المساهمين
المؤلف
قسم القانون الجنائي – جامعة حلوان، مصر.
المستخلص
الكلمات الرئيسية
المبحث التمهیدی
التعریف بالمصطلحات الخاصة بالبحث
وفیه أربعة مطالب:
المطلب الأول : مفهوم سلطات الضبط الجنائی.
المطلب الثانی :المقصود بکل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة .
المطلب الثالث :مدى علاقة کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة بسلطات الضبط الجنائی ومبررات ذلک فی الفقه الإسلامی والقانون.
المطلب الرابع:مفهوم الجریمة وعلاقتها بمبدأ الشرعیة التجریمیة فی الفقه الإسلامی والقانون.
المطلب الأول
مفهوم سلطات الضبط الجنائی
وفی هذا المطلب سوف نلقی الضوء -بعون الله وتوفیقه- على تعریف السلطات لغة واصطلاحًا، والتمییز بین سلطات الضبط الجنائی والضبط الإداری وذلک فی الفرعین الآتیین:
الفرع الأول
تعریف السلطات لغة واصطلاحًا فی الفقه الإسلامی
من الأصول الثابتة التی وضعها الإسلام لتنظیم العلاقة بین الحاکم والمحکوم فی الدولة: وجوب إقامة السلطة، فهی عمود من أعمدة نظام الحکم، ورکنٌ فی بنائه، ولا یمکن أن یتحقق نظام تام بلا سُلطة تدعمه وتقیمه وتذود عنه، ولذا لا تقل أهمیة وجودها فی الدولة عن سیادة الشریعة الإسلامیة.
والسلطة فی اللغة: مصدر سلط، وتعنی: القوة والقهر والسیطرة والتحکم، یقال: تسلَّط علیه: تحکم وتمکَّن وسَیْطر، والسُّلطان: القوّة والنفوذ والسیطرة، وقیل أنها تطلق على القهر والقدرة([1])، ومنه قوله تعالى "إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِینَ ءَامَنُوا}([2])، أی: القهر والغلبة بالإغواء والکفر، وقِیل للخلیفة: سُلْطان أو الوالی سلطان، لأنه حجة الله فی الأرض، والسلطان یستضاء به فی إظهار الحق وقمع الباطل([3])، لأنَّه ذُو السُّلطان، أی ذو الحُجة، وقِیل: لأنه به تقام الحُجج والحقوق([4])، ویصبح الدین محروسا من الخلل والأمة ممنوعة من الزلل([5]).
والمقصود بإقامة السلطة فی الدولة: اختیار المجموعة الحاکمة أو الهیئة العلیا فی الدولة، والتی تمتلک من القوة والسیطرة ما یساعدها فی قیادة الأمة، وإدارة شؤون الدولة، وتسییر أمورها العامة، لأجل حراسة دین الأمة، وسیاسة الدنیا به، ورعایة الرعیة وتدبیر شؤونهم، وحفظ حدود الدولة، وحمایتها من أعدائها الى غیر ذلک من المقاصد العظیمة.
وهی مجموعة بشریَّة یُسند إلیها الحکم فی الدولة، ویکون على رأسها الحاکم أو الرئیس الأعلى للدولة، ومن یختارهم لمعاونته فی إدارة شؤون البلاد، ویفوِّض إلیهم بعض سلطاته.
وتسمى هذه الهیئة: السلطة، أو الحکومة([6])، ویطلق علیها فی بعض الکتب القدیمة لفظ (الدولة)، وسمَّاهم القرآن الکریم: (أولی الأمر) فی قوله تعالى (وأطیعوا الله وأطیعوا الرسول وأولى الأمر منکم) ([7])، أی الذین یتولون أمر المسلمین وشؤون الدولة.
إلا أن الإسلام قد شدَّدَ فی أمر إقامتها، واهتم لها، حتى صارت ضرورة دینیَّة، تأثم الأمة بترکها، وفی هذا یقول الإمام الماوردی رحمه الله: عقدها – أی السلطة والإمامة- لمن یقوم بها فی الأمة واجب بالإجماع([8])، ویقول شیخ الإسلام ابن تیمیة رحمه الله: (ولایة أمر الناس من أعظم واجبات الدین، لا قیام للدین إلا بها) ([9]) ولذا سارع الصحابة رضوان الله علیهم فی اختیار الحاکم، قبل دفن رسول الله -صلى الله علیه وسلم-.
تطلق السلطة فی اللغة على عدة معان أهمها: التسلط، والسیطرة، والتحکم، والسیادة، والحکم، وقیل إنها تطلق على القهر والقدرة ([10]).
وقد ورد لفظ السلطة فی القرآن الکریم: لم ترد کلمة " سلطة " فی القرآن الکریم لکن وردت کلمة "سلط" فی الآیة القرآنیة الکریمة "ولو شاء الله لسلطهم علیکم فلقاتلوکم" ووردت کلمة "یسلط" فی الآیة القرآنیة الکریمة "ولکن الله یسلط رسله على من یشاء والله على کل شیء قدیر"، أما کلمة سلطان فوردت فی سبعة وثلاثین موطناً.
کما ورد لفظ السلطة فی السنة النبویة أیضا: حیث لم ترد کلمة " السلطة " فی السنة النبویة لکن وردت بلفظ "السلطان" بمعنى الإمام فی ست مواضع منها قوله صلى الله علیة وسلم:(من خرج عن السلطان شبراً مات میتة الجاهلیة)، والسلطة هی التسلط والسیطرة والتحکم([11])، وتعرف أیضاً أنها: السلطة اسم مشتق من سلطان والسلطان هو الولی وجمعه سلاطین، والسلطان صاحب الحجة أو صاحب الشدة والحد، والسلطة بمعنى القدرة والسلطان من السلیط ما یضاء به وهو السراج الذی یستنار به، ویستضاء به فی إظهار الحق وقمع الباطل([12])، وأن غایة السلطة حفظ العقیدة الإسلامیة ورعایة المسلمین فی شئونهم الدنیویة([13])، وأن الشریعة هی مصدر السلطة وأن السلطة التنفیذیة ضروریة لتحقیق الخیر ومنع الشر، وأن المطلوب من الحکومة الإسلامیة اختیار الأکفاء للوظائف العامة([14])، وأن الخلیفة صاحب السلطة العلیا، والوزراء والولاة یمارسون سلطاتهم بتفویض منه([15]).
وأما فی الاصطلاح:
السلطة تعنى الهیئة التى تدیر الدولة وهى الحکومة التى تقوم بأمرها وتطبق نظامها وقانونها وتدیر شئونها المختلفة من تنفیذیة وتشریعیة وقضائیة بأجهزتها المختلفة([16]).
کما عرفها البعض أیضا بأنها القوة أو الحق الشرعی لکل مرکز داخل التنظیم، فهی تعطى الحق فی إعطاء الأوامر والتوجیه والإصلاح واتخاذ القرارات([17]).
ویرجع اهتمام الإسلام بإقامة السلطة فی الدولة، للموجبات الأساسیة العدیدة التی تفرض قیامها، وما یتعلق بوجودها من مصالح ضروریة، وواجبات رئیسیة، والتی من أهمها المحافظة على سیادة الشریعة بحیث تبقى الأصل الأصیل فی الدولة: وهذا من أهم موجبات قیام السلطة فی دولة الإسلام، وأول شیء یتحقق به ذلک هو خضوع أفراد السلطة لهذه الشریعة، واستمدادهم سلطتهم فی الأمر والنَّهی من خلالها، لا یقدمون آراءهم وعقولهم علیها، ولا یقدمون تشریعًا علیها، ویجعلون الرد فی التنازع إلیها، فالشریعة هی مصدر السلطة، وأن الخلیفة صاحب السلطة العلیا والوزراء والولاة یمارسون سلطاتهم بتفویض منه([18])
کما تتحقق المحافظة علیها بحراسة دین الأمة وحفظ عقیدتها، والوقوف فی وجه أصحاب الدعوات الهدَّامة، التی تسعى لتشویه هذه العقیدة، وعمل کل ما یؤمِّن بقاءها فی نفوس الأفراد نقیة صافیة، وإن ظهر مبتدعٌ، أو زاغ ذو شبهة، وضحت له الحجة، وبُیِّن له الصواب، وأُخذ بما یلزمه من الحقوق والحدود؛ لیکون الدین محروسًا من خلل، والأمة ممنوعة من زلل([19]).
ومن واجبات السلطة رعایة قیام أصول الدین وشعائره فی الدولة، فشعائر الإسلام وعباداته التی تعد أصوله وأرکانه الأساسیة، بحاجة إلى سلطة ترعاها، وتقوم علیها، حتى تؤدَّى حق الأداء، ولذا قال الماوردی رحمه الله فی أول ما یجب على صاحب السلطة، (حفظ الدین على أصوله المستقرة، وما أجمع علیه سلف الأمة)([20]).
فالصلاة التی هی رکن الدین الأعظم، تحتاج فی إقامتها إلى أن تُنشئ السلطة المساجد، وتُعیِّن القائمین علیها من الأئمة والمؤذنین والعمال ومراقبة إقامتها، وخصوصًا صلاة الجمعة. وإن ترک أهل بلد الأذان أو ترکوا الجماعة، تدخلت السُّلطة لمعاقبتهم، وهذا مما أجمع علیه فقهاء المسلمین، وکذلک الزکاة حیث تتولى السلطة العلیا فی الدولة الإسلامیة جمع الزکاة وتوزیعها على مستحقیها، وقد تولَّى رسول الله صلى الله علیه وسلم أمر الزکاة فی حیاته، وبعث نُوَّابه وعُمَّاله فی البلاد الإسلامیة، لیأخذوها من أغنیائهم ویردوها على فقرائهم، وهکذا سار الخلفاء بعده، حتى قاتل أبو بکر الصدیق مانعی الزکاة، وتعاون معه الصحابة.
وکذلک فریضة الصیام التی تحتاج إلى السلطة التی تشجع الصائمین على صومهم، وتتولى رعایة رؤیة الهلال وتحری بدء شهر الصیام، وتعاقب من ینتهک حُرمة هذا الشهر بالإفطار، أو الإساءة للصائمین، وکذلک الحج وتنظیم أمر أداء هذه الفریضة ولا یتحقق ذلک إلا من خلال السلطة فی تیسیر أمر هذه الرحلة إلى البیت العتیق، من توفیر الأمن لهم، وحمایتهم من المعتدین، وتعیین من یبین للناس مناسک الحج، وما یجب على من أخطأ فی شیء، وتهیئة أماکن الشعائر کمنى وعرفات ومزدلفة لاستقبال الحجیج، ونحو ذلک.
کما تقوم السلطة بقطع الطریق على کل من یحاول إفساد هذا الجو الإسلامی العام بإثارة الشبهات، أو نشر الفتن، یقصدون بذلک التشکیک فی الإسلام وزعزعة ثقة النَّاس فیه، ومن أهم ما تقوم به السلطة القوانین والتشریعات وإنشاء التنظیمات والمؤسسات، التی تنظم الجوانب الهامة للحیاة فی المجتمع، من أجل تحقیق الخدمات الصحیة والتربویة والتعلیمیة والخدمات العامة، وفق أحدث ما توصل إلیه العلم، فقد جعل الشرعُ لأصحاب السلطة سعة، تمکنهم من وضع ما یرونه من تنظیمات وتشریعات، تناسب الحوادث الغیر متناهیة فی حیاة الناس، فی إطار المبادئ العامة للشریعة الإسلامیة، ورسم السیاسة العامة للدولة والعمل على تنفیذها، وتعیین الوزراء والنواب، والموظفین، ومراقبة أعمالهم، وعزل المفسدین منهم ونحوه.
هذا بالإضافة إلى الفصل فی المنازعات والخصومات، واستیفاء الحقوق ممن مطل بها، ومعاقبة المجرمین والجناة: فقد اقتضت المخالطة بین الناس، وقیام الاجتماعات البشریة، مع الاختلاف بین العقول والضمائر، حصول أنواع من الخلافات والنزاعات، ولذا کان من موجبات قیام السلطة فی الدولة: الحکم فیما یحصل من خصومات، والفصل فی المنازعات، والجرائم، والمظالم، واستیفاء الحقوق ممن مطل بها، وإیصالها إلى مستحقیها، وتوزیع العدالة بین الناس خضوعًا لما یقتضیه الحق والعدل، وکذلک إقامة الحدود، ووضع التعزیرات المناسبة لما عداها من الجرائم والمحظورات الشرعیة([21])، وبغیر السلطة تسود الفوضى، وتضطرب الأحوال، وینتشر الظلم، ویتغلَّب القوی على الضعیف، وتحکم الناس شریعة الغاب.
وأخیرا حمایة الدولة من اعتداءات المعتدین، فقد فرض الله الجهاد لحمایة دعوة الإسلام، وأرض المسلمین، وحفظ حدودها، وإرهاب أعدائها، لیکون للمسلمین قوة وشوکة، وهذا یقتضی وجود سلطة تُنشئ جیشًا یقوم على الانضباط والتنظیم والتفوق الاستراتیجی، لیکون أکثر جیوش العالم قوة وفعالیة لقوله –عز وجل-" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"([22])، یحمل جنوده العقیدة الصافیة، یحب الموت فی سبیل عزة الإسلام کما یحب أعداؤه الحیاة، وهی التی تتولى أمر إعلان الحرب، أو عقد الصلح والهدنة، وإبرام المعاهدات والاتفاقیات.
الفرع الثانی
مفهوم السلطات فی القانون
قبل التعرض لمفهوم السلطة فى القانون یجدر بنا أن نلقى الضوء على مفهوم التقاعس.
فالتقاعس یعنى التأخر والإهمال فى العمل غیر مبال به , فیقال تقاعس عن العمل أی تأخر عن أداء واجبه([23]), أو یعنی الامتناع عن فعل الشیء([24]).
اختلف شراح الأنظمة فیما یتعلق بتعریف السلطة فقد عرفها البعض بأنها الاستخدام الشرعی للقوة بطریقة مقبولة اجتماعیا , وهى القوة الشرعیة التی یمارسها شخص أو مجموعة على الأخرین , فیعد عنصر الشرعیة عنصرًا هامًا لفکرة السلطة , وهو الوسیلة الأساسیة التى تتمایز بها السلطة عن مفاهیم القوة الأخرى الأکثر عمومیة([25]).
وفى هذا المعنى ذهب اتجاه آخر فى تعریف السلطة بأنها قوة تستمد شرعیتها عن طریق احترام الأنماط الثقافیة الراسخة([26]).
وهناک من عرف السلطة: بأنها صفة أو سجیة خاصة، لأن فردا ما یمارس القوة، یمکن أن یملکها أو ینعدم وجودها فیه، فقاطع الطریق یمارس قوته على ضحیته لکن طبعا بدون سلطة، ومن منطلق ذلک یمکن القول لو أن فردا ما یقدر على تکییف سلوک الآخرین بدون استخدام العنف الجسمانی، وباستخدام سیاسة الأخذ والعطاء والترویض أو التشجیع الدائم، فإننا حینئذ یمکن أن نقول بأن: مثل هذا الشخص یمارس القوة مع کامل السلطة([27]).
فالقائد السیاسی والدینی، من الممکن أن یشکل سلوک الآلاف من الناس عن طریق عبقریته وأفکاره، حیث أن القادة السیاسیین أو الدینیین (العلماء) یمتلکون القدرة لجعل الناس یعملون أشیاء لا یمکن لهم القیام بها من تلقاء أنفسهم، وبمعنى آخر نجد أن هؤلاء القادة، لدیهم صفة أساسیة وهی القدرة على ممارسة القوة، إلا أن استخدام هذه القوة أو السلطة بصفة مطلقة یؤدى إلى إساءة استعمالها أو الاستبداد بها، فالسلطة تقف للسلطة، وللسلطة المطلقة مفسدة مطلقة([28])، ولأن جمع السلطات فى ید واحدة من شأنه أن یخالف مبدأ المشروعیة([29])، ولذلک کان مبدأ عدم الاستبداد بالسلطة ومراقبة السلطة من قبل السلطات الأخرى من بین ضمانات حقوق الأفراد وحریاتهم([30])، لذلک کان لابد من تفرید السلطات المختلفة فی الدولة تشریعیة، قضائیة، تنفیذیة ولکلّ منها شأنها فی حکم وتوجیه المواطنین والدولة([31])، وتعمل السلطة فی الدولة على حمایة أفرادها ورعایاها، وحقوقهم، واستقرار الأمن والطمأنینة، وتنظیم الأمور والأحوال داخل البلاد، وتنظیم مؤسساتها وهباتها ومرافقها المختلفة.
وعلى ضوء ذلک یمکن القول بأن تقاعس السلطات یعنى عدم القیام بواجبها وإهمالها وتأخرها فى القیام بالعمل المنوط بها.
المطلب الثانی
المقصود بکل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة
وأنواع وأساس الوصف الشرعی والقانونى لهما بذلک فی الفقه الإسلامی والقانون .
وفی هذا المطلب سوف نتناول مفردات هذا المطلب وذلک من خلال الفرعین الآتیتین:
الفرع الأول
المقصود بکل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة
وأنواع وأساس الوصف الشرعی لهما بذلک فی الفقه الإسلامی.
المجنی علیه فی الجریمة: من وقعت علیه الجریمة ونالت من حق من حقوقه، أو مصلحة من مصالحه أیا کانت بدنیة، أو مادیة، أو معنویة متى کان محلا للحمایة من قبل المشرع .
أساس الوصف الشرعی للمجنی علیه هو: کونه أصبح محلا للجنایة أی کونه معتدى علیه أو الذی أهدر حقه بسبب الجنایة علیه، ومعیار ذلک هو إهدار المصلحة أو الحق الذی یختص به دون غیره، وشفاء غیظه یکون بالقصاص من الجانی أو المعتدی علیه أی مرتکب الجریمة فی حقه صورة أی صورة بتنفیذ القصاص فی الجانی على بدنه، ومعنىً أی لا یفعل له مثل، لأن فی استیفاء القصاص معنى الإحیاء لما فیه من دفع شر القاتل ودفع هلاک أولیاء المقتول على یده([32])، فالأول مفاده أن ینزل بالجانی من العقوبة المادیة مثل ما أنزل بالمجنی علیه وهو المراد بقوله تعالى (یا أیها الذین ءامنوا کتب علیکم القصاص فی القتلى)([33])، أی یعاقب المجرم بمثل فعله فیُقتل کما قتل ویُجرح کما جرح وهو عقوبة مقدرة ثبت أصلها فی الشرع، ویقوم على المساواة بین الجریمة والعقوبة، فالقصاص مانع قوی وسدا مانعا للجریمة وبذلک یحیا المجتمع حیاة هادئة مستقرة وتنعدم الجریمة فی المجتمع لقوله تعالى(ومن أحیاها فکأنما أحیا الناس جمیعا)([34]) فیدل ذلک على أن القصاص من القاتل إحیاء لحیاة المجنی علیه بدلا من الإهدار، والثانی القصاص المعنوی ویکون بدیة ما أتلف بالجنایة، وأرش الجنایة وهو عباره عن العقوبة المالیة على الاعتداء على الجسم بالجرح والشج، وهذا هو القصاص المعنوی، أی الذی یوجد فی حالة عدم تعذر الوصول إلى القصاص الأصلی أو الفعلی لأنه غیر ممکن فی ذاته کجرح لا یمکن المماثلة فیه، وفی حالة عدم توافر شروط القصاص الحقیقی، أو فی حالة وجود شبهة تدرأ بها عقوبة القصاص أی أنه فی حالة سقوط القصاص الأصلی الصورة والمعنى وجب القصاص المعنوی، وذلک لتعویضه عما أصابه من ضرر من جراء الجریمة، وکذلک المضرور وهو کل من أضیر من جراء الجریمة کالورثة ونحوهم.
الفرع الثانی
المقصود بکل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة
وأنواع وأساس الوصف القانونی لهما بذلک فی القانون
تحدید مدلول المجنی علیه: -
اختلف الفقه القانونی فی تحدید تعریف ومدلول متفق علیه للمجنی علیه، فقیل بأنه ذلک الشخص الذی أصابته الجریمة بضرر ما أیًا کان نوع هذا الضرر بشرط أن یکون هذا الضرر شخصیا ومباشراً، ووصفه البعض بأنه (المجنی علیه الجنائی) حیث ذهب إلى القول بأنه ذلک الشخص الذی یطلب التعویض عن ضرر أصابه من جریمة جنائیة بأکثر من طریق ولکنها لیست ذات فاعلیة واحدة.
ویمکن تعریفه بأنه الشخص الذى أصابه الضرر من جراء الجریمة سواء کان ضررا مباشرا أو غیر مباشر([35]), وقد ذهب البعض إلى أن المقصود بالمجنى علیه أنه الضحیة لمصالح و أهواء الآخرین , أو الشخص الذى یعانى من عواقب فعل أو واقعة معینة أو حادث مهما کانت درجة جسامته([36]).وقد استقر شراح الأنظمة فی القانون المصری على أن المجنی علیه هو صاحب الحق الذی یحمیه القانون بنص التجریم ووقع الفعل الإجرامی عدوانا مباشراً علیه، ویعرفه البعض الآخر بأنه (صاحب الحق أو المصلحة المشمولین بالحمایة بنص واللذین أصابتهما الجریمة بضرر أو هددتهما بالخطر)([37])، وهذا المعنى هو ما عوَّلت علیه محکمة النقض المصریة فقد عرفت المجنی علیه بأنه:- کل من یقع علیه الفعل أو یتناوله الترک المؤثم قانونا سواء أکان شخصا طبیعیا أم معنویا، بمعنى أن یکون هذا الشخص نفسه محلا للحمایة القانونیة التی یهدف إلیها الشارع([38]).
أما المضرور من الجریمة : فقد عرفه البعض بأنه کل شخص سببت له الجریمة ضررا مادیا أو معنویا([39]), وقد ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار المجنى علیه هو المضرور من الجریمة([40]).
ویستفاد من ذلک أن الجریمة متى أکتمل لها بنیانها القانونی فیترتب علیها أضرار متعددة منها ما یصیب المجتمع أو المصلحة العامة، ومنها ما یصیب المصلحة الخاصة بالشخص الذی وقعت علیه تلک الجریمة، وفى هذه الحالة الأخیرة تکون الأضرار شخصیة ومباشرة ومترتبة على تلک الواقعة الجنائیة فیکون هذا الشخص مجنیا علیه جنائیا ویکون له بهذه المثابة الحق فی طلب التعویض.
کما أن الجریمة لابد وأن تنال بالاعتداء حقا مقرراً بهذا الشخص أیا کان هذا الاعتداءوأیاً کان هذا الحق، فصاحب المال المسروق مجنیا علیه، والمعتدى علیه فی إحدى جرائم الاعتداء على الأشخاص مجنیا علیه، والمقذوف فی حقه أو شرفه أو اعتباره مجنبًا علیه فی إحدى جرائم السب، والمغتصبة مجنی علیها فی جرائم الاغتصاب، والتی تم انتهاک عرضها مجنی علیها فی جرائم هتک العرض، فتعبیر المجنی علیه یشمل - إذن - الذکر والأنثى، کما یشترط أن یکون الاعتداء قد أصاب حقا صانه القانون بأی نص تجریم سواء أورد فی قانون العقوبات أم غیره من القوانین العقابیة([41]).
4-التفرقة بین المجنی علیه والمضرور من الجریمة والمدعى بالحق المدنی :-
إذا کنا قد توصلنا إلى تحدید مدلول المجنی علیه بأنه الشخص الذی وقع علیه الاعتداء ومسته الجریمة فی إحدى حقوقه التی صانها وحماها الشارع بنص عقابی، فإن ثمة تمییز لابد وأن یقام بینه وبین بعض الأشخاص الذین قد یتشابهون معه فی المرکز القانونی وهما المضرور من الجریمة والمدعى بالحق المدنی، کما قد یکون ثمة تشابه من حیث الدور الإجرائی الذی یقوم به المجنی علیه مع کل من المبلغ والشاکی، مما یتعین معه التمییز بینهم أیضاً.
أ- المجنی علیه والمضرور من الجریمة :-
یمکن تعریف المضرور من الجریمة بأنه « کل شخص أصابته الجریمة المرتکبة بأضرار شخصیة ومباشرة ومحققة»، ولا تختلف الأنظمة المقارنة فی تعریف المضرور من الجریمة عن هذا الوصف ، منها المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائیة المصری والمادة 22 من نظیره الإماراتی ، والمادة 111 من قانون الإجراءات والمحاکمات الجزائیة الکویتی، بید أن اللافت للنظر فی هذه التشریعات المقارنة أنها لم تنتهج مذهبا واحداً فی تحدید نوع هذه الإضرار التی تصیب ذلک المضرور من الجریمة. فبینما نجد التشریع المصری اشترط فی المادة 251 مکرر([42])أن یکون الضرر شخصیاً ومباشراً ، ومحققا سواء حالا أم مستقبلا نجد أن التشریعیین الإماراتی والکویتی لم ینصا على نوع تلک الأضرار .
ولا یشترط فی المضرور من الجریمة أن یکون مجنیا علیه بمعنى انه لا یلزم أن یتخذ الضرر الناتج عن هذه الجریمة صورة النتیجة الإجرامیة وإن کان فی الغالب یتحدان بحیث یکون المجنی علیه هو ذاته المضرور من الجریمة، ولکن إذا اختلفا فعلا فالمضرور من الجریمة هو الذی یولیه التشریع المقارن حمایة أکبر من المجنی علیه بالنظر إلى الأضرار التی أصابته، ولهذا یقرر جانب من الفقه أنه لا یرتب للمجنی علیه بوصفه کذلک أی حق وإنما یفترضه دائما صاحب حق مدنی ولا یقبله إلا کذلک »([43])، وبناء على ذلک فلا یجوز الادعاء المدنی من المجنی علیه ولا یجوز له تحریک الدعوى بالادعاء المباشر فی الدول التی تأخذ بهذا القانون، وبناء على ما تقدم فإن المضرور من الجریمة یطلق علیه فی التشریع المقارن -اصطلاحا -تعبیر المدعى بالحق المدنی.
ب-المجنی علیه والمدعى بالحق المدنی:-
إذا توافرت الأضرار سالفة الذکر بالشخص صار مضروراً من الجریمة، وإذا تقدم بطلباته الإجرائیة للتعویض عن هذه الأضرار اجتمعت فیه صفتی المضرور من الجریمة والمدعى بالحق المدنی، أی أن الأخیر هو من أصابته الجریمة بضرر ما ارتبط بعلاقة سببیة بالفعل الذی یقوم به الرکن المادی للجریمة([44]) وقدم طلبه أمام القضاء الجنائی للتعویض عن هذه الأضرار.
وقد قضت محکمة النقض المصریة بأن :- « لما کان مناط قبول الدعوى المدنیة أمام المحاکم الجنائیة هو أن یکون الضرر المطلوب التعویض عنه قد نشأ مباشرة عن الفعل المکون للجریمة المرفوعة بها الدعوى الجنائیة ، وکان لا یوجد ما یمنع من أن یکون المضرور من الجریمة شخصا آخر خلاف المجنی علیه ، وکان الحکم المطعون فیه قد أثبت أن زوجة المجنی علیه قد لحقها ضرر نشأ مباشرة عن الجریمة التی وقعت على زوجها ، فإن ما یثیره الطاعن بخصوص قبول دعواها یکون غیر سدید »([45])، کما استقرت محکمة تمییز دبی على « أن الأصل فی دعاوى الحقوق المدنیة أن ترفع إلى المحاکم المدنیة وإنما أباح القانون - بصفة استثنائیة - رفعها إلى المحکمة الجنائیة متى کانت تابعة للدعوى العمومیة وکان الحق المدعى به ناشئا مباشرة عن ضرر حصل للمدعى عن الجریمة المرفوع عنها الدعوى العمومیة »([46]).
بیان الحدود الفاصلة بین کل من المجنی علیه وما یشتبه معه فی هذا المجال:
قد تدق التفرقة بین کل من المجنی علیه والشاکی، فالمبلغ والشاکی لهما وضعا إجرائیا مختلفا، فالمبلغ هو الشخص الذی یقوم بإخطار الجهات المختصة بوقوع جریمة([47]) شریطة أن یجیز القانون للنیابة العامة رفع الدعوى عنها بغیر شکوى أو طلب، أما الشاکی فله معنى ینصرف إلى من یقوم بالإخطار بالجریمة سواء أکان هو نفسه المجنی علیه([48])أو المضرور من الجریمة([49])، ویلاحظ أن المشرع فی سائر التشریعات المقارنة ینص على أن الشکوى التی لا تتضمن ادعاءً مدنیا فإنها تعتبر من قبیل التبلیغات([50])، وإذا طلب فیها الادعاء المدنی صارت ادعاءً مدنیا تتحرک به الدعوى المدنیة أمام جهات القضاء الجنائی سواء أکانت أمام النیابة العامة أو أحد مأموری الضبط القضائی([51])، وهو طریق استثنائی وغیر عادی أمام جهات الاختصاص الجنائی.
وعلى ضوء ذلک یمکن القول بأن تحدید مدلول دقیق للمجنی علیه ینصرف إلى الشخص الذی وقع علیه الاعتداء ومسته الجریمة فی حق من حقوقه الذی صانه وحماه المشرع بنص عقابی أیا کان نوعه. وهو بهذه المثابة یختلف عن المضرور من الجریمة والمدعى بالحق المدنی، وأیضاً یفترق عن المبلغ والشاکی من حیث الدور الإجرائی لکل منهم.
وعلى ضوء ذلک یمکن القول بأن الأساس الوصفی لهذین المصطلحین فی القانون هو أن المجنی علیه هو "الذی وقعت علیه الجریمة أو انتهکت حق من حقوقه أو مصلحة من مصالحه"، أما المضرور من الجریمة فهو" الذی ناله ضرر من الجریمة فی حق من حقوقه أو فی مصلحة من مصالحه".
المطلب الثالث
مدى علاقة کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة بسلطات الضبط الجنائی ومبررات ذلک فی الفقه الإسلامی والقانون
وفی هذا المطلب نتناول ـ بعون الله وتوفیقه ـ بیان مدى علاقة کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة بسلطات الضبط الجنائی ومبررات ذلک فی کل من الفقه الإسلامی والقانون وذلک فی الفرعین التالیین:
الفرع الأول
مدى علاقة کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة بسلطات الضبط الجنائی ومبررات ذلک فی الفقه الإسلامی
مما لا شک فیه أن هناک علاقة وثیقة لکل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة بسلطات الضبط الجنائی، وتبدو هذه العلاقة منذ وجود الإنسان على وجه هذه البسیطة منذ خلق الإنسان وقرر له حقوقا عمل ـ سبحانه وتعالى ـ على حمایتها وأضفى علیها سیاجا من الحمایة الجنائیة، وکلما عظم فعل الاعتداء عظم الجزاء المقابل له، فالجرائم محظورات شرعیة زجر الله عنها بحد أو بتعزیر([52])، ومن هنا کانت الحقوق محافظ علیها شرعا([53]) ومقصدا من مقاصد الشریعة الغراء الضروریة([54])، وقد أناط الشارع بهذه الحقوق أحکاما لسلطات تقوم بحفظها کما تبدو علاقة هذا الجانب بالسیاسة الجنائیة للحاکم بتفعیل أدواتها الجنائیة فی مواجهة کل معتد تسول له نفسه النیل أو الاعتداء على حق ما من حقوق الغیر، وأن أی اعتداء على حق من حقوق رعیته هو اعتداء على حق من حقوقه، فالحاکم یجب أن یکون قدوة وأن یطبق على نفسه نفس المبادئ التی یرید أن یطبقها على الناس([55]).
وعلى ضوء ذلک فالحاکم کما یرید أن یحافظ على حقوقه التی یثبت بها ملکه ویحمیها فی مواجهة رعیته فإن ذلک فرع من المحافظة على حقوق رعیته فی حالات الأمن وفی حال الاعتداء علیهم، أی حقوق المجنی علیهم الذین انتهکت حقوقهم أو النیل منها من جراء الاعتداء علیهم وکذلک إهدار مصالحهم المتعلقة بها أیا کان المحل المعتدى علیه ومحل الجنایة، وأیضا حقوق المضرور من الجریمة من أولیاء الدم أو الذین تعلقت بهم مصالح الغیر ([56]) أیا کان هذا الغیر أبناء أو والدین أو أصحاب أعمال تعلقت مصالحهم بالمجنی علیه وأُضیروا من جراء الاعتداء على المجنی علیه بسبب تعطیل مصالحهم أو إهدارها، والمحافظة على حقوقهم إنما یکون بتعویضهم المادی والمعنوی الذی یتمثل فی القبض على الجناة والتحقیق معهم ومحاکمتهم وإنزال العقوبات البدنیة بهم وشفاء غیظهم ([57]) وتحقیق جوانب العدالة الجنائیة وتطبیق قواعد العدالة والإنصاف التی ینشدها کل مضرور أو مجنی علیه من جراء الاعتداء أو على ذویه، وهذا لا یکون إلا عن طریق قیام السلطات بواجباتها تجاه کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة.
وعلى ذلک فإذا لم تقم السلطات الجنائیة بواجبها الأمنی فی هذه الحالة فإنها تعد متقاعسة ومتوانیة وبذلک تفقد السلطة هیبتها تجاه المواطنین بوجه عام وکل من المضرور من الجریمة والمجنی علیه بوجه خاص، لأن السلطة لم تتغیر ولکن الذی ضاع هو الهیبة، فالسلطة لا تغنی عن الهیبة ([58]) ومتى فقدت السلطة الجنائیة هیبتها فقد الحاکم أو الرئیس هیبته، لأن الهیبة لا تکون للحاکم أو الرئیس إلا إذا احترم القانون الذی أراد أن یفرضه على الناس، أو بمعنى آخر یفقد الحاکم هیبته وقدوته إذا لم یطبق على نفسه المبادئ التی یرید تطبیقها على الناس ([59])، وبفقد الحاکم لهیبته یفتقد لدى رعیته السمع والطاعة والخروج عن مبدأ الالتزام فی أداء مهام الوظیفة للسلطات الجنائیة المنوط بها حفظ القانون بوجه عام وحقوق المجنی علیهم والمضرورین من لجریمة بوجه خاص.
مبررات علاقة کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة بسلطات الضبط الجنائی:
لما کان الإنسان محور الحیاة ومُنطلقها فقد أولاه المولى -سبحانه وتعالى- بنعم کثیرة وزلل له الأرض بإمکانیاتها ووسائلها لیعمرها ویباشر حرکة حیاته علیها فی قوله تعالی "هو الذی جعل لکم الأرض ذلولا فامشوا فی مناکبها وکلو الإسلامی"([60]) وأضفى علیه سیاجًا من الحمایة الجنائیة وأناط بالعدید من السلطات العمل على حمایة حقوقه ومصالحه أیًا کانت بدنیة أو غیرها، وجعلها فی مرتبة الضروریات الشرعیة([61]) وحمایة حقوقه هی حمایة له فی حد ذاته أو بنیته من أی اعتداء علیها، وفی حالة النیل أو الاعتداء علیها فإن سیف السیاسیة الجنائیة للشارع یلاحق المعتدی أو الجانی أیا کان وذلک لتعویضه أیا کان مجنیا علیه أو مضرورًا من الجریمة، وأیًا کانت العقوبة التی توقع على الجانی قصاصا أو حدا أو دیة أو تعزیرا، فالإنسان فی نظر الشارع بنیان الله فی الأرض لقوله -صلى الله علیه وسلم- "الإنسان بنیان الله فی الأرض ملعون من هدمه"([62]).
ومما یبرر هذه العلاقة أیضا أن قیام السلطات الحاکمة فی الفقه الإسلامی بحمایة حق کل من المضرور من الجریمة والمجنی علیه هو مظهرًا من مظاهر کفاءتها وقدراتها فی حمایة حقوق الرعیة وخاصة الذین کانوا محلاً للاعتداء علیهم أو النیل منهم وهو ما أشار إلیه الرسول -صلى الله علیه وسلم- بقوله "کلکم راع وکلکم مسئول عن رعیته"([63]) فهو مناط مسئولیة الحاکم والسلطات الجنائیة ومعیار کفاءتها فی حمایته والقیام بمهامها ووظائفها المنوطة بها شرعا فی هذا المجال، وهذا المظهر هو من مظاهر القدرة والکفاءة فی حمایة حقوق الرعیة والقدرة تمثل الأساس الأول فی فن الحکم([64]) وأساس فی العلاقة بین الحاکم وسلطاته وبین المحکومین وخاصة المجنی علیهم أو المضرورین من الجریمة.
الفرع الثانی
مدى علاقة کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة
بالسلطة الجنائیة فی القانون
إذا کان من الثابت والمستقر أن للمجنی علیه والمضرور من الجریمة حق حمایة حقوقهما وحق التعویض من الجانی فإن هذا الحق منوط بالسلطات التی لدیها القدرة على تحقیق ذلک، فعندما یتعرض الأفراد للاعتداء على حق من حقوقه أو على مصلحة من مصالحه تتدخل أجهزة العدالة الجنائیة من أجل اکتشاف الحقیقة وملاحقة المجرمین وتقدیمهم للمحاکمة.
وإذا کانت معظم التشریعات الجنائیة والدساتیر الحدیثة أولت حقوق کل من المجنی علیهم والمضرورین من الجریمة اهتمامًا بالغًا وذلک بتحقیق أملهم فی المحاکمة العادلة ومنحتهم العدید من الحقوق والضمانات فی توقیع العقوبة الملائمة والرادعة على الجانی، واعتبرت أن تناسی وإهمال حقوق ضحایا الجریمة لمدة قصیرة أو طویلة وترکهم یعانون فی صمت حتى تعالت أصوات المشتغلین بالسیاسة الجنائیة للمناداة والاستغاثة بوجوب إنصاف ضحایا الجریمة وحمایتهم من قبل أجهزة الدولة الجنائیة وأجهزة العدالة الجنائیة حتى لا یضاروا مرتین، الأولى تحملهم لآثار الاعتداء والعدوان علیهم، والثانیة فی تعاملهم مع أجهزة العدالة الجنائیة([65]) وذلک بخلق نوع من التوازن بین حقوق الضحایا والجناة وخاصة بعد ظهور فرع جدید فی مجال العلوم الجنائیة أطلق علیه علم الضحیة، وبالتالی أصبحت السیاسة الجنائیة الحدیثة تولی اهتماما متزایدا بحقوق ضحایا الجریمة([66]) أیا کان هؤلاء الضحایا، أی سواء کانوا مجنیا علیهم أو مضرورین من الجریمة.
وعلى ضوء اهتمام الدساتیر والتشریعات الجنائیة واهتمام السلطات بضحایا الجریمة وأیضا اهتمام السیاسة الجنائیة بالمجنی علیهم أو المضرورین من الجریمة یتضح لنا مدى وجود العلاقة بین کل من المجنی علیهم والمضرورین من الجریمة بسلطات الضبط الجنائی، وهو ما أکده القانون السعودی حیث اعتبر أن حمایة حقوقهم منوط بالسلطات الجنائیة المختلفة أیا کانت سلطة استدلال، أو سلطة تحقیق، أو سلطة محاکمة([67]).
وقد حدد المنظم سلطات الضبط الجنائی، ونظام الضبطیة القضائیة، وسلطات الضبط الجنائی المختلفة([68]) وذلک بنصوص محددة([69]) قررها نظام الإجراءات الجزائیة السعودی، إذ الهدف من وجود سلطات الضبط الجنائی هو حمایة حقوق المجنی علیهم والمضرورین من الجریمة، والعمل على تعویضهم، والقصاص من الجناة وزجرهم وردعهم وضمان الحمایة الجنائیة لهؤلاء من قبض وتوقیف([70]) وغیر ذلک من الإجراءات اللازمة لأعمال الضبط.
کما قرر نظام الإجراءات الجنائیة أعمال الضبط الجنائی المنوطة بهذه السلطات الجنائیة، وفی سبیل قیامه بواجباته أن یستعین بغیره من رجال السلطة العامة متى اقتضى الأمر ذلک([71])، وذلک خشیة ضیاع معالم الجریمة أو إفلات الجناة والمجرمین من تحت ید العدالة مما یؤدی إلى اعتبار الواقعة ضد مجهول، الأمر الذی یؤدی فی النهایة إلى إهدار حقوق المجنی علیهم أو المضرورین من الجریمة المنوطة نظاما أو قانونا بحمایة هذه السلطات، بل وأجیز لرجال السلطة الجنائیة التحایل للکشف عن الجریمة المتلبس بها طالما لم یلجأ رجل السلطة إلى أسالیب غیر مشروعة([72]).
من منطلق ذلک تبدو العلاقة الوثیقة بین کل من المجنی علیهم والمضرورین من الجریمة بسلطات الضبط الجنائی، إذ أن تقاعس هذه السلطات عن القیام بواجبها إهدار لحقوق کل منهم، وفی القیام بواجباتها المحافظة على حقوق کل منهم، الأمر الذی یؤکد وجه العلاقة السابقة الوثیقة بین کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة من جانب وبین هذه السلطات الجنائیة المنوط بها حمایة هذه الحقوق من جانب آخر.
مبررات هذه العلاقة بین کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة بالسلطات الجنائیة:
من الجدیر بالذکر أن وجود العلاقة بین المجنی علیه والمضرور من الجریمة بالسلطات الجنائیة له ما یبرره، إذ أن وجود هذه السلطات یمثل المظلة التی تزدل ستار الحمایة على أفراد المجتمع بوجه عام لحمایتهم من الاعتداء علیهم أو على مصالحهم ([73]) قبل اقتراف الجرائم فی حقهم وضبط الجناة واتخاذ کافة الإجراءات الجنائیة فی حقهم ومحاکمتهم لتعویض المجنی علیهم أو المضرورین من الجریمة للنیل من هؤلاء الجناة وشفاء غیظ المجنی علیهم أو المضرورین من الجریمة وذلک بتوقیع العقوبات الجنائیة الملائمة علیهم ولتحقیق الزجر والردع، بالإضافة إلى الردع العام للعقوبة وذلک بإنذار الجماعة بشرها إذا ما ارتکب أحد أفرادها فعلا یعد جریمة([74])، أی لکل من تسول له نفسه اقتراف الجریمة فی حق الغیر.
هذا بالإضافة إلى أن حمایة حقوق الإنسان بوجه عام أو المجنی علیه أو المضرور من الجریمة بوجه خاص هی حمایة للإنسان بحد ذاته باعتباره البنیة الأساسیة للمجتمع، کما أن حمایة حقوق کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة هو مظهر کفاءة السلطات الجنائیة المنوط بها حمایة هذه الحقوق، والقیام بواجبها ومهامها ووظائفها المنوط بها على أکمل وجه، والقصور فی حمایة هذه الحقوق هو تقاعس منها تجاه هذه الحقوق.
کما أن فی حمایة هذه الحقوق إظهار لهیبة الدولة وسلطاتهاوإجبار الأفراد على احترام قانونها، بالإضافة إلى تفعیل سیاستها الجنائیة فی مواجهة الجناة والمجرمین مرتکبی جرائم الاعتداء على المجنی علیهم أو المضرورین من هذه الجرائم.
وبوجود هذه المبررات تتأکد العلاقة الوثیقة بین کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة بسلطات الضبط الجنائی المنوط بها حمایة حقوقهم.
المطلب الرابع
مفهوم الجریمة وعلاقتها بمبدأ الشرعیة التجریمیة
فی الفقه الإسلامی والقانون
وفی هذا المطلب سوف نتعرض –بعون الله وتوفیقه-إلى مفهوم الجریمة وبیان مدى علاقتها بمبدأ الشرعیة الجنائیة فی کل من الفقه الإسلامی والقانون، وذلک فی کل من الفرعین الآتیین :
الفرع الأول
مفهوم الجریمة وعلاقتها بمبدأ الشرعیة الجنائیة فى الفقه الإسلامی.
مفهوم الجریمة فی الفقه الإسلامی :
عرفت الجریمة فی الفقه الإسلامی الغراء بأنها محظورات شرعیة زجر الله عنها بحد أو تعزیر([75])، ولها عند التهمة حال استبراء تقتضیه السیاسة الدینیة، ولها عند ثبوتها وصحتها حال استیفاء توجبه الأحکام الشرعیة([76]).
فالجریمة هی إذن إتیان فعل محرم معاقب على فعله، أو ترک فعل محرم الترک معاقب على ترکه، فهذه أفعال محظورة فی الشریعة وزجر المولى عز وجل عنها بحد أو تعزیر([77]).
وعلیه فإن تعریف الجریمة من منطلق وصفین: الأول بأنها محظورات، والثانی وصف عدم الشرعیة.
فقد عرفت الجریمة بأنها محظورات لأنها تنطوی على مخالفة أمر ونهى شرعی، وذلک لأنها لو طابقت قواعد السلوک الشرعیة انتفى عنها بالضرورة معنى الجریمة لعدم المخالفة.
وعرفت الجریمة بأنها محظورات شرعیة لأن قواعد السلوک والأفعال التى تخالفها هی قواعد شرعیة مستمدة مکن الفقه الإسلامی والشریعة الغراء، فالجریمة فی جوهرها محظور شرعی أی أنها فعل نهى الله عنه، أو ترک ما أمر الله به، وهذا العنصر یشیر إلى عدم مشروعیة السلوک الذى تقوم به الجریمة، فالجریمة بالضرورة معصیة ومخالفة لأمر أو نهى شرعی، فالسلوک الذى لا یناقض نهى أو أمر شرعی یوصف بالشرعیة أو الإباحة، فلا یتصور أن تقوم به جریمة([78]).
وأیا کان قیام الجریمة بفعل أو ترک أو امتناع، فإن هذا یمثل العنصر أو الجانب المادی فی الجریمة، ولا شک أن المحظور الشرعی أو المعصیة لابد له من موضوع یتعلق به، وهذا الموضوع متمثل فی الفعل أو الترک ولا یصلح أن یکون مجرد التفکیر أو التصمیم أو بمعنى آخر حدیث النفس موضوعا للعنصر المادی للجریمة، لعدم احتوائه على فعل معین، وهذا یعنی أن فکرة الجریمة تفترض بضرورة وجود کیان مادى لها، لأن السلوک سواء کان فعلاً أو ترکًا هو کیان مادى([79]).
ودلیلنا فی ذلک هو قول سید الخلق صلى الله علیه وسلم "إن الله تجاوز لأمتى عما وسوست أو حدثت به نفسها، مالم تعمل به أو تتکلم"([80])، وأیضا قوله صلى الله علیه وسلم "إن ربکم تبارک وتعالى رحیم، من هم بحسنة فلم یعملها کتبت له حسنة، فإن عملها کتبت له عشرا إلى سبع مائة إلى أضعاف کثیرة، ومن هم بسیئة فلم یعملها کتبت له حسنة، فإن عملها کتبت له واحدة"([81]).
کما تفترض فکرة الجریمة أن یصحب الفعل الإجرامی نیة أو إرادة یتمثل فیها الجانب المعنوی فی الجریمة، وذلک لأن للنیة دور أساسی فی تصنیف السلوک بأنه جائز أو محظور، وذلک تطبیقا لقول سیدنا محمد صلى الله علیه وسلم "إنما الأعمال بالنیات ولکل امرء ما نوى"([82])، فالجریمة سلوک تصحبه نیة سیئة، وهذه النیة تکشف عن صلة نفسیة بمن صدر عنه، تقرر إثم وخطیئة إرادته ونیته.
وهذا یعنى أن الجریمة لیست کیانا مادیا فقط یتمثل فی السلوک المحظور أو المخالف وما یترتب علیه مون أثر ضار بالغیر أو خطورته علیه، وإنما تنطوی أیضا على کیان نفسى یتمثل فی النیة الآثمة الخاطئة التى صدر عنها هذا الفعل وتعبیرا لها([83])، وهذا یکشف عن أن الشریعة الإسلامیة قد قررت مبدأ أنه حیث لا خطیئة لا عقوبة ولا مسئولیة، وتنفرد الشریعة الغراء بأنها قررت هذا المبدأ منذ نشوئها، وهذا یدل على کمال هذا المنهج الإسلامی وصلاحیته لکل زمان ومکان.
علاقة الجریمة بمبدأ الشرعیة الجنائیة فی الفقه الإسلامی:
لا شک أن الشریعة الإسلامیة الغراء قد أقرت مبدأ لا مسئولیة ولا عقوبة بدون خطیئة، وذلک خاصة فی جرائم الحدود والقصاص والدیة، فقد وردت فی شأنها نصوص قطعیة الدلالة واضحة فی مدلولها فی تسمیة الجرائم التى نصت علیها وبیان الأفعال التى تقوم بها کل منها، وحددت عقوبة تلک الأفعال أو الجرائم بکل دقة.
ومن ذلک قوله تعالى "ومن قتل مؤمنا خطئا فتحریر رقبة مؤمنة ودیة مسلمة إلى أهله"([84])، وقوله تعالى "وکتبنا علیهم فیها أن النفس بالنفس والعین بالعین والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو کفارة له"([85]).
وبناءا على ما سبق یمکن القول بأن مبدأ الشرعیة القائل بحیث لا توجد خطیئة فلا توجد مسئولیة أو عقوبة مقرر بدقة ووضوح فى مجال جرائم الحدود والقصاص والدیة.
ولکنه قد یثور التساؤل عن مدى إقرار هذا المبدأ فی مجال جرائم التعزیر؟
إن الشریعة الإسلامیة قد تمیزت فی مجال التجریم والعقاب بمرونة واضحة کی تتفق مع سیاستها الجنائیة الشرعیة مع ظروف وتقالید کل مجتمع إسلامی، فسیاسة التشریع الإسلامی الجنائیة تتقبل أن یترک المجال لاجتهاد القاضی لما لا یتعارض مع أصول الشریعة الغراء، وکذلک وضع نظام للجرائم التعزیریة، ولکنه مقید فی ذلک بأوامر الشارع ونواهیه ومبادئ الشریعة وأصولها([86]).
فالمجتمع الإسلامی فی عصوره الأولى قد حول القاضی سلطة التعزیر، وذلک لقرب عهدهم لعهد رسول الله صلى الله علیه وسلم وعمق إلمامهم بروح الشریعة وقواعدها وأصولها، بالإضافة إلى أن الجرائم التعزیریة کانت محدودة بطبیعتها فی هذا المجتمع، وذلک لالتزام الغالبیة بأحکام الشریعة، وبساطة الحیاة فیه، أما المجتمع الإسلامی الحدیث فیختلف عما سبق وخاصة فیما یتعلق بعدد وأهمیة الأفعال التى یتعین تجریمها لتعقد الحیاة وکثرة المشاکل، بالإضافة إلى توسع الرقعة الإسلامیة والدولة الحدیثة، والحاجة إلى توحید الحلول إعمالا لمبدأ المساواة بین المواطنین أمام القضاء([87]).
وإن کنا رجحنا إجازة القضاء لتقنین أو نظام للجرائم التعزیریة فهل هذا یعنى أن الشریعة لا تأخذ بمبدأ شرعیة الجرائم والعقوبات فی مجال الجرائم التعزیریة؟.
للإجابة على هذا السؤال نلاحظ أن الشریعة الغراء عند إجازتها تخویل القاضی سلطة التجریم والعقاب فی مجال التعزیر لم تطلق هذه السلطة، وإنما أحاطتها بقیود وأفرغتها فی ضوابط وقوالب محددة، وقد سبق الإشارة إلى أن الفعل لا یعد جریمة إلا إذا کان معصیة، وهناک أیضا ضوابط یتعین توافرها فی العقوبة التعزیریة وهى أنها أقل جثامة من جرائم الحدود، وعدم توافر شروط وارکان جرائم الحدود علیها، وهذا یعنى أن الأمر لن یکون مجالا للتحکم او التعسف أو الاحتکار القضائی الذی تواجهه الشریعة.
الأمر الذی یمکن القول معه بأن علاقة مبدأ الشرعیة الجنائیة بالجریمة فی الشریعة الإسلامیة هی علاقة تکامل وتأکید على کمال الشریعة الغراء فی نظامها التجریمی والعقابی.
الفرع الثانى
مفهوم الجریمة وعلاقتها بمبدأ الشرعیة فى القانون
مفهوم الجریمة فى القانون :
إن لفظ الجریمة له مدلوله الواسع الذی یتسع لأکثر من مجال، ولذا فإن محاولة وضع تعریف جامع مانع للجریمة بمعناها العام لن یخلو من نقص أو ضرر، وذلک لأن التعریف فی المجال الإداری ینطوی على إخلال بالعملیة والتنظیم الإداری للمؤسسة أو الهیئة التابع لها المُخِلْ، وفى المجال المدنی ینطوی على حدوث ضرر للغیر، أما فی المجال الجنائى فإنه ینطوی على مخالفة نص تشریعی بسلوک یعتبره المشرع جریمة.
فقد عرف البعض الجریمة الجنائیة بأنها عبارة عن عمل أو امتناع یرتب القانون على ارتکابه جریمة([88])، وهناک من عرف الجریمة بأنها فعل غیر مشروع صادر عن إرادة جنائیة یقرر له القانون عقوبة أو تدبیرا احترازیا([89])، أی یقرر القانون له جزاءا جنائیا([90])، کما عرفها البعض بأنها عمل أو امتناع عن عمل یأتیه الإنسان إضرارا بمصلحة حماها المشرع فی قانون العقوبات , ویترتب علیها أثرا جنائیا یتمثل فی العقوبة أو التدبیر الاحترازی([91]).
فالجریمة فی المجال الجنائی تعنی سلوک غیر مشروع سواء کان سلبیا أو إیجابیا صادرا عن إرادة جنائیة، ویقرر له المشرع جزاءا جنائیا.
ومن هذا التعریف یمکن لنا استخلاص عناصر الجریمة الجنائیة وهی تتمثل فی الآتی:
1- أن الجریمة هی سلوک: أی نشاط مادی یمثل الرکن المادی لها، والسلوک قد یکون إیجابیا یتمثل فی الفعل المتضمن حرکة عضو من أعضاء الجسد بغیة تحقیق أثر معین، مثل ضرب شخص لآخر.
کما ان السلوک قد یکون سلبیا، ویتمثل فی الإحجام عن إتیان فعل کان من الواجب علیه إتیانه، مثل إحجام الأم عن إرضاع صغیرها حتى یهلک، أو الإحجام عن إدلاء الشهادة أمام القضاء([92]).
فالسلوک هو الذى یکون مادیات الجریمة وبه تحقق الجریمة رکنها المادی، سواء تطلب ذلک اکتمال هذا الرکن بنتیجة إجرامیة تعد أثرا للفعل، أو کان القانون أو القانون یتطلب نتیجة مادیة کأثر للسلوک أو الفعل، فالقانون یعاقب على الشروع([93])، والذى یفترض عدم تحقیق أثر للفعل أو النتیجة المرجوة من الفعل.
2- أن الجریمة سلوک غیر مشروع([94]):أی سلوک مخالف لقواعد القانون أو التشریع الصادر من السلطة المختصة.
3- وعدم مشروعیة الفعل یقررها نص جنائی فی القانون الجنائى أو فی الأنظمة المکملة له، کالقانون الجنائى العسکری، فلا جریمة إذن إذا کان الفعل مشروعا من وجهة نظر المشرع الجنائى.
4- أن الجریمة سلوک صادر عن إرادة إجرامیة([95]): أی صادر عن إنسان توافرت فیه الأهلیة الجنائیة للمساءلة.
فالإرادة لابد أن تکون صادرة من إنسان، لأن الإرادة لا تنسب لغیر الإنسان، والإرادة التى یعتد بها القانون هی الإرادة المدرکة الحرة المختارة، فإن کانت غیر ذلک فلا تکون صالحة لتکون معنویات الجریمة حتى وإن ارتکب صاحبها السلوک المادی.
والإرادة لا تکون إجرامیة إلا إذا اقترف صاحبها إثما جنائیا یوجب مسئولیته، والإثم الجنائى قد یتخذ صورة القصد أو الخطأ، فالقصد الجنائى یتحقق إذا اتجهت الإرادة إلى السلوک والنتیجة المترتبة علیه، أما الخطأ ففیه تتجه الإرادة إلى السلوک دون النتیجة.
5- الجریمة سلوک یقرر له القانون جزاء: فالأثر المترتب على الجریمة هو استحقاق الجزاء الذی یقرره القانون ، وهذا الجزاء له طابع جنائی یتخذ صورة العقوبة.
وعلیه فلا یعتبر السلوک جریمة جنائیة إلا إذا کان معاقبا علیه طبقا لنصوص التشریع الجنائى، فإذا لم یکن سلوکا غیر مستوجبا لأی عقاب، أو کان معاقبا علیه فی قانون آخر غیر جنائی، فإنه لا یشکل جریمة جنائیة.
علاقة الجریمة بمبدأ الشرعیة الجنائیة فی القانون :
ویعنى مبدأ الشرعیة الجنائیة أو مبدأ شرعیة الجرائم والعقوبات أنه لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص، فالنصوص هی التى تحدد الأفعال المعاقب علیها، کما تحدد العقوبات التى توقع على مرتکبیها، وبمعنى آخر أن مبدأ الشرعیة حصر مصادر عدم المشروعیة الجنائیة فی نصوص التشریعات الجنائیة التى تحدد الجرائم والعقوبات، بما أن القواعد القانونیة من عمل المشرع، فإن الاختصاص بالتجریم والعقاب ینحصر فی المشرع دون القاضی والذی تتحدد سلطته فی تطبیق ما یقرره المشرع.
وهذا المبدأ یحدد سلطان القاضی الجنائى ویحصر اختصاصه الجنائى فی التطبیق دون التشریع، فلیس له أن یعاقب على فعل لم یقرر له المشرع عقابا، ولیس له أن یوقع عقوبة غیر تلک التى قررها القانون أو القانون للفعل.
ومبدأ الشرعیة الجنائیة یعد ضمانة هامة لحمایة الحریات الفردیة، ولضمان حقوق الأفراد فی مواجهة تحکم السلطات واستبدادها، وذلک لأن هذا المبدأ یجعل توقیع العقاب متوقف على سبق الإنذار به والتحذیر منه، فیضع التشریع الحدود الفاصلة بین ما هو مشروع وبین ما هو محظور جنائیا أو غیر مشروع، فلا یسأل شخص جنائیا عن فعل لم یسبقه نظام أو قانون ینذر أفراد المجتمع بالعقاب علیه، وعلى هذا یقف هذا المبدأ حائلا دون تعسف السلطات وافتئاتها على حقوق الأفراد([96]).
ولا تقتصر أهمیة المبدأ على کونه ضمانة هامة للحریات ولحقوق الأفراد فی المجتمع، بل أن أهمیته تظهر أیضا فی ضمان حقوق المجرمین إذ یحمیهم من احتمال توقیع عقوبة علیهم أشد من تلک المقررة وقت ارتکاب الفعل([97])، إذ أن مقتضاه ضرورة العقاب على الجریمة وفقا للقانون المعمول به وقت ارتکابها، ولیس وفقا لقانون أو نظام یقرر عقوبة أشد من تلک التى کانت مقررة عند ارتکاب الفعل المکون للجریمة.
الفصل الأول
مظاهر تقاعس السلطات الجنائیة عن حمایة حقوق المجنى علیه والمضرور من الجریمة فی الفقه الإسلامی والقانون الجنائی
تمهید :
لما کانت حقوق کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة محل حمایة فى کل من الشریعة والقانون من قبل السلطات الجنائیة المنوط بها ذلک کان محل اهتمام فى مجال البحث فى هذا الباب وذلک لبیان طبیعة الحمایة التى یمکن اضفاءها على هذه الحقوق من جانب , وکذلک طبیعة هذه الحقوق وسماتها المختلفة التى لا غنى لهذه الحمایة عنها بأى حال من الأحوال , الأمر الذى من شأنه أن یؤدى إلى مسئولیة السلطات الجنائیة عن تقاعسها تجاه تقدیم الحمایة الجنائیة لکل من حقوق المجنى علیه والمضرور من الجریمة , وذلک لما یترتب على انتهاک حرمة هذه الحقوق من آثار سیئة بسبب تقاعس السلطات الجنائیة عن حمایة هذه الحقوق وخاصة اللصیقة بالشخصیة، وهو ما سوف نتعرض له تفصیلاً – بعون الله وتوفیقه – فی هذا الفصل من خلال المبحثین التالیین، نتناول فی توافر الأسانید الشرعیة والقانونیة للمحافظة على حقوق المجنی علیه والمضرور من الجریمة ، وفى الثانى نتناول أثر تقاعس السلطات الجنائیة عن حمایة حقوق المجنى علیه والمضرور من الجریمة , وذلک فی کل من الفقه الإسلامی والقانون على النحو التالی:
المبحث الأول
توافر الأسانید الشرعیة والقانونیة للمحافظة على حقوق المجنی علیه والمضرور من الجریمة فی الفقه الإسلامی والقانون الجنائی
لا شک أن تقاعس السلطات الجنائیة عن حمایة حقوق المجنی علیهم والمضرورین من الجریمة وخاصة الحقوق اللصیقة بالشخصیة التی تعد هی أساس وجود الإنسان وکیانه وله من الآثار السیئة الناجمة عن هذا التقاعس أو القصور فی هذه الحمایة الأمر الذى یؤدى إلى مسئولیة السلطات عن التخاذل عن هذه الحمایة، فإنه من الجدیر بها التعرض فی هذا المبحث إلى طبیعة هذه الحقوق اللصیقة بالشخصیة، وأساس تقریر هذه الحقوق، ثم الأسانید الشرعیة للمحافظة على الحقوق الخاصة بالمجنى علیه والمضرور من الجریمة ، وذلک فی کل من الفقه الإسلامی والقانون فی مطلبین مستقلین على النحو التالی :
المطلب الأول
توافر الأسانید الشرعیة والقانونیة للمحافظة على حقوق المجنی علیه والمضرور من الجریمة فی الفقه الإسلامی
وفى هذا المطلب سنتناول هذه طبیعة هذه الحقوق وأساس تقریرها فى کل من الفقه الإسلامی والقانون، وذلک فی الفرعین التالیین.
الفرع الأول
طبیعة الحقوق الخاصة بالمجنى علیه والمضرور من الجریمة
الواجب المحافظة علیها فى الفقه الإسلامی
وهنا سنلقى - بإذن الله وعونه - الضوء على بیان مفهوم الحقوق اللصیقة بالشخصیة وبیان طبیعتها وأساس تقریرها، ثم نتعرض للأسانید الشرعیة للمحافظة على هذه الحقوق فی الفقه الإسلامی.
أولا: مفهوم الحقوق اللصیقة بالشخصیة فی الفقه الإسلامی :
الحق فی اللغة یطلق على عدة معان أهمها: الثبوت والوجوب([98])، واصطلاحا عرفه الجرجانی بأنه: الثابت الذی لا یسوغ إنکاره([99])، ویشمل الحق جمیع أنواع الحقوق والأکثر عدالة واحترامًا للإنسان([100])، وقیل هو ما ثبت
لإنسان بمقتضى الشرع لصالحه([101])، وقیل فیه بأنه اختصاص مظهر فیما یقصد له شرعا([102])، أو هو اختصاص یقرر به الشرع سلطة أو تکلیفا([103]).
ومن الجدیر بالذکر أن الحقوق تمثل فی حد ذاتها مصالح شرعیة تخول صاحبها الاختصاص أو الاستئثار، وذلک لأن حقوق العبد إنما هی مصالحه الخاصة([104])، وأقواها على الإطلاق فی مفهوم الشرع هی الحقوق اللصیقة بشخصه التی لا تنفک عنه أو الملازمة له .
وعلى ضوء ذلک یمکن القول بأن الحقوق اللصیقة بشخص الإنسان أو بالشخصیة تعنی: حقوقه الخاصة التی لا تنفک عنه وملازمة لشخصه والتی عمل الشارع على حمایتها، وهی کل ما تعلق بمصلحة الإنسان التی أقرها الشرع على جهة الاختصاص ونظمها وفرض حمایتها([105])، فکل مصلحة مشروعة تتعلق بأی جانب من جوانب حیاة الإنسان فإنها تعد حقا له، وتشمل هذه الحقوق کل ما یمثل له مصلحة مادیة أو اعتباریة أقرها أو اعتبرها له الشارع الحکیم وأوجبها له أیا کان هذا الحق أو هذه المصلحة، وتشمل أیضا کل ما یتعلق بجوانب الحقوق سواء کانت هذه الحقوق حقوقا متمحضة أی خالصة أو کانت مشترکة بینه وبین حقوق الله –عز وجل-.
ومصالح الإنسان تتحقق فیما یجلب له نفعا أو یدفع عنه ضررا، فالمصلحة فی جلب المنفعة أو دفع المضرة، وهی من مقاصد الشرع وصلاح الخلق فی تحصیل مقاصدهم، ولذلک یقرر البعض بأن المصلحة هنا هی المحافظة على مقصود الشرع([106])، ومن منطلق ذلک یمکن القول بأن هناک حقوقا عامة وحقوقا خاصة تمثل صورة من صور الحقوق الاعتباریة([107]) أو المعنویة التی تتعلق بالکیان المادی والمعنوی بالنسبة للإنسان وهی الحقوق اللصیقة بالإنسان وغیر قابلة للتنازل عنها وتُلزم الدولة بحمایتها من الاعتداء أو الانتهاک([108]).
ومن منطلق ذلک یمکن القول بأن الحقوق اللصیقة بالشخصیة: هی الحقوق الملازمة للإنسان وتتعلق بکیان وجوده المادی والمعنوی ولا تنفک عنه بأی حال ولا یجوز إسقاطها أو التنازل عنها أو إهدارها، لأنها تتعلق باحترام آدمیته بمقوماتها الأساسیة([109])، وهی حقوق تمثل مقصود الشرع- کما سبق القول- وتتعلق بحفظ الدین، والعقل([110]) والنفس، والعرض، والنسل، والشرف والاعتبار، وهی مصالح ضروریة، لذلک کانت هدفا أسمى وغایة هامة فی التشریع الإسلامی الذی یعمل على تحریر الإنسان وتکریمه ورفع شأنه وتوفیر أسباب العزة والکرامة والشرف والاعتبار له، ولیس هذا إلا امتداد لتکریم الله – سبحانه وتعالى – للإنسان وتحقیق أهداف السعادة له فی الدنیا وتفضیله على کثیر من خلقه([111])، وتحقیق هذا الشعور له الأمر الذی یجعل هذه الحقوق أمرا طبیعیا فطریا([112])، وهی ثوابت لا تتغیر ولا تتبدل وهی المکون الحقیقی للإنسان وتختص به وبکیانه المادی والمعنوی، لذلک أوجب المشرع حمایتها([113]) وتجلت فیها الحکمة من تقریر حقوق الإنسان([114]).
وإذا کانت الشریعة الإسلامیة قد قررت حقوقًا للإنسان تمثل أساسًا لوجوده وتعایشه، إلا أنها قد فصلت ما للإنسان من حقوق وما علیه من واجبات([115])، والحقوق فی الإسلام لها وظائف اجتماعیة وقدرات معینه یمارسها الإنسان تحقیقا للصالح العام([116])، إلا أنه عند ممارسة الإنسان لحق من حقوقه یجب علیه أن یراعی حقوق الآخرین، لأن ممارسة جمیع الحقوق بما فیها حقوق الإنسان یجب أن تکون مقیدة بعدم المساس بأی حق من الحقوق الأخرى للغیر أی یکون استعمال حقه خالیا عن إلحاق الضرر بغیره([117]).
ولما کان الإنسان هو المعنِیُّ بالتکریم([118]) فی خلقه وخلقته التی صورها الله فی أحسن صورة فی قوله –تعالى-"وصورکم فأحسن صورکم"([119])، ومیزه بالعقل والتفکیر وفضله على کثیر من خلقه([120]) کان تقریر المشرع له بهذه الحقوق بمثابة الثوابت التی لا تتغیر ولا تتبدل، وهذه الثوابت هی التی تختص بها حقوق الإنسان([121]) وفی مقدمتها الحقوق الأساسیة الشخصیة التی لا تکتمل حیاة الفرد فی المجتمع ویشعر بکیانه فیه إلا بها وهی التی یطلق علیها الحقوق اللصیقة بالشخصیة التی بها مناط کیان الإنسان ووجوده وکرامته فی المجتمع الإسلامی ومحل حمایة من قبل الشارع، بل وأصبحت هذه الحقوق مناطا لمضمون حق الله، لأنه ما من حق إلا وفیه حق لله([122])، لأن حقوق العباد تعنی المصالح الخاصة بهم، أی التی تتعلق بها مصالحهم، وحق الله ما یتعلق به النفع العام للعباد من غیر اختصاص بأحد([123])، وهو مقابل حق العبد الذی یتمثل فی مصالحه، ونسبة الحق لله نسبة تشریف وتعظیم لا نسبة مصلحة لأنه – تعالى – غنی عن العالمین کما قال – سبحانه –" یا أیها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنی الحمید"([124])، وقوله – سبحانه –"فإن الله غنی عن العالمین"([125]).
کما أن الله-عز وجل-خلق الإنسان وأناط به وظائف عدیدة فی الکون وهو على وجه هذه البسیطة، تأتی فی مقدمتها القیام بحق الله عز وجل فی قوله تعالى" وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون"([126])،وإعمار الکون فی قوله تعالى" هو أنشأکم من الأرض واستعمرکم فیها"([127]) أی أمرکم بعمارة ما تحتاجون إلیه فیها([128])، ولذلک اهتم به الإسلام اهتماما بالغا وقرر له حقوقا اقترنت بالعدید من المصالح وأوجب المحافظة علیها وجعلها من قبیل الضروریات([129]) أیا کان تعلق هذه المصالح بالإنسان أی سواء کانت بحیاته أو سلامة جسده أو أعضائه أو عرضه أو ماله أو عقله وذلک بعد الدین الذی یأتی فی مقدمة هذه الضروریات.
ولما کان الإنسان کائنا اجتماعیا بطبعه([130]) نظرا لتبادل المنافع بینه وبین غیره وتحقیق مصالحهم لا تتم إلا باجتماعهم واحتکاکهم ومعاملتهم لحاجة بعضهم إلى بعض([131])، فکثیرا ما تتعارض بسبب ذلک المصالح وحینئذ تکون المغالبة والتشاحن والتنازع وقد یؤدی إلى اعتداء البعض منهم على الآخر، مما یترتب على ذلک حدوث ضرر للبعض بسبب هذا الاعتداء على حق من الحقوق، فیصبح مضرورًا، وقد یقع الاعتداء على الشخص فی نفسه أو فی جسده – أی فیما دون نفسه- فیصیر مجنیًا علیه، وحینئذ تنشأ لکل منهم حقوق من جراء هذا الاعتداء فکان لابد من استیفاء الحق فی إطار العدالة الجنائیة والإنصاف، وهذا یتطلب وجود السلطة التی تقوم على رعایة مصالح الناس([132]) وإنصافهم والمحافظة على مصالحهم خاصة من لحقه الضرر من الاعتداء علیه أو على حق من حقوقه، وهذا لا یکون إلا بسلطان له القوة والمنعة والغلبة لیرعى مصالح الرعیة، وهو منهج السیاسة الشرعیة فی حفظ الحقوق والمصالح فی الإسلام([133])،فلا إسلام ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة([134]) وإلا کانت الفوضى والمغالبة والتناحر، فالأمر على الأنفس والأموال لا ینتظم إلا بسلطان مطاع([135])، ولا یکون ذلک إلا بوجود الحاکم أو الإمام، لأن الإمامة ریاسة فی الدین والدنیا، أو السلطة التی تتولى سیاسة أمور الناس سواء ما تعلق منها بشئون أخراهم أو دنیاهم، ولأن الحکم لا بدل له من حاکم، والشرع لابد له من منفذ وهو السلطة المتمثلة فی الإمام أو الحاکم([136]).
وقد کفلت أحکام الإسلام للذات الإنسانیة حریتها بأن أمَّنَت على نفسه ومنعت أذى الأخرین عنه، ووضعت العقوبات التی تمنع الاعتداء علیها وتعاقب من یفعل ذلک، فلا قتل ولا بطش ولا عدوان إلا على الظالمین([137]).
ولا مجال للاعتداد بالحریة الشخصیة التی یتفلت بها الإنسان من القیود الشرعیة والأخلاقیة أو الإنسانیة والأدبیة أی یسیر فی حیاته کما شاء ویرتکب المحرمات کما یرید، فالحر هو الذی لا یهدر حق غیره أو یعتدی علیه ولا یسیر حسب شهواته، فالأمة الحرة هی التی تأنف الضیم وتحفظ الحقوق وتبنی الأمجاد([138])، لذلک کفل الإسلام للذات الإنسانیة حریتها بأن أمنت الإنسان على نفسه ومنعت أذى الآخرین عنه، ووضعت العقوبات التی تمنع الاعتداء علیها ومنعت ترویع الإنسان أو تهدیده، وحفظت عورات المسلمین، ومنع التجسس على العبد إلا على العدو لمعرفة أخباره، ومعرفة أخبار الناس لإقامة العدل بینهم ومنع الفساد عنهم، ونقل أخبار الظلم الذی یقع علیهم من قبل الولاة والموظفین إلى الحکام أو السلطان لیرفعه عنهم ویعاقب الظالمین([139]) الذین تجاوزوا حدود سلطاتهم، ولیحفظ المجنی علیهم والمضرورین حقوقهم دون إهدار أو ضیاع لها.
کما لا یجوز الاحتجاج لأی معتدی أو ظالم بأن الضرر الذی لحق المجنی علیه أو المضرور إنما هو مقدور علیهم قبل خلقهم، وبالتالی فلا حق للمضرور أو المجنی علیه تجاه العباد ولا یوصف المعتدی أو الظالم بأن فعله وافق مقدور الله فی المضرور أو المجنی علیه إذ لا یجوز الاحتجاج له بذلک، وذلک لأن علم الله حق محض مستحیل أن یخالف الواقع، فإن الله علم أن ما سیکون کیف یکون، فکتبه على الخلق بمحض اختیارهم وسبق علمه([140])، وفی عالم الشهادة یکون الحساب وتکون المساءلة على ضوء الأسباب والمسببات، وأنه لا یظلم أحدا کما قال سبحانه-" ولا یظلم ربک أحدا"([141])، وقوله تعالى" إن الله لا یظلم مثقال ذرة"([142])، وقوله سبحانه" فما کان الله لیظلمهم ولکن کانوا أنفسهم یظلمون"([143])، وقوله سبحانه" وما ربک بظلام للعبید"([144]).
وعلى ضوء ذلک فمن ینال من حق غیره أو یهدر مصلحة من مصالحه بدون مبرر شرعی فإن سیف العقاب یکون الوسیلة الوحیدة التی لا سبیل له غیرها، فلو قتل فإنه یقتل وإلا أَودَى القتیل فی العفو أو الخطأ، وإن رَوَّعَ یُرَوَّع، وإن سرق فإنه یقطع، وإن زنا فإنه یجلد أو یرجم، وإن قذف فإنه یجلد، وإن نال من حق ما من حقوق الإنسان فإنه یعاقب بالعقوبة المقررة شرعا فی هذه الحالة، ولو کانت تعزیرا فی صورة جلد أو حبس أو تشهیر به، کما هو الحال بالنسبة للسارق([145]) قبل تمام السرقة أو بعد تمامها بتعلیق یده المقطوعة فی رقبته والطواف به فی الأماکن العامة، وشاهد الزور([146])، لأن التعزیر نظام عقابی یوفر عقابًا لکل معصیة لا حد فیها ولا کفارة سواء کانت هذه المعصیة اعتداء على حق الله أم على الحق العام، أو على حق للأفراد([147]) وهو منوط بالسلطة العامة المنوط بها الحفاظ على مصالح الرعیة التی عوَّل علیها الشارع([148]) وحمایتها سواء قبل الجریمة أو بعدها، وبذلک یمکن القول بأن السلطة متى التزمت بذلک یکون قد قامت بواجبها تجاه حقوق المجنی علیه أو المضرورین من الجریمة، وإذا تقاعست فإن هذا التقاعس یکون مبررا لمسئولیة هذه السلطات عن عدم القیام بواجبها لإهدار حق المجنی علیهم والمضرورین من الجریمة.
الفرع الثانی
الأسانید الشرعیة للمحافظة على الحقوق الخاصة بالمجنی علیه
والمضرور من الجریمة فى الفقه الإسلامی
مما لا شک فیه أن الحقوق والمصالح المقررة شرعا للإنسان بوجه عام فی الفقه الإسلامی ومصالح وحقوق المضرور بوجه خاص محل حمایة فی الشریعة وذلک لوجود العدید من المبررات والأسانید الشرعیة التی أساسًا لحمایة هذه المصالح أو الحقوق ومن أهم هذه الأسانید:
أولا: إن هذه الحقوق تمثل مصالح ضروریة للمضرور من الجریمة أیا کان هذا المضرور مجنیا علیه أو لحقه الضرر بسبب الجریمة، إذ لا غنى لأی منهما عن هذه الحقوق خاصة إذا کانت هذه المصالح من جملة المصالح التی أولاها الشارع اهتماما بالغا وأدخلها فی عداد الضروریات، وهذه الحقوق أو المصالح هی التی تتعلق بکیان الإنسان ووجوده، ولذلک اعتبرت حقوقا لصیقة بالشخصیة لا تنفک عنه بأی حال من الأحوال، ومن هنا فقد أضفى علیها سیاجا من الحمایة الکفیلة بالحفاظ على هذه الحقوق أو المصالح التی أناط بها الشارع العقوبات ذات الجسامة البالغة کما هو الحال بالنسبة للعقوبات الحدیة، أو القصاص، أو غیرها مما قرره الشارع من العقوبات کالقطع بالنسبة للأعضاء المستحقة قصاصا أو الرجم، وأیا کانت صفة هذه المصالح، فقد تکون المصلحة المعتدى علیها تتعلق بالحیاة أی بالنفس أو مما دون النفس کالقطع لعضو ما من الأعضاء، أو التی تتعلق بالعرض أو بالعقل أو بالمال، وأیا کانت هذه الحقوق أو المصالح فهی محل للحفاظ علیها من قبل الشارع، ولذلک جرم الاعتداء علیها سواء أدى هذا الاعتداء لإتلاف النفس وما یتعلق بها من مصالح أو العضو أو لانتهاک العرض أو العقل، فلم یشرع القتل إلا من أجل الحق ودفاعا عن الحق([149])، وفی غیر ذلک قرر القصاص لقوله تعالى" یا أیها الذین ءامنوا کتب علیکم القصاص فی القتلى"([150])، کما حرم التجنی على العقل حفاظا على هذه النعمة وما لها من أثر فی حیاة الإنسان وإدراکه، وعلى العرض حفاظا لحق الإنسان فی النسل([151])، وبوجه عام تکفل الاسلام حمایة هذه الحقوق لما تتضمنه من مصالح تمثل مقومات الإنسان فی هذه الحیاة، لأن حقوق العباد هی مصالحهم، التی ترجع الى حیاة الإنسان وتمام عیشه([152])، فالشریعة تعد أساس الحق ولیس الحق أساس الشریعة([153])، فهی منشؤه ولذلک تکفلت بحمایته فإذا ما وقع على أی حق أو مصلحة اعتداء کان لصاحب الحق مطالبة الدولة بحمایته للمحافظة على حقوقه الناجمة عن هذا الاعتداء.
ثانیا: ارتباط هذه الحقوق بحق الله ارتباطًا وثیقًا:
بالإضافة إلى کون هذه الحقوق من الحقوق الضروریة التی تمثل سندا من الأسانید الشرعیة، فإن ارتباط هذه الحقوق بحق الله -عز وجل- یؤکد وجوب المحافظة على هذه الحقوق أو هذه المصالح، وذلک لأن هذه الحقوق لا تنفک عن حق الله بأی حال، فهی حقوق مشترکة مع حق الله –عز وجل-([154])، وحتى على القول بأن هناک حقوقا محضة خاصة بالعباد([155])، إلا أن ذلک من باب تغلیب حق العبد على حق الله لتعلق ذلک بمصالحه الدنیویة، وهذا الجانب مراعى فیه جانب العبد، لأن حق العبد هو مصالحه التی لا غنى للعبد عنها فی حیاته ومعاشه-کما سبق القول-، بخلاف حق الله وإن کان حقا خالصا له –سبحانه وتعالى-، إلا أن مرده إلى تعلق النفع للعباد به، ولذلک کانت نسبته إلیه –سبحانه وتعالى- نسبة تشریف وتعظیم([156]) لا نسبة مصلحة أو حاجة له کالعباد، ومن هنا کان تفعیل حق الله تعالى فی جانب حقوق الله، وتفعیل حق العبد فی جانب حقوق العبد دون إسقاط حق الله، لأنه ما من حق إلا وفیه حق لله([157])، فإهدار حق العبد هو إهدار لحق الله، وإذا أسقط العبد حقه فإن حق الله باق لا یسقط لأن حق الله لا یجوز إسقاطه([158]).
وعلى ضوء ذلک یمکن القول أن إهدار حق المضرور بسبب الجریمة هو إهدار لحق الله المتعلق بحق المضرور أو بحق المجنی علیه.
ثالثا: تفعیل السیاسة الجنائیة والشرعیة فی المحافظة على هذه الحقوق:
وهذا التفعیل یتجلى واضحا فی تحقیق المقاصد الشرعیة التی اطلعت بها السیاسة الشرعیة التی هی بمثابة السیاسة الأم الشاملة المشتملة على کافة السیاسات الأخرى المنوطة بها تنظیم جوانب الحیاة المختلفة فی المجتمعات الإسلامیة وخاصة السیاسة الجنائیة التی انبثقت من هذه السیاسة الأم، وذلک بتقریر العقوبات الجنائیة لتحقیق الزجر والردع([159]) لدرء المفاسد المتوقعة على العصاة ردعا وزجرا من الوقوع فی المحظورات، وزجراً لمن یقدم بعدهم على المعصیة([160]) ولحمایة حقوق المجنی علیه الذی وقع علیه الاعتداء أو نالت منه الجریمة فی أی حق من حقوقه، وکذلک حمایة لحقوق المضرور من الجریمة وذلک بتطبیق العقوبات الجنائیة المقررة لهذه الجرائم لتحقیق الزجر والردع للجناة وکل من تسول له نفسه بذلک.
فتطبیق عقوبة القصاص فی جرائم الدماء تعنی استئصال الجانی من عداد المجتمع وإفناء حیاته تمثل أقصى العقوبات الزاجرة والردع التی تنأى بأی شخص عن الإقدام على مثل هذه الجریمة، وتطبیق عقوبة الحرابة أصلح فی معنى الزجر والردع من العقوبات الأخرى لما فیها من الشدة والإیلام النفسی لمن یشاهد تطبیق هذه العقوبة وبالأولى لکل من حدثته نفسه باقتراف نفس الجریمة أو سولت له بفعلها، وهذه العقوبات لیست إلا مظهرا من مظاهر تفعیل السیاسة الجنائیة التی قررها الشارع لتحقیق مقصد الشارع فی المحافظة على الحقوق المنوط بها حمایتها بوجه عام وحقوق المجنى علیه والمضرور من الجریمة عند تطبیق هذه العقوبات بوجه خاص، وهذا المعنى لا یتخلف وجوده فی العقوبات الأخرى التی تمثل مظهرا من مظاهر السیاسة الجنائیة لحمایة حقوق ومصالح کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة وإن اختلفت درجة الزجر والردع فیها کالحبس أو الجلد فی جرائم التعزیر([161]) عما هو مقرر فی الحدود والقصاص.
رابعا: عدم شرعیة التنازل أو الرضا بالجریمة الواقعة على هذه الحقوق:
لما کانت هذه الحقوق التی قررها المشرع للإنسان وأثبتها له هی حقوق تتعلق بکیان الإنسان ووجوده، واعتبرها المشرع من قبیل المقاصد الشرعیة([162]) والضروریات الی أولاها بالحمایة الجنائیة، فإن المشرع جرم التنازل عنها أو عن إسقاط جوانب الحمایة الجنائیة التی قررها المشرع لها، کما لم یعول المشرع أیضا على رضاء الشخص بالجنایة علیها أو بالسماح للغیر بالاعتداء علیها أو النیل منها وذلک لما لله فیها من حق، وعلى ذلک فلا یجوز للشخص أن یتنازل عن الحق فی حیاته أو فی سلامة جسده([163])أو أعضائه، کما لا یجوز له التنازل عن عرضه أیا کان السبب وأیا کان الباعث وذلک لما لله فیه من حق، فما من حق من هذه الحقوق إلا ولله فیه حق، یجب المحافظة علیه وفقا –للقاعدة السابقة- (ما من حق إلا وفیه حق لله)، ولذلک کان تنازل الشخص عن حق ما من هذه الحقوق هو تنازل عن حق الله وإسقاط له، وحق الله لا یقبل الإسقاط، کما أنه حق محافظ علیه شرعا([164]).
ومن هذا المنطلق کان تجریم المشرع للتنازل عن أی حق من هذه الحقوق، ولا اعتبار شرعًا لرضا الشخص بالاعتداء علیه للنیل منه أو لإهداره، الأمر الذی لم یدع مجالا للشک فی وجوب المحافظة علیه شرعًا، وأن تجریم المشرع للاعتداء على هذا الحق أو المساس به یعد سندًا من الأسانید الشرعیة التی تبرر وجوب المحافظة على حق المجنی علیه أو المضرور من الجریمة لتضمنها حق الله، وحتى لو أسقط الشخص حقه فإن حق الله لا یسقط –کما سبق القول-، هذا بالإضافة إلى إهدار حقوق الغیر المتعلقة بالمجنی علیه أو المضرور من الجریمة فی حالة إفلات الجانی من تحت ید العدالة أو السلطات الجنائیة، ومن هذه الحقوق حقوق الأسرة من الزوجة والأولاد والوالدین، التی یمثل صورة من التکافل العائلی الاجتماعی فی الإسلام، فنفقة الزوجة على الزوج، والأبناء على الأب، ونفقة الوالدین الفقیرین على الولد القادر، ونفقة الأخ الفقیر أو المحتاج على أخیه الذی یرثه، ونفقة القریب الفقیر على القریب الغنی واجب شرعی، فإذا ما وقعت الجنایة علیه وأهدرت نفسه انعکس ذلک على هؤلاء فحرموا منه وضاعت حقوقهم التی تعلقت به وأصبحوا دون غیرهم المضرورین من الجریمة.
ونفس الأمر فی جرائم القتل وإتلاف الأعضاء حیث یؤدی ذلک الاعتداء إلى فقد قدرة عائلهم على العمل والکسب للإنفاق علیهم الأمر الذی یؤدی بالأسرة والأقارب إلى فقدهم للمصدر الذی کانوا یعتمدون علیه فی حیاتهم ومعایشهم، وحینئذ یستحق المجنی علیه أو المضرور من الجریمة التعویض عن الضرر الذی لحقه من جراء الجنایة التی وقعت علیه إما من الجانی أو من الدولة فی حالة إفلات الجانی وتقاعس السلطات عن إحکام قبضتها على الجانی وتقدیمه للمحاکمة أو القصاص من الجانی قصاصا عادلا.
ونفس الأمر فی القتل الخطأ حیث تجب الدیة لورثة المجنی علیه، وقد یکونون صغارا فتعینهم على مواجهة الحیاة وکذلک نوائب الدهر بعد فقد موروثهم بسبب الجنایة علیه، لذلک کانت الدیة هنا تمثل ضمانا من المجتمع لورثه المقتول، فلا یضیع الدم هدرا فی مجتمع مسلم([165]) وذلک فی حالة الجنایة الخطأ على النفس لقوله تعالى" ومن قتل مؤمنا خطأ فتحریر رقبة مؤمنة ودیة مسلمة إلى أهله"([166])، وأیضا فی حالة العفو عن القصاص فی العمد لقوله تعالى" یا أیها الذین ءامنوا کتب علیکم القصاص فی القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفی له من أخیه شیء فاتباع بالمعروف وأداء إلیه بإحسان"([167])، وفی حالة عدم القدرة على الجانی أو إفلاته من تحت ید العدالة فإن المسئولیة تقع على عاتق الدولة حینئذ تضامنا مع رعایاها المضرورین من الجریمة استنادا إلى تقریر مسئولیة ولى الأمر عن رعایاه([168]) لقوله-صلى الله علیه وسلم- "کلکم راع وکلکم مسئول عن رعیته"([169]).
خامسا: تفعیل سلطة الحاکم وهیبته فی حمایة أمن المجتمع ومسئولیته عن إهدار حقوق المجنی علیهم والمضرورین من الجریمة:
مما لا شک فیه أن قوة الحکم إنما تأتی من هیبة السلطان، فکلما کان السلطان قویا ذا هیبة کلما کان ذلک أدعى إلى حمایة الحقوق فی المجتمع، ومن هؤلاء حقوق المجنی علیهم والمضرورین من الجریمة، لأن الحکام لا یستطیعون الاعتماد على السلطة الشرعیة وحدها فی حفظ الحقوق بل لابد لهم من القهر والغلبة من آن إلى آخر([170])، وذلک حسب ما تقتضیه المصلحة المشروعة أو التی یقرها المشرع.
ولما کانت المصلحة فی الإسلام تعنی جلب المنفعة ودفع المضرة، وکان المشرع هو الذی یقرر المصلحة الحقیقیة للأمة و الدولة([171]) والأفراد بوجه عام والمجنی علیهم أو المضرورین من الجریمة بوجه خاص، وکان ولی الأمر أو الحاکم أمین على مصالح الرعیة لما له من سلطان وقوة وقهر وغلبة -کما سبق القول-، فإن المحافظة على حقوق المضرورین من الجریمة أو المجنی علیهم لا تکون إلا بتفعیل هذه السلطة أو الهیبة لمنع هذه الحقوق أو المصالح من الإهدار، وإلا ضاعت هذه الحقوق والمصالح وأهدرت، ولذلک فإن الحاکم أو الرئیس لا یختار إلا القوی الأمین([172]) من الأصل فی رجاله، لأنه منوط به مصالح الرعیة([173])، ولأنه قدوة فی ذلک، ومن هنا فإن ضیاع القدوة یعنی ضیاع الهیبة تماما([174]) ومتى ضاعت الهیبة ضاعت السلطة وذاب أثرها فأهدرت الحقوق والمصالح، فبوجود الهیبة تحفظ الحقوق وتُفَعَّل سلطة الحکام، وبضیاعها تهدر هذه الحقوق والمصالح، أی أن هذه الهیبة هی العامل الرئیسی لکل سلطة([175]) فإذا ما تقاعس الحاکم أو ولی الأمر وضاعت هیبته فإنه یتحمل مغبة تقاعسه لتعویض حق کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة، وهو ما یمثل سند کل منهما فی تحمل الدولة مغبة تقاعسها تجاههم([176]).
سادسا: تحقیق العدل والمساواة بین الرعیة فی الدولة الإسلامیة:
وهذا المبدأ یعد من أهم المبادئ الدستوریة المقررة فی الدولة الإسلامیة الذی قامت علیه الشریعة الغراء حیث لم تفرق بین غنی أو فقیر أو وجیه أو وضیع، بل الکل تحت ظل هذا المبدأ سواء، وقد تواترت الأدلة على تقریر هذا المبدأ فی الکتاب لقوله تعالى "یا أیها الناس إنا خلقناکم من ذکر وأنثى وجعلناکم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أکرمکم عند الله أتقاکم"([177])، وفی السنة قوله – صلى الله علیه وسلم-" لا فضل لعربی على أعجمی إلا بالتقوى"([178])، وغیر ذلک من الأدلة الواردة فی الشریعة کالإجماع.
وعلى الرغم من وجود بعض الاستثناءات لهذا المبدأ وفقا لبعض المعاییر التی عوّل علیها المشرع فی مجال المفاضلة بین الناس([179])، إلا أنه فی مجال الدماء تنتفی أوجه المفاضلة وتتأکد المساواة والعدل المطلق تحت ظل هذا المبدأ، ومن منطلق هذا المبدأ کان لا مناص من حمایة حقوق الرعیة والمحافظة علیها فی الدولة الإسلامیة وتجریم الظلم، ووجوب المساواة بینهم([180])، وهذا یقتضی إنصاف المظلومین من جراء الاعتداء الذی وقع على حق من حقوقهم وخاصة المجنی علیهم أو المضرورین فی جرائم الدماء التی أوجب المشرع المحافظة علیها وذلک بتطبیق العقوبة المقررة شرعا على المعتدی أیا کانت وجاهته أو مکانته تطبیقا لقواعد العدالة والإنصاف وشفاءاً لغیظ المجنی علیه([181]) أو المضرور من الجریمة، لأن قانون المساواة فی الشریعة یوجب أن تتساوى العقوبة مع الجریمة، وأن یتساوى الأذى الذی نزل بالمجنی علیه مع الأذى الذی ینزل بالجانی عقوبة له([182]).
وإذا تقاعست السلطات الجنائیة عن إنصاف المظلوم بالقبض على الجانی وتقدیمه للسلطات المنوط بها محاکمته أو النیل منه استیفاءا لحق المعتدی علیه أو المظلوم، أیا کان مجنیا علیه أو مضرورا من الجریمة فلا مناص حینئذ من مسئولیة ولی الأمر أو الدولة عن تقصی آحادها بتعویض المجنی علیه بالدیة له من بیت المال([183]) أو الخزانة العامة وحینئذ تتجلى بعض مظاهر العدالة والإنصاف بحکم الضرورة التی لا بدیل عنها حینئذ لجبر خاطر کل من المجنی علیه أو المضرور من الجریمة، وذلک لأن کلا منهما قد یرضخ لقبول الدیة حینئذ وهو مضطر لفوات حقه العینی فی القصاص الذی لا یشفى غلیله سواه أو تشفِّیه الذی لا یصلح إلا به، لأن أعقابهم –فی الدماء- قد یُعَیَّرون بأخذ المال([184])، ولکنه فی هذه الحالة وبحکم الضرورة یُعَوَّض المجنی علیه أو المضرور من الجریمة – أی فی حالة فوات القصاص فی النفس وفیما دونها – هوما تتجلى فیه قواعد العدالة والإنصاف شرعا، ومن الجدیر بالذکر أنه إذا ظهرت أمارات العدل فثمَّ شرع الله ودینه([185]).
ولما کان السؤال هو وسیلة لطلب الحق، فإنه یجب على المجنی علیه أو المضرور من الجریمة سؤال ولی الأمر ومطالبته بحقه فی هذه الحالة لیقیم الدعوى على مرتکب الجریمة([186])، لأنه هو المنوط به حمایة هذه الحقوق وتکلیف السلطات الجنائیة والقضائیة لحمایة حقه، ولأن طلب المجنی علیه والمضرور من الجریمة یفصح عن رغبته الأکیدة أو تصمیمه فی حقه فی الحصول على حقه المعتدى علیه أو التعویض عنه.
وهذا المطلب من المجنی علیه أو المضرور من الجریمة بالتعویض عن حقه لولی الأمر یعد أثرًا من الآثار التی أکدتها الأسانید الشرعیة لتقریر هذه الحقوق ووجوب الحفاظ علیها من الاعتداء الذی وقع علیها، ولا شک فی أن عدم قیام السلطات بواجبها فی ذلک –أی فی تحقیق مطلب کل من المجنی علیه والمضرور من الجریمة -یعد تقاعسا منها تجاه حمایة حقوق کلٍ منهما وذلک على خلاف ما کانت تقتضیه قواعد العدالة الجنائیة للحمایة المنوطة بهذه السلطات.
المطلب الثانى
توافر الأسانید القانونیة للمحافظة على حقوق المجنی علیه
والمضرور من الجریمة فی القانون الجنائی
وسوف نتناول طبیعة الحقوق الخاصة بالمجنی علیه والمضرور من الجریمة الواجب المحافظة علیها فی القانون الجنائى ثم نتعرض لتوافر الأسانید القانونیة للمحافظة على هذه الحقوق فى القانون.
الفرع الاول
طبیعة الحقوق الخاصة بالمجنى علیه
والمضرور من الجریمة فى القانون الجنائى
سبق أن أشرنا إلى أن الحقوق اللصیقة بالشخصیة هی الحقوق التی تقرر للشخص بصفته إنسان، ویعتبر القانون المصدر المباشر لهذه الحقوق، ومن أمثلة هذه الحقوق حق الفرد فی الحیاة وفی سلامة کیانه المادی، فلا یجوز الاعتداء على حیاة الإنسان أو على جسمه.
طبیعة الحقوق اللصیقة بالشخصیة:
هی الحقوق التى تتقرر للشخص بصفته إنسانا، ولذلک یطلق علیها –کما سبق-الحقوق اللصیقة بالشخصیة أو الحقوق الشخصیة، ویعتبر القانون هو المصدر المباشر لهذه الحقوق، ومن أمثلة هذه الحقوق، حقوق الفرد فی سلامة کیانه المادی" جسده"، فلا یجوز الاعتداء على حیاة الإنسان أو على جسمه، وقد کفل کلا من القانون المدنی وقانون العقوبات الوسائل والجزاءات التى تکفل لکل إنسان الدفاع عن کیانه المادی([187]).
کما تشمل هذه الطائفة من الحقوق، حق الشخص فی حمایة کیانه الأدبی أو المعنوی " کالشرف والاعتبار والخصوصیة والفکر والعقیدة والعمل والانتقال والاسم والصورة والإنتاج الذهنی([188]).
ولا یقتصر الامر على ذلک فقط، بل تشمل أیضاً کافة الحقوق التى تُمکن الشخص من مزاولة نشاطه المدنی داخل الجماعة مثل الحریات الشخصیة کحریة التنقل والتملک وحرمة المسکن، وحریة الإقامة، والعمل، والزواج، وغیرها من الحریات([189]).
خصائص الحقوق اللصیقة بالشخصیة:
تتمیز الحقوق العامة على أساس ارتباطها الوثیق بشخصیة الإنسان بعدة خصائص نجملها فیما یلى :
1- عدم قابلیة الحقوق اللصیقة بالشخصیة للسقوط أو الاکتساب بالتقادم: فهذه الحقوق لا تسقط بعدم الاستعمال مهما طال الزمن ، فحق الإنسان على اسمه لا یسقط بعدم الاستعمال، کما أن مرور فترة من الزمن لا یکسب الشخص حقاً من هذه الحقوق قبل الغیر([190])، لأن هذه الحقوق لا یرد علیها التقادم سواء تعلق الامر بالتقادم المکسب أو المسقط([191]).
2- عدم قابلیة الحقوق اللصیقة بالشخصیة للتنازل عنها أو التصرف فیها: الحقوق اللصیقة بالشخصیة هی حقوق مفروضة على الإنسان، فلا یجوز للشخص التنازل عنها أو التصرف فیها، فهی تخرج عن دائرة التعامل([192])، فلا یجوز للمریض أن یتفق مع طبیب على إزهاق روحه للتخلص من مرض لا یرجى شفاؤه، ولا یجوز إجبار شخص على أن یبیع جزءاً من جسمه أو عضو من أعضائه، ولا یجوز للشخص النزول عن حریته الشخصیة، بأن یتنازل مثلاً عن حریة السکن أو الانتقال، أو العمل، أو الزواج، أو غیر ذلک من الحقوق اللصیقة بالشخصیة([193]).
3- الحقوق اللصیقة بالشخصیة حقوق غیر مالیة: الحقوق العامة أو الحقوق اللصیقة بالشخصیة لا تقوم بمال، فهی حقوق غیر مالیة، ولکن الاعتداء على هذه الحقوق ینشئ للمعتدى علیه حقاً فی التعویض، وینشأ الحق فی التعویض سواء أکان الضرر الناشئ عن الاعتداء مادیاً أو أدبیاً، لأن التعویض یشمل الضرر الأدبی([194]).
4- الحقوق اللصیقة بالشخصیة لا تنتقل بالإرث: ترتبط الحقوق العامة بالإنسان، بحیث تنقضی بموته، وانقضاء شخصیته، فلا تنتقل من بعد موته بالمیراث إلى ورثته([195]) إلا إذا ترتب على الضرر المعنوی أو المادی الذی أصاب الورثة من جراء موت موروثهم بالاعتداء علیه.
فالورثة لا یستطیعون مباشرة الدعاوى الخاصة بهذه الحقوق ویستثنى من ذلک ، إذا کان الحق فی التعویض أساسه الضرر الأدبی أو المعنوی الذى أصاب الشخص فی سمعته کالسب أو القذف أو الضرر المادی –کما سبق القول-، فإن هذا الحق ینتقل إلى الورثة إذا کان قد تحدد بمقتضى اتفاق أو طالب به أو المضرور المعتدى أمام القضاء، أما قبل الاتفاق أو المطالبة القضائیة، فلا ینتقل الحق فی التعویض إلى أحد فإذا توفى المضرور قبل حصول الاتفاق أو المطالبة القضائیة، فإن الحق فی التعویض لا ینتقل إلى ورثته، بل یزول الحق بموته([196]).
ونظرا لطبیعة الحقوق اللصیقة بالشخصیة فإنها ترتبط ارتباطا وثیقا بالکیان المادی والمعنوی بالنسبة للشخص، لذا کانت محل اعتبار للأنظمة المختلفة فیما یتعلق بوجوب حمایة هذه الحقوق والزود عنها، والدفاع عنها، والتقاضی بشأنها، وبالتالی تقریر المسئولیة الجنائیة والمدنیة فیما یتعلق بمن یقوم بالاعتداء او انتهاک حرمة هذه الحقوق، سواء کان المعتدى شخصا طبیعیا أو شخصا معنویا، بالإضافة إلى تقریر مسئولیة الجهات والسلطات المنوط بها حمایة هذه الحقوق، والتعویض عنها لکل من المجنى علیهم والمضرورین من الجریمة سواء کان الضرر مادیا أو معنویا، ولا ینتهى الحق فی التعویض عند المجنى علیه أو المضرور بل ینتقل هذا الحق إلى ورثته([197])، ومن منطلق ذلک کان لکل إنسان الحق فی الدفاع عن کیانه المادی([198]) والمعنوی([199]).
الآثار الناجمة عن طبیعة هذه الحقوق اللصیقة بالشخصیة:
لما کانت هذه الحقوق تمثل مصالح الشخص فی المجتمع، وتتعدد المصالح بالنسبة له بین مصالح شخصیة ومصالح اجتماعیة , کانت حمایة هذه الحقوق محل اعتبار لدى الأنظمة المختلفة وخاصة فی القانون السعودی([200])، وذلک لتعدد المصالح المختلفة بالنسبة لهذه الحقوق بالنسبة لکل من الفرد من جانب، والمجتمع من جانب آخر، وأن أی اعتداء على أی حق من هذه الحقوق فإن الدولة مکلفة بدفع هذا الاعتداء من جانب، ومحاکمة هؤلاء المعتدین على هذه الحقوق من جانب آخر، وتعویض الدولة لضحایا الجرائم من جانب ثالث، فالتعویض حق للضحیة ولیس منحة من الدولة، إذ أن واجب الدولة کفالة حمایة مواطنیها والمقیمین على أرضها، وتقرر مسئولیة الدولة بتعویضه بغض النظر عن حاجته أو مستوى دخله الاجتماعی، ودون الحاجة إلى إثبات تقصیر الدولة فی منع وقوع الضرر([201])، وفقا للأحکام المقررة قانونا، ووفقا للشروط والضوابط التى تنص علیها مختلف قوانین التعویض، أیا کانت هذه الشروط إجرائیة أو موضوعیة، وأیا کان المدى المتعلق بهذا التعویض.
بالإضافة إلى أن تمویل برامج تعویض المضرور تعتبر متوافرة حتى ولو کانت الدولة التى سوف تتبنى برامج التعویض دولة فقیرة، لأنه لیس مطلوبا من الدولة سوى القیام بعملیة تنظیمیة فقط، وبذلک لا یرتبط وجود أو عدم وجود مصادر التعویض بمدى غنى و فقر الدولة المقررة له، ولکن تأثیر الظروف الاقتصادیة یترکز أساسا فی مقدار ما یدفع للمضرور، هل فی الدول النامیة یأخذ المضرور من التعویض مثل ما یأخذه مضرور آخر عن نفس الإصابة فی دولة غنیة؟، هنا فقط یکون تأثیر فقر أو غنى الدولة([202])، وذلک لأن الدولة ضامنة لهذه الحقوق وتأکیدها قضاءا وإنفاذها جبرا، إذ أن مجرد امتناع الدولة عن التدخل فی نطاقها دون مقتض یعتبر کافیا لضمانها([203]).
فالدساتیر تعمل على تقدیر القیم القانونیة لهذه الحقوق، واعتبارها من الحقوق الطبیعیة الکامنة فی النفس البشریة الغائرة فی أعماقها والتی لا یمکن فصلها عنها، ومنحها بذلک الرعایة الأوفى والأشمل تأکیدا لقیمتها، ولکن بما لا یخل بالحق فی تنظیمها([204]).
وهو ما أکدته الأنظمة السعودیة فی هذا المجال سواء کان فی نظام الحکم([205])، أو فی نظام الإجراءات الجزائیة ولائحته التنفیذیة([206]), وأن عدم قیام السلطات الجنائیة بواجبها تجاه حمایة هذه الحقوق لکل من المضرور والمجنى علیهم یستوجب المساءلة الجنائیة والإداریة.
المقارنة بینهما :
من خلال دراسة طبیعة الحقوق بوجه عام واللصیقة بالشخصیة بوجه خاص فی کل من الفقه الإسلامی والقانون، یتضح لنا: أن الأنظمة القانونیة تتفق مع الشریعة الإسلامیة فیما یتعلق بالعمل على الحفاظ على هذه الحقوق، وحمایتها من انتهاک حرمة أی حق منها، بالإضافة إلى أن تقاعس السلطات الجنائیة عن حمایة هذه الحقوق یستوجب المساءلة الجنائیة والإداریة نتیجة عدم قیام هذه السلطات عن حمایة هذه الحقوق.
الفرع الثانى
الأسانید القانونیة للمحافظة على الحقوق الخاصة بالمجنى علیه
والمضرور من الجریمة فى القانون الجنائى
وتتمثل هذه الأسانید فى الأساس القانونى القائم علیه تلک الحقوق وهذا یتنوع إلى الأساس القانونى والأساس الإجتماعى لمسئولیة الدولة عن تعویض المجنى علیه والمضرورین من الجریمة من جراء الاعتداء على حقوقهم ومصالحهم المشمولة بالحمایة الجنائیة , وذلک للاعتبارات المعول علیها قانونا والتى کانت أساسا لحمایة هذه الحقوق , لأن هذه الحقوق تمثل قیما قانونیة واجتماعیة جدیرة بالحمایة , ولذلک عولت التشریعات الدستوریة والقانونیة على تقریر الحمایة الجنائیة لهذه المصالح والحقوق , وأضفت علیها الحمایة الجنائیة للحفاظ على هذه الحقوق من الاعتداء.
فمما لا شک فیه أنه فی مجال الحمایة الداخلیة المقررة لحقوق الإنسان فقد رسم المنظم الوضعی حدود الحمایة التى أصبغها على حقوق الإنسان من خلال النصوص التشریعیة التى قررها فی هذا الصدد، وقد کان مصطلح "حقوق الإنسان" محل اعتبار فی المیثاق التأسیسی للأمم المتحدة، مما یجعل تعزیز حقوق الإنسان وحمایتها غرضا رئیسا ومبدأ توجیهیا أساسیا للمنظمة، وذلک للعمل على حمایته لأهمیته ولخصائصه ولتعلقها بالإنسان الذى یمثل البنیة الأساسیة للشخص داخل المجتمع، والذى یمثل مرفقا من المرافق التى تکمن فیها حقوق المجتمع الأساسیة، ولذلک عملت المنظمات الدولیة فی إعلاناتها المختلفة الدولیة على حمایة هذه الأسانید الاجتماعیة والقانونیة، والتی تتمثل هذه الأسانید فیما یأتی:
أولا: الإنسان عنصر هام فی البنیة الأساسیة:
لما کان الإنسان کذلک فقد أکسبه القانون الصفة الوطنیة، سواء بالنسبة للمتمتع بالحقوق الخاصة، أو بالنسبة للمتمتع بالحقوق العامة، وکذلک التزامه بالتکالیف العامة، کالالتزام بآداء الخدمة العسکریة، بالإضافة الى التزام الدولة التى ینتمى لها الشخص فی مواجهة الدول الأخرى من أعضاء الجماعة الدولیة بالتزامات([207]) تتعلق بحمایته وحمایة حقوقه، وکذلک تعلق العدید من الأحکام القانونیة به سواء کان متعلقة بجنسیته أو غیرها فی حالة السلم أو الحرب، وکذلک ازدواجیة الحمایة فی حالة تعدد جنسیته، فالجنسیة الأصلیة والطارئة([208]).
ثانیا: تداخل مصالح المجتمع مع مصالح الفرد:
ان الفرد یعد المکون الرئیسی والبنیة الأساسیة للمجتمع، ولذلک اعتبره المجتمع رکیزة من الرکائز داخله، فقد قرر له حقوقه وحمله بواجبات أو التزامات، وهذا هو مبرر الحمایة بالنسبة للإنسان، فتداخل مصلحة المجتمع مع مصلحة الفرد یجعل منه بمثابة المرفق الذی تکمن فیه حقوق المجتمع، وأساس تجریم المجتمع لأی اعتداء علیه، وهذا حمایة لحقه ولحق المجتمع معا، الأمر الذی جعل کثیرا من الجرائم المتعلقة بالمصلحة العامة تمثل اعتداءا مباشرا على مصالح لا تتعلق بفرد أو افراد بذواتهم، وإنما تتعلق بالمجتمع ککل، بینما أغلب فئات الجرائم الماسة بالأفراد ینال ضررها أو خطرها مباشرة فردا معینا بذاته([209])، لذلک کان اهتمام الدول فی العصر الحدیث بحمایة الاشخاص فی المجتمع على عکس ما کان علیه فی العصر القدیم، حیث کان اهتمام الدولة قاصرا على حمایة أمنها وسلامتها، وتجریم کل ما یمس أمنها وسلامتها دون الجرائم الماسة بالأفراد.
فأیا کانت الحالة التى علیها الإنسان فإنه یکون محل حمایة فی المجتمع، ومحلا للحمایة الجنائیة مادام حیا، ویستوى فی أن تکون شخصیته عند الاعتداء علیه مجنیا علیه أو مضرورا من الجریمة معلومة أو مجهولة([210]).
ثالثا: حیاة الشخص قیمة اجتماعیة وسند هام فی المجتمع:
لا شک فی أن حیاة الشخص قیمة اجتماعیة هامة إلى الحد الذى علیه یمکن القول بأنها حق المجتمع([211])، بل إن البعض یضفى القدسیة الاجتماعیة المطلقة على الحق فی الحیاة، وأن الاعتداء علیها إهدار لقیمة اجتماعیة أساسیة([212])، ومن هنا کان تجریم الانتحار، وکذلک اجهاض الجنین بدون مبرر، ولو کان الاجهاض عن طریق الحامل نفسها إذا قصدت ذلک، أو سمحت للغیر بالاعتداء على الجنین أو حیاته([213])، حتى ولو کان هذا الجنین خارج رحمها([214]).
ویعد الاعتداء على الإنسان فی المجتمع مجرما ولو کان میئوسا من علاجه أو مشوها، ما دام لم یخرجه التشوه عن نطاق الآدمیة([215])، کما یعد مجرما ولو رضى به المجنى علیه([216]).
ومن هنا یمکن القول بأن الإعلان العالمی لحقوق الإنسان دخل فی مجال القانون الدولی، ومنذ ذلک لم تزل المنظمة الدولیة تعمل عملا متفانیا على حمایة حقوق الإنسان من خلال صکوک قانونیة وأنشطة میدانیة، الأمر الذی جعل هذا الاعلان بمثابة الخطوة الایجابیة الأولى بعد إنشاء الأمم المتحدة، وتأکیدا على ارادة المجتمع الدولى فی الإصرار على تعزیز وتأکید حقوق الإنسان وحریاته، ومن هنا اعتبرته الجمعیة العامة المثل الأعلى المشترک الذى ینبغی أن تبلغه کافة الشعوب وکافة الأمم، وکذلک التزام جمیع أفراد المجتمع وهیئاته([217])، الأمر الذی جعل البعض یقرر بأنه فی حالة الاعتداء على هذه الحقوق یجوز التدخل من قبل الامم المتحدة إذا کان هذا الاعتداء یشکل تهدیدا للسلم والأمن الدولیین([218]) لحمایتها.
وفقا للأسانید القانونیة التی تساعد الأمم المتحدة فی حمایة حقوق الإنسان، والتی أهمها:
الشرعة الدولیة لحقوق الإنسان:
کان الإعلان العالمی لحقوق الإنسان — الصادر فی عام 1948 — هو أول وثیقة قانونیة معنیة بحقوق الإنسان العالمیة([219]).
ویمثل الإعلان — جنبا إلى جنب مع العهد الدولی الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة والعهد الدولی الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة — ما بات یعرف بـ"الشرعة الدولیة لحقوق الإنسان", ومنذ عام 1945م , اعتمدت سلسلة من المعاهدات الدولیة لحقوق الإنسان وغیرها من الصکوک مما وسّع من حجم القانون الدولی لحقوق الإنسان([220]).
وتلعب الدیمقراطیة الدولیة دورا هاما فى إحراز التقدم الاقتصادی والاجتماعی وتحقیق التنمیة فى احترام حقوق الإنسان , والمحافظة على رکائزه الأساسیة وأسانیده القانونیة بحسب ما نص علیها میثاق المنظمة , خاصة وأن الاعتراف بحقوق الإنسان جاء بعد الاعتراف بالمجتمع الدولى([221]).
کما أن المنظور القانونی لحقوق الإنسان فی تحقیق المصالح الاجتماعیة وإلزام الکافة باحترامها یؤصل على فکرة الحق والواجب، ویفرض التزاماً على الکافة بضرورة احترام هذه حقوق الآخرین، فحقوق الإنسان حقوق الإنسان تهدف إلى تحقیق مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع على حد سواء.
وفى مجال الحمایة الداخلیة المقررة لحقوق الإنسان نرى أن المنظم قد رسم حدود الحمایة التى أسبغها على حقوق الإنسان من خلال النصوص التشریعیة والقضائیة والتنفیذیة والإداریة أیضا([222])، وذلک فی مواجهة الغیر، وحمایة الإنسان تجاه نفسه([223])،وذلک للأهمیة المطلقة لحقوق الإنسان التی تنبع ممن قیمة الإنسان ذاته، فهو خلیفة الله فى الکون، وهو أساس وجود المدنیة والحضارة والتنمیة، وهو محور الارتکاز الذى من أجله تتشکل کل الأنظمة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة، وهو کذلک غایة کل الأنظمة والحکومات.
فأهمیة حقوق الإنسان تتأتى فی حتمیة وجود هذه الحقوق للحفاظ على کیان الإنسان وذاتیته، وحمایة قواه العقلیة المفکرة وقوته البدنیة والنفسیة، تمکیناً له من بلوغ الغایات العلیا التى من أجلها خلق الله الإنسان، وعمل على صیانة کل حق من هذه الحقوق التی تمثل جانباً من جوانب شخصیته، وبالتالی فإن کل حق من حقوق الإنسان لازم للإبقاء على صرحه المتفرد على سائر الکائنات والمخلوقات.
کما أن قضیة احترام حقوق الإنسان تعد من أهم الأمور الوثیقة الصلة بالأمن القومی، وذلک لأنه – وکما سبق أن ذکرنا-فان الإخلال بها یعرض الدولة والشعب لمخاطر عدیدة، وبالتالی فإن احترامها صار ضرورة للحفاظ علی الأمن القومی، فاحترام حقوق الإنسان یدرأ خطر التدخل الخارجی خاصة وأننا نعلم أن هذا التدخل یحدث عادة لأسباب سیاسیة، ویحقق الوحدة الوطنیة، کما یحقق المشارکة السیاسیة للشعوب فی مقاومات التدخلات الخارجیة.
ولما کانت حقوق الإنسان تمثل السمات القانونیة لهذه الحقوق التى تعتمد على رکائز وأسانید قانونیة وفقا لما تقرره التشریعات المختلفة، والتی تتمیز بجمله من الخصائص([224])، فلا یعنى أنها حقوق مطلقة من کل قید تنظیمی، فیتعین تنظیمها للمحافظة على القانون العام وحتى تصح ممارستها فی حد ذاتها ممکنة وعملیة على وفق مقتضیات الأسانید التى قررتها الأنظمة والقوانین فهذا الصدد، فالقانون یقرر لهذه الحقوق أسانیدها القانونیة بصورة لا تتعارض مع الحقوق المقررة للغیر وإلا سیصیر الأمر فوضى لا ضابط له، الأمر الذى جعل شراح الأنظمة یقررون بأن الاعتداء على الحقوق الشخصیة یوجب اصلاح الضرر الناشئ من هذا الاعتداء علیها، وذلک بدفع التعویض الملائم([225]) للمضرورین من هذه الاعتداءات سواء کان هؤلاء مجنیا علیهم أی وقع علیهم الاعتداء شخصیا أو أهدرت مصالحهم فصاروا هم المضرورین من الجریمة.
المقارنة :
بعد التعرض للأسانید الشرعیة والقانونیة أو القانونیة الموجبة للمحافظة على الحقوق الأساسیة أو اللصیقة بالشخصیة لکل من المجنی علیه أو المضرور من الجریمة فی کل من الشریعة والأنظمة یتضح لنا: أن کلا منهما یتفقان على شرعیة الأسانید الشرعیة والقانونیة فی اعتبارها أساسا للمحافظة على حقوق کل من المجنی علیهم والمضرورین من الجریمة، کما أنها تعد أساسا فی وجوب حمایة هذه الحقوق، کما أن هذه الأسانید المقررة لهذه الحقوق تمثل رکائز قیمیة لموضوع هذه الحقوق وهو الإنسان الذی یمثل البنیة الأساسیة فی المجتمع من جانب وبنیان الله فی الأرض، ولا یختلفان فی شیء بینهما إلا فی مدتی التقییم الذی حظی به الإنسان على وجه هذه البسیطة باعتباره متحملا لأسمى التکالیف الشرعیة، والتی فی مقدمتها العبادة التی خلقه الله من أجلها فی قوله تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون"([226])، کما اعتبرت الشریعة هذه الحقوق والرکائز الأساسیة هی من الضروریات الشرعیة التی جاءت الشریعة من أجل المحافظة علیها بکافة الوسائل وأسالیب الزجر والردع، وقد عملت الدساتیر الدولیة وإعلان حقوق الإنسان على ترسم خطى الشریعة فی ذلک.
المبحث الثانى
أثر تقاعس السلطات الجنائیة عن حمایة حقوق المجنی علیه
والمضرور من الجریمة فی الفقه الإسلامی والقانون الجنائی
وفى هذا المبحث سوف نتناول – بعون الله وتوفیقه – أثر تقاعس السلطات عن حمایة تلک الحقوق الخاصة بالمجنى علیه والمضرور من الجریمة , وذلک فى المطلبین التالیین.
المطلب الأول
أثر تقاعس السلطات الجنائیة عن حمایة حقوق المجنی علیه
والمضرور من الجریمة فى الفقه الإسلامی
وسوف نتعرض فى هذا المطلب إلى إهدار الحقوق والمصالح المتعلقة بکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة فى الفقه الإسلامی , ثم نتعرض لحق المجنى علیه والمضرور من الجریمة فى التعویض بسبب تقاعس السلطات کأثر لتقاعس السطات عن حمایة حقوق کل منهما, وذلک فى الفرعین التالیین.
الفرع الأول
إهدار الحقوق والمصالح المتعلقة بکل من بالمجنی علیه
والمضرور من الجریمة فی الفقه الإسلامی
من الجدیر بالذکر أن هذه الحقوق محل حمایة -کما سبق القول-، لذا فإن أی اعتداء على هذه الحقوق المتعلقة بشخص الإنسان فی حیاته أو سلامة جسده أو فی عرضه أو حرمة حیاته الخاصة أو فی أسرته أو اعتباره أو ماله، فإن أی اعتداء ینال من حق من هذه الحقوق یکون محلا للمؤاخذة القانونیة والشرعیة، وبالتالی تطبیق العقوبات الجنائیة على مرتکبی هذه الاعتداءات، وذلک تحقیقا لمبدأ العدالة الجنائیة الذى یقوم على الحد والقصاص من الجناة مرتکبی هذه الجرائم من جانب، وتعویضا لحق المجنى علیهم والمضرورین من الجریمة من جانب آخر.
وأهم الجرائم التى تؤدى إلى إهدار الحقوق والمصالح المتعلقة بکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة تتمثل فیما یأتی .
أولاً: الجنایة على النفس:
وتتنوع الجنایة على النفس إلى ثلاثة أنواع القتل العمد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ.
النوع الأول: القتل العمد: وهو أن یقصد الجانی من یعلمه آدمیًا معصومًا فیقتله بما یغلب على الظن موته به، وإزهاق النفس من الإنسان قد یکون لنفسه، وقد یکون لإزهاق نفس غیره.
والحکمة فی تجریم القتل أن نفس الإنسان لیست ملکًا له وإنما هی ملک لخالقها وموجدها، وهی أمانة عند صاحبها، ولهذا لا یجوز للإنسان أن یقتل نفسه أو یغرر بها فی غیر مصلحة شرعیة، ولا أن یتصرف بشیء من أجزائها إلا بما یعود علیها بالنفع، ومن الجدیر بالذکر أن قتل النفس المعصومة حرام وهو من کبائر الذنوب.
وأدلة تحریم القتل العمد من القرآن الکریم والسنة النبویة کثیرة جداً، منها:
قول الله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسکم إن الله کان بکم رحیما"([227])، فهذا نهی للمؤمنین أن یقتل بعضهم بعضا، ویدخل فی ذلک قتل الإنسان نفسه، وقوله تعالى: " ومن یقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فیها وغضب الله علیه ولعنه وأعد له عذاباً عظیما"([228])، وقوله تعالى "ولا تقتلوا النفس التی حرم الله إلا بالحق"([229]).
وقوله صلى الله علیه وسلم من حدیث عبد الله بن عمرو: " لزوال الدنیا أهون على الله من قتل مسلم". وهو فی سنن ابن ماجه من حدیث البراء بن عازب بلفظ " من قتل مؤمن بغیر حق ", وقوله أیضاً من حدیث عبد الله بن عمرو "من قتل معاهدًا لم یرح رائحة الجنة وإن ریحها لیوجد من مسیرة أربعین عاما".
ویشترط فی القتیل شرطان:
الشرط الأول: أن یکون آدمیًا حیاً([230])، فخرج بذلک الحیوان، فإن قتله لا یوجب عقوبة القتل العمد، ولو قصد قتله، وإنما یدخل هذا فی باب الغصب والإتلاف.
ویشترط فی جریمة القتل أن یکون المجنی علیه آدمیًّا حیًّا، وأن یکون القتل نتیجة لفعل الجانی، وأن یقصد الجانی إحداث الوفاة، أو إزهاق النفس.
الرکن الأول: القتیل آدمی حی
تقع جریمة القتل على النفس فهی بطبیعتها اعتداء على آدمی حی: و لذلک سماها الفقهاء بالجنایة على النفس، فلتحقق وقوع الجریمة یجب أن یکون المجنی علیه آدمیا وأن یکون على قید الحیاة وقت ارتکاب جریمة القتل, فمن أطلق مقذوفا ناریا على حیوان حی فقتله فإنه لا یعتبر قاتلاً عمدًا وإن کان یعتبر متلفًا لحیوان، ومن شق بطن إنسان میت أو فصل رأسه من جسمه بقصد قتله وهو لا یعلم أنه میت فإنه لا یعد قاتلاً له لأن الموت لم ینشأ عن فعله ولأن الفعل کان بعد أن فارق المیت الحیاة فاستحال قتله، أو بتعبیر آخر: لا یعاقب الجانی على جریمة القتل العمد لاستحالة وقوعها ولکنه یعاقب لأنه استحل حرمة میت، کذلک من قتل شخصا مریضا فی حالة النزاع فهو قاتل له عمدا، لأنه أخرجه بفعله عن الحیاة، أو کان المجنی علیه مغشیا علیه، أو کان قعیدا أو مشوها تشویها لا یخرجه عن عداد الآدمیة، أو کان مریضا میؤوسا من علاجه.
وإذا جنى شخصان على ثالث وکان فعل الأول یفضى إلى الموت لا محالة إلا أنه لا یخرج به من حکم الحیاة وتبقى معه الحیاة المستقرة مثل شق البطن ومَزْق الأمعاء فإذا قطع الثانى رقبته فالقاتل هو الثانى، لأنه فوَّت حیاة مستقرة أو ما هو فی حکم الحیاة، ویستدلون على ذلک بحادث عمر رضى الله عنه لما جرح دخل علیه الطبیب فسقاه لبنًا فخرج یصلد فعلم الطبیب أنه میت فقال: اعهد إلى الناس، فعهد إلیهم وأوصى وجعل الخلافة إلى أهل الشورى، فقبل الصحابة عهده وأجمعوا على قبول وصایاه، وهکذا ما دامت الحیاة باقیة یعتبر الثانى مفوتًا لها ویکون هو القاتل کما لو قتل علیلاً لا یرجى له البُرْء([231]).
أما إذا کان فعل الأول قد أخرج المجنى علیه من حکم الحیاة کأن قطع حشوته أی قطع أمعاءه وانتزعها ثم جاء الثانى وذبحه، فقد اختلف الفقهاء فی حکم هذه الحالة: ففریق یرى أن القاتل هو الأول إذا صیر المجنى علیه إلى حرکة مذبوح لأنه هو الذى صیره بفعله لحالة الموت ومن ثَمَّ أعطى حکم الأموات مطلقًا، والمفروض فیمن یصل لهذه الحالة أن یکون عاجزًا عن النطق فاقدًا الإدراک والاختیار وإذا نطق بکلام منتظم فنطقه حرکة مضطر کطلب الماء([232]).
ویرى الفریق الآخر أن القاتل هو الثانى لأن من قربت روحه من الزهوق یعتبر فی حکم الحیاة ما دام لم یسلم الروح، وهو یرث غیره وتصح الوصیة له إذا مات الموصی قبله وإذا استطاع الکلام فأسلم اعتبر إسلامه وورثه أهله من المسلمین وهو على کل حال إما حی أو میت ولا سبیل لغیر هذین الاعتبارین، ولا یمکن القول بأنه میت قبل أن یسلم الروح، فهو إذن حی على ما به من إصابات، فإذا فعل به أحد فعلاً عجل بموته فهو قاتل نفسًا عمدًا([233]).
والجنین فی بطن أمه لا یعتبر آدمیًّا حیًّا من کل وجه: ویعبر عنه فی الفقه الإسلامی بأنه نفس من وجه، دون وجه فمن یعدم الجنین لا یعتبر قاتلاً له عمدًا، وإنما یعتبر مرتکبًا لجریمة قتل من نوع خاص، ویعاقب على فعله بعقوبة خاصة، وسنتکلم فیما بعد عن هذه الجریمة.
ولیس لجنسیة المجنى علیه أو دینه أو لونه أو سنه أو نوعه أو ضعفه أو صحته أی أثر على اعتباره مقتولاً عمدًا: فیستوى أن یکون القتیل أجنبیًا أو من رعایا دولة الجانى، ویستوى أن یکون متدینًا أو غیر متدین یعتنق دین القاتل أو دینًا آخر، ویستوى أن یکون أبیض أو أسود، عربیًا أو أعجمیًا، صغیرًا أو کبیرًا، ذکرًا أو أنثى، ضعیفًا أو قویًّا، مریضًا أو صحیحًا، ویستوى أن یکون مرضه بسیطًا أو عضالاً یتوقع له الموت أو یرجى له الشفاء، فمن یقتل إنسانًا أیًّا کان فهو قاتل متعمد ولو کان طبیبا قصد أن یخلص القتیل من آلام مرضه المستعصى.
ولکن الشریعة الإسلامیة تشترط فوق ما سبق أن یکون القتیل معصومًا، أی: غیر مهدر الدم وتشترط الشریعة الإسلامیة العصمة، والعصمة أساسها فی الشریعة الإسلام والأمان: ویدخل تحت الأمان عقد الجزیة والموادعة والهدنة. وعلى هذا یعتبر معصومًا المسلم، والذمی، ومن بینه وبین المسلمین عهد أو هدنة، ومن دخل أرض الدولة بأمان ولو کان منتمیًا لدولة محاربة ما دام الأمان قائمًا ویعتبر الإذن بالدخول أمانًا حتى تنتهى مدة الإذن، فهؤلاء جمیعًا معصومون، أی لا تباح دمائهم ولا أموالهم، وإذا قُتل أحدهم کان قاتله مسئولاً عن قتله عمدًا إن تعمد قتله على رأی جمهور فقهاء الفقه الإسلامی([234]).
الجنایة على ما دون النفس:
یقصد بالجنایة على ما دون النفس قطع الأطراف وما یجری مجراها، وذهاب منافع الأطراف مع بقاء أعیانها، والشجاج، والجراح([235]).
أولا: قطع الأطراف وما یجری مجراها: کقطع الید، والرجل، والاصبع، والأنف، والظفر واللسان، والأذنین، والشفة، وفقء العین، وقطع الأجفان، والأهداب، وقلع الأسنان وکسرها([236]).
ثانیاً: ذهاب منافع الأطراف: کذهاب السمع، والبصر، والشم، والذوق، والکلام، والعقل، والمشی([237]).
ثالثاً: الشجاج: یختص بالرأس والوجه([238])، فإذا کان فی غیرهما سمّی جراحة.
رابعاً: الجراح:
والجراح نوعان: جائفة وغیر جائفة، والجائفة کلّ جرح یصل إلى الجوف.
والمواضع التی تنفذ الجراحة منها إلى الجوف هی: الصدر، والظهر، والبطن، والجنبان، ولا تکون فی الیدین والرجلین والرقبة والحلق جائفة لأنها لا تصل إلى الجوف.
حکم الجنایة على ما دون النفس:
یجب فی الجنایة على ما دون النفس إما القصاص فی العمد، وإمّا الدیّة کاملة، وإما أرش مقدّر وإمّا غیر مقدّر([239]).
وإذا اعتدى جماعة أی أکثر من واحد على شخص فقتلوه أو جرحوه فلولیه قتلهم جمیعا([240]) أو جرحهم.
وجملة القول فیما یتعلق بهذه الجرائم أن عقوبة ما دون النفس فیها تفصیل، فأعضاء جسم الإنسان جمیعها، وعظام جسم الإنسان جمیعها ما عدا الاسنان، والشجاج أی الجراح التی فی الرأس، عقوبتها جمیعها عقوبة مالیة بحتة، وهی الدیة الواردة فی السنة، ولا عقوبة بدنیة فیها، فلا قود فیها أی لا قصاص، وأما الأسنان والجراح التی فی البدن فلها عقوبة بدنیة وعقوبة مالیة، فالأسنان إن کان الاعتداء علیها عمداً فعقوبتها القصاص، وإن کان غیر عمد أی خطأ، أو ترک المجنی علیه القصاص وطلب الدیة، ففی الحالتین فیها الدیة لیس غیر، أی تکون حینئذ عقوبتها عقوبة مالیة.
والجراح إن استوفت شروطها جمیعها، ولم یترک المجنی علیه القصاص فإن عقوبتها حینئذ عقوبة بدنیة، وهی القود أی القصاص، وإن اختل شرط من شروطها، أو ترک المجنی علیه القصاص فحینئذ تکون عقوبتها عقوبة مالیة.
أما مقدار هذه العقوبة فینظر فیه فإن جاء نص بین مقدار دیتها کانت عقوبة الجرح هی الدیة التی جاء بها النص، وذلک منحصر فی جرحین: أحدهما الجائفة وهی الجرح الذی یصل إلى الجوف، والثانی فتق الصغیرة بالوطء، فالأول ورد فیه حدیث، والثانی دلیله الاجماع السکوتی، وما عدا هذین الجرحین من جراح البدن فإنّه لم یأت فیها نص یبین دیتها، فتکون عقوبتها حکومة عدل.
ثالثا : جرائم العرض:
من المعلوم أن من مقاصد الشریعة الغراء حفظ النفس وحفظ العرض. واحتاط الشارع فی الدماء بما لم یحتط به فی غیرها ولذلک کان من قواعده أن تدرأ الحدود بالشبهات، وفی حفظ العرض منع إشاعة الفاحشة فی الذین آمنوا وجعل عقوبة ذلک العذاب الألیم، ومن یقذف مؤمنا أو مؤمنة بغیر بینة شرعیة یجلد ثمانین جلدة وتسقط عدالته فلا تقبل له شهادة أبدا , قال تعالى: والذین یرمون المحصنات ثم لم یأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانین جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئک هم الفاسقون إلا الذین تابوا من بعد ذلک وأصلحوا فإن الله غفور رحیم.
والقذف تعد على حق الآدمی من ناحیة وعلى حق الله تعالى من ناحیة أخرى , فهو من أشد الجرائم خطورة، ورد الشهادة من أقوى أسباب ردع المتهم لما فیه من إیلام القلب، وهو عزل لولایة لسانه الذی استطال به على عرض أخیه، ورد الشهادة عقوبة فی محل الجنایة، فإن الجنایة حصلت بلسانه فکان أولى بالعقوبة فیه، کما فی قطع ید السارق فإنه حد مشروع فی محل الجنایة.
وإذا ارتکبوا جریمة قتل فی حق المقذوفة فعلیهم القصاص لأنه قتل عمد من غیر بینة على وجوب القتل فی حق القتیلة تلک حدود الله ومن یتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.
أما الاغتصاب فی حقیقته ما هو إلا إکراه على الزنا.
وأما دیة الجنین فقال البعض على عاقلة الجانی، ومن لا عاقلة له فدیة الجنین فی بیت المال([241]).
قال المالکیة: تکون دیة الجنین فی مال الجانی إلا إذا بلغت ثلث دیته، فتکون على العاقلة([242]).
وقال الشافعیة: تحمل عاقلة الجانی دیة الجنین، لأنها تحمل القلیل والکثیر دون تقیید بما دون ثلث الدیة، فإن لم یکن له عاقلة ففی بیت المال، فإن لم یکن بیت المال تحملها الجانی، وإذا کانت له عاقلة ولم تف بواجب دیة الجنین ـ أی لم تقدر على تحمل دیة الجنین کلها لفقرها مثلاً ـ وجب علیها ما تقدر علیه، ووجب الباقی على الجانی([243]).
وعند الحنابلة: تجب دیة الجنین إذا مات وحده فی مال الجانی، ولا تتحمل عاقلته العصبة شیئاً من الدیة، لأن دیة الجنین أقل من ثلث الدیة الکاملة، والعاقلة لا تتحمل أقل من الثلث، ولکن إذا مات مع أمه حملت العاقلة دیتها ودیته إذا کانت الجنایة علیها خطأ أو شبه عمد، أما إذا مات وحده أو مات مع أمه من جنایة عمد على أمه، فدیة أمه على قاتلها وکذلک دیة الجنین، لأن الجنایة لا یحمل بعض دیتها الجانی وبعضها غیره، فیکون الجمیع على القاتل([244]).
وقال الظاهریة: «فالغرة واجبة فی کل ذلک فی الخطأ على عاقلة الجانی، سواء کان الجانی الأم أو غیرها، وکذلک فی العمد قبل أن ینفخ فیه الروح »([245])، وتدفع دیة الجنین أو الغرة إلى ورثة الجنین بحسب الأنصبة الشرعیة.
وقد اتفق الفقهاء المسلمون على أن هذه الدیة وهی الغرة تدفع إلى ورثة الجنین بحسب الأنصبة الشرعیة، إلا إذا کان أحد الورثة هو الجانی فلا یرث من الغرة شیئاً لأنه قتل بغیر حق([246])، والقاتل لا یرث لقول الرسول –صلى الله علیه وسلم-"لا یرث القاتل([247]).
ومن الجدیر بالذکر أن الحمل الذی جاء من ماء هدر کالاغتصاب، فإن الذی خلقه وهو الله جل فی علاه والله الذی حرمه ولو شاء الله ما کان جعل من هذا الماء القذر إنساناً فهذا الجنین فی بطن والدته المغتصبة لم یقبل ولم یزن ولم یفارق ولم یفارق دینه، فکیف یحکم علیه بالقتل. وهو قتل نفس حرم الله قتلها إلا بالحق، أما کون هذا الجنین قد جاء من ماء حرام، فهذا لا یغیر الحکم الشرعی بعدم قتل النفس البشریة، کما أن هناک دلیلاً قاطعاً فی السنة النبویة على وجوب عدم قتل جنین الأم الزانیة وهو أن النبی –صلى الله علیه وسلم-لم یرجم الغامدیة وفی بطنها ثمرة الزنا وربما تکون قد اغتصبت ورضیت بالزنا فلم یرد بضر بهذا أو ذاک، ولو أن ولد الزنا یجوز إسقاطه لفعله الرسول -صلى الله علیه وسلم-([248]).
وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن القول بإعطاء الحق للمرأة المغتصبة فی التخلص من جنینها سیؤدی إلى فتح الباب على مصراعیه لارتکاب جریمة الزنا وسوف تزداد شهیة الشباب على الاغتصاب ما دام الجنین سیعرف مصیره ومآله وهو الموت، وکأن شیئاً لم یکن. کذلک سنوجد طریقاً مشروعاً للفتیات على السلوک الانحراف والتورط بما یشکل خطورة على المجتمع بأکمله.
وأیضا الاعتداء الذى یقع على حق ما من الحقوق الشخصیة الأخرى التى تتعلق بکیان الإنسان المادی والمعنوی، فقد قررت الشریعة العقوبات الجنائیة الملائمة التى تتلاءم وطبیعة هذا الاعتداء.
لذلک کان من أهم الآثار التى تتعلق بهذه الجنایات الواقعة على هذه الحقوق، حق المضرور أو المجنى علیه من الجریمة فی المطالبة القضائیة لتوقیع العقوبة الجنائیة المقررة شرعا فی هذا الصدد، وذلک بسبب إهدار هذه الحقوق والمصالح الخاصة بالمجنى علیه والمضرور من الجریمة.
وعلى ضوء ذلک یمکن القول بأن أی تقاعس من السلطات الجنائیة والقضائیة فی تعویض المجنى علیه أو المضرور من الجریمة عن حقه فیما وقع علیه من انتهاکات لأى حق من هذه الحقوق، یعد تقاعسا من قبل هذه السلطات، الأمر الذى یجعلها فی مواجهة المسئولیة الجنائیة شرعا
الفرع الثانى
حق المجنى علیه والمضرور من الجریمة فى التعویض
بسبب تقاعس السلطات فى الفقه الإسلامی
الواقع أن النظام الجنائی الإسلامی المبنی على قواعد العدل و المساواة و جبر الضرر و مراعاة حقوق المتهم و المجنی علیه فی آن واحد، قد قرر بدوره حقوق ضحایا جرائم الدم سواء کانوا مجنیا علیهم من إعتداء عمدی أم نتیجة خطأ، و ذلک بتنظیم حصولهم على الدیة سواء من الجانی أو عاقلته ، أو من بیت مال المسلمین إذا کان الجانی مجهولا أو معسرا، أو إذا لم تستطع عاقلته دفع الدیة، و ذلک إعمالا للمبدأ الإسلامی الذی أرسى قواعده الإمام علی بن أبی طالب رضی الله عنه بقوله " لا یطـل دم فی الإسلام"([249]) تطبیقا لقول الرسول علیه الصلاة و السلام " أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه و أرثه "([250]) , وذلک تطبیقا لقواعد العدالة الجنائیة فى الاسلام , وجبرا للضرر وشفاءا لغیظ المجنى علیه , و هکذا تکون قد أدرکت الشریعة الإسلامیة أهمیة تعویض الدولة للمضرور من الجریمة إذا استحال علیه الحصول على التعویض من طریق آخر ، أخذا بالتکامل الإجتماعی الذی یجب أن یسود المجتمع الإسلامی([251]).
وتعویض المجنى علیة والمضرور من الجریمة إنما هو یمثل حقا خالصا للعبد , وهذه الحقوق المأمور بها شرعا تعد أیضا داخلة فى مفهوم حق الله عز وجل لأنه ما من حق وإلا وفیه حق لله تعالى([252]), وهذه الحقوق تمثل مصالحا للعباد , وهذه المصالح هى التى ینتفع بها العباد , لأن حق الله مایتعلق به النفع العام للعالم([253]) أو للعباد, فهذه الحقوق والمصالح من جملة النفع العام للعباد , وهذا کله داخل فى هذا إطار الحقوق المتعلقة بحق الله عز وجل , فهى من جملة حق الله التى مردها إلى انتفاع العباد بها , لأنه سبحانه وتعالى غنى عن العالمین ومفهوم حق الله مرده فى النهایة إلى العباد , ومنه التعویض الذى یحصل علیه العباد لینتفعوا به فى معاشهم ودنیاهم.
وهذا التعویض محدد فى الشریعة الإسلامیة طبقا لمبادئ العدالة الجنائیة التى اتسم بها النظام الجنائى فى الاسلام , ففى مجال الدماء تقرر القصاص شرعا بقوله تعالى "کتب علیکم القصاص فى القتلى"([254]) وجعل حقا لکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة , ولهما حق للتصرف فیه إما بالتمسک به أو بالتنازل عنه, لقوله سبحانه وتعالى "فمن عفى له من أخیه شىء ... الآیة"([255]), ونفس الأمر فى إثبات الحق فى القصاص کتعویض للمجنى علیه فى صورة الحق الجنائى بقوله تعالى "والجروح قصاص"([256]) إلا إذا اسقطه المجنى علیه فى هذه الحالة لقوله تعالى "فمن تصدق به فهو کفارة"([257]), وفى هذه الحالة أى حالة الاسقاط فى الحق الجنائى یکون التعویض بالدیة إذا أراد صاحب الحق ذلک , وکذلک التعویض فى هذه الجنایات سواء کان ذلک مقدر شرعا کالأروش فى الجراح([258]), أو غیر مقدر کالتعویض عن طریق الحکومة([259]).
کما أن التعویض قد یتخذ مظهرا آخر یتمثل فى صورة الدیة , وذلک فى حالة ما إذا کانت الدیة منصوص علیها شرعا کعقوبة مقررة للجریمة التى انتهک بها حق المجنى علیه فى جسده أو أعضائه , وذلک فى الأحوال التى تقررت فیها الدیة شرعا کعقوبة , أو کانت متعلقة بالحیاة , کما هو الحال بالنسبة للقتل الخطأ , أو بالنسبة للقتل العمد فى حالة العفو إلى الدیة , أى إسقاط الحق الجنائى من القصاص إلى الدیة , وحینئذ یحق للمضرور فى هذه الحالة المطالبة بهذا الحق.
وایضا بالنسبة لإجهاض الأجنة حیث قرر الشارع دیة للجنین فى هذه الحالة , ولأنه نفس إنسانیة , ولعل واقعة سیدنا عمر بن الخطاب فى تحمله دیة جنین المرأة التى أفزعت حینما طلبها للحضور وأجهضت جراء خوفها الشدید من سیدنا عمر رضى الله عنه لخیر دلیل على ذلک([260]).
وکذلک أیضا التعدی على الأعراض بالاغتصاب أو النیل منها , حیث تقرر شرعا للمجنی علیها أو المضرور من ذلک حق کما هو الحال فى مهر المثل لمن اعتدى علیها بإزالة بکارتها أو النیل من عرضها([261]).
ونفس الأمر بالنسبة لمن أهدر حقه فى ممتلکاته أى فى أمواله , حیث أوجب الشارع حقه فى التعویض إعمالا للقواعد الشرعیة المقررة فى هذا الشأن , ومنها من أتلف شیئا فعلیه ضمانه([262]), والضرر یزال([263]).
وهکذا فإن النظام الإسلامی ضمن للمجنى علیه أو المضرور من الجریمة الحق فى التعویض , وذلک تحقیقا للعدالة و إنصافا للمظلوم فى مواجهة الظالم , فإذا جُهِل أمر الجانى ولم یعرف حاله فلا یضیع حق المجنى علیه والمضرور من الجریمة , ویتحملها الإمام أو بیت المال , فالإمام ولى من لا ولى له لقوله صلى الله علیه وسلم "أنا وارث من لا وارث له" , وأن ولى الأمر منوط به مصالح المسلمین, وأن ما یؤخذ من الناس بغیر حق فعلى ولى الأمر إثم کل من ظلمه([264]), ولا تبرأ ذمته إلا بالوفاء بحقوقهم , وبذلک ضمن الاسلام للمجنى علیهم والمضرورین من الجریمة حقوقهم حتى لا تضیع هدرا.
المطلب الثانى
أثر تقاعس السلطات الجنائیة عن حمایة حقوق المجنى علیه
والمضرور من الجریمة فى القانون الجنائى
وسنتحدث - بإذن الله تعالى وتوفیقه – عن أثر هذا التقاعس والمتمثل فى إهدار حقوق ومصالح المجنى علیه والمضرور من الجریمة , وحق کل منهما فى التعویض بسبب تقاعس تلک السلطات , وذلک فى القانون الجنائى.
الفرع الأول
إهدار حقوق ومصالح المجنى علیه
والمضرور من الجریمة فى القانون الجنائى
إذا کان القانون قرر للمجنى علیه والمضرور من الجریمة الحقوق والمصالح وأضفى علیها الحمایة الجنائیة , فإن ذلک یعنى تجریم أى اعتداء یقع على أىِّ من هذه الحقوق والمصالح أو أى مساس بها , وأى اعتداء ینال من اى حق من هذه الحقوق والمصالح فإن ذلک یعنى إهدارا لهذه الحقوق والمصالح لکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة.
وهذا الإهدار یعد فى ذاته حرمانا من الانتفاع بهذا الحق الذى کان قد قرره القانون لکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة , وهذا الحرمان لیس إلا انتقاصا مما شرعه القانون للشخص من الانتفاع الذى یحصل علیه کل منهما , وذلک تأکیدا لذاته ووجوده فى المجتمع باعتباره أنه أحد العناصر أو الأعمدة القانونیة التى یقوم علیها المجتمع , وهذه الحقوق والمصالح المعتدى علیها یعنى إهدار لمکانة هذا العنصر الإنسانى الذى عمل القانون على حمایة کیانه القانونى , وحمایة القیم التى أولاها القانون إیاه فى المجتمع , والإنسان بلا حقوق أو مصالح فى المجتمع یعنى تجریده من کینونته القانونیة , لذلک کان التعدى على هذه الحقوق المقررة لکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة علة فى إهدار کیانه وقانونیته واجتماعیته.
ونظرا لهذه الظروف التى أحاطت بالمجنى علیه والمضرور من الجریمة تدخل المشرع لتقریر الحقوق القانونیة والإجرائیة بالنسبة لتعویضه عما أهدر له من حقوق , ومن هذه الحقوق حق المخاصمة الجنائیة , وحق الادعاء المباشر , أو التعویض المدنى أمام المحاکم الجنائیة.
ففیما یتعلق بحق المخاصمة الجنائیة أجاز لکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة إبلاغ السلطات الجنائیة بالجریمة التى وقعت علیه أو نالت من حق من حقوقه , سواء کانت الشرطة أو النیابة العامة , وفى الجرائم التى أناط القانون بتحریکها المحنى علیه أو المضرور من الجریمة , علق قانون الإجراءات الجنائیة تحریک الدعوى الجنائیة على تقدیم الشکوى من المجنى علیه([265]) أو المضرور من الجریمة, وذلک لما لحقه من جراء الجریمة من نیل أو مساس بحق من حقوقه أو إهدار لمصلحة محل حمایة له من القانون.
وهذا الحق مقرر أیضا فى العدید من التشریعات التى أناطت بالمجنى علیه أو المضرور من الجریمة حق تحریک الدعوى الجنائیة وذلک للمطالبة بعقوبة الجانى الذى أهدر , أو نال بجریمته حقا من حقوقه أو مصلحة من مصالحه , کقانون الاجراءات الجنائیة السودانى الصادر عام 1991م([266]).
وکذلک أیضا فیما یتعلق بالإدعاء المدنى حیث أجاز له قانون الإجراءات الجنائیة حق الإدعاء المدنى أمام المحاکم الجنائیة للمطالبة بالتعویض عن الحقوق التى أهدرها له الجانى بسبب الاعتداء علیه والنیل منها([267]).
وانصافا للمجنى علیه والمضرور من الجریمة ومراعاة لمظلمته القانونیة , فقد کان ذلک سببا لتطور القانون الجنائی والإجرائى فیما یتعلق بتعویض المجنی علیه حتى لا یضیع الحق هدرا أو یذهب أدراج الریاح تحت سمع وبصر القانون , وبالتالى یمکن شفاء غیظ کل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة , وخاصة عند تنفیذ العقوبة الجنائیة وأیضا التعویض عن الحق المهدر لکل منهما , وإن کانت مظاهر القصور قد تبدو واضحة فیما یتعلق بالحالات التى تقید فیها الوقائع الجنائیة ضد مجهول , وهذا الأمر یعد مظهرا من مظاهر التقاعس الذى یجب تکثیف الجهود لتلاشى هذا المظهر.
الفرع الثانى
حق المجنى علیه والمضرور من الجریمة فى التعویض
بسبب تقاعس السلطات فى القانون الجنائى
من الجدیر بالذکر أن من حق المجنی علیه و المضرور من الجریمة المطالبة بالتعویض من الجانی بإعتباره المتسبب فی الضرر الذی لحقه من الجریمة، سواء کان تعویضا بالحق الجنائى أو المدنى ، لکن من الناحیة العملیة قلیل ما یتحقق ذلک، فیبدو فیما بعد هذا الحق نظریا فحسب، لأن إعمال هذا الحق یقتضی بالضرورة معرفة الجانی مع قیام مسؤولیته بموجب حکم قضائی نافذ مع قدرته على دفع التعویض ، و لکننا نجد أن الجانی فی حالات کثیرة یظل مجهولا سواء من طرف المجنی علیـه أو من السلطـات، و بالتالی یعجز الضحیة عن إستیفاء حقه فی التعویض، بل فی أحیانا کثیرة یتم معرفة الجانی و لکن یعجز عن دفع التعویض المستحق , رغم الإجراءات التی تتخذتها الدولة فی مواجهته لتوقیع العقوبة علیه من جانب والضغط علیه للتعویض من جانب آخر, ذلک لأن الجناة عادة ما ینتمون إلى الطبقات الفقیرة التی لا تکف مصادر دخلها لتعویض المجنی علیهم .
فالمجنی علیه فی البدایة یرید أن یشفی غلیله ، و لکن هذه الرغبة سرعان ما تنتهی، لتبدأ مرحلة المطالبة بتعویض ما تکبده من خسائر مادیة و أضرار جسدیة و أخرى معنویة، فهو یرید أن یتم تعویضه، إلا أن المشکلة تثور فى حالة عدم معرفة الجانى الجانی لتوقیع العقوبة علیه , أو عدم معرفة وضعه المالی الذى لا یسمح بالتعویض المدنى عن الضرر الذى لحق المجنى علیه أو المضرور من الجریمة، فهل تلتزم الدولة بتعویضه أم تترک المجنی علیه یتخبط فی الإجراءات القانونیة المعقدة دون أن یصل إلى ما یرید , أو تترکه طلیقا حرا أمام تقاعسها عن حمایة حقوق المجنى علیه أو المضرور من الجریمة؟.
وأمام عجز کل السبل المعروضة فی التشریعات المقارنة فی تحقیق رغبة المجنی علیه فی الحصول على حقه فی التعویض المناسب الذی یساهم - على الأقل - فی إزالة بعض الآثار الخاصة بفعل الجریمة، فقد نشأ إتجاه جدید یهدف إلى تقریر حق المجنی علیه فی الحصول على تعویض له من الدولة بسبب الجریمة التی وقعت له، و ذلک فی حالة فشله فی الحصول على التعویض من الجانی أو من جهات المساعدات الإجتماعیة الأخرى مثل شرکات التامین([268]).
ومن الجدیر بالذکر أنه قد نادت بعض المدارس التقلیدیة حدیثا بضرورة إنشاء نظام لتعویض المجنی علیهم من قبل الدولة، و ذلک بأن تبادر هذه الأخیرة بتعویض المجنی علیهم من الخزانة العامة عندما یکون الجانی معسرا، لأنه لا یمکن ترک المجنی علیهم الذین جنت علیهم الجریمة و تضرروا بسببها فی أموالهم و أرواحهم یواجهون الضرر القاسی لوحدهم، بل یجب على المجتمع الذی ترک له واجب حمایتهم و المحافظة علیهم أن یبادر إلى جبر ذلک الضرر، ویسعى لتعویضهم کنتیجة طبیعیة لعجزه عن وقایتهم من أخطار الجریمة.
تعتبر السیدة "مارجری فرای" أول من دعت إلى أن الدولة تکون مسئولة قانونا تجاه ضحایا الجرائم، ومن ثم تلتزم بتعویضهم عما یلحق بهم من ضرر، استنادا إلى تقصیرها فی أداء واجبها بالحفاظ على اْلمن، وحمایة المواطنین والمقیمین على أرضها، وذلک فی الفترة ما بعد الحرب العالمیة الثانیة، وتحدیدا عام 1951م, حینما نشرت کتابا لها بعنوان" أسلحة القانون" قررت فیه أن دور التعویض لا یمکن بحال من الأحوال أن یجبر الضرر الناتج عن الجریمة ویقتصر فقط على تخفیف آثارها وجسامتها، کما تتابعت مقالتها التی نادت فیها وبشکل مباشر بضرورة وجود دور للدولة فی تعویض ضحایا الجریمة من الأموال العامة([269]).
لذلک لما کان یترتب على الجریمة حدوث الضرر فى إطار وفى ظل الحمایة القانونیة والاجتماعیة بالنسبة للمجنى علیه والمضرور من الجریمة أعطى القانون الحق لأى منهما لرفع الدعاوى الجنائیة والمدنیة امام المحاکم الجنائیة , خاصة وأن بعض الجرائم لا تکفل الدولة التعویض عن الاضرار المتسسبة فیها کما هو الحال بالنسبة لجرائم الإرهاب([270]).
وتعد المدرسة التقلیدیة ممثلة فی الفقیه الإنجلیزی "جیرمی بنتام" أول من نادى بضرورة وضع نظام لتقریر مسئولیة الدولة عن تعویض المجنی علیهم من الخزانة العامة، عندما یکون الجانی معسرا، وکان ذلک فی النصف الثانی من القرن التاسع عشر، معللین ذلک بأنه لا یمکن أن تترک الدولة المجنی علیهم الذین جنت علیهم الجریمة، وتضرروا بسببها فی أموالهم وأرواحهم یواجهون الضرر القاسی وحدهم، بل یجب على المجتمع الذی ترک له واجب حمایتهم والمحافظة علیهم أن یبادر إلى جبر ذلک الضرر، ویسعى لتعویضهم کنتیجة طبیعیة لعجزه عن وقایتهم من أخطار الجریمة([271]).
وهو ما تناوله فقیه المدرسة الإیطالیة" أنریکو فیری" فی کتابه "علم االجتماع الجنائی" حیث رکز فیه على وجوب قیام الدولة برعایة حقوق المجنی علیهم من خَلل التزامها بصرف تعویض فوری لهم حال وقوع إحدى الجرائم علیهم، وزاد على ذلک الفقیه"جارو فالو" الذی نادى بضرورة إنشاء صندوق للتعویضات یتم صرف التعویضات المستحقة للمجنی علیهم والضحایا من جراء الجرائم منه، وذلک حالة عجزهم عن الحصول على تعویض من الجانی([272]).
أما بالنسبة للموقف الجنائى الدولى : فقد عقدت العدید من المؤتمرات والاتفاقیات الدولیة التى تنادى بإلزام الدولة بتعویض المجنى علیه والمضرور من الجریمة , ومن هذه المؤتمرات المؤتمر الدولی للسجون فی باریس عام 1895م ونذکر فی هذا المقام ما جاء فی تقریر الفقیه"ادولف برانز" المقدم للمؤتمر والذی جاء فیه:" انه حان الوقت ان تلتفت الدولة إلى المجنی علیه وان تراعی ظروفه وأحواله أسوة بالجانی الذی یلقى کل الرعایة والعنایة من جانب الدولة التی تقوم بإطعامه وتوفیر المسکن والملبس له، وتحرص على توفیر الدفء والإنارة والصحة له، وتشرف على تأهیله وتدریبه على نفقتها، وعند خروجه من السجن تعطیه مبلغا من المال یمثل أجره عن عمله أثناء وجوده فی السجن، بینما یترک المجنی علیه وحده یقاسی من جراء الجریمة فی الوقت الذی یساهم هو نفسه وعن طریق غیر مباشر فی رد اعتبار المجرم الذی اضر به من خَلل الضرائب التی یقوم بدفعها إلى الدولة والتی تنفقها بدورها على الجناة أثناء تواجدهم فی أماکن تنفیذ العقوبات([273]).
ثم عقد المؤتمر الدولی للسجون ببلجیکا عام 1900م والذی أوصى بوجوب التزام الدولة بتعویض المجنی علیهم، إلا أن ظروف الحرب العالمیة الأولى والثانیة آنذاک حالت دون إیجاد صدى لهذه الفکرة، إلى أن ظهرت الفکرة من جدید على ید الانجلیزیة " مارجری فراری" عام 1957م , وکانت هذه الشرارة اْلولى التی أدخلت الفکرة إلى حیز التنفیذ، وقررت بعدها عدة دول إنشاء صنادیق لتعویض الضحایا([274]).
وقد تعددت المؤتمرات الدولیة لبحث ومعاللجة حق المجنى علیه والمضرور من الجریمة فى التعویض من الدولة جراء تقاعسها ومن ذلک مؤتمر"لوس أنجلس" بکالیفورنیا عام 1968م، والذی اختتم أعماله بالتوصیة بأنه ینبغی تعویض المجنی علیهم من الدولة، کما یجب أن ینظر إلى هذا التعویض على کونه حق للمجنی علیهم ولیس منحة، ثم عقد المؤتمر الدولی الثانی لتعویض المجنی علیهم فی مدینة بالیتمور بالوالیات المتحدة الأمریکیة ، ثم المؤتمر الثالث لتعویض المجنی علیهم عام 1972م، بمقاطعة اونتریو بکندا([275]).
أما اللجنة الوزاریة فی المجلس اْلاوروبی عام 1977م فقد أوصت حکومات الدول اْلاعضاء فی المجلس أن یؤخذ فی الاعتبار الحالات التی یتعذر فیها حصول المجنی علیهم على تعویض وأن یتم تعویض الذین أصیبوا بأضرار جسمانیة جسیمة من الجریمة، وکذا أولئک الذین یعتمدون فی إعالتهم على أشخاص قتلوا جراء الجریمة([276]).
التزام الدولة بتعویض ضحایا فى الجرائم المختلفة فی القانون المصری :
إذا کان دور الدولة فى مساعدة ضحایا الجرائم الخطیرة مثل جرائم الإرهاب یفتقد إلى سیاسة عامة معلنة تتبعها الحکومة، ویغلب على ما یتخذ من إجراءات فی هذا السیاق الطابع الانتقائی، إلا أنه یَلاحظ وجود توجه بتعویض أسر ضحایا الجیش والشرطة، سواء الذین استهدفتهم العملیات الارهابیة أو الذین سقطوا أثناء المواجهات المسلحة مع الارهابیین، وذلک بهدف الحفاظ على الروح المعنویة لدى فرق مکافحة الإرهاب فی الجیش والشرطة، وکذلک توفیر نوع من الدعم أسر ضحایا الجیش والشرطة على نحو قد یحصنهم من التحول لمعاداة الدولة، ویقدر عدد ضحایا الشرطة خَلال العامین 2014و2015م بعدد 290, وذلک وفق الإحصاء الرسمی المعلن فی ذکرى عید الشرطة ینایر 2016م , ففى هذا الاطار ، أعلنت الدولة عن تصنیف الضحایا على أنهم "شهداء"، وتم منح أسرهم أنواطا شرفیة وکذلک منحهم تعویضات مالیة وفق ماده 45 من قانون مکافحة الارهاب([277]).
وإذا کانت الدولة قد استشعرت مسئولیتها التعویضیة اتجاه ضحایا الجرائم الإرهابیة , فإن الأمر لا یقل أهمیة بالنسبة للجرائم الأخرى , وذلک لتوافر الأساس القانونى الذى تقوم علیه مسئولیة الدولة تجاه ضحایا الجرائم الأخرى , وهو الأساس القانونى والأساس الاجتماعى([278]), وهو ما عولت علیه بعض التشریعات الجنائیة , کالتشریع الفرنسى والصادر عام 1977م([279]), وکذلک التشریع الجزائرى فى بعض الجرائم دون البعض الأخر([280]).
الموازنــة :
من خلال العرض الوارد فى المطلبین السابقین یتضح لنا أن القانون یتفق مع الفقه الإسلامی فیما یتعلق بوجوب حمایة الحقوق الخاصة بکل من المجنى علیهم والمضرور من الجریمة , وأن عدم إضفاء الحمایة کاملة وإهدار الحقوق والمصالح یعد تقاعسا من قبل السلطات الجنائیة فى حمایة هذه الحقوق , وإهدارا للحقوق والمصالح المتعلقة بکل منهما , وأن واجب التعویض فى المجالین الجنائى والمدنى یمثل أساسا فى تطبیق قواعد العدالة الجنائیة والمدنیة , وإن کان الفقه الإسلامی یتمیز عن القانون فى إضفاء قدر أکبر من الحمایة لهذه الحقوق فیما یتعلق بالتعویضات , حیث یقرر الفقه الإسلامی صور التعویضات المختلفة لکافة الأضرار الناجمة عن الاعتداء على حقوق کل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة فى هذه الحالة فى المجالات المختلفة , ولا یوجد فى الفقه الإسلامی ما یسمى بتقیید الوقائع الجنائیة ضد مجهول , الذى یمثل فى حد ذاته مظهرا من مظاهر التقاعس من قبل السلطات الجنائیة , بخلاف القانون الذى قد توجد فیه بعض الحالات أو الوقائع التى تقید ضد مجهول , الأمر الذى یمکن معه القول بأن نطاق التعویض فى الفقه الإسلامی أوسع مما هو مقرر فى القانون.
الخاتمة
وتتضمن النتائج التى توصل إلیها الباحث , ثم عرض بعض التوصیات الخاصة بموضوع البحث.
أولا: النتائج:
بعد خوض غمار هذا الموضوع توصلت إلى عدة نتائج من أهمها :
أولا: أن کلا من الفقه الإسلامی والقانون الجنائى قد قررا حقوقا ومصالح لکلا من المجنى علیه والمضرور من الجریمة وأضفى علیها جانبا کبیرا من الحمایة الجنائیة ومنع أى اعتداء علیها , وأوجب على الدولة القیام بواجب الحفاظ علیها.
ثانیا: أن تقاعس الدولة فیما یتعلق بقیامها بواجب الحمایة والمحافظة على الحقوق المقررة لکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة ما یعد تقاعسا من قبل السلطات الجنائیة والقانونیة المنوط بها هذه الحمایة.
ثالثا: أن وصف تقاعس الدولة و سلطاتها الجنائیة عن حمایة المجنى علیه والمضرور من الجریمة مرده إلى قرره الفقه الإسلامی والقانون الجنائى من وجود أسانید قانونیة لهذه الحقوق , تؤکد مدى أهمیة هذه الحقوق , ومدى وجوب المحافظة علیها.
رابعا: أن أى اعتداء على الحقوق المقررة لکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة یعد إهدارا لتلک الحقوق والمصالح التى أناط بها المشرع کلا منهما.
خامسا: أن حق کل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة فى التعویض عن إهدار هذه الحقوق والمصالح الناجمة عن الاعتداء الواقع علیها هو أمر یعد بمثابة السند القانونى للمطالبة بالتعویض عن الضرر الذى نال کلا من المجنى علیه والمضرور من الجریمة , وأن إهدار هذه الحقوق وعدم کفالة الحق فى التعویض فیها هو مظهر من مظاهر تقاعس السلطات عن عدم القیام بواجب المحافظة على هذه الحقوق.
سادسا: أن صور التعویض التى تقررت فى کل من الفقه الإسلامی والقانون إنما هى محاولة لتطبیق قواعد العدالة الجنائیة فى شفاء غیظ کل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة , وانصافا لهما من الجانى أو المعتدى على هذه الحقوق.
سابعا: أن الفقه الإسلامی تمیز بإضفاء أکبر قدر من الحمایة الجنائیة لهذه الحقوق فى المجالین الجنائى والمدنى عند تقریر التعویض لهما فى جمیع صوره وذلک بخلاف القانون الذى اقتصر فى بعض الأحوال على بعض جوانب التعویض الجنائى والمدنى بتقریر حق کل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة بخصومة الجانى والمطالبة بإنزال العقوبات الجنائیة به, والتعویض المدنى عن الضرر الذى نال کلا منهما , وذلک بطریق الادعاء المباشر أمام المحاکم الجنائیة للمطالبة بالتعویض , على الرغم من قصور السلطات فى حمایة هذه الحقوق فى بعض الأحوال التى قد تهدر فیها بعض الحقوق لکل من المجنى علیه والمضرور من الجریمة , وذلک فى الحالات التى تقید فیها الوقائع الجنائیة ضد مجهول.
ثامنا: على السلطات الجنائیة تکثیف الجهود لإسباغ کافة جوانب الحمایة على حقوق المجنى علیهم والمضرورین من الجریمة , وذلک بملاحقة الجناة والقبض علیهم وتقدیمهم لسیف العدالة , لاستشعار من وقع الاعتداء علیهم بواجب المحافظة على حقوقهم من قبل السلطات الجنائیة دون تقاعس , وإحساسا بالأمن والطمأنینة تجاه حقوقهم.
ثانیا التوصیات:
وبعد عرض النتائج السابقة , نوصى ببعض التوصیات التى تتمثل فى الآتى:
1- رغم الجهود المبذولة من قبل السلطات الجنائیة لحمایة حقوق المجنى علیهم والمضرورین من الجریمة , إلا أننا نوصى بتکثیف الجهد للسلطات الجنائیة بصورة أکبر لحمایة حقوق هؤلاء المضرورین من الجریمة , حتى لا یکون مبررا لهؤلاء للتقاضى فى مواجهة السلطات الجنائیة.
2- کما نوصى کذلک بمواجهة السلطات الجنائیة للخطورة الاجرامیة وملاحقة المجرمین الخطرین , وخاصة الذین دأبوا على ارتکاب الجرائم الارهابیة التى تأرق وتهدد المجتمعات الآمنة.
3- کما أن محاکمة المجرمین من ذوى الخطورة الاجرامیة تمثل مظهرا من مظاهر العدالة الجنائیة , وهذا لا یتأتى إلى بتکثیف الجهد من قبل السلطات الجنائیة للقبض والسیطرة على هؤلاء وتقدیمهم للمحاکمة , وبالتالى یمکن تفعیل السیاسة الجنائیة فى مواجهتهم على النحو الذى تقتضیه قواعد العدالة.
4- کذلک نوصى السلطات الجنائیة بملاحقة العصابات الإجرامیة الخطیرة من مرتکبى الجرائم المختلفة على المستویین المحلى والدولى , أو الجرائم العابرة للحدود , والتمکن منهم حتى لا یوجد ما یبرر فى النهایة تقیید الوقائع ضد مجهول خاصة إن کانت خطیرة هذا من جانب , ومن جانب آخر عدم إهدار حقوق المجنى علیهم والمضرورین من الجریمة.
([1]) لسان العرب لابن منظور جـ7 ـ صـ32 ـ ط3 ـ دار بیروت ـ 1414ه، شمس العلوم ودواء کلام العرب من الکلوم لابن سعید الحمیرى الیمنى تحقیق د/ حسین عبد الله العمرى وآخرون ـ جـ5 ـ صـ3151 ـ ط دار الفکر المعاصر ـ بیروت ـ 1420هـ.
([4]) مقاییس اللغة لابن فارس جـ3 صـ95 دار الفکر 1979م , وانظر: تاج العروس للزبیدی جـ19 صـ374 دار الهدایة , وانظر: معجم اللغة العربیة المعاصرة للدکتور أحمد مختار عبد الحمید عمر جـ2 صـ1093ط عالم الکتب ببیروت الأولى 2008م.
([5]) الأحکام السلطانیة للماوردی صـ40 ـ دار الحدیث بالقاهرة، السیاسة الشرعیة لابن تیمیة صـ 217 ـ دار المعرفة.
([10]) لسان العرب لابن منظور جـ7، صـ32، ط3 1414هـ (دار صادر بیروت) و الفیروز أبادی صـ 867 ـ ط1413هـ، شمس العلوم ودواء کلام العرب من الکلوم لابن سعید الحمیرى الیمنى تحقیق د/ حسین عبد الله العمرى وآخرون جـ5 صـ3151 ط دار الفکر المعاصر بیروت 1420هـ.
([15]) تحریر الأحکام فی تدبیر أهل الإسلام لابن جماعة محمد بن ابراهیم بن سعد الله صـ58 ط3 دار الثقافة قطر 1988م تحقیق د/ فؤاد عبد المنعم أحمد.
([16]) د/عبد العزیز الخیاط ـ النظام السیاسی فی الاسلام صـ47، محمد بهجت جاد الله کشک ـ المنظمات وأسس إدارتها صـ225 ـ ط المکتب الجامعی الحدیث ـ الاسکندریة.
([18]) تحریر الأحکام فی تبین أهل الإسلام لابن جماعة محمد بن إبراهیم بن سعد الله ـ صـ58 ـ ط3ـ دار الثقافة ـ قطر ـ 1988ـ تحقیق د/فؤاد عبدالمنعم أحمد.
([23]) د/أحمد مختار عبد الحمید عمر - معجم اللغة العربیة المعاصرة – ج3 ص1843 – ط أولى عالم الکتب 2008م.
([24]) مشارق الأنوار على صحاح الآثار - عیاض بن موسى بن عیاض بن عمرون الیحصبی السبتی المعروف بالقاضى عیاض – ج2 ص191 – ط دار التراث بدون سنة.
([28]) د/ ثروت بدوی ـ النظم السیاسیة والقانون الدستوری - صـ288 وما بعدها ـ ط دار النهضة العربیة ـ القاهرة ـ 1989م.
([30]) د/ رمزی الشاعر ـ الأیدولوجیات وأثرها فی الأنظمة السیاسیة المعاصرة صـ82 وما بعدها ـ ط 1994م ـ مطبعة عین شمس ـ القاهرة، د/مصطفى أبو زید فهمی، د/ محمد رفعت عبدالوهاب -مبادئ الأنظمة السیاسیة صـ206ـ ط دار المطبوعات الجامعیة ـ1995م، د/ محمد عبدالله مغازی ـ مرجع سابق صـ97 وما بعدها.
([35]) د/ حسن صادق المرصفاوى – دعوى التعویض أمام المحاکم الجنائیة – بحث منشور بأعمال مؤتمر "حقوق المجنى علیه فى الإجراءات الجنائیة" – المؤتمر الثالث للجمعیة المصریة للقانون الجنائى سنة 1989م - ص288- ط دار النهضة العربیة 1990م.
([36]) Raymond de Ryckere , Henri Jasper: Contribution de la victimologie aux sciences criminologiques, rev, De droit penal et de criminology, bruxelles,1958 p.62.
([37]) د/ محمد أبو العلا عقیدة ـ شرح قانون الإجراءات الجنائیة صـ150ـ ط2ـ2001م ـ دار النهضة العربیة بالقاهرة.
([39]) د/ محمد الأمین البشرى – علم ضحایا الجریمة وتطبیقاته فى الدول العربیة – مرکز الدراسات والبحوث – ص23 - الریاض ط 2005م.
([43]) د/ عبد الوهاب العشماوی ـ الاتهام الفردی أو حق الفرد فی الخصومة الجنائیة صـ288 ـ کلیة الحقوق جامعة فؤاد الأول ـ ط1953 ـ دار النشر للجامعات المصریة.
([44]) راجع د/ محمود نجیب حسنى ـ شرح قانون الإجراءات الجنائیة صـ270ـ دار النهضة العربیة ـ ط3 ـ 1995.
([46]) جلسة 6/7/1996 مجموعة أحکام المحکمة منشورة فی مجلة القضاء والتشریع، العدد السابع، یولیو، صـ22.
([56]) د/محمود نجیب حسنی_ الفقه الجنائی الإسلامی_ صـ40_ ط2006م، انظر أیضا د/ محمد سلیم العوا_ أصول النظام الجنائی الإسلامی_ صـ241 وما بعدها_ ط2006م.
([57]) راجع فی هذا المبدأ حاشیة الروض المربع شرح زاد المستقنع جمع عبدالرحمن بن محمد ابن قاسم العاصمی النجدی الحنبلی جـ7 صـ 195 ـ ط1 ـ 1397ه.
([58]) د/ مصطفى أبو زید فهمی _ فن الحکم فی الإسلام _ صـ 19 _ ط2002م_ دار المطبوعات الجامعیة _ الإسکندریة.
([62]) الکشاف للزیلعی جـ1 صـ346، التیسیر بشرح الجامع الصغیر لابن على بن زین العابدین الحدادی المناوی القاهری جـ2 صـ435 ـ ط3 ـ 2008م ـ مکتبة الإمام الشافعی ـ الریاض، السراج المنیر فی شرح الجامع الصغیر فی حدیث البشیر النذیر للشیخ علی بن أحمد الشهیر بالعزیزی جـ4 صـ306 ـ بدون سنة طبع، تخریج الحدیث والآثار الواقعة فی تفسیر الکشاف للزمخشری لجمال الدین بن یوسف بن محمد الزیلعی ـ تحقیق عبد الله السعد جـ1 صـ346 ـ ط1 ـ 1412هـ ـ دار ابن خزیمة ـ الریاض.
([65]) د/ محمد أحمد عبد اللطیف الفقی_ الحمایة الجنائیة لحقوق ضحایا الجریمة _ صـ26_ ط2002م_ دار النهضة.
([68]) د/ مأمون سلامة _ قانون الإجراءات الجنائیة معلقا علیه بالفقه وأحکام النقض طبقا لأحدث التعدیلات والأحکام_ صـ309_ ط4 2015م (سلامة للنشر والتوزیع).
([70]) د/ زکی محمد شناق -الوجیز فی ضوء نظام الإجراءات الجزائیة الجدید لعام 1435هـ ولائحته التنفیذیة -صـ285، 291-ط2-1436-دار حافظ للنشر، وأیضا م112 من نظام الإجراءات الجزائیة الجدید.
([74]) د/ رمسیس بهنام، د/ على عبد القادر القهوجی – علم الإجرام والعقاب – صـ 325 -منشأة المعارف بالإسکندریة (بدون سنة طبع).
([76]) الأحکام السلطانیة – أبو الحسن على بن محمد بن حبیب البصری البغدادی والمعروف بالماوردی – صـ322 – ط دار الحدیث ـ القاهرة.
([77]) الأحکام السلطانیة – القاضی أبو یعلى الفراء – تحقیق/ محمد حامد الفقی – صـ257– ط2 ـ دار الکتب العلمیة ـ 2000م ـ بیروت لبنان.
([80]) الحدیث رقم 6664 – صحیح البخاری – تحقیق/ محمد زهیر بن ناصر – جـ8
صـ 135 – ط أولى دار طوق النجاة 1422ه، منحة الباری شرح صحیح البخاری – زین الدین أبو یحیى السنیکى المصری الشافعی – جـ9 صـ569 – ط أولى تحقیق/ سلیمان بن دریع العازمی – مکتبة الرشد الریاض 1426ه.
([81]) مسند الإمام أحمد بن حنبل – أبو عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشیبانی – تحقیق/ شعیب الأرناؤوط وآخرون – جـ4 صـ 315 – ط أولى مؤسسة الرسالة 1421ه، السنن الکبرى – أبو عبد الرحمن أحمد بن على الخرسانی المعروف النسائی – تحقیق/ حسین عبد المنعم شلبی – جـ7 صـ 127 – ط أولى مؤسسة الرسالة 1421ه.
([82]) صحیح البخاری – مرجع سابق – جـ1 صـ6، السنن الکبرى – أحمد بن على بن موسى الخرسانی المعروف بالبیهقی – تحقیق/ محمد عبد القادر عطا – صـ68 – ط3 دار الکتب العلمیة 1424ه.
([94]) انظر د/علی أحمد عبدالقادر أبو عیطة ـ شرح قانون العقوبات القسم العام صـ275 وما بعدها ـ ط2017 ـ 2018.
([100]) حاشیة الدسوقی على الشرح الکبیر صـ459، د/ سلمى الخضراء الجیوشی ـ حقوق الإنسان فی الفکر العربی صـ14ـ بدون سنة طبع.
([103]) الشیخ مصطفى الزرقا ـ المدخل إلى نظریة الالتزام العامة جـ2 صـ11 ـ ط3 ـ 1377هـ مطبعة الجامعة ـ دمشق.
([104]) کشف الأسرار عن أصول البزدوی للإمام عبد العزیز البخاری جـ4 صـ134 ـ ط1394هـ، البحر الرائق شرح کنز الدقائق للإمام زین الدین بن نجیم جـ6 صـ148 ـ ط2.
([106]) انظر المستصفى للإمام الغزالی جـ1 صـ287ـ ط1 1322هـ (المطبعة الأمیریة ببولاق)، د/یوسف حامد العالم ـ المقاصد العامة للشریعة الإسلامیة صـ133 وما بعدها ـ ط3 ـ دار الإیمان ـ المغرب، وانظر فی هذه المصالح تفصیلا الموافقات للامام الشاطبی صـ325 وما بعدها ـ ط2 ـ دار المعرفة ـ بیروت، تعلیل الأحکام للشیخ محمد مصطفى شلبی صـ278 ـ مطبعة الأزهر ـ 1974م.
([108]) د/ محمد نور فرحات ـ تاریخ القانون الدولى الإنسانی والقانون الدولی لحقوق الإنسان صـ83ـ ط2000م.
([113]) د/ علی جمعة ـ حقوق الإنسان فی الإسلام ـ بحث منشور بمجلة أکادیمیة نایف العربیة للعلوم الأمنیة ـ الریاض ـ جـ10 صـ204،194
([114]) الشیخ محمد الغزالی ـ حقوق الإنسان بین تعالیم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة ـ منشور فی البیان العالمی لحقوق الإنسان فی الإسلام صـ44.
([118]) راجع مظاهر تکریم الله للإنسان ومظاهر ذلک فی أصول علم الإدارة الحدیثة د/ عبدالغنی بسیونی ـ صـ 48 وما بعدهاـ ط2006 ـ منشأة المعارف ـ اسکندریة.
([120]) د/ أمیر عبدالعزیز ـ حقوق الإنسان فی الإسلام صـ7 ــ ط1، وانظر أیضا د/ محمد أحمد صالح ـ حقوق الإنسان فی عصر النبوة ـ بحث منشور بمجلة (أکادیمیة نایف العربیة للعلوم الأمنیة) مرکز الدراسات والبحوث بالریاض ـ جـ1 ـ صـ27،26ـ 2001م.
([123]) کشف الأسرار شرح أصول البزدوی لعلاء الدین عبد العزیز بن أحمد البخاری جـ4 ـ صـ134 – ط دار الکتاب الاسلامى.
([138]) الشیخ محمد أبو زهرة ـ المجتمع الإسلامیـ بحث مقدم للمؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامیة بالأزهر الشریف ـ أکتوبر 1966م ـ أعمال المؤتمر صـ462.
([145]) مسند الإمام أحمد بن حنبل تألیف أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشیبانی ـ تحقیق شعیب الأرنؤط وآخرون جـ39 صـ370 ـ ط1ـ مؤسسة الرسالة 1421هـ، السنن الکبرى تألیف أبو بکر البیهقی ـ تحقیق القادر عطا جـ8 صـ478 ـ ط3 ـ دار الکتب العلمیة 1422هـ.
([146]) انظر فی التشهیر به والطواف به ـ تبصرة الحکام لابن فرحون جـ2 صـ214، مواهب الجلیل جـ6 صـ303، الطرق الحکمیة صـ101 وما بعدها.
([147]) د/ محمد سلیم العواـ أصول النظام الجنائی فی الفقه الإسلامی صـ389، وقد تم التعزیر لشاهد زور بالطواف به فی المدینة المنورة فی عام 1388هـ ـ انظر د/ محمد العوا ـ نفس المرجع صـ368.
([157]) الموافقات للشاطبی جـ2 صـ333 ـ مطبعة المدنی بمصر، الفروق للقرافی جـ1 صـ141ـ مطبعة دار إحیاء الکتب العربیة.
([159]) حاشیة ابن عابدین جـ6 صـ126، وتبیین الحقائق للزیلعی جـ3 صـ210، الجریمة للشیخ أبو زهرة صـ11 وما بعدها (الجریمة والعقوبة ذات المجلد الواحد).
([161]) المبسوط للسرخسی جـ12 صـ35 وما بعدها ـ ط 2 بیروت ـ لبنان، الاختیارات الفقهیة لشیخ الإسلام ابن تیمیة صـ508، د/عبد العزیز عامر ـ التعزیر فی الشریعة الإسلامیة صـ1353 ـ ط4 1389هـ.
([170]) د/عبد الجواد یاسین ـ السلطة فی الإسلام ـ (العقل الفقهی السلفی بین النص والتاریخ) صـ305 ط2 سنه 2000م المرکز الثقافی العربی.
([173]) الأشباه والنظائر للسیوطی صــ121 ـ دار الکتب العلمیة ـ ط1 1990م ـ بیروت، حاشیة ابن عابدین جـ7 صـ53ـ ط2 دار الکتاب الإسلامی ـ بیروت.
([176]) د/هشام محمد على سلیمان ـ مدى التزام الدولة بتعویض ضحایا الجرائم الإرهابیة بین الشریعة الإسلامیة والقانون الوضعی صـ34 وما بعدها 1426هـ.
([179]) إلا أن هناک بعض الاستثناءات والمعاییر التی عوّل علیها الشارع فی مجال المفاضلة کالعلم فی قوله تعالى" قل هل یستوی الذین یعلمون والذین لا یعلمون" سورة الزمر آیة9، والقوة فی قوله –صلى الله علیه وسلم-" المؤمن القوی خیر وأحب إلى الله من المؤمن الضعیف"، وغیر ذلک من أوجه المفاضلة المشروعة المعوّل علیها شرعا، وفی غیر هذه المعاییر الکل سواء فی إطار هذا المبدأ.
([181]) حاشیة الروض المربع شرح زاد المستقنع جـ7 صـ195 ـ ط أولى 1397هـ، إعلام الموقعین جـ2 صـ122ـ ط دار الکتب العلمیة 1973م، الجریمة والعقوبة لأبی زهرة صـ17،16،15ـ ط 1998م، د/عیسى العمری ـ فقه العقوبات فی العقوبات فی الشریعة الاسلامیة صـ155ـ ط2010م، د/ عبدالعزیز محمد الصغیرـ القصاص فی الشریعة الإسلامیة وفقا للقانون السعودی صـ129 ـ ط2015م، د/صدقی عیسى ـ التعویض عن الضرر ومدى انتقاله إلى الورثة دراسة مقارنة صـ20 ـ ط 2014م.
([182]) د/ زکی زکی حسین زیدان ـ حق المجنی علیه فی التعویض عن ضرر النفس صـ29ـ ط2015م، الجریمة والعقوبة لأبی زهرة صـ17.
([187]) د/محمدنصرالدینمنصور-المدخلللقانون " النظریةالعامةفیالحقوق " جـ1 ـ
صـ٢٨٣ـ طالشرقیة 2000م،د/احمدعبدالحمیدعشوش، د/ سعیدفهمیالصادق-مبادئ القانون صـ٢ ط 2001م.
([188]) د/حمدیعبدالرحمن، د/میرفتربیععبدالعال،نظریةالحق " مقدمةالقانونالمدنیالحقوقوالمراکزالقانونیة صـ49 طمطبعةالاسراء.
([191])د/محمدعلىعمران،د/فیصلزکىعبدالواحدمبادئالعلومالقانونیةصـ١٢٨، د/مصطفىمحمدالجمال، د/ عبدالحمیدمحمدالجمالالنظریةالعامةللقانونصـ278 ـ ط الدارالجامعیة ـ 1987م.
([198]) د/ محمد نصر الدین منصور – المدخل للقانون النظریة العامة فی الحقوق جـ1 صـ283 ط الرسالة 2000م.
([202]) د/ نزار حمدی قشطة – قراءة فی مبدأ التزام الدولة بتعویض المتضرر عن جرائم الأفراد ـ جـ2 ـ صـ2 ـ ط2011م.
([203]) راجع حکم المحکمة الدستوریة العلیا المصریة فی 6/4/1996م فی الدعوى رقم 30 لسنة 16 قضائیة (دستوریة)– مجموعة أحکام المحکمة الدستوریة العلیا جـ7 صـ551.
([204]) راجع حکم المحکمة الدستوریة العلیا المصریة فی 15/6/1996م فی الدعوى رقم 49 لسنة 17 قضائیة (دستوریة) – مجموعة أحکام المحکمة الدستوریة العلیا جـ7 صـ739.
([206]) انظر المادة الثالثة والرابعة من نظام الإجراءات الجزائیة السعودى المعدل ولائحته التنفیذیة 1435ه.
([208]) د/ شمس الدین الوکیل – الجنسیة ومرکز الاجانب – صـ740 – ط2 عام 1960م،
د/ أحمد مسلم – القانون الدولى الخاص – صـ 103 وما بعدها – ط 1956م.
([214]) انظر تفصیلا فى صور الاعتداء على الجنین المخصب خارج الرحم رسالتنا للدکتوراة تحت عنوان نطاق الحمایة الجنائیة للبویضة المخصبة خارج الرحم فى القانون الجنائى والفقه الإسلامى دراسة مقارنة – صـ 518 وما بعدها- ط اولى المکتب الجامعى الحدیث الاسکندریة ط2018م.
([217]) د/ إبراهیم أحمد خلیفة – حقوق الإنسان – صـ86 , د/ عبد العزیز محمد سرحان – الاطار القانونى لحقوق الإنسان – مشار الیه فى المرجع السابق – صـ84.
([218]) د/ قمر قلیح – حقوق الإنسان بین الحمایة الدولیة والضمانات الدستوریة – صـ50 وما بعدها بدون سنة طبع.
([220]) د/ إبراهیم خلیفة – مرجع سابق – صـ74 , وانظر أیضا بروتوکول الاتفاقیة الأمریکیة لحقوق الإنسان فى مجال الحقوق الثقافیة والاجتماعیة – بروتوکول سان سلفادور – منظمة الدول الأمریکیة – سلسلة المعاهدات رقم 69/1988م والذى دخل حیز التنفیذ فى 16 نوفمبر 1999م – مشار إلیه فى المرجع السابق صـ81.
([223]) د/ محمد عبد الوهاب خفاجى – حقوق الإنسان – صـ18، وانظر م 43 من الدستور المصرى لعام 1971م ، وأیضا حکم المحکمة الإداریة العلیا الطعن رقم 654 لسنة 32 ق جلسة 27 مایو 1989م ، وفى حمایة القضاء الإدارى لحقوق الإنسان انظر المرجع السابق – صـ184 وما بعدها.
([230]) د/ أبو السعود عبدالعزیز موسى ـ أرکان جریمة القتل العمد فی الشریعة الإسلامیة والقوانین الوضعیة ـ صـ419 وما بعدها.
([231]) البحر الرائق جـ8 صـ295، مواهب الجلیل للحطاب جـ6 صـ244، الشرح الکبیر جـ9 صـ338، نهایة المحتاج جـ7 صـ250 ،251.
([233]) من هذا الرأی أصحاب المذهب الظاهری وبعض المالکیین ـ انظر مواهب الجلیل للحطاب جـ6 صـ233، 244، الشرح الکبیر للدردیر جـ4 صـ215، المحلى لابن حزم جـ10 صـ518.
([234]) مواهب الجلیل جـ6 صـ231، تحفة المحتاج جـ4 صـ10، المغنى جـ10 صـ476، 606 وما بعدها، الإقناع جـ4 صـ173، المغنى جـ9 صـ335.
([235]) بدائع الصنائع فى ترتیب الشرائع – علاء الدین أبو بکر بن مسعود أحمد الکاسانى – جـ7 ـ صـ296 ـ ط2 ـ دار الکتب العلمیةـ 1406ه، منح الجلیل شرح مختصر خلیل – محمد بن احمد علیش المالکی – جـ9 ـ صـ37ـ ط دار الفکر ـ بیروت ـ 1409ه، التهذیب فی فقه الإمام الشافعی – أبو محمد الحسین بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوى الشافعی – جـ7 ـ صـ95 ـ ط دار الکتب العلمیة ـ 1418ه، الفقه الإسلامی وأدلته ـ د/ وهبة الزحیلى جـ7 ـ صـ5737 ـ ط 4 ـ دار الفکر ـ دمشق.
([236]) الفقه المنهجی على مذهب الإمام الشافعی – د/ مصطفى البغا، د/ مصطفى الخن – جـ8 ـ صـ42 ـ ط4 ـ دار القلم ـ دمشق ـ 1413ه.
([237]) البحر الرائق شرح کنز الدقائق لابن نجیم المصری جـ8 ـ صـ377 ـ ط2 ـ دار الکتاب الإسلامی، الشرح الکبیر على متن المقنع لابن قدامة المقدسی الحنبلی – جـ9 ـ صـ595 ـ ط دار الکتاب العربی.
([239]) مواهب الجلیل فی شرح مختصر خلیل ابن عبد الرحمن الطرابلسی المغربی المالکی ـ جـ6 ــ صـ240 ـ ط3 ـ دار الفکر ـ 1412ه، الأم محمد بن ادریس الشافعی – جـ6 ـ صـ55 ـ ط دار المعرفة ــ بیروت ـ 1410ه.
([240]) بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع – جـ7 ـ صـ238، بدایة المجتهد ونهایة المقتصد لأحمد بن رشد القرطبى – جـ4 ـ صـ182 ـ ط دار الحدیث القاهرة ـ 1425ه، الأم للشافعی ـ جـ6 ـ صـ24، المغنى لابن قدامة المقدسی الدمشقی الحنبلی – جـ8 ـ صـ509 ـ ط مکتبة القاهرة ـ 1388ه.
([247]) انظر سنن البیهقی الکبرى، أحمد بن الحسین بن علی بن موسى أبو بکر البیهقی(ت458هـ)، تحقیق: محمد عبد القادر عطاـ جـ6ـ مکتبة دار الباز ـ مکة المکرمة ـ 1994 صـ220 کتاب (الفرائض) باب (لا یرث القاتل)، حدیث رقم (12025).
([248]) من أنصار هذا الرأی الداعیة الإسلامی الشیخ یوسف البدری، أنظر الموقع الالکترونی :
http://www.islamonline.net
([249]) انظر د/ حسن الشاذلى - الجنایات فی الفقه الإسلامی دراسة مقارنة بین الفقه الإسلامی والقانون – ص413 ط 2 دار الکتاب الجامعى.
([250]) سنن بن ماجة ( أبو عبد الله محمد بن یزید القزوینى المتوفى سنة 273ه) – تحقیق/ محمد فؤاد عبد الباقی – ج2 ص879 - دار إحیاء الکتب العربیة , سنن أبى داوود (أبو داوود سلیمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشیر بن شداد بن عمرو الأزدی السِّجِسْتانی المتوفى: 275هـ) – تحقیق/ محمد محیی الدین عبد الحمید – ج3 ص123 – ط بیروت.
([251]) د/ محمد ابو العلاء عقیدة – تعویض الدولة للمضرور من الجریمة ( دراسة مقارنة فى التشریعات المعاصرة والنظام الجنائى الاسلامى) – ص9 – ط 2 دار النهضة العربیة 2004م.
([252]) أبو محمد عز الدین عبد العزیز بن عبد السلام بن أبی القاسم بن الحسن السلمی الدمشقی، الملقب بسلطان العلماء - قواعد الأحکام فی مصالح الأنام - راجعه وعلق علیه/ طه عبد الرؤوف سعد – ج1ص167 – ط مکتبة الکلیات الأزهریة القاهرة 1991م , أبو العباس شهاب الدین أحمد بن إدریس بن عبد الرحمن المالکی الشهیر بالقرافی - أنوار البروق فی أنواء الفروق والمسمى بالفروق – ج1ص141 – ط عالم الکتب بدون سنة , محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسی - مقاصد الشریعة الإسلامیة – تحقیق/ محمد الحبیب ابن الخوجة – ج2ص331 – ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیة قطر 2004م.
([253])عبد العزیز بن أحمد بن محمد المعروف بعلاء الدین البخاری الحنفی - کشف الأسرار شرح أصول البزدوی – ج4ص134- ط دار الکتاب الإسلامی بدون سنة , سعد الدین مسعود بن عمر التفتازانی - شرح التلویح على التوضیح – ج2ص300 – ط مکتبة صبیح بمصر بدون سنة , أحمد بن محمد مکی أبو العباس شهاب الدین الحسینی الحموی الحنفی - غمز عیون البصائر فی شرح الأشباه والنظائر – ج4ص161 – ط أولى دار الکتب العلمیة 1985م.
([258]) الأرش هو بدل الجنایة والمراد أرش جنایة موجبها المال دون القصاص , انظر محمد أمین بن عمر بن عبد العزیز عابدین الدمشقی الحنفی المشهور بن عابدین - رد المحتار على الدر المختار والمشهور بحاشیة بن عابدین – ج5ص383 – ط2 دار الفکر بیروت 1992م.
([259]) والمقصود بالحکومة هو اجتهاد الإمام ومن حضره , ولا یکون التقویم إلا بعد بُرْء الجرح لا قبله خشیة أن یترامى إلى النفس أو إلى ما تحمله العاقلة – انظر تاج الدین بهرام بن عبد الله بن عبد العزیز الدمیری - تحبیر المختصر وهو الشرح الوسط على مختصر خلیل فی الفقه المالکی – تحقیق/ أحمد بن عبد الکریم نجیب , حافظ بن عبد الرحمن خیر – ج5ص271 – ط أولى مرکز نجیبویه للمخطوطات وخدمة التراث 2013م.
([260]) وانظر فى ذلک أبو اسحاق إبراهیم بن علی بن یوسف الشیرازی - المهذب فی فقة الإمام الشافعی – ج3ص205 – ط دار الکتب العلمیة بدون سنة , وانظر أیضا أبو محمد موفق الدین عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعیلی المقدسی ثم الدمشقی الحنبلی، الشهیر بابن قدامة المقدسی - المغنی لابن قدامة – ج8ص432 – ط مکتبة القاهرة 1968م.
([261]) انظر فى ذلک أبو الحسن علی بن محمد بن محمد بن حبیب البصری البغدادی، الشهیر بالماوردی - الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الإمام الشافعی وهو شرح مختصر المزنی – تحقیق/ الشیخ علی محمد معوض , الشیخ عادل أحمد عبد الموجود – ج7ص250 –
ط أولى ـ دار الکتب العلمیة بیروت 1999م, أبو زکریا محیی الدین یحیى بن شرف النووی - المجموع شرح المهذب – ج14ص322 – ط دار الفکر بدون سنة , المغنى لابن قدامة المقدسى – مرجع سابق – ج7ص224.
([262]) سلیمان بن عبد القوی بن الکریم الطوفی الصرصری - شرح مختصر الروضة – تحقیق/ عبد الله بن عبد المحسن الترکی – ج3ص234 – ط اولى مؤسسة الرسالة 1978م , محمد صدقی بن أحمد بن محمد آل بورنو أبو الحارث الغزی – موسوعة القواعد الفقهیة – ج2ص42 – ط اولى مؤسسة الرسالة بیروت 2003م.
([263]) عبد الرحمن بن أبی بکر جلال الدین السیوطی - الأشباه والنظائر – ص7 – ط اولى دار الکتب العلمیة 1990م , زین الدین بن إبراهیم بن محمد والمعروف بابن نجیم المصری - الأشباه والنظائر – ص72 – ط اولى دار الکتب العلمیة بیروت 1999م.
([264]) أبو محمد عز الدین عبد العزیز بن عبد السلام بن أبی القاسم بن الحسن السلمی الدمشقی الملقب بسلطان العلماء - الفوائد فی اختصار المقاصد – تحقیق/ إیاد خالد الطباع – ص90 – ط اولى دار الفکر دمشق 1416ه.
([268]) وفى معرفة هذه الاتجاهات انظر د/ خلفى عبد الرحمن – محاضرة بعنوان مسئولیة الدولة عن تعویض الضحیة دراسة مقارنة فى الفقه والتشریع المقارن – ص2 جامعة عبد الرحمان بمیرا – الجزائر بدون سنة طبع.
([269]) د/ یعقوب محمد حیاتی – تعویض الدولة للمجنی علیهم فی جرائم الأشخاص، دراسة مقارنة، رسالة دکتوراه من کلیة الحقوق جامعة اسکندریة ص45 وما بعدها – ط 1977م.
([270]) انظر د/ أحمد شوقى أبو خطوة - تعویض المجنی علیهم عن الأضرار الناشئة عن جرائم الإرهاب – ص15 – ط 1992م دار النهضة العربیة.
([271]) د/عادل محمد الفقی - حقوق المجنی علیه فی القانون الوضعی مقارنا بالشریعة الإسلامیة رسالة لنیل درجة الدکتوراه، کلیة الحقوق، جامعة عین شمس – ص242 ط1984م.
([273]) William Tallack, reparation to the injured and the rights of the victims of crime to compensation, London, 1966, p18.
([274]) د/ زکی زکی زیدان - حق المجنی علیه فی التعویض عن ضرر النفس – ص190 -
ط دار الفکر الجامعی الاسکندریة بدون سنة نشر.
([278]) راجع فى هذه الأسس تفصیلا کمال جاجة – تعویض المجنى علیه من طرف الدولة – رسالة ماجستیر بجامعة عبد الرحمان میرة بالجزائر – ص24 وما بعدها – ط الجزائر عام 2014م.
([279]) والذى عدل بعد ذلک فى 2 فبرایر عام 1981م لیشمل جرائم السرقة والنصب – انظر فى ذلک :
- Anne D' Hautville, Les droit des victiimes,rev,sc,crim(1) janv-mars 2001, p.115.
وقد تمت إضافة جرائم الاعتداء الجسدى بالتشریع الصادر فى 8 یولیو 1983م – راجع فى ذلک طارق فتح الله خضر – تعویض ضحایا الجریمة فى ضوء الأسس التقلیدیة لمسئولیة الدولة – بحث منشور بمجلة مرکز بحوث الشرطة – ص300 ع 27 ط 2005م الجزائر.