل الوصول ص241 .
([61]) المراد بالخلل هاهنا اختلاف القطع بمراد المتکلم؛ لأن الظن حاصل مع هذه الاحتمالات، فاحتمال المجاز مثلاً لا یمنع الظن، بل یمنع القطع. ینظر : نفائس الأصول فی شرح المحصول 2-967 .
([65]) المدونة للإمام مالک 2-3 ، الأم للإمام الشافعی 5-107 ، الکافی فی فقه الإمام أحمد لابن قدامة المتوفى سنة 620هـ 3 – 52 .
([67]) مغنی المحتاج إلى معرفة معانی ألفاظ المنهاج لشمس الدین، محمد بن أحمد الخطیب الشربینی الشافعی (المتوفى: 977هـ) 1- 297.
([70]) حاشیة العدوی على شرح کفایة الطالب الربانی 2-38 لابن مکرم الصعیدی العدوی (المتوفى: 1189هـ) ،الحاوی الکبیر للماوردی 9 – 216 ، المبدع فی شرح المقنع لابن مفلح (المتوفى: 884هـ) 6 -81.
([75]) هو : محمد بن عبد الواحد بن عبد الحمید بن مسعود، الکمال بن همام الدین بن
حمید الدین بن سعد الدین، السیواسی الأصل ثم القاهری، الحنفی، قاضی سیواس، ویعرف بابن الهمام. ولد سنة تسعین وسبعمائة بالإسکندریة ، له من المصنفات: التحریر فی أصول الفقه ، وفتح القدیر وزاد الفقیر فی الفقه ، رسالة فی النحو وغیر ذلک، وتوفی سنة861هـ، ودفن بجوار ابن عطاء السکندری. تنظر ترجمته فی : الضوء اللامع للسخاوی 8/127، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلی2/134، کشف الظنون 1/358.
([76]) هو: محمد بن محمد بن محمد، المعروف بابن أمیر حاج ، ویقال له: ابن الموقت،
أبو عبد الله، شمس الدین، فقیه من علماء الحنفیة، من أهل حلب، من کتبه (التقریر والتحبیرشرح التحریر للکمال بن الهمام ، وذخیرة القصر فی تفسیر سورة العصر، وحلیة المجلی فی الفقه ، توفی –رحمه الله - سنة 879 هجریة ، وکانت وفاته بحلب ودفن بها). سیر أعلام النبلاء للذهبی 5-285 الأعلام للزرکلی 7- 49 ، کشف الظنون 1/358.
([78]) هو عبد الله بن محمد بن على، شرف الدین، أبو محمد الفهری المصری، المعروف بابن التلمسانی ، الشافعی، کان إماماً عالماً بالفقه، ذکیاً، فصیحاً، حسن التعبیر، تصدر للإقراء بمصر، وانتفع به الناس، وصنف التصانیف المفیدة منها : شرح المعالم فی أصول الفقه ، وشرح الجمل فی النحو للجرجانی ، وله تعالیق فی الخلاف کثیرة وفوائد، توفی 644هـ کما هو مزیل بصدر کتابه "المعالم". ینظر ترجمته فی : کتابه المسمى بشرح المعالم 1/126، طبقات الشافعیة لابن قاضی شهبة 2/107، کشف الظنون 2/1726.
([80]) هو : محمد بن حمزة بن محمد، شمس الدین الفناری (أو الفَنَری) الرومی: عالم بالمنطق والأصول، ولی قضاء بروسة، وحج مرتین، زار فی الأولى مصر (سنة 822)، واجتمع بعلمائها، والثانیة (سنة 833) شکرا للَّه على إعادة بصره إلیه، وکان قد أشرف على العمى، أو عمی وشفی. مات بعد عودته من الحج سنة 834هـ. من کتبه : شرح إیساغوجی فی المنطق، وعویصات الأفکار فی اختیار أولی الأبصار رسالة فی العلوم العقلیة، وفصول البدائع فی أصول الشرائع، و(أنموذج العلوم)، و شرح الفرائض السراجیة وغیر ذلک من الکتب. ینظر ترجمته فی : شذرات الذهب 7 / 209 ، الأعلام للزرکلی 6/342 ، کشف الظنون 2/1180 .
([94]) جزء من حدیث طویل فی إسلام عمرو بن العاص – رضی الله عنه - أخرجه الإمام أحمد فی مسنده برقم : 17813 واللفظ له ، والبیهقی فی السنن الکبرى بَابُ : تَرْکِ أَخْذِ الْمُشْرِکِینَ بِمَا أَصَابُوا، برقم : 18290 ، قال الداودی: هو على شرط الإمام مسلم ولم یخرجه – رحمه الله. ینظر : الجامع الصحیح فِیمَا کَانَ عَلى شَرطِ الشَیْخَیْنِ أو أحَدِهِمَا وَلم یُخَرِّجَاهُ 2/347 ، لأبی عبد الرحمن، یوسف بن جودة یس یوسف الداودی.
([95]) شرح مختصر الطحاوی 6 / 140، المؤلف: أحمد بن على أبو بکر الرازی الجصاص الحنفی (المتوفى: 370 هـ) ، الإشراف على نکت مسائل الخلاف 1/ 273 للقاضی
أبو محمد عبد الوهاب بن على بن نصر البغدادی المالکی (422هـ)، المحرر فی الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل 1/34، لعبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد، ابن تیمیة الحرانی، أبو البرکات، مجد الدین (المتوفى: 652هـ .
([98]) الحدیث أخرجه مسلم فی صحیحه کتاب : الرضاع، باب : التحریم بخمس رضعات واللفظ له ، وأبو داود فی سننه کتاب : النکاح ، باب : هَلْ یُحَرِّمُ مَا دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ.
([112]) أخرجه البخاری فی صحیحه کتاب : العلم ، باب : إثم من کذب على النبی صلى الله علیه وسلم، ومسلم فی صحیحه کتاب : کتاب الزهد والرقائق ، باب : التثبت فی الحدیث وحکم کتابة العلم.
([113]) ینظر : قواعد التحدیث من فنون مصطلح الحدیث صـ 162 لمحمد جمال الدین بن محمد سعید بن قاسم الحلاق القاسمی (المتوفى: 1332هـ) ، محاضرات فی أصول الفقه لغیر الحنفیة صـ 132 وما بعدها- لشیخنا أد / عبد القادر محمد أبو العلا.
([123]) أخرجه مسلم فی صحیحه کتاب :الحیض ، باب : إذا دبغ الإهاب فقد طهر، عن ابن عباس – رضی الله عنهما . و الترمذی فی سننه برقم : 1728 عن ابن عباس رضی الله عنهما، واللفظ له. والنسائی فی سننه برقم : 4553.
([124]) أخرجه أبو داود فی سننه أ (رقم: 4128)، و الترمذی (رقم: 1729) وغیرهما. قال الألبانی: صحیح. (صحیح أبی داود: 4128).
([126]) ینظر : شرح التلویح : للتفتازانى مع التوضیح : لصدر الشریعة 2/103 ط : قطاع المعاهد الأزهریة ، وکشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوی 7/315 ، وإرشاد الفحول للشوکانى 2/782 وما بعدها.
([131]) الکافی شرح البزودی 3/1240 المؤلف: الحسین بن على بن حجاج بن علی، حسام الدین السِّغْنَاقی (المتوفى: 711 هـ).
([134]) الفروق للقرافی 1- 4 ، تشنیف المسامع بجمع الجوامع لتاج الدین السبکی 2- 1025، ط : مکتبة قرطبة للبحث العلمی وإحیاء التراث
([135]) هو : علی بن سلیمان بن أحمد المرداوی ثم الدمشقیّ: فقیه حنبلی، ولد فی مردا (قرب نابلس) وانتقل فی کبره إلى دمشق فتوفی فیها سنة : 885 . ینظر الأعلام للزرکلی 4-292.
([138]) الشرح المختصر لنخبة الفکر لابن حجر العسقلانی لأبی المنذر محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطیف المنیاوی صـ 113، الوسیط فی علوم ومصطلح الحدیث صـ94 لمحمد بن محمد بن سویلم أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ).
([139]) مفتاح السعیدیة فی شرح الألفیة الحدیثیة صـ 275 لشمس الدین محمد بن عمار بن محمد ابن أحمد المصری المالکی، المعروف بابن عمار، (المتوفى: 844هـ) دراسة وتحقیق: د. شادی بن محمد بن سالم آل نعمان ، الیواقیت والدرر فی شرح نخبة ابن حجر 2-302، المؤلف: زین الدین محمد، المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفین بن على ابن زین العابدین الحدادی ثم المناوی، القاهری، (المتوفى: 1031هـ)، الناشر: مکتبة الرشد – الریاض.
([140]) الوسیط فی علوم ومصطلح الحدیث صـ 94 لمحمد بن محمد بن سویلم أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ)، الناشر: دار الفکر العربی.
([141]) نزهة النظر فی توضیح نخبة الفکر فی مصطلح أهل الأثر صـ 156 لابن حجر العسقلانی (المتوفى: 852هـ)، المحقق: عبد الله بن ضیف الله الرحیلی ، الناشر: مطبعة سفیر بالریاض.
([142]) المنهل الروی فی مختصر علوم الحدیث النبوی 63، لمحمد بن إبراهیم بن سعد الله بن جماعة الکنانی الحموی الشافعی، بدر الدین، (المتوفى: 733هـ)، المحقق: د. محیی الدین عبد الرحمن رمضان ، الناشر: دار الفکر – دمشق.
([143]) أصول السرخسی 349 ، اللمع للشیرازی صـ 80 ، مقدمة ابن الصلاح صـ214 الاقتراح فی بیان الاصطلاح صـ 28 ، المؤلف: تقی الدین أبو الفتح محمد بن على بن وهب بن مطیع القشیری، المعروف بابن دقیق العید (المتوفى: 702هـ) ، الناشر: دار الکتب العلمیة – بیروت ، الوسیط فی علوم ومصطلح الحدیث صـ 40 المؤلف: محمد بن محمد بن سویلم أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ) ، الناشر: دار الفکر العربی.
([144]) أخرجه البخاریّ کتاب : الأذان باب : بدء الأذان(604) واللفظ له ، ومسلمٍ کتاب : الصلاة باب : بدء الأذان (377) من حدیث ابن عمر.
([145]) أخرجه أحمد فی مسنده 16478 ، وأبو داود فی سننه کتاب : الصلاة باب : کیف الأذان واللفظ له – قال الألبانی: صحیح ، والدارمی فی سننه کتاب : الصلاة باب :
بدء الأذان.
([146]) أخرجه أبو داود الطیالسی فی مسنده عن عروة عن عائشة برقم 1566 واللفظ له والإمام أحمد فی مسنده عَنْ أَبِی بُرْدَةَ، عَنْ أَبِیهِ برقم 19518، والدارمی فی مسنده برقم 2228 ، وقال محققه حسین سلیم أسد: إسناده صحیح.
([147]) أخرجه مالک فی الموطأ کتاب : الطلاق باب : مَا لاَ یُبِینُ مِنَ التَّمْلِیکِ برقم 2040 واللفظ له وأورده أبو بکر بن أبی شیبة فی مصنفه کتاب : النکاح برقم : 15955 قال
ابن الأثیر فی جامع الأصول فی أحادیث الرسول 7/575 اسناده صحیح.
([152]) سفیان بن عیینة بن میمون الهلالی الکوفی، أبو محمد: محدّث الحرم المکیّ. من الموالی. ولد بالکوفة، وسکن مکة وتوفی بها. کان حافظاً ثقة، واسع العلم کبیر القدر، قال الشافعیّ: لولا مالک وسفیان لذهب علم الحجاز، وکان أعور، وحج سبعین سنة. توفی سنه 198هـ وفی طبقات ابن سعد 196هـ. ینظر : الطبقات الکبرى لابن سعد صـ 35، الأعلام للزرکلی 3/105.
([153]) أخرجه البخاری فی صحیحه کتاب : الجهاد والسیر، باب : هل یستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟ واللفظ له ، ومسلم فی صحیحه کتاب : الوصیة ، باب : ترک الوصیة لمن لیس له شیء یوصی فیه.
([155]) عیون المسائل صـ 252 التبصرة للخمی 3/1457 ، بدائع الصنائع للکاسانی 7/114 ، المغنی لابن قدامة 9/357 ، مغنی المحتاج للشربینی 6/ 66.
([156]) نص علیه یوسف بن موسى بن محمد، أبو المحاسن جمال الدین المَلَطی الحنفی (المتوفى: 803هـ) فی کتابه المعتصر 2/ 205 ، ونسبه القاضی عبد الوهاب المالکی لأبی حنیفة فی کتابه عیون المسائل صـ 252 حیث قال : وحکی عن أبی حنیفة: أنّه یجوز أن یسکنوا الحرم .أهـ ولم أقف علیه فی مصادر الحنفیة ، وما وقفت علیه أنهم قالوا بما قال به جمهور العلماء. ینظر : شرح مختصر الطحاوی للجصاص 7/ 79 ، بدائع الصنائع للکاسانی 7/114.
([158]) أخرجه الإمام مسلم فی صحیحه کتاب : الأقضیة ، باب :نقض الأحکام الباطلة ورد محدثات الأمو برقم : 1718 ، والإمام أحمد فی مسنده برقم : 26329 ، کلیهما عن عائشة رضی الله عنها .
([159]) أخرجه الإمام مسلم فی صحیحه کتاب : الأقضیة ، باب :نقض الأحکام الباطلة ورد محدثات الأمو برقم : 1718 ، الإمام أحمد فی مسنده برقم : 25472، کلیهما عن عائشة رضی الله عنها.
([160]) نیل الأوطار 2-94 المؤلف: محمد بن على بن محمد بن عبد الله الشوکانی الیمنی (المتوفى: 1250هـ) تحقیق: عصام الدین الصبابطی الناشر: دار الحدیث، مصر.
([161]) دلیل الفالحین لطرق ریاض الصالحین 2-440، المؤلف: حمد على بن محمد بن علان ابن إبراهیم البکری الصدیقی الشافعی (المتوفى: 1057هـ)، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت – لبنان.
([162]) الأصل لمحمد بن الحسن بن فرقد الشیبانی (المتوفى: 189 هـ) 10 – 608 تحقیق وَدرَاسَة: الدکتور محمَّد بوینوکالن الناشر: دار ابن حزم، بیروت – لبنان ، البحر الرائق شرح کنز الدقائق 3 – 183، لزین الدین بن إبراهیم بن محمد، المعروف بابن نجیم المصری (المتوفى: 970هـ، الناشر: دار الکتاب الإسلامی ، المغنی لابن قدامة 4–358، المؤلف: أبو محمد موفق الدین عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعیلی المقدسی ثم الدمشقی الحنبلی، الشهیر بابن قدامة المقدسی (المتوفى: 620هـ)، الناشر: مکتبة القاهرة ، فتح الباری یشرح صحیح البخاری 5- 302 المؤلف: أحمد بن على بن حجر أبوالفضل العسقلانی الشافعی ، الناشر: دار المعرفة - بیروت، 1379.
([163]) أخرجه الدارقطنی فی سننه کتاب :الصلاة باب : ذکر الرکوع والسجود وما یجزی فیهما، واللفظ له ، والنسائی فی سننه کتاب : التطبیق ، باب: أَوَّلِ مَا یَصِلُ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ الْإِنْسَانِ فِی سُجُودِهِ. قال الإمام الألبانی: صحیح.
([164]) أخرجه أبو داود فی سننه ، کتاب : الصلاة ، باب : کیف یضع رکبتیه قبل یدیه , واللفظ له ، قال الألبانی : ضعیف ، وابن ماجه فی سننه ، کتاب : إقامة الصلاة والسنة فیها ، باب : باب : السجود
([166]) حلیة العلماء فی معرفة مذاهب الفقهاء للقفال الشاشی 2/100، والأوزاعی هو : عبدالرحمن بن عمرو بن یحمد الأوزاعی، من قبیلة الأوزاع، أبو عمرو: إمام الدیار الشامیة فی الفقه والزهد، ولد فی بعلبکّ، ونشأ فی البقاع، وسکن بیروت وتوفی بها، وعرض علیه القضاء فامتنع. کان الأوزاعی عظیم الشأن بالشام، وکان أمره فیهم أعز من أمر السلطان، له کتاب (السنن) فی الفقه، و (المسائل)، ویقدر ما سئل عنه بسبعین ألف مسألة أجاب علیها کلها، وکانت الفتیا تدور بالأندلس على رأیه، إلى زمن الحکم ابن هشام، توفی سنة 157هـ. ینظر ترجمته فی : طبقات الفقهاء للشیرازی 1/ 76 ، الأعلام للزرکلی 3/320.
([170]) أخرجه مسلم فی صحیحه کتاب : الحج باب : الإفراد والقران بالحج والعمرة برقم 1231، والإمام أحمد فی مسنده برقم : 5719.
([171]) أخرجه الإمام البخاری فی صحیحه کتاب : الحج باب : من ساق البدن معه، برقم : 1691 والإمام أحمد فی مسنده برقم :6247.
([177]) أخرجه البخاری فی صحیحه کتاب : الوضوء باب : غسل المنی وفرکه، وغسل ما یصیب من المرأة برقم : 229 ، والنسائی فی سننه ، کتاب : الطهارة، بَابُ غَسْلِ الْمَنِیِّ مِنَ الثَّوْبِ ، برقم : 295.
([178]) عن علقمة، والأسود: أن رجلاً نزل بعائشة، فأصبح یغسل ثوبه، فقالت عائشة: «إنما کان یجزئک إن رأیته أن تغسل مکانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأیتنی أفرکه من ثوب رسول الله -صلى الله علیه وسلم - فرکاً فیصلی فیه». أخرجه مسلم فی صحیحه کتاب : الطهارة ، باب : حکم المنی برقم : 105 ، وأبو داود فی سننه برقم : 371 ، لکن من غیر زیادة ( فیصلی فیه ) فقد تفرد بها مسلم.
([182]) أخرجه مسلم فی صحیحه کتاب : کتاب الجمعة ، باب : وجوب غسل الجمعة على کل بالغ من الرجال ولفظه : الغسل یوم الجمعة واجب على کل محتلم ، وأحمد فی مسنده برقم : 11578 واللفظ له.
([183]) أخرجه أحمد فی مسنده برقم : 20089، وابن خزیمة فی صحیحه کتاب : الجمعة
باب : ذِکْرِ دَلِیلٍ أَنَّ الْغُسْلَ یَوْمَ الْجُمُعَةِ فَضِیلَةٌ لَا فَرِیضَةٌ ، برقم : 1757 ، قال الألبانی: حسن بمجموع طرقه.
([185]) المستصفی للغزالی صـ 376 ، الغیث الهامع شرح جمع الجوامع صـ 669 ، التقریر والتحبیر لابن أمیر الحاج 3-3 ، التحبیر شرح التحریر للمرداوی الحنبلی 4128 محاضرات فی أصول الفقه لغیر الحنفیة صـ 152 لشیخنا أد/ عبد القادر محمد أبو العلا.
([193]) هو: الإمام محمد بن إسحاق بن خزیمة السلمی، أبو بکر: إمام نیسابور فی عصره. کان فقیها مجتهدا، عالما بالحدیث. مولده ووفاته بنیسابور. رحل إلى العراق والشام والجزیرة ومصر، ولقبه السبکی بإمام الأئمة. تزید مصنفاته على 140 منها : کتاب التوحید وإثبات صفة الرب ،کبیر وصغیر، و مختصر المختصر)المسمى (صحیح ابن خزیمة ) توفی – رحمه الله – سنة 311هـ. ینظر : الأعلام للزرکلی 6- 29.
([196]) أخرجه الإمام أحمد فی مسنده برقم 11343 ، وأبو داود فی سننه کتاب : الضحایا، باب: ما جاء فی ذکاة الجنین ، وحکم علیه الألبانی بالصحة ، وقد ذکر ابن الأثیر فی "النهایة" أن هذا الحدیث یروى بالرفع والنصب. النهایة فی غریب الحدیث والأثر
لابن الأثیر 2- 164.
([203]) هو: الإمام على بن محمد حبیب، أبو الحسن الماوردی: أقضى قضاة عصره ، من کبار العلماء ، صاحب التصانیف الکثیرة النافعة، ولد فی البصرة، وانتقل إلى بغداد. وولی القضاء فی بلدان کثیرة، ثم جُعل " أقضى القضاة " فی أیام القائم بأمر الله العباسی، وکان له المکانة الرفیعة عند الخلفاء، وربما توسط بینهم وبین الملوک وکبار الأمراء فی ما یصلح به خللاً ، نسبته إلى بیع ماء الورد، ووفاته ببغداد، سنة 450هـ ، من کتبه " أدب الدنیا والدین، الأحکام السلطانیة ، النوادر فی تفسر القرآن، والحاوی فی فقه الشافعیة المطبوع بعنوان " أدب الوزیر " قاله عبید، و" سیاسة الملک " وغیر ذلک . ینظر: الأعلام للزرکلی 4- 327 ، کشف الظنون 1- 628.
([208]) المحصول للرازی 5-407. نفائس الأصول 8- 3682 ، نهایة الوصول فی درایة الأصول للأرموی 8 -3664 ، 2-62.
([210]) أخرجه الإمام مسلم فی صحیحه ، کتاب الحیض: باب : إنما الماء من الماء ، برقم 343 والإمام أحمد فی مسنده برقم : 11434.
([211]) أخرجه الإمام أحمد فی مسنده 26025 ، واللفظ له ، والترمذی فی سننه ، باب ما جاء إذا التقی الختانان وجب الغسل ، قال الألبانی : صحیح لغیره.
([212]) هو: عثمان بن عبد الرحمن، صلاح الدین ابن عثمان بن موسى بن أبی النصر النصری الشهرزوریّ الکردی الشرخانی، أبو عمرو، تقیّ الدین، المعروف بابن الصلاح: أحد الفضلاء المقدمین فی التفسیر والحدیث والفقه وأسماء الرجال ، ولد فی شرخان ، وانتقل إلى الموصل ثم إلى خراسان، فبیت المقدس حیث ولی التدریس فی الصلاحیة ، وانتقل إلى دمشق، فولاه الملک الأشرف تدریس دار الحدیث، وتوفی فیها ، سنة 643هـ، له مؤلفات کثیرة منها : معرفة أنواع علم الحدیث، یعرف بمقدمة ابن الصلاح، والامالی، والفتاوى وشرح الوسیط فی فقه الشافعیة، و"صلة الناسک فی صفة المناسک"، و" فوائد الرحلة" ینظر: الأعلام للزرکلی 4 – 207 ، وکشف الظنون 1 – 836 ، 2-1099، 2- 1162.
([214]) قیس بن طلق بن على بن المنذر الحنفی الیمامی، روى عن أبیه قال العجلی: یمامی تابعی ثقة، وأبوه صحابی. وقال ابن معین: لقد أکثر الناس فیه، وأنه لا یحتج بحدیثه, له ترجمة فی "تهذیب التهذیب" "8/356/710".
([215]) أخرجه الإمام مالک فی الموطأ باب: الوضوء من مس الذکر ، برقم 13 ، واللفظ له ، وابن أبی شیبة فی مصنفه برقم 1745، وابن حبان فی صحیحه باب : نواقض الوضوء، برقم : 1120 وقال الألبانی: صحیح.
([216]) أخرجه الدارقطنی فی سننه کتاب : الطهارة، باب : ما روی فی مس القبل والدبر، برقم : 532 ، واللفظ له ، والنسائی فی سننه کتاب : الغسل والتیمم ، باب : الوضوء من مس الذکر ، برقم : 445، قال الألبانی: صحیح.
([217]) المدونة للإمام مالک 1 – 118 ، عیون الأدلة فی مسائل الخلاف بین فقهاء الأمصار لابن القصار المالکی 1 – 467.
([220]) أسهل المدارک «شرح إرشاد السالک فی مذهب إمام الأئمة مالک» 1-95 لأبی بکر بن حسن بن عبد الله الکشناوی (المتوفى: 1397هـ).
([229]) المعتمد فی أصول الفقه 1-419 لأبی الحسین البصری (المتوفى: 436هـ)
نفائس الأصول فی شرح المحصول للقرافی 8 – 3681 ، شرح مختصر الروضة للطوفی 3- 691.
([230]) کشف الأسرار شرح أصول البزدوی 3- 102 ، نفائس الأصول فی شرح المحصول للقرافی 8 – 3681 ، إرشاد الفحول للشوکانی 2-264.
([234]) أخرجه مسلم فی صحیحه ، کتاب : الحج ، باب : باب استحباب زیادة التغلیس بصلاة الصبح یوم النحر بالمزدلفة، والمبالغة فیه بعد تحقق طلوع الفجر، وأبو داود فی سننه کتاب : المناسک ، باب : الصلاة بجمع ، برقم : 1934.
([238]) أورده الطحاوی فی کتابه شرح مشکل الأثار ، باب : بیَانِ مُشْکِلِ مَا رُوِیَ عَنْ رَسُولِ اللهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ فِی أَفْضَلِ بَنَاتِهِ مَنْ هِیَ مِنْهُنَّ ، وفی الباب عن عائشة، رضی الله عنها أن النبی صلى الله علیه وسلم، قال: وهو فی مرضه الذی توفی فیه: «یا فاطمة، ألا ترضین أن تکونی سیدة نساء العالمین وسیدة نساء هذه الأمة وسیدة نساء المؤمنین؟» قال الحاکم :هذا إسناد صحیح، ولم یخرجاه .
([239]) أخرجه الطبرانی فی المعجم الکبیر برقم : 1019 ،وابن أبی شیبة فی مصنفه کتاب : الفضائل ، باب : مَا أَعْطَى اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ ، وأورده السیوطی فی جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الکبیر» 5- 796 وقد جاء فی کتاب أنِیسُ السَّاری فی تخریـج وَتحقیـق الأحادیث التی ذکرها الحَافظ ابن حَجر العسقلانی فی فَتح البَاری 1-705 قال: قال ابن عبد البر وهذا حدیث حسن .أهـ
([240]) طرح التثریب فی شرح التقریب (المقصود بالتقریب: تقریب الأسانید وترتیب المسانید) 1-149، لأبی الفضل زین الدین عبد الرحیم بن الحسین بن عبد الرحمن بن أبی بکر بن إبراهیم العراقی (المتوفى: 806هـ).
([244]) تیسیر الوصول إلى منهاج الأصول من المنقول والمعقول «المختصر» 6-217 لکمال الدین محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بـ «ابن إمام الکاملیة» (المتوفى: 874هـ).
([248]) والحدیث المرسل هو : الَّذِی یَرْوِیهِ الْمُحَدِّثُ بِأَسَانِیدَ مُتَّصِلَةً إِلَى التَّابِعِیِّ فَیَقُولُ التَّابِعِیُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ ، ینظر : معرفة علوم الحدیث صـ 25 ، المؤلف:
أبو عبد الله الحاکم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدویه بن نُعیم بن الحکم الضبی الطهمانی النیسابوری المعروف بابن البیع (المتوفى: 405هـ) ، المحقق: السید معظم حسین.
([249]) أخرجه الدارقطنی فی سننه برقم : 603 ، والبیهقی فی السنن الکبرى برقم :680 قال : محمد بن الجوزی وَقَدْ أَرْسَلَ هَذَا الْحَدِیثَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْحَسَنُ ، ینظر : التحقیق فی أحادیث الخلاف 1-195 لجمال الدین أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد الجوزی (المتوفى : 597هـ) المحقق : مسعد عبد الحمید محمد السعدنی ،الناشر : دار الکتب العلمیة – بیروت.
([251]) أخرجه أبی یعلی فی مسند برقم : 2313 ، حکم حسین سلیم أسد : إسناده صحیح على شرط مسلم ، وابن أبی شیبة فی مصنفه برقم : 3766.
([259]) نخبة الفکر فی مصطلح أهل الأثر (مطبوع ملحقاً بکتاب سبل السلام) صـ 724 المؤلـف: أبو الفضل أحمد بن على بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (المتوفى: 852هـ)، المحقق: عصام الصبابطی - عماد السید ، الناشر: دار الحدیث – القاهرة.
([260]) أخرجه البخاری فی صحیحه ، کتاب : الصلح ، باب الصلح فی الدیة ، برقم : 2703 ومسلم فی صحیحه کتاب :القسامة والمحاربین والقصاص والدیات ، باب : باب إثبات القصاص فی الأسنان، وما فی معناها ، بقم : 1675
([261]) التقریرات السنیة شرح المنظومة البیقونیة فی مصطلح الحدیث صـ 47 ، لحسن بن محمد المشاط المالکی (المتوفى: 1399هـ).
([264]) بیان المختصر – شرح مختصر ابن الحاجب للأصفهانی 3-376 ، تحفة المسؤول فی شرح مختصر منتهى السول 4-309 ، المؤلف: أبو زکریا یحیى بن موسى الرهونی (المتوفى: 773 هـ) .
([265]) الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب 2- 743 ن ، المؤلف: محمد بن محمود بن أحمد البابرتى الحنفی (ت 786 هـ).
([268]) أصول السرخسی 1 /132 ، شرح التلویح على التوضیح للتفتازانی 1/69 ، میزان الأصول للسمرقندی صـ 277 .
([272]) أخرجه الحاکم فی المستدرک کتاب الفرائض ، برقم : ، 7957 ، والدارقطنی فی سننه کتاب : الصلاة ، باب : الاثنان جماعة ، قال الزیلعی فی نصب الرایة : 2- 198 کل طرقه ضعیفة.
([275]) قضى رسول الله - صلى الله علیه وسلم - بالشفعة فی کل ما لم یقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة. أخرجه البخاری فی صحیحه ، کتاب : الشفعة ، باب: الشفعة فیما لم یقسم واللفظ له ، ومسلم فی صحیحه کتاب : المساقاة ، باب : الشفعة واللفظ للترمذی ، وابن أبی شیبة فی مصنفه برقم : 22719 .
([276]) الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، یُنْتَظَرُ بِهِ وَإِنْ کَانَ غَائِبًا، إِذَا کَانَ طَرِیقُهُمَا وَاحِدًا ، أخرجه الترمذی فی سننه بَابُ: مَا جَاءَ فِی الشُّفْعَةِ لِلْغَائِبِ برقم :1369 ، وحکم علیه الألبانی بالصحة.
([279]) "الْأَیِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِیِّهَا، وَالْبِکْرُ تُسْتَأْمَرُ فِی نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا " أخرجه مسلم فی صحیحه ، کتاب : النکاح ، باب : استئذان الثیب فی النکاح بالنطق، والبکر بالسکوت ، والإمام أحمد فی مسنده برقم : 1888 ، واللفظ له.
([285]) أخرجه أبو داود فی السنن: 2/ 749 - 750 ، کتاب: الصوم ، باب: کراهیة الصوم یوم الشک ، رقم (2334) ، والترمذی فی سننه: 3/ 70 ، کتاب: الصوم ، باب : ما جاء فی کراهیة صوم یوم الشک (3)، رقم (686) ، والحاکم فی المستدرک: 1/ 423 - 424 کتاب: الصوم، باب: من صام یوم الشک فقد عصى أبا القاسم. قال الحاکم : هذا حدیث صحیح على شرط الشیخین، ولم یخرجاه".
([286]) أخرجه البیهقی فی السنن الکبری ، کتاب : النکاح ، باب : باب الزنا لا یحرم الحلال 13969، وفی معرفة السنن والآثار للبیهقی أیضأً وضعفه.
([288]) أخرجه الإمام أحمد فی مسنده برقم 1493 ، والدارقطنی 4541 ، والحاکم فی المستدرک، کتاب : البیوع ، وقال : هذا حدیث صحیح الإسناد على شرط مسلم ولم یخرجه ".
([289]) ینظر : الإبهاج فی شرح المنهاج 3-235 ، ونظم الحدیث : لَئِنْ أُعَطِّلَ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ أَحَبُّ إلى مِنْ أَنْ أُقِیمَهَا بِالشُّبُهَاتِ أخرجه ابن أبی شیبة فی مصنفه برقم : 28493، واللفظ له ، وابن ماجة فی سننه کتاب : الحدود برقم : 2545 ، وضعفه الألبانی.
([293]) تقویم الأدلة للدبوسی صـ 104، المستصفی للغزالی 1-375 المحصول للرازی 5-408 التمهید فی أصول الفقه للکلوذانی 2 – 415 تقریب الوصول إلی علم الأصول لابن جزی (المتوفى: 741 هـ) صـ 199 ، روضة الناظر لابن قدامة 1- 471 .
([296]) هو: محمد بن یحیى، أبو عبد الله الجرجانی، الفقیه الحنفی، من علماء العراق، کان زاهدا عابداً نظیراً لأبی بکر الرازی، مات سنة ثمان وتسعین وثلاث مائة، ودفن إلى جانب قبر أبی حنیفة . ینظر : الوافی بالوفیات للصفدی 5-127 .
([297]) هو : أحمد بن علی، أبو بکر الرازی، الإمام الکبیر الشأن، المعروف بالجصاص، مولده سنة خمس وثلاث مائة، سکن بغداد وعنه أخذ فقهاؤها ، کان مشهوراً بالزهد، خوطب فى أن یلی القضاء فأمتنع ، توفی یوم الأحد سابع ذی الحجة سنة سبعین وثلاث مائة عن خمس وستین سنة، رحمه الله تعالى. ینظر: الجواهر المضیة فی طبقات الحنفیة 1-84.
([298]) القاضی أبو بکر محمد بن الطیب بن محمد بن جعفر بن القسم، المعروف بالباقلانی البصـری المالکی ، المتکلم المشهور، کان على مذهب الشیخ أبی الحسن الأشعری ومؤیداً اعتقاده وناصراً طریقته، وسکن بغداد، وصنف التصانیف الکثیرة المشهورة فی= =علم الکلام والأصول وغیرهما وکان فی علمه أوحد زمانه، وانتهت إلیه ریاسة المالکیة ، توفی سنة 403 ببغداد. ینظر : وفیات الأعیان لابن خلکان 4-267.
([299]) هو : أبو علی الجبائی، محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن جمران بن أبان، مولى عثمان بن عفان، رضی الله عنه، المعروف بالجبائی، أحد أئمة المعتزلة؛ کان إماماً فی علم الکلام، وأخذ هذا العلم عن أبی یوسف یعقوب بن عبد الله الشحام البصری رئیس المعتزلة بالبصرة فی عصره، توفی فی شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة، رحمه الله تعالـى وابنه أبو هاشم الجبائی عبد السلام بن أبی علی محمد الجبائی، المتکلم المشهور، العالم ابن العالم؛ وتوفی یوم الأربعاء لاثنتی عشرة لیلة بقیت من شعبان سنة إحدى وعشرین وثلاثمائة ببغداد. ینظر : وفیات الأعیان لابن خلکان 4-267، 3- 183.