المساهمين
المؤلف
قسم القانون العام، الجامعة السعودية الإلکترونية، جامعة الملک خالد بأبها، أبها، المملکة العربية السعودية.
المستخلص
الكلمات الرئيسية
مقدمة
الحمد لله الذی علم الإنسان بعد جهل وهداه بعد ضلالة ،،
إن الصراع ضد الجریمة صراع قدیم، وهو صراع فلسفی ولکنه أیضاً عملی، وذو طابع قانونی، وأصبح ینظر إلى الإجرام على أنه وباء اجتماعی لا یقتصر خطره على وطن واحد، وأن التقدم الهائل الذی أوجدته العولمة فی مجال الاتصالات وسهولة الحل والترحال قد جعل من الممکن وقوع بعض الأفعال التی یعبر المجرم لأجلها الکثیر من البلدان، فإذا کان هذا الحال فإن مکافحة الوباء لا یجب أن تبتعد عن الوباء ذاته وأن لا تبقى محصورة على الوباء الداخلی، فکما أن الدولة فی المجال البیئی وحالات الکوارث تهب لتقدیم العون والمساعدة فعلى کل دولة أن تهب للمحافظة على النظام القانونی فی الدول الأخرى فما یجری على أرض الدول الأخرى یجب على الجمیع أن یهبوا لمساعدة تلک الدول لأن الحریق سوف یمتد إلى أراضیها لا محالة ,إذ لا تختلف ظاهرة غسیل الأموال المشبوهة عن غیرها من الظواهر الأخرى التی تسود المجتمعات الحدیثة. فهذه الظاهرة تلقی بظلالها على الأخلاق السائدة فی المجتمع وتطبیقاً لذلک فإن المشرع الجنائی عندما یرصد ثمة عقوبة جنائیة لجریمة غسیل الأموال، فإنه یضع فی اعتباره ما تمثله هذه الجریمة من طابع مزدوج، أی بوصفها جریمة من ناحیة، وبوصفها جریمة أخلاقیة من ناحیة أخرى، علیه فإنه یمکن القول بأن هذه الظاهرة قد تطورت بفعل عوامل شتى، اقتصادیة، وسیاسیة واجتماعیة، وتعتبر عملیات غسیل الأموال من الضخامة حیث یجب القول بأنه من الصعب کشفها جمیعاً، کما أنها تشکل مخاطر وأضراراً ممتد إلى الجوانب الحیاتیة جمیعاً، حیث أن تلک الظاهرة تشجع على زیادة ارتکاب الجرائم بصفة عامة، وخاصة الجرائم الخطرة من الإتجار غیر المشروع فی المخدرات موغلة فی القدم یعود تاریخها إلى تاریخ اکتشاف الإنسان للثروة، وإلى اکتشاف الإنسان للنقود واستعمالها، حیث مارستها العصابات، وقام بها المجرمون منذ بدء التاریخ، ومنذ احتراف الإنسان الجریمة وجعلها نشاطاً له، إلا أنها اکتسبت أوضاعاً جدیدة فی عالمنا المعاصر، خاصة مع تزاید الثروات وکبر حجم الأموال التی نجمت عن الجریمة بأشکالها وأنواعها المختلفة، ورغبة أصحابها فی التخفی والتمویه والخداع، حتى لا یؤدی وجود هذه الأموال إلى أن تصبح فی حد ذاتها دلیلاً على الفعل الإجرامی الذی ارتکب من قبل.
أهمیة الدراسة وأهدافها:
تتمثل أهمیة هذه الدراسة فی (المواجهة الجنائیة لجریمة غسل الأموال):
ومن هنا تبدو أهمیة الدراسة حیث أن عدم مشروعیة الدخل الذی تجری عملیات الغسل علیه، تتمثل فی قوة شرائیة غیر ناتجة عن نشاط اقتصادی حقیقی، مما یؤدی إلى آثار اقتصادیة خطیرة على الأسعار ویساهم فی حدوث ضغوط تضخمیة کبیرة تهدد مستقبل التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة، وتضر بمصالح البلاد العلیا، بل وتعرض الدولة للخطر. لذلک یجب العنایة الشدیدة من أجل منع وإحباط عملیات غسل الأموال القذرة حفاظاً على مصالح الأفراد والمصالح العلیا للمجتمع.
المشکلة:
ما آثار غسل أموال المخدرات على الجوانب الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة والقانونیة وکیفیة التعامل معها.
منهج البحث:
أتبع الباحث فی هذه الورقة المنهج الاستقرائی التحلیلی والوصفی وذلک بالرجوع إلى المصادر القانونیة فی هذا الشأن بتجمیع المادة المطلوبة من مصادرها الأصلیة وشرحها وبیانها بالتحلیل والمقارنة.
المطلب الأول
تعریف غسل الأموال لغة
یعنی غسل الشیء یغسله غسلاً وغسیلاً أی یطهّره بالماء وأزال الوسخ ومحوه عنه بإجراء الماء علیه، والذی یغسل فهو غاسل والشیء غسیل مغسول والجمع غسلى وغسلاء(3).
أما عن التعریف من الناحیة القانونیة لم یأتِ المشروع الدولی لها أی سیاسة تشریعیة وطنیة تعرف عملیات غسل الأموال تعریف جامع وشامل فاختلاف المفهوم من تشریع وطنی لآخر وإن کان توجد بعض العناصر الأساسیة التی تتفق علیها التشریعات والتی لا بد من توافرها لاکتمال أرکان هذه الجریمة حتى تکون بصدد جریمة غسل الأموال.
فالاختلاف نابع من عدة أسباب:
1- إن عملیات غسل الأموال متطورة ومتجددة فی استخدام مرتکبیها لأحدث الأسالیب التکنولوجیة لإتمام أعمالهم الإجرامیة والوصول إلى إخفاء المصدر غیر المشروع للأموال.
2- اختلاف مفهوم عملیات غسل الأموال من دولة إلى أخرى حسب السیاسة التشریعیة التی تتبناها الدولة. فنجد بعض الدول یأخذ بالمفهوم الضیق، باقتصار عملیات غسل الأموال على الأموال الناتجة عن الإتجار غیر المشروع فی المخدرات والمؤثرات العقلیة متأثرة بذلک باتفاقیة فینا 1988م وبعض الدول تأخذ بالمفهوم الواسع لعملیات غسل الأموال.
3- یتمثل فی حداثة التشریعات الصادرة لمکافحة عملیات غسل الأموال وندرة التطبیقات القضائیة بجرائم غسل الأموال.
4- دور أی تشریع سواء کان دولی أم وطنی لیس بالإلزام وضع تعریف للقاعدة التشریعیة التی جاء بها وإنما یقع على عاتقه وضع الضوابط والإطار العام لهذه القاعدة أو التدبیر خصوصاً مع تطور هذه الجریمة التی نحن بصددها واستخدامها لأحدث الأسالیب ومن ثم بذلک وضع التعریفات لاجتهادات الفقهاء على المستوى الدولی أو الوطنی.
هذا وقد تناول البعض تعریف غسل الأموال بأنها: تحویل أو إیداع أو توظیف الأموال المستمدة من أنشطة غیر مشروعة فی أصول مالیة تبدو کما لو کانت مستمدة من مصادر مشروعة، وهکذا یطلق على التحریک المادی للمال وتحویله وإیداعه فی البنوک الأجنبیة تحت حسابات رقمیة أو تحت حسابات بأسماء وهمیة، وکذلک تحویله من وعاء الإتجار بالمخدرات أو غیرها من السلع والخدمات غیر المشروعة، وتوظیفه واستثماره فی مشروعات لتنمیته، أو لإخفاء الأنشطة غیر المشروعة المستمدة منها لإظهاره بمظهر أصول منظمات العمل المشروع(4)، ویطلق على ذلک جمیعاً مصطلح غسل الأموال وعلى الأموال نفسها مصطلح الأموال القذرة. ویعرفها البعض الآخر بأنها ما تقوم به عصابات المافیا من شراء المحلات بأموال قذرة ذات مصدر غیر مشروع لإخفاء مصدرها عن أعین سلطات الرقابة(5).
ویذهب فریق ثالث للقول: بأن تعبیر أو مصطلح غسل الأموال یعنی ببساطة تمویه مصدر الأموال المکتسبة بطریقة غیر مشروعة أو هو العملیة التی یلجأ إلیها القائمون على الإتجار غیر المشروع بالمخدرات لإخفاء وجود دخل، أو لإخفاء مصدره غیر المشروع، أو لاستخدام الدخل فی وجه غیر مشروع، فضلاً عن تمویه ذلک الدخل لجعله یبدو وکأنه دخل مشروع(6).
إلا أننی أتفق مع بعض الفقهاء على الذهاب إلى أن تعبیر مصطلح غسل الأموال قد شاع استخدامه نظراً للتشابه الواضح بین العملیات التی تخضع لها النقود غیر المشروعة لکی تضفى علیها بعد ذلک الصفة المشروعة، وبین فکرة الغسیل فی مفهومها البسیط فکما یتم غسل الثیاب غیر النظیفة بوسائل معینة لکی تصبح صالحة للاستخدام المألوف، فإن الأموال ذات الأصل الإجرامی والتی تکون لهذا السبب غیر نظیفة أو (قذرة) ولا تصلح بصفتها هذه للتداول المالی والاقتصادی بسبب المعوقات القانونیة فی هذا الشأن، حیث یتم تنظیفها، أی إعطاؤها شکلاً یجعلها مقبولة من الناحیة القانونیة لإعادة استخدامها فی الدورة الاقتصادیة دونما عائق قانونی، وذلک من خلال عملیة أو عملیات فنیة محکمة(7).
إن شیوع المخدرات، وانتشارها، والتهافت على تناولها جعل منها سوقاً رائجة، تدر أرباحاً خیالیة، وهی وإن کانت تعتمد على مغامرات تقوم بها مافیات متخصصة، إلا أنها أخیراً تستقر فی أسواق معینة لتباع بالقطاعی "المفرق" لیسهل تناولها یومیاً من قبل المدمنین علیها، فأصبح لها أسواق خاصة موصوفة للزبائن فقط. فیجری بیعها یومیاً قطعاً متفرقة، وهذا یستلزم أن تتناولها الأیدی البائعة والمشتریة قطعاً صغیرة مستخرجة من أغلقتها، وعندئذٍ یکون لها روائح معینة تلتصق بأیدی بائعیها کما تلتصق هذه الروائح تلقائیاً بالأموال المدفوعة ثمناً لها، وما أن یأتی آخر النهار إلا وهناک کمیات کبیرة مکدسة من الورق النقدی، وکلها لها روائح معروفة، فلا یستطیع أصحابها إرسالها إلى البنوک وهی على هذا الحال فیقومون بعملیة غسیل لها وتنظیفها من هذه الروائح حتى لا یُکشف سرها.
أما عملیة الغسیل هذه فتکون بوسائل معروفة لدیهم لا تؤثر على هذه الأوراق النقدیة. فإما أن یکون الغسیل بعملیة تبخیر، أو ببعض المواد المزیلة بروائحها ولا تؤثر علیها، وعندئذٍ وفی آخر الدوام یدفعونها فی حساباتهم فی البنوک دون أیة شبهة تطالهم.
فهی فی حقیقتها غسیل بمعنى الکلمة، ولکن بوسائل معینة مخصصة لهذا الغرض، هذا هو واقع غسیل الأموال من حیث دلالة المنطوق لهذه الکلمة وهذا فی بدایات استعمال مصطلح "غسل الأموال" أی إزالة الروائح الکریهة القذرة عن هذه الأموال حتى لا یتعرف على مصدرها، ویشتبه فی أنها ناتجة من مخدرات. ونحوها، ثم تطور "غسل الأموال" لیصبح مدلوله یعنی استعمال وسائل مالیة وحیل خادعه لإضفاء الشرعیة والقانونیة على هذه الأموال المکتسبة. من مصادر غیر مشروعة قذرة وهکذا أصبح "غسل الأموال" بمعنى ( تبییض الأموال) وصار الاصطلاحان بمعنى واحد .
المطلب الثانی
أرکان جریمة غسل الأموال
1ـ عناصر الرکن المادی :
تتکون عناصر الرکن المادی، فی جریمة غسل الأموال من :
أولا : فعل الإخفاء :
حیث یعتبر تعتیم الأموال ، أو إخفاء مصدرها غیر المشروع العنصر الأول والأساسی فی جریمة تبییض الأموال والإخفاء هو کل تصرف من شأنه منع کشف حقیقة المصدر غیر المشروع وبأی شکل کان ، وبأیة وسیلة سواء کان هذا الإخفاء مستورا أو علنیا .
ثانیا : فعل التمویه:
یقصد به اصطناع مصدر مشروع وحقیقی للأموال غیر المشروعة، وإدخالها فی صلب الأرباح الناتجة عن إحدى الأعمال القانونیة ومن أمثلة التمویه ما یعهد إلیه غاسلوا الأموال وبالذات فی العملیات الدولیة المنظمة من إنشاء شرکات أجنبیة یطلق علیها بعض الأحیان الشرکات الصوریة، أو شرکات الواجهة، وهذه الشرکات لا تنهض بالأغراض المنصوص علیها فی عقود تأسیسها، بل تقوم بالوساطة فی عملیات تبییض الأموال وعادة ما یصعب تعقب النشاط غیر المشروع لهذه الشرکات خاصة إذا کانت تقوم فی ذات الوقت بجانب من العملیات المشروعة کنوع من التمویه لإخفاء عملیاتها غیر المشروعة الأخرى، وغالبا ما تلبس هذه الشرکات ثوب شرکات السیاحة أو شرکات الاستیراد والتصدیر أو شرکات التأمین ؛وقد نصت اتفاقیة فیینا على هذه الصورة من صور الرکن المادی فی المادة الثالثة إلى جانب جریمة الإخفاء
ثالثا : محل الإخفاء أو التمویه:
إن المحل الذی یرد علیه السلوک المجرم فی هذه الجریمة، هو العائدات أو المتحصلات الإجرامیة، أی الأموال غیر المشروعة المتأتیة بطریق مباشر أو غیر مباشر من إحدى الجنایات أو الجنح .
وقد اشتملت المادة الأولى من اتفاقیة فیینا على تعریف محدد لکل المتحصلات والأموال فنصت على أنه” یقصد بتعبیر المتحصلات کل الأموال المستمدة أو التی تم الحصول علیها بطریق مباشر أو غیر مباشر من ارتکاب جریمة منصوص علیها فی الفقرة الأولى من المادة الثالثة، أو الصکوک التی تثبت تملک تلک الأموال وفی حق متعلق بها (” المادة 1 ف من الاتفاقیة) .
ویشیر التعریفات المتقدمان إلى المفهوم الموسع الذی اعتمدته اتفاقیة فیینا للعائدات أو المحصلات غیر المشروعة التی تشکل محل جریمة تبییض الأموال مما یسمح باستیعاب کافة الصور التی یمکن أن تکون علیها تلک المتحصلات وأیا ما کانت طبیعة تلک الأموال
رابعا : المصدر غیر المشروع للأموال المبیضة:
تعتبر جریمة غسل الأموال جریمة تابعة تفترض ابتداء وجود جریمة سابقة هی مصدر الأموال موضوع الغسل أو التبییض وبما أنها من الجرائم الاقتصادیة فهی ترتبط فی الغالب بالجریمة المنظمة کجرائم المخدرات والإرهاب وتهریب السلاح .هذا ما اشارت الیه المحکمة العلیا السودانیة فی القضیة رقم(م ع/ ط ج/2007/623) (بقولها إن جریمة غسل أموال المخدرات جریمة تابعة لجریمة أصلیة ). .
وقد اختلفت الوثائق الدولیة فی تحدید نطاق الجریمة الأولیة، حیث اقتصرت بعض الوثائق على تجریم وعقاب غسل الأموال المتحصلة، وهو الاتجاه التی سارت علیه اتفاقیة فیینا باعتبارها معنیة بهذا النوع من الجرائم فقط، لتعنى اتفاقیات دولیة أخرى ذات نطاق أشمل وأوسع یتناول أنشطة غسل الأموال المتحصلة من الجریمة بوجه عام من ذلک یتضح لنا أن اتفاقیة فیینا ، قد حددت مصدر العائدات المالیة غیر المشروعة وحصرتها فی المخدرات وذلک فی المادة
( 3/ف أ) إضافة إلى کل فعل من أفعال الاشتراک فی هذه الجرائم .
2 / الرکن المعنوی لجریمة غسل الأموال:
لا یکفی لقیام جریمة غسل الأموال، أن یقوم الفاعل بإحدى صور السلوک المجرم التی یتحقق بها الرکن المادی، وإنما یلزم توافر الرکن المعنوی، الذی یتخذ فی هذه الجریمة صورة القصد الجنائی أو العمد فجریمة غسل الأموال هی جریمة عمدیة قوامها إرادة السلوک أو النشاط المکون لرکنها المادی، والعلم بکافة العناصر الجوهریة التی تعطی لهذه الجریمة خصوصیتها القانونیة ، إذ لا یکفی لقیامها مجرد الإهمال أو الخطأ غیر المقصود. وقد أفصحت اتفاقیة فیینا عن الطبیعة العمدیة فی المادة الثالثة مما یعنی استبعاد تصور وقوع هذه الجریمة بطریق الخطأ غیر العمدی أو الإهمال .
وینبغی لمساءلة الفاعل جنائیا أن یتوافر لدیه القصد العام والقصد الخاص
أولا: القصد العام:
هو القصد العادی، ویتعین توافره فی کافة الجرائم العمدیة، ویکتفی القانون به فی أغلب الجرائم، وفیه لا یعلق القانون قیام الجریمة على أن تکون ارتکابها لباعث خاص، ولذلک سمی عاماً؛ لأنه یقوم فقط على العلم بالسلوک وبالنتیجة وإرادة تحقیقها. ، ویتوفر القصد العام لدى مبیض الأصول بعلمه بحقیقة المصدر غیر المشروع للأموال، وینتفی الرکن المعنوی ، إذ انتفى هذا العلم، وانتفت معه إرادة غسل الأموال .
ثانیا: القصد الخاص:
یشترط فیه توافر ذات العناصر المکونة للقصد العام، غیر أن القانون یضیف إلیها عنصرا آخر، لا یدخل ضمن العناصر المکونة للجریمة، ولکنه خارج عنها؛ إذ هو فی الحقیقة مجرد باعث من جملة البواعث التی حرکت الجانی لارتکاب الجریمة، ویصبح بالتالی من العناصر المکونة للجریمة. وفی جریمة غسل الأموال فإن القصد الخاص یتحقق عند التثبت من إرادة إخفاء أو تمویه المصدر غیر المشروع للأموال المنقولة ، أو غیر المنقولة أو الموارد الناتجة عن جرائم المخدرات، أو عن جنایة أو جنحة بوجه عام .
وإذا کانت القاعدة المقررة فی تحدید نوع القصد الجنائی هی الاکتفاء بالقصد العام ما لم ینص القانون على وجوب توافر قصد خاص إلى جانبه . وتذهب غالبیة التشریعات المقارنة إلى الاکتفاء بالقصد الجنائی العام ، بعنصریه: العلم والإرادة . والبین من النصوص التجریمیة التی ساقتها اتفاقیة فیینا، أنه یلزم توافر القصد الجنائی الخاص فی صورة واحدة من الصور الثلاثة التی أورتها تلک الاتفاقیة للسلوک الإجرامی فی جریمة غسل الأموال وهی ” تحویل أو نقل الأموال ” المادة الثالثة (ب/1) .ولم تکتف هذه المادة بمجرد اتجاه إرادة الجانی إلى مباشرة النشاط الإجرامی الذی یقوم به الرکن المادی مع علمه بذلک. وإنما استوجبت أن یقصد الجانی من وراء نشاطه الإجرامی تحقیق أحد الغرضین غیر المشروعین اللذان یعتبران بمثابة القصد الخاص وهما:
1. إخفاء أو تمویه المصدر الجرمی للأموال غیر المشروعة
2.مساعدة أی شخص متورط فی ارتکاب إحدى جرائم الإتجار غیر المشروع بالمخدرات .
المطلب الثالث
مضمون جریمة غسل الأموال والحکم الشرعی لها
أحدثت ظاهرة غسل الأموال دویاً هائلاً فی الأوساط القانونیة والاقتصادیة، نظراً لما تنطوی علیه من مخاطر جسیمة تضر باقتصادیات الدول، وهو الأمر الذی دفع العدید من الفقهاء إلى تناولها بالدراسة والتحلیل محاولین وضع مدلول لها. وفی الحقیقة یرجع تعبیر غسل الأموال فی أصله إلى المافیا الأمریکیة حیث استخدمت هذا التعبیر(8).
ویقصد به: مجموعة العملیات ذات الطبیعة الاقتصادیة التی تتبع لتغییر صفة الأموال ثم الحصول علیها بطریقة غیر مشروعة لتظهر کما لو کانت قد نشأت أصلاً عن مصدر مشروع، فالجانی فی جرائم غسل الأموال یهدف إلى إدخال الأموال غیر المشروعة فی مصدرها فی إطار حرکة التداول المشروع لرأس المال مع ما یترتب على ذلک من اندماج بعضها البعض، وبالتالی یصعب اقتفاء أثرها أو حتى معرفة مصدرها. کما تشمل أیضاً المساهمة فی توظیف أو إخفاء أو تمویل العائد المباشر أو غیر المباشر لجنایة أو جنحة(9).
فجوهر عملیة غسل الأموال، هو قطع الصلة بین الأموال المتحصلة عن أنشطة إجرامیة وبین مصدرها غیر المشروع، فهی تهدف بذلک إلى إضفاء الشرعیة على أموال فی حقیقتها ناتجة عن مصدر غیر مشروع، ویترتب على نجاح هذه العملیة سهولة تحریک هذه الأموال غیر المشروعة فی المجتمع دون الخشیة من مصادرتها وبالتالی یفلت الجناة من العقاب فعملیة غسل الأموال تنصب على أموال غیر مشروعة یطلق علیها تعبیر "المال القذر"، وهذه الأموال تختلف عن الأموال السوداء التی تتسم بمشروعیة مصدرها، إلا أنه یتم الاحتفاظ بها سراً للتهرب من الضرائب على الدخل ـ وأما بالنسبة إلى عملیة غسیل الأموال فقد حرّمتها الشریعة أیضاً؛ لعدّة وجوه:
إنه من السحت وقد دلت الآیات والروایات على حرمته ففی قوله تعالى (أَکَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) المائدة الآیة 42وقوله صل الله علیه وسلم (لَا یَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ) رواه أحمد (14032) من حدیث جابر بن عبد الله رضی الله عنهما وفی هذه النصوص دلالة على حرمة السحت بکل أشکاله وأنواعه من دون حصر بمصدر معین وبما أن مصادر الأموال غیر المشروعة أغلبها أموال محرمة فتکون داخلة تحت عنوان السحت وقال شیخ الإسلام
ابن تیمیة رحمه الله الطَّعَامَ یُخَالِطُ الْبَدَنَ وَیُمَازِجُهُ وَیَنْبُتُ مِنْهُ فَیَصِیرُ مَادَّةً وَعُنْصُرًا لَهُ ، فَإِذَا کَانَ خَبِیثًا صَارَ الْبَدَنُ خَبِیثًا فَیَسْتَوْجِبُ النَّارَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِیُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ : (کُلُّ جِسْمٍ نَبَتَ مَنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) وَالْجَنَّةُ طَیِّبَةٌ لَا یَدْخُلُهَا إلَّا طَیِّبٌ" انتهى (21/541)مجموع الفتاوى .
وکذلک الإسلام حرم جمیع الأنشطة الاقتصادیة المالیة التی فیها ضرر أو یجئ منها الضرر لقوله صل الله علیه وسلم ((لا ضرر ولا ضرار))؛ حدیث حسن، رواه ابن ماجه والدارقطنی وغیرهما مسندًا، ورواه مالک فی الموطأ وقد اجمع الفقهاء جمیعا على حرمة السحت والضرر ولا یعلم مخالف فی ذلک .
المطلب الرابع
سمات وخصائص عملیات غسل الأموال
أولاً: جریمة غسل الأموال جریمة عالمیة وذات بعد دولی:
یعد الانفجار الهائل فی ثورة الاتصالات واستخدام الوسائل الإلکترونیة الحدیثة فی العلمیات المصرفیة، أصبحت جرائم غسل أموال المخدرات جرائم عالمیة تتعدى حدود الدولة الواحدة، الأمر الذی یجعل الجهود الوطنیة عاجزة عن مواجهة تفاقم هذه الظاهرة مما جعلها تستدعی جهوداً دولیة دؤوبة لمواجهتها.
وبالرغم من بعض الفوائد التی تجنیها اتفاقیات تحریر التجارة العالمیة، وما یرافقها من إزالة العوائق الجمرکیة واستخدام التجارة الإلکترونیة وشیوع المناطق الحرة وعملیات الخصخصة، إلا أن لکل ذلک أثر قد یکون سلبیاً فی تنشیط عملیات غسل الأموال خصوصاً وأن کثیراً من التشریعات لبعض الدول تفتح المجال لتنامی غسل الأموال من خلال تسهیل إمکانیة إنشاء الشرکات الوهمیة والتحویلات الإلکترونیة واستخدام بطاقات الصراف الآلی، والتی غدت الظاهرة الأبرز شیوعاً فی العملیات المصرفیة(10).
ثانیاً: جریمة غسل الأموال جریمة منظمة:
إذا نظرنا إلى جرائم غسل الأموال، باعتبارها من الجرائم الدولیة الخطرة التی تؤثر تأثیراً سلبیاً مباشراً على الاقتصاد الدولی نجد أن من أهم سماتها فی الأغلب أنها جریمة منظمة، وهی تفترض تعدد الجناة ووحدة الجریمة مادیاً ومعنویاً، بحیث یساهم کل منهم بعنصر أو أکثر من العناصر المؤثرة فی الجریمة وإذا ما أدرکنا أن المصدر الأساسی لعملیات غسل الأموال تأتى من
تجارة المخدرات نجد أن وصف جرائم غسل الأموال بالجرائم المنظمة
أمر بدیهی وواقعی.
ثالثاً: لجوء غاسلی الأموال إلى الوسائل التقنیة الحدیثة لتفادی کشف عملیات غسل الأموال:
قلنا فیما سبق إن الثورة التکنولوجیة الحدیثة فی مجال الاتصالات والعملیات المصرفیة قد ساهمت إلى حد بعید فی تفاقم مشکلة غسیل الأموال الناتج من تجارة المخدرات، فقد أصبحت العملیات تتم عبر الإنترنت من تجارة المخدرات، فقد أصبحت العملیات تتم عبر الإنترنت والهاتف الجوال والتحویلات الإلکترونیة هی السمة الغالبة.
ومن هنا فقد تطورت وسائل إخفاء عملیات غسل الأموال خصوصاً إذا ما أدرکنا أن عملیات غسل الأموال تتم من خلال شبکات دولیة تمتاز بالتخطیط المحکم.
ووفقاً لإحصائیات صندوق النقد الدولی فإن حجم عملیات غسل الأموال یتراوح ما بین 590 ملیار إلى 1,5 تریلیون دولار سنویاً أی ما یعال 2-5% من إجمالی الناتج العالمی، ویقدر البعض أن إجمالی الدخل المتحقق من عملیات المخدرات یعادل (688) ملیار دولار سنویاً منها (5) ملیارات فی بریطانیا و (33) ملیار فی أوروبا، و (150) ملیار فی الولایات المتحدة (500) ملیار فی باقی دول العالم. وبالتالی أصبحت عملیات غسیل الأموال صناعة لها أطقمها وتأتی فی المرتبة الثالثة بین الصناعات العالمیة حسب القیمة(11).
رابعاً: المرونة:
تتسم الجریمة المنظمة بمرونتها الفائقة فی قدرتها على تخطی الحدود والعمل على تجنید الفاعلین فی دول عدة، وتنظیم شبکات إجرامیة تعمل على المستوى الجهوی أو القاری ومنها التی یطول نشاطها العالم أجمع.
خامساً: المنافع:
یکون الهدف من القیام بالجریمة المنظمة فی الأساس تحقیق منافع مالیة أو الحصول على منافع مادیة أخرى، فالجریمة المنظمة تقوم على حساب عقلانیة، فهی تتجه دوماً حیث توجد الأموال وحیث یوجد أقل قدر من المخاطر، لأنها مبنیة على حسابات الربح والخسارة. لذلک نجد أن الخصائص والسمات السالفة الذکر تنطبق على جرائم الإتجار بالمخدرات والإتجار بالأسلحة والإتجار بالبشر والفساد والرشوة... الخ، فبالإضافة إلى السمات السالفة الذکر فهناک العدید من الصفات الأخرى مثل: السریة، الشکل الهرمی، التخطیط، التنظیم. فهذا عن الشکل التنظیمی لهذه الجرائم أما من حیث الأهداف لهذه العملیات فنجد أنها تتمیز بأنها جریمة تابعة للجریمة الأصلیة أو الأولیة.
المطلب الخامس
الإطار العملی لغسل الأموال
یعمل غاسلو الأموال بصورة مستمرة على استخدام النظام المصرفی لتغطیة عوائد أنشطتهم الإجرامیة وإعطائها الصفة الشرعیة عن طریق الاتجاه مباشرة إلى غسل أموالهم عبر النظام المالی والمصرفی.
حیث تتم عملیة غسل الأموال أکثر من مرة خارج القطاع المصرفی قبل الدخول فیه لإضفاء صفة الشرعیة علیها وذلک من خلال تدویر الأموال فی بعض الأنشطة التجاریة مثل تجارة السیارات وتجارة العقارات وهکذا تکتسب تدریجیاً صفة الشرعیة القانونیة.
وبعد ذلک یقوم غاسلو الأموال بضخ هذه الأموال فی النظام المصرفی من خلال فتح حساب جاری واستخدامه من خلال القیام بالعدید من العملیات المصرفیة مثل فتح اعتماد مستندی وتحویل الأموال من الحساب الجاری إلى حساب جاری آخر بالمصرف نفسه أو بفرع آخر تابع للبنک نفسه أو التحویل لبنک آخر مختلف وتوکیل المصرف بشراء وبیع الأوراق المالیة من السوق المحلی أو الدولی، ومن الجدیر بالذکر أنه إذا واجه غاسل الأموال أیة صعوبة فی فتح الحساب الجاری فإنه یلجأ إلى استخدام اسم أحد العملاء من أصحاب المکافآت المرموقة فی المجتمع ویقوم بفتح الحساب باسمه مقابل عمولة معینة حتى تتحول الأموال المشبوهة إلى أموال شرعیة.
کما یستطیع غاسلو الأموال تحویل أموالهم من الداخل إلى الخارج لاستثمارها فی أسواق المال العالمیة ومن ثم الدخول بأموالهم إلى النظام المصرفی العالمی ویهتم غاسلو الأموال بإیداع أموالهم فی الخارج فی البلدان ذات التشریعات المالیة والمصرفیة المتساهلة أو التی تتمیز بانعدام أو قلة الرقابة على المراکز المالیة الموجودة فیها(12).
أولا: أسالیب غسل الأموال:
الطرق المستخدمة فی عملیات غسل الأموال متنوعة ومعقدة وفی نفس الوقت متطورة ولا یمکن حصرها. حیث کانت الخدمات البنکیة والمصرفیة بمفردها هی البیئة الطبیعیة والمناسبة لعملیات غسل الأموال حتى وقت قریب، ولکن مع التطور التکنولوجی والتقنی فی مجال الخدمات المصرفیة والمالیة ظهرت بعض الوسائل الأخرى التی تجعل عملیات غسل الأموال أکثر اتساعاً والتی یطلق علیها الأسالیب الغیر مصرفیة.
وهذه الأسالیب تختلف طبقاً لمرحلة الأموال من اللا مشروعیة إلى المشروعیة واصباغها بالمشروعیة.
وعلیه یمکن تقسیم أسالیب عملیات غسل الأموال إلى تقلیدیة وأخرى غیر تقلیدیة.
أ/الأسالیب التقلیدیة:
هی مجموعة الأعمال التی یقوم بها البنک من خدمات وعملیات مصرفیة وتجاریة... الخ، حیث تتم عملیات الإیداع النقدی من خلال هذه الأسالیب. فالبنوک باعتبارها أهم الأجهزة المالیة التی تتم من خلالها العملیات المصرفیة فإنها تکون الباب الرئیسی لدخول الأموال الغیر مشروعة للاقتصاد النظیف والمشروع وبذلک تعتبر أهم المراحل التی من خلالها تتم وتبدأ عملیات غسل الأموال. هذا بالإضافة إلى العدید من الأجهزة الأخرى کالبورصات ومکاتب الصرافة... الخ.
حیث تتمثل هذه الطرق والأسالیب فی تحویل الأموال عبر المؤسسات المصرفیة الدولیة الکبرى وشرکات السمسرة وشراء المستلزمات العینیة والسلع المعمرة والمشارکة فی شرکات الاستثمار بالإضافة إلى العقارات والمعادن الثمینة کالذهب والماس والأحجار الکریمة ذات القیمة المادیة الکبیرة، هذا بالإضافة إلى اتجاه الغالبیة من غاسلی الأموال لغسیل أموالهم الغیر مشروعة والناتجة عن الإتجار فی المخدرات(13).
1- أسواق المال:
أسواق المال "البورصة" هی عبارة عن أماکن تمارس فیها عملیات شراء وبیع الأوراق المالیة بین المضاربین من أشخاص طبیعیین أو اعتباریین تُدار أموالهم بواسطة مجموعة من المتخصصین کالسماسرة، والوسطاء. فالبورصة هی مکان آمن لوجود ونمو عملیات غسل الأموال خصوصاً إذا کانت هذه الأسواق المالیة ضعیفة فی تعاملاتها والرقابة علیها فعادة ما یتم التواطؤ بین المضاربین وشرکات السمسرة للوصول والحصول على أکبر قدر ممکن من الأموال المغسولة وکذلک تقوم العصابات برشوة وإغراء العدید من المسئولین والقیادات فی البنوک لإجبارهم على التعامل معهم وشراء أسهم الشرکات الضعیفة عندما یطلب منهم ذلک. وکذلک تتم عملیات غسل الأموال من خلال قیام أمناء الاستثمار الغیر شرفاء بالتعامل بالشراء والبیع فی عملیات وهمیة تنتج عنها أرباح یفتح بها حسابات بنکیة وأموال مشروعة(14).
2- الحسابات السریة:
الاتجاه العالمی الحالی لا یطبق قاعدة سریة الحسابات المصرفیة فهو یحظر فتح حساب سری أو وهمی لأشخاص ومؤسسات مجهولة الهویة استناداً إلى قاعدة أعرف عمیلک ولکن هذا الاتجاه لا یسود جمیع دول العالم بل توجد العدید من الدول التی لا تأخذ بهذه القاعدة وتطبقها. فهذه الدول تکون ملاذاً آمناً لعملیات غسل أموال أکثر من غیرها. إلا أن ذلک یمکن مواجهته بالتطبیق السلیم لقاعدة أعرف عمیلک لأن معرفة هویة العمیل والتحقق منها یقلل من عملیات غسل الأموال.
3- الاعتمادات المستندیة:
تعتبر الاعتمادات المستندیة أحد أهم أنواع العملیات المصرفیة والتی زادت أهمیتها بعد نمو وسهولة التجارة الدولیة. حیث یستخدم غاسلی الأموال هذه العملیات فیقوموا بفتح اعتماد مستندی لاستیراد بضائع "لا تصل أو تکون ردیئة أو بقیمة أقل عن الاعتماد"، وبالتالی یتم تزویر الفواتیر ومستندات الشحن لإتمام هذه العملیة المشبوهة فتکون قیمة الاعتماد أو الفرق بین قیمته والسعر الحقیقی هو المال المغسول والغیر مشروع(15).
4- الأسواق المالیة السوداء:
تعتبر السوق السوداء أحد الأسواق الغیر مشروعة التی تکثر فیها العملیات المالیة الغیر مشروعة. حیث یقوم تجار المخدرات فی کولومبیا بتهریب المخدرات إلى الولایات المتحدة وبیعها مقابل الدولارات الأمریکیة ثم إعطاء هذه المبالغ إلى وسیط یعمل لحساب هؤلاء التجار داخل الولایات المتحدة وتغییرها بعملة البیزو أو البیسو مقابل سعر منخفض للدولار وإیداعها بالعملة الکولومبیة فی أحد البنوک الأمریکیة لحساب خاص بأحد المهربین من تجار المخدرات.
وهذا ما یعرف بالمرحلة الأولى التی تسمى بالإیداع ثم تحول هذه الأموال مرة أخرى إلى کولومبیا کأموال مشروعة لتدخل الاقتصاد الوطنی الکولومبی کأموال نظیفة وقانونیة. وهذه هی المرحلة الثانیة التقسیم ثم أخیراً تضخ فی السوق الاقتصادی باستثمارها فی أعمال تجاریة مختلفة(16).
ومن الأسالیب التقلیدیة أیضاً تقسیم کمیة کبیرة من النقد إلى مبالغ صغیرة تقل عن الحد الذی یجب على البنوک التبلیغ عنه للجهات الأمنیة والإشرافیة. ولیس أسلوب الترکیب أو التجزئة لعملات قلیلة یسهل تداولها(17).
ب/الأسالیب غیر التقلیدیة:
1ـ استخدام الشرکات الوهمیة:
یتم أحیاناً تأسیس شرکات بصورة قانونیة، ولکنها لا تمارس فی الواقع نشاطات فعلیة أو مشاریع، فیتم فتح حسابات باسم الشرکة داخلیاً وخارجیاً وتکون بالتالی الملاذ القانونی لمحاولات غسل الأموال، وتکون هذه الشرکات منتشرة بصورة فعلیة فی الدول التی تفتقر إلى الرقابة المحکمة على المعاملات المصرفیة أو تمتاز بمنظومة سریة العملیات المصرفیة واستقرار البیئة النقدیة والسیاسیة أو وقوعها على خطوط التجارة العالمیة وسهولة الدخول والخروج منها وسهولة الإجراءات المتبعة فی تأسیس الشرکات أو شرائها(18).
2ـ الصفقات الوهمیة ودور السمسرة والقمار وشراء الأصول المادیة:
تستخدم الصفقات الوهمیة کإحدى الوسائل الترفیهیة فی عملیات الأموال، ویتأتى ذلک من خلال استخدام الأسعار العالمیة التضخیم للأرقام الفعلیة واستخدام الفواتیر الزائفة وکل ذلک لغایات تبریر الأموال المتأنیة کأثمان لتلک الصفقات الوهمیة أو الأرباح الکبیرة التی قد تثیر بعض الشکوک، إضافة إلى إمکانیة استخدام وسائل شراء الأصول الثابتة کالسیارات والمعادن النفیسة... الخ.
3ـ الأسالیب التکنولوجیة المتقدمة:
برزت الأسالیب التکنولوجیة المتقدمة کإحدى الوسائل السریعة لعملیات غسل الأموال الأمر الذی تضیع معه إمکانیة الرقابة على مصدر تلک الأموال، وتبرز أهمیة الوسائل الإلکترونیة المتقدمة والتى جاءت کنتیجة لثورة الاتصالات وتطور شبکتها من خلال المقارنة بین الوسائل التقلیدیة والوسائل الحدیثة فی مراحل عملیات غسل الأموال ففی الوسائل التقلیدیة یتم الاعتماد عبر الإیداع فی المصارف وعملیات التهریب عبر الحدود غیر المأمونة لعملیات الإیداع فی حین یتم استخدام الوسائل الحدیثة کالبطاقات الذکیة وأجهزة الکمبیوتر ومن خلال شبکة الإنترنت عبر منظومة حمایة وتشفیر لضمان سریة عملیات الإیداع(19).
4ـ شرکات التأمین:
العملیات التأمینیة حظیت بالاهتمام التشریعی من جانب الکثیر من المواثیق والاتفاقات الدولیة وکذلک التشریعات الوطنیة حیث یکون الهدف منع عملیات غسل الأموال وارتکابها بواسطة الشرکات والمؤسسات التأمینیة أو من خلالها.
فعملیات غسل الأموال تستفید من التعاملات والعقود التأمینیة الضخمة بأن یقوم المؤمّن علیه بسداد الأقساط التأمینیة من أموال غیر مشروعة فتدخل هذه الأموال أنشطة شرکات التأمین والتی تقوم هی الأخرى بضخها فی المعاملات التجاریة والاقتصاد المشروع مما یضر الاقتصاد الوطنی وخصوصاً الاقتصادیات النامیة والبادئة وبالتالی الاقتصاد العالمی(20).
المطلب السادس
مراحل عملیات غسیل الأموال
فی بدایة الحدیث یمکن القول بأن عملیة غسل الأموال تمر عادة بثلاث مراحل أساسیة وهی مرحلة الإیداع أو التوظیف "التخلص المادی من الأموال" ومرحلة التعتیم والترقید (التمویه) ومرحلة الاندماج فی الاقتصاد المشروع والنظیف(21).
ومن الممکن أن تتشابک أو تتداخل هذه المراحل فی أحیان کثیرة بحیث یکون الفصل بینها على نحو قاطع أمر فی غایة الصعوبة.
أولاً: مرحلة الإیداع "الإحلال":
مرحلة الإحلال. تبدأ بقیام غاسلی الأموال بمحاولة إدخال الأموال النقدیة المتأتیة من نشاط المخدرات إلى النظام المصرفی والمؤسسات المالیة، بهدف التخلص من کمیة النقود الکبیرة أو الصغیرة فی یدی مالکیها وذلک لنقلها إلى المکان الآمن کالبنوک مثلاً(22).
ومن ثم فإن هذه المرحلة تعنی التخلص من الأموال المشبوهة من خلال إیداعها فی البنوک أو المؤسسات المالیة أو شراء العقارات أو الأسهم أو السندات أو الشیکات السیاحیة أو المشارکة فی مشاریع استثماریة قد تکون حقیقیة وقد تکون وهمیة ثم بیع تلک الأسهم ثم نقل الأموال إلى خارج الحدود التی تم فیها الإیداع.
ومن الأمثلة الأخرى أیضاً اللجوء عادة إلى الأوراق التجاریة أو أوامر الدفع من خلال کتابة المبالغ النقدیة على تلک الأوراق وتسهیل حرکة تداول تلک الأوراق أو إیداع تلک الأوراق فی البنوک التجاریة(23). بحیث تنصهر فی عملیاته المتداخلة مع البنوک والمؤسسات المالیة ومؤسسات الإقراض وشرکات الصرافة لهذه الأموال التی یتم استخدامها فی عملیات التحویل على أساس أن تلک الأموال تعود لشرکات الصرافة نفسها.
وتعتبر هذه المرحلة من أکثر المراحل صعوبة باعتبار أن غاسل الأموال یکون طرفاً فی المعادلة، ولذلک غالباً ما یتم اللجوء إلى المناطق الریفیة وتشعیب النشاطات التجاریة کما تظهر فی النهایة أن تلک الأموال حصیلة معقولة لتلک الأنشطة(24).
وهذه المرحلة لازمة لدخول الأموال القذرة إلى المؤسسات النقدیة فلجرائم غسل الأموال طرق متعددة والتی منها المرحلة التی نحن بصددها وهی مرحلة التحویل والإیداع عن طریق النظام المصرفی کأن یحضر الشخص من بلد ویودع فی بلد آخر.
والدخول فی الأسواق المشروعة مباشرة عن طریق شراء عقارات مبان ذهب ولضعف اقتصاد بعض الدول فإن مثل هذه النشاطات قد تدخل فی الاقتصاد الرسمی بالتعامل. وکذلک تتم عن طریق المضاربة الصوریة فی العقارات واستغلال العمالة الأجنبیة المهاجرة والمتاجرة بتحویلاتها لأسرها حیث یتم شراء المدخرات بأسعار أعلى من السعر بالعملة المحلیة فی موطن المهاجرین.
ثانیاً : التعتیم :
وتسمى مرحلة النفطیة حیث یتم طمس علاقة تلک الأموال مع مصادرها غیر المشروعة من خلال القیام بعملیات مالیة ومصرفیة متتالیة. فالتعتیم عبارة عن الأسالیب التی تضع العراقیل لعدم الوصول إلى أصل الأموال الغیر مشروعة.
حیث تتم فی هذه المرحلة بعد دخول الأموال إلى القطاع المصرفی، وذلک من أجل فصل هذه الأموال عن نشاطاتها الأصلیة غیر المشروعة، ویتم ذلک من خلال مجموعة من العملیات المعقدة والمتتابعة وکل ذلک من أجل إخفاء مصادر هذه الأموال(25).
وتتمیز هذه المرحلة باعتبارها المرحلة التی یکون کشف مصادر تلک الأموال أکثر صعوبة، ویکون ذلک من خلال استخدام الأوراق المالیة التی من السهل تحویلها کخطابات الضمان وشیکات الصرف والأسهم والسندات وعملیات الدفع من خلال الحساب، ومع التطور التکنولوجی أصبح غاسلو الأموال یلجؤون إلى الوسائل الإلکترونیة الحدیثة لتمویه نشاطاتهم من أجل محو الآثار الجرمیة لأن تلک العملیات تتم بسرعة.
ثالثاً: الاندماج (التکامل):
وتسمى مرحلة الدمج حیث یتم من خلالها دمج الأموال المغسولة فی الاقتصاد بحیث یصبح من الصعوبة التمییز بینها وبین الأموال من مصادر مشروعة، حیث تعتبر هذه المرحلة الأخیرة فی عملیات غسل الأموال وتمتاز بعلنیة نشاطاتها، وذلک من خلال دمج هذه الأموال فی دورة الاقتصاد وخلطها فی بوتقة الاقتصاد الکلی بحیث یصعب معها التمییز بین الثروات ذات المصدر المشروع وغیرها من الثروات المتحصلة من التجارة فی المخدرات وإضفاء الطابع القانونی على أعمالها بحیث یصعب معها اکتشاف أمرها باعتبارها قد خصصت لعدة مستویات من التدویر وعلى مراحل زمنیة متباینة ولا یمکن فی هذه الحالة کشفها إلا من خلال إعمال الجاسوسیة وأعمال الاستخبارات وحظوظ المصادفة والتی لا یمکن الرکون إلیها کأساس لمکافحة عملیات غسل الأموال الناتج عن تجارة المخدرات، ویتم ذلک عن طریق بیع العقارات وکذلک عن طریق تواطؤ الموظفین بالبنوک(26).
المطلب السابع
آثار عملیات غسل الأموال
تُعد ظاهرة غسل الأموال من الظواهر المقلقة للعالم فی الآونة الأخیرة وبالتالی فإن التأثیرات الناتجة عن عملیات غسل الأموال متنوعة ومتعددة سواء کان التأثیر مباشر أو غیر مباشر ویختلف من دولة إلى أخرى حسب الوضع الاقتصادی والاجتماعی والسیاسی وکذلک یأتی الاهتمام الدولی بهذه الجریمة بعد تنامی عملیات غسل الأموال الناتجة من تنامی تجارة المخدرات ومن ثم نقوم بمناقشة هذه الأضرار التی تتسبب فیها عملیات غسیل الأموال.
أولاً: الآثار الاقتصادیة:
التأثیر على السیاسة المالیة للدولة. فمن المعروف أن القائمین على تخطیط وإدارة النظامین المالی والمصرفی للدولة یعتمدون على مقدار السیولة المتوفرة لدى المصارف فی رسم السیاسة المالیة والائتمانیة فعندما تکون السیولة غیر معبرة بصدق عن حقیقتها فیکون هناک خلل فی السیاسة المالیة للدولة وعن الإضرار بالاقتصاد القومی.
کذلک التأثیر على النظام المصرفی وذلک عندما تنتهی عصابات غسل الأموال إلى ترکیز الأموال فی أیدی عصابات تسعى إلى السیطرة على المصارف لیتم التعاون معهم مستقبلاً فی عملیات غسل الأموال، ومن ثم فإن المصارف التی تمت السیطرة علیها لن تخدم التنمیة الاقتصادیة فی الدولة. ومن الآثار الاقتصادیة فإن الإضرار بالبنوک والمؤسسات المالیة لأن غاسلی الأموال یقوموا بسحب مفاجئ للأموال الأمر الذی یؤدی إلى إحداث إخلال فی النقد المتوفر بالمصرف وتعمل على إفساد الجهاز المصرفی نتیجة الرشوة لقیادات المصارف لضمان تنفیذ تعلیمات العصابات الفاسدة التی تقوم بعملیات الغسل. وتؤدی أیضاً إلى زیادة العقوبات التی تفرض على المصرف نتیجة استخدامه واستغلاله فی عملیات الغسل وضیاع الأمن وزعزعة الثقة فی الکوادر المصرفیة التی تؤدی إلى انهیار المصرف تماماً وکذلک المساهمة فی التضخم عن طریق الثراء الفاحش أو الإنفاق ببزخ دون ترشید فتکثر النقود فی المجتمع دون أن یقابل ذلک إنتاج. فیزید الطلب على السلع مع قلة العرض والإنتاج فی المجتمع فترتفع الأسعار دون مبرر فتتدهور القیمة الشرائیة للنقود ویحدث التضخم وکذلک تدهور قیمة العملة الوطنیة نتیجة اعتماد عملیات الغسل على النقد الأجنبی ولسهولة تحریکه من دولة إلى أخرى. فیحدث عجز فی میزان المدفوعات، ویحدث أیضاً أزمة فی سیولة النقد الأجنبی مما یهدد احتیاجات الدولة لدى المصرف المرکزی من العملات الأجنبیة المدخرة(26).
کذلک تفسح عملیات غسل الأموال المجال واسعاً أمام تهریب العملات الصعبة بشتى الوسائل والسبل والأسالیب. وهذا یلحق أضراراً جسیمة فی شرایین الاقتصاد کافة مسبباً عجزاً واضحاً فی میزان المدفوعات وانخفاضاً واسعاً فی مفردات الدخل القومی. کذلک عملیات غسل الأموال المرتبطة بتجارة المخدرات تخلق على المدى المتوسط والبعید طبقة واسعة من العاملین فی مجال الاقتصاد کافة. ممن لا یهمهم مستقبل البلاد الاقتصادی وناتجه القومی، ولا یبالون بانعکاسات تردی الأوضاع الاقتصادیة على عموم المواطنین فی البلاغ مما یدفع البلاد بالضرورة إلى أزمات اقتصادیة متشابکة ومزمنة.
وأیضاً تؤدی هذه الأموال إلى زیادة إنتاج المخدرات وازدیاد استهلاک المخدرات وأیضاً تؤدی إلى التحول إلى الاستخدام إضافة إلى الإنتاج أو المساهمة فی العبور بالإضافة إلى انخفاض أجور ودخول الأفراد المتورطین فی تعاطی المخدرات(27).
ثانیاً : الآثار الاجتماعیة:
إن نجاح غسل الأموال، واستکمال مراحلها المختلفة، مع عدم تمکن السلطات المعنیة من اعتراضها أو إیقافها والقبض على مرتکبیها ومصادرة المضبوطات، یعنی باختصار تمکن المجرمین وعصابات المخدرات من قطف ثمار جرائمهم واستفادتهم بصورة تبدو مشروعة من هذه الثمار، مما یعنی استمراراً للجریمة بشتى أنواعها وأشکالها، وازدیاداً مضطرداً فی الانحراف من القانون والقیم والمثل العلیا، بل تتعدى انعکاساتها إلى البنیة الاجتماعیة وما تتضمنه من أطر أخلاقیة تکرست نتیجة لثوابت العادات والقیم فعملیات غسل الأموال تؤدی إلى جملة من الآثار السلبیة التی یتأثر بها الفرد والمجتمع والنظام العام محلیاً وعالمیاً حیث تؤدی إلى انتشار الفساد والجرائم بمختلف أنواعها، وذلک بالنظر إلى المزید من هذه الجرائم وانعکاساتها السلبیة وبالتالی شیوع الجریمة والفوضى فی المجتمع، دون التمکن من الوصول إلى الأصابع الخفیة التی تقف ورائها وتؤدی أیضاً إلى استنزاف موارد الدولة فی التصدی للجریمة وکشف المجرمین وإعادة تأهیل وعلاج ضحایاهم أو التائبین منهم.. الخ، وکذلک الاستنزاف المستمر للجهد البشری والمفترض أن یذهب إلى التنمیة والتقدم والتطور بدلاً من أن یقع ضحیة الأعمال والمجتمع (البطالة- الإدمان- التفکک الأسری- الثروة... الخ) وتؤدی أیضاً إلى اضطراب القیم وخلخلة الموازین الاجتماعیة وهدم الموروث الثقافی والعقدی للمجتمع وذلک نتیجة صعود أرباب الجریمة وأصحاب الدخل غیر المشروع إلى قمة الهرم الاجتماعی والسیاسی وخاصة فی المجتمعات الرأسمالیة وذلک بالنظر إلى الثروة الکبیرة التی بحوزتهم والتی کونوها عن طریق الإتجار بالمخدرات بحیث یصبح بعد ذلک بمقدورهم تغییر القوانین والأعراف والنظم الساریة إلى الاتجاه الذی یخدم مصالحهم(28).
تؤدی أیضاً إلى إهدار قیمة العمل والإنتاج فلم تعد هناک حاجة للعمل، ولا یعود على الإنتاج لأنه لا طائل منه، وتضعف قیمة الانتماء للوطن والرغبة فی العمل على تقدم الوطن وازدهاره.
وتؤدی إلى ترکیز الثروة فی أیدی تجار المخدرات فیزداد الفقیر فقراً والغنی غنىً فیحدث خلل فی البناء الاجتماعی فیتکون الحقد الطبقی.
ثالثاً: الآثار السیاسیة:
فعلى الصعید السیاسی فإن عملیات غسل الأموال تلعب دوراً فی غایة الخطورة لتأجیج الصراعات السیاسیة والعسکریة، وخلق بؤر الصراع والنزاع المسلح بوصفها سوقاً مفتوحة ومصدراً من مصادر جنی الأموال القذرة وتوظیفها فی إدامة الصراع من جدید، وتؤدی أیضاً إلى انتشار الفساد المالی والإداری، ویصبح أصحاب القرار حلقة من حلقات إخفاء المشروعیة على تلک الأموال وتزداد نسب الجرائم وعملیات الاغتیال وتسمیم السلطات التشریعیة والقضائیة مما یؤدی إلى ضعف هذه الأجهزة ویجعل من الصعب علیها أن تؤدی دورها فی مکافحة الجریمة کما أن هذه الأموال قد تستخدم من أجل دعم وتمویل أنشطة المنظمات الإرهابیة التی تستهدف تغییر نظام الحکم بالقوة ومقاومة السلطات "المثال الحی لذلک ما تقوم به عصابات المخدرات فی دول أمریکا اللاتینیة".
ومن ناحیة أخرى فإن هذه الأموال قد تستخدم فی الدعایة الانتخابیة والتأثیر على عملیة الاقتراع، مما قد یجعل من أصحاب هذه الأموال نواباً فی المجالس النیابیة الذین یمثلون الشعب ویراقبون الحکومة ویضعون التشریعات(29).
کما أن تأثیر هذه الأموال یبدو بصفة خاصة على وسائل الإعلام المختلفة، فبمقدور أصحابها شراء الصحف والقنوات وتجنید الأقلام، بالإضافة لما لهذه الوسائل من تأثیر بالغ الأهمیة على وعی الشعوب ومستقبل المجتمعات.
المطلب الثامن
آلیة مواجهة عملیات غسل الأموال
نظراً لما تشکله عملیات غسل الأموال من خطر داهم على الاقتصاد الوطنی والعالمی فقد تضافرت الجهود المحلیة والدولیة لمکافحته ویمکن القول أن تلک الجهود قد أخذت إطارها العملی فی نهایة عقد الثمانینیات فأنشأت المنظمات وعقدت المؤتمرات والاتفاقیات لمنع هذه العملیات والتی یمکن توضیحها من
خلال الآتی:
أولاً: الآلیة التشریعیة:
بدأ تجریم غسل الأموال مع تجریم الإتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلیة والجرائم المرتبطة بها، وصولاً إلى الجرائم الخطیرة بوجه عام کجرائم مستقلة وحرمان مقترفیها من أرباحهم غیر المشروعة. ومن أمثلة الإجراءات البارزة فی مجال مکافحة ظاهرة غسل الأموال على المستوى الدولی نجد الاتفاقیة الموحدة للمخدرات لعام 1961م واتفاقیة المؤثرات العقلیة لعام 1971م ونجد فضلاً عن تجریمها الأنشطة المتعلقة بالمخدرات فإنها تضمنت نصوصاً تتعلق بغسیل الأموال الناشئة عن الإتجار غیر المشروع بالمخدرات(30).، وکذلک اتفاقیة الأمم المتحدة لمکافحة الإتجار غیر المشروع فی المخدرات والمؤثرات العقلیة "فینا 1988م والتی تحتوی على( 34 مادة) والقرارات الصادرة عن المجلس الاقتصادی والاجتماعی ولجنة المخدرات بالأمم المتحدة وکذلک توصیات الهیئة الدولیة للرقابة على المخدرات إضافة إلى المؤتمر الوزاری العالمی المعنی بالجریمة المنظمة عبر الوطنیة نابولی 1994م والمؤتمر الدولی المعنی بمکافحة ومنع غسل الأموال واستخدام عائدات الجریمة "کورمایر 1994م" واتفاقیة الأمم المتحدة لمکافحة الجریمة المنظمة عبر الوطنیة "بالیرمو 2000" وکذلک توصیة المجلس الأوروبی رقم 80 لسنة 1980م فی سبیل مکافحة إخفاء وتحویل الأموال الغیر مشروعة الناتجة عن المخدرات إلى أموال مشروعة من خلال البنوک وأیضاً التسریح النموذجی بشأن غسل الأموال فی مجال المخدرات والصادر عن الأمم المتحدة "الهیئة الدولیة لمراقبة المخدرات" فی عامی 1993م- 1995م ... الخ.
وفی إطار العالم العربی نجد الاتفاقیة العربیة لمکافحة الإتجار غیر المشروع فی المخدرات والمؤثرات العقلیة لسنة 1994م فبجانب تحریم الإتجار فی المخدرات نجد أن الاتفاقیة العربیة اهتمت بتجریم المتحصلات الناتجة عن الإتجار فی المخدرات والمؤثرات العقلیة وأی أموال ناتجة عن البیع أو الشراء أو أی أموال تتعلق بعملیات الإتجار وعلى الصعید الوطنی نجد أن المشرع السودانی أصدر قانون مکافحة غسل الأموال لسنة 2003م حیث وجهت للسودان العدید من الانتقادات الدولیة بسبب وجود العدید من المنظمات الإجرامیة التی تودع لدیها الأموال التی تستخدم فی أنشطة إرهابیة مما جعلها تتبنى سیاسة تشریعیة رائدة فی الحقیقة لمواجهة هذه الجرائم من خلال التعلیمات البنکیة التی أصدرها بنک السودان لکافة البنوک خلال شهر مایو المنصرم 2014م.
ثانیاً: الآلیة الاقتصادیة:
السیاسات الاقتصادیة هی المسؤولة عن الاهتمام بتنمیة الاقتصاد الکلی وإیجاد التشریعات الملائمة الاقتصادیة وغیر الاقتصادیة لمکافحة انتشار عملیات غسل الأموال والتصدی لها، فالاقتصاد هو المضرور الأول من انتشار جرائم غسل الأموال على المستوى الدولی والوطنی لأن هذه العملیات تنمو فی ظل الاقتصاد الخفی العدو الأساسی للاقتصاد المشروع، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم درایة ومعرفة لمرتکبیها ولهذا أیضاً تطلبت عملاً وتعاوناً یتجاوز الحدود الجغرافیة، مما جعلها جریمة منظمة تفارقها منظمات جرمیة متخصصة، وجریمة عابرة للحدود ذات سمات عالیة، ومن هنا أیضاً لیس بالسهل مکافحتها دون جهد دولی وتعاون شامل یحقق فعالیة أنشطة مکافحتها.
ولهذا تعد البنوک المستهدف الرئیسی فی عملیات غسل الأموال، ویرجع ذلک إلى دور البنوک المتعاظم فی تقدیم مختلف الخدمات المصرفیة وتحدیداً عملیات الصرف والتحویل النقدی بواسطة الشیکات والشیکات السیاحیة والحوالات المالیة خاصة بالوسائل الإلکترونیة وبطاقات الائتمان والوفاء وعملیات المقاصة وإدارة المحافظ الاستثماریة وتداول العملات والأسهم وغیرها، وهذه الخدمات یتسع مداها ونطاقها فی عصر المعلومات وتتحول إلى أنماط أکثر سهولة من حیث الأداء وأقل رقابة من حیث آلیة التنفیذ خاصة فی میدان البنوک الإلکترونیة أو بنوک الویب على شبکة الإنترنت، ومثل هذه العملیات بشکلیها التقلیدی والإلکترونی خیر وسیلة لتستغل من أجل إخفاء المصدر غیر المشروع للمال لذلک نجد الاتفاقات الدولیة التی تم التوصل إلیها فی إطار مکافحة غسیل الأموال تهتم فی الأساس بالمؤسسات المالیة والمصرفیة التی تمثل فی الحقیقة البیئة الخصبة لنشاط هذه العملیات ومن أهم هذه الاتفاقیات اتفاقیة فینا 1988م ومجموعة العمل المالی التی اقرت 40 توصیة ... الخ.
النتائج والتوصیات
فی خاتمة هذه الورقة خلصنا إلى عدد من النتائج والتوصیات نقوم بصیاغتها على النحو الآتی:
أولاً: النتائج:
1ـ جریمة غسل الأموال جریمة منفصلة لها رکن مادی ومعنوی.
2ـ ضعف الوازع الدینی لدى المتعاملین فی هذا النوع من الجرائم وخاصة فی البلاد الإسلامیة.
3ـ إفلات مرتکبی الجریمة من العقاب نظراً لصعوبة إثبات علمه بحقیقة المال ومصدره غیر المشروع.
4ـ التساهل فی إجراءات تسجیل الشرکات وأسماء الأعمال.
ثانیاً: التوصیات:
1ـ المصادرة فی جریمة غسل الأموال یجب أن تشمل متحصلات الإتجار غیر المشروع بالمخدرات التی تم غسلها بالفعل أو التی کان من المعتزم غسلها وکذلک الأموال التی حولت أو بدلت إلیها هذه المتحصلات.
2ـ مصادرة مختلف الأشیاء التی استخدمت أو کانت معدة للاستخدام.
3ـ مصادرة الحاسبات الإلکترونیة والنظم المعلوماتیة بوجه عام ووسائل الاتصال والأدوات والمعدات وغیر ذلک من المنقولات وکذلک العقارات التی استخدمت بشکل أو بآخر فی عملیة نقل وتحویل وإخفاء هذه الأموال.
4ـ تنمیة الوعی الدینی بخطورة التعامل فی المال الحرام.
5ـ وضع ضوابط صارمة للبنوک وخاصة فیما یتعلق بفتح الحساب.
6ـ متابعة الشرکات وأسماء الأعمال بواسطة السجل التجاری والتفتیش علیها من وقت لآخر.
7ـ یجب على البنک المرکزی أن یطلع بدوره کاملاً بالنسبة للرقابة على البنوک والصرافات.