بناء القيم لدى الإنسان في ضوء سورة النور

المساهمين

المؤلف

قسم الکتاب والسنة، کلية الدعوة وأصول الدين ، جامعة أم القرى، مکة المکرمة، المملکة العربية السعودية.

المستخلص

سورة النور سورة مدنية تهتم بالآداب الاجتماعية والأخلاق الفاضلة، وقد أرشدت إلى أسس الحياة الکريمة التي تحفظ المسلم والمجتمع، وتصون حرمته، وتحافظ عليه من التفکک والانهيار الخلقي، ويتکون البحث من مقدمة وفيها: الهدف من الموضوع وأهميته، وتمهيد وفيه: تعريف بالسورة ومقاصدها، وذکر أهم الموضوعات التي تطرقت إليها السورة إجمالاً، ثم فُصِّل وفيه بعض الآداب والأخلاق التي أرشدت إليها السورة مرتبة حسب ترتيب الآيات في السورة، ثم الخاتمة والفهارس.
 
Revealed in Medina, Sūrat An-Nūr (Chapter 24) focuses on social manners and virtues. It instructs the Muslims on the principles of an honorable life that safeguards the individuals and their societies, keeps their dignity, and prevents moral dissipation of the whole society. This research paper begins with an introduction about the objective and the significance of the research question. This is followed by a preface that introduces the Sūrah, its objectives, and the prominent topics it deals with. The following section of the paper tackles some of the virtues and ethics that the Sūrah introduces in order of appearance in the Sūrah. This section is followed by the conclusion.       

نقاط رئيسية

:(بناء القیم لدى الانسان فی ضوء سورة النور).

والهدف منه هو:

تسلیط الضوء على بعض القیم والآداب التی أرشدت إلیها سورة النور، فقد اهتمت هذه السورة الکریمة بالآداب والأخلاق، ووجهت المسلمین الى أسس الحیاة الکریمة بما فیها من توجیهات رشیدة وآداب سامیة تحفظ للمجتمع قیمه وآدابه.

مشکلة البحث:

تکمن مشکلة الدراسة فی التعرف على أهمیة القیم والآداب التربویة فی بناء الإنسان فی ضوء سورة النور.


أسئلة البحث:

  1. ما هی القیم والآداب التربویة المستنبطة من سورة النور؟
  2. کیف تبنی هذه القیم إنسانا سویا ومجتمعا مترابطا؟

أهمیة الموضوع:

تأتی أهمیته من عدة أمور:

أولها: تعلقه بأشرف العلوم على الإطلاق وهو تأمل آیات الکتاب الکریم.

ثانیها: ولکونه یسلط الضوء على بعض الآداب والأخلاق التی تضمنتها هذه السورة الکریمة.

خطة البحث:

تشتمل الخطة على مقدمة وفیها الهدف من الموضوع وأهمیته.

وتمهید وفیه: تعریف بسورة النور ومقاصدها وذکر أهم الموضوعات التی تطرقت إلیها السورة إجمالا.

ثم فصل: (بعض الآداب والأخلاق التی أرشدت إلیها سورة النور) مرتبة حسب الآیات، ثم الخاتمة والفهارس.

 

الكلمات الرئيسية


التمهید

التعریف بسورة النور ومقاصدها

 وأهم الموضوعات التی تطرقت الیها السورة اجمالا

اسم السورة:

النور: وسمیت سورة النور لتنویرها طریق الحیاة الاجتماعیة للناس، ببیان الآداب والفضائل، وتشریع الأحکام والقواعد، ولتضمنها الآیة المشرقة وهی قوله تعالى: ﱡﭐﲙ ﲚﲛ ﲜﲝﱠ النور:٣٥، أی منورهما، فبنوره أضاءت السماوات والأرض، وبنوره اهتدى الحیارى والضالون إلى طریقهم ([1]).

وهی سورة مدنیة باتفاق أهل العلم، قال القرطبی: سُورَةُ النُّورِ مَدَنِیَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ ([2]).

مقصود السورة وأغراضها:

قال البقاعی: (مقصودها مدلول اسمها المودع قلبها المراد منه أنه تعالى شامل العلم، اللازم منه تمام القدرة، اللازم منه إثبات الأمور على غایة الحکمة، اللازم منه تأکید الشرف للنبی (صلى الله علیه وسلم)، اللازم منه شرف من اختاره لصحبته على منازل قربهم منه واختصاصهم به، اللازم منه غایة النزاهة والشرف والطهارة لأم المؤمنین عائشة رضی الله عنها التی مات النبی (صلى الله علیه وسلم) وهو عنها راض، وماتت هی رضی الله عنها صالحة محسنة، وهذا هو المقصود بالذات) ([3]).

واشتملت السورة على کثیر من الأغراض منها ما ذکره ابن عاشور                فی تفسیره:

شملت من الأغراض کثیراً من أحکام معاشرة الرجال للنساء. ومن آداب الخلطة والزیارة.

وأول ما نزلت بسببه قضیة التزوج بامرأة اشتهرت بالزنى وصُدر ذلک ببیان حد الزنى، وعقاب الذین یقذفون المحصنات.

وحکم اللعان والتعرض إلى براءة عائشة رضی الله عنها مما أرجفه علیها أهل النفاق، وعقابهم، والذین شارکوهم فی التحدث به، والزجر عن حب إشاعة الفواحش بین المؤمنین والمؤمنات، والأمر بالصفح عن الأذى مع الإشارة إلى قضیة مسطح بن أُثاثة، وأحکام الاستئذان فی الدخول إلى بیوت الناس المسکونة، ودخول البیوت غیر المسکونة. وآداب المسلمین والمسلمات فی المخالطة، وإفشاء السلام، والتحریض على تزویج العبید والإماء، والتحریض على مکاتبتهم، أی إعتاقهم على عوض یدفعونه لمالکیهم، وتحریم البغاء الذی کان شائعاً فی الجاهلیة، والأمر بالعفاف، وذم أحوال أهل النفاق والإشارة إلى سوء طویتهم مع النبی (صلى الله علیه وسلم)، والتحذیر من الوقوع فی حبائل الشیطان، وضرب المثل لهدی الإیمان وضلال الکفر، والتنویه ببیوت العبادة والقائمین فیها، وتخلل ذلک وصف عظمة الله تعالى وبدائع مصنوعاته وما فیها من منن على الناس، وقد أردف ذلک بوصف ما أعد الله للمؤمنین ، وأن الله علم بما یضمره کل أحد وأن المرجع إلیه والجزاء بیده([4]).


بعض القیم والآداب التی اشتملت علیها السورة

حفظ اللسان:

والحفظ لغة: مصدر قولهم حفظ یحفظ، وهو مأخوذ من مادة " ح ف ظ" التی تدل على مراعاة الشیء حفظا، وقیل: حفظت الشیء حفظا: أی حرسته ([5]).

وأما اللسان فقال ابن فارس:(لَسَنَ) اللَّامُ وَالسِّینُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِیحٌ وَاحِدٌ، یَدُلُّ عَلَى طُولٍ لَطِیفٍ غَیْرِ بَائِنٍ، فِی عُضْوٍ أَوْ غَیْرِهِ. مِنْ ذَلِکَ اللِّسَانُ، مَعْرُوفٌ، وَهُوَ مُذَکَّرٌ وَالْجَمْعُ أَلْسُنٌ ([6]). واللِّسَانُ جارحة الکلام ([7]).

واللسان من أعظم النعم التی انعم الله بها على عباده، بها یعبر الانسان عما فی قلبه، وعن همومه ومشکلاته، ویتخاطب به مع غیره، وقد یکون هذا اللسان حجة للإنسان وسبیلا لمرضاة الله إذا استعمله فی طاعة الله سبحانه وتعالى، وذکره وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

أما إذا استعمله فیما نهى الله عنه من غیبة ونمیمة وکلام بذیء فیکون حجة علیه.

وفی سورة النور إشارة واضحة إلى حفظ اللسان والتثبت فی إطلاق الأحکام، وعدم إطلاق الشائعات، وذلک حفظا للمجتمع بأسره، قال االله تعالى:                 ﱡ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ  ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ  ﲏ ﲐ ﱠ النور: ٤، قال سید قطب:(إن ترک الألسنة تلقى التهم هکذا جزافا على المحصنات وهن العفیفات الحرائر ثیبات أو أبکارا بدون دلیل قاطع یترک المجال فسیحا لکل من شاء أن یقذف بریئة أو بریئا بتلک الجرائم والتهم النکراء، وإن هذا لیؤدی بالمسلمین إلى خطر عظیم، فأعراضهم مجروحة وسمعتهم ملوثة، وإذا کل رجل شاک فی أصله، وکل بیت مهدد بالانهیار، ویشاع بین المسلمین حالة من الشک والقلق والریبة)([8]).

ومما یدل على أهمیة حفظ اللسان وعدم الخوض فی الأعراض أن الله عز وجل رتب على القذف ثلاثة أمور:

الأول: الجلد ﱡ ﲄ ﲅ ﲆﱠ النور: ٤

الثانی: عدم قبول شهادتهم ﱡﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﱠ النور: ٤

الثالث: الفسق ﱡﭐﲍ ﲎ ﲏﱠ النور: ٤

فهم یجلدون ثمانین جلدة حد القذف، ولا تقبل شهادتهم بعد ذلک أبدا على أی شیء شهدوا، وهم فاسقون، یحکم بفسقهم ولا یتولون أمرا تشترط فیه العدالة إلا الذین تابوا من بعد ذلک وأصلحوا فإنهم یزول عنهم وصف الفسق، وکذلک یزول عنهم منع الشهادة على القول الراجح، وأما الحد فلا یسقط عنهم بتوبتهم لأنه حق لآدمی فلا بد من أن ینفذ ([9]).

ثم عرضت السورة لأمر عظیم جدا وهو ما وقع فیه المنافقون وبعض المسلمین فی عرض النبی صلى الله علیه وسلم وفی زوجه أم المؤمنین عائشة رضی الله عنها، وهی أحب زوجاته الیه، فقال الله تعالى: ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ  ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ  ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ  ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ  ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ  ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ  ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ  ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ  ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ  ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ  ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ  ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﱠ النور: ١١ – ١٨، وَالْإِفْکُ: حَدِیثٌ اخْتَلَقَهُ الْمُنَافِقُونَ وَرَاجَ عِنْدَ الْمُنَافِقِینَ وَنَفَرٍ مِنْ سُذَّجِ الْمُسْلِمِینَ إِمَّا لِمُجَرَّدِ اتِّبَاعِ النَّعِیقِ وَإِمَّا لِإِحْدَاثِ الْفِتْنَةِ بَیْنَ الْمُسْلِمِینَ([10]).

فهذه الآیات کلها نزلت فی شأن عائشة رضی الله عنها عندما رماها أهل الإفک والبهتان بما قالوه من الکذب والفریة والبهتان.

فأنزل الله براءتها من فوق سبع سماوات فی آیات تتلى الى قیام الساعة.

قال ابن سعدی فی تفسیره: ﱡﲏ ﲐ ﲑ ﱠ النور: ١٥، أی: تلقفونه، ویلقیه بعضکم إلى بعض، وتستوشون حدیثه، وهو قول باطل ﱡﭐﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﱠ النور: ١٥، والأمران محظوران، التکلم بالباطل، والقول بلا علم، ﱡﲙ ﲚﱠ النور: ١٥، فلذلک أقدم علیه من أقدم من المؤمنین الذین تابوا منه، وتطهروا بعد ذلک، ﱡﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟﱠ النور: ١٥، فیه الزجر البلیغ، عن تعاطی بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا یفیده حسبانه شیئا، ولا یخفف من عقوبة الذنب، بل یضاعف الذنب، ویسهل علیه مواقعته مرة أخرى([11]).

العفو والصفح:

من القیم والآداب التی تحدثت عنها سورة النور العفو والصفح                 قال الله تعالى: ﱡﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﱠ النور: ٢٢، وقد وردت آیات کثیرة أخر فی ذکر العفو والصفح والترغیب فیهما لا مجال لذکرها فی هذا البحث الصغیر.

معنى العفو والصفح لغةً واصطلاحًا:

معنى العفو لغةً: العفو مصدر عَفَا یَعْفُو عَفْوًا، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترک العقاب علیه، وأصله المـحو والطمس، وعفوت عن الحق: أسقطته، کأنک محوته عن الذی علیه ([12]).

وقال الخلیل: "وکلُّ مَن استحقَّ عُقوبةً فترکْتَه فقد عفوتَ عنه. وقد یکون أن یعفُوَ الإنسان عن الشَّیء بمعنى الترک، ولا یکون ذلک عن استحقاق"([13]). معنى العفو اصطلاحًا: العفو اصطلاحًا: "هو التجاوز عن الذنب وترک العقاب"([14]).


وقال الراغب: "العفو هو التجافی عن الذنب"([15]).

معنى الصفح لغةً: الصفح مصدر "صَفَحَ عنه یَصْفَح صَفْحًا: أَعرض عن ذنبه، وهو صَفُوح وصَفَّاحٌ عَفُوٌّ، والصَّفُوحُ الکریم؛ لأنه یَصْفَح عمن جَنى علیه"([16]).

وذکر بعض أهل العلم أن الصفح مشتق من صفحة العنق؛ لأنَّ الذی یصفح کأنه یولی بصفحة العنق، إعراضًا عن الإساءة ([17]).

معنى الصفح اصطلاحًا: الصفح: "هو ترک التأنیب"([18]). وقیل: "إزالة أثر الذنب من النفس"([19]). وقال الرّاغب: الصّفح: ترک الذّنب (المفردات للراغب            ص ف ح).

الفرق بین العفو والصفح: "العفو والصفح متقاربان فی المعنى: قال الراغب: الصفح: ترک التثریب، وهو أبلغ من العفو وقد یعفو الإنسان ولا یصفح.

وقال البیضاوی: العفو ترک عقوبة المذنب، والصفح: ترک لومه". ویدل علیه قوله تعالى: ﱡﲓﲔ ﲕﱠ البقرة: ١٠٩، ترقیًا فی الأمر بمکارم الأخلاق من الحسن إلى الأحسن، ومن الفضل إلى الأفضل"([20]).


وقال القرطبی: "العفو: ترک المؤاخذة بالذنب. والصفح: إزالة أثره من النفس. صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه"([21]).

قال ابن کثیر فی تفسیره:(یَقُولُ تَعَالَى: {وَلا یَأْتَلِ} مِنَ الألیَّة، وَهِیَ: الْحَلِفُ أَیْ: لَا یَحْلِفْ {أُولُو الْفَضْلِ مِنْکُمْ} أَیِ: الطَّول وَالصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ {وَالسَّعَة} أَیِ: الجِدَةَ {أَنْ یُؤْتُوا أُولِی الْقُرْبَى وَالْمَسَاکِینَ وَالْمُهَاجِرِینَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ} أَیْ: لَا تَحْلِفُوا أَلَّا تَصِلُوا قَرَابَاتِکُمُ الْمَسَاکِینَ وَالْمُهَاجِرِینَ. وَهَذِهِ فِی غَایَةِ التَّرَفُّقِ وَالْعَطْفِ عَلَى صِلَةِ الْأَرْحَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلْیَعْفُوا وَلْیَصْفَحُوا} أَیْ: عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ مِنَ الْإِسَاءَةِ وَالْأَذَى، وَهَذَا مِنْ حِلْمِهِ تَعَالَى وَکَرَمِهِ وَلُطْفِهِ بِخَلْقِهِ مَعَ ظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ.

وَهَذِهِ الْآیَةُ نَزَلَتْ فِی الصدِّیق، حِینَ حَلَفَ أَلَّا یَنْفَعَ مِسْطَح بْنَ أُثَاثَةَ بِنَافِعَةٍ بَعْدَمَا قَالَ فِی عَائِشَةَ مَا قَالَ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ براءةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِینَ عَائِشَةَ، وَطَابَتِ النُّفُوسُ الْمُؤْمِنَةُ وَاسْتَقَرَّتْ، وَتَابَ اللَّهُ عَلَى مَن کَانَ تَکَلَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فِی ذَلِکَ، وَأُقِیمَ الْحَدُّ عَلَى مَن أُقِیمَ عَلَیْهِ  -شَرَع تَبَارَکَ وَتَعَالَى، وَلَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ، یعطفُ الصدِّیق عَلَى قَرِیبِهِ وَنَسِیبِهِ، وَهُوَ مِسْطَح بْنُ أُثَاثَةَ، فَإِنَّهُ کَانَ ابْنَ خَالَةِ الصَّدِیقِ، وَکَانَ مِسْکِینًا لَا مَالَ لَهُ إِلَّا مَا یُنْفِقُ عَلَیْهِ أَبُو بَکْرٍ، رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ، وَکَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ، وَقَدْ وَلَق وَلْقَة  تَابَ اللَّهُ عَلَیْهِ مِنْهَا، وضُرب الْحَدَّ عَلَیْهَا. وَکَانَ الصَّدِّیقُ، رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ، مَعْرُوفًا بِالْمَعْرُوفِ، لَهُ الْفَضْلُ وَالْأَیَادِی عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ إِلَى قَوْلِهِ: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَکُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ} أَیْ: فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَکَمَا تَغْفِرُ عَنِ الْمُذْنِبِ إِلَیْکَ نَغْفِرُ لَکَ، وَکَمَا تَصْفَحُ نَصْفَحُ عَنْکَ. فَعِنْدَ ذَلِکَ قَالَ الصَّدِّیقُ: بَلَى، وَاللَّهِ إِنَّا نُحِبُّ -یَا رَبَّنَا -أَنْ تَغْفِرَ لَنَا. ثُمَّ رَجَع إِلَى مِسْطَحٍ مَا کَانَ یَصِلُهُ مِنَ النَّفَقَةِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا، فِی مُقَابَلَةِ مَا کَانَ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَنْفَعُهُ بِنَافِعَةٍ أَبَدًا، فَلِهَذَا کَانَ الصِّدِّیقُ هُوَ الصَّدِّیقُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ بِنْتِهِ ([22]).

من فوائد العفو والصفح:

  1. فی العفو رحمة بالمسیء وتقدیر لجانب ضعفه البشری، وامتثال لأمر الله وطلب لعفوه وغفرانه.
  2. فی العفو توثیق للروابط الاجتماعیة التی تتعرض الى الوهن والانفصام بسبب إساءة بعضهم إلى بعض، وجنایة بعضهم على بعض.
  3. العفو والصفح عن الآخرین سبب لنیل مرضات الله سبحاته وتعالى.
  4. العفو والصفح سبب للتقوى.
  5. العفو والصفح من صفات المتقین.
  6. من یعفو ویصفح عن الناس یشعر بالراحة النفسیة.
  7. العفو والصفح سبیل الى الألفة والمودة بین أفراد المجتمع.
  8. فی العفو والصفح الطمأنینة والسکینة وشرف النفس([23]).

الاستئذان: من القیم والآداب التی حثت علیها سورة النور وأوصت به أدب الاستئذان :

الاستئذان لغة:

طلب الإذن وهو مصدر استأذن، وتدلّ المادّة الّتی أخذ منها على أمرین: الأوّل: إذن کلّ ذی إذن، والآخر: العلم والإعلام، تقول العرب: قد أذنت بهذا الأمر، أی علمت، وآذننی فلان، أعلمنی، وفعله بإذنی: أی بعلمی.

وقال الخلیل: ومن ذلک: أذن لی فی کذا، ومن الباب الأذان؛ لأنّه إعلام بدخول الوقت، یقال: أذن بالشّیء إذنا وأذنا وأذانة: علم.

وفی التّنزیل العزیز: ﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﱠ ([24])أی کونوا على علم، وقد آذنته بکذا أی أعلمته، واستأذنت فلانا استئذانا طلبت إذنه وأذّنت أکثرت الإعلام بالشّیء، وآذنتک بالشّیء أعلمتک به، قال الله عزّ وجلّ: فَقُلْ آذَنْتُکُمْ عَلى سَواءٍ ([25]).

ویقال: فعلت کذا وکذا بإذنه؛ أی بعلمه؛ ویکون بإذنه وبأمره، وأذن له فی الشّیء إذنا، أباحه له، وأذن له علیه: أخذ له منه الإذن ([26]).

واصطلاحا: عرفه الحافظ ابن حجر بقوله: طلب الإذن فی الدّخول لمحلّ             لا یملکه المستأذن([27]).

وبالنظر الى آیات الاستئذان الواردة فی هذه السورة نجد أن الاستئذان ینقسم الى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: اسْتِئْذَانُ الْأَجَانِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. ومن الآیات التی تدل على ذلک قوله تعالى:  ﱡﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊﱋﱌ  ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ  ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ  ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱠ النور:             ٢٧ – ٢٩ .

سبب نزول الآیة: ورد فی سبب نزولها: أن امرأة من الأنصار، جاءت الى رسول الله صلى الله علیه وسلم، فقالت: یا رسول الله، إنی أکون فی بیتی على حال لا أحب أن یرانی علیها أحد، وإنه لا یزال یدخل على رجل من أهلی، وأنا على تلک الحال، فکیف أصنع؟ فنزلت: ﱡﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﱠ ([28]).

قال ابن عاشور:(إنَّ مِنْ أَکْبَرِ الْأَغْرَاضِ فِی هَذِهِ السُّورَةِ تَشْرِیعُ نِظَامِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ الْعَائِلِیَّةِ فِی التَّجَاوُرِ.

فَهَذِهِ الْآیَاتُ اسْتِئْنَافٌ لِبَیَانِ أَحْکَامِ التَّزَاوُرِ وَتَعْلِیمِ آدَابِ الِاسْتِئْذَانِ، وَتَحْدِیدِ مَا یَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ کَیْلَا یَکُونَ النَّاسُ مُخْتَلِفِینَ فِی کَیْفِیَّتِهِ عَلَى تَفَاوُتِ اخْتِلَافِ مَدَارِکِهِمْ فِی الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَالْمُفِیدِ.

وَقَدْ کَانَ الِاسْتِئْذَانُ مَعْرُوفًا فِی الْجَاهِلِیَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَکَانَ یَخْتَلِفُ شَکْلُهُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُسْتَأْذَنِ عَلَیْهِ مِنْ مُلُوکٍ وَسُوقَةٍ فَکَانَ غَیْرَ مُتَمَاثِلٍ. وَقَدْ یَتْرُکُهُ أَوْ یُقَصِّرُ فِیهِ مَنْ لَا یُهِمُّهُ إِلَّا قَضَاءُ وَطْرِهِ وَتَعْجِیلُ حَاجَتِهِ، وَلَا یَبْعُدُ بِأَنْ یَکُونَ وُلُوجُهُ مُحْرِجًا لِلْمَزُورِ أَوْ مُثْقِلًا عَلَیْهِ فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآیَاتُ لِتَحْدِیدِ کَیْفِیَّتِهِ وَإِدْخَالِهِ فِی آدَابِ الدِّینِ حَتَّى لَا یُفَرِّطَ النَّاسُ فِیهِ أَوْ فِی بَعْضِهِ بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهِمْ فِی الِاحْتِشَامِ وَالْأَنَفَةِ وَاخْتِلَافِ أَوْهَامِهِمْ فِی عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ أَوْ فِی شِدَّتِهَا.

وَشُرِعَ الِاسْتِئْذَانُ لِمَنْ یَزُورُ أَحَدًا فِی بَیْتِهِ لِأَنَّ النَّاسَ اتَّخَذُوا الْبُیُوتَ لِلِاسْتِتَارِ مِمَّا یُؤْذِی الْأَبْدَانَ مِنْ حَرٍّ وَقَرٍّ وَمَطَرٍ وَقَتَامٍ، وَمِمَّا یُؤْذِی الْعِرْضَ وَالنَّفْسَ مِنِ انْکِشَافِ مَا لَا یُحِبُّ السَّاکِنُ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَیْهِ، فَإِذَا کَانَ فِی بَیْتِهِ وَجَاءَهُ أَحَدٌ فَهُوَ لَا یُدْخِلُهُ حَتَّى یُصْلِحَ مَا فِی بَیْتِهِ ولیستر مَا یحب أَنْ یستره ثمَّ بأذن لَهُ أَوْ یَخْرُجُ لَهُ فَیُکَلِّمُهُ مِنْ خَارِجِ الْبَابِ.

وَمَعْنَى ﱡﭐ ﳇﱠ تَطْلُبُوا الْأُنْسَ بِکُمْ، أَیْ تَطْلُبُوا أَنْ یَأْنَسَ بِکُمْ صَاحِبُ الْبَیْتِ، وَأُنْسُهُ بِهِ بِانْتِفَاءِ الْوَحْشَةِ وَالْکَرَاهِیَةِ. وَهَذَا کِنَایَةٌ لَطِیفَةٌ عَنِ الِاسْتِئْذَانِ، أَیْ أَنْ یَسْتَأْذِنَ الدَّاخِلُ، أَیْ یَطْلُبَ إِذْنًا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا یَکُونُ مَعَهُ اسْتِیحَاشُ رَبِّ الْمَنْزِلِ بِالدَّاخِلِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِکٌ: الِاسْتِئْنَاسُ فِیمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ الِاسْتِئْذَانُ([29]).

هَذِهِ آدَابٌ شَرْعِیَّةٌ، أَدَّبَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِینَ، وَذَلِکَ فِی الِاسْتِئْذَانِ أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ أَلَّا یَدْخُلُوا بُیُوتًا غَیْرَ بُیُوتِهِمْ حَتَّى یَسْتَأْنِسُوا، أَیْ: یَسْتَأْذِنُوا قَبْلَ الدُّخُولِ وَیُسَلِّمُوا بَعْدَهُ. وَیَنْبَغِی أَنْ یَسْتَأْذِنَ ثَلَاثًا، فَإِنْ أُذِنَ لَهُ، وَإِلَّا انْصَرَفَ، کَمَا ثَبَتَ فِی الصَّحِیحِ: أَنَّ أَبَا مُوسَى حِینَ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا، فَلَمْ یُؤْذَنْ لَهُ، انْصَرَفَ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَیْسٍ یَسْتَأْذِنُ؟ ائْذَنُوا لَهُ. فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ قَدْ ذَهَبَ، فَلَمَّا جَاءَ بَعْدَ ذَلِکَ قَالَ: مَا رَجَعَک؟ قَالَ: إِنِّی اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ یُؤْذَنْ لِی، وَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وسلم یَقُولُ: "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُکُمْ ثَلَاثًا، فَلَمْ یُؤْذَنْ لَهُ، فَلْیَنْصَرِفْ". فَقَالَ: لَتَأتِیَنَّ عَلَى هَذَا بِبَیِّنَةٍ وَإِلَّا أَوْجَعْتُکَ ضَرْبًا. فَذَهَبَ إِلَى مَلَأٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَذَکَرَ لَهُمْ مَا قَالَ عُمَرُ، فَقَالُوا: لَا یَشْهَدُ لَکَ إِلَّا أَصْغَرُنَا. فَقَامَ مَعَهُ أَبُو سَعِیدٍ الخُدْریّ فَأَخْبَرَ عُمَرَ بِذَلِکَ، فَقَالَ: أَلْهَانِی عَنْهُ الصَّفْق بِالْأَسْوَاقِ([30]).

القسم الثانی: اسْتِئْذَان الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ:

ومن الآیات التی تدل على ذلک قوله تعالى: ﱡﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﱠ النور: ٥٨ هَذِهِ الْآیَاتُ الْکَرِیمَةُ اشْتَمَلَتْ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمَا تقدَّم فِی أَوَّلِ السُّورَةِ فَهُوَ اسْتِئْذَانُ الْأَجَانِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِینَ أَنْ یستأذنَهم خَدَمُهم مِمَّا ملکَت أَیْمَانُهُمْ وَأَطْفَالُهُمُ الَّذِینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْهُمْ فِی ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

الْأَوَّلُ : مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إِذْ ذَاکَ یَکُونُونَ نِیَامًا فِی فُرُشِهِمْ

الثانی: ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﱠ أَیْ: فِی وَقْتِ الْقَیْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ یَضَعُ ثِیَابَهُ فِی تِلْکَ الْحَالِ مَعَ أَهْلِهِ.

الثالث: ﱡﭐﲴ ﲵ ﲶ ﲷﱠ أَنَّهُ وَقْتُ النَّوْمِ، فیُؤمَرُ الخدمُ وَالْأَطْفَالُ أَلَّا یهجمُوا عَلَى أَهْلِ الْبَیْتِ فِی هَذِهِ الْأَحْوَالِ، لِمَا یُخْشَى مِنْ أَنْ یَکُونَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ، وَنَحْوِ ذَلِکَ مِنَ الْأَعْمَالِ؛ َلِهَذَا قَالَ:  ﱡﲹ ﲺ ﲻﲼﱠ: إِذَا دَخَلُوا فِی حَالٍ غَیْرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْکُمْ فِی تَمْکِینِکُمْ إِیَّاهُمْ مِنْ ذَلِکَ، وَلَا عَلَیْهِمْ إِنْ رَأَوْا شَیْئًا فِی غَیْرِ تِلْکَ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَهُمْ فِی الْهُجُومِ، وَلِأَنَّهُمْ ﱡﳄ ﳅﱠ أَیْ: فِی الْخِدْمَةِ وَغَیْرِ ذَلِکَ، وَیُغْتَفَرُ فِی الطَّوَّافِینَ مَا لَا یُغْتَفَرُ فِی غَیْرِهِمْ([31]).

ولهذه الآیة سبب نزول ذکره الواحدی فقال: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامًا مِنَ الْأَنْصَارِ یُقَالُ لَهُ مُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقْتَ الظَّهِیرَةِ لِیَدْعُوَهُ، فَدَخَلَ فَرَأَى عُمَرَ بِحَالَةٍ کَرِهَ عُمَرُ رُؤْیَتَهُ ذَلِکَ، فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا وَنَهَانَا فِی حَالِ الِاسْتِئْذَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآیَةَ([32]).

عَنْ عِکْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَجُلَیْنِ سَأَلَاهُ عَنِ الِاسْتِئْذَانِ فِی الثَّلَاثِ عَوْرَاتٍ الَّتِی أَمَرَ اللَّهُ بِهَا فِی الْقُرْآنِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ ستِّیر یُحِبُّ السَّتْرَ، کَانَ النَّاسُ لَیْسَ لَهُمْ سُتُورٌ عَلَى أَبْوَابِهِمْ وَلَا حِجال فِی بُیُوتِهِمْ، فَرُبَّمَا فَاجَأَ الرجلَ خادمُه أَوْ وَلَدُهُ أَوْ یَتِیمُهُ فِی حجره، وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ یَسْتَأْذِنُوا فِی تِلْکَ الْعَوْرَاتِ الَّتِی سمَّى اللَّهُ. ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بَعْدُ بِالسُّتُورِ، فَبَسَطَ [اللَّهُ]عَلَیْهِمُ الرِّزْقَ، فَاتَّخَذُوا السُّتُورَ وَاتَّخَذُوا الحِجَال، فَرَأَى النَّاسُ أَنَّ ذَلِکَ قَدْ کَفَاهُمْ مِنَ الِاسْتِئْذَانِ الَّذِی أُمِرُوا بِهِ ([33]).

القسم الثالث من أقسام الاستئذان: الاستئذان عند الدخول والانصراف من مجلس النبی صلى الله علیه وسلم قال الله تعالى: ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚﱛ ﱜ  ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ  ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱠ              النور: ٦٢ ، قال ابن سعدی:(هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنین، أنهم إذا کانوا مع الرسول صلى الله علیه وسلم على أمر جامع، أی: من ضرورته أو من مصلحته، أن یکونوا فیه جمیعا، کالجهاد، والمشاورة، ونحو ذلک من الأمور التی یشترک فیها المؤمنون، فإن المصلحة تقتضی اجتماعهم علیه وعدم تفرقهم، فالمؤمن بالله ورسوله حقا، لا یذهب لأمر من الأمور، لا یرجع لأهله، ولا یذهب لبعض الحوائج التی یشذ بها عنهم، إلا بإذن من الرسول أو نائبه من بعده، فجعل موجب الإیمان، عدم الذهاب إلا بإذن، ومدحهم على فعلهم هذا وأدبهم مع رسوله وولی الأمر منهم، فقال: ﱡﱒ ﱓ ﱔ  ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱠ ولکن هل یأذن لهم أم لا؟ ذکر لإذنه لهم شرطین:

أحدهما: أن یکون لشأن من شئونهم، وشغل من أشغالهم، فأما من یستأذن من غیر عذر، فلا یؤذن له.

والثانی: أن یشاء الإذن فتقتضیه المصلحة، من دون مضرة بالآذن، قال: ﱡﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱠ فإذا کان له عذر واستأذن، فإن کان فی قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأیه، أو شجاعته، ونحو ذلک، لم یأذن له، ومع هذا إذا استأذن، وأذن له بشرطیه، أمر الله رسوله أن یستغفر له، لما عسى أن یکون مقصرا فی الاستئذان، ولهذا قال: ﱡﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱠ یغفر لهم الذنوب ویرحمهم، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر([34]).

ففی هذه الآیة أَدَبٌ أَرْشَدَ اللَّهُ عبادَه الْمُؤْمِنِینَ إِلَیْهِ، فَکَمَا أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِئْذَانِ عِنْدَ الدُّخُولِ، کَذَلِکَ أَمْرَهُمْ بِالِاسْتِئْذَانِ عِنْدَ الِانْصِرَافِ -لَا سِیَّمَا إِذَا کَانُوا فِی أَمْرٍ جَامِعٍ مَعَ الرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَیْهِ، مِنْ صَلَاةِ جُمُعَةٍ أَوْ  عِیدٍ أَوْ  جَمَاعَةٍ، أَوِ اجْتِمَاعٍ لِمَشُورَةٍ وَنَحْوِ ذَلِکَ -أَمْرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَلَّا یَنْصَرِفُوا عَنْهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِ وَمُشَاوَرَتِهِ. وَإِنَّ مَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ فَهُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ الْکَامِلِینَ.

ثُمَّ أَمَرَ رَسُولَهُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَیْهِ -إِذَا اسْتَأْذَنَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِی ذَلِکَ أَنْ یَأْذَنَ لَهُ، إِنْ شَاءَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﱡﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱠ ([35]).

فوائد الاستئذان: من فوائد الاستئذان ما یلی:

1-    یتیح للإنسان أن یتصرّف فی بیته کما یشاء بما یرضی الله فیأذن لمن یرید ویردّ من یرید بغیر حرج.

2-    سدّ الذّرائع إذ إنّ عدم الاستئذان یستلزم وقوع النّظر على ما لا یحلّ، وقد یکون هذا سببا لفتنة بعد ذلک.

3-    الاستئذان یرفع الحرج عن المستأذن والمستأذن علیه.

4-    الاستئذان یشیع جوّ الأمان فی المجتمع فیأمن کلّ عدم اقتحام البیت إلّا بإذنه.

5-    تؤدّی فضیلة الاستئذان إلى الغبطة والسّرور.

6-    الاستئذان یؤدّی إلى الأنس وإزالة الرّهبة والخوف.

7-    الاستئذان یتیح الفرصة لصاحب البیت بأن یداری عوراته وکلّ ما یکره.

8-    بالاستئذان ترضى النّفوس ولا ینزل بها الغضب وتحفظ الحرمات ([36]).

غض البصر وتحصین الفرج:

من الآداب والقیم التی نوهت بها سورة النور غض البصر وحفض الفرج قال القرطبیّ فی تفسیره: البصر: هو الباب الأکبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواسّ إلیه، وبحسب ذلک کثر السّقوط من جهته، ووجب التّحذیر منه، وغضّه واجب عن جمیع المحرّمات. وکلّ ما یخشى الفتنة من أجله([37]).

قال تعالى: ﱡﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﱠ النور: ٣٠ - ٣١


تعریف الغض لغة واصطلاحا:

الغض لغة:

مصدر قولهم: غضّ بصره یغضّه غضّا، وهو مأخوذ من مادّة (غ ض ض) الّتی تدلّ على معنیین:

أحدهما: الکفّ والنّقص، والاخر: الطّراوة، وغضّ البصر من المعنى الأوّل، وکلّ شیء کففته فقد غضضته، ومنه قولهم تلحقه فی ذلک غضاضة، أی أمر یغضّ له بصره ([38]).

البصر لغة:

اسم لآلة الإبصار، وهو مأخوذ من مادّة (ب ص ر) الّتی تدلّ على العلم بالشّیء، ومنه أیضا:

البصیرة، وقال الجوهریّ: البصر: حاسّة الرّؤیة، وأبصرت الشّیء رأیته، والبصیر خلاف الضّریر، وباصرته إذا أشرفت تنظر إلیه من بعید ([39]).

تعریف غض البصر اصطلاحا: أن یغمض المسلم بصره عمّا حرّم علیه،           ولا ینظر إلّا لما أبیح له النّظر إلیه، ویدخل فیه أیضا إغماض الأبصار عن المحارم، فإن اتّفق أن وقع البصر على محرّم من غیر قصد فلیصرف بصره سریعا ([40]).

قال ابن تیمیّة- رحمه الله تعالى-: قد أمر الله فی کتابه بغضّ البصر وهو نوعان: غضّ البصر عن العورة، وغضّه عن محلّ الشّهوة.

فالأوّل منهما: کغضّ الرّجل بصره عن عورة غیره، کما قال النّبیّ «لا ینظر الرّجل إلى عورة الرّجل ولا المرأة إلى عورة المرأة» ویجب على الإنسان أن یستر عورته.

وأمّا النّوع الثّانی: فهو غضّ البصر عن الزّینة الباطنة من المرأة الأجنبیّة وهذا أشدّ من الأوّل ([41]).

فوائد غض البصر:

  1. إنّ غضّ البصر عن العورة الّتی ینهى عن النّظر إلیها کالمرأة والأمرد الحسن له ثلاث فوائد:

أ‌-       حلاوة الإیمان ولذّته والّتی هی أطیب وأحلى ممّا ترکه لله، فإنّ من ترک شیئا للهّ عوّضه الله خیرا منه.

ب‌-   نور القلب والفراسة، ولذلک ذکر الله عزّ وجلّ، عقب آیات غضّ البصر الّتی فی سورة النّور قوله تعالى: ﱡﭐﲙ ﲚ ﲛ ﲜالنور: ٣٥؛ وذلک لأنّ الله- عزّ وجلّ- یجزی العبد على عمله بما هو من جنسه. فلمّا منع العبد نور بصره أن ینفذ إلى ما لا یحلّ، أطلق نور بصیرته وفتح علیه باب العلم والمعرفة.

ت‌-   قوّة القلب وثباته وشجاعته فیجعل الله له سلطان البصیرة مع سلطان الحجّة.

  1. یبدل الله صاحبه نورا یجد حلاوته فی قلبه.
  2. فیه طاعة لله ورسوله یترتّب علیها محبّة توصله إلى إلى الجنّة.
  3. من أهمّ الصفات الّتی یتحلّى بها المؤمن وتتولّد من الحیاء.
  4. فیه راحة للنّفس والبدن.
  5. یصون المحارم ویجنّب الوقوع فی الزّلل.
  6. یجعل المجتمع المتحلّی بهذه الصّفة مجتمعا آمنا متحابّا.
  7. یصون المجتمع من انتشار الزّنى.
  8. یضرّ بالشّیطان وأعوانه ویستجلب العفّة([42]).

قوله تعالى ﱡﭐﱳﱴﱵﱠ النور: ٣٠ وَلَمَّا کَانَ النَّظَرُ دَاعِیَةً إِلَى فَسَادِ الْقَلْبِ، کَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "النَّظَرُ سِهَامُ سُمٍّ إِلَى الْقَلْبِ"؛ وَلِذَلِکَ أَمَرَ اللَّهُ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ کَمَا أَمَرَ بِحِفْظِ الْأَبْصَارِ الَّتِی هِیَ بَوَاعِثُ إِلَى ذَلِکَ، فَقَالَ: ﱡﭐﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱠ. وحفظُ الفَرج تَارَةً یَکُونُ بِمَنْعِهِ مِنَ الزِّنَى، کَمَا قَالَ تعالى:   ﱡﲞﲟ ﲠ ﲡﱠ  المعارج:٢٩ وَتَارَةً یَکُونُ بِحِفْظِهِ مِنَ النَّظَرِ إِلَیْهِ.

قال ابن عاشور: فَالْمُرَادُ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ حِفْظُهَا مِنْ أَنْ تُبَاشِرَ غَیْرَ مَا أَبَاحَهُ الدِّینُ ([43]).

قال البغویّ- رحمه الله- فی قوله تعالى: ﱡﲞﲟ ﲠ ﲡﱠ الفرج اسم یجمع سوأة الرّجل والمرأة، وحفظ الفرج التّعفّف عن الحرام ([44]).

إنّ حفظ الفروج وما یستلزمه من غضّ البصر والعفّة عن المحارم یؤدّی إلى تماسک بنیان المجتمع وسلامته من الأمراض الاجتماعیّة الفتّاکة کاختلاط الأنساب، والأمراض الصّحّیّة المهلکة کمرض الإیدز الّذی انتشر فی المجتمعات الفاجرة الماجنة بصورة تؤدّی إلى الخراب والدّمار، أمّا على المستوى الفردیّ فإنّ حفظ الفرج یجنّب صاحبه ویلات الزّنا- وما أکثرها- وقد أشار إلى بعض ذلک الإمام ابن القیّم عند ما قال: الزّنا یجمع خلال الشّرّ کلّها من قلّة الدّین، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلّة الغیرة ([45]).

قال القاسمی: سر تقدیم غض الأبصار على حفظ الفروج، هو أن النظر برید الزنا ورائد الفجور، ولأن البلوى فیه أشد وأکثر. ولا یکاد یقدر على الاحتراس منه. فبودر إلى منعه. ولأنه یتقدم الفجور فی الواقع، فجعل النظم على وفقه ([46]).

وأخیرا هذا هو هدف الاسلام: إقامة مجتمع نظیف طاهر عفیف لا تهاج فیه الشهوات وأبرز وسائل الاسلام إلى انشاء مجتمع نظیف هی الحیلولة من إطلاق العنان للبصر ومن ثم حفظ الفرج وابقاء الطباع البشریة سلیمة نقیة ([47]).

العفة:

من الآداب والقیم التی ذکرت فی سورة النور العفة قال الله تعالى: ﱡﭐﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ  ﱾﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﲉﱠ النور: ٣٣

العفة لغة:

مصدر قولهم عفّ عن الشّیء یعفّ عفّة، وهذا مأخوذ من مادّة (ع ف ف) الّتی تدلّ على «الکفّ عن القبیح» یقال: عفّ عن الحرام یعفّ عفّا وعفّة وعفافا وعفافة، أی کفّ، وقال الرّاغب: أصل العفّة الاقتصار على تناول الشّیء القلیل الجاری مجرى العفافة (أی البقیّة من الشّیء) أو مجرى العفعف وهو ثمر الأراک، والاستعفاف طلب العفّة.

وقال ابن منظور: العفّة: الکفّ عمّا لا یحلّ ویجمل، والعفّة أیضا: النزاهة. ویقال: عفّ عن المحارم والأطماع الدّنیّة، یعفّ عفّة وعفّا وعفافة وعفافا فهو عفیف، وتعفّف أی تکلّف العفّة. والعفاف أیضا: هو الکفّ عن الحرام والسّؤال من النّاس.

والاستعفاف: طلب العفاف، وهذا معنى قول الله تعالى: ﱡﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱠ([48]).

واصطلاحا:

قال الرّاغب: العفّة حصول حالة للنّفس تمتنع بها عن غلبة الشّهوة، والمتعفّف هو المتعاطی لذلک بضرب من الممارسة والقهر([49]).

وقال الکفویّ: العفّة هی الکفّ عمّا لا یحلّ([50]).

وقال ابن عثیمین: البعد عن الزنا وأسبابه ومقدماته ([51]).

قال ابن عاشور: ﱡﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟﱠ. أَمَرَ کُلَّ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ بِالْإِنْکَاحِ بِأَنْ یُلَازِمُوا الْعَفَافَ فِی مُدَّةِ انْتِظَارِهِمْ تَیْسِیرَ النِّکَاحِ لَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ بِإِذْنِ أَوْلِیَائِهِمْ وَمَوَالِیهِمْ. وَالسِّینُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِی الْفِعْلِ، أَیْ وَلْیَعِفَّ الَّذِینَ لَا یَجِدُونَ نِکَاحًا. وَوَجْهُ دِلَالَتِهِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ أَنَّهُ فِی الْأَصْلِ اسْتِعَارَةٌ. جعل طَلَبَ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ طَلَبِ السَّعْیِ فِیهِ لِیَدُلَّ عَلَى بَذْلِ الْوُسْعِ.

وَمَعْنَى لَا یَجِدُونَ نِکاحاً لَا یَجِدُونَ قُدْرَةً عَلَى النِّکَاحِ فَفِیهِ حَذْفُ مُضَافٍ. وَقِیلَ النِّکَاحُ هُنَا اسْمُ مَا هُوَ سَبَبُ تَحْصِیلِ النِّکَاحِ کَاللِّبَاسِ وَاللِّحَافِ. فَالْمُرَادُ الْمَهْرُ الَّذِی یُبْذَلُ لِلْمَرْأَةِ ([52]).

قال ابن کثیر فی قَوْلُهُ تَعَالَى: ﱡﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟﱠ هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ لَا یَجِدُ تَزْوِیجًا بِالتَّعَفُّفِ عَنِ الْحَرَامِ، کَمَا قَالَ -عَلَیْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "یَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْکُمُ الْبَاءَةَ فَلْیَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَمَنْ لَمْ یَسْتَطِعْ فَعَلَیْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء"([53]).

وَهَذِهِ الْآیَةُ مُطْلَقَةٌ، وَالَّتِی فِی سُورَةِ النِّسَاءِ أَخَصُّ مِنْهَا، وَهِیَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﱡﭐﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷﱸ ﱹﱺﱻ ﱼ ﱽﱾ ﱿ ﲀ ﲁﲂ ﲃ ﲄﲅﲆ ﲇ ﲈ  ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ  ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ  ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ  ﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ ﲰ ﲱ ﲲ  ﲳﱠ النساء: ٢٥ أَیْ صَبْرُکُمْ عَنْ تَزْوِیجِ الْإِمَاءِ خَیْرٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ یَجِیءُ رَقِیقًا، ﱡﭐ ﲰ ﲱ ﲲﱠ.

قَالَ عِکْرِمَةُ فِی قَوْلِهِ: ﱡﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱠ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ یَرَى الْمَرْأَةَ فَکَأَنَّهُ یَشْتَهِی، فَإِنْ کَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلْیَذْهَبْ إِلَیْهَا وَلْیَقْضِ حَاجَتَهُ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ یَکُنْ لَهُ امرأة فلینظر فی ملکوت السموات وَالْأَرْضِ حَتَّى یُغْنِیَهُ اللَّهُ([54]).

من فوائد (العفة):

  1. حفظ الجوارح عمّا حرّم الله، وقیامها بما خلقت له.
  2. حفظ الأعراض فی الدّنیا، ولذّة النّعیم فی الآخرة.
  3. هی رکن من أرکان المروءة الّتی ینال بها الحمد والشّرف.
  4. نظافة المجتمع من المفاسد والمآثم.
  5. إشاعتها فی المجتمع تجعله مجتمعا صالحا.
  6. دلیل کمال النّفس وعزّها.
  7. صاحبها مستریح النّفس مطمئنّ البال.
  8. دلیل وفرة العقل، ونزاهة النّفس([55]).


النتائج

1-          اهتمت سورة النور بالأسرة اهتماما کبیرا وأحاطتها بسیاج منیع من کل فحش وسوء.

2-          تعلیم الصغار من الأبناء والبنات آداب الاستئذان حتى لا تقع أعینهم على محظور.

3-          فی السورة إیجاب الاستئذان قبل دخول البیوت صیانة لأعراض الساکنین.

4-          فی السورة حث على غض البصر وحفظ الفرج صیانة للمجتمع من کل فاحشة ورذیلة.

5-          الحرص الشدید على حفظ اللسان وعدم الخوض به فیما لا فائدة فیه.

6-          الاستعفاف بالزواج فإنه أغص للبصر وأحصن للفرج.



[1])) التفسیر المنیر للزحیلی 18/118

([2])الجامع لأحکام القرآن 12/158

([3]) نظم الدرر فی تناسب الآیات والسور 5/229

[4])) التحریر والتنویر(18/140-141

([5]) معجم مقاییس اللغة:1/309

([6]) معجم مقاییس اللغة 5/246

([7]) مختار الصحاح 1/612

([8]) فی ظلال القرآن 4/2490

([9]) انظر تفسیر سورة النور لابن عثیمین ص 24)

([10]) التحریر والتنویر لابن عاشور18/170)

[11])) 1/563

([12]) انظر: لسان العرب لابن منظور [15/ 72، المصباح المنیر) للفیومی [2/ 419].

([13]) مقاییس اللغة لابن فارس [4/ 56].

([14]) تحفة الأحوذی) للمبارکفوری [6/ 143]

([15]) مفردات ألفاظ القرآن ص [574]).

([16]) لسان العرب) لابن منظور2/ 512

([17]) انظر: ((أضواء البیان) للشنقیطی5/ 487

([18]) انظر: (التوقیف على مهمات التعاریف) للمناوی، ص 457

([19]) الجامع لأحکام القرآن) للقرطبی 2/ 71

([20]) الفروق) لأبی هلال العسکری، ص 362

([21]) الجامع لأحکام القرآن) [2/ 71

([22]) تفسیر ابن کثیر (6/31)

[23])) انظر بتصرف موسوعة الأخلاق موقع الدرر السنیة

([24]) البقرة/ 279

([25]) الأنبیاء/ 109

([26]) لسان العرب لابن منظور (1/ 5451) وانظر کذلک الصحاح للجوهری (5/ 2068، 2069)، والتعریفات للجرجانی (16)، ومقاییس اللغة (1/ 76

([27]) الفتح 11/3

([28]) أسباب النزول للواحدی1/324

([29]) التحریر والتنویر18/197

([30]) أخرجه البخاری فی صحیحه رقم6245ومسلم رقم 2153

([31]) تفسیر ابن کثیر6/81-82

([32]) أسباب النزول 1/329

([33]) أخرجه ابن ابی حاتم فی تفسیره برقم 14788) وقال ابن کثیر:وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِیحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ(6/86)

([34]) تفسیر السعدی1/576

([35]) تفسیر ابن کثیر6/88

[36])) نضرة النعیم2/195)

([37]) تفسیر القرطبی (12/223)

([38]) مقاییس اللغة لابن فارس (4/ 248) والصحاح (3/ 1095)

([39]) مقاییس اللغة لابن فارس (1/ 253) ، والصحاح (2/ 925)

([40]) تفسیر ابن کثیر 6/41) بتصرف

([41]) مجموع الفتاوى 15/414

([42]) نضرة النعیم 7/3076

([43]) التحریر والتنویر18/204

([44]) معالم التنزیل (18/ 303

([45]) نضرة النعیم 5/1654

([46]) محاسن التاویل 7/371

([47]) فی ظلال القران 4/6511

([48]) لسان العرب (4/ 3015) . والصحاح (4/ 1405- 1406) ، والمقاییس (4/ 3) ، والمفردات (339)

([49]) المفردات (339.

([50]) انظر الکلیات (656)

([51]) تفسیر سورة النور227

([52]) التحریر والتنویر18/218

([53]) أخرجه البخاری 3/412 ومسلم 4/128من حدیت ابن مسعود

([54]) التفسیر 6/52

([55]) نضرة النعیم 7/2888)

  1.  

    1. القرآن الکریم .
    2. أسباب النزول للواحدی علی بن أحمد، مؤسسة الحلبی وشرکاه للنشر.
    3. أضواء البیان فی إیضاح القرآن بالقرآن لمحمد بن الأمین بن مختار الشنقیطی، دار الفکر للطباعة والنشر، بیروت .
    4. التحریر والتنویر للطاهر بن عاشور التونسی، الدار التونسیة للنشر.
    5. التعریفات للجرجانی علی بن محمد الشریف، دار الکتب العلمیة بیروت.
    6. تحفة الأحوذی بشرح جامع الترمذی للمبارکفوری، دار الکتب العلمیة بیروت .
    7. تفسیر السعدی (تیسیر الکریم الرحمن فی تفسیر کلام المنان لعبدالرحمن بن ناصر عبد الله السعدی، مؤسسة الرسالة.
    8. تفسیر القرآن العظیم لابن أبی حاتم، مکتبة نزار مصطفى الباز.
    9. تفسیر القرآن الکریم لأبی الفداء إسماعیل بن عمر بن کثیر، دار طیبة للنشر والتوزیع .
    10. التفسیر المنیر، وهبة الزحیلی، دار الفکر الدمشق.
    11. تفسیر سورة النور، للشیخ محمد بن صالح العثیمین، مؤسسة الشیخ محمد العثیمین الخیریة .
    12. التوقیف على مهمات التعاریف للمناوی زین الدین محمد، عالم الکتب.
    13. الجامع لأحکام القرآن لأبی عبدالله محمد بن أحمد القرطبی، دار عالم الکتب.
    14. صحیح مسلم (الجامع الصحیح) للإمام مسلم بن الحجاج النیسابوری، دار الجیل.
    15. فتح الباری شرح صحیح البخاری لابن حجر أحمد بن علی العسقلانی، دار المعرفة بیروت.
    16. الفروق لأبی هلال العسکری، الحسن بن عبدالله، دار العلم والثقافة للنشر والتوزیع .
    17. فی ظلال القرآن، سید قطب، دار الشروق.
    18. الکلیات معجم فی المصطلحات والفروق اللغویة لأبی البقاء الحسنی الکفوی، دار الرسالة .
    19. لسان العرب لابن منظور، دار المعارف.
    20. مجموع الفتاوى لشیخ الإسلام ابن تیمیة.
    21. محاسن التأویل للقاسمی محمد جمال الدین، دار الکتب العلمیة بیروت.
    22. مختار الصحاح لمحمد بن أبی الرازی، مکتبة لبنان ناشرون، بیروت .
    23. المصباح المنیر فی غریب الشیح الکبیر للفیومی أحمد بن محمد بن علی، المکتبة العلمیة بیروت.
    24. معالم التنزیل للبغوی لأبی محمد الحسین بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.
    25. معجم مقاییس اللغة أحمد بن فارس بن زکریا الرازی، دار الفکر.
    26. المفردات فی غریب القرآن لأبی القاسم الراغب الأصفهانی، دار القلم، دمشق، بیروت.
    27. موسوعة الأخلاق، موقع الدرر السنیة.
    28. نضرة النعیم فی مکارم أخلاق الرسول الکریم تألیف عدد من المختصین بإشراف الشیخ/ صالح بن عبدالله بن حمید، دارالوسیلة للنشر والتوزیع.
    29. نظم الدرر فی تناسب الآیات والسور للبقاعی إبراهیم بن عمر، دار الکتاب الاسلامی القاهرة.